المسائل الصاغانية

المسائل الصاغانية0%

المسائل الصاغانية مؤلف:
الناشر: كنگره شيخ مفيد
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 177

المسائل الصاغانية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبرى البغدادى (الشيخ المفيد)
الناشر: كنگره شيخ مفيد
تصنيف: الصفحات: 177
المشاهدات: 43578
تحميل: 3133

توضيحات:

المسائل الصاغانية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 177 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 43578 / تحميل: 3133
الحجم الحجم الحجم
المسائل الصاغانية

المسائل الصاغانية

مؤلف:
الناشر: كنگره شيخ مفيد
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فصل

ويقال له: ما تقول في الرجل الذي لا زوجة له، يتزوّج الأمتين؟

فمن قوله: نكاحه نكاح صحيح.

فيقال له: فإن تزوجها على حرَّة؟.

فمن(1) قوله: نكاحه فاسد.

فيقال:(2) له: وكيف صار وجود الحرَّة يفسد العقود الصحيحة بغير وجودها؟! فإن تعلَّق في ذلك بالنهي من الله تعالى، قيل له: في نكاح الصغرى على الكبرى مثل ذلك، لأن الله نهى عنه مع كراهة الكبرى، وأباحه مع اختيارها وإذنها فيه.

ومن سلك في إنكار المشروع من الأحكام مسلك هذا الشيخ الضال، ظهر جهله، وبعده عن الصواب.

____________________

(1) في أ: من.

(2) في أ: فقال.

٨١

٨٢

مسألة خامسة

قال الشيخ الناصب: ومما خالفوا فيه جميع الفقهاء، وارتكبوا البدعة في القول به، ابطال الطلاق الثلاث، والحكم منهم على من طلَّق امرأته ثلاثاً في مجلس واحد، بأنها على نكاح المطلَّق، ولم تبن منه.

فأحلوا الفروج لمن حرمه الله عليه، وهو المطلِّق، وحرموه على من أحلّه الله له، وهو غير المطلّق.

والقرآن شاهد بفساد مذهبهم في هذا الباب، قال الله عزّوجلّ:(الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْـرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) (1) فجعله ثلاثاً، ولم يجعله مفصلاً، حسبما اقترحت هذه الفرقة الشاذّة.

فصل

فيقال له: لسنا نراك تعدل عن طريقتك في البهتان في الشناعات، بغير حجة ولا بيان، ومن كانت هذه سبيله في دينه، وحجاجه لخصومه، فقد بان

____________________

(1) البقرة: 229.

٨٣

أمره، ووضح لكل ذي عقل جهله.

أي إجماع على ما ادعيت، من وقوع الطلاق الثلاث في وقت واحد، والعلماء بالآثار متفقون على أن الطلاق الثلاث كان على عهد النبي (صلى الله عليه وآله)، وطول أيام أبي بكر، وصدراً من أيام عمر بن الخطاب، واحدة(1) ، حتى رأى عمر أن يجعله ثلاثاً، وتبين به المرأة بما خوطبت على ذلك.

قال: إنما لم أقره على السنة مخافة أن يتتابع فيه السكران والغيران.

والرواية مشهورة عن عبد الله بن عباس: انه كان يفتي في الطلاق الثلاث في الوقت الواحد، بأنها واحدة، ويقول: ألا تعجبون من قوم يحلون المرأة لرجل وهي تحرم عليه، ويحرمونها على آخر وهي - والله - تحل له، فقيل له: من هؤلاء يا ابن عباس؟ فقال: هؤلاء الذين يبينون المرأة من الرجل إذا طلَّقها ثلاثاً بفم واحد، ويحرمونها عليه، ويحلونها لآخر وهي - والله - تحرم عليه.

والرواية مشهورة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وكان يقول: إياكم والمطلقات ثلاثاً في مجلس واحد، فإنِّهنّ ذوات بعول(2) .

فكيف يكون إجماع الفقهاء على شئ إجماع الأمة على عهد النبي (صلى الله عليه وآله)، وأيام أبي بكر، وأكثر أيّام عمر، على خلافه، ومن سميناه من وجوه أهل البيت والصحابة على ضده، وأهل بيت محمد (صلى

____________________

(1) مشكل الآثار للطحاوي 3: 55، صحيح مسلم 2: 1099، المستدرك على الصحيحين 2: 196، شرح النووي على صحيح مسلم 10: 70، المغني لابن قدامة 8: 244، الشرح الكبير 8: 258، عمدة القاري 20: 233، بداية المجتهد 2: 61.

