تذكرة الفقهاء الجزء ٦

تذكرة الفقهاء5%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-46-9
الصفحات: 333

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 333 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 228530 / تحميل: 5433
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٦

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٤٦-٩
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

وسيأتي(١) .

والنائم لا يسقط عنه الصوم ، فلو نوى من الليل ونام جميع النهار ، صحّ صومه.

وقال بعض الشافعية : لا يصح ، كما لو اُغمي عليه جميع النهار(٢) .

والفرق : أنّ الإِغماء مُخرج عن التكليف.

مسألة ٥٧ : البلوغ شرط في وجوب الصوم بإجماع العلماء‌ ، فلا يجب على الصبي ، سواء كان مميّزاً أم لا ، إلّا في رواية عن أحمد : أنّه يجب عليه الصوم إذا أطاقه(٣) .

ويبطل بالإِجماع والنص :

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( رفع القلم عن ثلاثة : عن الصبي حتى يبلغ ، وعن المجنون حتى يُفيق ، وعن النائم حتى يستيقظ ) رواه العامة(٤) .

ومن طريق الخاصة : رواية معاوية بن وهب عن الصادقعليه‌السلام ، في كم يؤخذ الصبي بالصيام؟ فقال : « ما بينه وبين خمس عشرة سنة وأربع عشرة سنة وإن هو صام قبل ذلك فدعه »(٥) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « على الصبي إذا احتلم الصيام ، وعلى الجارية إذا حاضت الصيام والخمار »(٦) .

____________________

(١) سيأتي في المسألة ٦٠.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٢ ، المجموع ٦ : ٣٤٦ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٥ - ٤٠٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٥.

(٣) المغني ٣ : ٩٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤.

(٤) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٩٤ ، والشرح الكبير ٣ : ١٤.

(٥) الكافي ٤ : ١٢٥ ( باب صوم الصبيان ومتى يؤخذون به ) الحديث ٢ ، الفقيه ٢ : ٧٦ / ٣٣٢ ، التهذيب ٤ : ٣٢٦ / ١٠١٢.

(٦) التهذيب ٤ : ٢٨١ / ٨٥١ ، الاستبصار ٢ : ١٢٣ / ٣٩٨.

١٠١

احتجّ أحمد : بقولهعليه‌السلام : ( إذا أطاق الغلام صيام ثلاثة أيام ، وجب عليه صيام شهر رمضان )(١) .

والحديث مرسل ، وحمل الوجوب على تأكّد الاستحباب ؛ جمعاً بين الأدلّة.

تنبيهٌ :

يستحب تمرين الصبي بالصوم إذا أطاقه ، وحدّه الشيخرحمه‌الله ببلوغ تسع سنين(٢) . وتختلف حاله بحسب المكنة والطاقة.

ولا خلاف بين العلماء في مشروعية ذلك ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أمر ولي الصبي بذلك ، رواه العامة(٣) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « إنّا نأمر صبياننا بالصيام إذا كانوا بني سبع سنين بما أطاقوا من صيام اليوم ، فإذا غلبهم العطش أفطروا »(٤) .

ولاشتماله على التمرين على الطاعات والمنع من الفساد.

تذنيب :

الأقرب : أنّ صومه صحيح شرعي ، ونيته صحيحة‌ ، وينوي الندب لأنّه الوجه الذي يقع عليه فعله ، فلا ينوي غيره.

وقال أبو حنيفة : إنّه ليس بشرعي ، وإنّما هو إمساك عن المفطرات تأديباً(٥) . ولا بأس به.

وقد ظهر بما قلناه أنّ البلوغ شرط في الوجوب لا في الصحة ، وأنّ العقل‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٩٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤ ، وراجع كنز العمال ٨ : ٥٢١ / ٢٣٩٥١.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ٢٦٦.

(٣) اُنظر : المغني ٣ : ٩٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥.

(٤) الكافي ٤ : ١٢٤ - ١٢٥ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٨٢ / ٨٥٣ ، الاستبصار ٢ : ١٢٣ / ٤٠٠.

(٥) قال الشاشي القفّال في حلية العلماء ٣ : ١٧٣ نقلاً عن أبي حنيفة : لا يصحّ صومه. وانظر : بدائع الصنائع ٢ : ٨٧.

١٠٢

شرط فيهما معاً.

مسألة ٥٨ : الإِسلام شرط في صحّة الصوم لا في وجوبه عند علمائنا‌ ؛ لما عرف في اُصول الفقه : أنّ الكافر مخاطب بفروع العبادات ، والكافر لا يصح منه الصوم ، سواء كان كافراً أصلياً ، أو مرتدّاً عن الإِسلام ، كما لا يصحّ منه سائر العبادات.

وهو شرط معتبر في جميع النهار حتى لو طرأت ردّة في أثناء النهار ، بطل الصوم ؛ لأنّه لا يعرف الله تعالى ، فلا يصحّ أن يتقرّب اليه.

