المسائل الصاغانية

المسائل الصاغانية0%

المسائل الصاغانية مؤلف:
الناشر: كنگره شيخ مفيد
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 177

المسائل الصاغانية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبرى البغدادى (الشيخ المفيد)
الناشر: كنگره شيخ مفيد
تصنيف: الصفحات: 177
المشاهدات: 43615
تحميل: 3137

توضيحات:

المسائل الصاغانية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 177 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 43615 / تحميل: 3137
الحجم الحجم الحجم
المسائل الصاغانية

المسائل الصاغانية

مؤلف:
الناشر: كنگره شيخ مفيد
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مع الاختيار. قال: ثمَّ قلت له: أرأيت إن دعته الشهوة إلى ذلك في مكان ليس فيه امرأة، ماذا يصنع مع الاضطرار.

فقال: يصبر بالضرورة.

قال: فقلت له: وإذا دعته الحصورة(1) ، أيتلف نفسه؟! أو يمنعها من العمل والعبادات؟!.

قال: لا.

فقلت له: فيكون بطل قولك: إن الشهوة تضطر إلى ما حرَّمه الله عزَّوجلَّ من الجماع مع الاختيار؛ وبان أنه تخرف في قولك ودعواك.

فلم يرد جواباً، وتشاغل بالثناء على أصحابنا القائسين، وقال: فلأجل قولكم بمثل هذا المقال على أصحابي قلت بالقياس، وخالفت أصحابي كلهم في اعتقادهم فيه.

فضحكت من تبريه إليَّ، ومصانعته لي، وحمدت الله على ما أولى.

فصل

فيقال له: هذه الحكايات جارية مجرى الخرافات، ولسنا من الأخبار ما هذا سبيله عن الناس في شئ، لا سيما والمخبر به عدوَّ متعصب، ظاهر التخرص والافتراء.

مع أنه لو كان الجنيدي قد قال بما حكيت عنه، ولم يرد فيه ولم ينقض،

____________________

(1) كذا في أ، وفي ب: وإذا صبر عند الحصورة (الضرورة ل)، وفي ج بياض بمقدار كلمة.

٦١

فهو من جنس ما كنّا ننكر عليه من الهذيان، وليس علينا عهدته في غلطه، لما قد بينا خطأه وزايلناه، كما أنك لا عهدة عليك في تجاهل مَن اعتزى إلى أبي حنيفة في الفقه، وتصدَّى للفتيا به، وهو في البهيمية كالحمار، ممن إن ذكرناه طال بذكره الكلام، وحسن العشرة أيضاً يمنعنا من تسميتهم، ونقضهم في المصنفات، وذكر حماقاتهم في القول، وجهالتهم في التعليل للأحكام، ولولا ذلك لسمَّينا مَن ببغداد منهم جماعة ممن يعتزي أيضاً إلى مالك(1) ، والشافعي(2) ؛ وداود(3) ، فضلاً عمَّن هو مقيم منهم بغيرها من البلاد، لا سيما بأرض خراسان، فإنهم أغمار في معنى البهيمية، وإن كانوا في صورة الناس.

فصل

قال الشيخ الناصب: ومما استفهمت عن الجنيدي، قولهم: في تسمية المتعة بزوجة.

____________________

(1) هو أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي المدني أحد الأئمة الأعلام. أخذ القراءة عرضاً عن نافع بن أبي نعيم، وسمع الزهري، ونافعاً مولى ابن عمر؛ وكانت ولادته في سنة خمس وتسعين للهجرة، وحمل به ثلاث سنين! وتوفي في شهر ربيع الأول، سنة تسع و سبعين ومائة. (وفيات الأعيان 4: 135)

(2) هو أبو عبد الله محمد بن إدريس القرشي المطلبي، ولد سنة خمسين ومائة بغزة، فحمل إلى مكة لما فطم، فنشأ بها، وأقبل على العلوم، فتفقه بمسلم الزنجي وغيره. توفي أول شعبان سنة أربع ومأتين بمصر، وكان قد انتقل إليها سنة تسع وتسعين ومائة. (تذكرة الحفاظ 1: 361)

(3) هو داود بن علي الحافظ، أبو سليمان الأصبهاني البغدادي، فقيه أهل الظاهر، ولد سنة مائتين، سمع عمرو بن مرزوق، والقعنبي، وسليمان بن حرب، قال ابن كامل: مات في رمضان سنة سبعين و مائتين. (تذكرة الحفاظ: 572)

٦٢

فقال: لا نسميها بذلك.

