إعلام الورى بأعلام الهدى الجزء ٢

إعلام الورى بأعلام الهدى0%

إعلام الورى بأعلام الهدى مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
ISBN: 964-319-011-0
الصفحات: 551

إعلام الورى بأعلام الهدى

مؤلف: أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي (أمين الإسلام)
تصنيف:

ISBN: 964-319-011-0
الصفحات: 551
المشاهدات: 69391
تحميل: 5153


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 551 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 69391 / تحميل: 5153
الحجم الحجم الحجم
إعلام الورى بأعلام الهدى

إعلام الورى بأعلام الهدى الجزء 2

مؤلف:
ISBN: 964-319-011-0
العربية

وكتب الزبيري : أنّ عليّ بن موسى قد فتح بابه ودعا إلى نفسه ، فقال هارون : واعجبا إنّ عليّ بن موسى قد اشترى كلبا وكبشا وديكا ويكتب فيه بما يكتب!(1) .

وباسناده ، عن الحسن بن موسى قال : خرجنا مع أبي الحسن الرضاعليه‌السلام إلى بعض أملاكه في يوم لا سحاب فيه ، فلمّا برزنا قال : « حملتم معكم المماطر؟ »

قلنا : لا ، وما حاجتنا إلى المماطر وليس سحاب ولا نتخوّف المطر؟! قال : « لكني حملته وستمطرون ».

قال : فما مضينا إلاّ يسيرا حتّى ارتفعت سحابة ومطرنا ، فما بقي منّا أحد إلاّ ابتلّ(2) .

وأسانيد هذه الأحاديث مذكورة في كتاب عيون الأخبار للشيخ أبي جعفر قدس الله روحه.

وروى محمد بن يعقوب الكلينيرحمه‌الله بإسناده ، عن إبراهيم بن موسى قال : ألححت على أبي الحسن الرضاعليه‌السلام في شيء أطلبه منه وكان يعدني ، فخرج ذات يوم يستقبل والي المدينة وأنا معه ، فجاء إلى قرب قصر فلان فنزل تحت شجرات ونزلت معه أنا وليس معنا ثالث ، فقلت : جعلت فداك ، هذا العيد قد أظلّنا ولا والله ما أملك درهما فما سواه.

فحكّ بسوطه الأرض حكّا شديدا ثمّ ضرب بيده فتناول منه سبيكة

__________________

(1) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام 2 : 205 / 4 ، وكذا في : المناقب لابن شهرآشوب 4 : 369 ، الثاقب في المناقب : 492 / 421 ، كشف الغمة 2 : 315.

(2) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام 2 : 221 / 37 ، وكذا في : المناقب لابن شهرآشوب 4 : 341 ، كشف الغمة 2 : 303.

٦١

ذهب ، ثمّ قال : « انتفع بها واكتم ما رأيت »(1) .

وأما ما ظهر للناس بعد وفاته من بركة مشهده المقدّس وعلاماته ، والعجائب التي شاهدها الخلق فيه ، وأذعن العامّ والخاصّ له ، وأقرّ المخالف والمؤالف به إلى يومنا هذا ، فكثير خارج عن حدّ الإحصاء والعدّ ، ولقد ابرئ فيه الأكمه والأبرص ، واستجيبت الدعوات ، وقضيت ببركته الحاجات ، وكشفت الملمّات ، وشاهدنا كثيرا من ذلك وتيقنّاه وعلمناه علما لا يتخالج الشكّ والريب في معناه ، فلو ذهبنا نخوض في إيراد ذلك لخرجنا عن الغرض في هذا الكتاب.

__________________

(1) الكافي 1 : 408 / 6 ، وكذا في : اثبات الوصية : 176 ، دلائل الامامة : 190 ، روضة الواعظين : 222 ، كشف الغمة 2 : 274.

٦٢

( الفصل الرابع )

في ذكر طرف من خصائصه ومناقبه وأخلاقه الكريمةعليه‌السلام

محمد بن يحيى الصولي ، عن ابن ذكوان قال : سمعت إبراهيم بن العبّاس يقول : ما رأيت الرضاعليه‌السلام سئل عن شيء قطّ إلاّ علمه ، ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان إلى وقته وعصره ، وكان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كلّ شيء فيجيب عنه ، وكان كلامه كلّه وجوابه وتمثّله انتزاعات من القرآن ، وكان يختمه في كلّ ثلاث ويقول : « لو أنّي أردت أن أختمه في أقرب من ثلاث لختمت ، ولكنّي ما مررت بآية قطّ إلاّ فكّرت فيها وفي أيّ شيء انزلت وفي أيّ وقت ، فلذلك صرت أختمه في كلّ ثلاث »(1) .

