تذكرة الفقهاء الجزء ٦

تذكرة الفقهاء11%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-46-9
الصفحات: 333

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 333 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 228511 / تحميل: 5433
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٦

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٤٦-٩
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

وسيأتي(١) .

والنائم لا يسقط عنه الصوم ، فلو نوى من الليل ونام جميع النهار ، صحّ صومه.

وقال بعض الشافعية : لا يصح ، كما لو اُغمي عليه جميع النهار(٢) .

والفرق : أنّ الإِغماء مُخرج عن التكليف.

مسألة ٥٧ : البلوغ شرط في وجوب الصوم بإجماع العلماء‌ ، فلا يجب على الصبي ، سواء كان مميّزاً أم لا ، إلّا في رواية عن أحمد : أنّه يجب عليه الصوم إذا أطاقه(٣) .

ويبطل بالإِجماع والنص :

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( رفع القلم عن ثلاثة : عن الصبي حتى يبلغ ، وعن المجنون حتى يُفيق ، وعن النائم حتى يستيقظ ) رواه العامة(٤) .

ومن طريق الخاصة : رواية معاوية بن وهب عن الصادقعليه‌السلام ، في كم يؤخذ الصبي بالصيام؟ فقال : « ما بينه وبين خمس عشرة سنة وأربع عشرة سنة وإن هو صام قبل ذلك فدعه »(٥) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « على الصبي إذا احتلم الصيام ، وعلى الجارية إذا حاضت الصيام والخمار »(٦) .

____________________

(١) سيأتي في المسألة ٦٠.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٢ ، المجموع ٦ : ٣٤٦ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٥ - ٤٠٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٥.

(٣) المغني ٣ : ٩٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤.

(٤) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٩٤ ، والشرح الكبير ٣ : ١٤.

(٥) الكافي ٤ : ١٢٥ ( باب صوم الصبيان ومتى يؤخذون به ) الحديث ٢ ، الفقيه ٢ : ٧٦ / ٣٣٢ ، التهذيب ٤ : ٣٢٦ / ١٠١٢.

(٦) التهذيب ٤ : ٢٨١ / ٨٥١ ، الاستبصار ٢ : ١٢٣ / ٣٩٨.

١٠١

احتجّ أحمد : بقولهعليه‌السلام : ( إذا أطاق الغلام صيام ثلاثة أيام ، وجب عليه صيام شهر رمضان )(١) .

والحديث مرسل ، وحمل الوجوب على تأكّد الاستحباب ؛ جمعاً بين الأدلّة.

تنبيهٌ :

يستحب تمرين الصبي بالصوم إذا أطاقه ، وحدّه الشيخرحمه‌الله ببلوغ تسع سنين(٢) . وتختلف حاله بحسب المكنة والطاقة.

ولا خلاف بين العلماء في مشروعية ذلك ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أمر ولي الصبي بذلك ، رواه العامة(٣) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « إنّا نأمر صبياننا بالصيام إذا كانوا بني سبع سنين بما أطاقوا من صيام اليوم ، فإذا غلبهم العطش أفطروا »(٤) .

ولاشتماله على التمرين على الطاعات والمنع من الفساد.

تذنيب :

الأقرب : أنّ صومه صحيح شرعي ، ونيته صحيحة‌ ، وينوي الندب لأنّه الوجه الذي يقع عليه فعله ، فلا ينوي غيره.

وقال أبو حنيفة : إنّه ليس بشرعي ، وإنّما هو إمساك عن المفطرات تأديباً(٥) . ولا بأس به.

وقد ظهر بما قلناه أنّ البلوغ شرط في الوجوب لا في الصحة ، وأنّ العقل‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٩٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤ ، وراجع كنز العمال ٨ : ٥٢١ / ٢٣٩٥١.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ٢٦٦.

(٣) اُنظر : المغني ٣ : ٩٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥.

(٤) الكافي ٤ : ١٢٤ - ١٢٥ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٨٢ / ٨٥٣ ، الاستبصار ٢ : ١٢٣ / ٤٠٠.

(٥) قال الشاشي القفّال في حلية العلماء ٣ : ١٧٣ نقلاً عن أبي حنيفة : لا يصحّ صومه. وانظر : بدائع الصنائع ٢ : ٨٧.

١٠٢

شرط فيهما معاً.

مسألة ٥٨ : الإِسلام شرط في صحّة الصوم لا في وجوبه عند علمائنا‌ ؛ لما عرف في اُصول الفقه : أنّ الكافر مخاطب بفروع العبادات ، والكافر لا يصح منه الصوم ، سواء كان كافراً أصلياً ، أو مرتدّاً عن الإِسلام ، كما لا يصحّ منه سائر العبادات.

وهو شرط معتبر في جميع النهار حتى لو طرأت ردّة في أثناء النهار ، بطل الصوم ؛ لأنّه لا يعرف الله تعالى ، فلا يصحّ أن يتقرّب اليه.

ولأنّ شرط صحة الصوم النية ، ولا يصحّ وقوعها منه ، وفوات الشرط يستلزم فوات المشروط.

مسألة ٥٩ : الطهارة من الحيض والنفاس جميع النهار شرط في صحة صوم المرأة بإجماع العلماء‌.

روى العامة عن عائشة قالت : كنّا نحيض على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة(١) .

ومن طريق الخاصة : رواية أبي بصير ، قال : سألت الصادقعليه‌السلام ، عن امرأة أصبحت صائمة في شهر رمضان ، فلمـّا ارتفع النهار ، حاضت ، قال : « تفطر »(٢) .

ولو وجد الحيض في آخر جزء من النهار ، فسد صوم ذلك اليوم إجماعاً.

ولو أمسكت الحائض ونوت الصوم مع علمها بالتحريم ، لم ينعقد صومها ، وكانت مأثومةً عليه ، ويجب عليها القضاء إجماعاً.

مسألة ٦٠ : لعلمائنا في المغمى عليه قولان : أحدهما : أنّه يفسد‌

____________________

(١) سنن الترمذي ٣ : ١٥٤ / ٧٨٧ ، سنن النسائي ٤ : ١٩١ ، وأوردها ابن قدامة في المغني ٣ : ٨٣.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٥٣ / ٧٥٠.

١٠٣

صومه بزوال عقله ، وهو قول الشيخ أبي جعفر(١) ، وأكثر علمائنا(٢) ، وأحد أقوال الشافعي(٣) ، وهو المعتمد ؛ لأنّه بزوال عقله سقط التكليف عنه وجوباً وندباً ، فلا يصحّ منه الصوم مع سقوطه.

ولأنّ كلّ ما يفسد الصوم إذا وجد في جميعه ، أفسده إذا وجد في بعضه ، كالجنون والحيض.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « كلّما غلب الله عليه فليس على صاحبه شي‌ء »(٤) .

والقول الثاني لعلمائنا : إنّه إن سبقت منه النية ، صحّ صومه ، وكان باقياً عليه ، اختاره المفيد(٥) ، وهو ثاني أقوال الشافعي(٦) .

وثالث الأقوال : إنّه إن أفاق في أوله أو وسطه أو آخره ، صحّ صومه ، وإلّا فلا.(٧)

وقال مالك : إن أفاق قبل الفجر واستدام حتى يطلع الفجر ، صحّ صومه ، وإلّا فلا(٨) .

وقال أحمد : إذا أفاق في جزء من النهار ، صحّ صومه(٩) .

وقال أبو حنيفة والمزني : يصحّ صومه وإن لم يفق في شي‌ء منه ؛ لأنّ‌

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٦٦.

(٢) منهم : المحقّق الحلّي في المعتبر : ٣٠٩ ، والفاضل الآبي في كشف الرموز ١ : ٢٩١ و ٢٩٢.

(٣) المهذّب للشيرازي ١ : ١٩٢ ، المجموع ٦ : ٣٤٦ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٦ - ٤٠٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٥ - ٢٠٦.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٤٥ / ٧٢٦.

(٥) المقنعة : ٥٦.

(٦و٧) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٢ ، المجموع ٦ : ٣٤٦ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٦ - ٤٠٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٥ - ٢٠٦.

(٨) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٣ - ١٢٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٧.

(٩) المغني ٣ : ٣٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٦ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٦.

١٠٤

النية قد صحّت ، وزوال الشعور بعد ذلك لا يمنع من صحّة الصوم كالنوم(١) .

والفرق : أنّ النوم جبلّة وعادة ، ولا يزيل العقل ، والإِغماء عارض يزيل العقل ، فأشبه الجنون ، فكان حكمه حكمه.

وأمّا السكران وشارب الـمُرقِد فلا يسقط عنه الفرض ؛ لأنّ الجناية من نفسه ، فلا يسقط الفرض بفعله ، وكذا النائم.

مسألة ٦١ : الاستحاضة ليست مانعة من فعل الصوم وغيره من العبادات‌ ، كالصلاة وشبهها ، إذا فعلت ما تفعله المستحاضة.

ويجب عليها الصوم ، ويصحّ منها مع فعل الأغسال إن وجبت عليها ، لقول الصادقعليه‌السلام في المستحاضة : « تصوم شهر رمضان إلاّ الأيام التي كانت تحيض فيهن ثم تقضيها بعد »(٢) .

ولو أخلّت المستحاضة بالأغسال مع وجوبها عليها ، لم ينعقد صومها ، وتقضيه ؛ لفوات شرطه ، ولا تجب عليها الكفّارة ؛ لأصالة البراءة.

وإنّما يعتبر الغسل في صحة الصوم في حقّ مَن يجب عليها الغسل ، كالمستحاضة الكثيرة الدم ، أمّا التي لا يظهر دمها على الكرسف ، فإنّه لا يعتبر في صومها غسل ولا وضوء.

وأمّا كثير الدم التي يجب عليها غسل واحد ، فإذا أخلّت به ، بطل صومها.

والتي يجب عليها الأغسال الثلاثة لو أخلّت بغُسلَي النهار أو بأحدهما ، بطل صومها.

ولو أخلّت بالغسل الذي للعشاءين ، فالأقرب صحة صومها ؛ لأنّ هذا‌

____________________

(١) مختصر المزني : ٥٧ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٩٢ ، المجموع ٦ : ٣٤٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٦ و ٤٠٧ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٨.

(٢) الكافي ٤ : ١٣٥ - ١٣٦ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٩٤ / ٤٢٠ ، التهذيب ٤ : ٢٨٢ / ٨٥٤ و ٣١٠ / ٩٣٦.

١٠٥

الغسل إنّما يقع بعد انقضاء صوم ذلك اليوم.

