المسائل الصاغانية

المسائل الصاغانية0%

المسائل الصاغانية مؤلف:
الناشر: كنگره شيخ مفيد
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 177

المسائل الصاغانية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبرى البغدادى (الشيخ المفيد)
الناشر: كنگره شيخ مفيد
تصنيف: الصفحات: 177
المشاهدات: 43607
تحميل: 3135

توضيحات:

المسائل الصاغانية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 177 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 43607 / تحميل: 3135
الحجم الحجم الحجم
المسائل الصاغانية

المسائل الصاغانية

مؤلف:
الناشر: كنگره شيخ مفيد
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فصل

ثم قال هذا الشيخ المتفقه عند نفسه: وقد بلغني عن فسوق فقيه(1) الرافضة، ومتكلم لهم من أهل بغداد، كان قد سرق الكلام من أصحابنا المعتزلة، فبان بالفهم من طائفته لذلك، ولفَّق طريقاً في الاحتجاج لفقههم، يسرقه من أصحابنا الفقهاء، أنه ادعى للمتمتعة سمة الزوجة، ليخلص من الحجة عليه في حظرها سمة الزوجة بقوله تعالى:(والذين هم لفروجهم حافظون () إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين) (2) .

وهذا مذهب أحدثه هذا المتكلم لأصحابه، لم يتقدم في القول به أحد منهم، وحسبه به خروجاً عن الإجماع.

فصل

فيقال له: لسنا نعرف للشيعة فقيهاً متكلماً على ما حكيت عنه من أخذه الكلام من المعتزلة، وتلفيقه الاحتجاج للفقه على طريقة أصحابك، وهذا من تخرصك الذي أسلفت نظائره قبل هذا المكان، وادعاؤك على هذا الرجل المذكور الخروج بما رسم بالمتعة من الزوجية عن الإجماع، لاحق ببهتانك فيما مضى، والمحللون لها من الشيعة وغيرهم لا يختلفون في أنها زوجة، ونكاحها

____________________

(1) في أ: بفقه.

(2) المؤمنون: 5، 6.

٤١

صحيح مشروع في ملّة الإسلام، إلا أن يجهل ذلك بعض عامتهم، فلا يكون في جهله للحق عيار على العلماء، فإن كان عندك شئ أكثر من الدعاوي الباطلة والسباب فهلمَّه، وإلا فالصمت أستر لعيبك الذي فضحك بين الملأ.

فصل

ثم قال صاحب الكلام: وبعد فإنا نقول له: أيقع بالمتعة طلاق؟ فإن قال: نعم، زالت الشبهة في مكابرته لأصحابه أولاً، ثم لسائر الناس، وإن قال: لا، قيل له: كيف تكون زوجة من لا يقع بها الطلاق؟! وهذا معروف من ملة الإسلام.

فصل

فيقال له: أما المحفوظ من قول محللي المتعة فهو أنها لا يحتاج في فراقها لنكاحها إلى أكثر من حلول الأجل الذي وقع عليه العقد(1) ، وأما وقوع الطلاق بها قبل وقوع الأجل فليس عنهم في شئ محفوظ، وسواء قالوا: إنه يقع طلاق أو لا يقع، فإنه لا يلزمهم ما ظننت في الكلام، ولا يخرجون بما يقولونه فيه من الإجماع.

وذلك أنهم وإن حكموا بأن الطلاق لا يقع بها، احتجوا فيه: بأن الأجل

____________________

(1) انظر: المقنع: 114، الانتصار: 115، الوسيلة: 310.

٤٢

مبين لها باتفاق من دان بتحليلها، ووقوع الطلاق غير محكوم به عليها، لعدم الحجة من الشريعة بذلك في حكمها، وما سبيله الشرع فلا نقتضب(1) إلّا منه، ومتى لم يثبت في الشريعة لحوق الطلاق بها، لم يجز الحكم به على حال، و ليس في ذلك خروج عن الإجماع، لأن الأمة إنما أجمعت على وقوع الطلاق الثلاث بالزوجات التي لا ينعقد نكاحهنّ بالآجال، ولم يجمعوا على أنه واقع بالزوجات كلهن على العموم والاستيعاب، وليس يجوز حمل حكم بعض الزوجات على بعض في ملة الإسلام، لفساد القياس بها، لا سيما فيما لا تعرف له علة توجب الحكم فيعدى بها إلى ما سواه.

وإن قالوا: إن الطلاق يقع بها قبل الأجل، لأنها زوجة، أو للاستظهار والاختبار والخروج بالتبرء عما فيه الشبهة من الاختلاف. لم يلزمهم في ذلك شئ يقدره مخالفوهم من الأحوال.