وفي رواية اخرى : عن إبراهيم بن هاشم ، عن إبراهيم بن العبّاس أنّه قال : ما رأيت ولا سمعت بأحد أفضل من أبي الحسن الرضا ، وشاهدت منه ما لم اشاهده من أحد ، وما رأيته جفا أحدا بكلامه قط ، ولا رأيته قطع على أحد كلامه حتّى يفرغ منه ، وما ردّ أحدا عن حاجة يقدر عليها ، ولا مدّ رجليه بين يدي جليس له قطّ ، ولا اتكئ بين يدي جليس له قط ، ولا رأيته يشتم أحدا من مواليه ومماليكه ، وما رأيته تفل قط ، ولا رأيته يقهقه في ضحكه بل كان ضحكه التبسّم ، وكان إذا خلا ونصبت مائدته أجلس على مائدته مماليكه ومواليه حتّى البوّاب والسائس ، وكان قليل النوم بالليل ، كثير السهر ، يحيي أكثر لياليه من أوّلها إلى الصبح ، وكان كثير الصوم ، ولا يفوته صيام

__________________

(1) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام 2 : 180 / 4 ، كشف الغمة 2 : 316.

٦٣

ثلاثة أيام في الشهر ، ويقول : « ذلك صوم الدهر » وكان كثير المعروف والصدقة في السرّ ، وأكثر ذلك يكون منه في الليالي المظلمة ، فمن زعم أنّه رأى مثله في فضله فلا تصدّقوه(1) .

وعن محمد بن أبي عباد قال : كان جلوس الرضاعليه‌السلام على حصير في الصيف وعلى مسح في الشتاء ، ولبسه الغليظ من الثياب حتّى إذا برز للناس تزيّن لهم(2) .

وروى الحاكم أبو عبد الله الحافظ بإسناده ، عن الفضل بن العبّاس ، عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهرويّ قال : ما رأيت أعلم من عليّ ابن موسى الرضاعليهما‌السلام ، ولا رآه عالم إلاّ شهد له بمثل شهادتي ، ولقد جمع المأمون في مجالس له ذوات عدد علماء الأديان وفقهاء الشريعة والمتكلّمين فغلبهم عن آخرهم حتّى ما بقي أحد منهم إلاّ أقرّ له بالفضل وأقرّ على نفسه بالقصور ، ولقد سمعت عليّ بن موسى الرضاعليهما‌السلام يقول : « كنت أجلس في الروضة والعلماء بالمدينة متوافرون ، فإذا أعيا الواحد منهم عن مسألة أشاروا إليّ بأجمعهم وبعثوا إليّ بالمسائل فأجيب عنها »(3) .

قال أبو الصّلت : ولقد حدّثني محمد بن إسحاق بن موسى بن جعفر ، عن أبيه : أنّ موسى بن جعفرعليهما‌السلام كان يقول لبنيه : « هذا أخوكم عليّ بن موسى عالم آل محمد ، فاسألوه عن أديانكم واحفظوا ما يقول لكم ،

__________________

(1) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام 2 : 184 / 7 ، كشف الغمة 2 : 316.

(2) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام 2 : 178 / 1 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 360 ، كشف الغمة 2 : 316.

(3) كشف الغمة 2 : 316 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 49 : 100 / 17.

٦٤

فإنّي سمعت أبي جعفر بن محمّد غير مرّة يقول لي : إنّ عالم آل محمد لفي صلبك ، وليتني أدركته فإنّه سميّ أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام »(1) .

وروى عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن محمد بن يحيى الفارسيّ قال : نظر أبو نؤاس إلى الرضاعليه‌السلام ذات يوم وقد خرج من عند المأمون على بغلة له ، فدنا منه وسلّم عليه وقال : يا ابن رسول الله ، قد قلت فيك أبياتا وأنا احبّ أن تسمعها منّي.

قال : « هات » فأنشأ يقول :

مطهّرون نقيّات ثيابهم

تجري الصلاة عليهم أين ما ذكروا

من لم يكن علويّا حين تنسبه

فما له في قديم الدهر مفتخر

فالله لمّا برأ خلقا فأتقنه

صفّاكم واصطفاكم أيّها البشر

فأنتم الملأ الأعلى وعندكم

علم الكتاب وما جاءت به السور

فقال الرضاعليه‌السلام : « قد جئتنا بأبيات ما سبقك إليها أحد ، يا غلام هل معك من نفقتنا شيء؟ ».

فقال : ثلاثمائة دينار.

فقال : « أعطها إيّاه » ثم قال : « لعلّه استقلّها ، يا غلام سق إليه البغلة »(2) .

ولأبي نؤاس فيه أيضا :

قيل لي أنت أوحد الناس طرّا

في فنون من الكلام النبيه(3)

لك من جوهر الكلام بديع

يثمر الدر في يدي مجتنيه

__________________

(1) كشف الغمة 2 : 317 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 49 : 100 / ذيل حديث 17.

(2) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام 2 : 143 / 10 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 366 ، بشارة المصطفى : 81 ، كشف الغمة 2 : 317 ، الفصول المهمة : 248.

(3) في نسخة « م » : في المعاني وفي الكلام البديه.

٦٥

فعلام تركت مدح ابن موسى

والخصال التي تجمّعن فيه

قلت لا أهتدي لمدح إمام

كان جبريل خادما لأبيه(1)

عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن أبي الصلت الهرويّ قال : دخل دعبل بن عليّ الخزاعيّ على الرضاعليه‌السلام بمرو فقال له : يا ابن رسول الله ، إنّي قد قلت فيكم قصيدة ، وآليت على نفسي أن لا أنشدها أحدا قبلك.

