تذكرة الفقهاء الجزء ٦

تذكرة الفقهاء17%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-46-9
الصفحات: 333

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 333 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 228563 / تحميل: 5433
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٦

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٤٦-٩
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

وسيأتي(١) .

والنائم لا يسقط عنه الصوم ، فلو نوى من الليل ونام جميع النهار ، صحّ صومه.

وقال بعض الشافعية : لا يصح ، كما لو اُغمي عليه جميع النهار(٢) .

والفرق : أنّ الإِغماء مُخرج عن التكليف.

مسألة ٥٧ : البلوغ شرط في وجوب الصوم بإجماع العلماء‌ ، فلا يجب على الصبي ، سواء كان مميّزاً أم لا ، إلّا في رواية عن أحمد : أنّه يجب عليه الصوم إذا أطاقه(٣) .

ويبطل بالإِجماع والنص :

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( رفع القلم عن ثلاثة : عن الصبي حتى يبلغ ، وعن المجنون حتى يُفيق ، وعن النائم حتى يستيقظ ) رواه العامة(٤) .

ومن طريق الخاصة : رواية معاوية بن وهب عن الصادقعليه‌السلام ، في كم يؤخذ الصبي بالصيام؟ فقال : « ما بينه وبين خمس عشرة سنة وأربع عشرة سنة وإن هو صام قبل ذلك فدعه »(٥) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « على الصبي إذا احتلم الصيام ، وعلى الجارية إذا حاضت الصيام والخمار »(٦) .

____________________

(١) سيأتي في المسألة ٦٠.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٢ ، المجموع ٦ : ٣٤٦ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٥ - ٤٠٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٥.

(٣) المغني ٣ : ٩٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤.

(٤) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٩٤ ، والشرح الكبير ٣ : ١٤.

(٥) الكافي ٤ : ١٢٥ ( باب صوم الصبيان ومتى يؤخذون به ) الحديث ٢ ، الفقيه ٢ : ٧٦ / ٣٣٢ ، التهذيب ٤ : ٣٢٦ / ١٠١٢.

(٦) التهذيب ٤ : ٢٨١ / ٨٥١ ، الاستبصار ٢ : ١٢٣ / ٣٩٨.

١٠١

احتجّ أحمد : بقولهعليه‌السلام : ( إذا أطاق الغلام صيام ثلاثة أيام ، وجب عليه صيام شهر رمضان )(١) .

والحديث مرسل ، وحمل الوجوب على تأكّد الاستحباب ؛ جمعاً بين الأدلّة.

تنبيهٌ :

يستحب تمرين الصبي بالصوم إذا أطاقه ، وحدّه الشيخرحمه‌الله ببلوغ تسع سنين(٢) . وتختلف حاله بحسب المكنة والطاقة.

ولا خلاف بين العلماء في مشروعية ذلك ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أمر ولي الصبي بذلك ، رواه العامة(٣) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « إنّا نأمر صبياننا بالصيام إذا كانوا بني سبع سنين بما أطاقوا من صيام اليوم ، فإذا غلبهم العطش أفطروا »(٤) .

ولاشتماله على التمرين على الطاعات والمنع من الفساد.

تذنيب :

الأقرب : أنّ صومه صحيح شرعي ، ونيته صحيحة‌ ، وينوي الندب لأنّه الوجه الذي يقع عليه فعله ، فلا ينوي غيره.

وقال أبو حنيفة : إنّه ليس بشرعي ، وإنّما هو إمساك عن المفطرات تأديباً(٥) . ولا بأس به.

وقد ظهر بما قلناه أنّ البلوغ شرط في الوجوب لا في الصحة ، وأنّ العقل‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٩٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤ ، وراجع كنز العمال ٨ : ٥٢١ / ٢٣٩٥١.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ٢٦٦.

(٣) اُنظر : المغني ٣ : ٩٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥.

(٤) الكافي ٤ : ١٢٤ - ١٢٥ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٨٢ / ٨٥٣ ، الاستبصار ٢ : ١٢٣ / ٤٠٠.

(٥) قال الشاشي القفّال في حلية العلماء ٣ : ١٧٣ نقلاً عن أبي حنيفة : لا يصحّ صومه. وانظر : بدائع الصنائع ٢ : ٨٧.

١٠٢

شرط فيهما معاً.

مسألة ٥٨ : الإِسلام شرط في صحّة الصوم لا في وجوبه عند علمائنا‌ ؛ لما عرف في اُصول الفقه : أنّ الكافر مخاطب بفروع العبادات ، والكافر لا يصح منه الصوم ، سواء كان كافراً أصلياً ، أو مرتدّاً عن الإِسلام ، كما لا يصحّ منه سائر العبادات.

وهو شرط معتبر في جميع النهار حتى لو طرأت ردّة في أثناء النهار ، بطل الصوم ؛ لأنّه لا يعرف الله تعالى ، فلا يصحّ أن يتقرّب اليه.

ولأنّ شرط صحة الصوم النية ، ولا يصحّ وقوعها منه ، وفوات الشرط يستلزم فوات المشروط.

مسألة ٥٩ : الطهارة من الحيض والنفاس جميع النهار شرط في صحة صوم المرأة بإجماع العلماء‌.

روى العامة عن عائشة قالت : كنّا نحيض على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة(١) .

ومن طريق الخاصة : رواية أبي بصير ، قال : سألت الصادقعليه‌السلام ، عن امرأة أصبحت صائمة في شهر رمضان ، فلمـّا ارتفع النهار ، حاضت ، قال : « تفطر »(٢) .

ولو وجد الحيض في آخر جزء من النهار ، فسد صوم ذلك اليوم إجماعاً.

ولو أمسكت الحائض ونوت الصوم مع علمها بالتحريم ، لم ينعقد صومها ، وكانت مأثومةً عليه ، ويجب عليها القضاء إجماعاً.

مسألة ٦٠ : لعلمائنا في المغمى عليه قولان : أحدهما : أنّه يفسد‌

____________________

(١) سنن الترمذي ٣ : ١٥٤ / ٧٨٧ ، سنن النسائي ٤ : ١٩١ ، وأوردها ابن قدامة في المغني ٣ : ٨٣.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٥٣ / ٧٥٠.

١٠٣

صومه بزوال عقله ، وهو قول الشيخ أبي جعفر(١) ، وأكثر علمائنا(٢) ، وأحد أقوال الشافعي(٣) ، وهو المعتمد ؛ لأنّه بزوال عقله سقط التكليف عنه وجوباً وندباً ، فلا يصحّ منه الصوم مع سقوطه.

ولأنّ كلّ ما يفسد الصوم إذا وجد في جميعه ، أفسده إذا وجد في بعضه ، كالجنون والحيض.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « كلّما غلب الله عليه فليس على صاحبه شي‌ء »(٤) .

والقول الثاني لعلمائنا : إنّه إن سبقت منه النية ، صحّ صومه ، وكان باقياً عليه ، اختاره المفيد(٥) ، وهو ثاني أقوال الشافعي(٦) .

وثالث الأقوال : إنّه إن أفاق في أوله أو وسطه أو آخره ، صحّ صومه ، وإلّا فلا.(٧)

وقال مالك : إن أفاق قبل الفجر واستدام حتى يطلع الفجر ، صحّ صومه ، وإلّا فلا(٨) .

وقال أحمد : إذا أفاق في جزء من النهار ، صحّ صومه(٩) .

وقال أبو حنيفة والمزني : يصحّ صومه وإن لم يفق في شي‌ء منه ؛ لأنّ‌

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٦٦.

(٢) منهم : المحقّق الحلّي في المعتبر : ٣٠٩ ، والفاضل الآبي في كشف الرموز ١ : ٢٩١ و ٢٩٢.

(٣) المهذّب للشيرازي ١ : ١٩٢ ، المجموع ٦ : ٣٤٦ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٦ - ٤٠٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٥ - ٢٠٦.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٤٥ / ٧٢٦.

(٥) المقنعة : ٥٦.

(٦و٧) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٢ ، المجموع ٦ : ٣٤٦ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٦ - ٤٠٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٥ - ٢٠٦.

(٨) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٣ - ١٢٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٧.

(٩) المغني ٣ : ٣٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٦ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٦.

١٠٤

النية قد صحّت ، وزوال الشعور بعد ذلك لا يمنع من صحّة الصوم كالنوم(١) .

والفرق : أنّ النوم جبلّة وعادة ، ولا يزيل العقل ، والإِغماء عارض يزيل العقل ، فأشبه الجنون ، فكان حكمه حكمه.

وأمّا السكران وشارب الـمُرقِد فلا يسقط عنه الفرض ؛ لأنّ الجناية من نفسه ، فلا يسقط الفرض بفعله ، وكذا النائم.

مسألة ٦١ : الاستحاضة ليست مانعة من فعل الصوم وغيره من العبادات‌ ، كالصلاة وشبهها ، إذا فعلت ما تفعله المستحاضة.

ويجب عليها الصوم ، ويصحّ منها مع فعل الأغسال إن وجبت عليها ، لقول الصادقعليه‌السلام في المستحاضة : « تصوم شهر رمضان إلاّ الأيام التي كانت تحيض فيهن ثم تقضيها بعد »(٢) .

ولو أخلّت المستحاضة بالأغسال مع وجوبها عليها ، لم ينعقد صومها ، وتقضيه ؛ لفوات شرطه ، ولا تجب عليها الكفّارة ؛ لأصالة البراءة.

وإنّما يعتبر الغسل في صحة الصوم في حقّ مَن يجب عليها الغسل ، كالمستحاضة الكثيرة الدم ، أمّا التي لا يظهر دمها على الكرسف ، فإنّه لا يعتبر في صومها غسل ولا وضوء.

وأمّا كثير الدم التي يجب عليها غسل واحد ، فإذا أخلّت به ، بطل صومها.

والتي يجب عليها الأغسال الثلاثة لو أخلّت بغُسلَي النهار أو بأحدهما ، بطل صومها.