مسألة ٦٢ : شرط صحة الصوم الواجب : الحضر أو حكمه‌ ، فلا يصحّ الصوم الواجب في السفر إلّا ما نستثنيه ، عند علمائنا - وبه قال أهل الظاهر وأبو هريرة(١) - لقوله تعالى( فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ اُخَرَ ) (٢) أوجب عوض رمضان عدّة أيام غيره للمسافر ، وإيجابها يستلزم تحريم صوم رمضان ؛ لأنّه لا يصحّ صومه ، ويجب قضاؤه إجماعاً.

وما رواه العامة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( ليس من البِرّ الصيام في السفر )(٣) .

وقالعليه‌السلام . ( الصائم في السفر كالـمُفطر في الحضر )(٤) .

ومن طريق الخاصة : قول معاوية بن عمّار : سمعته يقول : « إذا صام الرجل رمضان في السفر لم يجزئه ، وعليه الإِعادة »(٥) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « لم يكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يصوم في السفر في شهر رمضان ولا غيره»(٦) .

أمّا الندب ففي صحته في السفر قولان : أشهرهما : الكراهة ؛ لأنّ أحمد بن محمد سأل أبا الحسنعليه‌السلام عن الصيام بمكّة والمدينة ونحن سفر ، قال : « فريضة؟ » فقلت : لا ولكنّه تطوّع كما يتطوّع بالصلاة ؛

____________________

(١) المجموع ٦ : ٢٦٤.

(٢) البقرة : ١٨٤ و ١٨٥.

(٣) سنن ابن ماجة ١ : ٥٣٢ / ١٦٦٤ و ١٦٦٥ ، سنن الترمذي ٣ : ٩٠ ذيل الحديث ٧١٠ ، سنن النسائي ٤ : ١٧٥ - ١٧٧ ، مسند أحمد ٥ : ٤٣٤ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٤٢ ، والمعجم الكبير للطبراني ١١ : ١٨٧ / ١١٤٤٧ و ١٢ : ٣٧٤ / ٨٧ ١٣ ، و ٤٤٦ / ١٣٦١٨ ، و ١٩ : ١٧١ - ١٧٥ / ٣٨٥ - ٣٩٩ ، وشرح معاني الآثار ٢ : ٦٣.

(٤) تاريخ بغداد ١١ : ٣٨٣ ، وبتفاوت يسير في سنن ابن ماجة ١ : ٥٣٢ / ١٦٦٦.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٢١ / ٦٤٥.

(٦) التهذيب ٤ : ٢٣٥ - ٢٣٦ / ٦٩١ ، الاستبصار ٢ : ١٠٢ / ٣٣٣.

١٠٦

فقال : « تقول اليوم وغداً؟ » قلت : نعم ، فقال : « لا تصم »(١) وأقلّ مراتب النهي الكراهة.

مسألة ٦٣ : يصحّ الصوم الواجب في السفر في مواضع :

أ - مَن نذر صوم زمان معيَّن ، وشرط في نذره صومه سفراً وحضراً ، فإنّه يجب صومه وإن كان مسافراً ؛ لقوله تعالى( وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا ) (٢) وللرواية(٣) .

ب - صوم ثلاثة أيام لبدل دم المتعة ؛ لقوله تعالى( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ ) (٤) .

ج - صوم ثمانية عشر يوماً لمن أفاض من عرفات عامداً عالماً قبل الغروب‌ وعجز عن البدنة.

د - مَن كان سفره أكثر من حضره ، كالـمُكاري والملّاح والبدوي وباقي الأصناف السابقة ، ومَنْ عزم على مُقام عشرة أيام ، أو كان سفره معصيةً. وقد تقدّم ذلك كلّه في كتاب الصلاة.

وأمّا ما عدا ذلك فيحرم صومه في السفر ؛ لأنّ عمّار الساباطي سأل الصادقعليه‌السلام ، عن الرجل يقول : لله علَيَّ أن أصوم شهراً أو أكثر من ذلك أو أقلّ ، فعرض له أمر لا بدّ له أن يسافر ، أيصوم وهو مسافر؟ قال : « إذا سافر فلْيفطْر ، لأنّه لا يحلّ له الصوم في السفر فريضةً كان أو غيره ، والصوم في السفر معصية »(٥) .

وهو نص في الباب ، وعمّار وإن كان فطحياً إلّا أنّه ثقة اعتمد الشيخرحمه‌الله - على روايته في مواضع.

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٣٥ / ٦٩٠ ، الاستبصار ٢ : ١٠٢ / ٣٣٢.

(٢) البقرة : ١٧٧.

(٣) الكافي ٤ : ١٤٣ / ٩ ، التهذيب ٤ : ٢٣٥ / ٦٨٨ ، الاستبصار ٢ : ١٠١ / ٣٣٠.

(٤) البقرة : ١٩٦.

(٥) التهذيب ٤ : ٣٢٨ / ١٠٢٢.

١٠٧

مسألة ٦٤ : يستحب صوم ثلاثة أيام للحاجة بالمدينة ندباً وإن كان مسافراً‌ ، وهو مستثنى من كراهة صوم النافلة سفراً ؛ لضرورة السفر والمحافظة على الصوم في ذلك الموضع.

روى معاوية بن عمار - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « إن كان لك مقام بالمدينة ثلاثة أيام ، صُمْتَ أول [ يوم ](١) يوم الأربعاء وتصلّي ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي لبابة - وهي الاسطوانة التي كان يربط إليها نفسه حتى ينزل عذره من السماء - وتقعد عندها يوم الأربعاء ، ثم تأتي ليلة الخميس [ الاسطوانة ](٢) التي تليها ممّا يلي مقام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ليلتك ويومك ، وتصوم يوم الخميس ، ثم تأتي الأسطوانة التي تلي مقام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ومصلّاه ليلة الجمعة ، فتصلّي عندها ليلتك ويومك ، وتصوم يوم الجمعة ، وإن استطعت أن لا تتكلّم بشي‌ء في هذه الأيّام إلّا ما لا بدّ لك منه ولا تخرج من المسجد إلّا لحاجة ولا تنام في ليل ولا نهار ، فافعل فإنّ ذلك ممّا يعدّ فيه الفضل »(٣) الحديث.

مسألة ٦٥ : المريض الذي يضرّه الصوم‌ إمّا بزيادة أو استمرار أو منع برئه لا يجوز له الصوم ، فإن تكلّفه وصام ، لم يصح ؛ لأنّه منهي عنه بقوله تعالى( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) (٤) والنهي في العبادات(٥) يدلّ على الفساد.

ولو قدر على الصوم ولا ضرر عليه بسببه البتة ، وجب عليه الصوم.

مسألة ٦٦ : قد بيّنّا أنّ المغمى عليه يسقط عنه الصوم‌ ، وقد اضطرب‌

____________________

(١و٢) زيادة من المصدر.

(٣) التهذيب ٦ : ١٦ / ٣٥.

(٤) البقرة : ١٨٤.

(٥) في « ط » : العبادة.

١٠٨

قول الشافعي فيه ، وأثبت الأصحاب(١) في المسألة له طريقين : إثبات الخلاف ونفيه.

أمّا المثبتون للخلاف فلهم طُرُق ، أظهرها : أنّ المسألة على ثلاثة أقوال ، أصحّها : أنّه إذا كان مُفيقاً في أول النهار(٢) ، صحّ صومه - وبه قال أحمد - لاقتضاء الدليل اشتراط النية مقرونةً بجميع أجزاء العبادة ، إلّا أنّ الشرع لم يشترط ذلك ، واكتفى بتقديم العزم ، دفعاً للعسر ، فلا بدّ وأن يقع المعزوم عليه بحيث يتصوّر القصد ، وإمساك المغمى عليه لم يقع مقصوداً ، فإذا استغرق الإغماء ، امتنع التصحيح ، وإذا وجدت الإِفاقة في لحظة ، أتبعنا زمان الإِغماء زمان الإِفاقة.

والثاني : اشتراط الإِفاقة في أول النهار - وبه قال مالك - لأنّها حالة الشروع في الصوم ، فينبغي أن تجتمع فيه صفات الكمال ، ولهذا خصّ أول الصلاة باشتراط النية فيه(٣) .

والطريق الثاني : أنّه ليس في المسألة إلّا قولان : الأول والثاني.

والثالث(٤) : أنّ المسألة على خمسة أقوال : هذه الثلاثة وقولان آخران :

أحدهما ما ذكره المزني ، وهو : أنّه إذا نوى من الليل ، صحّ صومه وإن استغرق الإِغماء جميع النهار كالنوم. وخرَّجه من النوم. وبه قال أبو حنيفة.

والثاني : أنّه تشترط الإِفاقة في طرفي النهار وقت طلوع الشمس وغروب الشمس ؛ لأنّ الصلاة لمـّا اعتبرت النية فيها ولم تعتبر في جميعها اعتبرت في‌

____________________

(١) أي : الأصحاب من الشافعية.

(٢) كذا في النسخ الخطية والطبعة الحجرية ، وهو متّحد مع القول الثاني الآتي بعد عدّة أسطر. ومن سياق العبارة ومراجعتنا للمصادر نستظهر أن تكون العبارة هكذا : في أول النهار أو وسطه أو آخره. أو : في جزء من النهار.

(٣) لم يذكر المصنّف -قدس‌سره - القول الثالث لهم وهو : اشتراط الإِفاقة في جميع النهار. راجع : فتح العزيز ٦ : ٤٠٧.

(٤) أي : الطريق الثالث.

١٠٩

طرفيها ، كذلك حكم الإِفاقة في الصوم.

وأمّا النافون للخلاف ، فلهم طريقان :

أحدهما : أنّ المسألة على قول واحد ، وهو : اشتراط الإِفاقة في أول النهار.

وأظهرهما : أنّ المسألة على قول واحد ، وهو : اشتراط الإِفاقة في جزء من النهار(١) .

ولو نوى من الليل ثم شرب مُرقداً فزال عقله نهاراً ، فالأقرب : وجوب القضاء.

ورتّب الشافعية ذلك على الإِغماء ، فإن قالوا : لا يصحّ الصوم في الإِغماء ، فهنا أولى ، وإن قالوا : يصحّ ، فوجهان ، والأصحّ عندهم : وجوب القضاء ؛ لأنّه بفعله(٢) .

ولو شرب المسكر ليلا وبقي سكره في جميع النهار ، فعليه القضاء ، وإن بقي بعض النهار ثم صحا ، فهو كالإِغماء في بعض النهار عند الشافعية(٣) .

وقد رتّب الجويني للاختلال مراتب :

أ - الجنون ، وهو يسلب خواص الإِنسان‌ ويكاد يلحقه بالبهائم.

ب - الإِغماء ، وهو يغشى العقل ويغلب عليه‌ حتى لا يبقى في دفعه اختيار.

ج - النوم ، وهو مزيل للتميز لكنه سهل الإِزالة ، والعقل معه كالشي‌ء المستور الذي يسهل الكشف عنه.

د - الغفلة ، ولا أثر لها في الصوم إجماعاً(٤) .