فقالعليه‌السلام : « هاتها ».

فأنشده :

مدارس آيات خلت من تلاوة

ومنزل وحي مقفر العرصات

فلما بلغ إلى قوله :

أرى فيئهم في غيرهم متقسّما

وأيديهم من فيئهم صفرات

بكى أبو الحسن الرضاعليه‌السلام وقال له : « صدقت يا خزاعيّ ».

فلما بلغ إلى قوله :

إذا وتروا مدّوا إلى واتريهم

أكفّا عن الأوتار منقبضات

جعل الرضاعليه‌السلام يقلّب كفّيه ويقول : « أجل والله منقبضات ».

فلما بلغ إلى قوله :

لقد خفت في الدنيا وأيّام سعيها

وإنّي لارجو الأمن بعد وفاتي

قال الرضاعليه‌السلام : « آمنك الله يوم الفزع الأكبر ».

فلما انتهى إلى قوله :

__________________

(1) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام 2 : 143 / 9 ، روضة الواعظين : 236 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 342 ، بشارة المصطفى : 80 ، كشف الغمة 2 : 317 ، تذكرة الخواص : 321 ، وفيات الأعيان 3 : 270.

٦٦

وقبر ببغداد لنفس زكيّة

تضمّنها الرحمن في الغرفات

قال الرضاعليه‌السلام : « أفلا ألحق لك بهذا الموضع بيتين بهما تمام قصيدتك؟ » فقال : بلى يا ابن رسول الله.

فقالعليه‌السلام :

« وقبر بطوس يا لها من مصيبة

توقّد في الأحشاء بالحرقات

إلى الحشر حتّى يبعث الله قائما

يفرّج عنّا الهمّ والكربات »

فقال دعبل : يا ابن رسول الله هذا القبر الذي بطوس قبر من هو؟

فقال الرضاعليه‌السلام : « قبري ، ولا تنقضي الأيّام والليالي حتّى تصير طوس مختلف شيعتي وزوّاري ، ألا فمن زارني في غربتي بطوس كان معي في درجتي يوم القيامة مغفورا له ».

ثمّ نهض الرضاعليه‌السلام بعد فراغ دعبل من إنشاد القصيدة وأمره أن لا يبرح من موضعه ، فدخل الدار فلمّا كان بعد ساعة خرج الخادم إليه بمائة دينار ـ وفي رواية غيره : ستّمائة دينار ـ وقال له : يقول لك مولاي : « اجعلها في نفقتك ».

فقال دعبل : والله ما لهذا جئت ، ولا قلت هذه القصيدة طمعا في شيء ، وردّ الصرّة وسأل ثوبا من ثياب الرضا ليتبرّك به ويتشرّف ، فأنفذ إليه الرضاعليه‌السلام بجبّة خزّ مع الصرّة وقال للخادم : « قل له : خذ هذه الصرّة فإنّك ستحتاج إليها ، ولا تراجعني فيها ».

فانصرف دعبل وصار من مرو في قافلة فوقع عليهم اللصوص وأخذوا القافلة وكتّفوا أهلها وجعلوا يقسّمون أموالهم ، فتمثّل رجل منهم بقوله :

أرى فيئهم في غيرهم متقسّما

وأيديهم من فيئهم صفرات

فقال دعبل : لمن هذا البيت؟ قال : لرجل من خزاعة. قال : فأنا دعبل

٦٧

قائل هذه القصيدة.

فحلّوا كتافه وكتاف جميع القافلة ، وردّوا إليهم جميع ما أخذ منهم.

وسار دعبل حتّى وصل إلى قم وأنشدهم القصيدة فوصلوه بمال كثير وسألوه أن يبيع الجبّة منهم بألف دينار فأبى ، وسار عن قم فلحقه قوم من أحداثهم وأخذوا الجبّة منه ، فرجع دعبل وسألهم ردّها عليه فقالوا : لا سبيل لك إليها فخذ ثمنها ألف دينار ، فقال : على أن تدفعوا إليّ شيئا منها ، فأعطوه بعضها وألف دينار.

وانصرف دعبل إلى وطنه فوجد اللصوص أخذوا جميع ما في منزله ، فباع المائة دينار التي وصله بها الرضاعليه‌السلام من الشيعة كلّ دينار بمائة درهم ، وتذكّر قول الرضاعليه‌السلام : « إنّك ستحتاج إليها »(1) .

وعن أبي الصلت الهرويّ قال : سمعت دعبل قال : لمّا أنشدت مولاي الرضاعليه‌السلام القصيدة وانتهيت إلى قولي :

خروج إمام لا محالة خارج

يقوم على اسم الله والبركات

يميّز فينا كلّ حقّ وباطل

ويجزي على النعماء والنقمات

بكى الرضاعليه‌السلام بكاء شديدا ثمّ رفع رأسه إليّ وقال : « يا خزاعي ، نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين ، فهل تدري من هذا الإمام ومتى يقوم؟ »

قلت : لا يا مولاي ، إلاّ أنّي سمعت بخروج إمام منكم يملأ الأرض

__________________

(1) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام 2 : 263 / 34 ، كمال الدين : 373 / 6 ، وباختصار في : ارشاد المفيد 2 : 263 ، ورجال الكشي : 504 / 970 ، وقطعة منه في : دلائل الامامة : 182 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 338 ، كشف الغمة 2 : 318 ، الفصول المهمة : 248.