ولأنّ شرط صحة الصوم النية ، ولا يصحّ وقوعها منه ، وفوات الشرط يستلزم فوات المشروط.

مسألة ٥٩ : الطهارة من الحيض والنفاس جميع النهار شرط في صحة صوم المرأة بإجماع العلماء‌.

روى العامة عن عائشة قالت : كنّا نحيض على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة(١) .

ومن طريق الخاصة : رواية أبي بصير ، قال : سألت الصادقعليه‌السلام ، عن امرأة أصبحت صائمة في شهر رمضان ، فلمـّا ارتفع النهار ، حاضت ، قال : « تفطر »(٢) .

ولو وجد الحيض في آخر جزء من النهار ، فسد صوم ذلك اليوم إجماعاً.

ولو أمسكت الحائض ونوت الصوم مع علمها بالتحريم ، لم ينعقد صومها ، وكانت مأثومةً عليه ، ويجب عليها القضاء إجماعاً.

مسألة ٦٠ : لعلمائنا في المغمى عليه قولان : أحدهما : أنّه يفسد‌

____________________

(١) سنن الترمذي ٣ : ١٥٤ / ٧٨٧ ، سنن النسائي ٤ : ١٩١ ، وأوردها ابن قدامة في المغني ٣ : ٨٣.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٥٣ / ٧٥٠.

١٠٣

صومه بزوال عقله ، وهو قول الشيخ أبي جعفر(١) ، وأكثر علمائنا(٢) ، وأحد أقوال الشافعي(٣) ، وهو المعتمد ؛ لأنّه بزوال عقله سقط التكليف عنه وجوباً وندباً ، فلا يصحّ منه الصوم مع سقوطه.

ولأنّ كلّ ما يفسد الصوم إذا وجد في جميعه ، أفسده إذا وجد في بعضه ، كالجنون والحيض.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « كلّما غلب الله عليه فليس على صاحبه شي‌ء »(٤) .

والقول الثاني لعلمائنا : إنّه إن سبقت منه النية ، صحّ صومه ، وكان باقياً عليه ، اختاره المفيد(٥) ، وهو ثاني أقوال الشافعي(٦) .

وثالث الأقوال : إنّه إن أفاق في أوله أو وسطه أو آخره ، صحّ صومه ، وإلّا فلا.(٧)

وقال مالك : إن أفاق قبل الفجر واستدام حتى يطلع الفجر ، صحّ صومه ، وإلّا فلا(٨) .

وقال أحمد : إذا أفاق في جزء من النهار ، صحّ صومه(٩) .

وقال أبو حنيفة والمزني : يصحّ صومه وإن لم يفق في شي‌ء منه ؛ لأنّ‌

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٦٦.

(٢) منهم : المحقّق الحلّي في المعتبر : ٣٠٩ ، والفاضل الآبي في كشف الرموز ١ : ٢٩١ و ٢٩٢.

(٣) المهذّب للشيرازي ١ : ١٩٢ ، المجموع ٦ : ٣٤٦ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٦ - ٤٠٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٥ - ٢٠٦.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٤٥ / ٧٢٦.

(٥) المقنعة : ٥٦.

(٦و٧) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٢ ، المجموع ٦ : ٣٤٦ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٦ - ٤٠٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٥ - ٢٠٦.

(٨) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٣ - ١٢٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٧.

(٩) المغني ٣ : ٣٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٦ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٦.

١٠٤

النية قد صحّت ، وزوال الشعور بعد ذلك لا يمنع من صحّة الصوم كالنوم(١) .

والفرق : أنّ النوم جبلّة وعادة ، ولا يزيل العقل ، والإِغماء عارض يزيل العقل ، فأشبه الجنون ، فكان حكمه حكمه.

وأمّا السكران وشارب الـمُرقِد فلا يسقط عنه الفرض ؛ لأنّ الجناية من نفسه ، فلا يسقط الفرض بفعله ، وكذا النائم.

مسألة ٦١ : الاستحاضة ليست مانعة من فعل الصوم وغيره من العبادات‌ ، كالصلاة وشبهها ، إذا فعلت ما تفعله المستحاضة.

ويجب عليها الصوم ، ويصحّ منها مع فعل الأغسال إن وجبت عليها ، لقول الصادقعليه‌السلام في المستحاضة : « تصوم شهر رمضان إلاّ الأيام التي كانت تحيض فيهن ثم تقضيها بعد »(٢) .

ولو أخلّت المستحاضة بالأغسال مع وجوبها عليها ، لم ينعقد صومها ، وتقضيه ؛ لفوات شرطه ، ولا تجب عليها الكفّارة ؛ لأصالة البراءة.