قال: قلت: فيقع بها طلاق أو ظهار أو إيلاء أو لعان؟

قال: لا يقع بها شيء من ذلك.

قال: قلت: فكيف تستحلّون وطء امرأة ليس لها من الحرمة بالنكاح ما تتعلق به الأحكام مما عددناه؟

فعاد إلى أن يقول: إنما أحللناها عند الاضطرار، كما تحلُّ الميتة والدم ولحم الخنزير للاضطرار.

قال: فقلت له: قد مضى الكلام في هذا المعنى، ولا فائدة في تكراره على من لا يعقل معناه، قال: ثم قلت له: فالولد يلحق منها بالرجل؟.

فقال: عندنا أنه يشترط ما يمنع عنه، من عزل الماء.

قال: فقلت له: فإن لم يشترط ذلك، أيفسد بتركه النكاح؟.

فقال لي: في ذلك نظر واجتهاد.

قال: فأعرضت عنه حتى انصرف.

ثم عاتبت معاملي على اغتراره به، فقال: هو رجل صالح، وليس من أصحاب الكلام.

فقلت: يعزُّ عليَّ بما أخرجته عن يدك إليه، ما لو عدت به على نفسك و عيالك، أو صرفته إلى الفقراء، كان أحسن بك وأجمل عند الله عزَّوجلَّ.

فقال: خذ في غير هذا، فإني لا أترك ما أنا عليه بموعظتك، لأنني لا أستنصحك فيها، وإن أستنصحك في غيرها من الأشياء.

قال: فقلت له: قد أديت ما يجب عليَّ لك، لكنك من قوم لا ينفع فيهم الوعظ، ولا يرعوون بالعتاب.

٦٣

فصل

فيقال له: ما نرى فصلك هذا أكثر من الحكايات الجارية مجرى الأسمار، وأنت متهم فيما ادعيت على الجنيدي من المقال، متهم وظنين في دعواك، وليس ما حكيت عن هذا الرجل مذهباً للشيعة، ومذهبهم في كل فصل ما قدَّمناه، غير أنك أظهرت ما كان في نفسك من الحسد للمسكين، على ما صار إليه من البرِّ، وغبطته عليه، وودتَ أنه كان صائراً إليك، فأبى الله إلّا أن يحرمك إياه، وردَّ المعامل لك موعظتك من واقع موقعه، لأنك لم ترد الله عزَّوجلَّ، ولا صدقت أيضاً فيها بل كذبت، فأراه الله تعالى بما وفق له المرء المسلم من المعرفة ببطلانها، والإهمال لها والاطراح.

٦٤

مسألة أخرى ثانية

قال هذا الشيخ المتخرص الضالّ المشنع: ومن قول هذه الفرقة - يعني الشيعة - أن اليهود يملكون نكاح المسلمات وكذلك النصارى والمجوس، وذلك لزعمهم أن الذمي إذا كانت تحته الذمية فأسلمت، وتركت ما كانت عليه من الكفر، وعملت بشرائع الإسلام، وأقام هو على كفره، فإنه لا فرقة بينهما وهو أملك بها، وهذا خلاف ملة الإسلام.

فصل

فأقول: - وبالله التوفيق - إن الخصم على سنته في الكذب علينا، والبهتان لنا، وقد أبطل ما حكاه عنا، وقال زوراً، والله جلَّ اسمه يؤاخذه بذلك، ويطالبه به.

