تذكرة الفقهاء الجزء ٦

تذكرة الفقهاء11%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-46-9
الصفحات: 333

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 333 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 228424 / تحميل: 5430
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٦

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٤٦-٩
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

تذكرة الفقهاء الجزء السادس

العلامة الحلي

٢

٣

بسم الله الرحمن الرحيم

٤

٥

كتاب الصوم‌

وفيه مقدمة وفصول:

الصوم لغةً : الإِمساك(١) ، وشرعاً : الإِمساك عن أشياء مخصوصة من أول طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس.

وينقسم الى واجب ومندوب ومكروه ومحظور.

أمّا الواجب فستة : صوم شهر رمضان ، والكفّارات ، ودم المتعة ، والنذر وما في معناه ، والاعتكاف على وجه ، وقضاء الواجب.

وأمّا المندوب(٢) : فجميع أيام السنة إلّا العيدين وأيّام التشريق لمن كان بمنى.

ويتأكّد أربعة عشر : صوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر : أول خميس من كلّ شهر ، وآخر خميس منه ، وأول أربعاء في العشر الثاني ، وثلاثة أيام البيض ، والغدير ، ومولد النبيعليه‌السلام ، ومبعثه ، ودَحو الأرض ، وعرفة لمن لا يضعفه عن الدعاء ، وعاشوراء على جهة الحزن ، ويوم المباهلة ، وكلّ خميس ، وكلّ جمعة ، وأول ذي الحجة ، وشهر رجب وشعبان.

وأمّا المكروه : فصوم عرفة لمن يضعف عن الدعاء ، أو يشك في الهلال ،

____________________

(١) اُنظر : الصحاح ٥ : ١٩٧٠.

(٢) في النسخ الخطية : الندب. وما أثبتناه من الطبعة الحجرية.

٦

والنافلة سفراً عدا ثلاثة أيّام بالمدينة للحاجة ، والضيف ندباً بدون إذن مضيفه ، أو الولد بدون إذن الوالد ، والصوم ندبا للمدعوّ إلى طعام.

وأمّا المحظور فتسعة : صوم العيدين ، وأيام التشريق لمن كان بمنى ، ويوم الشك بنية الفرض ، وصوم نذر المعصية ، وصوم الصمت ، وصوم الوصال ، وصوم المرأة والعبد ندباً بدون إذن الزوج والمالك ، وصوم الواجب سفراً عدا ما استثني.

قيل : أول ما فرض صوم عاشوراء.

وقيل : كان تطوعاً لا فرضا.

وقيل : لمـّا قدم النبيعليه‌السلام [ المدينة ](١) أمر بصيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر ، وهو قوله تعالى :( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ ) (٢) ثم نسخ بقوله تعالى :( شَهْرُ رَمَضانَ ) (٣) (٤) .

وقيل : المراد بالأيام المعدودات شهر رمضان ، فلا نسخ.

وقيل : أول ما فرض صوم رمضان لا عيناً ، بل مخيّراً بينه وبين الفدية ، وكان الصوم أفضل ؛ لقوله( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ ) (٥) الآية ، ثم نسخ بقوله( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) (٦) .

قيل : وكان الصوم في بدء الإِسلام أن يمسك بعد صلاة العشاء الآخرة ، أو ينام إلى أن تغيب الشمس ، فإذا غربت حلَّ الأكل والشرب إلى أن يصلّي العشاء أو ينام.

وصوم شهر رمضان واجب بالنص والإجماع.

____________________

(١) الزيادة أثبتناها من المصدر.

(٢) البقرة : ١٨٣.

(٣) البقرة : ١٨٥.

(٤) أنظر : سنن البيهقي ٤ : ٢٠٠ و ٢٠١.

(٥) البقرة : ١٨٤.

(٦) البقرة : ١٨٥.

٧

الفصل الأول

في النيّة‌

مسألة ١ : شرط صحة الصوم : النيّة‌ ، واجباً كان أو ندباً ، رمضان كان أو غيره ، بإجماع علمائنا - وبه قال أكثر الفقهاء(١) - لقوله تعالى( وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ ) (٢) .

وقولهعليه‌السلام : ( إنّما الأعمال بالنّيات )(٣) .

وقولهعليه‌السلام : ( مَن لم يُبيّت الصيام قبل الفجر فلا صيام له )(٤) .

ومن طريق الخاصة : قول الرضاعليه‌السلام : « لا عمل إلّا بنيّة »(٥) .

ولافتقار قضائه إلى النيّة ، فكذا أداؤه كالصلاة.

وحكي عن زفر بن الهذيل ومجاهد وعطاء : أنّ صوم رمضان إذا تعيّن ، بأن كان مقيماً صحيحاً ، لا يفتقر إلى النيّة ؛ لأنّه فرض مستحق لعينه ، فأشبه‌

____________________

(١) اُنظر : المجموع ٦ : ٣٠٠ ، والمغني ٣ : ١٨.

(٢) البيّنة : ٥.

(٣) صحيح البخاري ١ : ٢ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٤١٣ / ٤٢٢٧ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٦٢ / ٢٢٠١ ، سنن البيهقي ٧ : ٣٤١.

(٤) سنن الدار قطني ٢ : ١٧١ / ١ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٠٢ و ٢١٣.

(٥) أمالي الطوسي ٢ : ٢٠٢ - ٢٠٣ ، والمعتبر : ٣٦.

٨

ردّ الوديعة(١) .

والفرق : أنّ الوديعة حقّ الآدمي.

مسألة ٢ : الصوم إن كان معيّناً بأصل الشرع كرمضان ، كفى فيه نيّة القربة‌ ، وهو : أن ينوي الصوم لوجوبه متقرباً إلى الله تعالى ، لا غير ، ولا يفتقر إلى التعيين ، وهو : أن ينوي رمضان عند علمائنا - وبه قال الشافعي في أحد قوليه(٢) - لأنّ القصد من نيّة التعيين تمييز أحد الفعلين أو أحد وجهي الفعل الواحد عن الآخر ، ولا يتحقّق التعدّد هنا ؛ فإنّه لا يقع في رمضان غيره ، فأشبه ردّ الوديعة.

وفي الثاني للشافعي : أنّه يفتقر - وبه قال مالك - لأنّه صوم واجب فيشترط فيه التعيين كالقضاء(٣) .

وليس بجيّد ؛ لعدم تعيّن زمان القضاء.

وقال أبو حنيفة بالاكتفاء إن كان مقيماً(٤) .

وإن كان معيَّناً لا بأصل الشرع ، بل بالنذر وشبهه ، قال السيد المرتضى : تكفي فيه نية القربة كرمضان(٥) - وبه قال أبو حنيفة(٦) - لأنّه زمان‌

____________________

(١) المجموع ٦ : ٣٠٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٥ ، بدائع الصنائع ٢ : ٨٣ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٩ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٥٩.

(٢) المجموع ٦ : ٢٩٤ ، فتح العزيز ٦ : ٢٩٩.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٨ ، المجموع ٦ : ٢٩٤ و ٣٠٢ ، فتح العزيز ٦ : ٢٩٢ و ٢٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٦ ، بداية المجتهد ١ : ٢٩٢ ، المغني ٣ : ٢٦ - ٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩.

(٤) المبسوط للسرخسي ٣ : ٦٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ٨٤ ، بداية المجتهد ١ : ٢٩٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٧ ، المجموع ٦ : ٣٠٢ ، فتح العزيز ٦ : ٢٩٢ ، المغني ٣ : ٢٧ - ٢٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠.

(٥) جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٣.

(٦) بدائع الصنائع ٢ : ٨٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٧ ، فتح العزيز ٦ : ٢٩٢ ، المجموع ٦ : ٣٠٢.

٩

تعيّن للصوم بالنذر ، فأشبه رمضان.

وقال الشيخ : لا تكفي ، بل لا بدّ فيه من نيّة التعيين(١) - وبه قال الشافعي ومالك وأحمد(٢) - لأنّه لم يتعيّن بأصل الشرع ، فأشبه النذر المطلق. وهو ممنوع.

وإن لم يكن معيَّناً كالنذور المطلقة وقضاء رمضان وصوم الكفّارات وصوم النافلة ، فلا بدّ فيه من نيّة التعيين عند العلماء كافة ؛ لأنّه زمان لا يتعيّن الصوم فيه ، ولا يتحقّق وجهه ، فاحتاج الى المخصّص.

فروع :

أ - لا بدّ من نية الفرض وإن كان الصوم معيَّناً كرمضان‌ ، وللشافعي قولان(٣) .

ب - ليس للمسافر أن يصوم رمضان بنيّة أنّه منه أو من غيره‌ ؛ لأنّ الصوم في سفر القصر حرام ، ولا يقع في رمضان غيره ؛ للنهي عن الصوم ، المقتضي للفساد ، وبه قال الشافعي وأكثر الفقهاء(٤) .

وقال أبو حنيفة : يقع عمّا نواه إذا كان واجباً(٥) .

وقال أبو يوسف ومحمد : يقع عن رمضان(٦) .

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٧٨ ، الخلاف ٢ : ١٦٤ ، المسألة ٤.

(٢) المجموع ٦ : ٣٠٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٦ ، بداية المجتهد ١ : ٢٩٢ ، المغني ٣ : ٢٦ - ٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٨ ، المجموع ٦ : ٢٩٤ - ٢٩٥ و ٣٠٢ ، فتح العزيز ٦ : ٢٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٧.

(٤) الوجيز ١ : ١٠٤ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤١ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٩٦ ، المجموع ٦ : ٢٦٣.