(2) نوادر أحمد بن محمد بن عيسى: 10 8، فروع الكافي 5: 424، مستدرك الوسائل 15: 302، نقلاً عن المسائل الصاغانية.

٨٤

الله عليه وآله) كافة يذهبون إلى نقيضه، وشيخ العامة وقاضيهم الحجّاج بن أرطاة(1) يقضي ببطلانه، ويرى أن الطلاق الثلاث في وقت واحد لا يقع منه شئ البتة(2) ، وهو قاضي المنصور في طول أيامه، والعمل على حكمه بذلك منتشر بالعراق، والحجاز، وسائر أعمال بني العباس.

لولا أن الشيخ الضال لا يستحي من التخرص بما لا يخفى عناده فيه أو جهله على العلماء.

فصل

وأما تعلقه بقول الله عزّوجلّ:(الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْـرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) (3) ، فهو شاهد ببطلان مقاله في وقوع الطلاق الثلاث بفم واحد، في وقت واحد، لأن الله تعالى أخبر بأنه يكون في ثلاث مرّات، وما يوقعه الإنسان في حال واحد لا يكون في مرتين ولا ثلاثة.

ألا ترى أنه من قرأ أية من القرآن مرة واحد، لم يجد القضاء عليه بأنه قد قرأها مرتين، والإجماع حاصل على أنه من قال: «سبحان الله العظيم» مرّة واحدة، ثم أتبع هذا القول، بأن قال: ثلاثاً، أو أربعاً، أو خمساً، لم يكن مسبِّحاً

____________________

(1) أبو أرطاة النخعي الكوفي، سمع عطا بن أبي رياح وغيره، وكان من حفّاظ الحديث، ومن الفقهاء، استفتي وهو ابن ست عشرة سنة، وولي القضاء بالبصرة كان يقع في أبي حنيفة، توفي سنة خمسين ومائة بالري. (وفيات الأعيان 2: 55)

(2) عمدة القاري 2 0: 233، الإصناف 8: 454، الفتاوي الكبرى لابن تيميه 3: 19.

(3) البقرة: 229.

٨٥

بحسب ما قال، وإنما يكون مسبِّحا مرة واحدة، والآخر(1) مجمعة على أنه من قال في ركوعه: (سبحان ربى العظيم)، ثم قال: ثلاثاً، لم يكن مسبحاً ثلاثاً في التحقيق، ومن قرأ الحمد واحدة، ثم قال بعدها: ألفاً، لم يكن قارئاً لها ألفاً، بل كان كاذباً فيما أخبر به من العدد.

ولا خلاف بين المتفقهة في أن الملاعن لو قال في لعانه «أشهد بالله أربع مرات إني لمن الصادقين» لم يكن شاهداً بها أربع مرّات، كما قال الله عزّوجلّ:(فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّـهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) (2) ، وإنما يكون شاهداً بها أربع مرات إذا كررها في أربع أحوال على التفصيل دون الإجمال.

وإذا كان الأمر على ما وصفناه سقط ما اعتل به الشيخ الضال، وكان شاهداً بفساد مذهبه على ما ذكرناه، وثبت أن القرآن هو الحجة على بطلان مذهبه في الطلاق مع الإجماع الذي وصفناه.

والإجماع أيضاً - منّا ومنه - على أنه بدعة(3) ، مع قول النبي (صلى الله عليه وآله): كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة إلى النار(4) . وقوله (عليه السلام): كلما لم يكن على أمرنا هذا فهو رد(5) .

فقضى (عليه السلام) بردِّ الطلاق إذا كان بدعة، وأبطله لخلاف سنته (عليه السلام).

____________________

(1) كذا في جميع النسخ المعتمدة.

(2) النور: 6.

(3) المغني 8: 24 2، الشرح الكبير 8: 258، المحرر في الفقه 2: 51، المبسوط للسرخسي 6: 4، بدائع الصنائع 3: 94، شرح فتح القدير 3: 329، رد المحتار 2: 419، كنز الدقائق: 114، الهداية في شرح البداية 1: 227، تحفة الفقهاء 2: 171.

(4) مسند أحمد بن حنبل 3: 310، صحيح مسلم 2: 592، سنن البيهقي 3: 207، الدر المنثور 3: 612.

