مقتل الحسين (عليه السلام) أو الحسين (عليه السلام) عبرة المؤمنين

مقتل الحسين (عليه السلام) أو الحسين (عليه السلام) عبرة المؤمنين0%

مقتل الحسين (عليه السلام) أو الحسين (عليه السلام) عبرة المؤمنين مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 119

  • البداية
  • السابق
  • 119 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 19585 / تحميل: 3591
الحجم الحجم الحجم
مقتل الحسين (عليه السلام) أو الحسين (عليه السلام) عبرة المؤمنين

مقتل الحسين (عليه السلام) أو الحسين (عليه السلام) عبرة المؤمنين

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

قال الراوي(1) : وحملت ميمنة ابن سعد على ميسرة الحسينعليه‌السلام ، وكانت حملتهم من نحو الفرات، وكان مسلم بن عوسجة في ميسرة الحسين. قال ابن حجر(2) : وكان مسلم بن عوسجة من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فجعل مسلم يرتجز ويقول:

إنْ تَـسْأَلُوا عَـنّي فإنّي ذُو لَبَدْ

وإنَّ بَيتي في ذُرى بَني أسَدْ(3)

فقاتل قتالاً شديداً، ثمّ تعطّف عليه القوم فقتلوه، وارتفعت لشدّة الجِلاد غبرةٌ شديدةٌ، فلمّا انجَلَت الغبرة وإذا بمُسلم بن عوسجةَ صريعاً؛ فتباشر أصحاب ابن سعد، فمشى إليه الحسين ومعه حبيب، فقال الحسينعليه‌السلام : (( رَحِمك الله يا مسلم،( فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبديلاً ) (4) )).

ودنا منه حبيب فقال: يا أخي، أبشِر بالجنّة. فأجابه بصوت ضعيف: بشّرك اللهُ بخير. ثمّ قال: لو لم أعلمْ أنّي بالأثر لأحببتُ أن تُوصي إليّ بجميع ما أهمّك. قال: يا أخي، اُوصيك بهذا - وأشار إلى الحسين - فقاتِلْ دونه حتّى تموت. فقال له حبيبٌ: لأنعمنّك عَيناً. ثمّ مات (رضوان الله عليه)(5)(6) .

____________________

(1) مقتل الحسين - للخوارزمي 2 / 15.

(2) الإصابة 1 / 68.

(3) ثمرات الأعواد 1 / 194.

(4) سورة الأحزاب / 23.

(5) تاريخ الطبري 4 / 331، الإرشاد 2 / 107، طبع إيران، الكامل في التاريخ 2 / 565، بحار الأنوار 45 / 20، البداية والنهاية 8 / 197.

(6)

گربت يبن ظاهر منيتي

ما وصّيك بعيالي او بيتي

وانچان نـيتك مثل نيتي

بالحسين واعياله وصيتي

٨١

وتقدّم يزيد بن زياد، وهو أبو الشَّعْثاء الكِندي(1) من بني بَهْدَلَة، فجثا على رُكبتيه بين يدي الحسينعليه‌السلام ، فرمى بمئة سهم ما سقط منها إلاّ خمسة أسهم، وكان رامياً، فكان كلّما رمى قال: أنا ابنُ بَهْدَلة.

ويقول الحسينعليه‌السلام : (( اللّهمّ سَدِّدْ رَمْيَتَهُ، واجعل ثوابه الجنّة )).

فلمّا رمى بها قام فقال: ما سقط منها إلاّ خمسة أسهم. وكان رِجْزُهُ يومئذ:

أنـا يَـزيدٌ وأبي مُهاصِرْ

أشْجعُ مِنْ لَيْثٍ بِغَيْل خادِرْ

يا ربِّ إنّي للحُسَين ناصِرْ

ولابن سَعْد تارِكٌ وهاجِرْ

وكان يزيد بن زياد المُهاصر ممّن خرج مع عمر بن سعد إلى الحسينعليه‌السلام ، فلمّا ردّوا الشُّروط على الحسين مال إليه فقاتل معه حتّى قُتِل(2) .

هُمْ خَيْرُ أنْصار بَراهُمْ رَبُّهُمْ

لِلدّينِ أوَّلَ عَالَمِ التَّكوينِ(3)

وقد شهد لهم عدوّهم كعب بن جابر(4) ؛ فإنّه لمّا قتل بُرير بن خُضير عابتْ عليه زوجته، فقالتْ: أعَنْتَ على ابن فاطمة وقتلْتَ سيّد القُرّاء! لقد أتيت عظيماً من الأمر! والله لا اُكلّمك مِن رأسي كلمةً واحدةً.

فقال يُخاطبها من أبيات:

وَلَـمْ تَـرَ عَـيْني فـي زَمَـانِهِمُ

وَلا قَـبْلَهُمْ فـي النّاسِ إذْ أنا يافِعُ

أَشَـدَّ قِراعاً بالسُيوفِ لدى الوِغى

ألا كُـلُّ مَـنْ يَحمي الذِّمارَ مُقارِعُ

وقَد صَبروا للضرب والطعن حُسَّراً

وقـد نـازلوا لـو أنَّ ذلـك نافِعُ

وجاء إلى الحسينعليه‌السلام أبو ثُمامة الصّائديرحمه‌الله فقال: يا أبا عبد الله، هؤلاء القومُ قد اقتربوا منك، ولا والله لا تُقتلُ حتّى اُقتل دونَك، واُحبُّ أن ألقى الله وقد صلّيت هذه الصّلاة.

فرفععليه‌السلام رأسه إلى السماء وقال: (( ذكَرْتَ الصّلاة! جعلك اللهُ من المصلّين، نعم هذا أوّلُ وقتها.

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 339 - 340، الكامل في التاريخ 2 / 569، قال: وكان أوّل مَنْ قُتل، مقتل الحسين - للخوارزمي 2 / 25.

(2) تاريخ الطبري 4 / 340.

(3) من شعر الكوّاز، أدب الطفّ 10 / 238.

(4) تاريخ الطبري 4 / 329.

٨٢

سلوهم أن يكفّوا عنّا حتّى نُصلّي لربّنا )).

وتقدّم ببقيّة أصحابه، وكانوا عشرين رجلاً، فلمّا اصطفّ أصحابهُ خَلفه دنا (الحُصين بن نَمير) فقال: صلّي يا حسين، فإنّها لا تُقبَلُ منك. فقال له حبيب بن مُظاهر: زعمتَ أنّها لا تُقبَلُ من ابن بنت رسول الله وتُقْبَلُ منكَ يا فاسق؟!(1) .