(٥) بدائع الصنائع ٢ : ٨٤ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦١ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١١٩ ، المجموع ٦ : ٢٦٣ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤١ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٧.

(٦) بدائع الصنائع ٢ : ٨٤ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦١ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١١٩.

١٠

ج - لو نوى الحاضر في رمضان صوماً مطلقاً ، وقع عن رمضان إجماعاً. ولو نوى غيره مع الجهل فكذلك ؛ للاكتفاء بنية القربة في رمضان وقد حصلت ، فلا تضرّ الضميمة ، ومع العلم كذلك ؛ لهذا الدليل ، ويحتمل البطلان ؛ لعدم قصد رمضان والمطلق فلا يقعان ؛ لقولهعليه‌السلام : ( وإنّما لكلّ امرئٍ ما نوى )(١) والمقصود منهي في رمضان.

د - شرط النية الجزم ، فلو قال : أنا صائم غداً إن شاء الله ؛ فإن قصد التبرّك أجزأ ، وإلّا فلا.

ولو نوى قضاء رمضان أو تطوّعاً ، لم يصح ؛ لعدم التعيين ، فلا جزم في كلٍّ منهما.

وقال أبو يوسف : يقع عن القضاء ؛ لعدم افتقار التطوّع إلى التعيين ، فكأنّه نوى القضاء وصوماً مطلقاً(٢) .

وقال محمد : يقع تطوّعاً - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّ زمان القضاء يصلح للتطوّع ، فإذا سقطت نيّة الفرض بالتشريك ، بقيت نيّة الصوم ، فوقع تطوّعاً(٤) .

وكلاهما ضعيف.

مسألة ٣ : وقت النيّة في المعيَّن كرمضان والنذر المعيَّن : من أول الليل إلى أن يطلع الفجر‌ ، ولا يجوز تأخيرها عن الطلوع مع العلم ، فيفسد صومه إذا أخّر عامداً ؛ لمضيّ جزء من النهار بغير نيّة ، والصوم لا يتبعّض ، ويجب عليه الإِمساك.

ولو تركها ناسياً أو لعذر ، جاز تجديدها الى الزوال ؛ لأنّ أعرابيّا جاء الى‌

____________________

(١) صحيح البخاري ١ : ٢ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٦٢ / ٢٢٠١ ، وسنن البيهقي ٧ : ٣٤١.

(٢) بدائع الصنائع ٢ : ٨٥ ، المجموع ٦ : ٢٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٨.

(٣) المجموع ٦ : ٢٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٨.

(٤) بدائع الصنائع ٢ : ٨٥ ، المجموع ٦ : ٢٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٨.

١١

النبيعليه‌السلام ، وقد أصبح الناس يوم الشك ، فشهد برؤية الهلال ، فأمر النبيعليه‌السلام منادياً ينادي : مَن لم يأكل فليصم ، ومَن أكل فليمسك(١) ، وإذا جاز مع العذر - وهو الجهل - جاز مع النسيان.

وقال الشافعي : لا يجزئ الصيام إلّا بنيّة من الليل في الواجب كلّه ، المعيّن وغيره ؛ وبه قال مالك وأحمد(٢) - وفي جواز مقارنة النيّة لطلوع الفجر عنده وجهان(٣) - لقولهعليه‌السلام : ( لا صيام لمن لم يبيّت الصيام قبل الفجر )(٤) .

ونقول بموجبه في العمد.

وقال أبو حنيفة : يصحّ صوم رمضان بنيّة قبل الزوال ، وكذا كلّ صوم معيَّن بالقياس على التطوّع(٥) .

والفرق : المسامحة في التطوّع تكثيراً له حيث قد يبدو له الصوم في النهار ، ولو شرطت النيّة ليلاً لَمُنع منه.

فروع :

أ - لو نوى أيّ وقت كان من الليل أجزأ ؛ لقولهعليه‌السلام : ( لا صيام‌

____________________

(١) أورده المحقق في المعتبر : ٢٩٩ ، والسرخسي في المبسوط ٣ : ٦٢.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٧ ، المجموع ٦ : ٢٨٩ - ٢٩٠ و ٣٠١ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٦ ، فتح العزيز ٦ : ٣٠٢ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٠ ، بداية المجتهد ١ : ٢٩٣ ، المغني ٣ : ١٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٧ ، المجموع ٦ : ٢٩٠ ، فتح العزيز ٦ : ٣٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٦.

(٤) سنن الدار قطني ٢ : ١٧٢ / ١ ، سنن الدارمي ٢ : ٧ ، سنن النسائي ٤ : ١٩٦ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٠٢ بتفاوت.

(٥) بدائع الصنائع ٢ : ٨٥ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦٢ ، المجموع ٦ : ٣٠١ ، فتح العزيز ٦ : ٣٠٢ - ٣٠٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٦ ، بداية المجتهد ١ : ٢٩٣ ، المغني ٣ : ١٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦.

١٢

لمن لم يبيّت الصيام من الليل )(١) وهو عام.

وقال بعض الشافعية : إنّما تصح النية في النصف الثاني منه دون الأول ؛ لاختصاصه بأذان الصبح والدفع من مزدلفة(٢) .

والفرق : جوازهما بعد الصبح ، فلا يفضي منعهما في الأول الى فواتهما ، بخلاف النيّة ؛ فإنّ أكثر الناس قد لا ينتبه في النصف الثاني ، ولا يذكر الصوم.

ب - تجوز مقارنة النيّة لطلوع الفجر ؛ لأنّ محلّ الصوم النهار ، والنيّة مقارنة.

وقال بعض الشافعية : يجب تقديمها على الفجر(٣) ؛ لقولهعليه‌السلام : ( من لم يجمع قبل الفجر فلا صيام له )(٤) .

ولا حجّة فيه ؛ لأنّ المقارنة متعذّرة غالباً ، والتأخير ممنوع منه ، فتعيّن السبق ؛ لإِزالة مشقّة ضبط المقارنة ، ومع فرض وقوعها يجب الإِجزاء.

ج - يجوز أن يفعل بعد النيّة ما ينافي الصوم إلى قبل الفجر ، وأن ينام بعد النيّة ؛ لقوله تعالى( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ ) (٥) خلافاً لأبي إسحاق من الشافعية(٦) .

د - لو نوى الصوم في رمضان ، ثم نوى الخروج منه بعد انعقاده ، لم‌

____________________

(١) سنن النسائي ٤ : ١٩٧ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٠٢ بتفاوت.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٧ ، المجموع ٦ : ٢٩٠ و ٢٩١ ، فتح العزيز ٦ : ٣٠٥.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٧ ، المجموع ٦ : ٢٩٠ ، فتح العزيز ٦ : ٣٠٤ - ٣٠٥.

(٤) سنن أبي داود ٢ : ٣٢٩ / ٢٤٥٤ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٠٢ ، سنن الترمذي ٣ : ١٠٨ / ٧٣٠ ، سنن الدار قطني ٢ : ١٧٢ / ٣.

(٥) البقرة : ١٨٧.

(٦) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٨ ، المجموع ٦ : ٢٩١ ، فتح العزيز ٦ : ٣٠٧ - ٣٠٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٦.

١٣

يبطل عند الشيخ(١) والشافعي في أحد قوليه ؛ لانعقاده أوّلاً ، فلا يبطل بغير المفطر.

وفي الآخر : يبطل ؛ لمضي جزء من النهار بغير نيّة فعلاً وقوّةً ، ولا عمل إلّا بنيّة(٢) .

ه- لو شك هل يخرج أم لا ، لم يخرج ؛ لأنّه لا يخرج مع الجزم ، فمع الشك أولى ، وللشافعية وجهان(٣) .

و - لو نوى أنّه يصوم غداً من رمضان لسنة تسعين ، وكانت إحدى وتسعين ، صحّ - خلافاً لبعض الشافعية(٤) - لوجود الشرط ، فلا يؤثّر الغلط ، كما لو نوى الثلاثاء فبان الأربعاء.

ولو كان عليه قضاء اليوم الأول ، فنوى قضاء الثاني ، أو كان عليه يوم من سنة خمس ، فنواه من سنة ست ، لم يصح ؛ لأنّه صوم لا يتعيّن بزمان ، فلا بدّ فيه من النيّة ، والذي عليه لم يَنْوه.

مسألة ٤ : الواجب غير المعيَّن كالقضاء والنذر المطلق ، يستمر وقت النيّة فيه إلى الزوال‌ إذا لم يفعل المنافي نهاراً ؛ لعدم تعيّن زمانه ، فجاز تجديد النيّة إلى الزوال ، كالنافلة.

ولأنّ هشام بن سالم قال للصادقعليه‌السلام : الرجل يصبح لا ينوي الصوم ، فإذا تعالى النهار ، حدث له رأي في الصوم ، فقال : « إن هو نوى الصوم قبل أن تزول الشمس ، حسب له يوم ، وإن نواه بعد الزوال ، حسب له من الوقت الذي نوى »(٥) .

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٧٨.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٨ ، المجموع ٦ : ٢٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٧.

(٣) المجموع ٦ : ٢٩٧.

(٤) وهو القاضي أبو الطيب كما في حلية العلماء ٣ : ١٨٩.

(٥) التهذيب ٤ : ١٨٨ / ٥٢٨.

١٤

وسأل صالح بن عبد الله ، الكاظمعليه‌السلام ، عن رجل جعل الله عليه صيام شهر فيصبح وهو ينوي الصوم ، ثم يبدو له فيفطر ، ويصبح وهو لا ينوي الصوم فيبدو له فيصوم ، فقال : « هذا كلّه جائز »(١) .