ولو أخلّت بالغسل الذي للعشاءين ، فالأقرب صحة صومها ؛ لأنّ هذا‌

____________________

(١) مختصر المزني : ٥٧ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٩٢ ، المجموع ٦ : ٣٤٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٦ و ٤٠٧ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٨.

(٢) الكافي ٤ : ١٣٥ - ١٣٦ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٩٤ / ٤٢٠ ، التهذيب ٤ : ٢٨٢ / ٨٥٤ و ٣١٠ / ٩٣٦.

١٠٥

الغسل إنّما يقع بعد انقضاء صوم ذلك اليوم.

مسألة ٦٢ : شرط صحة الصوم الواجب : الحضر أو حكمه‌ ، فلا يصحّ الصوم الواجب في السفر إلّا ما نستثنيه ، عند علمائنا - وبه قال أهل الظاهر وأبو هريرة(١) - لقوله تعالى( فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ اُخَرَ ) (٢) أوجب عوض رمضان عدّة أيام غيره للمسافر ، وإيجابها يستلزم تحريم صوم رمضان ؛ لأنّه لا يصحّ صومه ، ويجب قضاؤه إجماعاً.

وما رواه العامة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( ليس من البِرّ الصيام في السفر )(٣) .

وقالعليه‌السلام . ( الصائم في السفر كالـمُفطر في الحضر )(٤) .

ومن طريق الخاصة : قول معاوية بن عمّار : سمعته يقول : « إذا صام الرجل رمضان في السفر لم يجزئه ، وعليه الإِعادة »(٥) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « لم يكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يصوم في السفر في شهر رمضان ولا غيره»(٦) .

أمّا الندب ففي صحته في السفر قولان : أشهرهما : الكراهة ؛ لأنّ أحمد بن محمد سأل أبا الحسنعليه‌السلام عن الصيام بمكّة والمدينة ونحن سفر ، قال : « فريضة؟ » فقلت : لا ولكنّه تطوّع كما يتطوّع بالصلاة ؛

____________________

(١) المجموع ٦ : ٢٦٤.

(٢) البقرة : ١٨٤ و ١٨٥.

(٣) سنن ابن ماجة ١ : ٥٣٢ / ١٦٦٤ و ١٦٦٥ ، سنن الترمذي ٣ : ٩٠ ذيل الحديث ٧١٠ ، سنن النسائي ٤ : ١٧٥ - ١٧٧ ، مسند أحمد ٥ : ٤٣٤ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٤٢ ، والمعجم الكبير للطبراني ١١ : ١٨٧ / ١١٤٤٧ و ١٢ : ٣٧٤ / ٨٧ ١٣ ، و ٤٤٦ / ١٣٦١٨ ، و ١٩ : ١٧١ - ١٧٥ / ٣٨٥ - ٣٩٩ ، وشرح معاني الآثار ٢ : ٦٣.

(٤) تاريخ بغداد ١١ : ٣٨٣ ، وبتفاوت يسير في سنن ابن ماجة ١ : ٥٣٢ / ١٦٦٦.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٢١ / ٦٤٥.

(٦) التهذيب ٤ : ٢٣٥ - ٢٣٦ / ٦٩١ ، الاستبصار ٢ : ١٠٢ / ٣٣٣.

١٠٦

فقال : « تقول اليوم وغداً؟ » قلت : نعم ، فقال : « لا تصم »(١) وأقلّ مراتب النهي الكراهة.

مسألة ٦٣ : يصحّ الصوم الواجب في السفر في مواضع :

أ - مَن نذر صوم زمان معيَّن ، وشرط في نذره صومه سفراً وحضراً ، فإنّه يجب صومه وإن كان مسافراً ؛ لقوله تعالى( وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا ) (٢) وللرواية(٣) .

ب - صوم ثلاثة أيام لبدل دم المتعة ؛ لقوله تعالى( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ ) (٤) .

ج - صوم ثمانية عشر يوماً لمن أفاض من عرفات عامداً عالماً قبل الغروب‌ وعجز عن البدنة.

د - مَن كان سفره أكثر من حضره ، كالـمُكاري والملّاح والبدوي وباقي الأصناف السابقة ، ومَنْ عزم على مُقام عشرة أيام ، أو كان سفره معصيةً. وقد تقدّم ذلك كلّه في كتاب الصلاة.

وأمّا ما عدا ذلك فيحرم صومه في السفر ؛ لأنّ عمّار الساباطي سأل الصادقعليه‌السلام ، عن الرجل يقول : لله علَيَّ أن أصوم شهراً أو أكثر من ذلك أو أقلّ ، فعرض له أمر لا بدّ له أن يسافر ، أيصوم وهو مسافر؟ قال : « إذا سافر فلْيفطْر ، لأنّه لا يحلّ له الصوم في السفر فريضةً كان أو غيره ، والصوم في السفر معصية »(٥) .

وهو نص في الباب ، وعمّار وإن كان فطحياً إلّا أنّه ثقة اعتمد الشيخرحمه‌الله - على روايته في مواضع.

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٣٥ / ٦٩٠ ، الاستبصار ٢ : ١٠٢ / ٣٣٢.

(٢) البقرة : ١٧٧.

(٣) الكافي ٤ : ١٤٣ / ٩ ، التهذيب ٤ : ٢٣٥ / ٦٨٨ ، الاستبصار ٢ : ١٠١ / ٣٣٠.

(٤) البقرة : ١٩٦.

(٥) التهذيب ٤ : ٣٢٨ / ١٠٢٢.

١٠٧

مسألة ٦٤ : يستحب صوم ثلاثة أيام للحاجة بالمدينة ندباً وإن كان مسافراً‌ ، وهو مستثنى من كراهة صوم النافلة سفراً ؛ لضرورة السفر والمحافظة على الصوم في ذلك الموضع.

روى معاوية بن عمار - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « إن كان لك مقام بالمدينة ثلاثة أيام ، صُمْتَ أول [ يوم ](١) يوم الأربعاء وتصلّي ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي لبابة - وهي الاسطوانة التي كان يربط إليها نفسه حتى ينزل عذره من السماء - وتقعد عندها يوم الأربعاء ، ثم تأتي ليلة الخميس [ الاسطوانة ](٢) التي تليها ممّا يلي مقام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ليلتك ويومك ، وتصوم يوم الخميس ، ثم تأتي الأسطوانة التي تلي مقام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ومصلّاه ليلة الجمعة ، فتصلّي عندها ليلتك ويومك ، وتصوم يوم الجمعة ، وإن استطعت أن لا تتكلّم بشي‌ء في هذه الأيّام إلّا ما لا بدّ لك منه ولا تخرج من المسجد إلّا لحاجة ولا تنام في ليل ولا نهار ، فافعل فإنّ ذلك ممّا يعدّ فيه الفضل »(٣) الحديث.

مسألة ٦٥ : المريض الذي يضرّه الصوم‌ إمّا بزيادة أو استمرار أو منع برئه لا يجوز له الصوم ، فإن تكلّفه وصام ، لم يصح ؛ لأنّه منهي عنه بقوله تعالى( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) (٤) والنهي في العبادات(٥) يدلّ على الفساد.

ولو قدر على الصوم ولا ضرر عليه بسببه البتة ، وجب عليه الصوم.

مسألة ٦٦ : قد بيّنّا أنّ المغمى عليه يسقط عنه الصوم‌ ، وقد اضطرب‌

____________________

(١و٢) زيادة من المصدر.

(٣) التهذيب ٦ : ١٦ / ٣٥.

(٤) البقرة : ١٨٤.

(٥) في « ط » : العبادة.

١٠٨

قول الشافعي فيه ، وأثبت الأصحاب(١) في المسألة له طريقين : إثبات الخلاف ونفيه.

أمّا المثبتون للخلاف فلهم طُرُق ، أظهرها : أنّ المسألة على ثلاثة أقوال ، أصحّها : أنّه إذا كان مُفيقاً في أول النهار(٢) ، صحّ صومه - وبه قال أحمد - لاقتضاء الدليل اشتراط النية مقرونةً بجميع أجزاء العبادة ، إلّا أنّ الشرع لم يشترط ذلك ، واكتفى بتقديم العزم ، دفعاً للعسر ، فلا بدّ وأن يقع المعزوم عليه بحيث يتصوّر القصد ، وإمساك المغمى عليه لم يقع مقصوداً ، فإذا استغرق الإغماء ، امتنع التصحيح ، وإذا وجدت الإِفاقة في لحظة ، أتبعنا زمان الإِغماء زمان الإِفاقة.

والثاني : اشتراط الإِفاقة في أول النهار - وبه قال مالك - لأنّها حالة الشروع في الصوم ، فينبغي أن تجتمع فيه صفات الكمال ، ولهذا خصّ أول الصلاة باشتراط النية فيه(٣) .

والطريق الثاني : أنّه ليس في المسألة إلّا قولان : الأول والثاني.

والثالث(٤) : أنّ المسألة على خمسة أقوال : هذه الثلاثة وقولان آخران :

أحدهما ما ذكره المزني ، وهو : أنّه إذا نوى من الليل ، صحّ صومه وإن استغرق الإِغماء جميع النهار كالنوم. وخرَّجه من النوم. وبه قال أبو حنيفة.

والثاني : أنّه تشترط الإِفاقة في طرفي النهار وقت طلوع الشمس وغروب الشمس ؛ لأنّ الصلاة لمـّا اعتبرت النية فيها ولم تعتبر في جميعها اعتبرت في‌

____________________

(١) أي : الأصحاب من الشافعية.

(٢) كذا في النسخ الخطية والطبعة الحجرية ، وهو متّحد مع القول الثاني الآتي بعد عدّة أسطر. ومن سياق العبارة ومراجعتنا للمصادر نستظهر أن تكون العبارة هكذا : في أول النهار أو وسطه أو آخره. أو : في جزء من النهار.