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٤٠٦ - ٤٠٧.

(٢و٣) فتح العزيز ٦ : ٤٠٨.

(٤) فتح العزيز ٦ : ٤٠٨ - ٤٠٩.

١١٠

١١١

الفصل السادس

في الزمان الذي يصحّ صومه‌

مسألة ٦٧ : محلّ الصوم إنّما هو النهار دون الليل‌ ؛ للنصّ والإِجماع.

قال الله تعالى( فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) (١) .

وأجمع المسلمون كافة على ذلك.

ولو نذر صوم الليل ، لم ينعقد نذره ؛ لأنّه نذر الصوم في الليل وليس محلاً له ، فلم يكن الإِمساك فيه عبادة شرعية ، فلا ينعقد.

ولا فرق بين أن يُفرده عن النهار في الصوم أو يضمّه اليه ؛ لأنّه لا يصحّ صومه بانفراده ، فلا يصح منضمّاً الى غيره ، ولا ينعقد صوم النهار حينئذٍ ؛ لأنّ المجموع لا يصحّ صومه ، ولا ينعقد نذره ؛ لأنّه نذر معصية ، فلا ينعقد نذر صوم النهار.

مسألة ٦٨ : ويحرم صوم يومي العيدين في فرض أو نفل‌ ، فإن صام واحداً منهما أو صامهما ، فعل مُحرّماً ، ولم يجزئه عن الفرض بإجماع علماء‌

____________________

(١) البقرة : ١٨٧.

١١٢

الأمصار ؛ لما رواه العامة عن أبي هريرة أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، نهى عن صيام يومين : يوم فطر ويوم أضحى(١) ، والنهي يدلّ على التحريم.

ومن طريق الخاصة : ما رواه الزهري عن سيد العابدينعليه‌السلام ، قال في حديث طويل ذكر فيه وجوه الصيام : « وأمّا الصوم الحرام فصوم يوم الفطر ويوم الأضحى »(٢) الحديث.

مسألة ٦٩ : لو نذر صوم يومي العيدين‌ ، لم ينعقد نذره ولم يصر العيد قابلاً لإِيقاع الصوم فيه باعتبار النذر - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّه محرَّم شرعاً إجماعاً ، فلا يصح نذره.

ولأنّه معصية ؛ لأنّه منهي عنه ؛ لقولهعليه‌السلام : ( ألا لا تصوموا هذه الأيام )(٤) فلا يتقرّب بالنذر فيه الى الله تعالى ؛ لتضادّ الوجهين.

ولقولهعليه‌السلام : ( لا نذر في معصية )(٥) .

ولأنّه نذر صوماً محرَّماً فلم ينعقد ، كما لو نذرت صوم أيام حيضها.

ولأنّ ما لا يصحّ صومه عن النذر المطلق والكفّارة لا يصحّ عن النذر المعيّن فيه كأيّام الحيض والنفاس.

وقال أبو حنيفة : صومه محرَّم ، ولو نذره انعقد ، ولزمه أن يصوم غيره ، وإن صام فيه أجزأه - ولو صام فيه عن نذر مطلق ، لم يجزئه - لأنّه نذر صوم يوم مع أهليته للصوم فيه ، فانعقد نذره كسائر الأيام(٦) .

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٧٩٩ / ١١٣٨ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٩٧.

(٢) الكافي ٤ : ٨٥ / ١ ، الفقيه ٢ : ٤٧ / ٢٠٨ ، التهذيب ٤ : ٢٩٦ / ٨٩٥.

(٣) المجموع ٨ : ٤٨٢ ، الوجيز ٢ : ٢٣٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣٨٦.

(٤) سنن الدار قطني ٢ : ١٨٧ / ٣٣ ، و ٢١٢ / ٣٣.

(٥) سنن أبي داود ٣ : ٢٣٢ / ٣٢٩٠ و ٢٣٣ / ٣٢٩٢ ، سنن الترمذي ٤ : ١٠٣ - ١٠٤ / ١٥٢٤ و ١٥٢٥ ، سنن ابن ماجة ١ : ٦٨٦ / ٢١٢٤ و ٢١٢٥ ، سنن النسائي ٧ : ٢٦ - ٣٠ ، المستدرك - للحاكم - ٤ : ٣٠٥ ، سنن البيهقي ١٠ : ٦٩.

(٦) المبسوط للسرخسي ٣ : ٩٥ - ٩٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ٧٩ - ٨٠ ، الهداية للمرغيناني ١ : =

١١٣

ونمنع أهليته للصوم ؛ لورود النهي عنه(١) .

مسألة ٧٠ : ويحرم صوم أيام التشريق‌ - وهي الحادي عشر من ذي الحجة والثاني عشر والثالث عشر - لمن كان بمنى خاصة في الفرض والنفل عند علمائنا.

وقد قال أكثر أهل العلم بأنّه لا يحلّ صيامها تطوّعاً(٢) ؛ لأنّ العامة روت عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله عزّ وجل )(٣) .

وعن عبد الله بن حذافة قال : بعثني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أيام منى اُنادي : أيّها الناس إنّها أيام أكل وشرب وبعال(٤) (٥) ؛ يعني أيام التشريق.

ومن طريق الخاصة : رواية الزهري عن زين العابدينعليه‌السلام : « وأما صوم الحرام فصوم يوم الفطر ويوم الأضحى وثلاثة أيام التشريق »(٦) .

وأمّا صومها في الفرض : فعندنا أنّه لا يجوز ؛ لما تقدّم من الأخبار من طريق العامة والخاصة ، وبه قال أبو حنيفة(٧) .

وقال مالك : يجوز(٨) .

____________________

= ١٣١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٨٦ ، المجموع ٦ : ٤٤٠ و ٨ : ٤٨٢ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٩ - ٤١٠ و ٤١٦ ، المغني ١١ : ٣٦٠ ، الشرح الكبير ١١ : ٣٤٨.

(١) صحيح مسلم ٢ : ٧٩٩ / ١١٣٨ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٩٧.

(٢) المغني ٣ : ١٠٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١١١ - ١١٢.

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٨٠٠ - ١١٤١ ، مسند أحمد ٥ : ٧٥ ، وأوردها ابنا قدامة في المغني ٣ : ١٠٤ ، والشرح الكبير ٣ : ١١١.

(٤) البعال : النكاح وملاعبة الرجل أهله. النهاية لابن الأثير ١ : ١٤١.

(٥) سنن الدارقطني ٢ : ٢١٢ - ٣٢ ، وأورده ابن قدامة في المغني ٣ : ١٠٤.

(٦) الكافي ٤ : ٨٥ / ١ ، الفقيه ٢ : ٤٧ / ٢٠٨ ، التهذيب ٤ : ٢٩٦ / ٨٩٥.

(٧) المبسوط للسرخسي ٣ : ٨١ ، بدائع الصنائع ٢ : ٧٩ ، المجموع ٦ : ٤٤٥.

(٨) بداية المجتهد ١ : ٣٠٩ ، فتح العزيز ٦ : ٤١٠ و ٤١٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٤ ، المجموع ٦ : ٤٤٥.

١١٤

وللشافعي قولان : القديم : الجواز ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، رخّص للمتمتّع إذا لم يجد الهَدي ولم يَصُم الثلاثة في العَشر أن يصوم أيام التشريق. والجديد : التحريم(١) .

واعلم : أنّ بعض الشافعية خصّ جواز صومها بالمتمتّع في بدل الهدي ، ومنع غيره ؛ لأنّ النهي عام ، والرخصة وردت في حقّ المتمتّع خاصة ، وهو قول أكثرهم(٢) .

وقال بعضهم : إنّه يجوز صومها لغيره ؛ لأنّ تجويز صومها للمتمتّع إنّما كان لأنّه صوم له سبب ، فيجوز مثل هذا الصوم لكلّ أحد ، دون التطوّعات المحضة(٣) .

فروع :

أ - قيّد أصحابنا التحريم لمن كان بمنى ، فلو كان في غيرها من الأمصار ، لم يحرم صوم أيام التشريق عليه ؛ لأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادقعليه‌السلام ، عن الصائم(٤) أيام التشريق ، فقال : « أمّا بالأمصار فلا بأس به ، وأمّا بمنى فلا »(٥) .

ب - هل التحريم مطلق على من كان بمنى ، أو بشرط أن يكون ناسكا؟ فيه إشكال.

ج - لو نذر صوم أيام التشريق ، فإن كان بمنى ، لم ينعقد نذره ؛ لأنّه صوم محرَّم ، وان كان بغيرها ، صحّ.

د - قال الشيخ في النهاية : صوم ثلاثة أيام : يوم قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة ، فإن فاته صوم هذه ، فليصم يوم الحصبة - وهو يوم النفر - ويومان‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٦ ، المجموع ٦ : ٤٤٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤١٠ - ٤١١ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٤ ، وراجع : سنن الدار قطني ٢ : ١٨٦ / ٢٩.

(٢و٣) فتح العزيز ٦ : ٤١١ - ٤١٢.

(٤) في التهذيب : صيام. وفي الاستبصار : الصيام.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٩٧ / ٨٩٧ ، الاستبصار ٢ : ١٣٢ / ٤٢٩.

١١٥

بعده متواليات(١) .

ويشكل : بأنّ يوم الحصبة من جملة أيام التشريق.

مسألة ٧١ : لو نذر صوم يوم معيّن كالسبت مثلاً ، فاتّفق أنّه أحد العيدين ، أو أيام التشريق‌ ، لم يجز صومه.

والأقوى : بطلان النذر ؛ لأنّه لم يصادف محلاً.

ويحرم صوم يوم الشك بنية أنّه من رمضان أو أنّه إن كان من رمضان ، كان واجباً ، وإن كان من غير رمضان(٢) ، كان ندباً ، وقد سبق(٣) ذلك كله.

* * *

____________________

(١) النهاية : ٢٥٤ - ٢٥٥.

(٢) في الطبعة الحجرية : من شعبان ، بدل من غير رمضان.

(٣) سبق في الفرع ( أ ) من المسألة ٨.

١١٦

١١٧

الفصل السابع

في أقسام الصوم‌

أقسام الصوم أربعة :

واجب ومندوب ومكروه ومحظور

فالواجب من الصوم ستة : شهر رمضان والكفّارات ودم المتعة والنذر وشبهه ، والاعتكاف على وجه ، وقضاء الواجب ، فهنا مطالب :

الأول : في شهر رمضان ، وفيه مباحث :

البحث الأول : في علامته.

يعلم دخول شهر رمضان وغيره من الشهور بأحد اُمور ثلاثة : إمّا رؤية الهلال أو الإِخبار أو الحساب.