والذي نذهب إليه: أن اليهودية والنصرانية إذا أسلمت وأقام زوجها على دينه في دار الهجرة، لم ينفسخ العقد بينهما بإسلامها، غير أنه يمنع من الدخول عليها نهاراً، فإن أسلم حلّ له ما يَحلُ للأزواج من الزوجات، وإن أقام على ضلاله فالعقد باق لم يهدمه شيء بحجة من

٦٥

الشرع، وإن كان إسلامها قد حظر عليه وطأه والخلوة بها، حسب ما ذكرناه.

فصل

وقد ثبتت الزوجية عندنا وعند كافة الأمة، لمن لا يحل له وطئ الزوجة، وهو:

المظاهر، حتى يكفر عن يمينه.

والمرأة تحيض، فلا يحلُّ لزوجها وطؤها، قال الله عزوجل:(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ) (1) .

فحظر نكاح الحائض على مالك نكاحها، وأباحه إياها بشرط مخصوص.

وحظر على المظاهر نكاح زوجته، وإن كان مباحاً بشرط الكفارة، و لم يمنع ذلك من ثبوت العقد.

والحكم في النفساء كالحكم في الحائض سواء، يحرم وطؤها حتى ينقطع دم نفاسها، وإن كانت زوجة في حكم الأسلام.

وهذا يزيل شبهة الخصم في ثبوت العقد لمن قد حظر عليه الوطئ، ويقرب ما ذكرناه إلى نفسه، ويوطنه في قلبه بحكم الشرع.

____________________

(1) البقرة: 222.

٦٦

فصل

والذي أنكره هذا الشيخ الضال عن الحق، وشنَّع به على شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وزعم أنه خلاف ملة الإسلام، مشهور عن عمر بن الخطاب(1) ، قد حكاه عنه الطبري(2) : في كتاب الاختلاف عن جماعة من الصحابة والتابعين، وقد رواه أصحاب الآثار عن أمير المؤمنين (عليه السلام)(3) و نقلته ذريته عنه على وجه لا يقع فيه ارتياب.

فصل

ثم هو بعينه قول صاحبه النعمان(4) ، وقد جهله هذا الشيخ الغبي، وظنَّ أنه خلاف لجماعة الفقهاء.

فروى إبراهيم بن إسماعيل بن علية(5) عن أبي حنيفة أنه قال: إذا أسلمت النصرانية وأقام زوجها على دينه، لم يبطل بذلك نكاحه، وكانت له

____________________

(1) مصنف عبد الرزاق 6: 84، الحجة على أهل المدينة 4: 9، المبسوط للسرخسي 5: 46، المحلى 7: 313، موسوعة فقه عمر بن الخطاب: 631.

(2) هو أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن خالد الطبري، صاحب التفسير الكبير والتاريخ الشهير، و له مصنفات مليحة في فنون عديدة، تدلُّ على سعة علمه وغزارة فضله. (وفيات الأعيان 4: 191).

وكتابه هذا لم يصل إلينا كاملاً، بل قطعة منه ليس فيها الباب الذي ينقل عنه المؤلف.

(3) مصنف عبد الرزاق 6: 84، المحلى 7: 314.

(4) الحجة على أهل المدينة 4: 1، المبسوط للسرخسي 5: 64، حلية العلماء 6: 425، المحلى 7: 313.

(5) جهمي، هالك، كان يناظر، ويقول بخلق القرآن، مات سنة ثمان وعشرين ومائتين. (لسان الميزان 1: 34)

٦٧

زوجة حتى يعرض عليه الإسلام فيأباه، ولو مكث هذا الزوج النصراني إلى عشرين سنة لا يعرض عليه الإسلام، كانت هذه المسلمة زوجته، فإذا عرض عليه فأبى فرِّق بينهما حينئذ.

ثم ناقضه ابن علية في هذا المذهب، وألزمه الفرق بين المستقبل والمستدبر فيها.

وهذا مذكور في كتاب ابن علية، الذي ناقض فيه أبا حنيفة، وردّ عليه فيما فرَّق به وأصحابه بين المستقبل والمستدبر في الأحكام.

وكذلك حكم اليهودية عند أبي حنيفة. إذ كان لا فرق بين اليهودية والنصرانية في هذا الباب.