وإنّما يعتبر الغسل في صحة الصوم في حقّ مَن يجب عليها الغسل ، كالمستحاضة الكثيرة الدم ، أمّا التي لا يظهر دمها على الكرسف ، فإنّه لا يعتبر في صومها غسل ولا وضوء.

وأمّا كثير الدم التي يجب عليها غسل واحد ، فإذا أخلّت به ، بطل صومها.

والتي يجب عليها الأغسال الثلاثة لو أخلّت بغُسلَي النهار أو بأحدهما ، بطل صومها.

ولو أخلّت بالغسل الذي للعشاءين ، فالأقرب صحة صومها ؛ لأنّ هذا‌

____________________

(١) مختصر المزني : ٥٧ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٩٢ ، المجموع ٦ : ٣٤٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٦ و ٤٠٧ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٨.

(٢) الكافي ٤ : ١٣٥ - ١٣٦ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٩٤ / ٤٢٠ ، التهذيب ٤ : ٢٨٢ / ٨٥٤ و ٣١٠ / ٩٣٦.

١٠٥

الغسل إنّما يقع بعد انقضاء صوم ذلك اليوم.

مسألة ٦٢ : شرط صحة الصوم الواجب : الحضر أو حكمه‌ ، فلا يصحّ الصوم الواجب في السفر إلّا ما نستثنيه ، عند علمائنا - وبه قال أهل الظاهر وأبو هريرة(١) - لقوله تعالى( فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ اُخَرَ ) (٢) أوجب عوض رمضان عدّة أيام غيره للمسافر ، وإيجابها يستلزم تحريم صوم رمضان ؛ لأنّه لا يصحّ صومه ، ويجب قضاؤه إجماعاً.

وما رواه العامة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( ليس من البِرّ الصيام في السفر )(٣) .

وقالعليه‌السلام . ( الصائم في السفر كالـمُفطر في الحضر )(٤) .

ومن طريق الخاصة : قول معاوية بن عمّار : سمعته يقول : « إذا صام الرجل رمضان في السفر لم يجزئه ، وعليه الإِعادة »(٥) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « لم يكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يصوم في السفر في شهر رمضان ولا غيره»(٦) .

أمّا الندب ففي صحته في السفر قولان : أشهرهما : الكراهة ؛ لأنّ أحمد بن محمد سأل أبا الحسنعليه‌السلام عن الصيام بمكّة والمدينة ونحن سفر ، قال : « فريضة؟ » فقلت : لا ولكنّه تطوّع كما يتطوّع بالصلاة ؛

____________________

(١) المجموع ٦ : ٢٦٤.

(٢) البقرة : ١٨٤ و ١٨٥.

(٣) سنن ابن ماجة ١ : ٥٣٢ / ١٦٦٤ و ١٦٦٥ ، سنن الترمذي ٣ : ٩٠ ذيل الحديث ٧١٠ ، سنن النسائي ٤ : ١٧٥ - ١٧٧ ، مسند أحمد ٥ : ٤٣٤ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٤٢ ، والمعجم الكبير للطبراني ١١ : ١٨٧ / ١١٤٤٧ و ١٢ : ٣٧٤ / ٨٧ ١٣ ، و ٤٤٦ / ١٣٦١٨ ، و ١٩ : ١٧١ - ١٧٥ / ٣٨٥ - ٣٩٩ ، وشرح معاني الآثار ٢ : ٦٣.

(٤) تاريخ بغداد ١١ : ٣٨٣ ، وبتفاوت يسير في سنن ابن ماجة ١ : ٥٣٢ / ١٦٦٦.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٢١ / ٦٤٥.

(٦) التهذيب ٤ : ٢٣٥ - ٢٣٦ / ٦٩١ ، الاستبصار ٢ : ١٠٢ / ٣٣٣.

١٠٦

فقال : « تقول اليوم وغداً؟ » قلت : نعم ، فقال : « لا تصم »(١) وأقلّ مراتب النهي الكراهة.

مسألة ٦٣ : يصحّ الصوم الواجب في السفر في مواضع :

أ - مَن نذر صوم زمان معيَّن ، وشرط في نذره صومه سفراً وحضراً ، فإنّه يجب صومه وإن كان مسافراً ؛ لقوله تعالى( وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا ) (٢) وللرواية(٣) .

ب - صوم ثلاثة أيام لبدل دم المتعة ؛ لقوله تعالى( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ ) (٤) .

ج - صوم ثمانية عشر يوماً لمن أفاض من عرفات عامداً عالماً قبل الغروب‌ وعجز عن البدنة.

د - مَن كان سفره أكثر من حضره ، كالـمُكاري والملّاح والبدوي وباقي الأصناف السابقة ، ومَنْ عزم على مُقام عشرة أيام ، أو كان سفره معصيةً. وقد تقدّم ذلك كلّه في كتاب الصلاة.

