مقتل الحسين (عليه السلام) أو الحسين (عليه السلام) عبرة المؤمنين

مقتل الحسين (عليه السلام) أو الحسين (عليه السلام) عبرة المؤمنين0%

مقتل الحسين (عليه السلام) أو الحسين (عليه السلام) عبرة المؤمنين مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 119

  • البداية
  • السابق
  • 119 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 19586 / تحميل: 3591
الحجم الحجم الحجم
مقتل الحسين (عليه السلام) أو الحسين (عليه السلام) عبرة المؤمنين

مقتل الحسين (عليه السلام) أو الحسين (عليه السلام) عبرة المؤمنين

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

كان ذلك اليوم يوم المصيبة، ويقول: (( هذا هو اليوم الذي قُتل فيه جدّي الحسينعليه‌السلام ))(1) .

وكان من الالتزام بالحِداد، وتعطيل الأعمال، والوقوف عن الأشغال والاكتساب وطلب الارتزاق يوم عاشوراء أثرٌ ظاهرٌ في جميع البُلدان الشيعيّة، وذلك حسب ما أدّب به أهلُ البيتعليهم‌السلام شيعتهم.

روى الصدوق في الأمالي بسنده عن الرضاعليه‌السلام قال: (( مَنْ ترك السّعي في حوائجه يوم عاشوراء قضى الله له حوائج الدّنيا والآخرة، ومَنْ كان يوم عاشوراء يوم مصيبته وحُزنه وبكائه جعل الله عزّ وجلّ يوم القيامة يوم فرحه وسروره، وقرّت بنا في الجنان عينه. ومَنْ سمّى يوم عاشوراء يوم بركة وادَّخر فيه لمنزله شيئاً لم يُبارَكْ له فيما ادّخر، وحُشِرَ يوم القيامة مع يزيد وعبيد الله بن زياد وعمر بن سعد إلى أسفل دَرك من النّار ))(2) .

وما من مأتم يُعْقَد لهذه الذكرى المؤلمة إلاّ وتُشاهدُ نائحة أهل البيتعليهم‌السلام يروي هذه القصّة المُفجعة، والملحمة الدامعة. وقد طلب الكثير منّا أن نكتبها لهم على أسانيدها الصحيحة، وسلسلتها المتّصلة العرى، المتواصلة الحلقات بدون تطويل وتذييل، ولا إيجاز مُخلّ بالأصل، وقدّمت هذه الهديّة المتواضعة لسيّدي ومولاي سيّد الشهداء أبي عبد الله( يا أَيُّهَا العَزيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُرُّ وَجِئْنا بِبِضَاعَة مُزْجاة فَأَوْفِ لَنَا الكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إنَّ اللهَ يَجْزِي المُتَصَدِّقِينَ ) (3) .

 جواد شبّر       

 1 جمادى الأولى 1384 - النجف الأشرف

____________________

(1) أمالي الصدوق / 111، أسرار الشهادة / 39.

(2) أمالي الصدوق / 112.

(3) سورة يوسف / 88.

٤١

يوم الدموع

هذا هو يوم الفاجعة الكبرى التي حلّت بعترة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والحادثة الدّامية التي قلّ ما شهد التاريخ لها نظيراً من حيثُ الفظايع والفجايع، وما غَرُبَت شمسُ هذا اليوم إلاّ وذريّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ضحايا في عرصة كربلاء، بينهم ريحانة النبيّ وسيّد شباب أهل الجنّة، وهم ثمانية عشر ما لهم على وجه الأرض شبيه.

عَلى الأَرْضِ صَرْعى مِن كُهُولٍ وفِتْيَةٍ

فُـرادى عَـلى حَرِّ الصَّفا وتَوائمِ(1)

إنّ هذه الوحشيّة التي ارتكبها الحزبُ الأُمويُّ لم تزل ولن تزال لَطخةً سوداء في تأريخ العرب؛ لذلك يأنف منها كُلّ عربيٍّ.

وأمّا نحنُ فقد اتّخذنا يوم عاشوراء يوم استنكار واستياء لهذه الفعلةِ الشّنعاء، واحتجاجاً على هذه المظالم والجرائم، وحتّى أنّ المسلمينَ مِن يومِ حدوث هذا الحادث حتّى يومنا هذا وإلى ما شاء الله يُقيمون هذه الذكريات الممزوجة بالحسرات، ويجتنبون الملذّات ليكون احتجاجاً صارخاً ضدّ الاعتداء الأُمويّ.

روى سبط ابن الجوزي أنّ أحمد بن عيسى الهاشمي - مِن وُلْدِ الواثق العبّاسي - اعتذر عن الكُحْل يوم عاشوراء، فقال:

لَمْ أَكْتَحِلْ في صَبَاحِ يَوْمٍ

أُريـقَ فِـيهِ دَمُ الحُسَينِ

إلاّ لِـحُزْنِي وذاكَ أنّـي

سَوَّدْتُ حَتّى بَياضَ عَيني

وقال غيره(2) :

وقائِلٌ لِــمْ كَـحَّـلْتَ عَـيْنَاً

يَوْمَ اسْتَباحُوا دَمَ الحُسَيْنِ

فَقُلْتُ كُـفُّوا أحَـقُّ شَـيء

تَلْبَسُ فيهِ السَّوادَ عَيني

وقال عبد الباقي العُمري الموصلي(3) :

نَـحْنُ أُناسٌ إذا ما

قَدْ هَلَّ شَهْرُ المُحَرَّمْ

فَـكُلُّ شَيء عَلينا

سِوى البُكاءِ مُحَرَّمْ

وفي استعادة هذه الذكرى أبلغ الدّروس وأجلى العِبَر، فمنها نستمدّ النخوة والكرامة، وعزّة النّفس وعدم الخضوع للضَّيم والخنوع للظلم، فأيُّ إنسان لا يسمع كلام الحسين (سلام الله عليه):

____________________

(1) الدرّ النضيد / 289.

(2) نسبه سبط ابن الجوزي لأبي عبد الله النحوي - تذكرة الخواص / 245.

(3) أدب الطفّ 7 / 133.

٤٢

(( ألا وإنّ الدّعي ابن الدّعيّ قد ركز بين اثنتين؛ بين السلّة(1) والذلّة، وهيهات منّا الذلّة! يأبى اللهُ لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحُجورٌ طابت وطهُرت، وأُنوفٌ حميّةٌ، ونفوسٌ أبيّةٌ من أنْ تُؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام ))(2) .

نعم، أيّ إنسان يسمع هذا الكلام فلا تتحرّك نخوته، ولا تتوقّد شهامته وغيرته؟!

فضل الحسينعليه‌السلام

روى الشبلنجي في نور الأبصار عن مستدرك الحاكم وصحّحه أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: (( حسينٌ منّي وأنا من حسين، اللّهمّ أحبَّ مَنْ أحبَّ حُسيناً، حُسينٌ سبطٌ من الأسباط ))(3) .

وروى ابن عساكر عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: (( مَنْ سرّه أن ينظر إلى سيّد شباب أهل الجنّة فلينظر إلى الحسين بن علي ))(4) .

وروى البخاري(5) يرفعه إلى ابن عمر أنّه سأله رجل عن دم البَعوض، فقال له: ممّن أنت؟ فقال: رجل من أهل العراق. فقال: انظروا إلى هذا يسألني عن دم البَعوض وقد قتلوا ابن رسول الله، وسمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: (( هُما ريحانتاي من الدّنيا ))!