وقد حكى ابن علية - أيضا عنه - أعني أبا حنيفة - أنه قال: لو أن امرأة كانت تحت رجل من أهل الحرب، وهما جميعاً من أهل الكتاب، فأسلم الزوج، فهما على النكاح ما لم تحض ثلاث حيض، فإذا حاضت قد انقطعت العصمة بينهما، قال: وكذلك لو كانت المرأة هي التي أسلمت، فإذا أسلم واحد منهما و خرج إلى دار الإسلام، فقد انقطعت العصمة بينهما.

وهذا أقبح عند الجمهور مما شنِّع به على الشيعة، يخرص القول فيه، و حرَّفه عناداً أو جهلاً.

وقد بيَّنا الحكم في ذلك، وأن الذمي من اليهود والنصارى لا يفسخ عقده على زوجته إسلامُها، ولكن يمنعه مما هو للمسلم بالزوجية من وطئها.

وليس في هذا المعنى شناعة، ولا هو خلاف على الأمة، حسبما تخيّله الخصم لجهله، إذ قد قال به إمامه عمر بن الخطاب، وصحَّ عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، الذي لا يمكنه التصريح بتضليله فيما أفتى به وقال، إلا أن يخرج عن

٦٨

ملّة الإسلام.

فصل

فأما المجوسية إذا كانت تحت مجوسي، فأسلمت فإن حكمها يخالف حكم المسلمين عن اليهودية والنصرانية، مع بقاء الزوج على دينه في اليهودية والنصرانية، فيجري إسلامها - في فسخ النكاح - مجرى التطليقة الواحدة، فإن أسلم الرجل المجوسي، والمرأه في عدتها فهو أحق بها، إن لم يسلم حتى تقضي عدتها، فقد ملكت نفسها، وليس له عليها سبيل.

وهذا خلاف ما حكاه عنا بغيرٍ علم، وشنّع به متخرِّصاً للإفك والبهتان.

٦٩

٧٠

مسألة ثالثة

قال الشيخ الجاهل: ومن طريف بدعهم - يعني الإمامية - قولهم: أن الرجل إذا ملك الأمة فله أن يعير فرجها لأخيه في الدين، ولأخيه استعارته منه فجعلوا استعمال التزويج بالعواري، كالأبنية والآلة والأثاث والثياب في استعمالها بالعواري، وهذا أقبح من قول المجوس في وجوه النكاح.

فصل

فأقول: - وبالله التوفيق، وبه أعتصم - إنّ هذا الذي حكاه مذهب عطاء بن أبي رياح، وطاوس، وجابر بن يزيد في أصحابهم، ومن ذهب إلى قولهم، و قد جاءت بمعناه دون لفظه رواية من طريق الآحاد عن أهل البيت (عليهم السلام)، وروي عنهم خلاف ذلك من طريق الثقات.

٧١

فروى الحسين بن سعيد الأهوازي - رحمه الله -(1) في كتابه النكاح عن القاسم بن عروة عن أبي العباس المعروف بالبقباق قال: كان لي جار، يقال له: المفضل بن غياث وكان يأنس بأصحابنا، ويحب مجالستهم، فسألني أن أدخله إلى أبي عبد الله (عليه السلام)، فأدخلته عليه، فسأله: عن عارية الفرج؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام): هو الزنا وأنا إلى الله منه برئ، ولكن لا بأس أن تحلَّ المرأة جاريتها لأخيها أو زوجها أو قريبها(2) .

فصل

وبين الإحلال والعارية فرق في المعنى واللفظ، وفصل في مقتضى الأحكام، فمن خلط المعنيين جميعاً، ولم يعرف فرق ما بينهما، فهو بعيد من الصواب.

والذي روي عن الصادقين (عليهم السلام) مما شنع به صاحب الكلام يلائم ما(3) رواه أبو العباس البقباق.