(٣) لم يذكر المصنّف -قدس‌سره - القول الثالث لهم وهو : اشتراط الإِفاقة في جميع النهار. راجع : فتح العزيز ٦ : ٤٠٧.

(٤) أي : الطريق الثالث.

١٠٩

طرفيها ، كذلك حكم الإِفاقة في الصوم.

وأمّا النافون للخلاف ، فلهم طريقان :

أحدهما : أنّ المسألة على قول واحد ، وهو : اشتراط الإِفاقة في أول النهار.

وأظهرهما : أنّ المسألة على قول واحد ، وهو : اشتراط الإِفاقة في جزء من النهار(١) .

ولو نوى من الليل ثم شرب مُرقداً فزال عقله نهاراً ، فالأقرب : وجوب القضاء.

ورتّب الشافعية ذلك على الإِغماء ، فإن قالوا : لا يصحّ الصوم في الإِغماء ، فهنا أولى ، وإن قالوا : يصحّ ، فوجهان ، والأصحّ عندهم : وجوب القضاء ؛ لأنّه بفعله(٢) .

ولو شرب المسكر ليلا وبقي سكره في جميع النهار ، فعليه القضاء ، وإن بقي بعض النهار ثم صحا ، فهو كالإِغماء في بعض النهار عند الشافعية(٣) .

وقد رتّب الجويني للاختلال مراتب :

أ - الجنون ، وهو يسلب خواص الإِنسان‌ ويكاد يلحقه بالبهائم.

ب - الإِغماء ، وهو يغشى العقل ويغلب عليه‌ حتى لا يبقى في دفعه اختيار.

ج - النوم ، وهو مزيل للتميز لكنه سهل الإِزالة ، والعقل معه كالشي‌ء المستور الذي يسهل الكشف عنه.

د - الغفلة ، ولا أثر لها في الصوم إجماعاً(٤) .

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٤٠٦ - ٤٠٧.

(٢و٣) فتح العزيز ٦ : ٤٠٨.

(٤) فتح العزيز ٦ : ٤٠٨ - ٤٠٩.

١١٠

١١١

الفصل السادس

في الزمان الذي يصحّ صومه‌

مسألة ٦٧ : محلّ الصوم إنّما هو النهار دون الليل‌ ؛ للنصّ والإِجماع.

قال الله تعالى( فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) (١) .

وأجمع المسلمون كافة على ذلك.

ولو نذر صوم الليل ، لم ينعقد نذره ؛ لأنّه نذر الصوم في الليل وليس محلاً له ، فلم يكن الإِمساك فيه عبادة شرعية ، فلا ينعقد.

ولا فرق بين أن يُفرده عن النهار في الصوم أو يضمّه اليه ؛ لأنّه لا يصحّ صومه بانفراده ، فلا يصح منضمّاً الى غيره ، ولا ينعقد صوم النهار حينئذٍ ؛ لأنّ المجموع لا يصحّ صومه ، ولا ينعقد نذره ؛ لأنّه نذر معصية ، فلا ينعقد نذر صوم النهار.

مسألة ٦٨ : ويحرم صوم يومي العيدين في فرض أو نفل‌ ، فإن صام واحداً منهما أو صامهما ، فعل مُحرّماً ، ولم يجزئه عن الفرض بإجماع علماء‌

____________________

(١) البقرة : ١٨٧.

١١٢

الأمصار ؛ لما رواه العامة عن أبي هريرة أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، نهى عن صيام يومين : يوم فطر ويوم أضحى(١) ، والنهي يدلّ على التحريم.

ومن طريق الخاصة : ما رواه الزهري عن سيد العابدينعليه‌السلام ، قال في حديث طويل ذكر فيه وجوه الصيام : « وأمّا الصوم الحرام فصوم يوم الفطر ويوم الأضحى »(٢) الحديث.

مسألة ٦٩ : لو نذر صوم يومي العيدين‌ ، لم ينعقد نذره ولم يصر العيد قابلاً لإِيقاع الصوم فيه باعتبار النذر - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّه محرَّم شرعاً إجماعاً ، فلا يصح نذره.

ولأنّه معصية ؛ لأنّه منهي عنه ؛ لقولهعليه‌السلام : ( ألا لا تصوموا هذه الأيام )(٤) فلا يتقرّب بالنذر فيه الى الله تعالى ؛ لتضادّ الوجهين.

ولقولهعليه‌السلام : ( لا نذر في معصية )(٥) .

ولأنّه نذر صوماً محرَّماً فلم ينعقد ، كما لو نذرت صوم أيام حيضها.

ولأنّ ما لا يصحّ صومه عن النذر المطلق والكفّارة لا يصحّ عن النذر المعيّن فيه كأيّام الحيض والنفاس.

وقال أبو حنيفة : صومه محرَّم ، ولو نذره انعقد ، ولزمه أن يصوم غيره ، وإن صام فيه أجزأه - ولو صام فيه عن نذر مطلق ، لم يجزئه - لأنّه نذر صوم يوم مع أهليته للصوم فيه ، فانعقد نذره كسائر الأيام(٦) .

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٧٩٩ / ١١٣٨ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٩٧.

(٢) الكافي ٤ : ٨٥ / ١ ، الفقيه ٢ : ٤٧ / ٢٠٨ ، التهذيب ٤ : ٢٩٦ / ٨٩٥.

(٣) المجموع ٨ : ٤٨٢ ، الوجيز ٢ : ٢٣٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣٨٦.

(٤) سنن الدار قطني ٢ : ١٨٧ / ٣٣ ، و ٢١٢ / ٣٣.

(٥) سنن أبي داود ٣ : ٢٣٢ / ٣٢٩٠ و ٢٣٣ / ٣٢٩٢ ، سنن الترمذي ٤ : ١٠٣ - ١٠٤ / ١٥٢٤ و ١٥٢٥ ، سنن ابن ماجة ١ : ٦٨٦ / ٢١٢٤ و ٢١٢٥ ، سنن النسائي ٧ : ٢٦ - ٣٠ ، المستدرك - للحاكم - ٤ : ٣٠٥ ، سنن البيهقي ١٠ : ٦٩.

(٦) المبسوط للسرخسي ٣ : ٩٥ - ٩٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ٧٩ - ٨٠ ، الهداية للمرغيناني ١ : =

١١٣

ونمنع أهليته للصوم ؛ لورود النهي عنه(١) .

مسألة ٧٠ : ويحرم صوم أيام التشريق‌ - وهي الحادي عشر من ذي الحجة والثاني عشر والثالث عشر - لمن كان بمنى خاصة في الفرض والنفل عند علمائنا.

وقد قال أكثر أهل العلم بأنّه لا يحلّ صيامها تطوّعاً(٢) ؛ لأنّ العامة روت عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله عزّ وجل )(٣) .

وعن عبد الله بن حذافة قال : بعثني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أيام منى اُنادي : أيّها الناس إنّها أيام أكل وشرب وبعال(٤) (٥) ؛ يعني أيام التشريق.

ومن طريق الخاصة : رواية الزهري عن زين العابدينعليه‌السلام : « وأما صوم الحرام فصوم يوم الفطر ويوم الأضحى وثلاثة أيام التشريق »(٦) .

وأمّا صومها في الفرض : فعندنا أنّه لا يجوز ؛ لما تقدّم من الأخبار من طريق العامة والخاصة ، وبه قال أبو حنيفة(٧) .

وقال مالك : يجوز(٨) .

____________________

= ١٣١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٨٦ ، المجموع ٦ : ٤٤٠ و ٨ : ٤٨٢ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٩ - ٤١٠ و ٤١٦ ، المغني ١١ : ٣٦٠ ، الشرح الكبير ١١ : ٣٤٨.

(١) صحيح مسلم ٢ : ٧٩٩ / ١١٣٨ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٩٧.

(٢) المغني ٣ : ١٠٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١١١ - ١١٢.

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٨٠٠ - ١١٤١ ، مسند أحمد ٥ : ٧٥ ، وأوردها ابنا قدامة في المغني ٣ : ١٠٤ ، والشرح الكبير ٣ : ١١١.

(٤) البعال : النكاح وملاعبة الرجل أهله. النهاية لابن الأثير ١ : ١٤١.

(٥) سنن الدارقطني ٢ : ٢١٢ - ٣٢ ، وأورده ابن قدامة في المغني ٣ : ١٠٤.

(٦) الكافي ٤ : ٨٥ / ١ ، الفقيه ٢ : ٤٧ / ٢٠٨ ، التهذيب ٤ : ٢٩٦ / ٨٩٥.

(٧) المبسوط للسرخسي ٣ : ٨١ ، بدائع الصنائع ٢ : ٧٩ ، المجموع ٦ : ٤٤٥.

(٨) بداية المجتهد ١ : ٣٠٩ ، فتح العزيز ٦ : ٤١٠ و ٤١٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٤ ، المجموع ٦ : ٤٤٥.

١١٤

وللشافعي قولان : القديم : الجواز ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، رخّص للمتمتّع إذا لم يجد الهَدي ولم يَصُم الثلاثة في العَشر أن يصوم أيام التشريق. والجديد : التحريم(١) .

واعلم : أنّ بعض الشافعية خصّ جواز صومها بالمتمتّع في بدل الهدي ، ومنع غيره ؛ لأنّ النهي عام ، والرخصة وردت في حقّ المتمتّع خاصة ، وهو قول أكثرهم(٢) .

وقال بعضهم : إنّه يجوز صومها لغيره ؛ لأنّ تجويز صومها للمتمتّع إنّما كان لأنّه صوم له سبب ، فيجوز مثل هذا الصوم لكلّ أحد ، دون التطوّعات المحضة(٣) .

فروع :

أ - قيّد أصحابنا التحريم لمن كان بمنى ، فلو كان في غيرها من الأمصار ، لم يحرم صوم أيام التشريق عليه ؛ لأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادقعليه‌السلام ، عن الصائم(٤) أيام التشريق ، فقال : « أمّا بالأمصار فلا بأس به ، وأمّا بمنى فلا »(٥) .