يَرَوْنَ دَمَ البَعُوضَةِ غَيْرَ حِلٍّ

وَقَـتْلَ بَني نَبيِّ اللهِ فَرْضا

روى الترمذي في سننه عن أُسامة بن زيد قال: طرقت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ذات ليلة في بعض الحاجة، فخرج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو مشتملٌ على شيء لا أدري ما هو، فلمّا فرغتُ من حاجتي

____________________

(1) السِلّة: بكسر السين، استلال السيوف.

(2) تاريخ ابن عساكر 13 / 74 - 75، الاحتجاج / 336، المناقب - لابن شهر آشوب 4 / 110، بحار الأنوار 45 / 83.

(3) مختصر تاريخ دمشق - لابن منظور 7 / 120، سنن ابن ماجة 1 / 51، مسند أحمد بن حنبل 4 / 172، أُسد الغابة 2 / 19، مستدرك الحاكم 3 / 177، نور الأبصار / 129.

(4) تاريخ ابن عساكر 13 / 50، من مخطوطات مكتبة الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام (النجف الأشرف)، سير أعلام النبلاء 3 / 190.

(5) صحيح البخاري - كتاب الأدب، فضائل الخمسة من الصحاح الستّة 3 / 183، صحيح الترمذي 13 / 193، دار إحياء التراث العربي - بيروت.

٤٣

قلتُ: ما هذا الذي أنت مشتملٌ عليه؟

فكشفه فإذا حسنٌ وحسينٌعليهما‌السلام على وَرْكَيه، فقال: (( هذان ابناي وابنا ابنتي، اللّهمّ إنّي أُحبّهما فأحبّهما وأحبَّ مَنْ يُحبّهما ))(1) .

وعن أنس بن مالك: كانصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لفاطمة: (( ادْعي لي ابنيَّ )). فيشمّهما ويضمّهما إليه(2) .

وقال ابن عساكر في التاريخ الكبير: كان الحسينعليه‌السلام في جنازة فأعيا وقعد في الطريق، فجعل أبو هريرة ينفض التراب عن قدميه بطَرَف ثوبه، فقال له: (( يا أبا هريرة، وأنت تفعل هذا! )).

فقال له: دعني، فوالله لو يعلمُ الناسُ منك ما أعلم لحملوك على رقابهم(3) .

هذا فضل الحسين (صلوات الله وسلامه عليه). أبهذا يُجازى محمّدٌ في عترته وقد كرّر وصاياه برعايتهم والاحتفاظ بكرامتهم، وما طلب أجراً على رسالته إلاّ مودّتهم( قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرَاً إلاّ المَوَدَّةَ في القُربى ) (4) ؟!

قال ابن حجر في الصّواعق: أخرج أحمد والطّبراني والحاكم أنّه لمّا نزلت هذه الآية قالوا: يا رسول الله، مَنْ قرابتك الذين وجبتْ علينا مودّتهم؟

قال: (( عليٌّ وفاطمة وابناهما ))(5) .

قال شمس الدّين ابن العربي(6) :

رَأَيْـتُ وِلائـي آلَ طـه فَريضَةً

عَلى رَغْمِ أَهْلِ البُعْدِ يُورثني القُربى

____________________

(1) صحيح الترمذي - لابن العربي المالكي 13 / 192 - 193، دار إحياء التراث العربي - بيروت.

(2) المصدر نفسه / 194، فيض القدير 1 / 148.

(3) سير أعلام النبلاء 3 / 193، كفاية الطالب / 425، مختصر تاريخ دمشق - لابن منظور 7 / 128.

(4) سورة الشورى / 23.

(5) الصواعق المحرقة / 101.

وأخرج أحمد في المناقب، وابن منذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه، والواحدي، والثعلبي، وأبو نعيم، والبغوي في تفسيره، وابن المغازلي في المناقب بأسانيدهم عن ابن عباس قال: لمّا نزلت هذه الآية قيل: يا رسول الله، مَنْ قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟ فقال: (( علي وفاطمة وابناهما )). (الغدير 2 / 307).

(6) الصواعق المحرقة / 101، ونقلها العلاّمة الأميني في الغدير 2 / 310.

٤٤

فَما سَأَلَ المَبْعُوثُ أجراً على الهُدى

بِـتَبْلِيغِهِ إلاّ الـمَوَدَّةَ فـي القُربى

ويحقّ أن نذكر أبيات أسماء بنت عقيل بن أبي طالب لمّا خرجتْ بالمدينة يوم رجوع السبايا من كربلاء باكين نائحين؛ جاءت أسماءُ بنت عقيل في لمّة من نسائها حاسرةً حتّى انتهتْ إلى قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فلاذتْ به، وشهقتْ عنده، ثمّ التفتت إلى المهاجرين والأنصارِ وهي تقول:

مـاذا تَـقُولُونَ إنْ قـالَ الـنبيُّ لَكُمْ

مــاذا فَـعَلْتُمْ وأَنْـتُم آخِـرُ الأُمَـمِ

بِـعِـتْرَتي وبـأَهلي بَـعْدَ مُـفتقدي

مِـنْهُمْ أُسـارى ومِـنْهُمْ خُضِّبوا بدمِ

مـا كـانَ هذا جَزائي إذْ نَصَحْتُ لَكُمْ

أنْ تُخْلِفُوني بِسُوءٍ في ذَوي رَحمي(1)

وروى الشبلنجي في (نور الأبصار) عن زيد بن أبي زياد قال: خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من بيت عائشة فمرَّ على بيت فاطمةعليها‌السلام ، فسمع حُسيناً يبكي، فقال: (( ألمْ تَعلمي أنّ بُكاءهُ يُؤذيني؟! ))(2) .

وحسبه كرامةً لا يُشاركه فيها إلاّ أخوه الحسن المجتبى أنّه هو المراد بالأبناء في آية المباهلة، وأنّه من أهل العبا الّذين لا يُدْرَكُ أمَدُ فضلهم، وممّن نزلت سورةُ «هل أتى» في حقّهم( وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسيراً ) (3) ، وأنّه من ذوي القربى، وممّن نزلت بهم آية التطهير(4) وما إلى ذلك من المناقب.

لمّا مات معاوية(5) ومَلَك الأمر ولده يزيد كتب إلى عامله بالمدينة أن يأخذ البيعة له من أهل المدينة عامّةً، ومن الحسين خاصّةً، ولا يُرخّصُ له في التأخير، وإن أبى يضرب عنقه.

____________________

(1) مروج الذهب 2 / 75، تاريخ الطبري 4 / 293 - 294، مؤسسة الأعلمي - بيروت، الكامل - لابن الأثير 4 / 39، أدب الطفّ 1 / 67.

(2) مجمع الزوائد 9 / 201، سير أعلام النبلاء 3 / 191، المعجم الكبير - للطبراني، ذخائر العقبى / 143.

(3) سورة الدهر / 8.

(4) سورة الأحزاب / 33.

(5) مات معاوية بن أبي سفيان في النصف من رجب سنة ستين من الهجرة.