وأمّا ما عدا ذلك فيحرم صومه في السفر ؛ لأنّ عمّار الساباطي سأل الصادقعليه‌السلام ، عن الرجل يقول : لله علَيَّ أن أصوم شهراً أو أكثر من ذلك أو أقلّ ، فعرض له أمر لا بدّ له أن يسافر ، أيصوم وهو مسافر؟ قال : « إذا سافر فلْيفطْر ، لأنّه لا يحلّ له الصوم في السفر فريضةً كان أو غيره ، والصوم في السفر معصية »(٥) .

وهو نص في الباب ، وعمّار وإن كان فطحياً إلّا أنّه ثقة اعتمد الشيخرحمه‌الله - على روايته في مواضع.

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٣٥ / ٦٩٠ ، الاستبصار ٢ : ١٠٢ / ٣٣٢.

(٢) البقرة : ١٧٧.

(٣) الكافي ٤ : ١٤٣ / ٩ ، التهذيب ٤ : ٢٣٥ / ٦٨٨ ، الاستبصار ٢ : ١٠١ / ٣٣٠.

(٤) البقرة : ١٩٦.

(٥) التهذيب ٤ : ٣٢٨ / ١٠٢٢.

١٠٧

مسألة ٦٤ : يستحب صوم ثلاثة أيام للحاجة بالمدينة ندباً وإن كان مسافراً‌ ، وهو مستثنى من كراهة صوم النافلة سفراً ؛ لضرورة السفر والمحافظة على الصوم في ذلك الموضع.

روى معاوية بن عمار - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « إن كان لك مقام بالمدينة ثلاثة أيام ، صُمْتَ أول [ يوم ](١) يوم الأربعاء وتصلّي ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي لبابة - وهي الاسطوانة التي كان يربط إليها نفسه حتى ينزل عذره من السماء - وتقعد عندها يوم الأربعاء ، ثم تأتي ليلة الخميس [ الاسطوانة ](٢) التي تليها ممّا يلي مقام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ليلتك ويومك ، وتصوم يوم الخميس ، ثم تأتي الأسطوانة التي تلي مقام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ومصلّاه ليلة الجمعة ، فتصلّي عندها ليلتك ويومك ، وتصوم يوم الجمعة ، وإن استطعت أن لا تتكلّم بشي‌ء في هذه الأيّام إلّا ما لا بدّ لك منه ولا تخرج من المسجد إلّا لحاجة ولا تنام في ليل ولا نهار ، فافعل فإنّ ذلك ممّا يعدّ فيه الفضل »(٣) الحديث.

مسألة ٦٥ : المريض الذي يضرّه الصوم‌ إمّا بزيادة أو استمرار أو منع برئه لا يجوز له الصوم ، فإن تكلّفه وصام ، لم يصح ؛ لأنّه منهي عنه بقوله تعالى( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) (٤) والنهي في العبادات(٥) يدلّ على الفساد.

ولو قدر على الصوم ولا ضرر عليه بسببه البتة ، وجب عليه الصوم.

مسألة ٦٦ : قد بيّنّا أنّ المغمى عليه يسقط عنه الصوم‌ ، وقد اضطرب‌

____________________

(١و٢) زيادة من المصدر.

(٣) التهذيب ٦ : ١٦ / ٣٥.

(٤) البقرة : ١٨٤.

(٥) في « ط » : العبادة.

١٠٨

قول الشافعي فيه ، وأثبت الأصحاب(١) في المسألة له طريقين : إثبات الخلاف ونفيه.

أمّا المثبتون للخلاف فلهم طُرُق ، أظهرها : أنّ المسألة على ثلاثة أقوال ، أصحّها : أنّه إذا كان مُفيقاً في أول النهار(٢) ، صحّ صومه - وبه قال أحمد - لاقتضاء الدليل اشتراط النية مقرونةً بجميع أجزاء العبادة ، إلّا أنّ الشرع لم يشترط ذلك ، واكتفى بتقديم العزم ، دفعاً للعسر ، فلا بدّ وأن يقع المعزوم عليه بحيث يتصوّر القصد ، وإمساك المغمى عليه لم يقع مقصوداً ، فإذا استغرق الإغماء ، امتنع التصحيح ، وإذا وجدت الإِفاقة في لحظة ، أتبعنا زمان الإِغماء زمان الإِفاقة.

والثاني : اشتراط الإِفاقة في أول النهار - وبه قال مالك - لأنّها حالة الشروع في الصوم ، فينبغي أن تجتمع فيه صفات الكمال ، ولهذا خصّ أول الصلاة باشتراط النية فيه(٣) .

والطريق الثاني : أنّه ليس في المسألة إلّا قولان : الأول والثاني.