فروى صفوان عن ابن بكير عن زرارة قال: سألني أبو عبد الله (عليه السلام) من كان يمرض عبد الملك - يعني ابن أعين - ويقوم عليه في مرضه؟

____________________

(1) الحسين بن سعيد بن حماد بن سعيد بن مهران - من موالي علي بن الحسين (عليهما السلام) - الأهوازي، ثقة، روى عن الرضا، وأبي جعفر الثاني، وأبي الحسن الثالث (عليهم السلام)، وأصله كوفي، وانتقل مع أخيه الحسن إلى الأهواز، ثم تحوّل إلى قم، وتوفي بقم. (الفهرست للطوسي: 104)، (لسان الميزان 2: 284)

(2) مستدرك الوسائل 15: 20، نقلاً عن المسائل الصاغانية - هذا الكتاب -.

(3) في أزيادة (ذكرنا).

٧٢

فقلت له: جارية امرأته، فقال: هي التي تلي ذلك منه؟ فقلت: نعم، قال: فهل أحلَّت له ذلك صاحبته؟ قلت: لا أدري، قال: فأتها فاستحل(1) ذلك منها(2) .

وكان الذي أطلقوه (عليهم السلام) من ذلك هو أن تحلّ المرأة الرجل النظر إلى جاريتها، وأن تتولّى منه في خدمتها ما تتولاه جاريته بملك يمينه، وهذا غير منكر في العقل، ولا محظور في الشرع، لأنه إذا جاز لمالك الجارية أن يهبها و يتصدَّق بها، جاز أن يهب خدمتها ويبيح ذلك من لا يملكها، فلو أنه أباحه نكاحها، كانت إباحته عقداً عليه، داخلاً في عقود النكاح، مع هبة المهر و إسقاطه.

فليس ما أنكره الخصم من هذا القول مناقضاً بشئ من أحكام الشرع حسبما نقلناه.

على أنه يقال لهذا الشيخ الضال: لو نظرت في بدع صاحبك في النكاح، وغيره من الأحكام، لشغلك عن الشناعات على خصومك بما لا شناعة فيه، و لأخرسك عن التخرص بالأباطيل في الحكايات، وقد قال إمامك النعمان في النكاح بما لم يوافقه عليه أحد من أهل الإسلام.

فزعم أن شاهدي زور لو تواطئا على الشهادة، بأن رجلاً طلق امرأة، الطلاق الذي لا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره، وشهدا بذلك عليه عند الحاكم، فأجاز الحاكم شهادتهما، لحسن ظنه بهما، وفرَّق بين الرجل وامرأته، مع إيثاره ما شهدا به عليه، وعلم الله بطلان شهادتهما، وعلما أنفسهما بذلك، يحلُّ لكل

____________________

(1) كذا في أ و ج، وفي ب (قل لها فاستحل ...)، وفي مستدرك الوسائل - نقلاً عن هذا الكتاب - (فإنه يحلُّ له ما أحلت ذلك منها).

(2) مستدرك الوسائل 15: 20، نقلاً عن المسائل الصاغانية - هذا الكتاب -.

٧٣

واحد منهما العقد على هذه المرأة ووطؤها، وإن كان موقناً أن زوجها لم يطلقها ولا فارقها بحال(1) .

ورووا عنه: أنه لو عرف الحاكم كذبهما بعد تفريقه بين الزوج والزوجة وتبيّن أنهما شهدا بالزور، يحلُّ له - إذا انقضت عدَّتها - أن يعقد عليها عقدة نكاح.

فأباح نكاح ذوات الأزواج من غير فراق منهم بالخيار، ولا طلاق لهن على حال، ولا ارتداد عن إسلام.

فصل

وزعم أن شاهدي زور لو شهدا على رجل له أمة بأنها ابنته، فأحسن الحاكم ظنّاً بهما فأخرجها عن الرِّق، وألزمه الحكم بحرّيتها، وقضى لها بالنسب منه، يحرم على الرجل وطء هذه الجارية وخرجت عن ملكه - بشهادة الزور - وحرم عليه ما أباحه الله تعالى من وطئها، وبيعها، وعتقها، وحلَّ لكل واحد من الشهود أن يعقد عليها عقدة النكاح، إذا اختارت مناكحته و رضيت به(2) .