٦٨

عدلا.

فقال : « يا دعبل ، الإمام بعدي محمد ابني ، وبعد محمد ابنه عليّ ، وبعد عليّ ابنه الحسن ، وبعد الحسن ابنه الحجّة القائم المنتظر في غيبته المطاع في ظهوره ، لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله تعالى ذلك اليوم حتّى يخرج فيملأها عدلا كما ملئت جورا »(1) .

وروى الصولي ، عن أبي ذكوان ، عن إبراهيم بن العبّاس قال : كان الرضاعليه‌السلام ينشد كثيرا :

« إذا كنت في خير فلا تغتر به

ولكن قل اللهمّ سلّم وتمّم »(2)

وعن الريّان بن الصلت قال : أنشدني الرضاعليه‌السلام لعبد المطّلب :

« يعيب الناس كلّهم زمانا

وما لزماننا عيب سوانا

نعيب زماننا والعيب فينا

ولو نطق الزمان بنا هجانا

وليس الذئب يأكل لحم ذئب

ويأكل بعضنا بعضا عيانا »(3)

وشكا رجل أخاه في مجلسهعليه‌السلام فأنشأ يقول :

« اعذر أخاك على ذنوبه

واستر وغطّ على عيوبه

واصبر على بهت السفي

ه وللزمان على خطوبه

ودع الجواب تفضّلا

وكلّ الظلوم إلى حسيبه »(4)

__________________

(1) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام 2 : 265 / 35 ، كمال الدين : 372 / 6 ، كشف الغمة 2 : 328 ، الفصول المهمة : 250.

(2) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام 2 : 178 / 9 ، كشف الغمة 2 : 328.

(3) أمالي الصدوق : 150 / 6 ، عيون أخبار الرضاعليه‌السلام 2 : 177 / 5 ، كشف الغمة 2 : 329.

(4) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام 2 : 176 / 4 ، بشارة المصطفى : 78 ، كشف الغمة 2 :

٦٩

وروي عن عبد الرحمن بن أبي نجران قال : كتب أبو الحسن الرضاعليه‌السلام إلى بعض أصحابه : « إنّا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان وبحقيقة النفاق »(1) .

وروي عن ياسر الخادم قال : كان غلمان لأبي الحسنعليه‌السلام في البيت صقالبة وروم ، وكان أبو الحسنعليه‌السلام قريبا منهم فسمعهم بالليل يتراطنون بالصقلبيّة والروميّة ويقولون : إنّا كنّا نفتصد في كلّ سنة في بلادنا ثمّ ليس نفتصد هاهنا ، فلمّا كان من الغد وجّه أبو الحسنعليه‌السلام إلى بعض الأطبّاء فقال : « افصد فلانا عرق كذا ، وافصد فلانا عرق كذا » ثمّ قال : « يا ياسر ، لا تفتصد أنت ».

قال : فافتصدت فورمت يدي واحمرّت. فقال لي : « يا ياسر ما لك؟ » فأخبرته فقال : « ألم أنهك عن ذلك ، هلمّ يدك » فمسح يده عليها وتفل فيها ثمّ أوصاني أن لا أتعشّى ، فكنت بعد ذلك ما شاء الله لا أتعشّى ثمّ أتغافل فأتعشّى فتضرب عليّ(2) .

عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أبي الصلت الهرويّ قال : كان الرضاعليه‌السلام يكلّم الناس بلغاتهم ، وكان والله أفصح الناس وأعلمهم بكلّ لسان ولغة ، فقلت له يوما : يا ابن رسول الله إنّي لأعجب من معرفتك بهذه اللغات على اختلافها.

فقال : « يا أبا الصلت ، أنا حجّة الله على خلقه ، وما كان الله ليتّخذ

__________________

269 و 329 ، الفصول المهمة : 247.

(1) بصائر الدرجات : 308 / 5 ، عيون أخبار الرضاعليه‌السلام 2 : 227 / 1.

(2) بصائر الدرجات : 358 / 4 ، عيون أخبار الرضاعليه‌السلام 2 : 227 / 1 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 334.

٧٠

حجّة على قوم وهو لا يعرف لغاتهم ، أوما بلغك قول أمير المؤمنينعليه‌السلام : اوتينا فصل الخطاب؟ فهل فصل الخطاب إلاّ معرفة اللغات »(1) .