ودعوى الخصم في هذا الفصل: أنهم خارجون به عن الإجماع، باطلة، لأنا قد بينا أنه لم يحفظ عنهم فيه ولا في نقيضه مقال، فكيف يكون القول بأحدهما خروجا عن الإجماع؟! اللهم إلا أن يعني بذلك أن القول فيما لم يُقَل فيه ولا في خلافه شئ يكون مبتدعاً، فيلزمه ذلك في كل ما تفرّع عن المسائل التي قال فيها برأيه، ولم يكن فيه قول، لإغفاله، أو عدم خطوره لهم ببال، أو لأنه لم يتقدم فيه سؤال.

ومتى صار إلى ذلك بدَّع جميع المتفقهة عنده، وخرج عن العرف فيما يحكم له بالإجماع، أو بخلافه عند الفقهاء.

____________________

(1) يقال اقتضب الحديث: انتزعه واقتطعه. (لسان العرب 1: 678)

٤٣

وأقلُّ ما في هذا الباب أن يكون الحكم فيما حدث الآن ولم يحدث فيما سلف خروجاً عن الإجماع، وليس له أن ينفصل منا في هذا المعنى بما يذهب إليه من القول بالقياس - وإن لم نقل بمثل مقاله فيه - فإنا نقول في الشريعة ما يوجبه اليقين منها، والاحتياط للعبادات، فنقول على الحكم في الأشياء بما يقتضيه الأصل، إن كان يدل عليه دليل حظر أو إباحة، من طريق السمع أو العقل، ولا ينتقل ذلك عن حكم شرعي إلا بنص شرعي.

وهذه جملة لها تفصيل لا يحتملها(1) هذا المكان، وهي أيضاً منصوصة عندنا من طريق الآثار، إذ كنَّا لا نرى القول بالظن في الأحكام.

فصل

ثم قال صاحب الكلام: على أنهم إن حملوا أنفسهم على وقوع الطلاق بها، وخالفوا الإجماع، قيل لهم: هذا ينقض أصلكم في عددهن، على ما تذهبوا إليه في ذلك، لأن الله جلَّ اسمه يقول:(وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ) (2) ، ومن مذهبكم أن المتمتع بهن عددهن قرءان، فقولكم بوقوع الطلاق بهن يقتضي نقض مذهبكم، وقولكم بمذهبكم في عددهن بما(3) وصفناه يناقض حكم القرآن.

____________________

(1) في جميع النسخ: يحملها.

(2) البقرة: 228.

(3) (بما) ساقطة من جميع النسخ، وإثباتها أنسب.

٤٤

فصل

فيقال له: إنما يجب الحكم بالعموم ما لم يقم دليل على الخصوص، باتفاق القائلين بالعموم من المتكلمين والفقهاء(1) ، فأما ما خصَّه البرهان فالحكم بعمومه بخلاف العقول ودين الإسلام، وهذه الآية مخصوصة عندنا بالسنة عن النبي (عليه السلام).

فصل

ويقال له: ما تقول في الإماء المنكوحات بعقد النكاح أيقع بهن طلاق؟ فإن قلت: لا، خرجت عن ملة الإسلام، وإن قلت: نعم، ناقضت بحكمك علينا ظاهر القرآن، فإن عدد الإماء من الطلاق - إذا كنَّ يحضن - قرءان، وإن لم يكنَّ من ذوات الحيض للارتياب فشهر ونصف(2) ، وذلك مخالف لظاهر قوله تعالى:(وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ) (3) ، فقل ما شئت في هذا المكان، فإنه مسقط لشناعتك علينا فيما احتججت به من عموم القرآن.

____________________

(1) المستصفى 2: 98، الإبهاج في شرح المنهاج 2: 140.

(2) الأم 5: 216، المغني 9: 92، 98 الشرح الكبير 9: 96، 105، المبسوط للسرخسي 6: 39، شرح فتح القدير 4: 140، المحلّى 10: 306، تبيين الحقائق 3: 28، الوجيز 2: 94 - 95، السراج الوهاج: 449.

(3) البقرة: 228.

٤٥

فصل

ثم قال هذا الشيخ المتفقه عند نفسه: ومما يقال لهذه الفرقة المبتدعة ما تقولون في الإيلاء، أيقع بالمستمتع بها عندكم؟ فإن قالوا: نعم، كابروا أيضاً بالخروج عن أصولهم، وإن قالوا: لا، قيل لهم: كيف تكون زوجة والإيلاء غير واقع بها؟! مع قول الله عزَّ اسمه:(لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِن فَاءُوا فَإِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّـهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (1) .