(5) صحيح البخاري 3: 91، صحيح مسلم 3: 1344، سنن الدار قطني 4: 227، بأدنى تفاوت.

٨٦

فصل

قال الشيخ الناصب: وكيف يمنعون من وقوع الطلاق الثلاث في وقت واحد، والخبر ثابت عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال لعمر - وقد سأله عن طلاق ابنه لامرأته، وهي حائض، وكان قد طلّقها واحدة - فقال له: مره فليراجعها حتى تحيض وتطهر، ثم إذا شاء طلقها، وإن شاء أمسكها، فقال له عمر: يا رسول الله أرأيت لو طلّقها ثلاثاً لكانت تبين منه؟ فقال له النبيُّ (عليه وآله السلام): كأن يكون قد عصى ربَّه وبانت امرأته.

فهذا حكم من النبي (صلى الله عليه وآله) بخلاف ما ادعته هذه الفرقة الشاذة في الطلاق. ومن لم يعرف القرآن والسنة فقد ضلَّ عن الإسلام.

فصل

فيقال له: هذا الحديث لا يثبت عند نقاد الأخبار، ولم يروه إلا الضعفاء من الناس، والثابت في حديث ابن عمر أنه طلَّق امرأته ثلاثاً وهي حائض، فذكر ذلك عمر للنبي (صلى الله عليه وآله)، فقال: ليس بشئ، مره فليمسكها حتى تحيض وتطهر فإن شاء أمسكها، وإن شاء طلقها(1) .

____________________

(1) مسند أحمد بن حنبل 2: 61، صحيح مسلم 2: 1096، سنن ابن ماجه 1: 651، سنن أبي داود 2: 255، جامع الأصول 7: 603، بأدنى تفاوت.

٨٧

فأما ما ورد بغير هذا المعنى من الحديث عن ابن عمر فهو موضوع، وأقلُّ ما في هذا الباب أن يتقابل الحديثان فيسقط بالتقابل، وتثبت الحجة بما أوجبه الكتاب في الطلاق، ودلّت عليه السنة حسب ما ذكرناه.

فصل

مع أنا لو سلمنا ما أراده متفقهة العامة في حديث ابن عمر، من قوله (أرأيت لو طلقها ثلاثاً)، لم يناف ما نذهب إليه في الطلاق، ونعتقده في إبطال طلاق البدعة، وذلك أنه لا ينكر أن تكون مسألة عمر عن طلاقه بها ثلاثاً وهي طاهر، فأوجب النبي (صلى الله عليه وآله) بينونتها منه بذلك، وحكم عليه بالمعصية في جميع الثلاث، وذلك إنما يوقع من الثلاث واحدة، فإذا أوقعت في طهر بشاهدي عدل، يوجب بينونة المرأة من زوجها بالواحدة، وإن لم يوجبه طلاقاً محرماً للرجعة.

فإذا لم يكن في الزيادة التي ألحقها العامة في الحديث، ووضعوها تخرصاً، أن عمر سأل النبي (صلى الله عليه وآله) عن طلاق في حيض، ولا قدر مسألته في إيقاع الثلاث في الطهر، وأن يكون النبي (صلى الله عليه وآله) فهم ذلك من غرضه فأجابه بحسبه.

وفي هذا إبطال ما تعلق به الشيخ الجاهل من الحديث الشاذ، وزعم أنه حجة على أهل الحق بهتاً ومكابرةً.

٨٨

فصل

مع أن حديث ابن عمر من أخبار الآحاد باتفاق العلماء، وليس مما يقطع على الله تعالى بالصدق فيه، وأخبار الآحاد لا يعرض بها على القرآن المقطوع به على الصواب عند الله عزّوجلّ.

فصل

ومع أن أصحاب الحديث قد رووا عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين (عليهم السلام) ما لم يتنازعوا في صحة سنده، وأنه قال لرافع: أنت الذي تزعم أنَّ ابن عمر طلق امرأته واحدة وهي حائض فردها رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ فقال له نافع: نعم، فقال له أبو جعفر (عليه السلام): كذبت والله الذي لا إله غيره، أنا سمعت أبا عبد الله بن عمر يقول: طلقت امرأتي ثلاثاً وهي حائض، ثم حزنت عليها، فسألت أبي أن يذكر ذلك للنبي (صلى الله عليه وآله)، فذكره له؛ فقال له: مره فليمسكها حتى تحيض وتطهر، ثم إن شاء أمسكها من بعد، وإن شاء طلقها(1) .