وسأل عبد الرحمن بن الحجاج ، الكاظمعليه‌السلام ، عن الرجل يصبح لم يطعم ولم يشرب ولم يَنو صوماً ، وكان عليه يوم من شهر رمضان ، أله أن يصوم ذلك اليوم وقد ذهب عامة النهار؟ فقال : « نعم ، له أن يصوم ويعتدّ له من شهر رمضان »(٢) .

وقال أبو حنيفة : لا يجزئ إلّا من الليل ، وبه قال الفقهاء(٣) ؛ لقولهعليه‌السلام : ( مَن لم يبيّت الصيام من الليل فلا صيام له )(٤) .

والمقصود منه المعيَّن ؛ لأنّه مخصوص بالنافلة ، فكذا غير المعيَّن.

مسألة ٥ : وقت النيّة لصوم النافلة من الليل ، ويمتدّ الى الزوال‌.

( وبجواز التجديد بالنهار قال )(٥) ابن مسعود وحذيفة وسعيد بن المسيّب وسعيد بن جبير والنخعي والشافعي وأحمد وأصحاب الرأي(٦) .

ووافقنا على امتداده الى الزوال خاصة ، أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه ، وأحمد في إحدى الروايتين(٧) ؛ لأنّ النبيعليه‌السلام ، دخل على‌

____________________

(١) التهذيب ٤ : ١٨٧ / ٥٢٣.

(٢) التهذيب ٤ : ١٨٧ / ٥٢٦.

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ٨٥ و ٨٦ ، الكتاب - للقدوري - بشرح الميداني ١ : ١٦٣ ، المجموع ٦ : ٣٠١ ، المغني ٣ : ١٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦.

(٤) سنن النسائي ٤ : ١٩٧ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٠٢.

(٥) بدل ما بين القوسين في « ط » والطبعة الحجرية هكذا : ويجوز التجديد بالنهار ، قاله.

(٦) المغني ٣ : ٢٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣ ، المجموع ٦ : ٣٠٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ٨٥.

(٧) بدائع الصنائع ٢ : ٨٥ ، المجموع ٦ : ٣٠٢ ، فتح العزيز ٦ : ٣١٠ - ٣١٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٠ ، المغني ٣ : ٣١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥.

١٥

عائشة يوماً ، فقال : ( هل عندكم شي‌ء؟ ) قلنا : لا ، قال : ( فإنّي إذن صائم )(١) .

ونحوه من طريق الخاصة ، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام (٢) .

وقال مالك : تجب النيّة من الليل ، بمعنى أنّه لا يصح الصوم إلّا بنيّة من الليل - وبه قال داود والمزني ، وهو مروي عن عبد الله بن عمر(٣) - لقولهعليه‌السلام : ( لا صيام لمن لم يبيّت الصيام من الليل )(٤) .

ولتساوي نيّة فرض الصلاة ونفلها في الوقت ، فكذا الصوم.

والحديث مخصوص بالناسي والمعذور ، وحديثنا أخصّ.

والفرق : أنّ النيّة مع أول الصلاة في النفل لا يؤدّي الى تقليلها ، بخلاف الصوم.

وقال السيد المرتضى(٥) وأكثر علمائنا(٦) والشافعي في قول(٧) : إنّ النيّة في النفل تمتدّ بامتداد النهار ؛ لتناول الأحاديث السابقة له.

وسأل هشام بن سالم ، الصادقعليه‌السلام : الرجل يصبح لا ينوي الصوم ، فإذا تعالى النهار ، حدث له رأي في الصوم ، فقال : « إن هو نوى الصوم قبل أن تزول الشمس ، حسب له يومه ، وإن نواه بعد الزوال ، حسب‌

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٨٠٩ / ١٧٠ ، سنن أبي داود ٢ : ٣٢٩ / ٢٤٥٥ ، سنن الترمذي ٣ : ١١١ / ٧٣٣ ، سنن النسائي ٤ : ١٩٣ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٠٣.

(٢) التهذيب ٤ : ١٨٨ / ٥٣١.

(٣) بداية المجتهد ١ : ٢٩٣ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٠ و ١٢١ ، المغني ٣ : ٢٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣ ، فتح العزيز ٦ : ٣١٠ - ٣١١ ، المجموع ٦ : ٣٠٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٩١ ، معالم السنن - للخطّابي - بهامش مختصر سنن أبي داود ٣ : ٣٣٤.

(٤) سنن النسائي ٤ : ١٩٧ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٠٢ بتفاوت.

(٥) جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٣ - ٥٤.

(٦) كالشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٢٧٨.

(٧) الوجيز ١ : ١٠١ ، فتح العزيز ٦ : ٣١١ ، حلية العلماء ٣ : ١٩١.

١٦

له من الوقت الذي نوى »(١) ولو صحّ الصوم من أول النهار لَحُسب له.

مسألة ٦ : جوّز الشيخ تقديم نيّة رمضان خاصة بيوم أو أيّام‌ ، إن عرض له ليلة الصيام سهوٌ أو نومٌ أو إغماءٌ ، أجزأته النيّة السابقة ، وإلّا فلا بدّ له من تجديدها(٢) ؛ لأنّ اقتران النيّة بالفعل غير شرط إجماعاً ، ولهذا جاز تجديد الناقض بعدها قبل الفجر ، فجاز تقدّمها قبل الهلال بيوم أو أيّام ؛ لتقارب الزمان.

والوجه : عدم الجواز ؛ لقولهعليه‌السلام : ( لا صيام لمن لم يبيّت الصيام من الليل )(٣) وأجزأ من أوله ؛ لعسر ضبط آخره.

مسألة ٧ : جوّز أصحابنا في رمضان صومه بنيّة واحدة في أوله لصومه أجمع‌ ، ولا يحتاج إلى تجديد النيّة كلّ ليلة ، بخلاف غيره - وبه قال مالك وأحمد في إحدى الروايتين ، وإسحاق وزفر(٤) - لأنّه نوى في زمان يصلح جنسه لنيّة الصوم ، لا يتخلّل بينه وبين فعله زمان يصلح جنسه لصوم سواه ، فأجزأه ، كما لو نوى اليوم الأول من ليلته.

وقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد في رواية : إنّه لا بدّ من تجديد النيّة كلّ يوم كغير رمضان(٥) .

وهو الوجه ؛ لأنّها عبادات متعدّدة لا يبطل بعضها بفساد البعض ، بخلاف الصلاة الواحدة واليوم الواحد.

____________________

(١) التهذيب ٤ : ١٨٨ / ٥٢٨.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ٢٧٦.

(٣) سنن النسائي ٤ : ١٩٧ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٠٢ بتفاوت.

(٤) الكافي في فقه أهل المدينة : المغني ٣ : ٢٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨ ، المجموع ٦ : ٣٠٢ ، فتح العزيز ٦ : ٢٩١ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٥ و ١٨٦.

(٥) بدائع الصنائع ٢ : ٨٥ ، المجموع ٦ : ٣٠٢ ، فتح العزيز ٦ : ٢٩١ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٥ ، المغني ٣ : ٢٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨.

١٧

وادّعى الشيخ والسيد المرتضى الإِجماع(١) (٢) .

مسألة ٨ : يستحب صوم(٣) يوم الشك من شعبان إذا لم يُر الهلال‌ ، ولا يكره صومه ، سواء كان هناك مانع من الرؤية كالغيم وشبهه ، أو لم يكن - وبه قال أبو حنيفة ومالك(٤) - لأنّ عليّاًعليه‌السلام قال : « لأن أصوم يوماً من شعبان أحبّ إليّ من أن أفطر يوماً من رمضان »(٥) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « صُمه فإن يك من شعبان كان تطوّعاً ، وإن يك من شهر رمضان فيوم وُفّقت له »(٦) .

ولأنّ الاحتياط يقتضي صومه ، فلا وجه للكراهية.

وقال شيخنا المفيدرحمه‌الله : إنّما يستحب مع الشك في الهلال لا مع الصحو وارتفاع الموانع ، ويكره مع الصحو وارتفاع الموانع ، إلّا لمن كان صائماً قبله(٧) - وبه قال الشافعي والأوزاعي(٨) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، نهى عن صيام ستة أيام : اليوم الذي يشك فيه من رمضان(٩) .

ويحمل على النهي عن صومه من رمضان.

وقال أحمد : إن كانت السماء مصحيةً ، كره صومه ، وإن كانت مغيمةً ، وجب صومه ، ويحكم بأنّه من رمضان - وهو مروي عن ابن عمر - لأنّ النبي‌

____________________

(١) أي : الإِجماع على إجزاء نيّة واحدة لصوم جميع شهر رمضان.

(٢) الخلاف ٢ : ١٦٣ - ١٦٤ ، المسألة ٣ ، الانتصار : ٦١ - ٦٢.

(٣) في « ط ، ن » : صيام.

(٤) الهداية للمرغيناني ١ : ١١٩ ، المجموع ٦ : ٤٠٤ و ٤٢١ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٣.

(٥) الفقيه ٢ : ٧٩ / ٣٤٨ ، سنن البيهقي ٤ : ٢١١.

(٦) الكافي ٤ : ٨٢ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٧٩ / ٣٥٠ ، التهذيب ٤ : ١٨١ / ٥٠٤ ، الاستبصار ٢ : ٧٨ / ٢٣٦.

(٧) حكاه عنه المحقّق في المعتبر : ٣٠٠.

(٨) المجموع ٦ : ٤٠٠ و ٤٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٣.

(٩) سنن الدار قطني ٢ : ١٥٧ / ٦.