٤٥

وكان عامله إذ ذاك الوليد بن عتبة، فاستدعى الوليد الحسينعليه‌السلام ، فأنفذ الحسين إلى جماعة من بني هاشم وقال لهم: (( إنّ الوليد استدعاني ولستُ آمنُ أن يُكلّفني أمراً لا أُجيبه إليه، فكونوا معي على الباب؛ فإنْ سمعتم صوتي قد علا فادخلوا عَلَيّ لتمنعوه عنّي )).

ثمّ صار إلى الوليد، فوجد عنده مروان بن الحكم، فنعى إليه الوليد معاوية، فاسترجع الحسينعليه‌السلام ، ثمّ قرأ الوليد كتاب يزيد وما أمره فيه من أخذِ البيعة منه، فقالعليه‌السلام : (( إنّي لا أراك تقنعُ ببيعتي ليزيد سِرّاً حتّى أُبايعه جهراً ))(1) .

فقال له الوليد: أجَلْ.

فقالعليه‌السلام : (( تُصبح فترى رأيك في ذلك )).

فقال الوليد: انصرف على اسم الله حتّى تأتينا مع الناس.

فقال له مروان: لئِنْ فارقك الحسين الساعة ولم يُبايع لا قدرْتَ منه على مثلها أبداً. احبس الرّجل ولا يخرج حتّى يُبايع أو تضربَ عنقه.

فوثب الحسينعليه‌السلام وقال: (( يابن الزرقاء، أنت تقتلني أم هو؟! كذبت والله وأثمت ))(2) .

فجرّد مروان سيفه وصاح بالوليد: مُر سيّافك أن يضرب عنقه ودمه في عنقي.

وارتفعت الصّيحة فهجم تسعة عشر رجلاً من أهل بيتهعليهم‌السلام وقد انتضوا سيوفهم وخناجرهم، فقال الحسينعليه‌السلام للوليد: (( يا أمير، إنّا أهل بيت النبوّة، وموضع الرّسالة، ومختلف الملائكة؛ بنا فتح الله وبنا يختم، ويزيد رجلٌ فاسقٌ، شاربُ الخمر، قاتل النّفس المحترمة، ومثلي لا يُبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون، وننظر وتنظرون أيّنا أحقّ بالخلافة والبيعة ))(3) .

ثمّ خرج يتهادى بين مواليه وهو يتمثّل بقول يزيد بن المُفرّغ:

لا ذَعَرْتُ السَّوامَ في غَسَقِ(4) الصُّبـ

ـحِ مُـغِيراً ولا دُعـيتُ يزيدا(5)

يَوْمَ أَعْطَى مَخافَةَ المَوْتِ(6) ضَيْماً

والـمَنايا يَـرْصُدْنني أن أحيدا(7)

____________________

(1) الإرشاد / 200، أعيان الشيعة 1 / 587.

(2) وفي رواية ابن الأثير 3 / 264 ولؤمت.

(3) الفتوح 5 / 18.

(4) في تاريخ الطبري 4 / 253، طبع مؤسسة الأعلمي - بيروت: في فلق الصُبح.

(5) هو يزيد بن المفرّغ.

(6) في تاريخ الطبري 4 / 253، بدل «مخافة الموت» توجد «مِن المهابة».

(7) مقتل الحسين للخوارزمي 1 / 186، وفي أنساب الأشراف 4 / 66: تمثّل بهذين البيتين في مكّة المكرّمة.

٤٦

خرج الحسينعليه‌السلام من المدينة لليلتين بقيتا من رجب، وهو يقرأ: ((فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ القَوْمِ الظَّالِمِين ))(1) ، ولزم الطريق الأعظم، فقال له أهل بيته: لو تنكّبت الطريق كما فعل ابن الزّبير؛ لكيلا يلحقك الطلبُ.

قال: (( لا والله، لا أُفارقه حتّى يقضي الله ما هو قاض ))(2) .

تأبى نفسه الكبيرة أن يخرج خروج المُتكتّم الهارب، فوصفه شاعره بقوله:

غَـداةَ بـني عَـبْدِ المُنافِ أُنُوفُهُمْ

أَبَتْ أنْ يُسَافَ الضَّيْمُ مِنها بمَنشقِ

سَـرَتْ لم تنكّب عن طَريقٍ لغَيرهِ

حِـذارَ العِدى بل بالطَّريقِ المُطرَّقِ

إلى أَنْ أَتَتْ أَرضَ الطُّفُوفِ فخيّمتْ

بـأعلى سـنامٍ للعَلاءِ ومِفْرَقِ(3)

فلقيه عبد الله بن مطيع، وكان من أشراف العرب، فقال له: جُعلت فداك! أين تريد؟

قال: (( أمّا الآن فمكّة، وأمّا بعد فإنّي أستخير الله )).

قال: خار الله لك، وجعلنا فداك، فإذا أتيت مكّة فإيّاك أن تقرَبَ الكوفة؛ فإنّها بلدةٌ مشؤومةٌ؛ بها قُتل أبوك، وخُذل أخوك، واغتيل بطعنة كادتْ تأتي على نفسه. الزم الحرم فأنت سيّد العرب، لا يعدل بك أهل الحجاز أحداً، أو يتداعى إليك الناس من كلّ جانب. لا تُفارق الحرم فداك عمّي وخالي؛ فوالله لئنْ هلكْتَ لنُستَرَقنّ من بعدك(4) .

أي إذا اجترؤوا عليك لا تبقى حُرمةٌ لأحد، ولا كرامةٌ لشريف.

وذكر الذهبيّ في تاريخ الإسلام في تاريخ مقتل الحسينعليه‌السلام عن الواقدي، عن أبي

____________________

(1) سورة القصص / 21.

(2) مقتل الحسين - للمقرّم / 140، تاريخ الطبري 4 / 253، الإرشاد / 202، الكامل في التاريخ 2 / 531.

(3) القصيدة للشيخ صالح الكوّاز، رياض المدح والرثاء / 640 طبع قم.

(4) الحوار الذي دار بين الإمام الحسينعليه‌السلام وعبد الله بن مطيع ذُكِرَ في كلٍّ من: الفتوح 5 / 25، ومقتل الحسين - للخوارزمي 1 / 189، وفيه: فودّعه الحسين ودعا له بالخير، أنساب الأشراف 3 / 155، تاريخ الطبري 4 / 261، وسيلة المآل في عدّ مناقب الآل / 185.

٤٧

عون قال: خرج الحسين من المدينة إلى مكّة، فمرّ بابن مُطيع وهو يحفر بئره، فقال: أين فداك أبي وأُمّي؟ متّعنا بنفسك ولا تَسِرْ. فأبى الحسينعليه‌السلام ، فقال: إنّ بئري هذه رشّحتها، وهذا اليومُ أوانُ ما خرج إلينا في الدلوِ، فلو دعوتَ لنا فيها بالبركة.

قال: (( هات من مائها )).

فأتى بماء في الدلو فشرب منه، ثمّ تمضمض ثمّ ردّه في البئر.

وروى ابن عساكر هذا الخبر في التأريخ الكبير بزيادة وهو: أنّ البئر كان ماؤها مالحاً، فشرب منه فتمضمض ثمّ ردّه في البئر فعذب ماؤها(1) .

ولمّا فصل الحسين متوجّهاً إلى مكة دعا بقرطاس وكتب فيه: (( بسم الله الرحمن الرحيم، من الحسين بن عليّ بن أبي طالب إلى بني هاشم. أمّا بعد، فإنّه مَنْ لَحِقَ بي منكم استُشهد، ومَنْ تخلّف لم يبلغ مبلغَ الفتح، والسّلام ))(2) .