وهذا الحديث يقضي على الشيخ الضال بالبهتان فيما ادعاه.

____________________

(1) فروع الكافي 6: 161، بأدنى تفاوت.

٨٩

فصل

مع أن حديث ابن عمر قد اختلفت ألفاظه، وتضادّت معانيه، فلو لم يسقط من جهة أنه خبر واحد، ولا من جهة خلاف مضمون بعضه القرآن والسنة، لكان ساقطاً باختلاف ألفاظه، وتضادِّ معانيه، على ما بيناه.

فصل

قال الشيخ المعاند: وحديث عويمر بن ساعدة العجلاني يقتضي - أيضاً - ببطلان ما حكمت به هذه العصابة المخالفة لفقهاء الأمصار، وذلك أن عويمر بن ساعدة رمى زوجته بالفجور، فلاعن بينها وبينه النبي (صلى الله عليه وآله) فلما شهدت المرأة أربع مرات على كذبه، وتممتها بالخامسة، قال عويمر: إن كنت كذبت عليها فهي طالق ثلاثاً، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): قد بانت منك باللعان.

ولم ينكر عليه جميع الطلاق الثلاث.

فصل

فيقال له: سمعت عنك من شيخ جاهل متهور، قلد سلفاً له حميراً ولم يتأمّل جهالاتهم فيجتنبها، ألست تقول - وأصحابك كافة - أن الطلاق في وقت

٩٠

واحد بدعة، ومعصية لله عزّوجلّ، وتخالف الشافعي في دعواه أنها سنة؟! فلِمَ لم ينكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) على عويمر فعله البدعة، وخلافه للسنة عندك، وارتكابه المعصية على أصلك؟.

فكيف تحتج أنت علينا بذلك، مع مشاركتك لنا في القول بأنها بدعة منكرة؟! وما قال النبي (صلى الله عليه وآله) لم ينكر على عويمر طلاقه لامرأة، قد بانت منه باللعان إذ لم يكن أنكر ذلك عندك، وما علمت - أيُّها الجاهل - أن قول النبي (صلى الله عليه وآله) لعويمر: قد بانت منك باللعان، إنكار لما أقدم عليه من القول بجهالة، وفيما قاله النبي (صلى الله عليه وآله) من ذلك، ونبِّه به عويمر على غلطه، كفاية في الإنكار بحسب ما اقتضته الحال، إذ لم يكن عويمر قد عاند فيما قال، وإنما ظن أن ذلك يجوز، فبين له النبي (صلى الله عليه وآله) بطلان ما ظنه فيه، على ما يبين به الحكماء لأصحابهم إذا زلّوا على غير العناد.

٩١

٩٢

مسألة أخرى سادسة

قال الشيخ الناصب: ومن عجيب ما خالفوا فيه الأمة، قولهم: أن الظهار لا يقع موقع اليمين، وأن الرجل إذا قال لامرأته: أنت عليَّ كظهر أمي إن قربتك؛ لم يكن عليه حرج أن يقربها، ولا كفارة عليه. وكذلك يقولون في الطلاق؛ و هذا خلاف ما عليه أهل ملة الأسلام.

ثم قال: فيقال لهم: خالفتم الجماعة في الظهار، ورددتم نص القرآن؛ وما الذي حملكم على إنكار وقوع الطلاق بالأيمان؟ والحالف به متلفّظ بطلاق، و هل خلافكم فيما ذكرناه إلا خلاف القرآن والسنة والإجماع.

فصل

فيقال له: ما نراك تعدل أيُّها الشيخ الضال عن سنتك في المكابرة والعناد، والتخرص والبهتان، أيُّ إجماع يخرج عنه أئمةً الهدي من آل محمد (عليهم السلام)، وأتباعهم في شرق الأرض وغربها، المتدينون بأحكام الكتاب والسنة،

٩٣

المخالفون لأهل البدع والضلال؟!

ولأن جاز لك أن تدعي الإجماع في خلافهم، ليجوزن لهم أن يدَّعوا ذلك في خلافك عليهم، بل هم أولى بالحق في ذلك، لتعويلهم في القول على العترة الطاهرة التى أمر النبي (صلى الله عليه وآله) كافة أمته بالتمسك بها لصوابهم في ذلك وخطئك فيما ادعيت عليهم من خلاف الإجماع.