وروى الحسن بن عليّ بن فضّال ، عن الرضاعليه‌السلام : أنّه قال له رجل من أهل خراسان : يا ابن رسول الله ، رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في المنام كأنّه يقول لي : كيف أنتم إذا دفن في أرضكم بضعتي ، واستحفظتم وديعتي ، وغيّب في ثراكم نجمي؟

فقال له الرضاعليه‌السلام : « أنا المدفون في أرضكم ، وأنا بضعة من نبيّكم ، وأنا الوديعة والنجم ، ألا فمن زارني وهو يعرف ما أوجب الله تعالى من حقّي وطاعتي فأنا وآبائي شفعاؤه يوم القيامة ، ومن كنّا شفعاؤه نجا ولو كان عليه مثل وزر الثقلين الجنّ والإنس. ولقد حدّثني أبي عن جدّي عن أبيهعليه‌السلام أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من رآني في منامه فقد رآني فإنّ الشيطان لا يتمثّل في صورتي ولا في صورة أحد من أوصيائي ولا في صورة أحد من شيعتهم ، وإنّ الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزءا من النبوّة »(2) .

وأما ما روي عنهعليه‌السلام من فنون العلم ، وأنواع الحكم ، والأخبار المجموعة والمنثورة ، والمجالس مع أهل الملل والمناظرات المشهورة فأكثر من أن تحصى.

__________________

(1) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام 2 : 228 / 3 ، ومختصرا في : المناقب لابن شهرآشوب 4 : 333 ، كشف الغمة 2 : 329.

(2) أمالي الصدوق : 61 / 10 ، عيون أخبار الرضاعليه‌السلام 2 : 257 / 11 ، كشف الغمة 2 : 329.

٧١

( الفصل الخامس )

في ذكر نبذ من أخباره مع المأمون

كان المأمون قد أنفذ إلى جماعة من الطالبيّة فحملهم من المدينة وفيهم الرضاعليه‌السلام ، فأخذ بهم على طريق البصرة حتّى جاءوه بهم ، وكان المتولّي لإشخاصهم المعروف بالجلودي ، فقدم بهم على المأمون فأنزلهم دارا وأنزل الرضاعليه‌السلام دارا وأكرمه وعظّم أمره ، ثمّ أنفذ إليه أنّي اريد ان أخلع نفسي من الخلافة واقلّدك إيّاها ، فأنكر الرضاعليه‌السلام هذا الأمر وقال له : « اعيذك بالله يا أمير المؤمنين من هذا الكلام وأن يسمع به أحد » فرد عليه الرسالة : فإذا أبيت ما عرضته عليك فلا بدّ من ولاية العهد من بعدي ، فأبى عليه الرضاعليه‌السلام إباء شديدا.

فاستدعاه إليه وخلا به ومعه ذو الرئاستين الفضل بن سهل وردد عليه هذا الكلام ، فقالعليه‌السلام : « اعفني من ذلك يا أمير المؤمنين ».

فقال له المأمون كالمهدّد : إنّ عمر بن الخطّاب جعل الأمر شورى في ستّة أحدهم جدّك أمير المؤمنين وشرط فيمن خالف ذلك أن يضرب عنقه ، ولا بدّ من قبولك ما اريده منك.

فقال الرضاعليه‌السلام : « فإنّي اجيبك إلى ما تريده من ولاية العهد ، على أنّي لا آمر ولا أنهي ، ولا افتي ولا أقضي ، ولا اولّي ولا أعزل ، ولا اغيّر شيئا ممّا هو قائم » فأجابه المأمون إلى ذلك كلّه(1) .

__________________

(1) ارشاد المفيد 2 : 259 ، روضة الواعظين : 224 ، كشف الغمة 2 : 275 ، مقاتل الطالبيين : 562.

٧٢

وذكر رواة السير : أنّ المأمون لمّا أراد العقد للرضاعليه‌السلام أحضر الفضل بن سهل والحسن بن سهل فأعلمهما بما قد عزم عليه من ذلك وقال : إنّي عاهدت الله تعالى أنّني إن ظفرت بالمخلوع أخرجت الخلافة إلى أفضل آل أبي طالب ، وما أعلم أحدا أفضل من هذا الرجل على وجه الأرض.

فلمّا رأيا عزيمته على ذلك أمسكا عن معارضته ، فأرسلهما إلى الرضا ، فعرضا ذلك عليه فامتنع منه ، فلم يزالا به حتّى أجاب ورجعا إلى المأمون فعرّفاه إجابته ، فسرّ به وجلس للخاصّة في يوم خميس ، وخرج الفضل بن سهل فأعلم الناس برأي المأمون في عليّ بن موسىعليه‌السلام ، وانّه قد ولاه عهده ، وقد سمّاه الرضا ، وأمرهم بلبس الخضرة والعود لبيعته في الخميس الآخر ، على أن يأخذوا رزق سنة.

فلمّا كان ذلك اليوم ركب الناس على طبقاتهم من القوّاد والحجّاب والقضاة وغيرهم في الخضرة ، وجلس المأمون ووضع للرضاعليه‌السلام وسادتين عظيمتين حتّى لحق بمجلسه وفرشه ، وأجلس الرضاعليه‌السلام عليهما في الخضرة وعليه عمامة وسيف ، ثمّ أمر ابنه العبّاس بن المأمون فبايع له أوّل الناس ، فرفع الرضاعليه‌السلام يده فتلقّى بها وجه نفسه وببطنها وجوههم ، فقال المأمون : ابسط يدك للبيعة ، فقال الرضاعليه‌السلام : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هكذا كان يبايع ».