قال أرباب السير: ودخل الحسينعليه‌السلام مكّة المكرّمة ليلة الجمعة لثلاث مضَيْن من شعبان(3) وهو يقرأ:( ولَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسى رَبِّي أنْ يَهْدِيَني سَواءَ السَّبِيل ) (4) ، ثمّ نزلها وجعل أهلها يختلفون إليه، وغدَتْ كتبُ الكوفة تترى عليه(5) حتّى اجتمع عنده من الكتب والرّسائل اثنا عشر ألف كتاب(6) ، وهو مع ذلك يتأنّى ولا يُجيبهم.

ثمّ أرسل إليهم ابن عمّه مسلم بن عقيل، وكتب معه: (( من الحسين بن علي إلى الملأ المؤمنين. أمّا بعد، فقد قدِمَتْ عَلَيّ رُسلكم، وفهِمْتُ ما ذكرْتُم من محبّتكم لقدومي، وأنا باعثٌ إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل ))(7) .

____________________

(1) تاريخ ابن عساكر - ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام / 155.

(2) بصائر الدرجات / 481، ح5، اللهوف / 28، المناقب - لابن شهر آشوب 4 / 76، مثير الأحزان / 39، الخرائج والجرائح 2 / 771، بحار الأنوار 44 / 330 و45 / 84 و42 / 81، العوالم 17 / 179.

(3) الإرشاد / 202، بحار الأنوار 44 / 332، العوالم 17 / 181، الكامل 2 / 531، الفتوح 5 / 25، أعيان الشيعة 1 / 588، المنتظم - لابن الجوزي.

(4) تاريخ الطبري 4 / 261، والآية في سورة القصص / 22.

(5) تاريخ الطبري 4 / 261.

(6) اللهوف / 19.

(7) نصّ الرسالة ذُكِرَت في كلٍّ من: الإرشاد 2 / 36، طبع إيران، تاريخ الطبري 4 / 262، الأخبار الطوال / 238، الفتوح 5 / 35، مقتل الحسين - للخوارزمي 1 / 195، وسيلة المآل / 186، مكتبة السيّد الحكيم - النجف.

٤٨

واستدعى مسلم بن عقيل وأمره بالمسير إلى الكوفة، وأوصاه بتقوى الله، وكتمان أمره، واللطف، فإنْ رأى الناس مجتمعين عجّل إليه بذلك(1) . فلمّا دخل مسلم الكوفة استبشر به أهلها وبايعه خمسةٌ وعشرون ألف رجل(2) ، فكتب بذلك إلى الحسين.

وكتب عمارةُ بن عقبة وعمر بن سعد إلى يزيد يُخبرانه بخبر مسلم(3) ، فأنفذ يزيد عبيد الله بن زياد إلى الكوفة(4) ، ولمّا دخل عبيد الله إلى الكوفة جعل أصحاب مسلم يتفرّقون، ويُخذّل بعضهم بعضاً(5) .

واختفى مسلم في دار المختار، ثمّ في دار هاني بن عروة، فأُخبر ابن زياد بذلك، فأحضر هانياً وكلّمه في أمر مسلم، فامتنع هاني من تسليمه إيّاه، وجرى بينهما كلامٌ كثيرٌ حتّى رفع ابن زياد قضيباً كان عنده فهشّم به وجْه هاني، وكسر أنفه(6) ، فحمل عليه هاني بالسّيف وجرحه جُرَحاً مُنكراً، فتكاثرت عليه الرجال وأوثقوه كِتافاً(7) .

ولمّا بلغ مسلماً خبر هاني خرج بمَنْ بايعه إلى حرب ابن زياد(8) ، فتحصّن منه بقصر الإمارة، وجعل أصحاب ابن زياد يُشرفون من القصر ويُحذّرون أصحاب مسلم ويتوعّدونهم أجنادَ الشّام، فجعل أصحاب مسلم يتفرّقون عنه، وأضحى وحيداً في دروب الكوفة لا يدري أين يذهب(9) .

فوقف على باب امرأة يُقال لها: طوعة، فطلب منها ماءً فسقَتْهُ،

____________________

(1) الفتوح 5 / 36، مقتل الحسين - للخوارزمي 1 / 197، الكامل - لابن الأثير 2 / 534، الإرشاد 2 / 37، طبع إيران.

(2) المناقب - لابن شهر آشوب 2 / 310.

(3) الإرشاد 2 / 37، طبع إيران، تاريخ الطبري 4 / 265.

(4) تاريخ الطبري 4 / 265، سير أعلام النبلاء 3 / 201.

(5) حياة الإمام الحسين - للقرشي 2 / 358.

(6) الكامل 2 / 540، مثير الأحزان - لابن نما.

(7) الإرشاد 2 / 48، طبع إيران.

(8) الكامل 2 / 540.

(9) الكامل 2 / 541.

٤٩

وأدخلت الإناء، ثمّ خرجت فقالت: يا عبد الله، ألم تشربْ؟ قال: بلى. قالتْ: فاذْهب إلى أهلك. فسكت، ثمّ أعادتْ مثل ذلك فسكت، ثمّ قالت في الثالثة: سبحان الله! يا عبد الله، قُمْ عافاك الله إلى أهلك؛ فإنّه لا يُصلح لك الجلوس على بابي، ولا اُحلّه لك(1) .

فقام وقال: يا أمة الله، ما لي في هذا المصر أهْلٌ ولا عشيرة(2) ، فهل لَكِ في أجْرٍ ومعروف ولعلّي مُكافيك بعد هذا اليوم؟ قالت: وما ذاك؟ قال: أنا مسلم بن عقيل، كذبّني هؤلاء القوم وغرّوني وأخرجوني. قالت: أنت مسلم؟! قال: نعم. قالت: ادخل. وأدخلته في بيت غير البيت الذي تكون فيه، وعرضتْ عليه العشاء فلم يتعشَّ، وجاء وَلَدُها فرآها تُكثرُ الدّخول في البيت والخروج منه، فسألها عن ذلك فنهرتْهُ، فألحّ عليها، فأخذت عليه العهد وأخبرتْهُ، فأمسك عنها وأسرّ في نفسه إلى أنْ طلع الفجر فغدا على ابن زياد وأخبره، فالتفت إلى محمّد بن الأشعث وقال: قُم وائتني به، وأرسل معه سبعين رجلاً.

فلمّا سمع مسلم وَقْعَ حوافر الخيل خرج إليهم بسيفه، وجعل يضرب فيهم يميناً وشمالاً وهم يزدحمون عليه، وأشرف منهم خلْقٌ على الحيطان وفوق السّطوح، وأخذوا يضربونه بالحجارة، ويُلهِبون النار في أطنان القصب ثمّ يرمونها عليه، وجعل ابن زياد يُمدّهم بالخيل والرّجال، ومسلمٌ يضرب فيهم ويقول:

أَقْـسَـمْتُ لا أُقْـتَـلُ إلاّ حُــرَّا

وإنْ رَأَيْتُ المَوْتَ شَيئاً نُكْرا(3)(4)

____________________

(1) الكامل 2 / 541.

(2) آنه مسلم الفاجد نصيره.

(3) تاريخ الطبري 4 / 279، الكامل 2 / 542.