النظر الأول :

في رؤية الهلال‌

مسألة ٧٢ : أجمع العلماء كافة على أنّ رؤية الهلال للزائد على الواحد سبب في وجوب الصوم في شهر رمضان‌ ، وعلامة على دخوله.

قال الله تعالى :( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنّاسِ وَالْحَجِّ ) (١) دلّ على أنّه تعالى اعتبر الأهلّة في تعرّف أوقات الحجّ وغيره ممّا‌

____________________

(١) البقرة : ١٨٩.

١١٨

يعتبر فيه الوقت.

وأجمع المسلمون من عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الى زماننا هذا على اعتبار الهلال والترائي له ، والتصدّي لإِبصاره ، وقد كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يتصدّى لرؤيته ويتولّاها(١) .

وشرّععليه‌السلام قبول الشهادة(٢) عليه ، والحكم في مَن شهد بذلك في مصر من الأمصار ، ومَن جاء بالخبر من خارج المصر ، وحكم المخبر به في الصحو ، وخبر مَن شهد برؤيته مع العوارض ؛ وذلك يدلّ على أنّ رؤية الهلال أصل من اُصول الدين معلوم ضرورة من شرع الرسولعليه‌السلام ، والأخبار متواترة بذلك ، ولا نعلم فيه خلافاً.

وقد سئل الصادقعليه‌السلام عن الأهلّة ، فقال : « هي أهلّه الشهور ، فإذا رأيت الهلال فصُم ، وإذا رأيته فأفطر »(٣) .

مسألة ٧٣ : ويلزم صوم رمضان مَن رأى الهلال‌ وإن كان واحداً انفرد برؤيته ، سواء كان عدلاً أو غير عدل ، شهد عند الحاكم أو لم يشهد ، قُبلت شهادته أو ردّت ، ذهب إليه علماؤنا أجمع - وبه قال مالك والليث والشافعي وابن المنذر وأصحاب الرأي(٤) - لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( صُوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته )(٥) وتكليف الرسول صلّى الله عليه‌

____________________

(١) راجع : سنن الدارمي ٢ : ٣ - ٤.

(٢) راجع : سنن الترمذي ٣ : ٧٤ / ٦٩١ ، وسنن الدار قطني ٢ : ١٥٦ / ١ و ٣ و ١٥٨ - ١٥٩ / ٧ - ١٤ ، وسنن البيهقي ٤ : ٢٤٩ ، وسنن الدارمي ٢ : ٤ - ٥.

(٣) الكافي ٤ : ٧٦ / ١ ، التهذيب ٤ : ١٥٦ - ١٥٧ / ٤٣٤ ، الإستبصار ٢ : ٦٣ / ٢٠٤.

(٤) المدونة الكبرى ١ : ١٩٣ ، بداية المجتهد ١ : ٢٨٥ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٧ ، المجموع ٦ : ٢٨٠ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٣ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ٨٠ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٠ ، المغني ٣ : ٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ١١.

(٥) صحيح مسلم ٢ : ٧٦٢ / ١٨ و ١٩ ، صحيح البخاري ٣ : ٣٥ ، سنن الترمذي ٣ : =

١١٩

وآله كما يتناول الواحد يتناول الجميع وبالعكس.

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن الأهلّة : « هي أهلّه الشهور ، فإذا رأيت الهلال فصُم ، وإذا رأيته فأفطر »(١) .

ولأنّه يتيقّن أنّه من رمضان ، فلزمه صومه ، كما لو حكم به الحاكم.

ولأنّ الرؤية أبلغ في باب العلم من الشاهدَين ، بل الشاهدان يفيدان الظنّ ، والرؤية تفيد القطع ، فإذا تعلّق حكم الوجوب بأضعف الطريقين فبالأقوى أولى.

وقال عطاء والحسن وابن سيرين وإسحاق : إذا انفرد الواحد برؤية الهلال ، لا يصوم - وعن أحمد روايتان(٢) - لأنّه يوم محكوم به من شعبان ، فأشبه التاسع والعشرين(٣) .

ونمنع الحكم بكونه من شعبان في حق الرائي ، لأنّه يتيقّن أنّه من شهر رمضان ، فلزمه صيامه كالعدل.

إذا ثبت هذا ، فإن أفطر هذا المنفرد ، وجب عليه الكفّارة عند علمائنا أجمع ؛ لأنّه أفطر يوماً من رمضان ، فوجب عليه الكفّارة ، كما لو قُبلت شهادته.

وقال أبو حنيفة : لا تجب عليه الكفّارة ؛ لأنّها عقوبة ، فلا تجب بفعل مختلف فيه كالحدّ(٤) .

____________________

= ٧٢ / ٦٨٨ ، سنن النسائي ٤ : ١٣٣ و ١٣٦ و ١٥٤ ، سنن الدارمي ٢ : ٢ و ٣ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٥٨ / ٧ و ١٦٠ - ١٦١ / ١٥ و ٢٠ و ١٦٢ - ١٦٣ / ٢٧ و ٢٨ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٤٧.

(١) التهذيب ٤ : ١٥٥ / ٤٣٠ ، الاستبصار ٢ : ٦٢ - ٦٣ / ٢٠٠.

(٢) المغني ٣ : ٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ١١.

(٣) المغني ٣ : ٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ١١ ، المجموع ٦ : ٢٨٠ ، بداية المجتهد ١ : ٢٨٥.

(٤) المبسوط للسرخسي ٣ : ٦٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ٨٠ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٠ ، المجموع ٦ : ٢٨٠ ، المغني ٣ : ٩٦ ، بداية المجتهد ١ : ٢٨٦ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٩ - ٤٥٠.

١٢٠

ونمنع كون الكفّارة عقوبةً ، وينتقض قياسه بوجوب الكفّارة في السفر القصير مع وقوع الخلاف فيه.

مسألة ٧٤ : يستحب الترائي للهلال ليلة الثلاثين من شعبان ورمضان‌ ، وتطلّبه ؛ ليحتاطوا بذلك لصيامهم ، ويسلموا من الاختلاف.

وقد روى العامّة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ( أحصوا هلال شعبان لرمضان )(١) .

ومن طريق الخاصة : ما روي عن الباقرعليه‌السلام ، قال : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مَن ألحق في شهر رمضان يوماً من غيره متعمّداً ، فليس يؤمن بالله ولا بي »(٢) .

ولأنّ الصوم واجب في أول رمضان ، وكذا الإِفطار في العيد ، فيجب التوصّل إلى معرفة وقتهما ؛ لأنّ ما لا يتمّ الواجب إلّا به فهو واجب.

مسألة ٧٥ : يستحب لرائي الهلال الدعاء‌ ؛ لأنّه انتقال من زمان الى آخر ، فاستحبّ فيه الدعاء بطلب الخير فيه.

روى العامّة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان يقول إذا رأى الهلال : ( الله أكبر ، اللّهم أهلّه علينا بالأمن والإِيمان ، والسلامة والإِسلام ، والتوفيق لما تحبّ وترضى ، ربّي وربّك الله )(٣) .

ومن طريق الخاصة : قول الباقرعليه‌السلام : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان إذا أهلّ شهر رمضان ، استقبل القبلة ، ورفع يديه ، وقال : اللّهم أهلّه علينا بالأمن والإِيمان ، والسلامة والإِسلام ، والعافية المجلّلة(٤) ،

____________________

(١) سنن الدار قطني ٢ : ١٦٢ - ١٦٣ / ٢٨ ، سنن الترمذي ٣ : ٧١ / ٦٨٧.

(٢) التهذيب ٤ : ١٦١ / ٤٥٤.

(٣) سنن الدارمي ٢ : ٣ - ٤ ، كنز العمّال ٨ : ٥٩٥ / ٢٤٣٠٩ نقلاً عن تأريخ ابن عساكر ، المعجم الكبير للطبراني ١٢ : ٣٥٦ / ١٣٣٣٠ ، وأوردها ابنا قدامة في المغني ٣ : ١٠ ، والشرح الكبير ٣ : ٥ ، وقالا : رواه الأثرم.

(٤) جلّل الشي‌ءُ ، أي : عمّ. لسان العرب ١١ : ١١٨ « جلل ».

١٢١

والرزق الواسع ، ودفع الأسقام ، اللّهم ارزقنا صيامه وقيامه وتلاوة القرآن فيه ، اللّهم سلّمه لنا ، وتسلّمه منّا ، وسلّمنا فيه »(١) .

وكان أمير المؤمنينعليه‌السلام ، إذا اُهلّ هلال رمضان أقبل الى القبلة ، وقال : « اللّهم أهلّه علينا بالأمن والإِيمان ، والسلامة والإِسلام ، والعافية المجلّلة ، اللّهم ارزقنا صيامه وقيامه وتلاوة القرآن فيه ، اللّهم تقبّله لنا ، وتسلّمه منّا ، وسلّمنا فيه »(٢) .

وكانعليه‌السلام أيضاً يقول : « إذا رأيت الهلال ، فلا تبرح وقُل : اللّهم إنّي أسألك خير هذا الشهر وفتحه ونوره ونصره وبركته وطهوره ورزقه ، أسألك خير ما فيه وخير ما بعده ، وأعوذ بك من شرّ ما فيه وشرّ ما بعده ، اللّهم أدخله علينا بالأمن والإِيمان ، والسلامة والإِسلام ، والبركة والتقوى ، والتوفيق لما تحبّ وترضى »(٣) .

وكان من قول أمير المؤمنينعليه‌السلام أيضاً عند رؤية الهلال : « أيّها الخلق المطيع ، الدائب(٤) السريع ، المتردّد في فلك التدوير(٥) ، المتصرّف في منازل التقدير ، آمنت بمن نوّر بك الظُلَم ، وأضاء بك البهم ، وجعلك آيةً من آيات سلطانه ، وامتهنك(٦) بالزيادة والنقصان والطلوع والاُفول ، والإِنارة والكسوف ، في كلّ ذلك أنت له مطيع ، والى إرادته سريع ، سبحانه ما أحسن‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٧٠ - ٧١ / ١ ، التهذيب ٤ : ١٩٦ - ١٩٧ / ٥٦٢.

(٢) الكافي ٤ : ٧٣ - ٧٤ / ٤ ، التهذيب ٤ : ١٩٧ / ٥٦٣.

(٣) الكافي ٤ : ٧٦ / ٩ ، الفقيه ٢ : ٦٢ / ٢٦٨ ، التهذيب : ١٩٧ / ٥٦٤.

(٤) الدأب : الجدّ في العمل. مجمع البحرين ٢ : ٥٤.

(٥) في المصدر : التدبير.

(٦) في النسخ الخطية : وامتحنك ؛ بدل وامتهنك. وامتهنه ، أي : استعمله للمهنة. والمهنة : الخدمة. لسان العرب ١٣ : ٤٢٤ و ٤٢٥.