فبايعه الناس ويده فوق أيديهم ، ووضعت البدر ، وقامت الخطباء والشعراء ، فجعلوا يذكرون فضل الرضاعليه‌السلام وما كان من المأمون في أمره ، ثمّ دعا أبو عبّاد بالعبّاس بن المأمون فوثب فدنا من أبيه فقبّل يده وأمره بالجلوس ، ثمّ نودي محمد بن جعفر بن محمد وقال له الفضل بن سهل : قم ، فقام فمشى حتّى قرب من المأمون فوقف فلم يقبّل يده ، فقيل له : امض فخذ جائزتك ، وناداه المأمون : ارجع يا أبا جعفر إلى مجلسك ، فرجع ثمّ

٧٣

جعل أبو عبّاد يدعو بعلويّ وعبّاسيّ فيقبضان جوائزهما حتّى نفدت الأموال.

ثم قال المأمون للرضاعليه‌السلام : اخطب الناس ، فحمد الله سبحانه وأثنى عليه وقال : « إنّ لنا عليكم حقّا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولكم علينا حقّا به ، فإذا أنتم أدّيتم إلينا ذلك الحقّ وجب علينا الحقّ لكم ».

ولم يذكر عنه غير هذا في ذلك المجلس ، وأمر المأمون فضربت الدراهم وطبع عليها اسم الرضاعليه‌السلام ، وخطب للرضا في كلّ بلد بولاية العهد(1) .

وخطب عبد الجبّار بن سعيد في تلك السنة على منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالمدينة فقال في الدعاء له : ولي عهد المسلمين عليّ بن موسى بن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّعليهم‌السلام .

ستّة آباء هم ما هم

أفضل من يشرب صوب الغمام(2)

وذكر المدائنيّ عن رجاله قال : لمّا جلس الرضاعليه‌السلام لولاية العهد قام بين يديه الخطباء والشعراء ، وخفقت الألوية على رأسه ، فذكر بعض من حضر ذلك المجلس ممّن كان يختصّ بالرضاعليه‌السلام قال : نظر إليّ وكنت مستبشرا بما جرى ، فأومأ إليّ أن ادن فدنوت منه فقال لي من حيث لا يسمعه غيري : « لا تشغل قلبك بهذا الأمر ولا تستبشر له ، فإنّه شيء لا يتمّ »(3) .

__________________

(1) ارشاد المفيد 2 : 260 ، مقاتل الطالبيين : 562 ، الفصول المهمة : 255.

(2) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام 2 : 145 / 14 وفيه ( سبعة آباءهم ) بدل ( ستة آباءهم ) ، ارشاد المفيد 2 : 262 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 364 ، مقاتل الطالبيين : 565 ، الفصول المهمة : 256.

(3) ارشاد المفيد 2 : 263 ، الفصول المهمة : 256.

٧٤

وذكر الصوليّ بإسناده ، عن الفضل بن سهل النوبختي ـ أو عن أخ له ـ قال : لمّا عزم المأمون على العقد للرضاعليه‌السلام بالعهد قلت : والله لأعتبرنّ بما في نفس المأمون أيحبّ تمام هذا الأمر أو هو تصنّع منه؟ فكتبت إليه على يد خادم له كان يكاتبني بأسراره على يده : قد عزم ذو الرئاستين على عقد العهد والطالع السرطان وفيه المشتري ، والسرطان وإن كان شرف المشتري فهو برج منقلب لا يتمّ أمر يعقد فيه ، ومع هذا فإنّ المرّيخ في الميزان في بيت العاقبة ، وهذا يدلّ على نكبة المعقود له ، وقد عرّفت أمير المؤمنين ذلك لئلاّ يعتب عليّ إذا وقف على هذا من غيري.

فكتب إليّ : إذا قرأت جوابي إليك فاردده إليّ مع الخادم ، ونفسك أن يقف أحد على ما عرّفتنيه ، أو أن يرجع ذو الرئاستين عن عزمه ، فإنّه إن فعل ذلك ألحقت الذنب بك وعلمت أنّك سببه.

قال : فضاقت عليّ الدنيا ، وبلغني أنّ الفضل بن سهل قد تنبّه على الأمر ورجع عن عزمه ، وكان حسن العلم بالنجوم ، فخفت والله على نفسي وركبت إليه فقلت له : أتعلم في السماء نجما أسعد من المشتريّ؟ قال : لا ، قلت : أتعلم في الكواكب [ نجما ] يكون في حال أسعد منها في شرفها؟ قال : لا ، قلت : فأمض العزم على ذلك إن كنت تعقده وسعد الفلك في أسعد حالاته ، فأمضى الأمر(1) على ذلك ، فما علمت أنّي من أهل الدنيا حتّى وقّع العقد فزعا من المأمون(2) .

وروى عليّ بن إبراهيم ، عن ياسر الخادم والريّان بن الصلت جميعا قالا : لمّا حضر العيد ـ وكان قد عقد للرضاعليه‌السلام الأمر بولاية العهد ـ

__________________

(1) في نسختي « ق » و « ط » : العزم.

(2) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام 2 : 147 / 19.