(4)

يـمسلم ويـن ذاك الـيوم عـبّاس

يـجيك بـشيمته ومـفرّع الراس

اُو يشوفك يوم صابك نذل الارجاس

وهـويت من الگصر فوگ الوطيّه

يـمسلم ويـن ذاك الـيوم عـمّك

يـجيك ايـعاينك غـارج ابـدمّك

وحـيد اُو مـحّد مـن النّاس يمّك

غـريب بـهل الـبلد مـالك تچيّه

٥٠

وصاح ابن الأشعث: الأمانُ لك يا مسلم.

قال: لا أمان لكم.

وأسند ظهره إلى تلك الدّار التي كان فيها، فضربه بكر بن حمران الأحمري على شَفَتِهِ العُليا فقطعها، وضربه مسلم على حَبْلِ عاتقه ضربةً مُنكرةً، وازدحموا عليه فأوثقوه كِتافاً وجاؤوا به إلى ابن زياد، فقال: اصعدوا به أعلى القصر فاضربوا عُنُقه، واتبعوا رأسه جسده.

فصعدوا به وهو يُكبّر الله ويُوحّده، فضربوا عنقه ورموا بجسده من أعلى القصر إلى الأرض، ثمّ أمر ابن زياد بهاني فاُخرج إلى السُوق وضُرِبَتْ عنقه(1)(2) .

قال أرباب السير: وكان خروج مسلم بالكوفة يوم الثلاثاء لثمان مضَيْن من ذي

____________________

(1) الإرشاد 2 / 57 - 58، طبع إيران، الكامل 2 / 542، مقتل الحسين - للخوارزمي 1 / 213.

(2)

والـمگدّر گضه او شاعت اخباره

رمـوه الگوم مـن گصر الإماره

او هاني انچتل عگبه او بگت داره

مـظلمه او لا بـعد واحـد يصلها

مـصيبتهم مصيبة اتصدع الأجبال

او مِن گبل المشيب تشيب الأطفال

شـفت مـيّت يـجرّونه بالأحبال

* * *

سـقتك دماً يابن عمِّ الحسين

مَـدامِـعُ شـيعتك الـسافحه

ولا بـرحت هاطلات العيون

تُـحـيّيك غـاديـة رائـحه

رمـوك مِن القصر إذْ أوثقوك

فهل سَلِمَتْ فيك مِن جارحه

وسـحـباً تُـجَرُّ بـأسواقهم

ألـستَ أمـيرهم البارحه

قـضيتَ ولـم تبكك الباكيات

السيّد باقر الهندي - أدب الطفّ 8 / 223

٥١

الحجّة، وهو اليوم الذي خرج فيه الحسينعليه‌السلام من مكّة، وهو يوم التروية(1) .

طاف بالبيت سبعاً، وسعى بين الصّفا والمروة، وأحلّ من إحرامه وجعلها عُمرةً مُفردة؛ لعدم تمكّنه من إتمام الحجّ(2) ؛ لأنّ يزيدَ دسّ مع الحاجّ ثلاثين رجلاً وأمرهم أن يغتالوا الحسين ولو كان مُتعلّقاً بأستار الكعبة(3) .

فقالعليه‌السلام : (( لو لم أخرج لهُتِكتْ حُرمة البيت ))(4) .

فلمّا عزم على الخروج إلى العراق قام خطيباً ليلة الثامنة من ذي الحجّة، فقال(5) : (( الحمد لله، وما شاء الله، ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم، وصلّى الله على رسوله، خُطَّ الموتُ على وُلْدِ آدمَ مَخطَّ القلادة على جيد الفتاة، وما أوْلهني إلى أسلافي اشتياق يعقوبَ إلى يوسف.

وخُيِّرَ لي مَصرعٌ أنا لاقيه، كأنّي بأوصالي تُقطّعها عُسلانُ الفلوات(6) بين النّواويس وكربلاء، فيملأنَ منّي أكراشاً جَوْفاً، وأجربةً سَغْباً، لا مَحيص عن يوم خُطّ بالقلم، رضا الله رضانا أهل البيت، نصبرُ على بلائه ويُوفّينا اُجور الصّابرين. ألا ومَنْ كان فينا باذلاً مُهجَتَهُ، مُوطّناً على لقاء الله نَفْسَهُ فلْيَرْحَلْ معنا؛ فإنّي راحلٌ مُصبحاً إن شاء الله تعالى )).

وخرج بأهله ووُلده ومَنْ تبعه من شيعته، ولم يكن خبرُ مسلم قد بلغه، فلمّا وصل إلى الحاجر من بَطْنِ ذي الرّمة(7) بعث قيس بن مُسهّر الصيداوي(8) إلى الكوفة، وكتب معه:

____________________

(1) الأقوال في شهادة مسلم ثلاثة:

الأوّل: وهو رأي المؤلّف هو يوم الثامن من ذي الحجّة، وهو الظاهر من تاريخ أبي الفداء 2 / 19، تذكرة الخواص / 139.

والثاني: يوم الثالث من ذي الحجّة كما في اللهوف.

والثالث: يوم عرفة كما جاء في الإرشاد والمصباح، ومثير الأحزان والطبري.

(2) الإرشاد 2 / 68، طبع إيران، مثير الأحزان / 38.

(3) حياة الإمام الحسين - للقرشي 3 / 47، نقلاً عن تاريخ اليعقوبي 2 / 221.

(4) قال الإمام الحسينعليه‌السلام لأخيه محمّد بن الحنفيّة: (( يا أخي، قد خِفْتُ أنْ يغتالني يزيد بن معاوية في الحرم، فأكون الذي يُستباح به حُرمة هذا البيت )). (اللهوف / 27، بحار الأنوار 44 / 264، العوالم 17 / 214، أعيان الشيعة 1 / 593).

(5) مثير الأحزان / 41، اللهوف / 26، كشف الغمة 2 / 29، بحار الأنوار 44 / 266، العوالم 17 / 216، أعيان الشيعة 1 / 593، حياة الإمام الحسين - للقرشي 3 / 48.

(6) عسلان الفلوات: ذئاب الفلوات.

(7) وهو أحد منازل الحج من طريق البادية. راجع: مقتل الحسين - للمقرّم، هامش / 175.

(8) في بعض الكتب - مثل روضة الواعظين - ذكروا أنّ الإمامعليه‌السلام بعث الكتاب مع عبد الله بن يقطر... أقول: ويجوز أنّهعليه‌السلام أرسل إلى أهل الكوفة كتابين؛ أحدهما مع عبد الله بن يقطر، والآخر مع قيس بن مسهّر.

٥٢

(( بسم الله الرحمن الرحيم، من الحسين بن عليّ إلى إخوانه من المؤمنين والمسلمين، سلامٌ عليكم، فإنّي أحمد إليكم الله الّذي لا إله إلاّ هو. أمّا بعد، فإنّ كتاب مسلم بن عقيل جاءني يُخبرني فيه بحُسْنِ رأيكم، واجتماع مَلَئكم على نصرنا والطّلب بحقّنا، فسألت الله أنْ يُحْسِن لنا الصُّنْع، وأن يُثيبكم على ذلك أعظم الأجر.