١٢٢

ما دبّر ، وأتقن ما صنع في ملكه ، وجعلك الله [ هلال ](١) شهر حادث لأمر حادث ، جعلك الله هلال أمن وأمان ، وسلامة وإسلام ، هلال أمن(٢) من العاهات ، وسلامة من السيّئات ، اللّهم اجعلنا أهدى مَن طلع عليه ، وأزكى مَن نظر اليه ، وصلّ على محمد وآله ، وافعل بي كذا وكذا يا أرحم الراحمين »(٣) .

مسألة ٧٦ : إذا رأى الهلالَ أهلُ بلد ، ولم يره أهل بلد آخر‌ ، فإن تقاربت البُلدان كبغداد والكوفة ، كان حكمهما واحداً : يجب الصوم عليهما معاً ، وكذا الإِفطار ، وإن تباعدتا كبغداد وخراسان والحجاز والعراق ، فلكلّ بلد حكم نفسه ، قاله الشيخ(٤) ، وهو المعتمد ، وبه قال أبو حنيفة ، وهو قول بعض الشافعية ، ومذهب القاسم وسالم وإسحاق(٥) ؛ لما رواه كُرَيب أنّ اُمّ الفضل بنت الحارث بَعَثَته إلى معاوية بالشام ، قال : قدمت الشام فقضيت بها حاجتي واستهلّ عليّ رمضان ، فرأينا الهلال ليلة الجمعة ؛ ثم قدمت المدينة في آخر الشهر ، فسألني عبد الله بن عباس وذكر الهلال ، فقال : متى رأيتم الهلال؟ فقلت : ليلة الجمعة ، فقال : أنت رأيته؟ قلت : نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية ؛ فقال : لكنّا رأيناه ليلة السبت ، فلا نزال نصوم حتى نكمل العدّة أو نراه ؛ فقلت : أوَ لا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ قال : لا ، هكذا أمرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٦) .

____________________

(١) ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

(٢) في النسخ الخطية : أمنه.

(٣) الفقيه ٢ : ٦٣ / ٢٧٠.

(٤) المبسوط للطوسي ١ : ٢٦٨.

(٥) فتح العزيز ٦ : ٢٧١ - ٢٧٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٦٨ ، المجموع ٦ : ٢٧٣ و ٢٧٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٠ ، المغني ٣ : ١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٧.

(٦) صحيح مسلم ٢ : ٧٦٥ / ١٠٨٧ ، سنن الترمذي ٣ : ٧٦ - ٧٧ / ٦٩٣ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٩٩ - ٣٠٠ / ٢٣٣٢ ، سنن النسائي ٤ : ١٣١ ، سنن الدار قطني ٢ : ١٧١ / ٢١ ، =

١٢٣

ولأنّ البُلدان المتباعدة تختلف في الرؤية باختلاف المطالع والأرض كرة ، فجاز أن يرى الهلال في بلد ولا يظهر في آخر ؛ لأنّ حَدَبَة(١) الأرض مانعة من رؤيته ، وقد رصد ذلك أهل المعرفة ، وشُوهد بالعيان خفاء بعض الكواكب القريبة لـمَن جدّ في السير نحو المشرق وبالعكس.

وقال بعض الشافعية : حكم البلاد كلّها واحد ، متى رئي الهلال في بلد وحكم بأنّه أول الشهر ، كان ذلك الحكم ماضياً في جميع أقطار الأرض ، سواء تباعدت البلاد أو تقاربت ، اختلفت مطالعها أو لا - وبه قال أحمد بن حنبل والليث بن سعد(٢) ، وبعض علمائنا - لأنّه يوم من شهر رمضان في بعض البلاد للرؤية ، وفي الباقي بالشهادة ، فيجب صومه ؛ لقوله تعالى( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) (٣) .

وقولهعليه‌السلام : ( فرض الله صوم شهر رمضان )(٤) وقد ثبت أنّ هذا اليوم منه.

ولأنّ الدَّين يحلّ به ، ويقع به النذر المعلّق عليه.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « فإن شهد أهل بلد آخر فاقضه »(٥) .

وقالعليه‌السلام ، في مَن صام تسعة وعشرين ، قال : « إن كانت له بيّنة عادلة على أهل مصر أنّهم صاموا ثلاثين على رؤية ، قضى يوماً »(٦) .

ولأنّ الأرض مسطّحة ، فإذا رئي في بعض البلاد عرفنا أنّ المانع في‌

____________________

= سنن البيهقي ٤ : ٢٥١.

(١) الحَدَبَة : ما أشرف من الأرض وغلظ وارتفع. لسان العرب ١ : ٣٠١.

(٢) فتح العزيز ٦ : ٢٧٢ ، المجموع ٦ : ٢٧٣ و ٢٧٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٨١ ، المغني ٣ : ١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٧.

(٣) البقرة : ١٨٥.

(٤) صحيح البخاري ٣ : ٣١ ، سنن النسائي ٤ : ١٢١ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٠١ نقلاً بالمعنى.

(٥) التهذيب ٤ : ١٥٧ - ١٥٨ / ٤٣٩ ، الاستبصار ٢ : ٦٤ / ٢٠٦.

(٦) التهذيب ٤ : ١٥٨ / ٤٤٣.

١٢٤

غيره شي‌ء عارض ؛ لأنّ الهلال ليس بمحل الرؤية.

ونمنع كونه يوماً من رمضان في حق الجميع ؛ فإنه المتنازع ، ولا نسلّم التعبّد بمثل هذه الشهادة ؛ فإنّه أول المسألة.

وقول الصادقعليه‌السلام محمول على البلد المقارب لبلد الرؤية ؛ جمعاً بين الأدلّة.

ونمنع تسطيح الأرض ، بل المشهور : كرؤيتها.

فروع :

أ - اختلفت الشافعية في الضابط لتباعد البلدين ، فبعضهم اعتبر مسافة القصر(١) .

وقال بعضهم : الاعتبار بمسافة يظهر في مثلها تفاوت في المناظر ، فقد يوجد التفاوت مع قصور المسافة عن مسافة القصر ؛ للارتفاع والانخفاض ، وقد لا يوجد مع مجاوزتها لها ؛ وهذا لا قائل به(٢) .

وبعضهم اعتبر ما قلناه وضبطوا التباعد : بأن يكون بحيث تختلف المطالع ، كالحجاز والعراق ، والتقارب : بأن لا تختلف ، كبغداد والكوفة(٣) .

ومنهم مَن اعتبر اتّحاد الإِقليم واختلافه(٤) .

ب - لو شرع في الصوم في بلد ثم سافر الى بلد بعيد لم يُرَ الهلال فيه في يومه الأول ، فإن قلنا : لكلّ بلدة حكمها ، فهل يلزمه أن يصوم معهم أم(٥) يفطر؟ وجهان : أحدهما : أنّه يصوم معهم - وهو قول بعض الشافعية(٦) - لأنّه بالانتقال الى بلدهم أخذ حكمهم ، وصار من جملتهم.

والثاني : أنّه يفطر ؛ لأنّه التزم حكم البلدة الاُولى ، فيستمرّ عليه ، وشبّه‌

____________________

(١ - ٤ ) فتح العزيز ٦ : ٢٧٣ - ٢٧٥ ، والمجموع ٦ : ٢٧٣.

(٥) في « ط » والطبعة الحجرية : « أو » بدل « أم ».

(٦) فتح العزيز ٦ : ٢٧٧.

١٢٥

ذلك بمن اكترى دابة لزمه الكراء بنقد البلد المنتقل عنه.

وإن عمّمنا الحكم سائر(١) البلاد ، فعلى أهل البلدة المنتقل اليها موافقته إن ثبت عندهم حال البلدة المنتقل عنها إمّا بقوله ؛ لعدالته ، أو بطريق آخر ، وعليهم قضاء اليوم الأول.

ج - لو سافر من البلدة التي يُرى(٢) فيها الهلال ليلة الجمعة الى التي يُرى(٣) فيها الهلال ليلة السبت ، ورؤي هلال شوّال ليلة السبت ، فعليهم التعييد معه وإن لم يصوموا إلّا ثمانية وعشرين يوماً ، ويقضون يوماً.

وعلى قياس الوجه الأول لا يلتفتون الى قوله : رأيت الهلال ، وإن قُبِل في الهلال قولُ عدل.

وعلى عكسه لو سافر من حيث لم يُرَ فيه الهلالُ الى حيث رؤي ، فيعيّدوا التاسع والعشرين من صومه ، فإن(٤) عمّمنا الحكم ، وقلنا : حكمه حكم البلد المنتقل اليه ، عيَّد معهم ، وقضى يوماً ، وإن لم نعمّم الحكم وقلنا : إنّه بحكم البلد المنتقل عنه ، فليس له أن يفطر.

د - لو رؤي الهلال في بلد ، فأصبح الشخص معيِّداً ، وسارت به السفينة ، وانتهى الى بلدة على حدّ البُعد ، فصادف أهلها صائمين ، احتمل أن يلزمه إمساك بقية اليوم حيث قلنا : إنّ كلّ بلدة لها حكمها ، وعدمه ؛ لأنّه لم يرد فيه أثر ، ويجزئه اليوم الواحد ، وإيجاب إمساك بعضه بعيد.

ولو انعكس الحال ، فأصبح الرجل صائماً ، وسارت به السفينة الى حيث عيّدوا ، فإن عمّمنا الحكم أو قلنا : إنّ حكمه حكم البلدة المنتقل اليها ، أفطر ، وإلّا فلا.

وإذا أفطر ، قضى يوماً ؛ لأنّه لم يَصُم إلّا ثمانية وعشرين يوماً.

____________________

(١) « سائر » منصوب بنزع الخافض.

(٢ و ٣ ) الأنسب في الموضعين : رؤي.

(٤) في النسخ الخطية والطبعة الحجرية : « وإن » بدل « فإن » وما أثبتناه يقتضيه السياق.

١٢٦

مسألة ٧٧ : إذا رؤي الهلال يوم الثلاثين ، فهو للمستقبلة(١) ‌، سواء رؤي قبل الزوال أو بعده ، فإن كان هلالَ رمضان ، لم يلزمهم صيام ذلك اليوم ، وإن كان هلالَ شوّال ، لم يَجُز لهم الإِفطار إلّا بعد غروب الشمس ، عند علمائنا أجمع - وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة(٢) - لما رواه العامة عن أبي وائل منصور بن سلمة(٣) ، قال : جاءنا كتاب عمر ونحن بخانقين : أنّ الأهلّة بعضها أكبر من بعض ، فإذا رأيتم الهلال في أول النهار ، فلا تفطروا(٤) حتى تُمسُوا ، إلّا أن يشهد رجلان مسلمان أنّهما أهلّاه بالأمس عشيّة.

