تذكرة الفقهاء الجزء ٦

تذكرة الفقهاء17%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-46-9
الصفحات: 333

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 333 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 228586 / تحميل: 5434
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٦

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٤٦-٩
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40
٤١

يتناول هذا الباب بيان الرؤية السائدة اليوم في تعليل الصلح من خلال فصلين.

الفصل الأول وهو مكرس لبيان أقوال المستشرقين في الحسنعليه‌السلام إذ عرضوه شخصية منهارة كان هدفه من الصلح هو الحصول على مال يؤمِّن له حاجات حياته المترفة ويلبي طلبات زوجاته الكثيرات.

الفصل الثاني مكرس لبيان أقوال الإسلاميين من القدامى والمحدثين في الكوفيين زمن الحسن إذ عرضوهم انهم ضعفاء متخاذلون متفرقون بل كان بعضهم / كالمختار الثقفي / يفكر في تسليم الحسن لمعاوية فاضطر الحسن لمصالحة معاوية وتسليمه الحكم في العراق ليحافظ على حياته.

وانتهى البحث في كلا الفصلين إلى ان المستشرقين والإسلاميين كانوا قد استندوا في تحليلاتهم إلى روايات ذكرتها مصادر التاريخ الإسلامي المبكرة كطبقات ابن سعد وانساب الاشراف للبلاذري وتاريخ الطبري وتاريخ دمشق لابن عساكر وغيرها.

وقد رفض الشيعة بل السنة أيضا / كما هو الحق / الروايات الطاعنة في شخصية الحسن انطلاقا من الإيمان بعصمة الحسن أو الإيمان بانه من الشخصيات المعروفة في المجتمع الإسلامي بعلمه وتقواه.

اما الروايات الطاعنة في الكوفة فقد قبِلَها أكثر الباحثين الشيعة وكل الباحثين السنة من المؤرخين القدامى والمحدثين ولكن البحث توصل إلى ان الروايات الطاعنة في الحسنعليه‌السلام أو الكوفيين هي من وضع الامويون ثم تبنى ترويجها والزيادة فيها العباسيون ومن سايرهم من الأخباريين نكاية بالحسنيين الثائرين وتطويقا لمرجعية الامام الصادق الآخذة بالتوسع وبالكوفة مركز كلا الحركتين في الثلث الأول من القرن الثاني الهجري.

٤٢

الباب الأول / الفصل الأول

المستشرقون : الحسن عليه‌السلام شخصية ضعيفة منهارة

أنحى الباحثون المستشرقون باللائمة على الحسنعليه‌السلام لأنه صالح وتنازل عن الحكم لخصمه معاوية بشروط ولم يف له بشيء منها ، وقد وصفوه بانه لم يكن رجل الساعة المطلوب ، ولم يكن ابنا جدير لعليعليه‌السلام ، وانه كان شخصية متخاذلة انصرف إلى ملذاته وشهواته ، وفيما يلي ما عثرنا عليه من كلماتهم في هذا السبيل :

الدكتور فيليب حتي اللبناني 1886 ـ 1978 :

قال : «ولكن الحسن الذي كان يميل إلى الترف والبذخ لا إلى الحكم والإدارة لم يكن رجل الموقف فانزوى عن الخلافة مكتفيا بهبة سنوية منحه إياها معاوية».(1)

الراهب اليسوعي البلجيكي لامنس 1862 ـ 1937 :

تبنت الموسوعة الإسلامية(2) تحت عنوان : (الحسن) بن علي بن أبي طالب ما كتبه المستشرق البلجيكي (لامنس) المتخصص بالتاريخ الإسلامي(3) عن الحسنعليه‌السلام قال :

__________________

(1) حتي ، فيليب ، العرب ، ص 78 كتبه بالانجليزية وطبع لاول مرة لندن سنة 1937 م.