فصل

فيقال له: لسنا نقول إن المستمتع بها يلحقها الإيلاء، وهذا منصوص عندنا عن أئمتنا (عليهم السلام)(2) ، وليس يمنع عدم لحوق الإيلاء بالمتعة أن لا تكون من جملة الأزواج، لأن فيهن عندنا من لا يقع بها الإيلاء، في حال و أحوال، وهي:

التي وقع عليها العقد ولم يدخل بها الزوج، فإنه لا يقع بهذا الإيلاء، بالأمر الصحيح والسنة عن النبي (صلى الله عليه وآله)(3) .

____________________

(1) البقرة: 226، 227.

(2) لم أعثر على نص بخصوص المورد، ولكنه هو المشهور بين فقهاء الإمامية، انظر الانتصار للمرتضى: 115.

(3) المقنعة: 52 3، المهذب 2: 302، الوسيلة: 335، النهاية للطوسي: 528، المراسم: 160، فقه القرآن للراوندي: 2: 201، وهو قول عطاء، والزهري، والثوري، المغني 8: 524، الجامع لأحكام القرآن 3: 107، ونسبه الزيلعي إلى أبي حنيفة، انظر تبيين الحقائق 2: 261.

٤٦

والمرضع إذا آلى زوجها أن لا يقربها مخافة من حملها، فيضرُّ ذلك بولدها، لانقطاع لبنها(1) ، وهي زوجة في الحقيقة.

والمريض إذا آلى لصلاح نفسه(2) .

وهذا مما يوافقنا عليه كثير من مخالفينا في الأصول من متفقهة العامة، و ليس القول به فساداً.

فأما التعلق بعموم قوله:(لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) (3) ، ففيه جوابان:

أحدهما: أن هذه التسمية لا تطلق على ذوات الآجال من النساء، ومتى لم تستحق لم تدخل تحت اللفظ، فيقضى بها على العموم.

والآخر: أنها لو كانت مطلقة عليهنّ لخرجن من عموم اللفظ، بدليل الآية المتضمن حكم السنة عن النبي (صلى الله عليه وآله)، والإجماع الذي تعلق به صاحب الكلام.

ثم قال: ومما يسألون عنه أيضا في الظهار، أيقع بها أم لا؟ فمهما قالوه في الأمرين خرجوا به من الإجماع.

____________________

(1) المقنعة: 523، الانتصار: 143، النهاية للطوسي: 528، المهذب 2: 30 2، المراسم: 160، فقه القرآن للراوندي 2: 202، الكافي لابن عبد البرّ: 282، بلغة السالك 1: 481، الجامع لأحكام القرآن 3: 107.

(2) الانتصار للمرتضى: 144، الكافي لابن عبد البرّ: 282.

(3) البقرة: 226.

٤٧

فصل

فيقال له: ما تزال تزيد على الدعوى بغير برهان، والحكم بغير بيان، كأنك مطبوع على التخليط والهذيان.

عندنا أن الظهار يقع على المستمتع بها(1) ، كما يقع على غيرها من الأزواج الحرائر والإماء، وفي أصحابنا من يوقعه على ملك الأيمان(2) ، فأي خلاف في هذا الإجماع؟! وهل معك فيه إلا محض الحكم الجائر، والدعوى بغير بيان.

فصل

قال هذا المتكلم: على أنهم لا يرون وقوع اللعان بين المتمتع والمتمتع بها، فكيف تكون زوجة لزوج لا يقع بينهما عند الفرية وجحد الولد اللعان.

قيل له: يكون ذلك إذا تقرر في شريعة الإسلام، وليس معك أن من شرط الزوجية ثبوت اللعان بينهما وعلى كل حال، وإنما يتعلق من أوجب ذلك لعموم قوله تعالى:(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ ) الآية(3) ؛ وليس يمنع قيام دليل تخصيص العام، وقد ثبت الخبر عن النبي (صلى الله عليه وآله) من طرق عترته (عليهم السلام) بما يخصص عموم

____________________

(1) انظر: الانتصار للمرتضي 11 5، الكافي في الفقه: 298.

(2) المبسوط للطوسي 5: 148.

(3) النور: 6.

٤٨

هذه الآية(1) ، مع إجماع الأمة - على اختلافهم - بأن المتمتعة ليس بينها وبين المستمتع لعان.

والمحلل لها يسقط ذلك بما ذكرناه من الشرع فيه، والأفراد لهذا الضرب من النكاح مما سواه في خروجه عن الحكم المتعلق بغيره في مقتضى النكاح.