وكان عُمرُ حبيب يوم كربلاء خمساً وسبعين سنةً، وكان يحفظ القرآن كُلَّه، وكان يختمه في كلِّ ليلة من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر(2)(3) .

جاء يوم عاشوراء إلى الحسينعليه‌السلام فسلّمَ عليه وودّعه، وقال: واللهِ يا مولاي، إنّي لأرجو أن اُتمّم صَلاتي في الجنّة، واُقرأْ أباكَ وَجدّكَ وأخاك عنك السّلام. ثمّ برز وهو يقول:

أنَا حَبِيبٌ وأبي مُظاهِرُ(4)

فارِسُ هيجاء وحَرب تُسْعَرُ

أنـتم أَعَـدُّ عُـدَّةً وأَكـثرُ

ونـحنُ أوفى منكُم وأَصْبَرُ

ولم يزلْ يُقاتل حتّى قَتَل اثنين وستّين فارساً، فحمَلَ عليه رجلٌ من بني تميم(5)

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 334، وفيها: وتُقبل منك يا حمار... وأنّه الحصين بن تميم، الكامل في التاريخ 2 / 567، بحار الأنوار 45 / 21، أعيان الشيعة 1 / 606.

(2) وهذه شهادة من الإمام الحسينعليه‌السلام في حقّه: (( لله دَرُّكَ يا حبيب! لقد كنتَ فاضلاً تختم القرآن في ليلة واحدة )). ينابيع المودّة / 411، وفي تاريخ الطبري 4 / 336، والكامل 2 / 567، قالعليه‌السلام عند استشهاد حبيب: (( عند الله أحتسب نفسي وحُماة أصحابي )).

(3)

أَحبيبُ أنتَ إلى الحسينِ حَبيبُ

إنْ لـم يُنِطْ نَسَبٌ فأنتَ نَسيبُ

يا مرحباً بابنِ المظاهِر بالوِلا

لو كانَ ينهضُ بالولا التَرحيبُ

بـأبي المفدّي نفسه عن رغبة

...........................................

السيّد إبراهيم الطباطبائي - رياض المدح والرثاء / 537.

(4) في إبصار العين / 59:... أنا حبيبُ وأبي مُظهر.

(5) مقتل الحسين - للخوارزمي 2 / 19، بحار الأنوار 45 / 27، أعيان الشيعة 1 / 606، الكامل في التاريخ 2 / 567.

٨٣

يُقال له: بُديل بن صُرَيم(1) ، فضربه بالسّيف على رأسه فوقع، وذهب ليقوم فضربه الحُصينُ بن نَمير(2) على رأسه بالسّيف فسقط، فنزل إليه التميميّ فاحتزّ رأسه.

فقال له الحُصين: أنا شريكُك في قتله. فقال التميميّ: واللهِ ما قتله غيري. فقال الحُصَين: أعْطنيه اُعلّقه في عُنُق فرسي كيما يرى النّاس ويَعلموا أنّي شريكُكَ في قتله، ثمّ خُذْهُ أنت فامضي به إلى عبيد الله بن زياد فلا حاجةَ لي فيما تُعطاه.

فأبى عليه، فأصْلح قومهما بينهما على ذلك، فدفع إليه رأس حبيب فعلّقه بعُنُق فرسه، فجال به في العسكر، ثمّ دفعه بعد ذلك إلى التميمي فعلّقه في لِبان فرسهِ، ثمّ أقبل إلى ابن زياد وجالَ به في الكوفة(3) .

ولمّا قُتِل حبيبُ بان الانكسار في وجهِ الحسينعليه‌السلام ، وقال: (( عند اللهِ أحتسبُ نفسي وحُماةَ أصحابي ))(4)(5) .

ولمّا قُتِل أصحاب الحسينعليه‌السلام ، ولم يَبْقَ معه إلاّ أهْلُ بيته وخاصّته، وهم وُلْدُ عليٍّ، ووُلْدُ جعفر، ووُلْدُ عقيل، ووُلْدُ الحسنعليه‌السلام ، ووُلْدُهُعليه‌السلام ، اجتمعوا يودّع بعضهم بعضاً لمّا عزموا على الحرب،

____________________

(1) في نسخة الطبري «بَديل بن صُرَيم»، وفي الكامل «بُديل بن صُريم».

(2) في نسخة الطبري «الحصين بن تميم».

(3) تاريخ الطبري 4 / 235، الكامل 2 / 567، مقتل الحسين - للخوارزمي 2 / 19.

(4) المصادر نفسها.

(5)

إن يهدّ الحُسينَ قَتْلُ حَبيبٍ

فـلقد هَـدّ قَتْلُهُ كُلَّ رُكْنِ

* * *

إجـاه احسين شافه او دمّه مسفوح

وعاين بيرغه اعلى الگاع مطروح

سـدر عـنّه او دمع العين منثور

جـذب ونّـه ومنّه ماعت الرّوح(*)

(*) هكذا وردت الأشطر، وربما كان هناك تقديم وتأخير في الشطرين الأخيرين.(موقع معهد الإمامين الحسنين) .

٨٤

فهُمْ كما قال القائلُ:

لَـوْ كُنْتَ ساعة بَيننا ما بَينَنا

وَشَـهِدْتَ كَيْفُ تَكَرَّر التّوديعا

أيْـقَنْتَ أنّ من الدّموع تحدّثاً

وعَلِمْتَ أنّ من الحديثِ دموعا

تقدّم عليُّ بن الحسين الأكبرعليه‌السلام ، واُمّه ليلى بنتُ عُروةِ بن مسعودِ الثّقفي عَظيم القَريتَين، الذي قالتْ قُريشٌ فيه:( لَولا نُزِّلَ هذا القُرآنُ عَلى رَجُل مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظيمٌ ) (1) ، وكان عليّ بن الحسينعليه‌السلام من أصبحِ النّاس وَجْهاً، وأحسنهم خُلُقاً، فاستاذنَ أباهُ في القتال فأذِنَ له، ثمّ نظر إليه نَظَرَ آيس منه، وأرخىعليه‌السلام عَيْنَهُ وبكى(2) .

وروي أنّهعليه‌السلام رفع شيْبَتَهُ نحْوَ السّماء وقال: (( اللّهمّ اشْهَدْ على هؤلاء القومِ فقد بَرَزَ إليهم غُلامٌ أشبهُ النّاسِ خَلْقَاً وخُلُقاً ومَنْطِقاً برسولك، وكُنّا إذا اشْتَقْنا إلى نبيّك نَظَرْنَا إلى وَجْهِهِ. اللّهمّ امْنَعْهُمْ بركاتِ الأرضِ، وفَرِّقْهُمْ تفريقاً، ومزّقْهُم تَمزيقاً، واجْعَلْهُمْ طرائقَ قِدَداً، ولا تُرْضِ الوُلاةً عنهم أبداً؛ فإنّهم دَعَونا ليَنصُرونا ثمّ عَدَوا علينا يُقاتلونا )).