١٨

عليه‌السلام قال : ( إنّما الشهر تسعة وعشرون يوماً ، فلا تصوموا حتى تروا الهلال ، ولا تفطروا حتى تروه ، فإن غمّ عليكم فاقدروا له )(١) .

ومعنى الإِقدار : التضييق ، بأن يجعل شعبان تسعة وعشرين(٢) .

وقد سبق أنّ النهي عن الصوم من رمضان ، ومعارض بقولهعليه‌السلام : ( صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته ، فإنّ غمّ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين )(٣) .

وقال الحسن وابن سيرين : وإن صام الإِمام صاموا ، وإن أفطر أفطروا وهو مروي عن أحمد(٤) ؛ لقولهعليه‌السلام : ( الصوم يوم تصومون ، والفطر يوم تفطرون ، والأضحى يوم تضحّون )(٥) .

فروع :

أ - لو نوى أنّه يصومه من رمضان ، كان حراماً ، ولم يجزئه لو خرج منه ؛ لدلالة النهي على الفساد.

قال مولانا زين العابدينعليه‌السلام عن يوم الشك : « اُمرنا بصيامه ، ونُهينا عنه ، اُمرنا أن يصومه الإِنسان على أنّه من شعبان ، ونُهينا عن أن يصومه على أنّه من شهر رمضان »(٦) .

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٧٥٩ / ٦ ، سنن الدارمي ٢ : ٤ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٠٤ ، مسند أحمد ٢ : ٥‌

(٢) المغني ٣ : ١٣ - ١٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٥ - ٦ ، فتح العزيز ٦ : ٤١٢ ، المجموع ٦ : ٤٠٣.

(٣) صحيح البخاري ٣ : ٣٥.

(٤) المغني ٣ : ١٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٦ ، المجموع ٦ : ٤٠٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٩.

(٥) سنن الترمذي ٣ : ٨٠ / ٦٩٧.

(٦) المعتبر : ٣٠٠ ، وبتفاوت يسير في الكافي ٤ : ٨٥ / ١ ، والفقيه ٢ : ٤٧ / ٢٠٨ ، =

١٩

ولو نواه ندباً على أنّه من شعبان ، أجزأ عنه وإن خرج من رمضان ؛ لأنّه أتى بالمأمور به على وجهه ، فكان مجزئاً عن الواجب ؛ لأنّ رمضان لا يقع فيه غيره ، ونيّة الوجوب ساقطة ؛ للعذر.

ولو نوى أنّه واجب أو ندب ولم يعيّن ، لم يصحّ صومه ، ولم يجزئه لو خرج من رمضان ، إلّا أن يجدّد النيّة قبل الزوال.

ولو نوى أنّه من رمضان ، فثبت الهلال قبل الزوال ، جدّد النيّة ، وأجزأه ؛ لبقاء محلّ النيّة.

ولو نوى أنّه إن كان من رمضان فهو واجب ، وإن كان من شعبان فندب ، لم يصحّ - وهو أحد قولي الشيخ(١) ، وبه قال الشافعي(٢) - لأنّ شرط النيّة الجزم ولم يحصل.

وللشيخ قول آخر : الإِجزاء لو بان من رمضان ؛ لأنّه نوى الواقع على التقديرين على وجههما ، ولأنّه نوى القربة وهي كافية(٣) .

ب - لو نوى الإِفطار لاعتقاد أنّه من شعبان ، فبان من رمضان قبل الزوال ولم يتناول ، نوى الصوم الواجب ، وأجزأه ؛ لبقاء محلّ النيّة ، والجهل عذر ، فأشبه النسيان.

ولو بان بعد الزوال ، أمسك بقية نهاره ، ووجب عليه القضاء ، وبه قال أبو حنيفة(٤) .

والشافعي أوجب القضاء في الموضعين(٥) .

____________________

= والتهذيب ٤ : ٢٩٦ - ٨٩٥.

(١) اُنظر : النهاية : ١٥١.

(٢) المجموع ٦ : ٢٩٥ - ٢٩٦ ، فتح العزيز ٦ : ٣٢٣ - ٣٢٤.

(٣) الخلاف ٢ : ١٧٩ ، المسألة ٢٢ ، المبسوط للطوسي ١ : ٢٧٧.

(٤) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ١٧٩ ، المسألة ٢٠.

(٥) المجموع ٦ : ٢٧١ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٩.

٢٠

وقال عطاء : يأكل بقية يومه ؛ وهو رواية عن أحمد(١) ، ولم يقل به غيرهما.

ولو أصبح بنيّة صوم شعبان ، فبان أنّه من رمضان ، نقل النيّة اليه ولو قبل الغروب ، وأجزأه.

ج - لو أخبره عدل واحد برؤية الهلال ، وأوجبنا الشاهدين ، فنوى أنّه من رمضان ، لم يجزئه لو بان منه. ولو كان عارفاً بحساب التسيير ، أو أخبره العارف بالهلال ، لم يصح بنيّة رمضان ؛ لأنّ ذلك ليس طريقاً الى ثبوت الأهلّة في نظر الشرع وإن أفاد الظنّ.

د - لو نوى ليلة الثلاثين من رمضان أنّه إن كان غداً من رمضان فإنّه صائم ، وإن كان من شوّال فهو مفطر ، قال بعض الشافعية : يصحّ ؛ لأصالة بقاء الشهر(٢) .

ويبطل ؛ لعدم الجزم.

ولو نوى أنّه يصومه عن رمضان أو نافلة ، لم يصحّ إجماعاً.

ه - لو نوى يوم الشك عن فرض عليه ، أجزأه من غير كراهة ، خلافاً لبعض الشافعية(٣) .

و - صوم الصبي شرعي ، وينعقد بنيّته(٤) ، فإن بلغ قبل الزوال بغير المبطل ، وجب عليه تجديد نيّة الفرض ، وإلّا فلا‌.

____________________

(١) المغني ٣ : ٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥.

(٢) المجموع ٦ : ٢٩٦ ، فتح العزيز ٦ : ٣٢٦ - ٣٢٧.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٥ ، المجموع ٦ : ٣٩٩ ، فتح العزيز ٦ : ٤١٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٣.

(٤) في النسخ الخطية : وتنعقد نيّته. وما أثبتناه من الطبعة الحجرية.

٢١

الفصل الثاني

فيما يمسك عنه الصائم‌

وهو اُمور :

الأول : يجب الإِمساك عن الأكل والشرب نهاراً من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس‌ بالنصّ والإِجماع.

قال الله تعالى( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) (١) .

ولا فرق بين المعتاد وغيره عند علمائنا ، سواء يغذّى به أو لا - وهو قول عامة أهل العلم(٢) - للعموم ، ولأنّ حقيقة الصوم الإِمساك ، وهو غير متحقّق مع تناول غير المعتاد.

وقال الحسن بن صالح بن حي : لا يفطر بما ليس بطعام ولا بشراب(٣) .

وكان أبو طلحة الأنصاري يأكل البرد في الصوم ، ويقول : ليس بطعام ولا شراب(٤) .

____________________

(١) البقرة : ١٨٧.

(٢) المغني ٣ : ٣٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨.

(٣) المغني ٣ : ٣٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٥ ، المجموع ٦ : ٣١٧.

(٤) المغني ٣ : ٣٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨ ، المجموع ٦ : ٣١٧ ، ومسند أحمد ٣ : ٢٧٩.

٢٢

وقال أبو حنيفة : لو ابتلع حصاةً أو فستقةً بقشرها ، لم تجب الكفّارة(١) ؛ فاعتبر في إيجاب الكفّارة ما يتغذّى به أو يتداوى به ، وهو مذهب السيد المرتضى(٢) .

والكلّ باطل بما تقدّم.

فروع :

أ - بقايا الغذاء المتخلّفة بين أسنانه إن ابتلعها عامداً نهاراً ، فسد صومه ، سواء أخرجها من فمه أو لا ؛ لأنّه ابتلع طعاماً عامداً فأفطر ، كما لو أكل.

وقال احمد : إن كان يسيراً لا يمكنه التحرّز منه فابتلعه ، لم يفطر ، وإن كان كثيراً أفطر(٣) .

وقال الشافعي : إن كان ممّا يجري به الريق ، ولا يتميّز عنه ، فبلعه مع ريقه ، لم يفطره ، وإن كان بين أسنانه شي‌ء من لحم أو خبز حصل في فيه ، متميّزاً عن الريق ، فابتلعه مع ذكره للصوم ، فسد صومه(٤) .

وقال أبو حنيفة : لا يفطر به ؛ لأنّه لا يمكنه التحرّز منه ، فأشبه ما يجري به الريق(٥) .

وهو خلاف الفرض ، فإنّه مع عدم إمكان التحرّز عنه عفو.

ب - الريق إذا جرى على حلقه على ما جرت العادة به ، لا يفطر ؛ لعدم إمكان التحرّز منه.

وكذا لو جمعه في فيه ثم ابتلعه ، وهو أحد قولي الشافعي ، وفي الآخر :

____________________

(١) المبسوط للسرخسي ٣ : ١٠٠ و ١٣٨ ، المغني ٣ : ٥٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٨.

(٢) جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٤.

(٣) المغني ٣ : ٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٩ - ٥٠.

(٤) المجموع ٦ : ٣١٧ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩٤ - ٣٩٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٤.

(٥) المبسوط للسرخسي ٣ : ٩٣ ، المغني ٣ : ٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٠ ، المجموع ٦ : ٣١٧.

٢٣

يفطر(١) .

أمّا لو خرج من فيه بين أصابعه أو ثوبه ، ثم ابتلعه ، فإنّه يفطر.