فصل

فأما دعواه أن القرآن يشهد بوقوع الظهار بالأيمان، فهي بالضدِّ من ذلك، والقرآن شاهد بما ذهبت إليه الشيعة من عدم وقوع الظهار بالأيمان، قال الله تعالى:(الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا) (1) .

فقطع سبحانه على أنه ليقولون المنكر، ويشهدون بالزور في ظهارهم، و لو كان الظهار معلَّقاً بالأيمان لصحّ أن يخرج الإنسان من قول الزور فيه بوفائه باليمين، وترك الخلاف فيها.

وفي قطع الله عزّوجلّ أن المظاهر قائل منكراً وزوراً، وإظهاره على كل حال، دليل على أن الظهار ما وقع لغير شرط يخرجه عن الصفة التي حكم الله تعالى بها على المظاهرين قطعاً بلا ارتياب.

____________________

(1) المجادلة: 2.

٩٤

فصل

وأما اليمين بالطلاق فإنها مُحدَثة فيه، وليست من شرع الإسلام، وقد حدَّ الله تعالى في الطلاق حدوداً لم يدخل فيها اليمين على حال، ولا فرق بين أن يجري الطلاق مجرى الأيمان، وبين أن يجري النكاح مجراه، وتخرج(1) الأموال عن الأملاك كما تخرج الأزواج عن الإملاك.

فيقول له القائل: أنا ناكح فلانة إن كان كذا وكذا، وإن لم يكن كذا وكذا، فتقول له المرأة: قد رضيت بذلك، فينعقد النكاح به عند حلفه في يمينه، كما ينفسخ به عند حلفه في الأيمان.

ويقول الإنسان لمجاوره: داري لك إن كنت فعلت كذا وكذا، أو مالي، أو ضيعتي، أو عبدي، أو أمتي؛ فمتى كان ما حلف عليه ذكرناه، صار الملك لمن سميناه، وانتقل عن ملكه بالأيمان، وهذا باطل بالإجماع، والنظر الصحيح، والاعتبار.

فصل

ثم يقال له: هل وجدت في كتاب الله سبحانه إيقاع الطلاق بالأيمان؟ أو وجدت ذلك مشروعاً في ملة الإسلام؟ فإن ادعى فيه الكتاب أو السنة أكذبه الوجود، وإن أقرَّ بعدمه اعترف بالبدعة فيما صار إليه من الحكم له، وكفانا

____________________

(1) في أ: تجري.

٩٥

مؤونة الكلام في معناه.

فصل

وليس له إلى الحكم به من جهة القياس سبيل، لأنا لا نسوِّغ له القول بالقياس في الأحكام الشرعيات؛ ولو شرعنا له ذلك لكان بما أوردنا عليه من جهة القياس مسقط دعواه فيه على البيان... والله وليُّ التوفيق.

٩٦

مسألة أخرى سابعة

قال الشيخ الناصب: ومما خالفت به هذه الفرقة الضالة الأمة كلها، سوى ما حكيناه عنها في النكاح والطلاق والظهار، قولهم في المواريث.

فمن ذلك: أنهم منعوا الزوجات ما فرضه الله تعالى لهنَّ في كتابه بقوله:(ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم) (1) فعمَّ جميع التركة بما يقتضي لهنَّ الميراث منها؛ فقال هؤلاء القوم: إن الزوجات لا ترث من رباع الأرض شيئاً.

فحرموهنَّ ما أعطاهنَّ الله في كتابه، وخرجوا بذلك من الإجماع، و خالفوا عليه فقهاء الإسلام.

فصل

فيقال له: لسنا نحصل منك إلا على الإحالات الباطلة، والحكايات

____________________

(1) النساء: 12.

٩٧

المدخولة، من أين زعمت أن الشيعة خالفت الأمة في منعها النساء من ملك الرباع، على وجه الميراث من أزواجهنَّ؟ وكافة آل محمد (عليهم السلام) يروون ذلك عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويعملون به وراثة لسنته فيه، فأي إجماع تخرج منه العترة وشيعتهم؛ لولا عنادك وعصبيتك.