ثمّ صاح بعمر بن سعد: (( ما لك؟! قطع اللهُ رَحِمَك، ولا بارك الله لك في أمركَ، وسلّطَ عليك مَنْ يَذبحُك بعدي على فراشك كما قَطَعْتَ رَحِمي، ولم تَحفظْ قرابتي من رسول الله )).

ثمّ رفع صوته وتلا:( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (3) ) .

ثمّ حمل عليُّ بن الحسينعليه‌السلام على القوم وهو يقول:

أنَا عليُّ بنُ الحُسَين بنُ علي

نَحْنُ وبَيتِ اللهِ أوْلى بالنَّبي

تاللهِ لا يَحْكُمُ فينا ابنُ الدّعي

أضْرِبُكُمْ بالسّيف حتّى يَنْثَني

ضَرْبَ غُلامٍ هاشميٍّ علوي

وشدّ على النّاس مِراراً، وقتل منهم جمعاً كثيراً حتّى ضجّ النّاس من كَثْرة مَنْ قُتِل

____________________

(1) سورة الزخرف / 31.

(2) أعيان الشيعة 1 / 607.

(3) سورة آل عمران / 33 - 34.

٨٥

منهم(1) .

ورُوي أنّه قتل على عطشه مئة وعشرينَ رجُلاً(2) ، ثمّ رجع إلى أبيه وقد أصابَتْهُ جُراحاتٌ كثيرةٌ، فقال: يا أبةِ، العطش قدْ قَتلني، وثِقْلُ الحديد أجْهَدني، فهل إلى شِرْبةِ ماء مِن سبيل حتّى أتقوّى بها على الأعداء؟

فبكى الحسينعليه‌السلام وقال: (( يا بُنيّ، قاتِلْ قَليلاً؛ فما أسرعَ ما تَلْقى جدّك محمّداً فيسقيكَ بكأسِهِ الأوفى شِرْبةً لا تَظمأ بعدها أبداً ))(3)(4) .

فَرَجع إلى القتال، ولم يزلْ يُقاتل حتّى قتل تمام المئتين(5) .

وكان أهل الكوفة يتّقون قَتْله، فبصر به مُرّةُ بنُ مُنقِذ بن النُّعمان العَبدي(6) ، فشدّ

____________________

(1)

بَـطَلٌ لـهيبته الاُسُـودُ ذواهِلٌ

والأرضُ ترجفُ إذْ يطاها مُدْرعا

واسـى أبـاه بكربلا حين العِدى

حـاطتْ به فَسَطا بها وتطلّعا

وبـدى يجولُ بطَرْفِهِ حتّى كسا

............................................

الشيخ سلمان البحراني - رياض المدح والرثاء / 434.

(2) مقتل الحسين - للخوارزمي 2 / 30، بحار الأنوار 45 / 42.

(3) اللهوف / 49، مثير الأحزان / 69، الفتوح 5 / 131، مقتل الحسين - للخوارزمي 2 / 31.

(4)

سـهله يـبويه طلبتكَ هاي

لاچن يعگلي او ماي عيناي

............................................

............................................

* * *

يَشكو لخير أبٍ ظماه وما اشتكى

ظمأَ الحشى إلاّ إلى الظامي الصدِ

فـانصاع يـؤثره عـليه بريقِهِ

لـو كـان ثـمّة ريـقُه لم يجمدِ

كـلٌّ حـشاشتُهُ كـصاليةِ الغضا

............................................

الشيخ عبد الحسين صادق - أدب الطفّ 9 / 228.

(5) مقتل الحسين - للخوارزمي 2 / 31.

(6) تاريخ الطبري 4 / 340، الكامل في التاريخ 2 / 569.

٨٦

عليه فَضَرَبهُ على مَفْرَقِ رأسه ضَرْبَةً صرعَتْهُ، وضربه النّاس بأسيافهم؛ فاعتنق فرسه فاحتمله الفَرسُ إلى مُعسكرِ الأعداء فقطّعوهُ بسُيوفهم إرْباً إرْباً(1) ، فلمّا بلغَت روحه التّراقي قال رافعاً صوتَهُ: يا أبتاهُ! هذا جَدّي رسول الله قد سَقاني بكأسه الأوفى شِرْبةً لا أظمأ بعدها أبداً، وهو يقولُ: (( العَجَل العَجَل؛ فإنّ لك كأساً مذخورةً حتّى تَشْرَبها السّاعة )).

فجاء الحسينعليه‌السلام حتّى وقف عليه، ووضع خدّه على خدّه وهو يقول: (( قَتَل اللهُ قَوْماً قتلوك، ما أجْرأهُم على الرّحمن، وعلى انتهاك حُرْمَةِ الرّسول! )). وانهَمَلَتْ عيناهُ بالدّموع، ثمّ قال: (( على الدّنيا بَعْدَك العَفَا ))(2)(3) .

____________________

(1)

نـده يـحسين هـذا الساع جدّي

سگاني الماي واروه عطش چبدي

يگول اسـرع تراك اليوم عندي

ابن نصار - النصاريات الكبرى / 26.

(2) ينابيع المودّة / 415، الكامل في التاريخ 2 / 569، تاريخ الطبري 4 / 340.

(3)

ناده الحسين او دمعته عالخد جريّه

يـبني يالأكبر فرگتك صعبه عليّه

السيّد حسين الحلو - أدب المنبر الحسيني / 126.

كل جسمك جروح وغدت دم تسيل

ومـا ظل يبني موضع بيه للتقبيل

اويـلي عليك يبني وشيفيد الويل

الـبچه والنوح والون ما يشافيني

عبد الحسين أبو شبع - أدب المنبر الحسيني / 182.

حزني شابه اُم عشره ويرها

عَلَه اللّي بالگلب ناره ويرها

أدب المنبر / 391.

٨٧

وخرج القاسم بنُ الحسن بن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام ، فلمّا نظر إليه الحُسينعليه‌السلام اعْتنقهُ، وجعلا يبكيان حتّى غُشِيَ عليهما، ثمّ اُستاذنَ الحُسَين في المُبارزة فأبى أنْ يأذنَ له، فلَمْ يزلْ الغلامُ يُقبّلُ يَدَيْهِ ورِجْلَيهِ حتّى أذِنَ له(1) ، فخرج ودموعه تَسيلُ على خدّه وهو يقول:

إنْ تُـنْكِرُوني فَـأَنَا اِبْـنُ الحَسَنْ

سِـبْطُ النَبيِّ المُصْطَفى والمُؤتَمَنْ

هـذا حُـسَيْنٌ كـالأسيرِ المُرْتَهَنْ

بَيْنَ اُناس لا سُقُوا صَوْبَ المُزُنْ(2)

فقاتل قِتالاً شديداً حتّى قتل على صِغَره خمسةً وثلاثينَ رجُلاً(3) .