فأباح ما حرَّم الله، وحظر ما أحلَّ الله وتلاعب بدين الله.

هذا سوى تعليقه للإنسان بما تمنع منه شريعة الإسلام، وإيجابه الولد لغير والده، ونفيه عن والده بالنكاح الذي لا يمنع أحد منه بحكم

____________________

(1) بدائع الصنائع 7: 15، رد المحتار على الدر المختار 4: 333، شرح فتح القدير 6: 399.

(2) شرح فتح القدير 6: 399، رد المحتار على الدر المختار 4: 333.

٧٤

الإسلام.

وذلك في قوله: أن المرأة إذا غاب عنها زوجها، فنعي إليها، وقضت العدَّة، وتزوجت، وحملت من الزوج وولدت منه، ثم جاء الزوج الأول - وقد مضى على المولود عدة سنين - أن الولد لاحق بالقادم، ومنتفٍ عن الزوج الثاني، وليس للقادم به تعلُّق(1) ، والعلم محيط بأنه من الثاني.

وأمثال ذلك كثير، إن قصدنا لإيراده طال به الكلام.

ومن كانت هذه مذاهبه - في النكاح - وأقوال أئمته، لم يسع له التشنيع على غيره فيما لا شناعة فيه بحمد الله، ولا يمنع من صحته حكم كتاب ولا سنة ولا إجماع.

____________________

(1) المغني لابن قدامة 9: 58، الشرح الكبير 9: 68.

٧٥

٧٦

مسألة رابعة

قال الشيخ الضال: ومما خرجوا به من الإجماع أيضاً - يعني أصحابنا الإمامية - تجويزهم الجمع بين المرأة وعمتها، وبنت الأخت وخالتها، نكاحهما جميعاً بعقد النكاح مع الرواية عن النبي (صلى الله عليه وآله) من قوله: لا تنكح المرأة على عمتها وخالتها.

ودليل القياس الكاشف عن صحة ذلك، من قبل أنه لو كانت العمة رجلاً يحرم عليه أن ينكح بنت أخيه، أو كانت الخالة ذكراً لحرم عليه نكاح بنت أخته، كما حرَّم الله تعالى الجمع بين الأختين، وكان علّة ذلك أنه لو كان إحدى الأختين أخاً لحرم عليه وطئ أخته بالشرع، فوجب لذلك تحريم الجمع بينهما في النكاح، وكان حكم المرأة وعمتها وخالتها كذلك بما ذكرناه.

فصل

وأقول: - وبالله أثق - إن جهالات هذا الشيخ المعاند ظاهرة ومكابرته غير خفية ودعاويه الب 0 اطلة ساقطة، وذلك أنه ادعى الإجماع على الخلاف بين

٧٧

المرأة وعمتها، والجمع بينها وبين خالتها، وهو لا يجد على ذلك اتفاقاً من المتقدمين ولا من المتأخرين(1) ، سوى النفر الذي قلّدهم غوغاء الأمة وطغامها، فصار لهم بذلك سوق في العامة.

فأما الصحابة والتابعين، وأهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله)، وكثير من أهل النظر، وأصحاب الظاهر والمحكّمة(*)، فقولهم في ذلك معروف، واختلافهم فيه مشهور.

والحديث الذي عزاه إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فهو من أخبار الآحاد، والأصل فيه أبو هريرة الدوسي(2) وقد اتهمه عمر بن الخطاب(3) ، و نهاه وزجره عن إكثار الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله)، وصرح أمير المؤمنين (عليه السلام) بتكذيبه(4) ، وصرَّحت عائشة بذلك وشهدت عليه(5) .

____________________

(1) أباح الجمع بينهما عثمان البتي، انظر المحلّى 9: 524.

* المحكمة فرقة من الخوارج.