ومن طريق الخاصة : ما روى محمد بن عيسى ، قال : كتبت اليهعليه‌السلام : جعلت فداك ربما غُمّ(٥) علينا هلال شهر رمضان ، فيُرى من الغد الهلال قبل الزوال ، وربما رأيناه بعد الزوال فترى أن نفطر قبل الزوال إذا رأيناه ، أم لا؟ وكيف تأمر في ذلك؟ فكتبعليه‌السلام : « تمّم الى الليل ، فإنّه إن كان تامّاً رؤي قبل الزوال »(٦) .

____________________

(١) أي : للّيلة المستقبلة.

(٢) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٠ ، المنتفى للباجي ٢ : ٣٩ ، المجموع ٦ : ٢٧٢ ، فتح العزيز ٦ : ٢٨٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ٨٢ ، المغني ٣ : ١٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٧.

(٣) هكذا في النسخ الخطية والطبعة الحجرية ، وفي المصادر الحديثية : سفيان عن منصور عن أبي وائل.

واسم أبي وائل : شقيق بن سلمة ؛ لا منصور بن سلمة.

ونقل الرافعي في فتح العزيز ٦ : ٢٨٧ هذه الرواية عن سفيان بن سلمة ، ونقلها ابنا قدامة في المغني ٣ : ١٠٨ ، والشرح الكبير ٣ : ٧ ، عن أبي وائل فقط.

اُنظر : سنن الدار قطني ٢ : ١٦٩ / ١٠ ، وسنن البيهقي ٤ : ٢١٣ ، واُسد الغابة ٣ : ٣ ، وتهذيب التهذيب ٤ : ٣١٧.

(٤) في النسخ الخطية : « فلا تفطرُنّ » بدل « فلا تفطروا ».

(٥) غُمّ الهلال على الناس : إذا ستره عنهم غَيمٌ أو غيره فلم يُر. الصحاح ٥ : ١٩٩٨.

(٦) التهذيب ٤ : ١٧٧ / ٤٩٠ ، الاستبصار ٢ : ٧٣ / ٢٢١.

١٢٧

وقال الباقرعليه‌السلام : « قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : إذا رأيتم الهلال فأفطروا ، أو يشهد عليه عدل من المسلمين ، فإن لم تروا الهلال إلّا من وسط النهار أو آخره ، فأتمّوا الصيام الى الليل ، فإنّ غُمّ عليكم ، فعدّوا ثلاثين ثم أفطروا »(١) .

وقال الثوري : إن رؤي قبل الزوال ، فهو للّيلة الماضية ، وإن رؤي بعده ، فهو للمستقبلة(٢) . وبه قال أبو يوسف(٣) .

وقال أحمد : إن كان في أول شهر رمضان ، وكان قبل الزوال ، فهو للماضية ، وإن كان في هلال شوّال ، فروايتان : إحداهما : أنّها كذلك ، والثانية : لمستقبلة ، لقولهعليه‌السلام : ( صُوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ) وقد رأوه ، فيجب الصوم والفطر.

ولأنّ ما قبل الزوال أقرب الى الماضية(٤) .

والمراد في الخبر : إذا رأوه عشية ؛ بدليل ما لو رؤي بعد الزوال.

وعلى الرواية التي لأحمد : أنّه عن الماضية في أول رمضان ، يلزمه قضاء ذلك اليوم ، وإمساك بقيته احتياطاً للعبادة(٥) .

وهو غلط ؛ لأنّ ما كان للّيلة المـُقبلة في آخره فهو لها في أوله ، كما لو رؤي بعد العصر.

____________________

(١) الفقيه ٢ : ٧٧ / ٣٣٧ ، التهذيب ٤ : ١٥٨ / ٤٤٠ و ١٧٧ / ٤٩١ ، الاستبصار ٢ : ٦٤ / ٢٠٧ و ٧٣ / ٢٢٢.

(٢ و ٣ ) المغني ٣ : ١٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٧ ، المجموع ٦ : ٢٧٢ - ٢٧٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٠ ، فتح العزيز ٦ : ٢٨٦ - ٢٨٧ ، بداية المجتهد ١ : ٢٨٥ ، شرح فتح القدير ٢ : ٢٤٣.

(٣) المغني ٣ : ١٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٧ ، المجموع ٦ : ٢٧٢ - ٢٧٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٠ ، فتح العزيز ٦ : ٢٨٦ - ٢٨٧ ، بداية المجتهد ١ : ٢٨٥ ، شرح فتح القدير ٢ : ٢٤٣.

(٤) المغني ٣ : ١٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٧ ، فتح العزيز ٦ : ٢٨٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٠ ، وتقدّمت الإِشارة الى مصادر الحديث في الهامش (٥) من ص ١١٨.

(٥) المغني ٣ : ١٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٧.

١٢٨

النظر الثاني:

في الإِخبار‌

مسألة ٧٨ : لو لم يُر الهلال إمّا لعدم تطلّبه أو لعدم الحاسة أو لِغُمٍّ وشبهه أو لغير ذلك من الأسباب ، اعتبر بالشهادة‌ بإجماع علماء الأمصار.

على أنّ للشهادة اعتباراً في رؤية الهلال ، وأنّها علامة على الشهر ، وإنّما الخلاف وقع في عدد الشهود.

والمشهور عند علمائنا : أنّه لا يقبل في رؤية الهلال في رمضان وغيره إلّا شهادة رجلين عدلين سواء الصحو والغيم ، وسواء كانا من نفس البلد أو خارجه - وبه قال مالك والليث والأوزاعي وإسحاق والشافعي في أحد القولين ، وأحمد في إحدى الروايتين(١) - لما رواه العامة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( صُوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غمّ عليكم فعدّوا ثلاثين ، فإن شهد ذوا عدل ، فصوموا وأفطروا وانسكوا )(٢) .

وقالعليه‌السلام : ( صُوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غمّ عليكم فأكملوا شعبان ثلاثين يوماً إلّا أن يشهد شاهدان )(٣) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « إنّ علياًعليه‌السلام قال : لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال إلّا شهادة رجلين عدلين »(٤) .

____________________

(١) بداية المجتهد ١ : ٢٨٦ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١١٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٦ ، فتح العزيز ٦ : ٢٥٠ ، المجموع ٦ : ٢٧٧ و ٢٨٢ ، المغني ٣ : ٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٨.

(٢) أورده بتفاوت يسير ابنا قدامة في المغني ٣ : ٩٧ ، والشرح الكبير ٣ : ٨ ، وراجع : سنن الدارقطني ٢ : ١٦٧ - ٣ ، وسنن النسائي ٤ : ١٣٣.

(٣) أورده الرافعي في فتح العزيز ٦ : ٢٥٠ ، وبتفاوت في سنن النسائي ٤ : ١٣٣.

(٤) التهذيب ٤ : ١٨٠ / ٤٩٨.

١٢٩

ولأنّها عبادة فاعتبر عددها بأعمّ الشهادات وقوعاً ؛ اعتباراً بالأعمّ الأغلب.

وقال سلّار من علمائنا : يقبل في أول رمضان شهادة الواحد العدل ، ولا يقبل في غيره إلّا شهادة عدلين(١) - وهو أحد قولي الشافعي ، والرواية الثانية عن أحمد ، وقول ابن المبارك(٢) - لما رواه العامة عن ابن عباس ، قال : جاء أعرابي الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : رأيت الهلال ؛ قال : ( أتشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله؟ ) قال : نعم ؛ قال : ( يا بلال أذّن في الناس فليصوموا )(٣) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه محمد بن قيس عن الباقرعليه‌السلام ، قال : « قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : إذا رأيتم الهلال فأفطروا ، أو شهد عليه عدل من المسلمين »(٤) .

ولأنّ الاحتياط للعبادة يقتضي قبول الواحد.

ولأنّه خبر عن وقت الفريضة فيما طريقه المشاهدة ، فقبل من واحد كالخبر بدخول وقت الصلاة.

ولأنّه خبر ديني يشترك فيه المخبِر والمخبَر ، فقبل من واحدٍ عدلٍ كالرواية.

ورواية ابن عباس حكاية حال لا عموم لها ، فيحتمل أنّه شهد عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله شاهد آخر.

____________________

(١) المراسم : ٢٣٣.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٦ ، المجموع ٦ : ٢٨٢ ، فتح العزيز ٦ : ٢٥٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٠ ، بداية المجتهد ١ : ٢٨٦ ، المغني ٣ : ٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٨.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ٣٠٢ / ٢٣٤٠ ، سنن الترمذي ٣ : ٧٤ / ٦٩١ ، سنن النسائي ٤ : ١٣٢ ، سنن الدارمي ٢ : ٥ ، المستدرك - للحاكم - ١ : ٤٢٤ ، سنن البيهقي ٤ : ٢١١.

(٤) الفقيه ٢ : ٧٧ / ٣٣٧ ، التهذيب ٤ : ١٥٨ / ٤٤٠ و ١٧٧ / ٤٩١ ، الاستبصار ٢ : ٦٤ / ٢٠٧ و ٧٣ / ٢٢٢.

١٣٠

ويحتمل أن يكون قد حصل بشهادة الأعرابي ظنّ ، فأمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالصوم غداً ؛ ليتحفّظوا من الفطر ، فربما شهد بعد ذلك في النهار(١) شاهد آخر ، فيثبت أنّه من رمضان ، فلا ينبغي المبادرة فيه بالإِفطار.

وقول أمير المؤمنينعليه‌السلام ، نقول بموجبه ، ولا يدلّ على مطلوبهم ؛ لأنّ لفظة « العدل » يصح إطلاقها على الواحد فما زاد ؛ لأنّه مصدر يصدق على القليل والكثير ، تقول : رجل عدل. ورجلان عدل. ورجال عدل. ونمنع قبول خبر الواحد في دخول وقت الصلاة. والرواية قُبِل فيها الواحد ، للإِجماع ؛ فإنّه يشترط في الشهادة ما لا يشترط في الرواية ؛ لعظم خطرها.

وللشيخ -رحمه‌الله تعالى - قولان :

قال في المبسوط : إن كان في السماء علّة وشهد عدلان من البلد أو خارجه برؤيته ، وجب الصوم ، وإن لم يكن هناك علّة لم يقبل إلّا شهادة القسامة خمسين رجلاً من البلد أو خارجه(٢) .

وقال في النهاية : إن كان في السماء علة ولم يَرَه جميعُ أهل البلد ورآه خمسون نفساً ، وجب الصوم ، ولا يجب الصوم إذا رآه واحد أو اثنان ، بل يلزم فرضه لمن رآه حسب ، وليس على غيره شي‌ء.