ومن حرمها يخرجه من حكم ذلك، لنفي السمة عنه المتعلق بها حكم اللعان(2) .

وإذا اتفقت الأمة على إسقاط حكم اللعان في نكاح المتعة، وجب تخصيص الظاهر من الآي وإن اختلفت الأمة في تعليل ما أوجب الإسقاط.

فصل

على أن من لا حدَّ عليه من الأزواج والزوجات لا يصح التلاعن بينهم: بإجماع الأمة أزواج، وأكثر فقهاء العامة لا يرون بين اليهودية والمسلم لعاناً(3) ، ولا بين الأمة(4) والحرَّ لعاناً(5) ، وليس يصح بين المنطلق اللسان والخرساء

____________________

(1) من هذه الأخبار ما رواه ابن أبي يعفور - في الصحيح - عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا يلاعن الرجلُ المرأة التي يتمتع بها. (فروع الكافي 6: 166، تهذيب الأحكام 7: 472)

(2) المبسوط للسرخسي 7: 46، بدائع الصنائع 3: 241، اللباب 3: 76، تحفة الفقهاء 2: 219.

(3) الكافي لابن عبد البرّ: 286، المبسوط للسرخسي 7: 40، بدائع الصنائع 3: 242، حلية العلماء 7: 227، تحفة الفقهاء 2: 219.

(4) في النسخ الثلاث تأنيث (المسلم) و (الحرّ)، وما أثبته هو الأنسب.

(5) الكافي لابن عبد البرّ: 286، المبسوط للسرخسي 7: 40، بدائع الصنائع 3: 242، حلية العلماء 7: 227، تحفة الفقهاء 2: 219.

٤٩

والصماء لعان(1) ، وإن كان واحد منهما زوجاً بالإجماع.

فيعلم بذلك أن حكم اللعان غير عام للأزواج.

فصل

ثم قال هذا الشيخ المعاند: ويقال لهم خبِّرونا عمَّن طلَّق امرأته ثلاثاً للعدة، فبانت منه بينونة لا تحلُّ له حتى تنكح زوجاً غيره، أرأيتم إن تزوجت بعد خروجها من العدة متعةً، ثم فارقها المتمتع، وقضت عدتها منه، أتحل بذلك للزوج الأول؟ فمن قولهم لا.

وقد قرأت بذلك خبراً أسندوه إلى بعض الطالبيين - وهو جعفر بن محمد - وعليه يعتمدون فيما يذهبون إليه في الأحكام المخالفة لجميع الفقهاء.

فيقال لهم: كيف تكون المتمتعة زوجة، والمتمتع بها لا يستحق اسم الزوجية؟! إذ لو استحقها لحلّت بنكاحه المطلقة بالثلاث، وبقوله تعالى:(فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) (2) ، اللّهُمَّ إلّا أن يكونوا ممن لا يدين بأحكام القرآن.

فصل

فيقال له: الأمر في هذا الباب كما وقفت عليه، في الخبر المسند إلى إمام

____________________

(1) حلية العلماء 7: 227، بدائع الصنائع 3: 242.

(2) البقرة: 230.

٥٠

المؤمنين وسيِّد المسلمين - في وقته -، وأفضلهم عند الله عزَّوجلَّ، الصادق المصدَّق، جعفر بن محمد (عليهما السلام).

ونحن لا نرى تحليل المطلقة ثلاثاً بنكاح المتعة، للسنة الثابتة بذلك عن صاحب الشريعة (عليه السلام)، لما صحّت به الرواية عنه في معناه من جهة عترته الراشدين (عليهم السلام)(1) ، وليس يجب ذلك ما حكمت به في نفي سمة الزوجية عن المتمتع، إذ ليس من شرط ثبوت هذه السمة لمستحقها تحليل طلاق العدة بالنكاح، للإجماع على ثبوتها لمن لا يحلُّ به بعد البينونة منه لمطلقها ثلاثاً للعدَّة على شرط الحكم في الإسلام.

وهو:

الغلام قبل بلوغه الحلم، وإن جامع في الفرج(2) .

والخصيُّ، وإن لذّ من المرأة، ولذَّت منه(3) .

والعنّين(4) .

ومن سبق طلاقه أو موته الدخول(5) .

وهؤلاء الأربعة نفر أزواج على التحقيق، وليس يحللون المرأة المطلقة ثلاثاً باتفاق.