وقد شخصت إليكم من مكّة يوم الثُّلاثاء لثمان مضَيْن من ذي الحجّة يوم التّروية، فإذا ورد عليكم رسولي فانكمشوا(1) في أمركم وجِدّوا؛ فإنّي قادمٌ عليكم في أيّامي هذه إن شاء الله، والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته ))(2) .

ولمّا بلغ عبيد الله بن زياد خروج الحسينعليه‌السلام من مكّة، وأنّه توجّه نحو العراق بعث الحُصين بن نُمير صاحب شرطته؛ فنظّم الخَيْلَ من القادسيّة إلى خَفّان، وما بين القَطْقُطانة إلى جبل لَعْلَع(3) ، وقال النّاس: هذا الحسين يُريد العراق.

ووصل قيس بن مسهّر الصيداوي إلى القادسيّة يحمل كتاب الحسينعليه‌السلام ، فاعترضه الحُصين بن نُمير ليُفتّشه، فبادر قيس ومزّق الكتاب؛ لأنّ فيه أسماء جماعة من شيعة الحسين بالكوفة؛ منهم سليمان بن صَرْد الخُزاعي، والمُسيّب بن نُجْبَة، ورِفاعة بن شدّاد، فوضع عليه خَفَراً ثمّ حمله إلى الكوفة.

فلمّا مَثُلَ بين يدي ابن زياد قال له: مَنْ أنت؟

قال: أنا رجلٌ من شيعة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب وابنه.

قال: فلماذا مزّقْت الكتاب؟

قال: لئلاّ تَعْلَم ما فيه.

قال: ممّن الكتاب، وإلى مَنْ؟

قال: من الحسينعليه‌السلام إلى جماعة لا أعرف أسماءهم.

فغضب ابن زياد وقال: والله لا تُفارقني حتّى تُخبرني بأسماء هؤلاء القوم، أو تصعد المنبر فتسبّ الحسين بن

____________________

(1) في البداية والنهاية 8 / 181، بدل «فانكمشوا» عبارة «فاكتموا»، وفي تاريخ الطبري 4 / 297 عبارة «فاكمشوا».

(2) الإرشاد 2 / 72، طبع إيران، والمصادر السابقة.

(3) تاريخ الطبري 4 / 297.

٥٣

عليٍّ وأباه وأخاه، وإلاّ قطّعتُك إرباً إرباً.

فقال: أمّا القوم فلا اُخبرك بأسمائهم، وأمّا السبّ فأفعلُ - وحاشاه -.

فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وصلّى على النبيّ وأكثر من الترحّم على عليٍّ والحسن والحسين، ثمّ لعن عبيد الله بن زياد وعُتاة بني اُميّة عن آخرهم، ثمّ صاح: أيّها النّاس، أنا رسول الحسين إليكم، وقد خلّفته بالحاجر من بَطْن الرمّة فأجيبوه. فأمر به ابن زياد أن يُرمى من أعلى القصر إلى الأرض، فكانت كلماته تتصاعد وجسده يَهوى حتّى أتمّ ما عنده وأتمّوا ما عندهم(1) .

وبلغ الحسينعليه‌السلام خبر مقتله ومقتل مسلم وهاني(2) ، فخطب بأصحابه: (( أيّها النّاس، أتانا خبر فظيعٌ؛ قَتْلُ مسلم بن عقيل وهاني بن عروة وعبد الله بن يقطر، وقد خذلنا شيعتنا، فمَنْ أحبَّ منكم الانصراف فلينصرف ليس عليه منّا ذِمامٌ )). فتفرّق النّاس عنه، وأخذوا يميناً وشمالاً حتّى بقي في أصحابه الذين جاؤوا معه(3) ، هذا والحسين مطأطئ برأسه إلى الأرض(4) .

ثمّ سار حتّى نزل بذي جُشم، فاستقبله الحرّ الرياحيّ في ألفِ فارس وقد مَضَّ به وبأصحابه

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 297، الإرشاد 2 / 72، طبع إيران، البداية والنهاية 8 / 181 - 182، الكامل في التاريخ 2 / 548.

(2) الخبر وصل للإمام الحسينعليه‌السلام وهو في منطقة «زبالة»، وهو منزل معروف بطريق مكة من الكوفة.

(3) تاريخ الطبري 4 / 300 - 301، البداية والنهاية 8 / 182، الإرشاد 2 / 77، طبع إيران.

(4) لمّا وصل خبر مقتل مسلم بن عقيل استعبر الحسينعليه‌السلام باكياً، ثمّ قال: (( رَحِمَ الله مسلماً؛ فلقد صار إلى رَوْحِ اللهِ وريحانه، وجنّته ورضوانه. ألا إنّه قد قضى ما عليه وبقي ما علينا )). ثمّ أنشأ يقول:

فَـإنْ تَـكُنِ الـدُّنْيا تُـعَدُّ نَـفيسَةً

فَـدارُ ثَـوابِ اللهِ أعـلى وأَنْـبَلُ

وإنْ تَـكُنِ الأبْـدانُ لِلْمَوتِ اُنشِئَتْ

فَقَتْلُ امرئ بالسيفِ في الله أفضلُ

وإنْ تَـكُنِ الأرْزاقُ قِـسْمَاً مُقدّراً

فَقِلَّةُ حِرْصِ المرءِ في الرزقِ أجْمَلُ

بحار الأنوار 44 / 374

٥٤

العَطَشُ، فقال الحسينعليه‌السلام لِغُلمانه: (( اسقوا القومَ ورَشِّفوا الخيل ترشيفاً ))(1) .

فأقبلوا يَسقون الرجال، ويملؤون القِصاع والطِساس ثمّ يُدنونها من الفرس، فإذا عَبَّ فيها ثلاثاً أو أربعاً عُزلَتْ وسَقَوا آخرهُ حتّى سقَوْهم جميعاً وخيولهم(2) .

ولمّا التقى الحرّ مع الحسينعليه‌السلام قال له الحسين: (( أمَعَنا أم علينا؟ )).

قال: بل عليك يا أبا عبد الله.

قالعليه‌السلام : (( إنّا لله وإنّا إليه راجعون )).

فلمّا حضرَتْ الصلاةُ أمر الحسينعليه‌السلام مؤذّنه الحجّاج بن مسروق الجُعفي أن يؤذّن فأذّن، فقال الحسين للحرّ: (( تُصلّي بأصحابك؟ )).

قال: بل تصلّي أنت يا أبا عبد الله ونُصلّي بصلاتك.

فصلّى بهم الحسينعليه‌السلام ، ولمّا فرغ من الصّلاة قال - بعد ما حَمِدَ الله وأثنى عليه -: (( أيّها النّاس، إنّي لم آتكم حتّى أتتني كُتُبكم، وقَدِمَتْ عَلَيّ رُسُلكم أنْ أقْدِمْ إلينا؛ فإنّه ليس لنا إمامٌ غيرك، لعلّ الله أنْ يجمعنا بك على الحقّ والهدى. فإنْ كنتم على ذلك فقد أتيتكم، فأعطوني به ما أطمئنّ من عهودكم ومواثيقكم، وإن كنتم لقدومي كارهين انصرفْتُ إلى المكان الّذي جئتُ منه ))(3) .

فقال له الحرّ: أنا والله ما أدري ما هذه الرّسل والكتب التي أنت تذكر.

____________________

(1)

سَـقَيْتَ عِداكَ الماءَ مِنك تحنُّنا

بأرضِ فَلاة حيثُ لا يوجَدُ الماءُ

السيّد محمّد الكشميري - مقتل المقرّم / 183.