والثالث(٤) : أنّ المسألة على خمسة أقوال : هذه الثلاثة وقولان آخران :

أحدهما ما ذكره المزني ، وهو : أنّه إذا نوى من الليل ، صحّ صومه وإن استغرق الإِغماء جميع النهار كالنوم. وخرَّجه من النوم. وبه قال أبو حنيفة.

والثاني : أنّه تشترط الإِفاقة في طرفي النهار وقت طلوع الشمس وغروب الشمس ؛ لأنّ الصلاة لمـّا اعتبرت النية فيها ولم تعتبر في جميعها اعتبرت في‌

____________________

(١) أي : الأصحاب من الشافعية.

(٢) كذا في النسخ الخطية والطبعة الحجرية ، وهو متّحد مع القول الثاني الآتي بعد عدّة أسطر. ومن سياق العبارة ومراجعتنا للمصادر نستظهر أن تكون العبارة هكذا : في أول النهار أو وسطه أو آخره. أو : في جزء من النهار.

(٣) لم يذكر المصنّف -قدس‌سره - القول الثالث لهم وهو : اشتراط الإِفاقة في جميع النهار. راجع : فتح العزيز ٦ : ٤٠٧.

(٤) أي : الطريق الثالث.

١٠٩

طرفيها ، كذلك حكم الإِفاقة في الصوم.

وأمّا النافون للخلاف ، فلهم طريقان :

أحدهما : أنّ المسألة على قول واحد ، وهو : اشتراط الإِفاقة في أول النهار.

وأظهرهما : أنّ المسألة على قول واحد ، وهو : اشتراط الإِفاقة في جزء من النهار(١) .

ولو نوى من الليل ثم شرب مُرقداً فزال عقله نهاراً ، فالأقرب : وجوب القضاء.

ورتّب الشافعية ذلك على الإِغماء ، فإن قالوا : لا يصحّ الصوم في الإِغماء ، فهنا أولى ، وإن قالوا : يصحّ ، فوجهان ، والأصحّ عندهم : وجوب القضاء ؛ لأنّه بفعله(٢) .

ولو شرب المسكر ليلا وبقي سكره في جميع النهار ، فعليه القضاء ، وإن بقي بعض النهار ثم صحا ، فهو كالإِغماء في بعض النهار عند الشافعية(٣) .

وقد رتّب الجويني للاختلال مراتب :

أ - الجنون ، وهو يسلب خواص الإِنسان‌ ويكاد يلحقه بالبهائم.

ب - الإِغماء ، وهو يغشى العقل ويغلب عليه‌ حتى لا يبقى في دفعه اختيار.

ج - النوم ، وهو مزيل للتميز لكنه سهل الإِزالة ، والعقل معه كالشي‌ء المستور الذي يسهل الكشف عنه.

د - الغفلة ، ولا أثر لها في الصوم إجماعاً(٤) .

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٤٠٦ - ٤٠٧.

(٢و٣) فتح العزيز ٦ : ٤٠٨.

(٤) فتح العزيز ٦ : ٤٠٨ - ٤٠٩.

١١٠

١١١

الفصل السادس

في الزمان الذي يصحّ صومه‌

مسألة ٦٧ : محلّ الصوم إنّما هو النهار دون الليل‌ ؛ للنصّ والإِجماع.

قال الله تعالى( فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) (١) .

وأجمع المسلمون كافة على ذلك.

ولو نذر صوم الليل ، لم ينعقد نذره ؛ لأنّه نذر الصوم في الليل وليس محلاً له ، فلم يكن الإِمساك فيه عبادة شرعية ، فلا ينعقد.

ولا فرق بين أن يُفرده عن النهار في الصوم أو يضمّه اليه ؛ لأنّه لا يصحّ صومه بانفراده ، فلا يصح منضمّاً الى غيره ، ولا ينعقد صوم النهار حينئذٍ ؛ لأنّ المجموع لا يصحّ صومه ، ولا ينعقد نذره ؛ لأنّه نذر معصية ، فلا ينعقد نذر صوم النهار.

مسألة ٦٨ : ويحرم صوم يومي العيدين في فرض أو نفل‌ ، فإن صام واحداً منهما أو صامهما ، فعل مُحرّماً ، ولم يجزئه عن الفرض بإجماع علماء‌

____________________

(١) البقرة : ١٨٧.

١١٢

الأمصار ؛ لما رواه العامة عن أبي هريرة أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، نهى عن صيام يومين : يوم فطر ويوم أضحى(١) ، والنهي يدلّ على التحريم.

ومن طريق الخاصة : ما رواه الزهري عن سيد العابدينعليه‌السلام ، قال في حديث طويل ذكر فيه وجوه الصيام : « وأمّا الصوم الحرام فصوم يوم الفطر ويوم الأضحى »(٢) الحديث.