ولو أخرج حصاةً وشبهها من فيه وعليها بلّة من الريق ، ثم أعاده وعليه الريق ، وابتلع الريق ، أفطر ، خلافاً لبعض الجمهور(٢) .

ولو ابتلع ريق غيره ، أفطر.

ولو أبرز لسانه وعليه ريق ، ثم ابتلعه ، لم يفطر ؛ لعدم انفصاله عن محلّه.

ج - لو ابتلع النخامة المجتلبة من صدره أو رأسه ، لم يفطر ؛ لأنّه معتاد في الفم ، غير واصل من خارج ، فأشبه الريق ، ولعموم البلوى به.

وقول الصادقعليه‌السلام : « لا بأس أن يزدرد الصائم نخامته »(٣) .

وقال الشافعي : يفطر - وعن أحمد روايتان(٤) - لأنّه يمكن الاحتراز منه ، فأشبه القي‌ء(٥) .

ونمنع الصغرى.

د - حكم الازدراد حكم الأكل ، فلو ابتلع المعتاد وغيره ، أبطل صومه.

الثاني : الجماع ، وقد أجمع العلماء كافة على إفساد الصوم بالجماع الموجب للغسل في قبل المرأة ؛ للآية(٦) ، سواء أنزل أو لم ينزل.

ولو وطأ في الدُّبُر فأنزل ، فسد صومه إجماعاً ، ولو لم ينزل ، فالمعتمد‌

____________________

(١) المجموع ٦ : ٣١٨ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩١ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٤.

(٢) المغني ٣ : ٤١ ، الشرح الكبير ٣ : ٧٤.

(٣) الكافي ٤ : ١١٥ ( باب في الصائم يزدرد نخامته ) الحديث ١ ، التهذيب ٤ : ٣٢٣ / ٩٩٥.

(٤) المغني ٣ : ٤١ ، الشرح الكبير ٣ : ٧٤ - ٧٥.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٩ ، المجموع ٦ : ٣١٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٤ ، المغني ١ : ٤١ ، الشرح الكبير ١ : ٧٤ - ٧٥.

(٦) البقرة : ١٨٧.

٢٤

عليه الإِفساد ؛ لأنّه جماع في محلّ الشهوة ، فأشبه القُبُل.

ولو جامعها في غير الفرجين ، أفسد مع الإِنزال ، وإلّا فلا.

ولا فرق بين وطء الحيّة والميتة ، ولا بين الغلام والمرأة ، والموطوء كالواطئ.

ولو وطأ الدابة فأنزل ، أفسد ، وإلّا فلا.

الثالث : الإِنزال نهاراً عمداً مُفسدٌ ، سواء كان باستمناء أو ملامسة أو ملاعبة أو قُبلة إجماعاً ؛ لأنّ الصادقعليه‌السلام ، سئل عن الرجل يضع يده على شي‌ء من جسد امرأة فأدفق ، فقال : « كفّارته أن يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكيناً أو يعتق رقبة »(١) .

ولو نظر إلى ما لا يحلّ النظر اليه عامداً بشهوة فأمنى ، قال الشيخ : عليه القضاء(٢) .

ولو كان نظره الى ما يحلّ له النظر إليه فأمنى ، لم يكن عليه شي‌ء.

ولو أصغى أو تسمّع الى حديث فأمنى ، لم يكن عليه شي‌ء ؛ عملاً بأصالة البراءة.

وقال الشافعي وأبو حنيفة والثوري : لا يفسد الصوم بالإِنزال عقيب النظر مطلقاً ؛ لأنّه إنزال من غير مباشرة ، فأشبه الإِنزال بالفكر(٣) .

وقال أحمد ومالك والحسن البصري وعطاء : يفسد به الصوم مطلقاً ؛ لأنّه إنزال بفعل يتلذّذ به ، ويمكن التحرّز عنه ، فأشبه الإِنزال باللمس(٤) .

ولو أنزل من غير شهوة - كالمريض - عمداً ، أفسد صومه.

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٣٢٠ / ٩٨١.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ٢٧٢.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٠ ، المجموع ٦ : ٣٢٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٦ ، المغني ٣ : ٤٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٣ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٧٠.

(٤) المغني ٣ : ٤٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٦ ، المدونة الكبرى ١ : ١٩٩.

٢٥

ولو قلنا بالإِفساد بالنظر ، فلا فرق بين التكرار وعدمه ، وبه قال مالك(١) .

وقال أحمد : لا يفسد إلّا بالتكرار(٢) .

ولو فكّر فأمنى لم يفطر ، وبه قال الشافعي(٣) .

وقال أصحاب مالك : يفطر(٤) .

وتكره القُبلة للشاب الذي تُحرّك القُبلة شهوته ، ولا تكره لمن يملك إربه(٥) ؛ لأنّ النبيعليه‌السلام ، كان يُقبِّل وهو صائم ، وكان أملك الناس لإِربه(٦) .

ولو أمذى بالتقبيل ، لم يفطر عند علمائنا ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي ، وهو مروي عن الحسن والشعبي والأوزاعي(٧) .

وقال مالك وأحمد : يفطر(٨) .

الرابع : إيصال الغبار الغليظ إلى الحلق اختياراً ، كغبار الدقيق والنفض ، مفسدٌ للصوم - خلافاً للجمهور(٩) - لأنّه أوصل إلى الجوف ما ينافي الصوم.

____________________

(١) المدونة الكبرى ١ : ١٩٩ ، المغني ٣ : ٤٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤ ، المجموع ٦ : ٣٢٢ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٤.

(٢) المغني ٣ : ٤٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٣ و ٤٤.

(٣) المجموع ٦ : ٣٢٢ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩٦.

(٤) التفريع ١ : ٣٠٥ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩٦ ، وفيه : وعن أصحابه ( مالك ) في الفكر اختلاف.

(٥) الإِرب والإِربة : الحاجة. لسان العرب ١ : ٢٠٨ ، الصحاح ١ : ٨٧.

(٦) صحيح البخاري ٣ : ٣٩ ، صحيح مسلم ٢ : ٧٧٧ / ٦٦ ، سنن أبي داود ٢ : ٣١١ / ٢٣٨٢ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٣٣.

(٧) المجموع ٦ : ٣٢٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٦ ، المغني ٣ : ٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤.

(٨) المدونة الكبرى ١ : ١٩٦ ، المجموع ٦ : ٣٢٣ ، المغني ٣ : ٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٦.

(٩) المغني ٣ : ٤٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٨ - ٤٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٩٠ ، المجموع ٦ : ٣٢٧ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٩٨.

٢٦

ولأنّ سليمان بن جعفر(١) سمعه يقول : « إذا شمّ رائحة غليظة ، أو كنس بيتاً ، فدخل في أنفه وحلقه غبار ؛ فإنّ ذلك له فطر ، مثل الأكل والشرب والنكاح »(٢) .

ولو كان مضطرّاً أو لم يشعر به ، لم يفطر إجماعاً.

الخامس : مَن أجنب ليلاً وتعمّد البقاء على الجنابة حتى يطلع الفجر من غير ضرورة ولا عذر ، فسد صومه عند علمائنا ، وبه قال أبو هريرة وسالم ابن عبد الله والحسن البصري وطاوس وعروة ، وبه قال الحسن بن صالح بن حي والنخعي في الفرض خاصّة(٣) ؛ لقولهعليه‌السلام : ( مَن أصبح جُنُباً فلا صوم له )(٤) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام ، في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ، ثم ترك الغسل متعمّداً حتى أصبح ، قال : « يعتق رقبةً أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكيناً»(٥) .

وقال الجمهور : لا يفسد الصوم(٦) ؛ للآية(٧) .

ولقول عائشة : أشهد على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أن كان‌

____________________

(١) في المصدر : سليمان بن حفص المروزي.

(٢) التهذيب : ٤ : ٢١٤ / ٦٢١ ، الاستبصار ٢ : ٩٤ / ٣٠٥ بتفاوت يسير في الأخير.

(٣) المغني ٣ : ٧٨ - ٧٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٤ ، المجموع ٦ : ٣٠٧ - ٣٠٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٢ - ١٩٣.

(٤) أورده الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ١٧٤ ، المسألة ١٣ ، والرافعي في فتح العزيز ٦ : ٤٢٤ ، وفي مسند احمد ٢ : ٢٤٨ بتفاوت يسير.

(٥) التهذيب ٤ : ٢١٢ / ٦١٦ ، الاستبصار ٢ : ٨٧ / ٢٧٢.

(٦) المغني ٣ : ٧٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٤ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٨ ، المجموع ٦ : ٣٠٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٢ ، المدونة الكبرى ١ : ٢٠٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٢.

(٧) وهي قوله تعالى :( فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) البقرة : ١٨٧.

٢٧

ليُصبح جُنُباً من جماع غير احتلام ، ثم يصومه(١) .

ولا دلالة في الآية ؛ لعود الغاية إلى الجملة القريبة.

والحديث ممنوع ، ومحمول على القرب من الصباح ؛ لمواظبتهعليه‌السلام ، على أداء الفرائض في أول وقتها.

فروع :

أ - لو طلع عليه الفجر وهو مجامع ، نزع من غير تلوّم ، ووجب القضاء إن لم يُراع الفجر ، ولو نزعه بنيّة الجماع فكالمجامع.

ولو راعى الفجر ، ولم يظنّ قُربه ، ثم نزع مع أول طلوعه ، لم يفسد صومه ؛ لأنّ النزع ترك الجماع ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(٢) .

وقال مالك وأحمد والمزني وزفر : يبطل صومه(٣) .

وأوجب أحمد الكفّارة(٤) .