وقال الشيخ أحمد النحوي:

عَجَباً لهذا الخَلْقِ هلاّ أقبلوا

كلٌّ إليكَ بروحه لك فادي

شعراء الحلّة 1 / 70.

(2) الإرشاد 2 / 79، طبع إيران، مقتل الحسين - للخوارزمي 1 / 229، بحار الأنوار 44 / 375، أعيان الشيعة 1 / 596، تاريخ الطبري 4 / 302.

(3) الإرشاد 2 / 80، طبع إيران، بحار الأنوار 44 / 376، أعيان الشيعة 1 / 596، تاريخ الطبري 4 / 303.

٥٥

فصاح الحسين بعُقْبة بن سمعان(1) : (( يا عُقْبَةُ، أخرج الخُرجين اللذين فيهما كتبهم )). فأخرَجَ خُرجين مملوءين صُحُفاً فنُثرتْ بين يديه، فقال الحرّ: إنّا لسنا من هؤلاء الّذين كتبوا إليك، ولكن نحن اُمِرنا إذا نحن لقيناك لا نُفارقك حتّى نُقدمك الكوفة على ابن زياد.

فقال الحسينعليه‌السلام : (( الموتُ أدنى إليك من ذلك ))(2) . ثمّ أقبل على أصحابه فقال: (( قوموا واركبوا )). فركبوا وانتظروا حتّى إذا رُكِّبتْ النساءُ، قال لهم: (( سيروا )). فحال الحرّ بينهم وبين المسير، فقال الحسينعليه‌السلام للحُرّ: (( ثكَلَتْكَ اُمُّك! ما تُريد؟ )).

فقال له الحُرّ: أمّا لو غيرك من العرب يقول لي هذا، وهو مِثْلُ الحال التي أنت عليه، ما تركْتُ ذكر اُمّه بالثّكْل كائناً مَنْ كان، ولكنْ ما لي إلى ذِكْر اُمّك من سبيل إلاّ بأحسن ما نقدرُ عليه.

فقال له الحسينعليه‌السلام : (( ما تُريد؟! )). قال: اُريد أن اُقدمك الكوفة على ابن زياد. فقالعليه‌السلام : (( إذَاً والله لا أتْبَعُك )). فقال: إذَاً واللهِ لا أدَعُك.

فلمّا كثر الكلام بينهما اتّفقا على أنْ يأخذ الحسينعليه‌السلام طريقاً لا يدخله الكوفة ولا يردّه إلى المدينة، فتياسر الحسينعليه‌السلام عن طريق العُذَيْب(3) والقادسيّة(4) .

ويُروى أنّ الطرمّاح تقدّم أمام الظعائن وجعل يقول(5) :

يا ناقَتي لا تَذْعَري مِنْ زَجْرِ

واسْـرِ بِنا قَبْلَ طُلُوعِ الفَجْرِ

بِـخَيرِ فِـتيانٍ وخَيرِ سِفْرِ

آلِ رسـولِ اللهِ آلِ الـفَخْرِ

الـضَّارِبينَ بالسّيوفِ البُتْرِ

الـطاعِنينَ بالرِّماحِ السُّمْرِ

يـا مالكَ النَفْعِ معاً والضُرِّ

أيِّـد حُسيناً سَيّدي بالنَّصْرِ

عـلى الطُّغاةِ مِنْ بَقايا الكُفْرِ

على اللَّعِينَيْنِ سَليلَي صَخْرِ

____________________

(1) هو مولى الرباب ابنة امرئ القيس الكلبيّة، زوجة الحسينعليه‌السلام . لمّا قُتل الحسين أخذه عمر بن سعد، فقال: ما أنت؟ قال: أنا عبدٌ مملوك. فخلّى سبيله، ولم ينجُ من أصحاب الحسينعليه‌السلام غيره وغير رجل آخر؛ ولذلك كان كثير من روايات الطفّ منقولاً عنه.

(2) الفتوح 5 / 87، تاريخ الطبري 4 / 303، مقتل الحسين - للخوارزمي 1 / 232.

(3) العذيب: واد لبني تميم، وهو حدّ السواد، وفيه مسلحة للفرس، بينه وبين القادسيّة ست أميال. وقيل له: عذيب الهجانات؛ لأنّ خيل النعمان ملك الحيرة ترعى فيه.

(4) الإرشاد 2 / 83، طبع إيران، تاريخ الطبري 4 / 304، الكامل في التاريخ 2 / 552.

(5) تاريخ الطبري 4 / 305، البداية والنهاية 8 / 187، مقتل الحسين - للخوارزمي 1 / 23، نفس المهموم / 153، كامل الزيارات / 95 مع اختلاف في العبارات والأبيات.

٥٦

يَـزيدُ لا زالَ حَـليفَ الـخَمْرِ

وابنُ زيادِ العُهْرِ وابنُ العُهْرِ(1)

وقال له الحرّ: يا أبا عبد الله، إنّي اُذكّرك الله في نفسك؛ فإنّي أشهد لئن قاتلْتَ لتُقْتلنّ.

فقال له الحسينعليه‌السلام : (( أبالموت تُخوّفني؟! وهلْ يعدو بكم الخَطْبُ أنْ تقتلوني؟! وما أدري ما أقول لك، ولكنّي أقول كما قال أخو الأوْس لابن عمّه وهو يريد نُصرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فخوّفه ابن عمّه وقال: أين تذهب فإنّك مقتولٌ. فقال(2) :

سـأَمْضِي ومـا بالمَوتِ عَارٌ عَلَى الفَتَى

إذا مـا نَـوى خـيراً(3) وجاهد مُسلما

وآسـى الـرجالَ الـصّالحينَ بِـنفسه

وخالف(4) مثبوراً(5) وفارق(6) مجرما(7)

اُقــدّمُ نـفـسي لا اُريــدُ بَـقـاءَها

لِـتلقى خَـميساً فـي الـهِياجِ عَرَمْرَما

____________________

(1)

طوّح الحادي والظّعن هاج ابحنينه

او زينب تنادي سفرة الگشره علينه

صاحتْ ابكافلها شديد العزم والباس

شَمّر اردانك وانشر البيرغ يعبّاس

چنّي أعاينها مصيبه اتشيّب الراس

مـا ظَنّتي نرجع ابجمعتنه المدينه

(2) تاريخ الطبري 4 / 305، الإرشاد 2 / 82، طبع إيران، البداية والنهاية 8 / 187، الكامل 2 / 553.

(3) في تاريخ الطبري بدل «خيراً» توجد كلمة «حقّاً»، وكذلك في البداية والنهاية، وفي الكامل «خيراً».

(4) في تاريخ الطبري بدل «خالف» توجد كلمة «وفارق»، وفي الكامل كلمة «وخالف».

(5) الثبر: اللعن.

(6) في تاريخ الطبري بدل «وفارق» توجد كلمة «يَغُشُّ».

(7) في تاريخ الطبري بدل «مجرما» توجد كلمة «ويُرغَما»، وفي الكامل توجد «وفارق مجرما».

٥٧

فإنْ عِشْتُ لَمْ أنْدَمْ وإنْ مِتُّ لَمْ اُلَمْ

كَفى بكَ ذُلاًّ أنْ تَعيشَ وتُرْغَما))(1)

فلمّا سمع الحرّ ذلك من الحسين تنحّى عنه، فكان يسير بأصحابه ناحيةً حتّى انتهوا إلى عُذيب الهجّانات.