ومتى كان في السماء علّة ولم يُرَ في البلد الهلالُ ورآه خارج البلد شاهدان عدلان ، وجب أيضاً الصوم ، وإن لم يكن في السماء علّة وطلب فلم يُرَ ، لم يجب الصوم إلّا أن يشهد خمسون نفساً من خارج البلد أنّهم رأوه(٣) ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « لا تجوز الشهادة في الهلال دون خمسين رجلاً عدد القسامة ، وإنّما تجوز شهادة رجلين إذا كانا من خارج‌

____________________

(١) في « ط » : في آخر النهار.

(٢) راجع : المبسوط للطوسي ١ : ٢٦٧.

(٣) النهاية : ١٥٠.

١٣١

المصر ، وكان بالمصر علّة ، فأخبرا أنّهما رأياه ، وأخبرا عن قوم صاموا للرؤية »(١) .

وسأل إبراهيم بن عثمان الخزاز ، الصادقعليه‌السلام : قلت له : كم يجزئ في رؤية الهلال؟ فقال : « إنّ شهر رمضان فريضة من فرائض الله ، فلا تؤدّوا بالتظنّي ، وليس رؤية الهلال أن تقوم عدّة فيقول واحد : رأيته ؛ ويقول الآخرون : لم نره ؛ إذا رآه واحد رآه مائة ، وإذا رآه مائة رآه ألف ، ولا يجزئ في رؤية الهلال إذا لم يكن في السماء علّة أقلّ من شهادة خمسين ، وإذا كانت في السماء علّة قُبلت شهادة رجلين يدخلان ويخرجان من مصر »(٢) .

ولأنّه مع انتفاء العلّة يبعد اختصاص الواحد والاثنين بالرؤية مع اشتراكهم في صحة الحاسّة ، فلم يكن قولهما مؤثّراً.

ونمنع صحة سند الخبرين. وقول الخمسين قد لا يفيد إلّا الظنّ ، وهو ثابت في العدلين.

وقال أبو حنيفة : لا يقبل في الصحو إلّا الاستفاضة ، وفي الغيم في هلال شهر رمضان يقبل واحد ، وفي غيره لا يقبل إلّا اثنان ؛ لأنّه لا يجوز أن يَنظُرَ الى مطلع الهلال مع صحة الحاسّة وارتفاع الموانع جماعةُ ، فيختص واحد برؤيته(٣) .

ونحن نقول بموجبه من أنّه لا تقبل شهادة الواحد ، ولا تشترط الزيادة على الاثنين ؛ لجواز الاختلاف في الرؤية ؛ لبُعد المرئي ولطافته ، وقوة الحاسّة وضعفها ، والتفطّن للرؤية وعدمه ، واختلاف مواضع نظرهم ، وكدورة الهواء وصَفوه.

____________________

(١) التهذيب ٤ : ١٥٩ / ٤٤٨ و ٣١٧ / ٩٦٣ ، الاستبصار ٢ : ٧٤ / ٢٢٧.

(٢) التهذيب ٤ : ١٦٠ / ٤٥١.

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ٨٠ - ٨١ ، المغني ٣ : ٩٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٨ ، المجموع ٦ : ٢٨٢ ، فتح العزيز ٦ : ٢٥٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٢.

١٣٢

ولأنّه ينتقض : بما لو حَكَمَ برؤيته حاكمٌ بشهادة الواحد أو الاثنين ، فإنّه يجوز ، ولو امتنع - كما قالوه - لم ينفذ فيه حكم الحاكم.

مسألة ٧٩ : لا تقبل شهادة النساء في ذلك‌ ، لقول عليعليه‌السلام : « لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال »(١) .

وقال الشافعي : إن قلنا : لا بدّ من اثنين ، فلا مدخل لشهادة النساء فيه. ولا عبرة بقول العبد. ولا بدّ من لفظ الشهادة. وتختص بمجلس القضاء ؛ لأنّها شهادة حسّية لا ارتباط لها بالدعاوي.

وإن قبلنا قول الواحد ، فهل هو على طريق الشهادة أم على طريق الرواية؟ وجهان ، أصحّهما عنده : الأول ، إلّا أنّ العدد سُومح به ، والبيّنات مختلفة المراتب.

والثاني : أنّه رواية ؛ لأنّ الشهادة ما يكون الشاهد فيها بريئاً ، وهذا خبر عمّا يستوي فيه المـُخبر وغير المـُخبر ، فأشبه رواية الخبر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فعلى الأول لا يقبل قول المرأة والعبد ، وعلى الثاني يقبل.

وهل يشترط لفظ الشهادة؟ وجهان عنده(٢) .

وقال أبو حنيفة : يقبل إخبار المرأة الواحدة ؛ لأنّه خبر ديني ، فأشبه الخبر عن القبلة ، والرواية ، وهو قياس قول أحمد(٣) .

ولا تقبل شهادة الصبي المميّز الموثوق به.

وقال الجويني : فيه وجهان مبنيّان على قبول رواية الصبيان(٤) .

وقال بعض الشافعية : إذا أخبره موثوق به عن رؤية الهلال ، لزم اتّباع قوله وإن لم يذكر عند الحاكم(٥) .

____________________

(١) التهذيب ٤ : ١٨٠ / ٤٩٨.

(٢) فتح العزيز ٦ : ٢٥٣ - ٢٥٥ ، والمجموع ٦ : ٢٧٧.

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ٨١ ، المغني ٣ : ٩٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٠.

(٤) فتح العزيز ٦ : ٢٥٥.

(٥) فتح العزيز ٦ : ٢٥٥ - ٢٥٦ ، المجموع ٦ : ٢٧٧.

١٣٣

وقالت طائفة : يجب الصوم بذلك إذا اعتقد أنّ المخبر صادق(١) .

ولا خلاف أنّه لا يقبل في هلال شوّال إلّا عدلان ، إلّا أبا ثور ، فإنّه قال : تقبل شهادة الواحد فيه(٢) .

وهو غلط ؛ لما تقدّم(٣) من الأحاديث.

احتجّ : بأنّه خبر يستوي فيه المـُخبِر والمـُخبَر ، فأشبه أخبار الديانات ، ولأنّه إخبار عن خروج وقت العبادة ، فيقبل فيه قول الواحد كالإِخبار عن دخول وقتها(٤) .

ونمنع كونه خبراً ، ولهذا لا يقبل فيه : فلان عن فلان(٥) .

فروع :

أ - لا تقبل شهادة الفاسق ؛ لقوله تعالى( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) (٦) .

ولا بدّ من اعتبار العدالة الباطنة التي يرجع فيها إلى الخُبرة الباطنة وأقوال المزكّين - وهو أحد قولي الشافعية(٧) - لأنّ الشرط انتفاء الفسق ، وإنّما يعرف بالاتّصاف بالضدّ.

ب - لو صاموا بشهادة الواحد عند من اعتبرها فلم يُرَ الهلال بعد الثلاثين ، فالوجه : الإِفطار - وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد القولين(٨) -

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٢٥٦ ، المجموع ٦ : ٢٧٧.

(٢) المغني ٣ : ٩٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٢ ، المجموع ٦ : ٢٨١ ، فتح العزيز ٦ : ٢٦٨.

(٣) تقدّم في المسألة ٧٨.

(٤) المغني ٣ : ٩٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٠ ، فتح العزيز ٦ : ٢٦٨ - ٢٦٩.

(٥) أي قول المخبر : أخبرني فلان عن فلان أنّه رأى الهلال.

(٦) الحجرات : ٦.

(٧) فتح العزيز ٦ : ٢٥٧ ، المجموع ٦ : ٢٧٧.

(٨) المغني ٣ : ٩٩ ، الشرح الكبير ٣ : ١٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٦ - ١٨٧ ، المجموع ٦ : ٢٧٨ ، فتح العزيز ٦ : ٢٥٨ - ٢٥٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٢.

١٣٤

لأنّ الصوم ثبت شرعاً بشهادة الواحد ، فيثبت الإِفطار باستكمال العدّة ، ولا يكون إفطاراً بالشهادة ، كما أنّ النسب لا يثبت بشهادة النساء ، وتثبت بهن الولادة ، فيثبت النسب بالفراش على وجه التبع للولادة.

والثاني للشافعي : لا يفطرون - وبه قال محمد بن الحسن(١) - لأنّه يكون فطراً بشهادة واحد(٢) .

وقد تقدّم جوابه من جواز إثبات الشي‌ء ضمناً بما لا يثبت به أصلاً.

وما موضع القولين؟ للشافعية طريقان : أحدهما : مع الصحو ، ولو كانت السماء مغيّمة ، وجب الإِفطار. والثاني : أنّ الصحو والغيم واحد(٣) .

ج - لو صاموا بشهادة عدلين ورؤي الهلال بعد ثلاثين ، فلا بحث ، وإن لم يُرَ الهلالُ فإن كانت السماء متغيّمة ، أفطر ، وكذا إن كانت مصحيةً عند عامة العلماء(٤) ؛ لأنّ العدلين لو شهدا ابتداءً على هلال شوّال ، لقبلنا شهادتهما ، وأفطرنا ، فلأن نفطر على ما أثبتناه بقولهما أوّلاً أولى.

وقال مالك : لا يفطرون ؛ لأنّا إنّما نتّبع قولهما بناءً على الظنّ(٥) . وقد بيّنا خلافه.

وعلى هذا القول لو شهد اثنان على هلال شوّال ثم لم يُرَ الهلالُ والسماء مصحية بعد ثلاثين ، قضينا صوم أول يوم أفطرنا فيه ؛ لظهور أنّه من رمضان ، لكن لا كفّارة للشبهة.

د - إذا قلنا بقبول الواحد ففي قبول العبد إشكال يأتي.

وقال بعض الشافعية القائلين بقبوله : إنّا لا نوقع به العتق والطلاق‌

____________________

(١) حلية العلماء ٣ : ١٨٢.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٦ ، المجموع ٦ : ٢٧٨ ، فتح العزيز ٦ : ٢٥٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٢.

(٣) فتح العزيز ٦ : ٢٦١ ، المجموع ٦ : ٢٧٩.

(٤ و ٥ ) فتح العزيز ٦ : ٢٦٢ و ٢٦٩.

١٣٥

المعلّقين بهلال رمضان ، ولا نحكم بحلول الدين المؤجّل به(١) .

ه- لا يثبت الهلال بالشهادة على الشهادة عند علمائنا ؛ لأصالة البراءة ، واختصاص ورود القبول بالأموال وحقوق الآدميين.

وللشافعية طريقان : أحدهما : أنّه على قولين في أنّ حدود الله تعالى هل تثبت بالشهادة على الشهادة؟

وأصحّهما عندهم : القطع بثبوته كالزكاة وإتلاف بواري المسجد والخلاف في الحدود المبنية على الدفع والدرء.

وعلى هذا ، فعدد الفروع مبني على القول في الاُصول ، إن اعتبرنا العدد في الاُصول فحكم الفروع ها هنا حكمهم في سائر الشهادات ، ولا مدخل فيه لشهادة النساء والعبيد.