وفي أمالي الصّدوق(4) : وبرز من بعده - أي بعد علي بن الحسين - القاسم بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب، وعن حَميد بن مُسلم قال(5) : خرج إلينا غلامٌ كأنَّ وجهه شُقّةُ قمر، وفي يده السّيفُ(6) ، وعليه قميصٌ وإزارٌ، وفي رجْلَيه نَعلانِ، وقد انقطع شِسْعُ أحدهما، ما

____________________

(1) مقتل الحسين - للخوارزمي 2 / 27، بحار الأنوار 45 / 35، مُثير الأحزان / 81.

(2) المجالس السنيّة 1 / 109، مُثير الأحزان - للجواهري / 81.

(3) مثير الأحزان / 81، موسوعة كلمات الإمام الحسين / 464.

(4) أمالي الصدوق / 138.

(5) تاريخ الطبري 4 / 341، البداية والنهاية 8 / 202، مقاتل الطالبيين / 58.

(6)

جَـرّ الـسيف والـزانه نكثها

او طفَّحْ على المَلزومه او فرشها

جثث بالروس والروس ابجثثها

اسـم الله عـليه خـلاّها اتِّعَثرْ

* * *

تـبردگ فوگ مهره وگال يومي

او گال الزانته اعلى الخيل حومي

رَفْـهَا او گال لـلراياتْ گومـي

ابن نصار - النصاريات الكبرى / 30.

٨٨

أنسى أنّها اليُسرى(1) ، فقال عمرو بن سعد بن نَفيل الأزْدي: والله لأشُدّنّ عليه. فقلت له: سُبحان اللهِ! يكفيك هؤلاء الّذين احتَوَشُوه مِن كُلّ جانب. قال: واللهِ لأشدّنّ عليه.

فشدَّ عليه، فما ولّى حتّى ضربَ رأس الغلامِ بالسّيفِ، فوقعَ الغُلامُ لوَجههِ، فقال: يا عَمّاه! فجلى الحُسين كما يَجلي الصَّقْرُ، ثمّ شدّ شِدَّة لَيْث اُغْضِبَ وضرب عَمْراً بالسّيفِ، فاتّقاه بالسّاعد فأطنّها مِن لَدُن المِرْفَقِ، فصاح(2) صَيحةً سمعها أهلُ العسكرِ، ثمّ تنحّى عنه الحسينعليه‌السلام ، وحملَتْ خَيلُ أهلُ الكوفة ليَستنقذوا عَمْراً من الحسين فوطأتْهُ حتّى مات.

وانجَلَتْ الغُبْرَة فإذا بالحسينعليه‌السلام قائمٌ على رأس الغُلام، والغُلامُ يَفْحَصُ برجْليه، والحسين يقول: (( بُعْداً لقوم قتلوك! ومَنْ خصْمُهم يوم القيامة فيك جدُّكَ )). ثمّ قال: (( عَزَّ واللهِ على عَمّكَ أنْ تدعوهُ فلا يُجيبكَ، أو يُجيبكَ فلا يَنفعك صوتُهُ! هذا يومٌ واللهِ كَثُرَ واتِرُهُ، وقَلّ ناصِرهُ )).

ثمّ احتملهُ على صدرهِ، فكأنّي أنظرُ إلى رِجْلي الغُلام تَخُطّان الأرض وقد وضع صدرَهُ على صدرِهِ(3) ، فجاء به حتّى ألقاهُ مع ابنهِ عليّ بن الحسين وقَتلى قدْ قُتِلَتْ حوله من أهلِ بيته(4) .

____________________

(1) من أروع بطولات القاسمعليه‌السلام عدم مبالاته بكثرة الأعداء، بحيث انقطع شسع نعله، فوقف بين تلك الجموع يشدّه، وهذا ممّا يغيضُ العدوّ... (المحقّق).

لو كان يحذر بأساً أو يخافُ وغىً

ما انصاع يُصلح نعلاً وهو صاليها

أمـامَه مِـن أعـاديه رمالُ ثرى

...........................................

للشيخ عبد الحسين صادق - شعراء الحسين / 53.

(2) مثير الأحزان / 82، مقتل الحسين - للمقرّم / 265.

(3)

حـطّ احسين صدره ابصدر جسّام

شـبگ فوگه او شاله اليمّ الخيام

صدره ابصدر عمّه او خط بالجدام

عـله الـتربان واحـسين ايتعثّر

* * *

يعمّي اشگالت من الطبر روحك

يـجاسم مـا تراويني اجروحك

ابن نصار - النصاريات الكبرى / 31.

رمـله تـنادي سـاعدوني عالرزيّه

جـاسم وگع من المُهر فوگ الوطيّه

اگعد يمن ردتك ذخيره الجور الأيّام

ليش اگطعت بيّه ونسيت اُمّك يجسّام

هيهات من غمّضت عينك عيني تنام

والله لـعوّدها الـسهر غصباً عليّه

السيّد حسين الحلو - أدب المنبر الحسيني / 124.

رياض المدح والرثاء / 192 - 193.

(4) تاريخ الطبري 4 / 341 - 342، البداية والنهاية 8 / 202، مقاتل الطالبيين / 58.

٨٩

مصرعُ العبّاس بن عليّعليهما‌السلام حامل راية الحسينعليه‌السلام

قال أهل السِّيَر: كان العبّاس بن عليّ رجُلاً وسيماً جميلاً، بينَ عينيهِ أثرُ السّجود، يركَبُ الفرس المُطهّم ورجلاهُ تخُطّان الأرض خَطّاً، وكان يُقال له: قمَرُ بني هاشم؛ لجماله ووسامته، وكان لِواء الحسينعليه‌السلام بيده(1) .

____________________

(1) مقاتل الطالبيين / 56، مثير الأحزان / 83.

٩٠

قال الإمام الصادقعليه‌السلام : (( كان عمّنا العباس نافذ البصيرة، صلب الإيمان، له منزلة عند الله يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة ))(1) .

وكانت ولادة العباس سنة ست وعشرين من الهجرة(2) ، وقُتل أبوه أمير المؤمنينعليه‌السلام وله من العمر نحو أربع عشرة سنة، وقُتل هو بالطفّ وقد بلغ أربعاً وثلاثين سنة، وهو آخر مَنْ قُتل من المحاربين مع الحسينعليه‌السلام ، ولم يُقتل بعده إلاّ الأطفال(3) .