ورُوي أنّ الحسينعليه‌السلام وقف خطيباً عندما اعترضه الحرّ الرياحي، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال(2) : (( أيّها النّاس، إنّ رسول الله قال: مَن رأى سلطاناً جائراً، مُستحلاً لِحُرَم الله، ناكِثاً لعهدِ الله، مُخالفاً لسنّة رسول الله، يَعْملُ في عباد اللهِ بالإثم والعُدوان فلم يُغيِّر ما عليه بفعل ولا قَوْل كان حقّاً على الله أنْ يُدخله مَدْخَلَهُ.

ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشّيطان وتركوا طاعة الرّحمن، وأظهروا الفَساد، وعطّلوا الحُدود، واسْتأثروا بالفَيء، وأحلّوا حرام اللهِ وحرّموا حلاله، وأنا أحقُّ مِن غَيري، وقد أتتني كُتُبكم ورُسُلكم( فَمَنْ نَكَثَ فَإنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ ) (3) )).

ثمّ سار والحُرّ يتْبعُهُ حتّى نزل نينوى، فأتى الحُرَّ كتابٌ من ابن زياد يأمره أن

____________________

(1)

هذه انته يحسين بعقول الأحرارْ

هذه انته يلحيّي بجميع الأدوارْ

هذه انته يلتدوي بجميع الأقطار

هـذه انته يلمهِّد دروب الثوّارْ

بهل صفات يرسموك

ثاير حيي اسمّــوك

(مِن شعر المرحوم عبد الحسين أبو شبع)

(2) تاريخ الطبري 4 / 304، الكامل في التاريخ 2 / 552.

(3) سورة الفتح / 10.

٥٨

يُجَعْجِع بالحسين، ولا يُنزله إلاّ بالعَراء على غير ماء.

فأتى الحُرّ الحسينعليه‌السلام وأخبره بكتاب ابن زياد حتّى أنزله كربلاء يوم الثاني من المحرّم سنة إحدى وستّين(1) ، فلمّا وصلها قالعليه‌السلام : (( ما اسمُ هذه الأرض؟ )).

فقيل: كربلاء.

فقال: (( اللّهمّ أعوذ بك من الكَرْبِ والبلاء )). ثمّ أقبل على أصحابه فقال: (( النّاسُ عَبيدُ الدّنيا، والدّينُ لَعَقٌ على ألسنتهم، يحوطونه ما دَرَّتْ معايشُهمْ، فإذا مُحِّصوا بالبلاء قَلَّ الديّانون )).

ثمّ قالعليه‌السلام : (( أهذه كربلاء؟ )).

قالوا: نعم يابن رسول الله.

قال: (( انزلوا، هاهنا مُناخُ ركابنا، ومَحَطُّ رحالنا، ومَقْتل رجالنا، ومَسْفكُ دمائنا ))(2)(3) . ثمّ جمع ولْده وإخوَته وأهل بيته، ثمّ نظر

____________________

(1) البداية والنهاية 8 / 188 - 189، الكامل في التاريخ 2 / 555، الإرشاد 2 / 85 - 86، طبع إيران، تاريخ الطبري 4 / 308 - 309، بحار الأنوار 44 / 380.

(2) مقتل الحسين - للخوارزمي 1 / 34، بحار الأنوار 44 / 383.

(3)

يقول ألا اخبروني ما اسمُ أرضٍ

أرانـي كـارهاً فـيها نـزولي

أبـينوا ما اسمها المشهور عنها

فـقالوا كـربلا يابن الرسولِ

فـقال هـي الـبلاء وفي ثراها

تُـريقُ دمـاءَنا أيـدي الـنغولِ

بـها تـضحى أعـزّتنا اُسـارى

يـلـوحُ عـليهمُ كـسرُ الـذّليلِ

بـهـا تُـسبى كـرائمنا وفـيها

يـتـامانا تَـعثّر فـي الـذّيولِ

القصيدة للخليعي - منتخب الطريحي / 52.

أرض مـثلچ بالأراضي ما حوت

بـدور ظـلّت بيچ بالظلمه ضوت

آنـه مـا أدري بـيوم اتـسلّبت

صـدگ تـستر لـلوجه بـيمينه

مِن نزل سبط النبي برض الطفوف

إجـت لـيه اعداه واعياله تشوف

او زينب تگلّه يخويه اشهل الألوف

هـاي إلـنه لـو عـلينه ازحوفها

گلـها يـا زيـنب علينه اتجمّعت

والـحربنه الـيوم كـلها اتولّمت

بـايعتنه او نـكثت البيعه او اجت

او لا أمَـل إلـنه صفى بمعروفها

الشعر للخطيب الشيخ جعفر الهلالي - أدب المنبر / 114.

٥٩

إليهم فبكى ساعةً، ثمّ قال: (( اللّهمّ إنّا عترةُ نبيّك محمّد، وقد اُزْعِجْنا وطُردْنا، واُخرجنا عن حَرَم جدّنا، وتَعَدَّتْ بنو اُميّة علينا، فخُدْ لنا بِحَقِّنا، وانْصُرنا على القوم الظّالمين ))(1) .

ثمّ كتب الحرّ إلى ابن زياد يُخبره بذلك، فجَيَّش ابن زياد جَيشاً ولّى عليه عمر بن سعد، وهي أوّل راية سارتْ إلى حرب الحسينعليه‌السلام ، وكان تحتها ستّةُ آلاف فارس، ثمّ دعا شَبَثَ بن رِبعي وعَقَدَ له رايةً وضمّ إليه أربعة آلاف فارس، ثمّ دعا(2) بعروة بن قيس وعَقَدَ له رايةً على أربعة آلاف فارس، ثمّ دعا سِنان بن أنس وعَقَدَ له رايةً على أربعة آلاف فارس(3)(4) .

____________________

(1) مقتل الحسين - للمقرّم / 193.

(2) في تاريخ الطبري 4 / 320 بدل «عروة» «عزرة».

(3) تاريخ الطبري 4 / 320 - 321، مقتل المقرّم / 226.

(4)

عـشـيّةَ أنـهـضَها بَـغيُها

فـجاءته تـركبُ طـغيانَها

بِجَمْعٍ من الأرضِ سَدَّ الفروج

فـغطّى الـنجودَ وغـيطانَها

وسـامَتْهُ يركبُ إحدى اثنتين

وقـد صَرّتِ الحربُ أسنانها

فـإمّا يُـرى مُذعناً أو تموت

نـفسٌ أبـى الـعِزُّ إذعانَها

فـقال لـها: اعتصمي بالإبا

فـنفسُ الأبـيِّ ومـا زانَـها

إذا لـم تجدْ غيرَ لُبْسِ الهَوان

فـبالموتِ تـنزعُ جُـثمانَها

رأى القَتْلَ صبراً شعارَ الكرام

وفـخراً يـزينُ لـها شانَها

فـشَمَّر لـلحربِ عن معركٍ

بـه عَـرَكَ الموتُ فرسانَها

وأضـرَمها لِـعنانِ الـسماء

حـمـراءَ تـلـفحُ أعـنانَها

السيّد حيدر الحلّي - رياض المدح والرثاء / 86.

٦٠