ب - لو طلع الفجر وفي فمه طعام ، لَفَظَه ، فإن ابتلعه ، فسد صومه.

ج - قال ابن أبي عقيل : إنّ الحائض والنفساء لو طهرتا ليلا ، وتركتا الغسل حتى يطلع الفجر عمداً ، وجب القضاء خاصة.

السادس : لو أجنب ليلاً ، ثم نام ناوياً للغسل حتّى أصبح ، صحّ صومه. ولو لم يَنو ، فسد صومه ، وعليه القضاء - خلافاً للجمهور(٥) - لما تقدّم من اشتراط الطهارة في ابتدائه ، وبنومه قد فرّط في تحصيل الشرط.

ولو أجنب فنام على عزم ترك الغسل حتى طلع الفجر ، فهو كالتارك‌

____________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ٤٠ ، وسنن البيهقي ٤ : ٢١٤.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٩ ، المجموع ٦ : ٣٠٩ و ٣١١ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٣ ، المغني ٣ : ٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٧.

(٣) المغني ٣ : ٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٧ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٩ ، المجموع ٦ : ٣٠٩ و ٣١١ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٣ - ٤٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٣.

(٤) المغني ٣ : ٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٧ ، المجموع ٦ : ٣١١.

(٥) المغني ٣ : ٧٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٤ ، المجموع ٦ : ٣٠٧.

٢٨

للغسل عمداً.

ولو أجنب ثم نام ناوياً للغسل حتى طلع الفجر ، فلا شي‌ء عليه ، فإن استيقظ ثم نام حتى يطلع الفجر ، وجب القضاء خاصة ؛ لأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادقعليه‌السلام : الرجل يجنب في أول الليل ثم ينام حتى يصبح في شهر رمضان ، قال : « ليس عليه شي‌ء » قلت : فإنّه استيقظ ثم نام حتى أصبح ، قال : « فليقض ذلك اليوم عقوبة »(١) .

ولو احتلم نهاراً في رمضان من غير قصد ، لم يفطر ، وجاز له تأخير الغسل إجماعاً.

السابع : القي‌ء عمداً مبطل للصوم‌ عند أكثر علمائنا(٢) ، وهو قول عامة العلماء(٣) ؛ لقولهعليه‌السلام : ( مَن ذرعه القي‌ء وهو صائم فليس عليه قضاء ، ومن استقاء فليقض )(٤) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « إذا تقيّأ الصائم فقد أفطر ، وإن ذرعه من غير أن يتقيّأ فليتم صومه »(٥) .

وقال السيد المرتضى وابن إدريس : لا يفسد صومه(٦) - وبه قال عبد الله ابن عباس وابن مسعود(٧) - لقولهعليه‌السلام : ( لا يفطر مَن قاء )(٨) .

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٢١٢ / ٦١٥ ، الاستبصار ٢ : ٨٧ / ٢٧١.

(٢) منهم : الشيخ الطوسي في النهاية : ١٥٤ - ١٥٥ ، والمبسوط ١ : ٢٧١ - ٢٧٢ ، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ١٨٣ ، والقاضي ابن البراج في المهذب ١ : ١٩٢ ، والمحقق في المعتبر : ٣٠٣ ، وشرائع الإِسلام ١ : ١٩٢.

(٣) المغني ٣ : ٥٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٤١ ، المجموع ٦ : ٣١٩ - ٣٢٠.

(٤) سنن أبي داود ٢ : ٣١٠ / ٢٣٨٠ ، سنن البيهقي ٤ : ٢١٩.

(٥) الكافي ٤ : ١٠٨ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٦٤ / ٧٩١.

(٦) جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٤ ، السرائر : ٨٨.

(٧) المغني ٣ : ٥٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٤١ ، المجموع ٦ : ٣٢٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٥.

(٨) سنن أبي داود ٢ : ٣١٠ / ٢٣٧٦ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٢٠.

٢٩

ونقول بموجبه فيما إذا ذرعه.

أمّا لو ذرعه القي‌ء فإنّه لا يفطر بإجماع العلماء.

وحكي عن الحسن البصري في إحدى الروايتين عنه : أنّه يفطر(١) . وهو غلط.

الثامن : اختلف علماؤنا في الاحتقان بالمائعات هل هو مفسد أم لا؟ للشيخ قولان :

أحدهما : الإِفساد(٢) - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد(٣) - لقول الرضاعليه‌السلام : «الصائم لا يجوز له أن يحتقن »(٤) .

ولأنّه أوصل إلى جوفه ما يصلح بدنه وهو ذاكر للصوم ، فأشبه الأكل.

والثاني : لا يفسد(٥) - وبه قال الحسن بن صالح بن حي وداود(٦) - لأنّ الحقنة لا تصل إلى المعدة ، ولا الى موضع الاغتذاء ، فلا يؤثّر فساداً ، كالاكتحال ، ولا يجري في مجرى الاغتذاء ، فلا يفسد الصوم ، كالاكتحال.

وقال مالك : يفطر بالكثير منها دون القليل(٧) .

____________________

(١) المجموع ٦ : ٣٢٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٦.

(٢) الخلاف ٢ : ٢١٣ ، المسألة ٧٣ ، الجمل والعقود ( ضمن الرسائل العشر ) : ٢١٣ ، المبسوط للطوسي ١ : ٢٧١ - ٢٧٢.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٩ ، المجموع ٦ : ٣١٣ و ٣٢٠ ، فتح العزيز ٦ : ٣٦٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٣ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦٧ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٣٩.

(٤) الفقيه ٢ : ٦٩ / ٢٩٢ ، التهذيب ٤ : ٢٠٤ / ٥٨٩ ، الاستبصار ٢ : ٨٣ / ٢٥٦ ، والكافي ٤ : ١١٠ / ٣ وفيه مضمراً.

(٥) اُنظر : النهاية : ١٥٦ ، والاستبصار ٢ : ٨٣ - ٨٤.

(٦) المجموع ٦ : ٣٢٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٤.

(٧) حكاه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٢١٣ ، المسألة ٧٣ ، والمحقّق في المعتبر : ٣٠٢ - ٣٠٣ ، وانظر : الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٦ ، وفتح العزيز ٦ : ٣٦٣ ، وحلية العلماء ٣ : ١٩٥.

٣٠

أمّا الاحتقان بالجامد : فإنّه مكروه لا يفسد به الصوم ، خلافاً للجمهور ؛ فإنّهم لم يفرّقوا بين المائع والجامد(١) ، وبه قال أبو الصلاح وابن البراج(٢) .

فروع :

أ - لو داوى جرحه فوصل الدواء إلى جوفه ، أفسد صومه عند الشيخ(٣) ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد(٤) .

وقال مالك : لا يفطر(٥) ، وبه قال أبو يوسف ومحمد(٦) ، وهو الوجه.

ب - لو جرح نفسه برمح فوصل إلى جوفه ، أو أمر غيره بذلك ، قال الشيخ : يفسد صومه(٧) ، وبه قال الشافعي(٨) .

والوجه : أنّه لا يفسد ، وبه قال أبو يوسف ومحمد(٩) .

ج - لو قطّر في اُذنه دهناً أو غيره ، لم يفطر ؛ للأصل.

ولأنّ ابن أبي يعفور سأل الصادقعليه‌السلام ، عن الصائم يصب الدواء‌

____________________

(١) اُنظر المصادر في الهامش (٣) من الصفحة ٢٩.

(٢) الكافي في الفقه : ١٨٣ ، المهذّب - للقاضي ابن البراج - ١ : ١٩٢.

(٣) حكاه عن مبسوط الشيخ ، المحقق في المعتبر : ٣٠٣ ولم نجده فيه.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٩ ، المجموع ٦ : ٣٢٠ ، فتح العزيز ٦ : ٣٦٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٥ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٣ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٣٩.

(٥) حكاه عنه النووي في المجموع ٦ : ٣٢٠ ، والقفّال الشاشي في حلية العلماء ٣ : ١٩٥ ، وانظر : المدوّنة الكبرى ١ : ١٩٨.

(٦) المبسوط للسرخسي ٣ : ٦٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٣ ، المجموع ٦ : ٣٢٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٥.

(٧) المبسوط للطوسي ١ : ٢٧٣.

(٨) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٩ ، المجموع ٦ : ٣٢٠ ، فتح العزيز ٦ : ٣٨٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٥.

(٩) المجموع ٦ : ٣٢٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٥.

٣١

في اُذنه ، قال : « نعم »(١) .

وقال بعض علمائنا : يفطر(٢) ؛ وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك وأحمد إذا وصل إلى الدماغ ؛ لأنّه جوف فالواصل اليه يغذّيه ، فيفطر به ، كجوف البدن(٣) .

وهو منقوض : بالاكتحال.

د - لو قطَّر في إحليله دواءً أو غيره ، لم يفطر ، سواء وصل الى المثانة أو لا - وبه قال أبو حنيفة وأحمد(٤) - لأنّ المثانة ليست محلاً للاغتذاء ، فلا يفطر بما يصل إليها ؛ ولأنّه ليس بين باطن الذكر والجوف منفذ ، وإنّما يخرج البول رشحا.

وقال الشافعي : يفطر ؛ وبه قال أبو يوسف - واضطرب قول محمد فيه(٥) - لأنّ المثانة كالدماغ في أنّها من باطن البدن(٦) .

ونمنع المساواة.

التاسع : قال الشيخان : الكذب على الله تعالى ، وعلى رسوله والأئمّة‌

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٣١١ / ٩٤١ ، الاستبصار ٢ : ٩٥ / ٣٠٧.