مسألة ٦٩ : لو نذر صوم يومي العيدين‌ ، لم ينعقد نذره ولم يصر العيد قابلاً لإِيقاع الصوم فيه باعتبار النذر - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّه محرَّم شرعاً إجماعاً ، فلا يصح نذره.

ولأنّه معصية ؛ لأنّه منهي عنه ؛ لقولهعليه‌السلام : ( ألا لا تصوموا هذه الأيام )(٤) فلا يتقرّب بالنذر فيه الى الله تعالى ؛ لتضادّ الوجهين.

ولقولهعليه‌السلام : ( لا نذر في معصية )(٥) .

ولأنّه نذر صوماً محرَّماً فلم ينعقد ، كما لو نذرت صوم أيام حيضها.

ولأنّ ما لا يصحّ صومه عن النذر المطلق والكفّارة لا يصحّ عن النذر المعيّن فيه كأيّام الحيض والنفاس.

وقال أبو حنيفة : صومه محرَّم ، ولو نذره انعقد ، ولزمه أن يصوم غيره ، وإن صام فيه أجزأه - ولو صام فيه عن نذر مطلق ، لم يجزئه - لأنّه نذر صوم يوم مع أهليته للصوم فيه ، فانعقد نذره كسائر الأيام(٦) .

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٧٩٩ / ١١٣٨ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٩٧.

(٢) الكافي ٤ : ٨٥ / ١ ، الفقيه ٢ : ٤٧ / ٢٠٨ ، التهذيب ٤ : ٢٩٦ / ٨٩٥.

(٣) المجموع ٨ : ٤٨٢ ، الوجيز ٢ : ٢٣٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣٨٦.

(٤) سنن الدار قطني ٢ : ١٨٧ / ٣٣ ، و ٢١٢ / ٣٣.

(٥) سنن أبي داود ٣ : ٢٣٢ / ٣٢٩٠ و ٢٣٣ / ٣٢٩٢ ، سنن الترمذي ٤ : ١٠٣ - ١٠٤ / ١٥٢٤ و ١٥٢٥ ، سنن ابن ماجة ١ : ٦٨٦ / ٢١٢٤ و ٢١٢٥ ، سنن النسائي ٧ : ٢٦ - ٣٠ ، المستدرك - للحاكم - ٤ : ٣٠٥ ، سنن البيهقي ١٠ : ٦٩.

(٦) المبسوط للسرخسي ٣ : ٩٥ - ٩٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ٧٩ - ٨٠ ، الهداية للمرغيناني ١ : =

١١٣

ونمنع أهليته للصوم ؛ لورود النهي عنه(١) .

مسألة ٧٠ : ويحرم صوم أيام التشريق‌ - وهي الحادي عشر من ذي الحجة والثاني عشر والثالث عشر - لمن كان بمنى خاصة في الفرض والنفل عند علمائنا.

وقد قال أكثر أهل العلم بأنّه لا يحلّ صيامها تطوّعاً(٢) ؛ لأنّ العامة روت عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله عزّ وجل )(٣) .

وعن عبد الله بن حذافة قال : بعثني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أيام منى اُنادي : أيّها الناس إنّها أيام أكل وشرب وبعال(٤) (٥) ؛ يعني أيام التشريق.

ومن طريق الخاصة : رواية الزهري عن زين العابدينعليه‌السلام : « وأما صوم الحرام فصوم يوم الفطر ويوم الأضحى وثلاثة أيام التشريق »(٦) .

وأمّا صومها في الفرض : فعندنا أنّه لا يجوز ؛ لما تقدّم من الأخبار من طريق العامة والخاصة ، وبه قال أبو حنيفة(٧) .

وقال مالك : يجوز(٨) .

____________________

= ١٣١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٨٦ ، المجموع ٦ : ٤٤٠ و ٨ : ٤٨٢ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٩ - ٤١٠ و ٤١٦ ، المغني ١١ : ٣٦٠ ، الشرح الكبير ١١ : ٣٤٨.

(١) صحيح مسلم ٢ : ٧٩٩ / ١١٣٨ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٩٧.

(٢) المغني ٣ : ١٠٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١١١ - ١١٢.

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٨٠٠ - ١١٤١ ، مسند أحمد ٥ : ٧٥ ، وأوردها ابنا قدامة في المغني ٣ : ١٠٤ ، والشرح الكبير ٣ : ١١١.

(٤) البعال : النكاح وملاعبة الرجل أهله. النهاية لابن الأثير ١ : ١٤١.

(٥) سنن الدارقطني ٢ : ٢١٢ - ٣٢ ، وأورده ابن قدامة في المغني ٣ : ١٠٤.

(٦) الكافي ٤ : ٨٥ / ١ ، الفقيه ٢ : ٤٧ / ٢٠٨ ، التهذيب ٤ : ٢٩٦ / ٨٩٥.