ب - هل التحريم مطلق على من كان بمنى ، أو بشرط أن يكون ناسكا؟ فيه إشكال.

ج - لو نذر صوم أيام التشريق ، فإن كان بمنى ، لم ينعقد نذره ؛ لأنّه صوم محرَّم ، وان كان بغيرها ، صحّ.

د - قال الشيخ في النهاية : صوم ثلاثة أيام : يوم قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة ، فإن فاته صوم هذه ، فليصم يوم الحصبة - وهو يوم النفر - ويومان‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٦ ، المجموع ٦ : ٤٤٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤١٠ - ٤١١ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٤ ، وراجع : سنن الدار قطني ٢ : ١٨٦ / ٢٩.

(٢و٣) فتح العزيز ٦ : ٤١١ - ٤١٢.

(٤) في التهذيب : صيام. وفي الاستبصار : الصيام.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٩٧ / ٨٩٧ ، الاستبصار ٢ : ١٣٢ / ٤٢٩.

١١٥

بعده متواليات(١) .

ويشكل : بأنّ يوم الحصبة من جملة أيام التشريق.

مسألة ٧١ : لو نذر صوم يوم معيّن كالسبت مثلاً ، فاتّفق أنّه أحد العيدين ، أو أيام التشريق‌ ، لم يجز صومه.

والأقوى : بطلان النذر ؛ لأنّه لم يصادف محلاً.

ويحرم صوم يوم الشك بنية أنّه من رمضان أو أنّه إن كان من رمضان ، كان واجباً ، وإن كان من غير رمضان(٢) ، كان ندباً ، وقد سبق(٣) ذلك كله.

* * *

____________________

(١) النهاية : ٢٥٤ - ٢٥٥.

(٢) في الطبعة الحجرية : من شعبان ، بدل من غير رمضان.

(٣) سبق في الفرع ( أ ) من المسألة ٨.

١١٦

١١٧

الفصل السابع

في أقسام الصوم‌

أقسام الصوم أربعة :

واجب ومندوب ومكروه ومحظور

فالواجب من الصوم ستة : شهر رمضان والكفّارات ودم المتعة والنذر وشبهه ، والاعتكاف على وجه ، وقضاء الواجب ، فهنا مطالب :

الأول : في شهر رمضان ، وفيه مباحث :

البحث الأول : في علامته.

يعلم دخول شهر رمضان وغيره من الشهور بأحد اُمور ثلاثة : إمّا رؤية الهلال أو الإِخبار أو الحساب.

النظر الأول :

في رؤية الهلال‌

مسألة ٧٢ : أجمع العلماء كافة على أنّ رؤية الهلال للزائد على الواحد سبب في وجوب الصوم في شهر رمضان‌ ، وعلامة على دخوله.

قال الله تعالى :( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنّاسِ وَالْحَجِّ ) (١) دلّ على أنّه تعالى اعتبر الأهلّة في تعرّف أوقات الحجّ وغيره ممّا‌

____________________

(١) البقرة : ١٨٩.

١١٨

يعتبر فيه الوقت.

وأجمع المسلمون من عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الى زماننا هذا على اعتبار الهلال والترائي له ، والتصدّي لإِبصاره ، وقد كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يتصدّى لرؤيته ويتولّاها(١) .

وشرّععليه‌السلام قبول الشهادة(٢) عليه ، والحكم في مَن شهد بذلك في مصر من الأمصار ، ومَن جاء بالخبر من خارج المصر ، وحكم المخبر به في الصحو ، وخبر مَن شهد برؤيته مع العوارض ؛ وذلك يدلّ على أنّ رؤية الهلال أصل من اُصول الدين معلوم ضرورة من شرع الرسولعليه‌السلام ، والأخبار متواترة بذلك ، ولا نعلم فيه خلافاً.

وقد سئل الصادقعليه‌السلام عن الأهلّة ، فقال : « هي أهلّه الشهور ، فإذا رأيت الهلال فصُم ، وإذا رأيته فأفطر »(٣) .

مسألة ٧٣ : ويلزم صوم رمضان مَن رأى الهلال‌ وإن كان واحداً انفرد برؤيته ، سواء كان عدلاً أو غير عدل ، شهد عند الحاكم أو لم يشهد ، قُبلت شهادته أو ردّت ، ذهب إليه علماؤنا أجمع - وبه قال مالك والليث والشافعي وابن المنذر وأصحاب الرأي(٤) - لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( صُوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته )(٥) وتكليف الرسول صلّى الله عليه‌

____________________

(١) راجع : سنن الدارمي ٢ : ٣ - ٤.

(٢) راجع : سنن الترمذي ٣ : ٧٤ / ٦٩١ ، وسنن الدار قطني ٢ : ١٥٦ / ١ و ٣ و ١٥٨ - ١٥٩ / ٧ - ١٤ ، وسنن البيهقي ٤ : ٢٤٩ ، وسنن الدارمي ٢ : ٤ - ٥.

(٣) الكافي ٤ : ٧٦ / ١ ، التهذيب ٤ : ١٥٦ - ١٥٧ / ٤٣٤ ، الإستبصار ٢ : ٦٣ / ٢٠٤.

(٤) المدونة الكبرى ١ : ١٩٣ ، بداية المجتهد ١ : ٢٨٥ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٧ ، المجموع ٦ : ٢٨٠ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٣ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ٨٠ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٠ ، المغني ٣ : ٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ١١.

(٥) صحيح مسلم ٢ : ٧٦٢ / ١٨ و ١٩ ، صحيح البخاري ٣ : ٣٥ ، سنن الترمذي ٣ : =

١١٩

وآله كما يتناول الواحد يتناول الجميع وبالعكس.

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن الأهلّة : « هي أهلّه الشهور ، فإذا رأيت الهلال فصُم ، وإذا رأيته فأفطر »(١) .

ولأنّه يتيقّن أنّه من رمضان ، فلزمه صومه ، كما لو حكم به الحاكم.

ولأنّ الرؤية أبلغ في باب العلم من الشاهدَين ، بل الشاهدان يفيدان الظنّ ، والرؤية تفيد القطع ، فإذا تعلّق حكم الوجوب بأضعف الطريقين فبالأقوى أولى.

وقال عطاء والحسن وابن سيرين وإسحاق : إذا انفرد الواحد برؤية الهلال ، لا يصوم - وعن أحمد روايتان(٢) - لأنّه يوم محكوم به من شعبان ، فأشبه التاسع والعشرين(٣) .

ونمنع الحكم بكونه من شعبان في حق الرائي ، لأنّه يتيقّن أنّه من شهر رمضان ، فلزمه صيامه كالعدل.

إذا ثبت هذا ، فإن أفطر هذا المنفرد ، وجب عليه الكفّارة عند علمائنا أجمع ؛ لأنّه أفطر يوماً من رمضان ، فوجب عليه الكفّارة ، كما لو قُبلت شهادته.

وقال أبو حنيفة : لا تجب عليه الكفّارة ؛ لأنّها عقوبة ، فلا تجب بفعل مختلف فيه كالحدّ(٤) .

____________________

= ٧٢ / ٦٨٨ ، سنن النسائي ٤ : ١٣٣ و ١٣٦ و ١٥٤ ، سنن الدارمي ٢ : ٢ و ٣ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٥٨ / ٧ و ١٦٠ - ١٦١ / ١٥ و ٢٠ و ١٦٢ - ١٦٣ / ٢٧ و ٢٨ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٤٧.

(١) التهذيب ٤ : ١٥٥ / ٤٣٠ ، الاستبصار ٢ : ٦٢ - ٦٣ / ٢٠٠.

(٢) المغني ٣ : ٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ١١.

(٣) المغني ٣ : ٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ١١ ، المجموع ٦ : ٢٨٠ ، بداية المجتهد ١ : ٢٨٥.

(٤) المبسوط للسرخسي ٣ : ٦٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ٨٠ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٠ ، المجموع ٦ : ٢٨٠ ، المغني ٣ : ٩٦ ، بداية المجتهد ١ : ٢٨٦ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٩ - ٤٥٠.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

ظهور(١) الفسخ في حياتهما ، وللعامل البيع هنا حيث كان له البيع هناك ، ولا يحتاج إلى إذن الوارث ؛ اكتفاءً بإذن مَنْ يتلقّى الوارث الملك منه ، بخلاف ما إذا مات العامل حيث لا يتمكّن وارثه من البيع دون إذن المالك ؛ لأنّه لم يرض بتصرّفه.

وللشافعيّة وجهٌ آخَر : إنّ العامل أيضاً لا يبيع إلّا بإذن وارث المالك(٢) .

والمشهور عندهم : الأوّل(٣) . ولا بأس بالثاني.

ويجري الخلاف في استيفائه الديون بغير إذن الوارث(٤) .

أمّا لو أراد العامل الشراء ، فإنّه ممنوع منه ؛ لأنّ القراض قد بطل بموت المالك.

مسألة ٢٩٠ : إذا مات المالك وأراد هو والوارث الاستمرار على العقد ، فإن كان المال ناضّاً ، لم يكن لهما ذلك إلّا بتجديد عقدٍ واستئناف شرطٍ بينهما ، سواء وقع العقد قبل القسمة أو بعدها ، وسواء كان هناك ربح أو لا ؛ لجواز القراض على المشاع ، ويكون رأس المال وحصّته من الربح رأس المال ، وحصّة العامل من الربح شركة له مشاع ، كما لو كان رأس المال مائةً والربح مائتين وجدّد الوارث العقد على النصف ، فرأس مال الوارث مائتان من ثلاثمائة ، والمائة الباقية للعامل ، فعند القسمة يأخذها وقسطها من الربح ، ويأخذ الوارث مائتين ، ويقتسمان ما بقي.

وهذه الإشاعة لا تمنع القراض عندنا وعند العامّة(٥) .

____________________

(١) الظاهر : « حصول » بدل « ظهور ».

(٢ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٠.