(٢) أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ١٨٣.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٩ ، المجموع ٦ : ٣١٤ و ٣٢٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٤ ، فتح العزيز ٦ : ٣٦٧ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٣ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٥ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٣٩ ، المدونة الكبرى ١ : ١٩٨.

(٤) بدائع الصنائع ٢ : ٩٣ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦٧ ، الاختيار لتعليل المختار ١ : ١٧٥ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٥ ، المجموع ٦ : ٣٢٠ ، فتح العزيز ٦ : ٣٧٠ - ٣٧١ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٤ ، المغني ٣ : ٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٩.

(٥) الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٥ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦٧ - ٦٠.

(٦) المجموع ٦ : ٣٢٠ ، فتح العزيز ٦ : ٣٧٠ ، المغني ٣ : ٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٩ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٥ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٣ ، الاختيار لتعليل المختار ١ : ١٧٥.

٣٢

عليهم‌السلام ، مفسد للصوم(١) - وبه قال الأوزاعي(٢) - لقول الصادقعليه‌السلام : « الكذبة تنقض الوضوء وتفطر الصائم » قال أبو بصير : هلكنا ، فقالعليه‌السلام : « ليس حيث تذهب ، إنّما ذلك الكذب على الله وعلى رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلى الأئمّةعليهم‌السلام »(٣) .

وهو محمول على المبالغة.

وقال السيد المرتضى : لا يفسده(٤) ؛ وهو قول الجمهور(٥) ، وهو المعتمد ؛ لأصالة البراءة ، ولا خلاف في أنّ الكذب على غير الله تعالى وغير رسوله والأئمّةعليهم‌السلام ، غير مفسد.

وأمّا المشاتمة والتلفّظ بالقبيح فكذلك ، إلّا الأوزاعي ، فإنّه أوجب بهما الإِفطار(٦) ؛ لقولهعليه‌السلام : ( مَن لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه )(٧) .

ولا دلالة فيه ، والإِجماع على خلاف قوله.

العاشر : الارتماس في الماء ، قال الشيخان : إنّه يفسد الصوم(٨) ؛ لقول الباقرعليه‌السلام : « لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال :

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٧٠ ، المقنعة : ٥٤.

(٢) حكاه عنه السيد المرتضى في الانتصار : ٦٣ ، والمحقّق في المعتبر : ٣٠٢.

(٣) الكافي ٤ : ٨٩ / ١٠ ، التهذيب ٤ : ٢٠٣ / ٥٨٥.

(٤) جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٤ ، وحكاه عنه المحقّق في المعتبر : ٣٠٢.

(٥) كما في المعتبر : ٣٠٢.

(٦) اُنظر : حلية العلماء ٣ : ٢٠٧.

(٧) صحيح البخاري ٣ : ٣٣ ، سنن أبي داود ٢ : ٣٠٧ / ٢٣٦٢ ، سنن الترمذي ٣ : ٨٧ / ٧٠٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٣٩ / ١٦٨٩ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٧٠ ، مسند أحمد ٢ : ٤٥٢ - ٤٥٣.

(٨) النهاية : ١٤٨ ، المبسوط للطوسي ١ : ٢٧٠ ، المقنعة : ٥٤.

٣٣

الأكل والشرب والنساء والارتماس في الماء »(١) .

ولا حجّة فيه ؛ لجواز التضرّر بالتحريم دون الإِفساد ، كما هو القول الآخر للشيخ(٢) ؛ لأنّ إسحاق بن عمار قال للصادقعليه‌السلام : رجل صائم ارتمس في الماء متعمّداً أعليه قضاء ذلك اليوم؟ قال : « ليس عليه قضاء ولا يعودنّ »(٣) .

قال الشيخ : لست أعرف حديثاً في إيجاب القضاء والكفّارة ، أو إيجاب أحدهما على من ارتمس في الماء(٤) .

وقال السيد المرتضى : لا يفسد الصوم ، وهو مكروه(٥) ؛ وبه قال مالك وأحمد(٦) والحسن والشعبي(٧) .

وقال باقي الجمهور : إنّه غير مكروه أيضاً(٨) .

ولا بأس بصبّ الماء على الرأس للتبرّد والاغتسال من غير كراهة.

ولو ارتمس(٩) فدخل الماء إلى حلقه ، أفسد صومه ، سواء كان دخول الماء اختياراً أو اضطراراً ، إذا كان الارتماس اختياراً.

____________________

(١) التهذيب ٤ : ١٨٩ / ٥٣٥ ، و ٢٠٢ / ٥٨٤ و ٣١٨ - ٣١٩ / ٩٧١ ، والاستبصار ٢ : ٨٠ / ٢٤٤ وفيه وفي الموضعين الأوّلين من التهذيب : ثلاث خصال.

(٢) الاستبصار ٢ : ٨٥ ذيل الحديث ٢٦٣.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٠٩ - ٢١٠ / ٦٠٧ و ٣٢٤ / ١٠٠٠ ، الاستبصار ٢ : ٨٤ - ٨٥ / ٢٦٣.

(٤) الاستبصار ٢ : ٨٥ ذيل الحديث ٢٦٣.

(٥) حكاه عنه المحقّق في المعتبر : ٣٠٢ ، وانظر : جُمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٤.

(٦) حكاه عنهما ، المحقق في المعتبر : ٣٠٢ ، وانظر : المغني ٣ : ٤٤ ، والشرح الكبير ٣ : ٥٢.

(٧) المغني ٣ : ٤٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٢.

(٨) حكاه المحقق في المعتبر : ٣٠٢ ، وانظر : المهذب للشيرازي ١ : ١٩٣ ، والمجموع ٦ : ٣٤٨.

(٩) في « ف » زيادة : في الماء.

٣٤

ولو صبّ الماء على رأسه ، فدخل حلقه متعمّداً ، أفسد صومه. وكذا لو كان الصبّ يؤدّي إليه قطعاً مع الاختيار لا الاضطرار ، ولو لم يؤدّ ، لم يفسد.

الحادي عشر : قال المفيد وأبو الصلاح : السعوط(١) الذي يصل إلى الدماغ‌ من الأنف مفسد للصوم مطلقاً(٢) - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد(٣) - لأنّ النبيعليه‌السلام ، قال للقيط بن صبرة : ( وبالغ في الاستنشاق إلّا أن تكون صائماً )(٤) .

ولأنّ الدماغ جوف ، فالواصل اليه يُغذّيه ، فيفطر به ، كجوف البدن.

والمنع إنّما كان للخوف من النزول الى الحلق ؛ لعروضه في الاستنشاق غالباً ، والتغذية لا تحصل من ذلك. واشتراك الدماغ والمعدة في اسم الجوف لا يقتضي اشتراكهما في الحكم.

وقال الشيخ : إنّه مكروه لا يفسد الصوم ، سواء بلغ الى الدماغ أو لا ، إلّا ما نزل إلى الحلق ؛ فإنّه يفطر ، ويوجب القضاء(٥) ؛ وبه قال مالك والأوزاعي وداود(٦) ، وهو المعتمد ؛ عملاً بالأصل.

مسألة ٩ : يكره مضغ العِلك ، وليس محرَّماً - وبه قال الشعبي والنخعي‌

____________________

(١) السعوط : الدواء يصبّ في الأنف. الصحاح ٣ : ١١٣١.

(٢) المقنعة : ٥٤ ، الكافي في الفقه ١٨٣.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٩ ، المجموع ٦ : ٣١٣ ، فتح العزيز ٦ : ٣٦٤ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦٧ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٥ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٣٩.

(٤) سنن أبي داود ١ : ٣٥ - ٣٦ / ١٤٢ و ٢ : ٣٠٨ / ٢٣٦٦ ، سنن الترمذي ٣ : ١٥٥ / ٧٨٨ ، سنن النسائي ١ : ٦٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٤٢ / ٤٠٧ ، المستدرك - للحاكم - ١ : ١٤٨.

(٥) المبسوط للطوسي ١ : ٢٧٢.

(٦) المغني والشرح الكبير ٣ : ٣٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٥ ، المجموع ٦ : ٣٢٠ ، فتح العزيز ٦ : ٣٦٤ ، المدونة الكبرى ١ : ١٩٧.

٣٥

وقتادة والشافعي وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي(١) - للأصل.

ولأنّ أبا بصير سأل الصادقعليه‌السلام ، عن الصائم يمضغ العِلك ، فقال : « نعم »(٢) .

ولا فرق بين ذي الطعم وغيره ، ولا بين القوي الذي لا يتحلّل أجزاؤه والضعيف الذي يتحلّل إذا تحفّظ من ابتلاع المتحلّل من أجزائه وإن وجد طعمه في حلقه.

مسألة ١٠ : لا بأس بما يُدخله الصائم في فمه إذا لم يتعدّ الحلق‌ ، كمصّ الخاتم ومضغ الطعام وزقّ(٣) الطائر وذوق المرق ؛ لقولهعليه‌السلام : ( أرأيت لو تمضمضت بماء ثم مججته(٤) )(٥) .

وسئل الصادقعليه‌السلام ، عن صبّ الدواء في اُذن الصائم ، فقال : « نعم ويذوق المرق ويزقّ الفرخ »(٦) .

فإن أدخل شيئاً في فمه وابتلعه سهواً ، فإن كان لغرض صحيح ، فلا قضاء عليه ، وإلّا لزمه.

ولو تمضمض فابتلع الماء سهواً ، فإن كان للتبرّد ، فعليه القضاء ، وإن كان للصلاة ، فلا شي‌ء عليه.

وكذا لو ابتلع ما لا يقصده كالذباب وقَطر المطر ، فإن فَعَله عمداً أفطر.