ولمّا رأى العبّاس بن عليعليه‌السلام وحدة أخيه الحسينعليه‌السلام أقبل يستأذنه في القتال ويقول: يا أخي، هل من رخصة؟ فبكى الحسينعليه‌السلام ثمّ قال: (( يا أخي، أنت حامل لوائي، ومجتمع عسكري، وإذا مضيت تفرّق عسكري )).

فقال العبّاسعليه‌السلام : قد ضاق صدري، وسئمت من الحياة، واُريد أن أطلب ثاري من هؤلاء المنافقين.

فقال له الحسينعليه‌السلام : (( فاطلب لهؤلاء الأطفال قليلاً من الماء ))(4) .

فذهب العبّاسعليه‌السلام ، ووعظهم وحذّرهم فلم ينفع الوعظ والتحذير، فرجع إلى أخيه فأخبره، فسمع الأطفال ينادون العطش العطش، فركب فرسه وأخذ رمحه والقربة وقصد نحو الفرات، فأحاط به أربعة آلاف ممّن كانوا موكّلين بالفرات، ورموه بالنّبل، فكشفهم وقتل منهم ثمانين رجلاً(5) ، وهو

____________________

(1) الخصال 1 / 68، إبصار العين / 26.

(2) العبّاس - للمقرّم / 74.

(3) إبصار العين / 30، المنتخب - للطريحي / 312.

(4) المصدران نفساهما، تظلّم الزهراء / 119.

(5)

وتـعبسُ مِـن خـوفٍ وُجوهُ اُميّةٍ

إذا كـرّ عـبّاسُ الـوغى يـتبسّمُ

أبو الفضل تأبى غيره الفضل والإبا

أبـاً فـهو إمّـا عنه أو فيه يرسمُ

عـلـيمٌ بـتأويلِ الـمنيّة سـيفُهُ

نَـزولٌ عـلى مَـنْ بالكريهةِ مَعْلَمُ

ويمضي إلى الهيجاءَ مستقبل العدى

بـماضي بـه أمـرُ الـمنيّةِ مُبْرَمُ

وصال عليهم صولةَ الليث مغضباً

يُـحمحم من طول الطوى ويدمدمُ

للشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء - عن كتاب سوانح الأفكار - للسيّد جواد شبّر - مخطوط

٩١

يرتجز ويقول:

لا أرهـبُ الموتَ إذا الموت زقا(1)

ولا أخـافُ الـشَرَّ يـوم الـمُلْتَقى

إنّـي أَنَـا الـعَبّاسُ أغـدو بـالسِّقا

نَفسي لسبْطِ المصطفى الطّهر وِقا(2)

حتّى دخل الماء، فلمّا أراد أن يشرب غرفة من الماء ذكر عطش الحسين وأهل بيتهعليهم‌السلام ، فرمى الماء(3) وملأ القربة، وحملها على كتفه الأيمن وتوجّه نحو الخيمة، فقطعوا عليه الطريق، وأحاطوا به من كلّ جانب، فحاربهم، فكمن له زيد بن ورقاء من وراء نخلة، وعاونه حكيم بن الطفيل السنبسي فضربه على يمينه فقطعها، فحمل القربة على كتفه الأيسر وهو يقول:

واللهِ إنْ قَـطعْتُمُ يميني

إنّي اُحامي أبداً عَن ديني

____________________

(1) زقا: بمعنى صاح، وكانت العرب تزعم أنّ للموت طائراً يصيح.

(2) مقتل الحسين - للمقرّم / 268 - 269، إبصار العين / 30.

(3)

ومُــذ خَـاضَ نـهرَ الـعلقمي تَـذكّر الـ

ـحسينَ فـولّى عـنه والـريقُ عَـلْقَمُ

وأضحى ابنُ ساقي الحوض سقّا ابن أحمدٍ

يروّي عطاشى المصطفى الطُّهْرِ إن ظموا

أبـا الـفضلِ تُـهنيك الـوراثةُ مِـن أب

...........................................

للشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء - سوانح الأفكار - للسيّد جواد شبّر – مخطوط

وصل للماي لاچن ما شرب ماي

گال شـلون ابـرّد چبدة احشاي

عگب حسين واطفاله البرجواي

عَلَيْ ماي العذب هاليوم يحرم

٩٢

وعـن إمـامٍ صادق اليَقينِ

نَجْلِ النبيِّ الطاهرِ الأمينِ(1)

فكمن له حكيم بن الطفيل فضربه على شماله فقطعها من الزند، فحمل القربة بأسنانه، وجاءه سَهمٌ فأصابَ القرْبة واُريق ماؤها(2) ، ثمّ جاءه سهمٌ آخرُ فأصابَ صدره، وضربه آخَرُ بعمود من حديد على اُمّ رأسه، فانقلب عن فرسه وصاح: يا أبا عبد الله، عليكَ منّي السّلام(3) .

فلمّا أتاه ورآه صريعاً بكى ونادى: (( الآن انكسر ظهري، وقلّت حيلتي، وشمت بي عدوّي ))(4) .

الـيَوْمَ نـامَتْ أعـينٌ بِكَ لَمْ تَنَمْ

وَتَسهَّدتْ اُخرى فَعزَّ مَنامُها(5)(6)

____________________

(1) المنتخب - للطريحي / 312، إبصار العين / 30.

(2)

لاچن إجـاها الـسّهم للجربة وفراها

حنّ او وگف يبچي او سكنه ما نساها

عـمها امواعدها على اُمّيّة الحشاها

للشيخ الصيمري - أدب المنبر الحسيني / 211.

(3) إبصار العين / 30.

(4) بحار الأنوار 45 / 41، تظلّم الزهراء / 120، الدمعة الساكبة 4 / 324.

(5) من قصيدة للشيخ محمّد رضا الاُزري المتوفّى سنة 1240، أدب الطفّ 6 / 263.