____________________

(1) فمن ذلك صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سألته عن الرجل طلَّق امرأته ثلاثاً، ثم تمتع فيها رجل آخر، هل تحلُّ للأول؟ قال: لا. وفي حديث آخر: لا، حتى تدخل فيما خرجت منه. (فروع الكافي 5: 425، تهذيب الأحكام 8: 32).

(2) بداية المجتهد 2: 87، حلية العلماء 7: 133.

(3) كشاف القناع 5: 350، وهو المروي عن أحمد، انظر المغني 8: 475. في ج: وولدت منه.

(4) حاشية الجمل على شرح المنهج 4: 186، كشاف القناع 5: 350.

(5) الأم 5: 248، المجموع 17: 281، المغني 8: 474، الشرح الكبير 8: 49 6، بداية المجتهد 2: 87، بدائع الصنائع 3: 188 المحلى 7: 131، حلية العلماء 7: 131.

٥١

فإن كانت الشيعة في إثباتها للمتمتع سمة الزوجية، مناقضة للقرآن، أو جاهلة بأحكامه - على ما ادعاه الشيخ الضال - فالأمة بأجمعها رادّة للقرآن عناداً وجهلاً بمعناه.

وإن لم تكن الأمة في ذلك على خلاف القرآن، لتعلقها في خصوصه بسنة عن النبي (صلى الله عليه وآله)، فكذلك الشيعة غير مخالفة للقرآن، ولا جاهلة بمعناه، بل موافقة لحكمه، عارفة بمقتضاه، وإنما خصت عموم لفظ منه بسنة عن نبيِّها (عليه السلام)، أداها إليهم عنه عترته الصادقون الأبرار (عليهم السلام).

وهذا يسقط شناعتك أيها الشيخ المتعصب بما تعلقت به من ذكر تحليل النكاح، ويبطل ما تخيلته في لزومه الشيعة من الفساد.

فصل

على أن قوله تعالى:(حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) (1) من باب المجمل - عند كثير من أهل النظر - وليس من العموم في شيء؛ وهو يجري مجرى قول حكيم - قال لرجل قد أعتق في كفارة القتل عبداً كافراً -: هذالا يجزي عنك و ليس تبرء عهدتك حتى تعتق عبداً غيره.

أو قال لعاقد على امرأة عقداً فاسداً: هذا العقد لا يحلُّ لك به النكاح، و إنما يحلُّ بعقد غيره.

____________________

(1) البقرة: 230.

٥٢

أو قال لمعتذر إليه: هذا ليس بعذر عندي، إذ تأتي بعذر غيره.

وما أشبه هذا من الأقوال المجملة، فإنه لا يعقد بها العموم، بل تحوج المخاطب معها إلى الاستفهام في المراد بها، إن لم يكن قد قرن إليها دليلاً عليه.

وإذا كان الأمر كما وصفناه، وكانت الاُمّة متفقة على أن الذي يحلِّل المرأة لمطلقها بالثلاث زوج مخصوص، مما ثبت عن النبي (صلى الله عليه وآله) في صفته من الأخبار، وجب الاقتصار عليه في هذا المعنى، وفسد بعده في الحكم بذلك إلى غيره، ولم يمنع هذا القضاء أن يكون غيره زوجاً في الشريعة، مستحقاً هذه السمة على الإطلاق، كما لم يمنع الاقتصار على ما يفسر به الحكم ما ضربنا به المثل عنه، من الكلام في العبد، والعقد، والاعتذار؛ أن يكون ما سوى كل واحد منه في معناه مستقحاً لسمته حسب ما بيناه.

فصل

فأما ما ذكره الشيخ الضال في فصله الذي قد بينا تجاهله فيه من القول: بأنا نعتمد على الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) في الأحكام؛ فإنه ديننا الذي نتقرب به إلى الله عزَّوجلَّ، إذ كان الإمام المعصوم، المنصوص عليه من قبل الله عزَّوجلَّ، المأمور بطاعته في كافة الأنام، مع كونه من سادة العترة الذين خلَّفهم نبينا (عليه السلام) فينا، وأخبرنا بأنهم لا يفارقون كتاب الله جلَّ اسمه، حكماً ووجوداً، حتى يردا عليه الحوض يوم المعاد(1) .

____________________

(1) يشير إلى الحديث المتواتر عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال:

٥٣

إلا أن دعواه علينا الاعتماد على مقالته (عليه السلام) في الأحكام المخالفة لجميع الفقهاء من بهتانه الذي تقدم أمثاله منه في العناد.