(٧) المبسوط للسرخسي ٣ : ٨١ ، بدائع الصنائع ٢ : ٧٩ ، المجموع ٦ : ٤٤٥.

(٨) بداية المجتهد ١ : ٣٠٩ ، فتح العزيز ٦ : ٤١٠ و ٤١٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٤ ، المجموع ٦ : ٤٤٥.

١١٤

وللشافعي قولان : القديم : الجواز ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، رخّص للمتمتّع إذا لم يجد الهَدي ولم يَصُم الثلاثة في العَشر أن يصوم أيام التشريق. والجديد : التحريم(١) .

واعلم : أنّ بعض الشافعية خصّ جواز صومها بالمتمتّع في بدل الهدي ، ومنع غيره ؛ لأنّ النهي عام ، والرخصة وردت في حقّ المتمتّع خاصة ، وهو قول أكثرهم(٢) .

وقال بعضهم : إنّه يجوز صومها لغيره ؛ لأنّ تجويز صومها للمتمتّع إنّما كان لأنّه صوم له سبب ، فيجوز مثل هذا الصوم لكلّ أحد ، دون التطوّعات المحضة(٣) .

فروع :

أ - قيّد أصحابنا التحريم لمن كان بمنى ، فلو كان في غيرها من الأمصار ، لم يحرم صوم أيام التشريق عليه ؛ لأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادقعليه‌السلام ، عن الصائم(٤) أيام التشريق ، فقال : « أمّا بالأمصار فلا بأس به ، وأمّا بمنى فلا »(٥) .

ب - هل التحريم مطلق على من كان بمنى ، أو بشرط أن يكون ناسكا؟ فيه إشكال.

ج - لو نذر صوم أيام التشريق ، فإن كان بمنى ، لم ينعقد نذره ؛ لأنّه صوم محرَّم ، وان كان بغيرها ، صحّ.

د - قال الشيخ في النهاية : صوم ثلاثة أيام : يوم قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة ، فإن فاته صوم هذه ، فليصم يوم الحصبة - وهو يوم النفر - ويومان‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٦ ، المجموع ٦ : ٤٤٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤١٠ - ٤١١ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٤ ، وراجع : سنن الدار قطني ٢ : ١٨٦ / ٢٩.

(٢و٣) فتح العزيز ٦ : ٤١١ - ٤١٢.

(٤) في التهذيب : صيام. وفي الاستبصار : الصيام.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٩٧ / ٨٩٧ ، الاستبصار ٢ : ١٣٢ / ٤٢٩.

١١٥

بعده متواليات(١) .

ويشكل : بأنّ يوم الحصبة من جملة أيام التشريق.

مسألة ٧١ : لو نذر صوم يوم معيّن كالسبت مثلاً ، فاتّفق أنّه أحد العيدين ، أو أيام التشريق‌ ، لم يجز صومه.

والأقوى : بطلان النذر ؛ لأنّه لم يصادف محلاً.

ويحرم صوم يوم الشك بنية أنّه من رمضان أو أنّه إن كان من رمضان ، كان واجباً ، وإن كان من غير رمضان(٢) ، كان ندباً ، وقد سبق(٣) ذلك كله.

* * *

____________________

(١) النهاية : ٢٥٤ - ٢٥٥.

(٢) في الطبعة الحجرية : من شعبان ، بدل من غير رمضان.

(٣) سبق في الفرع ( أ ) من المسألة ٨.

١١٦

١١٧

الفصل السابع

في أقسام الصوم‌

أقسام الصوم أربعة :

واجب ومندوب ومكروه ومحظور

فالواجب من الصوم ستة : شهر رمضان والكفّارات ودم المتعة والنذر وشبهه ، والاعتكاف على وجه ، وقضاء الواجب ، فهنا مطالب :

الأول : في شهر رمضان ، وفيه مباحث :

البحث الأول : في علامته.

يعلم دخول شهر رمضان وغيره من الشهور بأحد اُمور ثلاثة : إمّا رؤية الهلال أو الإِخبار أو الحساب.

النظر الأول :

في رؤية الهلال‌

مسألة ٧٢ : أجمع العلماء كافة على أنّ رؤية الهلال للزائد على الواحد سبب في وجوب الصوم في شهر رمضان‌ ، وعلامة على دخوله.

قال الله تعالى :( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنّاسِ وَالْحَجِّ ) (١) دلّ على أنّه تعالى اعتبر الأهلّة في تعرّف أوقات الحجّ وغيره ممّا‌

____________________

(١) البقرة : ١٨٩.

١١٨

يعتبر فيه الوقت.

وأجمع المسلمون من عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الى زماننا هذا على اعتبار الهلال والترائي له ، والتصدّي لإِبصاره ، وقد كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يتصدّى لرؤيته ويتولّاها(١) .