(٥) المغني ٥ : ١٨١ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٢.

١٤١

أمّا عندنا : فلجواز القراض بالمشاع.

وأمّا عندهم : فلأنّ الشريك هو العامل ، وذلك لا يمنع التصرّف(١) .

وكذلك يجوز القراض مع الشريك بشرط أن لا يشاركه في اليد عندهم(٢) ، ويكون للعامل ربح نصيبه خاصّةً ، ويتضاربان في ربح نصيب الآخَر.

إذا ثبت هذا ، فإنّه لا بدّ فيه من عقدٍ صالحٍ للقراض بألفاظه المشترطة ؛ لأنّه عقد مبتدأ ، وليس هو تقريراً لعقدٍ ماضٍ ؛ لأنّ العقد الماضي قد ارتفع ، فلا بدّ من لفظٍ صالحٍ للابتداء ، والتقرير يشعر بالاستدامة ، فلا ينعقد بلفظ الترك والتقرير بأن يقول الوارث أو وليُّه : « تركتُك ، أو : أقررتُك على ما كنتَ عليه » - وهو أحد قولَي الشافعيّة(٣) - لأنّ هذه العقود لا تنعقد بالكنايات.

والثاني - وهو الأظهر عند الجويني - : إنّه ينعقد بالترك والتقرير ؛ لفهم المعنى ، وقد يستعمل التقرير لإنشاء عقدٍ على موجب العقد السابق(٤) .

وإن كان المال عروضاً ، لم يصح تقرير الوارث عليه ، وبطل القراض عندنا وارتفع - وهو أظهر وجهي الشافعيّة وإحدى الروايتين عن أحمد(٥) - لارتفاع القراض الأوّل بموت المالك ، فلو وُجد قراضٌ آخَر لكان عقداً

____________________

(١) المغني ٥ : ١٨١ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٢.

(٢) الوسيط ٤ : ١٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٠.

(٣ و ٤) الوسيط ٤ : ١٢٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٠.

(٥) الحاوي الكبير ٧ : ٣٣٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٥ ، بحر المذهب ٩ : ٢١٠ ، الوسيط ٤ : ١٢٩ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٧ ، البيان ٧ : ٢٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٠ ، المغني ٥ : ١٨١ و ١٨٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٢.

١٤٢

مستأنفاً فيرد على العروض ، وهو باطل.

والثاني : إنّه يجوز تقرير الوارث عليه ؛ لأنّه استصحاب قراضٍ ، فيظهر فيه جنس المال وقدره ، فيجريان على موجبه ، وهذا الوجه هو منصوص الشافعي(١) .

والرواية الثانية عن أحمد : إنّ القراض إنّما منع منه في العروض ؛ لأنّه يحتاج عند المفاصلة إلى ردّ مثلها أو قيمتها ، ويختلف ذلك باختلاف الأوقات ، وهذا غير موجودٍ هنا ؛ لأنّ رأس المال غير العروض ، وحكمه باقٍ ، فإنّ للعامل أن يبيعه ليسلّم رأس المال ويقسّم الباقي(٢) .

وهو غلط ؛ لأنّ المظنّة لا يناط الحكم بها ، بل بالوصف الضابط لها ، ولا ريب في أنّ هذا ابتداء قراضٍ ، ولهذا لو كان المال ناضّاً كان ابتداء قراضٍ إجماعاً ، وكانت حصّة العامل من الربح شركةً له يختصّ بربحها ، ويضارب في الباقي ، وليس لربّ المال في حصّة العامل شركة في ربحها ، ولو كان المال ناقصاً بخسارةٍ أو تلفٍ كان رأس المال الموجودَ منه حال ابتداء القراض ، فلو جاز ابتداء القراض هنا وبناؤها على القراض الأوّل لصارت حصّة العامل من الربح غير مختصّةٍ [ به ] وحصّتها من الربح مشتركة بينهما ، وحُسب عليه العروض بأكثر من قيمتها فيما إذا كان المال ناقصاً ، وهذا لا يجوز في القراض بلا خلافٍ ، ويلزم أيضاً أن يصير بعض رأس المال ربحاً ، وذهاب بعض الربح في رأس المال.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣٣٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٥ ، بحر المذهب ٩ : ٢١٠ ، الوسيط ٤ : ١٢٩ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٧ ، البيان ٧ : ٢٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٠ ، المغني ٥ : ١٨١ و ١٨٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٢.

(٢) المغني ٥ : ١٨١ - ١٨٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٢.

١٤٣

مسألة ٢٩١ : لو مات العامل ، فإن كان المال ناضّاً ولا ربح أخذه المالك ، وإن كان فيه ربح أخذ المالك المالَ وحصّته من الربح ، ودفع إلى الوارث حصّته.

ولو كان متاعاً واحتيج إلى البيع والتنضيض ، فإن أذن المالك لوارث العامل فيه جاز ، وإلّا تولّاه شخص ينصبه الحاكم.

ولا يجوز تقرير الوارث على القراض ؛ لأنّه لا يصحّ القراض على العروض ، والقراض الأوّل قد بطل بموت العامل أو جنونه ، وبه قال الشافعيّة(١) .

ولا يُخرّج على الوجهين المذكورين عندهم في موت المالك حيث قالوا هناك : إنّه يجوز - في أحد الوجهين - تقرير العامل على القراض ؛ لأنّ الفرق واقع بين موت المالك وموت العامل ؛ لأنّ ركن القراض من جانب العامل عمله وقد فات بوفاته ، ومن جانب المالك المال ، وهو باقٍ بعينه انتقل إلى الوارث ، ولأنّ العامل هو الذي اشترى العروض ، والظاهر أنّه لا يشتري إلّا ما يسهل عليه بيعه وترويجه ، وهذا المعنى لا يؤثّر فيه موت المالك ، وإذا مات العامل فربما كانت العروض كلاًّ على وارثه ؛ لأنّه لم يشترها ولم يخترها(٢) .

وعند أحمد : إنّه يجوز القراض بالعروض ، فيجوز هنا في كلّ موضعٍ يجوز ابتداء القراض فيه بالعروض بأن تُقوّم العروض ويجعل رأس المال‌

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢١٠ ، الوسيط ٤ : ١٣٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٧ ، البيان ٧ : ٢٠١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٤ ، وراجع : الحاوي الكبير ٧ : ٣٣١ ، والبيان ٧ : ٢٠١.

١٤٤

قيمتها يوم العقد(١) .

ولو كان المال ناضّاً وقت موت العامل ، جاز أن يبتدئ المالك القراضَ مع وارثه بعقدٍ جديد ، ولا يصحّ بلفظ التقرير.

وللشافعيّة الوجهان السابقان(٢) .

فإن لم يرض ، لم يجز للوارث شراء ولا بيع.

إذا عرفت هذا ، فالوجهان المذكوران في التقرير للشافعيّة كالوجهين في أنّ الوصيّة بالزائد على الثلث إذا جعلناها ابتداء عطيّةٍ هل تنفذ بلفظ الإجازة؟ ويجريان أيضاً فيما إذا انفسخ البيع الجاري بينهما ثمّ أرادا إعادته ، فقال البائع : قرّرتُك على موجب العقد الأوّل ، وقَبِل صاحبه(٣) .

وفي مثله من النكاح لا يعتبر ذلك عندهم(٤) .

وللجويني احتمال فيه ؛ لجريان لفظ النكاح مع التقرير(٥) .

مسألة ٢٩٢ : إذا مات العامل وعنده مال مضاربةٍ لجماعةٍ متعدّدين ، فإن عُلم مال أحدهم بعينه كان أحقَّ به ، وإن جُهل كانوا فيه سواءً ، وإن جُهل كونه مضاربةً قضي به ميراثاً.

ولو سمّى الميّت واحداً بعينه قضي له به ، وإن لم يذكر كان أُسوة الغرماء ؛ لما رواه السكوني عن الصادقعليه‌السلام عن الباقر عن آبائه عن عليٍّعليهم‌السلام أنّه كان يقول : « مَنْ يموت وعنده مال مضاربةٍ - قال - إن سمّاه بعينه قبل موته فقال : هذا لفلانٍ ، فهو له ، وإن مات ولم يذكر فهو أُسوة الغرماء »(٦) .

____________________

(١) المغني ٥ : ١٨٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٣.

(٢) الوسيط ٤ : ١٢٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٠.

(٣ - ٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٤.

(٦) التهذيب ٧ : ١٩٢ / ٨٥١.

١٤٥

مسألة ٢٩٣ : إذا استردّ المالك بعضَ المال من العامل بعد دورانه في التجارة ولم يكن هناك ربح ولا خسران ، رجع رأس المال إلى القدر الباقي ، وارتفع القراض في القدر الذي أخذه المالك.

وإن كان بعد ظهور ربحٍ في المال ، فالمستردّ شائع ربحاً على النسبة الحاصلة من جملتي الربح ورأس المال ، ويستقرّ ملك العامل على ما يخصّه بحسب الشرط ممّا هو ربح منه ، فلا يسقط بالنقصان الحادث بعده.

وإن كان الاسترداد بعد ظهور الخسران ، كان الخسران موزَّعاً على المستردّ والباقي ، فلا يلزم جبر حصّة المستردّ من الخسران ، كما لو استردّ الكلّ بعد الخسران لم يلزم العامل شي‌ء ، ويصير رأس المال الباقي بعد المستردّ وحصّته من الخسران.

مثال الاسترداد بعد الربح : لو كان رأس المال مائةً وربح عشرين ، ثمّ استردّ المالك عشرين ، فالربح سدس المال ، فالمأخوذ يكون سدسه ربحاً : ثلاثة وثلث ، ويستقرّ ملك العامل على نصفه إذا كان الشرط المناصفةَ ، وهو واحد وثلثا واحدٍ ، ويبقى رأس المال ثلاثة وثمانين وثُلثاً ؛ لأنّ المأخوذ سدس المال ، فينقص سدس رأس المال ، وهو ستّة عشر وثلثان ، وحظّهما من الربح ثلاثة وثلث ، فيستقرّ ملك العامل على درهمٍ وثلثين ، حتى لو انخفضت السوق وعاد ما في يده إلى ثمانين لم يكن للمالك أن يأخذ الكلّ ويقول : كان رأس المال مائةً وقد أخذتُ عشرين أضمّ إليها هذه الثمانين لتتمّ لي المائة ، بل يأخذ العامل من الثمانين واحداً وثلثي واحدٍ ، ويردّ الباقي ، وهو ثمانية وسبعون وثلث واحدٍ.