٧٥

بعث المأمون إليه في الركوب إلى العيد والصلاة بالناس والخطبة بهم ، فبعث إليه الرضاعليه‌السلام : « قد علمت ما كان بيني وبينك من الشروط في دخول الأمر ، فاعفني عن الصلاة بالناس ».

فقال له المأمون : إنّي اريد أن تطمئنّ قلوب الناس ويعرفوا فضلك.

ولم يزل الرسول يتردّد بينهم في ذلك ، فلمّا ألحّ عليه المأمون أرسلعليه‌السلام إليه : « إن أعفيتني فهو أحبّ إليّ ، وإن لم تعفني خرجت كما خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنينعليه‌السلام ».

فقال المأمون : اخرج كيف شئت.

وأمر القوّاد والناس أن يبكروا إلى باب الرضاعليه‌السلام ، فقعد الناس لأبي الحسن في الطرقات والسطوح ، واجتمع النساء والصبيان ينتظرون خروجه ، وصار جميع القوّاد والجند إلى بابه ، فوقفوا على دوابّهم حتّى طلعت الشمس ، فاغتسل أبو الحسنعليه‌السلام ، ولبس ثيابه ، وتعمّم بعمامة بيضاء من قطن ، ألقى طرفا منها على صدره وطرفا بين كتفيه ، ومسّ شيئا من الطيب ، وأخذ بيده عكّازة وقال لمواليه : « افعلوا مثل ذلك ».

فخرجوا بين يديه وهو حاف ، قد شمّر سراويله إلى نصف الساق ، وعليه ثياب مشمّرة ، فمشى قليلا ورفع رأسه إلى السماء وكبّر وكبّر مواليه معه ، ومشى حتّى وقف على الباب ، فلمّا رآه القوّاد والجند في تلك الصورة سقطوا كلّهم إلى الأرض ، وكان أحسنهم حالا من كان معه سكّين قطع بها شرابة چاچيلته(1) ونزعها وتحفّى ، وكبّر الرضاعليه‌السلام على الباب وكبّر الناس معه ، فخيل إلينا أنّ السماء والحيطان تجاوبه.

وتزعزعت مرو بالبكاء والضجيج لمّا رأوا أبا الحسنعليه‌السلام

__________________

(1) الچاچله : كلمة فارسية تطلق على الحذاء المصنوع من الجلد « انظر : لغت نامه 16 : 13 ».

٧٦

وسمعوا تكبيره ، وبلغ المأمون ذلك فقال له الفضل بن سهل ذو الرئاستين : يا أمير المؤمنين ، إن بلغ الرضا المصلّى على هذا السبيل افتتن به الناس وخفنا كلّنا على دمائنا ، فأنفذ إليه أن يرجع فبعث إليه المأمون : قد كلّفناك شططا وأتعبناك ، ولست احبّ أن تلحقك مشقّة ، فارجع وليصلّ بالناس من كان يصلّي بهم على رسمه ، فدعا أبو الحسنعليه‌السلام بخفّه فلبسه وركب ورجع ، واختلف أمر الناس في ذلك اليوم ولم تنتظم صلاتهم(1) .

وروى عليّ بن إبراهيم ، عن ياسر قال : لمّا عزم المأمون على الخروج من خراسان إلى بغداد خرج معه ذو الرئاستين وخرجنا مع أبي الحسن الرضاعليه‌السلام ، فورد على الفضل كتاب من أخيه الحسن بن سهل ونحن في بعض المنازل : إنّي نظرت في تحويل السنة فوجدت فيه أنّك تذوق في شهر كذا يوم الأربعاء حرّ الحديد وحرّ النار ، وأرى أن تدخل أنت وأمير المؤمنين والرضا الحمّام في هذا اليوم وتحتجم فيه وتصبّ على بدنك الدّم ليزول عنك نحسه.

فكتب ذو الرئاستين بذلك إلى المأمون وسأله أن يسأل أبا الحسن في ذلك ، فكتب إلى الرضاعليه‌السلام يسأله فيه ، فأجابه : « لست بداخل الحمّام غدا » فأعاد عليه الرقعة مرّتين ، فكتب إليه أبو الحسنعليه‌السلام : « إنّي رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في هذه الليلة فقال لي : يا عليّ لا تدخل الحمّام غدا ، ولا أرى لك يا أمير المؤمنين ولا للفضل أن تدخلا الحمّام ».

فكتب إليه المأمون : صدقت يا أبا الحسن وصدق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولست بداخل الحمّام غدا ، والفضل أعلم.

__________________

(1) الكافي 1 : 408 ، ارشاد المفيد 2 : 264 ، وباختلاف يسير في : عيون أخبار الرضاعليه‌السلام 2 : 150 / ذيل حديث 21 ، روضة الواعظين : 227 ، وباختصار في : المناقب لابن شهرآشوب 4 : 371 ، كشف الغمة 2 : 278.