وذلك أن الفقهاء هم العالمون بالكتاب والسنة، دون أصحابه الجاهلين بها، الدائبين بالعمل على الظن والهوى في دين الله، المقلِّدين في الأحكام أهل الفسوق والطغيان، العادلين عن معدن الحقِّ ومستقرِّه من عترة نبي الهدى (عليهم السلام)، المتظاهرين لهم بالعداوة والشنئان.

فصل

مع أنه لو لم يكن الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) في الإمامة والعصمة والكمال كما وصفناه، بل كان من جملة الصالحين من ذرية النبي (عليه السلام) لكان الاعتماد عليه في الدين أولى من الاعتماد على النعمان المارق بالإجماع عن الإيمان، ونظرائه المشاركين له فيما ابتدعه، من الخلاف لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، والوفاق للشيطان.

ومن لم يسقط لمروقه عن الدين بمفارقة العترة الطاهرة (عليهم السلام)، و اتباع أعدائهم الضلال، مع تحليه باسم الإسلام، فليس ممن يجب عداده في الأحياء، بل هو من جملة الهالكين الأموات.

____________________

= إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله، حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما؟!. (الجامع الصحيح للترمذي 5: 663)

٥٤

فصل

فأما ما قصد به هذا الشيخ الضال من التحقير لشأن الصادق (عليه السلام) بإضافته إلى الطالبيين على الإجمال، فذلك هو اللائق بكفره وجهله وعناده لنبي الهدى، ولذي الحكم، وبغضه لأهل بيته وعصبيته على خاصته وذوي رحمه، وما يضرُّ ذلك بمن أعلى الله شأنه، ورفع في الدين مكانه.

ولو قال: - في الحكاية عن عبد الله بن عباس - إن هذا شيء قيل عن بعض الهاشمية، لبدت لنا منه عصبيته عليه، وعناده للنبي (صلى الله عليه و آله) فيما دعا الله من تعظيمه، وهل قوله في ذلك إلا كقول مَن قال(1) : - في إضافة حكم النبي (صلى الله عليه وآله) - هذا حكم حكم به بعض العرب، أو قال حكم به رجل من قريش.

ولو أن خصومه - مع ظهور مذهبهم في أئمته الذين تدين الله ببغضهم - قالوا - فيما يضاف إليهم مقال -: هذا مذهب بعض التيميين، أو قول رجل من العدويين، أو حكم به بعض الأمويين، لما رضي هذا الشيخ الضال بتكفيرهم، دون الفتيا بإباحة دمائهم، وإن كانوا أعذر منه فيما يقوله من ذلك، لتدينهم بالبغض ممن ذكرناه، وتظاهرهم بالبرائة منهم في الدين، وهو لا يصرح بالبرائة منهم في الدين، وهو لا يصرح بالبرائة أيضاً من الصادق وآبائه و أبنائه والأئمة الأخيار (عليهم السلام)، وإن عرَّض بذلك ودلّ عليه بما ذكرناه عنه فيما مضى، وبينا ضلاله منه، والحق لا تضرُّه عصبية الرجال.

____________________

(1) في أ «كقول وقال».

٥٥

فصل

ثم قال هذا الشيخ الجاهل: وقد كان وصل إلى نيسابور(1) ، في سنة أربعين وثلاثمائة، رجل من هؤلاء الرافضة يعرف بـ (الجنيدي)(2) ، يدعى معرفة بفقههم، ويتصنع بالنفاق لهم، فسلَّموا إليه مالاً كثيراً ليوصله إلى إمامهم - الذين يدعون وجوده الآن، ويحيلون في ذلك على السرداب وكان يذكر لهم أن بينه وبينه مكاتبة، وأن مستقرَّة بنواحي الحجاز.

وحمل إليه إنسان منهم - كان يعاملني في التجارة أخيراً مرَّة - سيفاً بحلية ثقيلة، له مقدار، وأهدى إليه في خاصته ثياباً، وبرَّه بشيء من ماله، و رأيت جماعة من رافضة نيسابور يكرمونه ويعتقدون فيه الصلاح.

فخاطبت معاملي في استحضاره إلى منزله، فحضر، وقايسته فوجدته من أجهل الناس، وأبعدهم عن طريق العلم، وتقرَّب إليَّ بوفاق أبي حنيفة في مسائل، وبالقول بالقياس - في الأحكام - والرأي، ولم يكن يحسن من ذلك كله شيئاً.