(6)

وحـين هـوى أهـوى إليه شقيقهُ

يـشقّ صـفوف المخلديّ ويحطمُ

فـالفاهُ مـقطوعَ الـيدين مـعفّراً

يـفوّر مـن مـخسوف هامته الدمُ

فقال أخي قد كُنتَ كبش كتيبتي

وجـنة بـأسٍ حـين أدهى وأدهمُ

فَـمَنْ نـاقعٌ حرّ القلوب من الظما

ومَـن دافـعٌ شرّ العدى يوم تهجمُ

ومَن يكشفُ البلوى ومَن يحمل اللوا

ومَـن يـدفع الـلأوي ومَن يتقحّمُ

رحـلتَ وقد خلّفتني يابن والدي

اُغـاض بـأيدي الظالمين واُهضَمُ

للشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء - سوانح الأفكار - للسيّد جواد شبّر - مخطوط

٩٣

ووقف الحسينعليه‌السلام بجنب الخيمة ونادى: (( يا سكينة، يا فاطمة، يا زينب، ويا اُم كلثوم، عليكنّ منّي السّلام )). فنادته سكينة: يا أبَة، استسلمتَ للموت؟! فقال: (( كيف لا يستسلم للموت مَنْ لا ناصر له ولا معين؟! )). فقالت: يا أبة، رُدّنا إلى حرم جدّنا. فقال: (( هيهات! لو تُرِكَ القطا لنام )). فتصارخن النساء فسكّتهنّ الحسينعليه‌السلام (1) .

يقول زين العابدين علي بن الحسينعليه‌السلام : (( ضمّني والدي إلى صدره يوم قُتل والدماء تغلي، وهو يقول: يا بُنيّ، احفظ عنّي دُعاءً علّمتنيهِ فاطمةُ (صلوات اللهِ عليها)، وعلّمها رسول الله إيّاه، وعلّمه جبرئيلُ في الحاجةِ والمُهمّ والغَمِّ، والنّازِلة إذا نزلتْ، والأمرِ العظيم الفادح. قال: ادعُ بحقّ يس والقُرآن الحكيم، وبحقّ طه والقُرآنِ العظيم، يا مَنْ يَقْدِرُ على حوائج السّائلين، يا مَنْ يعلمُ ما في الضَّميرِ، يا مُنفِّسَ عن المكروبين، يا مُفرِّجَ عن المَغمومين، يا راحِمَ الشَّيْخ الكبير، يا رازقَ الطِّفْلِ الصّغير، يا مَنْ لا يحتاجُ إلى التّفسير، صَلِّ على محمّد وآل محمّد وافْعَلْ بي كذا وكذا ))(2) .

وفي رواية: وتقدّم نحو باب الخيمة وقال لزينب: (( ناوليني ولدي الصغير حتّى أودّعه )). فأخذه وأومأ إليه ليقبّله، فرماه حرملة بن كاهل الأسدي بسهم فوقع في نحره فذبحه(3)(4) .

يقول الراثي:

____________________

(1) المنتخب - للطريحي / 440، بحار الأنوار 45 / 47، الدمعة الساكبة 4 / 236.

وَأَحَـطْنَ فـيه بناتُهُ وعيالُه

فـكأنَّهُ بَـدرٌ يُـحاطُ بـأنجُمِ

وأتته زينبُ والنساءُ صوارخاً

والـدمعُ مِن أجفانها كالعندمِ

يَـدعونه يا كهفَنا وعِمادَنا

ومـلاذَنا في كُلِّ خَطْبٍ مُؤلِمِ

السيّد مهدي الأعرجي - رياض المدح والرثاء / 761.

تـنادي يـخويه او مالك امعين

او گومك على الرَمضه مطاعين

آنه امنين أجيب المرتضه امنين

عـن كـربله بويه غبت وين

فـزعوا فرد فزعه عله احسين

(2) الدعوات - للراوندي / 54، ح 137، بحار الأنوار 95 / 196، ح 29.

(3) إبصار العين / 24، تاريخ الطبري 4 / 342، البداية والنهاية 8 / 202 - 203، الكامل في التاريخ 2 / 570، وسمّاه ابن شهر آشوب في المناقب 2 / 222 علي الأصغر. وذكر السيّد ابن طاووس في الإقبال زيارة للحسين يوم عاشوراء، جاء فيها: صلّى الله عليك وعليهم، وعلى أولادك علي الأصغر الذي فُجِعْتَ به أمّا الذي نصّ على أنّه عبد الله واُمّه الرّباب فهو الشيخ المفيد في الاختصاص / 83، وأبو الفرج في مقاتل الطالبيين / 59.

=

٩٤

ومُـنْعَطِف أهوى لِتقبيلِ طِفْلهِ

فقبَّل مِنْه قَبْلَه السَّهْمُ مَنْحَرا(1)

فقالعليه‌السلام لزينب: (( خذيه )). ثمّ تلقّى الدم بكفّيه فلمّا امتلأتا رمى بالدم نحو السماء(2) ، ثمّ قال: (( هوّن عَلَيّ ما نزل بي أنّه بعين الله. اللّهمّ لا يكوننّ أهون عليك من فصيل ناقة صالح ))(3)(4) .

____________________

= (4)

أعـزز عَلَيّ وأنتَ تحملُ طفـ

ـلك الظامي وحَرُّ أوامِه لا يبردُ

قد بُحَّ مِن لفح الهجيرةِ صَوتُه

بـمرنّة مـنها يـذوبُ الجلمدُ

وقصدتَ نحو القومِ تطلبُ منهمُ

ورداً ولـكن أين منك الموردُ

والـقوسُ طَـوَّقَ نحرَه فكأنّه

خـيط الهلال يحلُّ فيه الفرقدُ

وعلى الربيّةِ في الخيام نوائحٌ

تـومي لطفلك بالشجى وتردّدُ

السيّد جواد شبّر - مقتل الحسين - للمقرّم / 272 - 273.

(1) من قصيدة للسيّد حيدر الحلّي، رياض المدح والرثاء / 63.

(2) البداية والنهاية 8 / 203.

(3) مقاتل الطالبيين / 60، وعن الباقرعليه‌السلام : (( فلم تسقط منه قطرة )) كما في اللهوف / 51، مقتل الخوارزمي 2 / 32، المناقب - لابن شهر آشوب 2 / 222.

(4)

تـدري الـوالده تتهنّه بالمولود

مِنِ تشوفه بكترها يلعب وموجود

تنسه التعب كلّه والسهر مفگود

يـبني ربـاك ما حسّبت ماذيني

رِدِتْ أتـهنّه بيّامك يَبَعد الروحْ

ويـن اتمثّلك هَمِّ البگلبي يروحْ

بـعدما حسّبت يَبني ترِدْ مذبوحْ

أدب المنبر الحسيني / 350 - 351.