(2) أشرف على تأليفها فنسنك وآخرون وكتبت باللغة الانكليزية وترجمت إلى الفرنسية والالمانية ثم ترجمت إلى اللغة العربية ونحن ننقل من النسخة العربية.

(3) قال عبد الرحمن بدوي في موسوعته عن المستشرقين ، لامنس : مستشرق بلجيكي ، وراهب يسوعي

٤٣

«الحسن اكبر أبناء علي من فاطمة بنت رسول الله ويلوح ان الصفات الجوهرية التي كان يتصف بها الحسن هي الميل إلى الشهوات والافتقار إلى النشاط والذكاء. ولم يكن الحسن على وفاق مع أبيه وإخوته عندما ماتت فاطمة ولما تجاوز الشباب.

وقد انفق خير سني شبابه في الزواج والطلاق ، فأحصي له حوالي المائة زيجة عدّاً. وأَلصقت به هذه الأخلاق السائبة لقب المِطلاق ، وأوقعت عليّاً في خصومات عنيفة. واثبت الحسن كذلك انه مبذر كثير السرف فقد اختص كلّاَ من زوجاته بمسكن ذي خدم وحشم. وهكذا نرى كيف كان يبعثر المال أيام خلافة علي التي اشتد عليها الفقر. وشهد يوم صفين دون ان تكون له فيها مشاركة إيجابية.

ثم هو إلى ذلك لم يهتم أي اهتمام بالشؤون العامة في حياة أبيه.

وبويع الحسن بالخلافة في العراق بعد مقتل عي فحاول أنصاره أَن يقنعوه بالعودة إلى قتال أهل الشام ، وقَلَبَ هذا الإلحاح من جانبهم خُطط الحسن القعيد الهمة فلم يَعُد يفكر الال في التفاهم مع معاوية كما أدى إلى وقوع الفرقة بينه وبين أهل العراق. وانتهى بهم الأمر إلى اثخان إمامهم اسما لا فعلا بالجراح. فتملكت الحسن منذ ذلك

__________________

شديد التعصب ضد الإسلام ، يفتقر افتقاراً تاماً إلى النزاهة في البحث والأمانة في نقل النصوص وفهمها. ويعد نموذجاً سيئاً جداً للباحثين في الإسلام من بين المستشرقين. ولد في مدينة خنث ، (Gent) وبالفرنسية ، (Gand) في بلجيكا في أوّل يوليو سنة 1862 م. وجاء إلى بيروت في صباه ، وتعلم في الكلية اليسوعية ببيروت. وبدأ حياة الرهبنة في سنة 1878 م ، فامضى المرحلة الأولى في دير لليسوعيين في قرية غزير (في جبل لبنان) ، طوال عامين. ثم قضى خمسة أعوام في دراسة الخطابة واللغات. وفي 1886 م صار معلماً في الكلية اليسوعية ببيروت. وسافر إلى انجلترة ، وإلى لوفان. ووصل إلى فيينا في 1896 م. وعاد إلى بيروت 1897 م ، حيث عيَّن معلماً للتاريخ والجغرافية في كلية اليسوعيين. ولمَّا أسس (معهد الدروس الشرقية) ضمن كلِّية اليسوعيين في 1907 م ، صار فيه أستاذاً للتاريخ الإسلامي. ولمَّا توفي لويس شيخو في 1927 م ، خلفه لامنس على إدارة مجلة المشرق ، وهي مجلة فصلية تصدر عن اليسوعيين في بيروت. ولهم مجلة دينية شعبية تبشيرية أخرى تدعى (البشير) ، وقد تولَّى لامنس إدارتها مرتين قبل ذلك بزمان طويل : مرة في 1894 م ، ومرة أخرى من 1900 م إلى 1903 م. وكان لامنس يكتب في هاتين المجلتين مقالات كثيرة ، يكتبها بالفرنسية ، ثمَّ يتولَّى غيره ترجمتها إلى العربية ، وتنشر باللغة العربية. وتوفي لامنس في 23 أبريل 1937 م. وإنتاج لامنس يدور حول موضوعين رئيسيين : (أ) السيرة النبوية (ب) بداية الخلافة الأموية. لكن له إلى جانب ذلك كتب ودراسات حول موضوعات متفرقة في العقيدة الإسلامية ، وتاريخ سوريا وآثارها.