فعجبت لشدَّة غباوة هذه الفرقة، ونفاق الجهال عليها، لكن لا عجب! مع ما هم عليه من الضلال عما تقتضيه العقول، وتوفِّيه شرائع الإسلام، و

____________________

(1) نيسابور بفتح أوله، والعامة تسميه «نشاور»، وهي مدينة عظيمة، ذات فضائل جسيمة، معدن الفضلاء، ومنبع العلماء، لم أرَ - فيما طوَّفت من البلاد - مدينة كانت مثلها. (معجم البلدان 5: 330)

(2) هو محمد بن أحمد الجنيد، أبو علي الأسكافي، وجه من وجوه أصحابنا، ثقة جليل القدر، صنَّف فأكثر، إلا أنه كان يرى القول بالقياس، فتركت لذلك كتبه ولم يعوّل عليها. (الفهرست للطوسي: 368)

٥٦

اعتمادهم على التقليد، واعتقاد موت الأحياء وحياة الأموات.

فصل

فقالوا له: لسنا نثق بك فنصدقك فيما تحكيه، ولا نعلم كيف جرت حال الرجل الذي ذكرت وصوله إلى نيسابور؛ ويغلب في الظن تخرصك فيما ذكرت عنه من قبض مال الإمام، ونحن أعرف به منك لحلوله معنا في البلد و في الجوار، ووقوفنا على كثير من خفيّ أمره، ولم نسمع عنه - قط - دعوى مكاتبة الإمام، ولا العلم بمكانه من البلاد.

ولو كان ادعى ذلك الموضع - الذي ذكرت - لم يخف ذلك، وتظاهرت به الأخبار، لمواصلة شيعة نيسابور وكثير من شيعة بغداد، ومكاتبتهم بما يتعلَّق بالديانة والاعتقاد، وكان ذلك ينتشر عن هذا الرجل، في الموافقين وأهل الخلاف، كما انتشر عن غيره، ممن ادعى هذا المقام، كالعمريّ(1) ؛ وابنه(2) ؛ وابن روح(3) من الثقات (رحمهم الله).

____________________

(1) هو أول السفراء في زمان الغيبة، وهو الشيخ الموثوق به، أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري، وكان أسدياً، ويقال له: السمّان، لأنه كان يتَّجر في السمن تغطية على الأمر. (الغيبة للطوسي: 214)

(2) هو محمد بن عثمان بن سعيد العمري - بفتح العين - الأسدي، يكنى: أبا جعفر، وأبوه يكنى: أبا عمرو؛ جميعاً وكيلان في خدمة صاحب الزمان (عليه السلام) ولهما منزلة جليلة عند هذه الطائفة. (رجال العلّامة الحلي: 149)

(3) هو الحسين بن روح بن بحر، أبو القاسم، قال ابن أبي طي: هو أحد الأبواب لصاحب الأمر خرج على يديه تواقيع كثيرة، فلما مات أبو جعفر صارت النيابة إليه، وكثرت غاشيته، حتى كان الأمراء يركبون إليه والوزراء، والمعزولون عن الوزارة والأعيان، وتواصف الناس عقله (الوافي بالوفيات للصفدي 12: 366)

٥٧

والحلّاج(1) ، والعزاقري(2) ، وأمثالها من المبطلين، المعروفين بالفسق والخروج عن الإيمان.

ولسنا ننكر أن يكون قد وصل أهل نيسابور هذا الرجل وأكرموه، و أقاموا بما يجب له من حقوق الإخوان، وقد عرفنا برَّ القوم له، وما كان يصل إليه من ناحية المشرق بعد عوده إلى بغداد، ما كان يصون به وجهه عن البذلة و مسألة الناس، وليس في هذا عيب له ولا عليه فيه عار.

ولو قد ذكرنا حيلة بعضكم على بعض في الأموال، وصغر أنفس مشايخكم - مع غناهم بالكفاية - في الطلب ومسألة الناس، وصلات بعضكم لبعض في عداوة أولياء الله، لأطلنا به الكلام. وشهرتكم في ذلك عند الكافَّة تغني عن تكلُّف الأخبار على التفصيل، لا سيما مع القصد إلى الاختصار.

فأما شهادتك بجهل الجنيدي، فقد أسرفت بما قلت في معناه وزدت في الإسراف، ولم يكن كذلك في النقصان، وإن كان عندنا غير سديد فيما يتحلَّى به من الفقه ومعرفة الآثار، لكنه - مع ذلك - أمثل من جمهور أئمتك، و أقرب منهم إلى الفطنة والذكاء.