٩٥

ثمّ وقف قبالة القوم وسيفه مصلت في يده، آيساً من الحياة، عازماً على الموت(1) وهو يقول:

أنَـا ابْـنُ [عليِّ] الـطُّهْرِ مِـنْ آلِ هـاشِمٍ

كَـفانِي بـهذا مَـفخرٌ حـين أفـخرُ

وجـدّي رسـول الله أكـرم مَنْ مشى

ونحنُ سراجُ اللهِ في الأرضِ يَزْهَرُ(2)

قال الراوي: فوالله ما رأيت مكثوراً(3) قط قد قُتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشاً منه(4) ! وإن كانت الرّجال لتشدّ عليه فيشدّ عليها بسيفه فتنكشف عنه انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب! ولقد كان يحمل عليهم وقد تكاملوا ثلاثين ألفاً فينهزمون بين يديه كأنّهم الجراد المنتشر، ثمّ يرجع إلى مركزه ويقول: (( لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم ))(5) .

وأنشأعليه‌السلام هذه الأبيات:

فَـإنْ تَـكُنِ الـدُّنْيا تُـعَدُّ نَـفيسَةً

فَـإنَّ ثَـوابَ اللهِ أعـلى وأَنْـبَلُ

وإنْ تَـكُنِ الأبْدانُ لِلْمَوتِ اُنشِئَتْ

فَقَتْلُ امرئ بالسيفِ في الله أفضلُ

وإنْ تَـكُنِ الأرْزاقُ قِـسْمَاً مُقدّراً

فَقِلَّةُ سَعْيِ المرءِ في الكَسْبِ أجْمَلُ

____________________

(1) مثير الأحزان - للجواهري / 85، مقتل الحسين - للخوارزمي 2 / 33.

(2) الصواعق المحرقة / 117 - 118، المنتخب - للطريحي / 452، كشف الغمّة 2 / 237، المناقب - لابن شهر آشوب 4 / 80، بحار الأنوار 45 / 49.

(3) المكثور: هو الذي تكاثر عليه الناس.

(4)

يلقى الكماةَ بثغرٍ باسمٍ فرِحاً

كـأنّهم لِندى كفّيه قد طلبوا

الشيخ عبد الرضا الخطّي - أدب الطفّ 7 / 296.

(5) اللهوف / 51، وفي تاريخ الطبري 4 / 245: ما رأيت مكسوراً، البداية والنهاية 8 / 204.

٩٦

وإنْ تَـكُنِ الأمْوالُ للتركِ جَمْعُها

فما بالُ مَتروكٍ به المَرءُ يَبْخَلُ(1)

ولم يزل يقتل كلّ مَنْ دنا منه حتّى قَتَل منهم مقتلةً عظيمةً، فلمّا نظر الشّمر إلى ذلك قال لابن سعد: أيّها الأمير، واللهِ لو برز إلى الحسين أهل الأرض لأفناهم عن آخرهم(2) ؛ فالرأي أن نفترق عليه، ونملي الأرض بالفرسانِ، ونحيط به من كلّ جانب(3) .

فصاح ابن سعد: الوَيلُ لكمْ! أتدرون لمَنْ تُقاتلون؟! هذا ابنُ الأنزعِ البطين، هذا ابنُ قتّالِ العرب! فاحْملوا عليه من كُلّ جانب. فحملوا عليه ورموه بالنبالِ، وحالوا بينه وبين رحله، فصاح بهم: (( ويحَكم يا شيعة آلِ أبي سفيان! إن لم يكنْ لكم دينٌ، وكنتم لا تخافونَ المعاد، فكونوا أحراراً في دُنياكم، وارْجعوا إلى أحسابكم إنْ كنتم عُرُباً )).

فناداهُ شَمِرُ: ما تقول يابن فاطمة؟

قال: (( أقول: أنا الّذي اُقاتلكم وتُقاتلونني، والنّساء ليسَ عليهنّ جُناحٌ، فامنعوا عُتاتكم عن التّعرّضِ لحرمي ما دُمْتُ حيّاً )).

فقال شَمِرٌ: لك هذا. ثمّ صاح: إليكم عن حرم الرّجل، واقصدوه في نفسه؛ فلَعَمْري هو كفؤٌ كريم.

قال: فقصده القوم وهو يطلب شربة من ماء، فكلّما حمل بفرسه على الفرات حملوا عليه بأجمعهم(4) حتّى أجلوه عنه(5) ، ثمّ رماه رجل من القوم يُكنّى أبا الحتوف بسهم فوقع في

____________________

(1) بحار الأنوار 45 / 49، العوالم 17 / 292.

(2)

رامتْ تقودُ الليثَ طَوْعَ قيادها

وأَبـا أبـو الأشبال أن ينقادا

فـسطا عليهم كالعفرنيِّ مفردا

وأبـادهم وهـم الرّمالُ عدادا

يسطو فيختطف النفوسَ بعضبه الـ

ـماضي الشبا ويوزّع الأجسادا

فـتراه يـخطبُ والسِنانُ لسانُه

فـيهم وظَـهرُ جَـواده أَعوادا

فـجلا عـجاجَتها ولفَّ خيولَها

وطوى الرجالَ وفَرَّقَ الأجنادا

الشيخ محمّد علي قسّام - أدب الطفّ 10 / 62.

(3) ينابيع المودّة / 418، المنتخب - للطريحي / 463.

(4)

مِن يگحم على الليث ابعرينه

يجر يسراه والسيف ابيمينه

ابن نصار - النصاريّات الكبرى / 34.

(5) المناقب - لابن شهر آشوب 2 / 223، اللهوف / 52، أعيان الشيعة 1 / 609، مقتل الحسين - للخوارزمي 2 / 33، بحار الأنوار 45 / 51.

٩٧

جبهته(1) ، فنزعه من جبهته فسالت الدّماء على وجهه ولحيته(2) ، فقالعليه‌السلام : (( اللّهمّ إنّك ترى ما أنا فيه من عبادك هؤلاء العصاة )). ثمّ حمل عليهم كاللّيثِ المُغضب؛ فجعل لا يلحق منهم أحداً إلاّ بعجه بسيفه فقتله، والسّهام تأخذه من كلّ ناحية، وهو يتّقيها بنحره وصدره(3) .

وخرج عبد الله بن الحسن بن علي(4) - وهو غلام لم يراهق - من عند النساء يشتدّ حتّى وقف إلى جنب الحسينعليه‌السلام ، فلحقته زينب بنت علي لتحبسه، فقال لها الحسينعليه‌السلام : (( احبسيه يا زينب )).

فأبى الغلام وامتنع امتناعاً شديداً، وقال: والله لا اُفارقُ عمّي. فأهوى أبجر بن كعب إلى الحسين بالسّيف ليضربه،

____________________

(1) مقتل الحسين - للمقرّم / 278.

(2)

سهمٌ أصابك يابن بنت محمّدٍ

قـلباً أصـابَ لِفاطمٍ وفؤادا

الشيخ محمّد علي قسّام - أدب الطفّ 10 / 62.