ومثال الاسترداد بعد الخسران : كان رأس المال مائةً ، وخسر عشرين ، ثمّ استردّ المالك عشرين ، فالخسران موزَّع على المستردّ والباقي ،

١٤٦

تكون حصّة المستردّ خمسةً لا يلزمه جبرها ، حتى لو ربح بعد ذلك فبلغ المال ثمانين ، لم يكن للمالك أخذ الكلّ ، بل يكون رأس المال خمسةً وسبعين ، والخمسة الزائدة تُقسّم بينهما نصفين ، فيحصل للمالك من الثمانين سبعة وسبعون ونصف.

ولو كان رأس المال مائةً فخسر عشرةً ثمّ أخذ المالك عشرةً ثمّ عمل الساعي فربح ، فرأس المال ثمانية وثمانون وثمانية أتساع ؛ لأنّ المأخوذ محسوب من رأس المال ، فهو كالموجود ، والمال في تقدير تسعين ، فإذا بسط الخسران - وهو عشرة - على تسعين أصاب العشرة المأخوذة دينار وتُسْع دينار ، فيوضع ذلك من رأس المال ، وإن أخذ نصف التسعين الباقية بقي رأس المال خمسين ؛ لأنّه أخذ نصف المال ، فسقط نصف الخسران ، وإن أخذ خمسين بقي أربعة وأربعون وأربعة أتساع.

ولو كان رأس المال مائةً فربح عشرين ثمّ أخذ المالك ستّين ، بقي رأس المال خمسين ؛ لأنّه أخذ نصف المال ، فبقي نصفه ، وإن أخذ خمسين بقي رأس المال ثمانية وخمسين وثلثاً ؛ لأنّه أخذ ربع المال وسدسه ، فبقي ثلثه وربعه ، فإن أخذ منه ستّين ثمّ خسر فصار معه أربعون فردّها كان له على المالك خمسة ؛ لأنّ الذي أخذه المالك قد انفسخت فيه المضاربة ، فلا يجبر ربحه خسران الباقي ؛ لمفارقته إيّاه ، وقد أخذ من الربح عشرة ؛ لأنّ سدس ما أخذه ربح ، ولو ردّ منها عشرين لا غير بقي رأس المال خمسة وعشرين.

مسألة ٢٩٤ : حكم القراض الفاسد استحقاق المالك جميعَ الربح ؛ لأنّ المال له ، ونماؤه تابع ، والعامل إنّما يستحقّ شيئاً من الربح بالشرط ، فإذا بطل الشرط لم يستحق العامل شيئاً.

١٤٧

ويجب للعامل أُجرة المثل ، سواء كان في المال ربح أو لم يكن.

ولا يستحقّ العامل قراضَ المثل ، بل أُجرة المثل عندنا وعند الشافعي(١) ؛ لأنّ عمل العامل إنّما كان في مقابلة المسمّى ، فإذا لم تصح التسمية وجب ردّ عمله عليه ، وذلك يوجب له أُجرة المثل ، كما إذا اشترى شيئاً شراءً فاسداً وقبضه وتلف ، فإنّه يجب عليه قيمته.

وقال مالك : يجب للعامل قراض المثل ، يعني أنّه يجب ما يقارضه به مثله ؛ لأنّ شبهة كلّ عقدٍ وفاسده مردود إلى صحيحه ، وفي صحيحه لا يستحقّ شيئاً من الخسران ، وكذلك في الفاسد ، والصحيح يستحقّ فيه المسمّى ، سواء كانت أُجرته دونه أو أكثر(٢) .

والتسمية إنّما هي من الربح ، وفي مسألتنا بطلت التسمية ، وإنّما تجب له الأُجرة ، وذلك لا يختصّ بالربح ، فافترقا ، فبطل القياس.

إذا عرفت هذا ، فإنّ القراض الفاسد له حكمٌ آخَر ، وهو صحّة تصرّف العامل ونفوذه ؛ لأنّه أذن له فيه ، فوقع بمجرّد إذنه ، فإن كان العقد فاسداً - كما لو وكّله وكالةً فاسدة - وتصرّف فإنّه يصحّ تصرّفه.

لا يقال : أليس إذا باع بيعاً فاسداً وتصرّف المشتري لم ينفذ؟

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ١٩٨ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٨ - ٣٤٩ ، البيان ٧ : ١٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٥ ، المغني ٥ : ١٨٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٥ / ١٧٤٠ ، الاستذكار ٢١ : ١٥١ / ٣٠٨٥١ و ٣٠٨٥٢ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٨٦ / ١٢٥٠.

(٢) الاستذكار ٢١ : ١٥١ / ٣٠٨٥٠ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤١ / ١١١٤ ، التفريع ٢ : ١٩٦ - ١٩٧ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٨٥ / ١٢٥٠ ، المعونة ٢ : ١١٢٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٥ / ١٧٤٠ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٩ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٠ ، المغني ٥ : ١٨٨ - ١٨٩.

١٤٨

لأنّا نقول : الفرق ظاهر ؛ لأنّ تصرّف المشتري إنّما لم ينفذ لأنّه يتصرّف من جهة الملك ولم يحصل له ، وكذلك إذا أذن له البائع أيضاً ؛ لأنّ إذنه كان على أنّه ملك المأذون فيه ، فإذا لم يملك لم يصح ، وهنا أذن له في التصرّف في ملك نفسه ، وما شرطه من الشروط الفاسدة ، فلم يكن مشروطاً في مقابلة الإذن ؛ لأنّه أذن في تصرّفٍ يقع له ، فما شرطه لا يكون في مقابلته.

مسألة ٢٩٥ : لو دفع إليه مالاً قراضاً وقال : اشتر به هرويّاً أو مرويّاً بالنصف ، قال الشافعي : يفسد القراض(١) . واختلف أصحابه في تعليله.

فمنهم مَنْ قال : إنّما فسد ؛ لأنّه قال بالنصف ، ولم يبيّن لمن النصف؟ فيحتمل أن يكون شرط النصف لربّ المال ، وإذا ذكر في القراض نصيب ربّ المال ولم يذكر نصيب العامل ، كان القراض فاسداً(٢) .

وليس بشي‌ءٍ ؛ لأنّ الشرط إذا أُطلق انصرف إلى نصيب العامل ؛ لأنّ ربّ المال يستحقّ الربح بالمال ، ولا يحتاج إلى شرطٍ ، كما لا يحتاج في شركة العنان إلى شرط الربح ، فإذا شرط كان الظاهر أنّه شرط ذلك للعامل.

وقال بعضهم : إنّما فسد ؛ لأنّه أذن له في الشراء ، دون البيع(٣) .

____________________

(١) مختصر المزني : ١٢٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٤٣ ، بحر المذهب ٩ : ٢١٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٢ ، البيان ٧ : ١٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٦.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣٤٤ ، بحر المذهب ٩ : ٢١٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٣ ، البيان ٧ : ١٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٦.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٣٤٤ ، بحر المذهب ٩ : ٢١٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٢ ، البيان ٧ : ١٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٦.

١٤٩

وفيه نظر ؛ لأنّ إطلاق المضاربة يقتضي تسويغ التصرّف للعامل بيعاً وشراءً ، والتنصيص على الإذن في شراء جنسٍ لا يقتضي عدم الإذن في البيع ، فيبقى على الإطلاق.

وقال بعضهم : إنّه يفسد ؛ للتعيين(١) .

وليس بشي‌ءٍ.

وقال آخَرون : إنّما يفسد ؛ لأنّه لم يعيّن أحد الجنسين(٢) .

وليس بشي‌ءٍ ؛ لأنّه يجوز أن يخيّره بما يشتريه.

والمعتمد : صحّة القراض.

مسألة ٢٩٦ : لا يجوز للعامل أن يبيع الخمر ولا يشتريه ، وكذا الخنزير وأُمّ الولد ، سواء كان العامل مسلماً أو نصرانيّاً إذا كان ربّ المال مسلماً أو كان العامل مسلماً ، ولو كانا ذمّيّين جاز - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّه وكيل المالك ، ولا يدخل ذلك في ملك المالك ، فيكون منهيّاً عنه ؛ لما فيه من خروج الملك عن ملكه.

وقال أبو حنيفة : إذا كان العامل نصرانيّاً فباع الخمر أو اشتراها ، صحّ ذلك(٤) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٦.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣٤٣ - ٣٤٤ ، بحر المذهب ٩ : ٢١٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٣ ، البيان ٧ : ١٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٦.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٣٥٤ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٥ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٢ ، البيان ٧ : ١٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٣ ، المغني ٥ : ١٦٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٥٥.

(٤) الحاوي الكبير ٧ : ٣٥٤ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٥ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٢ ، البيان ٧ : ١٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٨ ، المغني ٥ : ١٦٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٥٥.

١٥٠

وقال أبو يوسف ومحمّد : يصحّ منه الشراء ، ولا يصحّ منه البيع ، وفرّقوا بينهما بأنّ الوكيل يدخل ما يشتريه أوّلاً في ملكه ، فإذا باع ملك غيره لم يدخل في ملكه ، وكان العامل كأنّ في يده عصيراً فصار خمراً ، فيكون ذلك لربّ المال ، ولا يكون بيعه إلّا من جهته ، ولا يصحّ من المسلم بيع الخمر(١) .