فأما قوله بالقياس في الأحكام الشرعية، واختياره مذاهب لأبي حنيفة و غيره من فقهاء العامة لم يأتِ بها أثر عن الصادقين (عليهم السلام)، فقد كنّا

____________________

(1) هو الحسين بن منصور الحلّاج، المقتول على الزندقة، وكانت له بداية جيدة، ثم تألّه وتصوّف، ثم انسلخ من الدين، وتعلّم السحر وأراهم المخاريق، أباح العلماء دمه، فقتل سنة إحدى عشرة و ثلاثمائة. (ميزان الاعتدال 1: 548)

(2) هو محمد بن علي الشلمغاني، ويعرف بابن أبي العزاقر، له كتب وروايات، كان مستقيم الطريقة، متقدماً في أصحابنا، فحمله الحسد لأبي القاسم ابن روح على ترك المذهب والدخول في المذاهب الرديئة، حتى خرجت فيه توقيعات، فأخذه السلطان، وقتله وصلبه. (رجال العلّامة الحلي: 254)

٥٨

ننكره عليه غاية الإنكار، ولذلك أهمل جماعة من أصحابنا أمره واطرحوه، و لم يلتفت أحد منهم إلى مصنف له ولا كلام.

وهذا يدلُّ على ضدِّ ما ادعيت - أيها الجاهل - على الشيعة من الغباوة، والتقليد للرجال، لأنه لو كان منهم خمسة نفر كذلك لاعترفنا، به فيما أجبناه من خلاف الحق لسوء الاختيار، وفي اطراحهم له ذلك الإجماع على استرذاله فيه، بيان لذلك فيما حكمت به عليهم من التقليد حسب ما قدمناه.

فصل

وأما سبّك الإمامية باعتقاد موت الأحياء وحياة الأموات، فهو سفه محض، لا نرى مقابلتك عليه، صيانة لأنفسنا عن الدخول في السباب.

لكنَّا نسألك عن الأموات الذين ادعوا - بزعمك - حياتهم، والأحياء الذين اعتقدوا موتهم، مَن هم من الناس؟ فلا يجد شيئاً يتعلق به عليهم في هذا الباب.

اللَّهمَّ إلّا أن يذكر الكيسانية(1) ، والممطورة(2) ، والغلاة(3) ، فيبين تعمدك للعناد بإضافة مذاهب فاسدة إلى قوم يبرؤن إلى الله منها، وقد جرَّدوا الحجج

____________________

(1) وهم الفرقة القائلة بإمامة محمد بن أمير المؤمنين (ع)، لأنه كان صاحب راية أبيه يوم البصرة، دون أخويه، ويدّعون بقاءه حياً. انظر (فرق الشيعة للنوبختي: 23)

(2) هو لقب الفرقة الواقفة على الإمام موسى بن جعفر (ع)، وتعتقد حياته. انظر (فرق الشيعة: 82)

(3) هم الذين قالوا بإلهية الأئمة (ع)، وأباحوا محرّمات الشريعة، وأسقطوا وجوب فرائض الشريعة، كالبيانية، والمغيرية، والجناحية، والمنصورية، والخطابية، والحلولية، ومن جرى مجراهم. (الفرق بين الفرق: 23)

٥٩

في الردِّ على القائلين بها، وباينوهم في الظاهر والباطن وعلى كل حال.

وتذكر قولهم بوجود ولد (الحسن بن علي بن محمد بن علي الرضا «عليهم السلام»)، يعتقدون حياته للآن، وغيبته للتقية الموجبة للاستتار.

فتُظهر بذلك جهلك ونقصانك، لاعتقادك أنه لم يوجد هذا الشخص في العالم قط، فكيف يكون ميتاً فيعتقد القوم حياته؟! أو حيَّاً فيدينون بموته؟! هل هذا إلا اختلاط ممن قاله وهذيان.

فصل

ثم قال هذا الشيخ الضال: فكان مما قايست هذا الرجل فيه أمر المتعة، و أحكامها عنده، فقال: هي في عقيدتي حلال مع الاضطرار إليها وحرام مع الاختيار.

قال: فقلت له: وأيُّ ضرورة تدعو إلى الالتذاذ بالنكاح؟ يدَّعي الضرورة مَن يعرف الاختيار والاضطرار.

فقال: من الناس من تدعوه الشهوة للجماع وليست له زوجة ولا ملك يمين، ولا يقدر على ابتياع أمة، ولا له طَول النكاح غبطة؛ فإذا لم يستمتع اضطُرَّ إلى الفجور.

قال: فقلت له: إن دعته شهوته إلى ذلك في بلد لا يجد فيه من يستمتع بها من النساء، ووجد من يطاوعه على الزنا؛ أيحلُّ له ذلك مع الاضطرار؟.

فقال: لا.

فقلت له: ولم؟! والضرورة نازلة به، وقد أحلّ الله تعالى عندها ما حرَّمه

٦٠