وإن لم نعتبر العدد ، فإن قلنا : إنّ طريقه طريق الرواية ، فوجهان : أحدهما : الاكتفاء بواحد ، كرواية الإِخبار. والثاني : لا بدّ من اثنين ، وهو الأصحّ عندهم ، لأنّه ليس بخبر من كلّ وجه ، لأنّه لا يكفي أن يقول : أخبرني فلان عن فلان أنّه رأى الهلال.

وعلى هذا ، فهل يشترط إخبار حُرّين ذكرين ، أم يكفي امرأتان وعبدان؟ وجهان(٢) .

وإن قلنا : إنّ طريقه طريق الشهادة ، فهل يكفي واحد أم لا بدّ من اثنين؟ وجهان عندهم(٣) .

و - لو رأى اثنان هلال شوّال ، ولم يشهدا عند الحاكم ، جاز لمن سمع شهادتهما الإِفطار‌ مع(٤) معرفته بعدالتهما ، وكذا يصوم لو شهدا برمضان ؛ لقوله‌

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٢٦٩ ، والمجموع ٦ : ٢٨١.

(٢) فتح العزيز ٦ : ٢٦٣ - ٢٦٥ ، والمجموع ٦ : ٢٧٧ - ٢٧٨.

(٣) فتح العزيز ٦ : ٢٦٥ ، المجموع ٦ : ٢٧٨.

(٤) في الطبعة الحجرية بدل مع : بعد.

١٣٦

عليه‌السلام : ( إذا شهد اثنان فصوموا وأفطروا )(١) .

ولو شهدا ، فردّ الحاكم شهادتهما ؛ لعدم معرفته بهما ، جاز الإِفطار أيضاً في شوّال والصوم في رمضان.

ويجوز لكلٍّ منهما أن يفطر عندنا ، وبه قال أحمد بشرط أن يعرف عدالة صاحبه(٢) ، وليس شيئاً.

ز - إنّما يقبل في الهلال عدلان ، ولا تقبل شهادة مجهول الحال ولا مستور الظاهر.

مسألة ٨٠ : لو رؤي الهلال في البلد رؤية شائعة ، واشتهر وذاع بين الناس الهلال ، وجب الصيام إجماعاً ؛ لأنّه نوع تواتر يفيد العلم.

ولو لم يحصل العلم ، بل حصل ظنّ غالب بالرؤية ، فالأقوى : التعويل عليه كالشاهدين ، فإنّ الظنّ الحاصل بشهادتهما حاصل مع الشياع.

النظر الثالث :

في الحساب‌

مسألة ٨١ : إذا غُمّ هلال رمضان ولم يره أحد‌ ، أُكملت عدّة شعبان ثلاثين يوماً ، ثم صاموا وجوباً من رمضان ، سواء كانت السماء متغيّمةً أو صاحيةً ، عند علمائنا ؛ لما رواه العامة عن عائشة ، قالت : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يتحفّظ من هلال شعبان ما لا يتحفّظ من غيره ، ثم يصوم رمضان لرؤيته ، فإن غُمّ عليه عدّ ثلاثين يوماً ثم صام(٣) .

____________________

(١) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ١٠٠ ، والشرح الكبير ٣ : ١٢.

(٢) المغني ٣ : ١٠١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٢.

(٣) سنن الدار قطني ٢ : ١٥٦ - ١٥٧ / ٤ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٠٦ ، المستدرك - للحاكم - ١ : ٤٢٣ ، ومسند أحمد ٦ : ١٤٩.

١٣٧

ومن طريق الخاصة : قول أمير المؤمنينعليه‌السلام : « فإن غُمّ عليكم ، فعدّوا ثلاثين ليلة ثم أفطروا»(١) .

مسألة ٨٢ : ولا يجوز التعويل على الجدول ، ولا على كلام المنجّمين‌ ؛ لأنّ أصل الجدول مأخوذ من الحساب النجومي في ضبط سير القمر واجتماعه بالشمس ، ولا يجوز المصير إلى كلام المنجّم ولا الاجتهاد فيه - وهو قول أكثر العامة(٢) - لما تقدّم من الروايات ، ولو كان قول المنجّم طريقاً ودليلاً على الهلال ، لوجب أن يبيّنهعليه‌السلام للناس ؛ لأنّهم في محلّ الحاجة اليه ، ولم يَجُز لهعليه‌السلام حصر الدلالة في الرؤية والشهادة.

وحكي عن قوم من العامة أنّهم قالوا : يجتهد في ذلك ، ويرجع الى المنجّمين(٣) . وهو باطل ؛ لما(٤) تقدّم.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « ليس على أهل القبلة إلّا الرؤية ، ليس على المسلمين إلّا الرؤية »(٥) .

والأحاديث متواترة على أنّ الطريق أمّا الرؤية أو مضيّ ثلاثين ، وقد شدّد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، في النهي عن سماع كلام المنجّم ، فقالعليه‌السلام : ( من صدّق كاهناً أو منجّماً فهو كافر بما اُنزل على محمد )(٦) .

احتجّوا : بقوله تعالى :( وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) (٧) .

____________________

(١) الفقيه ٢ : ٧٧ / ٣٣٧ ، والتهذيب ٤ : ١٥٨ / ٤٤٠.

(٢) راجع : المجموع ٦ : ٢٨٠ ، وفتح العزيز ٦ : ٢٦٦.

(٣) كما في حلية العلماء ٣ : ١٧٨.

(٤) في « ط ، ن » : بما.

(٥) الكافي ٤ : ٧٧ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٧٧ / ٣٣٥ ، التهذيب ، : ١٥٨ / ٤٤٢ ، الاستبصار ٢ : ٦٤ / ٢٠٩.

(٦) أورده المحقق في المعتبر : ٣١١ ، وبتفاوت في المستدرك - للحاكم - ١ : ٨ ، ومسند أحمد ٢ : ٤٢٩.

(٧) النحل : ١٦.

١٣٨

ولأنّ النبيعليه‌السلام قال : ( فإن غُمّ عليكم فَاقدروا له )(١) والتقدير إنّما هو معرفة التسيير والمنازل ، ولذلك رجعنا الى الكواكب والمنازل في القبلة والأوقات ، وهي اُمور شرعية رتّب الشارع عليها أحكاماً كثيرة.

والجواب : الاهتداء بالنجم معرفة الطرق ومسالك البلاد وتعريف الأوقات ، ونقول أيضاً بموجبه ؛ فإنّ رؤية الهلال تهدي الى معرفة أول الشهر ، أمّا قول المنجّم فلا.

وأمّا الحديث : ( فَاقدروا له ثلاثين )(٢) والمراد : أن يحسب شعبان ثلاثين عند قوم ، وتسعة وعشرين عند آخرين.

وأمّا القبلة والوقت فالطريق هو المشاهدة.

وللشافعية وجهان في مَن عرف منازل القمر هل يلزمه الصوم به؟

وأصحّهما عندهم : المنع. والثاني : أنّه يجوز له أن يعمل بحساب نفسه(٣) .

ولو عرفه بالنجوم ، لم يَجُز أن يصوم به عندهم(٤) قولاً واحداً.

مسألة ٨٣ : لا اعتبار بالعدد خلافاً لقوم من الحشوية‌ ذهبوا الى أنّه معتبر ، وأنّ شهور السنة قسمان : تام وناقص ، فرمضان لا ينقص أبداً ، وشعبان لا يتمّ أبداً ؛ لأحاديث منسوبة إلى أهل البيتعليهم‌السلام (٥) ، أصلها حذيفة بن منصور عن الصادقعليه‌السلام ، تارة بواسطة معاذ بن كثير ، واُخرى بغير واسطة ، واُخرى لم يسندها الى إمام : أنّ الصادقعليه‌السلام سأله معاذ : أنّ الناس يقولون : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، صام تسعة‌

____________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ٣٤ ، صحيح مسلم ٢ : ٧٥٩ - ٧٦٠ / ٦ - ٩ ، سنن النسائي ٤ : ١٣٤ ، سنن الدارمي ٢ : ٣ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٠٤ و ٢٠٥ ، سنن الدار قطني ٢ : ١٦١ / ٢٢.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٧٥٩ / ٤ ، سنن النسائي ٤ : ١٣٣.

(٣ و ٤ ) المجموع ٦ : ٢٨٠ ، فتح العزيز ٦ : ٢٦٦ - ٢٦٧.

(٥) كما في المعتبر : ٣١١.

١٣٩

وعشرين يوماً أكثر ممّا صام ثلاثين ، فقال : « كذبوا ، ما صام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الى أن قبض أقلّ من ثلاثين يوماً ، ولا نقص شهر رمضان منذ خلق الله السماوات والأرض من ثلاثين يوماً وليلة »(١) .

قال الشيخ : هذا الخبر لا يعوّل عليه.

أمّا أولاً : فلأنّه لم يوجد في شي‌ء من الاُصول المصنّفة ، وإنّما هو موجود في الشواذّ من الأخبار.

وأيضاً ، كتاب حذيفة بن منصور عري عن هذا الحديث ، والكتاب مشهور ، ولو كان الحديث صحيحاً عنده ، لضمنه كتابه.

وأيضاً ، فإنّه مختلف الألفاظ ، مضطرب المعاني ؛ لأنّه تارة يرويه عن الصادقعليه‌السلام ، وتارة يفتي من قِبَل نفسه ، ولا يسنده الى أحد ، وروايته عن الإِمام تارة بواسطة ، واُخرى بغير واسطة ، وهذا دليل اضطرابه وضعفه ، فلا يعارض به المتواتر من الأخبار والقرآن العزيز وعمل جميع المسلمين ، مع أنّه معارض بأحاديث كثيرة مشهورة(٢) :

قال الصادقعليه‌السلام : « شهر رمضان يصيبه ما يصيب الشهور من الزيادة والنقصان ، فإن تغيّمت السماء يوماً ، فأتمّوا العدة ».

وقالعليه‌السلام في شهر رمضان : « هو شهر من الشهور يصيبه ما يصيب الشهور من النقصان»(٣) .

وقال الباقرعليه‌السلام : « حدّثني أبيعليه‌السلام أنّ علياًعليه‌السلام قال : صُمنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تسعة وعشرين يوماً ، وأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لمـّا ثقل في مرضه : أيّها الناس إنّ السنة اثنا عشر شهراً ، منها أربعة حُرُم ، ثم قال بيده فذاك رجب مفرد ، وذو القعدة وذو الحجّة‌

____________________

(١) التهذيب ٤ : ١٦٧ / ٤٧٧ ، الاستبصار ٢ : ٦٥ / ٢١١.

(٢) التهذيب ٤ : ١٦٩.

(٣) التهذيب ٤ : ١٦٠ / ٤٥٢.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333