إذا عرفت هذا ، فلو خالف العامل واشترى خمراً أو خنزيراً أو أُمَّ ولدٍ ودفع المال في ثمنه ، فإن كان عالماً كان ضامناً ؛ لأنّ ربّ المال لا يملك ذلك ، فكأنّه قد دفع ثمنه بغير عوضٍ ، فكان ضامناً.

وإن كان جاهلاً ، فكذلك - وهو الأشهر للشافعيّة(٢) - لأنّ حكم الضمان لا يختلف بالعلم والجهل.

وقال القفّال من الشافعيّة : يضمن في الخمر ، دون أُمّ الولد ؛ لأنّه ليس لها أمارة تُعرف بها(٣) .

وقال بعضهم : لا يضمن فيهما(٤) .

وقال آخَرون : لا يضمن في العلم أيضاً ؛ لأنّه اشترى ما طلب فيه الفضل بحسب رأيه(٥) .

وهو خطأ ؛ لأنّ ربّ المال لا يملك ذلك ، فلا يجوز له دفع المال في عوضه.

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٢٥ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٢ ، المغني ٥ : ١٦٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٥٥.

(٢) البيان ٧ : ١٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٤.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٨.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٨.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٨.

١٥١

مسألة ٢٩٧ : قد بيّنّا أنّه إذا قال للعامل : قارضتك على أن يكون لك شركة في الربح ، أو شركة ، فإنّه لا يصح ؛ لأنّه لم يعيّن مقدار حصّة العامل ، وبه قال الشافعي(١) .

وقال محمّد بن الحسن : إنّه إذا قال : شركة ، صحّ ، وإذا قال : شرك ، لم يصح(٢) .

وقال أصحاب مالك : يصحّ ، ويكون له مضاربة المثل(٣) .

وقد بيّنّا غلطهم.

ولو قال : خُذْه قراضاً على النصف أو الثلث أو غير ذلك ، صحّ ، وكان ذلك تقديراً لنصيب العامل ؛ قضيّةً للظاهر من أنّ الشرط للعامل ؛ لأنّ المالك يستحقّه بماله ، والعامل يستحقّه بالعمل ، والعمل يكثر ويقلّ ، وإنّما تتقدّر حصّته بالشرط فكان الشرط له.

فإن اختلفا فقال العامل : شرطتَه لي ، وقال المالك : شرطتُ ذلك لنفسي ، قُدّم قول العامل ؛ لأنّ الظاهر معه.

مسألة ٢٩٨ : لو دفع إليه ألفين قراضاً فتلف أحدهما قبل التصرّف ، فقد قلنا : إنّ الأقرب : احتساب التالف من الربح.

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٢١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٣ ، البيان ٧ : ١٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

(٢) بدائع الصنائع ٦ : ٨٥ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٣ ، البيان ٧ : ١٦٥ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٢ / ١١١٥ ، المنتقى - للباجي - ٥ : ١٥٢.

(٣) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٢ / ١١١٥ ، المنتقى - للباجي - ٥ : ١٥٢ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٤ ، البيان ٧ : ١٦٥.

١٥٢

وقال الشافعي : يكون من رأس المال(١) .

فإن كان التلف بعد أن باع واشترى ، فالتلف من الربح قولاً واحداً.

ولو اشترى بالألفين عبدين فتلف أحدهما ، فللشافعيّة وجهان :

أحدهما : إنّه يكون من الربح ؛ لأنّه تلف بعد أن ردّ المال في التجارة.

والثاني : يكون من رأس المال ؛ لأنّ العبد التالف بدل أحد الألفين ، فكان تلفه كتلفها(٢) .

قال أبو حامد : هذا خلاف مذهب الشافعي ؛ لأنّ المزني نقل عنه أنّه إذا ذهب بعض المال قبل أن يعمل ثمّ عمل فربح وأراد(٣) أن يجعل البقيّة رأس المال بعد الذي هلك ، فلا يُقبل قوله ، ويوفى رأس المال من ربحه حتى إذا وفاه اقتسما الربح على شرطهما ؛ لأنّ المال إنّما يصير قراضاً في يد العامل بالقبض ، فلا فرق بين أن يهلك قبل التصرّف أو بعده ، فيجب أن يحتسب من الربح(٤) .

وهذا كما اخترناه نحن.

مسألة ٢٩٩ : لو دفع المالك إلى العامل مالاً قراضاً ثمّ دفع إليه مالاً آخَر قراضا ، فإن كان بعد تصرّف العامل في الأوّل بالبيع والشراء كانا قراضين ، وإلّا كانا واحداً ، فلو دفع إليه ألفاً قراضاً فأدارها العامل في التجارة بيعاً‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣٣٣ ، بحر المذهب ٩ : ٢٣١ ، الوسيط ٤ : ١٢٤ ، البيان ٧ : ١٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.

(٢) بحر المذهب ٩ : ٢٣١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٥ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٣ ، البيان ٧ : ١٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ - ٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.

(٣) في « ث ، خ ، ر » : « فأراد ».

(٤) راجع : بحر المذهب ٩ : ٢٣١.

١٥٣

وشراءً ثمّ دفع إليه ألفاً أُخرى قراضاً ، تعدّد القراضان على معنى أنّ ربح كلّ واحدةٍ منهما لا يجبر خسران الأُخرى ، بل تختصّ كلٌّ منهما بربحها وخسرانها ، وجبر خسرانها من ربحها خاصّةً.

فإن قال المالك : ضمّ الثانية إلى الأُولى ، بعد أن اشتغل العامل بالتجارة ، لم يصح القراض الثاني ؛ لأنّ ربح الأوّل قد استقرّ ، فكان ربحه وخسرانه مختصّاً به ، فإذا شرط ضمّ الثانية إليه ، اقتضى أن يجبر به خسران الأُولى إن كان فيه خسران ، ويجبر خسران الثانية بربح الأوّلة ، وهو غير جائزٍ ؛ لأنّ لكلّ واحدٍ من العقدين حكماً منفرداً ، فإذا شرط في الثاني ما لا يصحّ ، فسد.

وإن كان قبل أن يتصرّف في الأُولى(١) وقال له : ضمّ الثانية إلى الأُولى ، جاز ، وكان قراضاً واحداً.

ولو كان المال الأوّل قد نضّ وقال له المالك : ضمّ الثانية إليه ، جاز - وبه قال الشافعي(٢) - لأنّه قد أمن فيه المعنى الذي ذكرناه ، وصار كأنّه لم يتصرّف.

ولما رواه محمّد بن عذافر عن أبيه قال : أعطى الصادقعليه‌السلام أبي ألفاً وسبعمائة دينار فقال له : « اتّجر لي بها » ثمّ قال : « أما إنّه ليس لي رغبة في ربحها وإن كان الربح مرغوباً فيه ، ولكن أحببتُ أن يراني الله تعالى متعرّضاً لفوائده » قال : فربحتُ فيها مائة دينار ثمّ لقيته فقلت له : قد ربحتُ لك فيها مائة دينار ، قال : ففرح الصادقعليه‌السلام بذلك فرحاً شديداً ثمّ قال لي : « أثبتها‌

____________________

(١) في « ث » ، خ ، ر » : « الأوّلة » بدل « الأُولى ».

(٢) بحر المذهب ٩ : ٢٢٧.

١٥٤

لي في رأس مالي »(١) .

إذا عرفت هذا ، فإنّه إذا دفع إليه ألفاً قراضاً ثمّ دفع إليه ألفاً أُخرى قراضاً ولم يأمره بضمّ إحداهما إلى الأُخرى ، بل جعل الألف الأُولى قراضاً بعقدٍ ثمّ دفع إليه الثانية قراضاً بعقدٍ آخَر ، لم يجز له ضمّ الثانية إلى الأُولى ومزجها به ؛ لأنّهما قراضان بعقدين على مالين ، فلا يجوز مزجهما إلّا بإذن المالك ، كما لو قارضه اثنان بمالين منفردين ، فإن ضمّ إحداهما إلى الأُخرى ومزجهما ضمن ، وبه قال الشافعي(٢) ، خلافاً لأبي حنيفة(٣) .

وقال إسحاق : يجوز ضمّ الثانية إلى الأُولى إذا لم يتصرّف في الأُولى(٤) .

وكذا لو ضمّ مال أحد المالكين إلى مال الآخَر ومزجه به ضمن ، إلّا أن يأذن كلّ واحدٍ منهما ، ولا يكفي إذن الواحد في عدم ضمان مال الآخَر ، بل في مال الآذن خاصّةً.

مسألة ٣٠٠ : إذا دفع إليه ألفاً قراضاً وقال له : أضف إليها ألفاً أُخرى من عندك ويكون الربح لك منه الثلثان ولي الثلث ، أو قال : لك الثلث ولي الثلثان ، فالأقرب عندنا : الصحّة ؛ للأصل.

وقال الشافعي : لا يصحّ ؛ لأنّه إن شرط لنفسه الأكثر فقد فسد ؛ لتساويهما في المال ، وذلك يقتضي تساويهما في الربح ، فإذا شرط عليه‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ٧٦ / ١٢ ، التهذيب ٦ : ٣٢٦ - ٣٢٧ / ٨٩٨.

(٢) بحر المذهب ٩ : ٢٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٤.

(٣) بحر المذهب ٩ : ٢٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٩.

(٤) المغني ٥ : ١٧٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٨.

١٥٥

العمل ونصيبه من الربح كان باطلاً ، وإن شرط للعامل الأكثر فسد أيضاً ؛ لأنّ الشركة إذا وقعت على مالٍ كان الربح تابعاً له دون العمل ، فتكون الشركة فاسدةً ، ويكون هذا قراضاً فاسداً ؛ لأنّه عقد بلفظ القراض(١) .

ولو كان قد دفع إليه ألفين وقال له : أضف إليهما ألفاً من عندك فتكون الألف بيننا شركةً والألف الأُخرى قارضتك عليها بالنصف ، جاز عنده(٢) أيضاً ؛ لأنّ أكثر ما فيه أنّ مال القراض مشاع ، والإشاعة إذا لم تمنع التصرّف لم تمنع الصحّة.