٧٧

قال ياسر : فلمّا أمسينا قال لنا الرضاعليه‌السلام : « قولوا : نعوذ بالله من شرّ ما ينزل في هذه الليلة » فلم نزل نقول ذلك ، فلمّا صلّى الرضاعليه‌السلام الصبح قال لي : « اصعد السطح فاستمع هل تجد شيئا » فلمّا صعدت سمعت الصيحة فكثرت وزادت فلم نشعر بشيء ، فإذا نحن بالمأمون قد دخل من الباب الذي كان من داره إلى دار أبي الحسنعليه‌السلام وهو يقول : يا سيّدي يا أبا الحسن ، آجرك الله في الفضل ، فإنّه دخل الحمّام ودخل عليه قوم بالسيوف فقتلوه ، وأخذ ممّن دخل عليه ثلاثة نفر أحدهم ابن خالة الفضل ابن ذي القلمين.

قال : واجتمع الجند والقوّاد ومن كان من رجال الفضل على باب المأمون فقالوا : هو اغتاله وشغبوا عليه وطلبوا بدمه ، وجاءوا بالنيران ليحرقوا الباب ، فقال المأمون لأبي الحسنعليه‌السلام : يا سيّدي إن رأيت أن تخرج إليهم وترفق بهم حتّى يتفرّقوا؟ قال : « نعم ».

فركب أبو الحسن وقال لي : « يا ياسر ، اركب » فركبت فلمّا خرجنا من باب الدار نظر إلى الناس وقد ازدحموا فأومأ إليهم بيده تفرّقوا.

قال : ياسر فأقبل الناس وقد يقع بعضهم على بعض ، وما أشار إلى أحد إلاّ ركض ومضى(1) .

وقال أبو عليّ السلامي : إنّما قتل الفضل بن سهل غالب خال المأمون في حمّام سرخس مغافصة(2) في شعبان سنة ثلاث ومائتين(3) .

__________________

(1) الكافي 1 : 409 / 8 ، عيون أخبار الرضاعليه‌السلام 2 : 163 / ضمن حديث 24 ، ارشاد المفيد 2 : 266 ، روضة الواعظين : 228 ، كشف الغمة 2 : 279.

(2) غافصت الرجل : أي أخذته على غرة. « الصحاح ـ غفص ـ 3 : 1047 ».

(3) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام 2 : 166 ، دلائل الامامة : 181.

٧٨

عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن إبراهيم بن محمد الحسينيّ قال : بعث المأمون إلى أبي الحسنعليه‌السلام جارية ، فلمّا ادخلت عليه اشمأزّت من الشيب ، فردّها إلى المأمون وكتب إليه :

« نعى نفسي إلى نفسي المشيب

وعند الشيب يتّعظ اللبيب

فقد ولّى الشباب إلى مداه

فلست أرى مواضعه تؤوب

سأبكيه وأندبه طويلا

وأدعوه إليّ عسى يجيب

وهيهات الذي قد فات منه

تمنّيني به النفس الكذوب

وراع الغانيات بياض رأسي

ومن مدّ البقاء له يشيب

أرى البيض الحسان يحدن عنّي

وفي هجرانهنّ لنا نصيب

فإن يكن الشباب مضى حبيبا

فإنّ الشيب أيضا لى حبيب

سأصحبه بتقوى الله حتّى

يفرّق بيننا الأجل القريب »(1)

__________________

(1) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام 2 : 178 / 8.

٧٩

( الفصل السادس )

في ذكر وفاتهعليه‌السلام وسببها وبعض ما جاء من الأخبار في ذلك

وكان سبب قتل المأمون إيّاه أنهعليه‌السلام كان لا يحابي المأمون في حقّ ، ويجبهه في أكثر أحواله بما يغيظه ويحقده عليه ، ولا يظهر ذلك له ، وكانعليه‌السلام يكثر وعظه إذا خلا به ، ويخوّفه بالله تعالى ، وكان المأمون يظهر قبول ذلك ويبطن خلافه.

ودخلعليه‌السلام يوما عليه فرآه يتوضّأ للصلاة والغلام يصبّ على يده الماء فقال : « لا تشرك ـ يا أمير المؤمنين ـ بعبادة ربّك أحدا » فصرف المأمون الغلام وتولّى إتمام وضوئه.

وكانعليه‌السلام يزري على الفضل والحسن ـ ابني سهل ـ عند المأمون إذا ذكرهما ، ويصف له مساوئهما ، وينهاه عن الإصغاء إلى مقالهما ، فعرفا ذلك منه ، فجعلا يحطبان(1) عليه عند المأمون ، ويخوّفانه من حمل الناس عليه ، حتّى قلبا رأيه فيه وعزم على قتله ، فاتّفق أنّهعليه‌السلام أكل هو والمأمون طعاما فاعتلّ الرضاعليه‌السلام واظهر المأمون تمارضا(2) .

فذكر محمد بن عليّ بن أبي حمزة ، عن منصور بن بشير ، عن أخيه عبد الله بن بشير قال : أمرني المأمون أن اطوّل أظفاري عن العادة ولا أظهر لأحد ذلك ، ففعلت ، ثمّ استدعاني وأخرج إليّ شيئا شبيها بالتمر الهنديّ ،

__________________

(1) حطب فلان بفلان : سعى به. « لسان العرب 1 : 322 ».

(2) ارشاد المفيد 2 : 269 ، وباختصار في : مقاتل الطالبيين : 565.

٨٠