فأما ما تعلَّقت به من عموم القرآن، فلو عرى من دليل خصوصه لتم لك الكلام، لكن دل على خصوصه(1) تواتر الشيعة عن أئمة الهدى من آل محمد (عليهم السلام) بأن المرأة لا ترث من رباع الأرض شيئاً، لكنها تعطى قيمة البناء والطوب والخشب والآلات، إذ(2) ثبت الخبر عن الأئمة المعصومين (عليهم السلام) بذلك(3) ، ويجب القضاء بخصوص العموم من الآية التي تعلقت بها.

وليس خصوص العموم بخبر متواتر منكراً عند أحد من أهل العلم، لا سيما وأصحابك يخصُّون العموم وظاهر القرآن بأخبار الآحاد الشاذة(4) ، و منهم من يخصُّه بالمراسيل من الآحاد، وجماعة من أصحابك يخصونه بالظن الفاسد الذي يسمونه قياساً(5) ، فكيف تنكر أيها الجاهل - خصوص عموم القرآن بخبر ثبت عن النبي (صلى الله عليه وآله) من جهة عترته الصادقين

____________________

(1) في أ: لكن ذلك خصوصه.

(2) في أ: إذا.

(3) كما في صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: النساء لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئاً.

وفي حديثه الآخر عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام): أن المرأة لا ترث من تركة زوجها من تربة دار أو أرض، إلّا أن يقوّم الطوب والخشب قيمة فتعطى ربعها أو ثمنها (فروع الكافي 7: 127، 128)

(4) الأحكام للآمدي 2: 525، المستصفى 2: 114، الإبهاج 2: 171.

(5) الأحكام للآمدي 2: 536، المستصفي 2: 121، الإبهاج 2: 176.

٩٨

(عليهم السلام)؛ لولا العدول عن الصواب.

فصل

مع أن للشيعة أن يقولوا: أن الرباع ليست مما تركها الأزواج لجميع الورثة، و إنما قضى عموم القرآن لاستحقاق الزوجة الربع من تركات الأزواج، والثمن، على ما بينه الله عزّوجلّ، وإذا لم يثبت من جهة الإجماع ولا دليل قاطع للعذر أن التربة والرباع من تركات الأزواج للزوجات، بطل التعلق بالعموم في هذا الباب.

فصل

على أنك أيُّها الشيخ قد خصصت - وأئمتك من قبلك - عموم هذه الآية، بل رفعتم حكمها في أزواج النبي (صلى الله عليه وآله) وحرمتموهن من استحقاق بركات ميراثه جملة، وحرمتموهنَّ شيئاً منها بخبر واحد ينقضه القرآن.

وهو ما رواه صاحبكم عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة، فردَّ على الله قوله:(وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ) (1) وقوله:(فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ

____________________

(1) النمل: 16.

٩٩

وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) (1) ، وخصّص عموم قوله تعالى:(لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا) (2) ، وقوله تعالى:(وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ) (3) .

وقصد بذلك منع سيدة نساء العالمين (عليها السلام) ميراثها من أبيها (صلى الله عليه وآله) مع ما بيناه من إيجاب عموم القرآن ذلك، وظاهر قوله تعالى:(يُوصِيكُمُ اللَّـهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ) (4) ، وجعل هذه الصديقة الطاهرة (عليها السلام) في معنى القاتلة الممنوعة من ميراث والدها لجرمها، والذمية الممنوعة من الميراث لكفرها، والمملوكة المسترقَّة الممنوعة من الميراث لرقها، فأعظم الفرية على الله عزّوجلّ، وردَّ كتابه، ولم تقشعر لذلك جلودكم، ولا أبته نفوسكم.

فلما ورد الخبر عن النبي (صلى الله عليه وآله) من جهة عترته الصادقين الأبرار بمنع الزوجات ملك الرباع، وتعويضهن من ذلك قيمة الطوب والآلات والبناء جعلتم ذلك خلافاً للقرآن، وخروجاً عن الإسلام، جرأة على الله، و عناداً لأوليائه (عليهم السلام).

هذا مع أنا قد بينَّا أنه يجب عليكم إثبات الرباع في التركات المعروفات للأزواج، حتى يصح احتجاجكم بالعموم، فأنَّى لكم بذلك، ولن تقدروا عليه الا بالدعاوي المعراة من البرهان

____________________

(1) مريم: 5، 6.

(2) النساء: 7.

(3) النساء: 12.

(4) النساء: 11.

١٠٠