وقال أصحاب مالك : لا يجوز أن يضمّ إلى القراض الشركة(٣) ؛ لأنّه لا يجوز أن يضمّ إليه عقد إجارةٍ ، فلا يجوز أن يضمّ إليه عقد شركةٍ(٤) .

والأصل ممنوع ، ولأنّ أحد العقدين إذا لم يجعلاه شرطاً في الآخَر لم يمنع من جمعهما ، كما لو كان المال متميّزاً ، والإجارة إن كانت متعلّقةً بزمانٍ نافت القراض ؛ لأنّه يمنعه من التصرّف ، وإن كانت متعلّقةً بالذمّة جاز.

ولو دفع إليه ألفاً قراضاً فخلطها بألف له بحيث لا تتميّز ، فقد تعدّى بذلك ، فصار ضامناً ، كالمودع إذا مزج الوديعة بغيرها من ماله أو غير ماله.

ولأنّه صيّره بمنزلة التالف.

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٢٧ ، البيان ٧ : ١٦٦ - ١٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٤ ، المغني ٥ : ١٣٧ ، الشرح الكبير ٥ : ١٤٣.

(٢) بحر المذهب ٩ : ٢٢٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١١ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٠ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٥ / ١١٢٣ ، المغني ٥ : ١٣٦ - ١٣٧ ، الشرح الكبير ٥ : ١٤٢ - ١٤٣.

(٣) في « ث ، خ ، ر » : « شركة ».

(٤) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٥ / ١١٢٣ ، التفريع ٢ : ١٩٥ ، المعونة ٢ : ١١٢٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٣٨٦ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٧ ، المغني ٥ : ١٣٧ ، الشرح الكبير ٥ : ١٤٣.

١٥٦

مسألة ٣٠١ : إذا دفع إليه مالاً قراضاً وشرط عليه أن ينقل المال إلى موضع كذا ويشتري من أمتعته ثمّ يبيعها هناك أو يردّها إلى موضع القراض ، جاز ذلك ؛ للأصل ، بل لو خالف ضمن ؛ لما رواه الكناني عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن المضاربة يعطى الرجل المال يخرج به إلى الأرض ونهي(١) أن يخرج به إلى أرض غيرها فعصى فخرج به إلى أرض أُخرى فعطب المال ، فقال : « هو ضامن ، فإن سلم فربح فالربح بينهما »(٢) .

وقال أكثر الشافعيّة : يفسد القراض ؛ لأنّ نقل المال من قُطْرٍ إلى قُطْرٍ عمل زائد على التجارة ، فأشبه شرط الطحن والخبز ، ويخالف ما إذا أذن له في السفر ؛ فإنّ الغرض منه رفع الحرج(٣) .

وقال جماعة من محقّقيهم : إنّ شرط المسافرة لا يضرّ ، فإنّها الركن الأعظم في الأموال والبضائع الخطيرة(٤) .

والأصل عندنا ممنوع.

ولو قال : خُذْ هذه الدراهم قراضاً وصارِف بها مع الصيارفة ، لم يجز له أن يصارف مع غيرهم ؛ لأنّه قد خالف ما عيّنه له ، وهو أحد وجهي الشافعيّة ، والثاني : إنّه يصحّ ؛ لأنّ الغرض من مثله أن يصرفه صرفاً لا قوام بأعيانهم(٥) .

مسألة ٣٠٢ : لو دفع إليه زيد مالاً قراضاً ودفع إليه عمرو كذلك ، فاشترى بكلّ واحدٍ من المالين عبداً ثمّ اشتبها عليه ، بِيع العبدان ، وبسط الثمن بينهما على النسبة - ولو ربح فعلى ما شرطاه له ، فإن اتّفق خسران ،

____________________

(١) في الفقيه و « ر » : « وينهى ».

(٢) الفقيه ٣ : ١٤٣ - ١٤٤ / ٦٣١ ، التهذيب ٧ : ١٨٩ - ١٩٠ / ٨٣٧.

(٣ - ٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٤.

١٥٧

فإن كان لتقصيره ضمن ، وإن كان لانخفاض السوق لم يضمن ؛ لأنّ غايته أن يكون كالغاصب ، والغاصب لا يضمن نقصان السوق - وهو أحد قولَي الشافعيّة(١) ؛ لأنّ قضيّة المال الممتزج هذا.

ولما رواه إسحاق بن عمّار عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال في الرجل يبضعه الرجل ثلاثين درهماً في ثوبٍ وآخَر عشرين درهماً في ثوبٍ ، فبعث الثوبين فلم يعرف هذا ثوبه ولا هذا ثوبه ، قال : « يباع الثوبان ، فيعطى صاحب الثلاثين ثلاثة أخماس الثمن ، والآخَر خُمسي الثمن » قال : قلت : فإنّ صاحب العشرين قال لصاحب الثلاثين : اختر أيّهما شئت ، قال : « قد أنصفه »(٢) .

وللشافعيّة قولٌ بأنّ شراء العبدين ينقلب إلى العامل ، ويغرم لهما ؛ للتفريط حيث لم يفردهما حتى تولّد الاشتباه(٣) .

ثمّ المغروم عند الأكثرين الألفان(٤) .

وقال بعضهم : يغرم قيمة العبدين وقد تزيد على الألفين(٥) .

ولهم قولٌ غريب ثالث : إنّه يبقى العبدان على الإشكال إلى أن‌

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٣٢ ، الوسيط ٤ : ١٣١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٥ ، البيان ٧ : ١٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٥.

(٢) الكافي ٧ : ٤٢١ - ٤٢٢ / ٢ ، الفقيه ٣ : ٢٣ / ٦٢ ، التهذيب ٦ : ٢٠٨ / ٤٨٢ و ٣٠٣ - ٣٠٤ / ٨٤٧.

(٣) بحر المذهب ٩ : ٢٣٢ ، الوسيط ٤ : ١٣١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٥ ، البيان ٧ : ١٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٤.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٤ - ٢٢٥.

١٥٨

يصطلحا(١) .

مسألة ٣٠٣ : إذا تعدّى المضارب وفَعَل ما ليس له فعله أو اشترى شيئاً نهاه المالك عن شرائه ، ضمن المال في قول أكثر أهل العلم(٢) ، وروي ذلك عن أهل البيتعليهم‌السلام (٣) ، وبه قال أبو هريرة وحكيم بن حزام وأبو قلابة ونافع وأياس والشعبي والنخعي والحكم ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي(٤) .

وروى العامّة عن عليٍّعليه‌السلام أنّه قال : « لا ضمان على مَنْ شُورك في الربح »(٥) ونحوه عن الحسن والزهري(٦) .

والمعتمد : الأوّل ، والرواية عن أمير المؤمنينعليه‌السلام نحن نقول بموجبها ؛ فإنّه لا ضمان بدون التفريط.

والأصل فيه أنّه قد تصرّف في مال غيره بدون إذنه ، فلزمه الضمان ، كالغاصب. وقد تقدّم أنّه يشارك في الربح.

إذا عرفت هذا ، فلو اشترى شيئاً نهاه المالك عن شرائه فربح ، فالربح على الشرط ، وبه قال مالك(٧) ؛ لما تقدّم(٨) من الرواية عن أهل البيتعليهم‌السلام ، ولأنّه تعدٍّ ، فلا يمنع كون الربح لهما على ما شرطاه ، كما لو لبس الثوب وركب دابّةً ليس له ركوبها.

وقال أحمد : الربح بأسره لربّ المال - وعن أحمد رواية أُخرى :

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٥.

(٢) كما في المغني ٥ : ١٦٥ ، والشرح الكبير ٥ : ١٥٨.

(٣) التهذيب ٧ : ١٩٣ / ٨٥٣.

(٤ - ٦) المغني ٥ : ١٦٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٥٨.

(٧) المنتقى - للباجي - ٥ : ١٧٠ ، المغني ٥ : ١٦٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٥٨.

(٨) آنفاً.

١٥٩

إنّهما يتصدّقان بالربح على سبيل الورع ، وهو لربّ المال في القضاء - لأنّ عروة بن [ الجعد ](١) البارقي قال : عرض للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جلب فأعطاني ديناراً فقال : « يا عروة ائت الجلب فاشتر لنا شاةً » فأتيتُ الجلب فساومتُ صاحبه فاشتريتُ شاتين بدينارٍ ، فجئتُ أسوقهما - أو أقودهما - فلقيني رجل بالطريق فساومني ، فبعتُ منه شاةً بدينار ، فجئتُ بالدينار والشاة فقلت : يا رسول الله هذا ديناركم وهذه شاتكم ، فقال : « وكيف صنعتَ؟ » فحدّثته الحديث ، فقال : « اللّهمّ بارك له في صفقة يمينه »(٢) .

ولأنّه نماء عينه بغير إذن مالكه ، فكان لمالكه ، كما لو غصب حنطةً فزرعها(٣) .

والخبر لا يدلّ على المتنازع ، والفرق ظاهر بين الغاصب والمضارب المأذون له.

إذا عرفت هذا ، فهل يستحقّ العامل الأُجرة ، أم لا؟ عن أحمد روايتان :

إحداهما : إنّه لا يستحقّ ، كالغاصب.

والثانية : إنّه يستحقّ ؛ لأنّ ربّ المال رضي بالبيع وأخذ الربح ، فاستحقّ العامل عوضاً ، كما لو عقده بإذنٍ(٤) .

وفي قدر الأُجرة عنه روايتان :

إحداهما : أُجرة مثله ما لم يحط بالربح ؛ لأنّه عمل ما يستحقّ به‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « لبيد ». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٨٦ ، الهامش (٢)

(٣) المغني ٥ : ١٦٥ - ١٦٦ ، الشرح الكبير ٥ : ١٥٨ - ١٥٩.

(٤) المغني ٥ : ١٦٦ ، الشرح الكبير ٥ : ١٥٩.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333