(3)

كأنَّ لديه الحرب إذ شَبَّ نارُها

حـدائقُ جـناتٍ وأنهارُها دمُ

كأنَّ لديه السمهريّاتِ في الوغى

نـشاوى غصونٍ هزهنّ التنسّمُ

كـأنّ الـحسام المشرفيّ بكفّه

...........................................

السيّد عبد الوهّاب الوهّاب - أدب الطفّ 8/183.

(4) وله إحدى عشرة سنة.

٩٨

فقال له الغلام: ويلك يابن الخبيثة! أتقتل عَمّي؟! فضربه أبجر بالسّيف، فاتّقاه الغلام بيده فأطنّها إلى الجلدة فإذا يده معلّقة، فنادى الغلام: يا عَمّاه! فأخذه الحُسينُعليه‌السلام فَضَمَّه إلى صدره، وقال: (( يابن أخي، اصبر على ما نزل بك، واحتسب في ذلك الخير؛ فإنّ الله يلحقك بآبائك الصالحين ))(1) .

وخرج غلام من النساء(2) فوقف بين أطناب الخيم، وهو مذعور يتلفَّت، وفي اُذنيه قرطان يتذبذبان على خدّيه، فأرادت اُمّه حبسه فهرب منها، وهو يقول: لا والله، لا أرجع حتّى أذهب إلى عمّي. فرماه حرملة بن كاهل الأسدي بسهم، فوضع الغلام يده على جبهته ليتّقي الرمية فسمر السهم يده إلى جبهته، فصاح الغلام: يا اُمّاه! فصاح الحسينعليه‌السلام : (( صبراً يا بني أخي على ما تجدون )). فصارت اُمّه شهربانويه تنظر إليه ولا تتكلّم كالمدهوشة(3)(4) .

ثمّ رفع الحُسينعليه‌السلام يده وقال: (( اللّهمّ أمْسِك عنهم قَطْرَ السّماء، وامْنعْهم بركاتِ الأرْضِ ))(5) . ثمّ جعل يأخذ الدّم ويُخضبُ به وجهه ويقول: (( هكذا ألقى الله وأنا مُخضّبٌ بدمي ))(6) . وصار لا يضع قدماً على الأرض إلاّ وثبت بمقدارها دماً على الأرض.

ووقف يستريح ساعة وقد ضعف عن القتال، أتاه سهم محدّد مسموم له ثلاث

____________________

(1) اللهوف / 53، تاريخ الطبري 4 / 344، مقاتل الطالبيين / 77، المنتخب - للطريحي / 451.

(2) الكلام ما زال عن نفس هذا الغلام، وهو عبد الله بن الحسنعليه‌السلام كما في اللهوف / 53، ثمرات الأعواد 1 / 211، الإرشاد 2 / 114 - 115، طبع إيران، البداية والنهاية 8 / 202، الكامل في التاريخ 2 / 571.

(3) مقتل الحسين - للحيّاوي.

(4)

فـدوّى صراخُ الاُمِ تلقى وليدها

ذبيحاً قد احمرّتْ وريداه والشَعرُ

تُـقبّلهُ مِـن جُـرحِهِ وتَـضُمُّه

...........................................

للأديب حسين الأعظمي - أدب الطفّ 10 / 110 - 111.

(5) تاريخ الطبري 4 / 344 - 345، الكامل في التاريخ 2 / 571.

(6) اللهوف / 54، بحار الأنوار 45 / 54، مقتل الحسين - للخوارزمي 2 / 34.

٩٩

شعب فوقع في صدره - وفي بعض الروايات: على قلبه(1) - فقال الحسينعليه‌السلام : (( بسم الله وبالله، وعلى ملّة رسول الله )).

ورفع رأسه إلى السّماء وقال: (( إلهي، إنَّكَ تعلمُ أنَّهمْ يقتُلون رجلاً ليسَ على وجهِ الأرْضِ ابنُ نبيٍّ غيره )). ثمّ أخذ السّهمَ فأخرجه من قَفاه فانبعث الدّمُ كالميزاب(2) ، ثمّ خرّ على خدّه الأيسر صريعاً.

وخرجت زينب من باب الفسطاط وهي تنادي: وا أخاه! وا سيّداه! وا أهل بيتاه! ليت السّماء أطبقت على الأرض(3)(4) .

وصاح شمر: ما تنتظرون بالرّجل(5) ؟! فبدر إليه خولى بن يزيد الأصبحي ليحتزّ رأسه فأرعد، فقال شمر: فتّ الله في عضدك، ما لك ترعد؟! فنزل شمر إليه فذبحه(6)(7) .

____________________

(1)

سهمٌ رمى أحشاك يابن المصطفى

سـهمٌ بـه قلبُ الهداية قد رمي

الشيخ إبراهيم آل نشرة البحراني - رياض المدح والرثاء / 452.

(2) اللهوف / 52، مقتل الحسين - للخوارزمي 2 / 34، بحار الأنوار 45 / 53، ينابيع المودّة / 418، نفس المهموم / 189.

(3) الكامل في التاريخ 2 / 572، اللهوف / 54، البداية والنهاية 8 / 204، تاريخ الطبري 4 / 245، الإرشاد / 116.

(4) الشيخ حسين شهيب - أدب الطفّ 10 / 15.

(5) تاريخ الطبري 4 / 346، اللهوف / 54، مقتل الحسين - للخوارزمي 2 / 36.

(6) بحار الأنوار 45 / 56، الإرشاد / 117، وفي تاريخ الطبري 4 / 346 أنّ سنان بن أنس بن عمرو النخعي هو الذي ذبح الحسينعليه‌السلام ثمّ أخذ رأسه، ثمّ دفعه إلى خولى بن يزيد. وعلى هذا القول صاحب البداية والنهاية 8 / 204، والكامل في التاريخ 2 / 572، ومروج الذهب 3 / 76، أمّا في مقاتل الطالبيين فقد ذكر القولين.

(7) وا حسيناه! وا حسيناه! وا حسيناه! وا سيّداه! وا غريباه! وا مظلوماه! وا ذبيحاه!

بالله يــا شـمـر عـنّه دوخّـر

اذبحني او خلّي اخويه احسين وسدر

تگلّــه يــا شـمر بالله دخـلّيه

او مـا شـافه امن الطبرات يبريه

تـشوفه ايـلوج ما غير النَّفَس بيه

او عـينه نـوب يشبحهه او تغمر

دگلّـي يـا كتر خالي امن الجروح

تـحطّ سـيفك يخايب والدمه ايفوح

طـبره فـوگ طبره تشعب الروح

يـشوغ الگلـب من عدها او يفغر

=

١٠٠