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٣ ، المجموع ٦ : ٣٥٣ ، المغني ٣ : ٤٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٧٦ - ٧٧ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٥ - ١٢٦ ، الجامع الصغير للشيباني : ١٤١.

(٢) التهذيب ٤ : ٣٢٤ - ١٠٠٢.

(٣) زقّ الطائر فَرَخه : أطعمه بفيه. الصحاح ٤ : ١٤٩١.

(٤) مجّ الرجل الشراب من فيه : إذا رمى به. الصحاح ١ : ٤٠.

(٥) سنن أبي داود ٢ : ٣١١ / ٢٣٨٥ ، سنن الدارمي ٢ : ١٣ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٦١ ، المصنّف - لابن أبي شيبة - ٣ : ٦١ ، المستدرك - للحاكم - ١ : ٤٣١ ، وليس فيها ( ثم مججته ).

(٦) التهذيب ٤ : ٣١١ / ٩٤١ ، الاستبصار ٢ : ٩٥ / ٣٠٧.

٣٦

مسألة ١١ : ولا بأس بالسواك للصائم‌ ، سواء الرطب واليابس ، في أول النهار أو آخره عند علمائنا - وبه قال مالك وأبو حنيفة(١) - لأنّ عامر بن ربيعة قال : رأيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ما لا اُحصي يتسوّك وهو صائم(٢) .

ومن طريق الخاصة : قول الحلبي : سألت الصادقعليه‌السلام : أيستاك الصائم بالماء والعود الرطب يجد طعمه؟ فقال : « لا بأس به »(٣) .

وقال أحمد : يكره بالرطب مطلقاً ، ويكره باليابس بعد الزوال - وبه قال ابن عمر وعطاء ومجاهد والأوزاعي وإسحاق وقتادة والشعبي والحكم(٤) - لقولهعليه‌السلام : ( إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ، ولا تستاكوا بالعشي فإنّه ليس من صائم تيبس شفتاه إلّا كانتا نوراً بين عينيه يوم القيامة)(٥) .

ويحمل على التسوّك لاستجلاب الريق ؛ لدلالة آخر الحديث عليه.

تذنيب :

يجوز أن يتسوّك بالماء وبالمبلول به‌ ، ويتحفّظ من ابتلاع الرطوبة.

مسألة ١٢ : إنّما يبطل الصوم بالمفطرات لو وقع عمداً‌ ، أمّا لو وقع نسياناً فلا ، على ما يأتي الخلاف فيه.

وكذا ما يحصل من غير قصد ، كالغبار الداخل من غير قصد ، وماء المضمضة ، وكما لو صُبّ في حلقه شي‌ء كرهاً ، فإنّه لا يفسد صومه إجماعاً.

أمّا لو اُكره على الإِفطار بأن توعَّده وخوَّفه حتى أكل ، قال الشيخ : إنّه‌

____________________

(١) المدونة الكبرى ١ : ٢٠٠ - ٢٠١ ، التفريع ١ : ٣٠٨ ، المغني ٣ : ٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٧٦ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٩٩.

(٢) سنن أبي داود ٢ : ٣٠٧ / ٢٣٦٤ ، سنن الترمذي ٣ : ١٠٤ / ٧٢٥ ، سنن الدارقطني ٢ : ٢٠٢ / ٣.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٦٢ / ٧٨٢ ، الاستبصار ٢ : ٩١ / ٢٩١.

(٤) المغني ٣ : ٤٥ - ٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٧٦ ، معالم السنن - للخطّابي - ٣ : ٢٤٠ - ٢٤١.

(٥) المعجم الكبير - للطبراني - ٤ : ٧٨ / ٣٦٩٦ ، سنن الدار قطني ٢ : ٢٠٤ / ٧ و ٨.

٣٧

يفطر(١) ؛ وبه قال أبو حنيفة ومالك(٢) - وللشافعي قولان(٣) - لأنّ الصوم الإِمساك ، ولم يتحقّق.

ولأنّه فَعَل ضدّ الصوم ذاكراً له ، غايته أنّه فعله لدفع الضرر عن نفسه ، لكنه لا أثر له في دفع الفطر ، كما لو أكل أو شرب لدفع الجوع أو العطش.

ويحتمل : عدم الإِفطار - وبه قال أحمد والشافعي في الثاني من قوليه(٤) - لقولهعليه‌السلام : ( رفع عن اُمّتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )(٥) .

ولأنّه غير متمكّن ، فلا يصحّ تكليفه.

ولو فَعَل المـُفطِرَ جاهلاً بالتحريم ، أفسد صومه ؛ لأنّ له طريقاً الى العلم ، فالتفريط من جهته ، فلا يسقط الحكم عنه.

ويحتمل : العدم كالناسي.

ولأنّ زرارة وأبا بصير سألا الباقرعليه‌السلام ، عن رجل أتى أهله في شهر رمضان ، وأتى أهله وهو مُحرِم ، وهو لا يرى إلّا أنّ ذلك حلال له ، قال : « ليس عليه شي‌ء »(٦) .

ويمكن حمله على الكفّارة والإِثم.

ولو أكل ناسياً ، فظنّ إفساد صومه ، فتعمّد الأكل ، قال الشيخ : يفطر ،

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٧٣.

(٢) المبسوط للسرخسي ٣ : ٩٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩١ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٧ ، المجموع ٦ : ٣٢٦ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩٨.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٠ ، المجموع ٦ : ٣٢٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٧ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩٨.

(٤) المغني ٣ : ٥١ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٩٠ ، المجموع ٦ : ٣٢٥ و ٣٢٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٧ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩٨.

(٥) كنز العمّال ٤ : ٢٣٣ / ١٠٣٠٧ نقلاً عن الطبراني في المعجم الكبير.

(٦) التهذيب ٤ : ٢٠٨ / ٦٠٣.

٣٨

وعليه القضاء والكفّارة. قال : وقد ذهب بعض أصحابنا إلى أنّه يقضي ولا يكفّر(١) .

والمعتمد : ما اختاره الشيخ.

مسألة ١٣ : قد سبق(٢) أنّه لو نوى الإِفطار بعد انعقاد الصوم ، لم يفطر‌ ؛ لانعقاده شرعاً ، فلا يبطل إلّا بوجه شرعي.

هذا إذا عاد إلى نيّة الصوم ، ولو لم يَعُد ، فالوجه القضاء - وبه قال أصحاب الرأي والشافعية في أحد الوجهين(٣) - لأنّه لم يصم لفوات شرطه ، وهو : النية المستمرة فعلاً أو حكماً ، فلا يعتدّ بإمساكه.

وقال أحمد وأبو ثور والشافعية في الوجه الثاني : يفطر مطلقاً(٤) .

وعلى كلّ تقدير ، فلا كفّارة ؛ لأصالة البراءة ، السالم عن الهتك.

ولو نوى القطع في النفل ، لم يصح صومه. وإن عاد فنواه ، صحّ ، كما لو أصبح غير ناوٍ للصوم.

ولو نوى أنّه سيفطر بعد ساعة اُخرى ، لم يفطر ؛ لأنّه لو نوى الإِفطار في الحال ، لم يفطره ، فالأولى في المستقبل عدمه.

ولو نوى أنّه إن وجد طعاماً أفطر ، وإن لم يجد لم يفطر ، لم يبطل صومه ؛ لأنّ نيّة الجزم بالإِفطار غير مؤثّرة فيه ، فمع التردّد أولى.

وقد نازع بعض المشترطين لاستمرار حكم النيّة في الموضعين.

وقال الشيخ : لو نوى الإِفطار في يوم يعلمه من رمضان ، ثم جدّد نيّة الصوم قبل الزوال ، لم ينعقد(٥) .

وهو جيّد وإن كان فيه كلام.

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٧٣.

(٢) سبق في الفرع « د » من المسألة ٣.

(٣و٤) المغني ٣ : ٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٨ ، المجموع ٦ : ٢٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٧.

(٥) المبسوط للطوسي ١ : ٢٧٧.

٣٩

الفصل الثالث

فيما يوجب القضاء والكفّارة أو القضاء خاصة‌

مسألة ١٤ : الجماع عمداً في فرج المرأة يوجب القضاء والكفّارة‌ عند علمائنا أجمع - وهو قول عامة العلماء(١) - لأنّ رجلاً جاء إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : هلكت ، فقال : ( وما أهلكك؟ ) قال : وقعت على امرأتي في رمضان ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( هل تجد رقبة تعتقها؟ ) قال : لا ، قال : ( فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ ) قال : لا ، قال : فهل تستطيع إطعام ستين مسكيناً؟ ) قال : لا أجد ، فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( اجلس ) فجلس ، فبينا هو جالس كذلك ، اُتي بعَرَقٍ(٢) فيه تمر ، فقال له النبيعليه‌السلام : ( اذهب فتصدّق به ) فقال : يا رسول الله ، والذي بعثك بالحق ، ما بين لابتيها(٣) أهل بيت أحوج منّا ، فضحك‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٧.

(٢) العَرَق : السفيفة المنسوجة من الخوص أو غيره قبل أن يجعل منه الزبيل. ومنه قيل للزبيل : عَرَق. الصحاح ٤ : ١٥٢٢. وجاء في هامش « ن » : وبخط المصنّف : العرق : المكتل.

(٣) أي : لابتا المدينة المنورة. واللّابة : الحرّة. وهي : الأرض ذات الحجارة السود التي قد ألبستها لكثرتها. والمدينة تقع ما بين حرّتين عظيمتين. النهاية لابن الأثير ٤ : ٢٧٤ « لوب ».

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333