(2) نقل البيهقي عن الشافعي: أن هذا الحديث، لم يرو من وجه يثبته أهل الحديث، إلا عن أبي هريرة، و روي من وجوه لا يثبتها أهل العلم بالحديث، قال البيهقي: هو كما قال (السنن الكبرى للبيهقي 7: 166، فتح الباري 9: 131، عمدة القاري 20: 106)

(3) فقد ضربه عمر بالدرة، وقال: قد أكثرت من الرواية، وأحربك أن تكون كاذباً على رسول الله صلى الله عليه وآله، وقال له: - أيضاً لتتركَّن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله أو لالحقنك بأرض دوس. (شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 4: 68، سير أعلام النبلاء 2: 600)

(4) من ذلك ما أثر عنه (ع) أنه قال: ألا إن أكذب الناس - أو قال: أكذب الأحياء - على رسول الله صلى الله عليه وآله أبو هريرة الدوسي. (شرح نهج البلاغة 4: 68)

(5) انظر: تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة: 16.

٧٨

فصل

مع أن أصحابنا لم يقولوا في هذه المسألة بما خالف ظاهر الخبر عن النبي (صلى الله عليه وآله)، بل قالوا بما لا ينافيه، وهو تجويزهم نكاح المرأة على بنت أختها، ومنعهم من نكاح بنت الأخت وبنت الأخ على العمة والخالة، وهذا مسطور في الرواية عن أئمة الهدى (عليهم السلام)(1) ، وليس في مقالهم المسطور في هذا الباب خلاف للخبر على ما بيناه.

فإن تعلق متعلق بتجويزهم نكاح المرأة على عمتها إذا أذنت العمة في ذلك، ونكاحها على خالتها بإذن الخالة، وقال: هذه الفتيا تضاد ظاهر الخبر.

فالجواب عن ذلك: أن ما ذكرناه في هذا المعنى تخصيص للظاهر، وليس برافع له جملة، ولا مناف لحكمه على كل حال، وليس يمتنع قيام الدلالة على خصوص العموم، وأكثر الشريعة كذلك.

والخبر الوارد عن آل محمد (عليه السلام) انه: (ليس للرجل ان ينكح المرأة على عمتها وخالتها إلا بإذن العمة والخالة)(2) . يقيّد خصوص الخبر المروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) - لو ثبت عنه - ويكون تقدير ذلك: لا تنكح المرأة على عمتها وخالتها بغير اختيار منهما، ولا يكون المراد فيه النهي عن نكاحها على الإطلاق وفي كل حال.

____________________

(1) انظر فروع الكافي 5: 425.

(2) فروع الكافي 5: 425.

٧٩

فصل

مع أن العرف يخص اللفظ المعزي إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، و يوجب فيه ما أوجب عن آل محمد (عليهم السلام)، لأن نكاح المرأة على غيرها في الشرع وقبله غير موقوف على إذن الأولى الكبرى، من الاعتراض في نكاح الصغرى وقد أبت، بأنها إن أفسدت النكاح فسد، وإن أمضته ثبت، وليس يمتنع أن يجعل الله تعالى إليها ذلك، بسبب ذلك، لحكمة.

فأي عجب فيه لولا غباوة الخصم وقلة تحصيله.

فصل

ثم يقال له: أخبرنا عن العقد على الصغيرة إذا تولّاه غير الأب والوالي والحاكم، ثم بلغت فأمضته، إما يكون ذلك ممضى بإمضائها، وإن أبته فسد عن أصلك، فلا بد من قوله: بلى، فيقال له: فقد صار بعض العقود موقوفاً في الصحة والفساد على اختيار المعقود عليه من النساء، ولم يكن في ذلك عجب بما أنكرت أن يكون بعض آخر موقوفاً على الصحة والفساد على إمضاء من جعل الله له ذلك في النساء، ولا سيما إذا كان الحظر إنما جعل بسبب الكبرى، ولو لم يكن ورد لما فسد، وليس الجمع بينهما محرماً للنسب، وإنما هو لحرمتها، وما يقتضيه الدين من إجلالها وحقها على الصغرى، فإذا تركت الحق ووهبته لم يكن لأحد عليها اعتراض في ذلك، وإن منعت منه كان لها إنكاره ببرهان.

٨٠