وشرّععليه‌السلام قبول الشهادة(٢) عليه ، والحكم في مَن شهد بذلك في مصر من الأمصار ، ومَن جاء بالخبر من خارج المصر ، وحكم المخبر به في الصحو ، وخبر مَن شهد برؤيته مع العوارض ؛ وذلك يدلّ على أنّ رؤية الهلال أصل من اُصول الدين معلوم ضرورة من شرع الرسولعليه‌السلام ، والأخبار متواترة بذلك ، ولا نعلم فيه خلافاً.

وقد سئل الصادقعليه‌السلام عن الأهلّة ، فقال : « هي أهلّه الشهور ، فإذا رأيت الهلال فصُم ، وإذا رأيته فأفطر »(٣) .

مسألة ٧٣ : ويلزم صوم رمضان مَن رأى الهلال‌ وإن كان واحداً انفرد برؤيته ، سواء كان عدلاً أو غير عدل ، شهد عند الحاكم أو لم يشهد ، قُبلت شهادته أو ردّت ، ذهب إليه علماؤنا أجمع - وبه قال مالك والليث والشافعي وابن المنذر وأصحاب الرأي(٤) - لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( صُوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته )(٥) وتكليف الرسول صلّى الله عليه‌

____________________

(١) راجع : سنن الدارمي ٢ : ٣ - ٤.

(٢) راجع : سنن الترمذي ٣ : ٧٤ / ٦٩١ ، وسنن الدار قطني ٢ : ١٥٦ / ١ و ٣ و ١٥٨ - ١٥٩ / ٧ - ١٤ ، وسنن البيهقي ٤ : ٢٤٩ ، وسنن الدارمي ٢ : ٤ - ٥.

(٣) الكافي ٤ : ٧٦ / ١ ، التهذيب ٤ : ١٥٦ - ١٥٧ / ٤٣٤ ، الإستبصار ٢ : ٦٣ / ٢٠٤.

(٤) المدونة الكبرى ١ : ١٩٣ ، بداية المجتهد ١ : ٢٨٥ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٧ ، المجموع ٦ : ٢٨٠ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٣ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ٨٠ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٠ ، المغني ٣ : ٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ١١.

(٥) صحيح مسلم ٢ : ٧٦٢ / ١٨ و ١٩ ، صحيح البخاري ٣ : ٣٥ ، سنن الترمذي ٣ : =

١١٩

وآله كما يتناول الواحد يتناول الجميع وبالعكس.

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن الأهلّة : « هي أهلّه الشهور ، فإذا رأيت الهلال فصُم ، وإذا رأيته فأفطر »(١) .

ولأنّه يتيقّن أنّه من رمضان ، فلزمه صومه ، كما لو حكم به الحاكم.

ولأنّ الرؤية أبلغ في باب العلم من الشاهدَين ، بل الشاهدان يفيدان الظنّ ، والرؤية تفيد القطع ، فإذا تعلّق حكم الوجوب بأضعف الطريقين فبالأقوى أولى.

وقال عطاء والحسن وابن سيرين وإسحاق : إذا انفرد الواحد برؤية الهلال ، لا يصوم - وعن أحمد روايتان(٢) - لأنّه يوم محكوم به من شعبان ، فأشبه التاسع والعشرين(٣) .

ونمنع الحكم بكونه من شعبان في حق الرائي ، لأنّه يتيقّن أنّه من شهر رمضان ، فلزمه صيامه كالعدل.

إذا ثبت هذا ، فإن أفطر هذا المنفرد ، وجب عليه الكفّارة عند علمائنا أجمع ؛ لأنّه أفطر يوماً من رمضان ، فوجب عليه الكفّارة ، كما لو قُبلت شهادته.

وقال أبو حنيفة : لا تجب عليه الكفّارة ؛ لأنّها عقوبة ، فلا تجب بفعل مختلف فيه كالحدّ(٤) .

____________________

= ٧٢ / ٦٨٨ ، سنن النسائي ٤ : ١٣٣ و ١٣٦ و ١٥٤ ، سنن الدارمي ٢ : ٢ و ٣ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٥٨ / ٧ و ١٦٠ - ١٦١ / ١٥ و ٢٠ و ١٦٢ - ١٦٣ / ٢٧ و ٢٨ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٤٧.

(١) التهذيب ٤ : ١٥٥ / ٤٣٠ ، الاستبصار ٢ : ٦٢ - ٦٣ / ٢٠٠.

(٢) المغني ٣ : ٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ١١.

(٣) المغني ٣ : ٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ١١ ، المجموع ٦ : ٢٨٠ ، بداية المجتهد ١ : ٢٨٥.

(٤) المبسوط للسرخسي ٣ : ٦٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ٨٠ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٠ ، المجموع ٦ : ٢٨٠ ، المغني ٣ : ٩٦ ، بداية المجتهد ١ : ٢٨٦ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٩ - ٤٥٠.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333