٤٤

الوقت فكرة واحدة هي الوصول إلى اتفاق مع الأمويين. وترك له معاوية ان يحدد ما يطلبه جزاء تنازله عن الخلافة. ولم يكتف الحسن بالمليوني درهم التي طلبها معاشا لأخيه الحسين بل طلب لنفسه خمسة ملايين درهم أخرى ودَخَل كورة في فارس طيلة حياته. وعارض أهل العراق بعد ذلك في تنفيذ الفقرة الأخيرة من هذا الاتفاق ، بَيْدَ انه أُجيب إلى كل ما سأله حتى ان حفيد النبي اجترأَ فجاهر بالندم على أَنه لم يضاعف طلبه وترك العراق مشيعا بسخط الناس عليه ليقبع في المدينة.

وهناك عاد إلى حياة اللهو واستسلم للذات ووافق معاوية على ان يدفع نفقاته ولم يطلب في مقابل ذلك الا أمرا واحدا هو الا يخِلّ الحسن بأمن الدولة. وكان قد أَجبره من قبل عن الجهر بتنازله عن الخلافة في اجتماع عُقِدَ في (اذرح).

ولم يعد معاوية يشغل باله به ، ذلك انه كان واثقا من قعود همته وإيثاره للدعة.

ومع هذا فقد استمر الانقسام في البيت العلوي ، ولم يكن الحسن على وفاق مع الحسين وان اجتمعا على مناهضة ابن الحنفية وغيره من أبناء علي.

وتوفي الحسن في المدينة بذات الرئة ولعل إفراطه في الملذات هو الذي عجل بمنيته. وقد بذلت محاولة لإلقاء تبعة موته على رأس معاوية.

وكان الغرض من هذا الاتهام وصم الأمويين بهذا العار ، وتبرير لقب الشهيد أو (سيد الشهداء) الذي خلع على ابن فاطمة هذا التافه الشأن.

ولم يجرؤ على القول بهذا الاتهام الشنيع جهرة سوى المؤلفين من الشيعة أو أولئك الذين كان هواهم مع العلوية بنوع خاص. وقد أعطى هذا الاتهام في الوقت نفسه فرصة للإيقاع بأسرة الأشعث بن قيس المبغضة من الشيعة ، لما كان لها من شأن في الانقلاب الذي حدث يوم صفين ، وما كان معاوية بالرجل الذي يقترف إثما لا مبرر له.

كما ان الحسن المستهتر كان قد اصبح مسالما منذ أمد طويل وكانت حياته عبئاً على بيت المال الذي أَبهظته مطالبه المتكررة. ومن اليسير ان نعلل ارتياح معاوية وتنفسه الصعداء عندما سمع بمرض الحسن. وربما كانت وفاته عام 49 هـ بالغا من العمر الخامسة والأربعين».(1)

__________________

(1) الموسوعة الإسلامية فنسك وآخرين ج 7 ص 401 ـ 402.أقول : من كلامه هذا يتبين لنا ان

٤٥

جرهارد كونسلمان الاماني المعاصر :

وكرر (جرهارد كونسلمان) في كتابه (سطوع نجم الشيعة) (Gerhard Konslman) كلمات لامنس بقوله : لقد باع (الحسن) المنصب الذي تركه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله لنسله من اجل المال ويقال انه مات بالسل والهزال.

وقد حاولت شيعة علي في القرون اللاحقة تجميل صورة هذا الزعيم الضعيف التعس ، فقد اجتهدت في جعل الحسن ضمن شهداء المذهب الشيعي ، فنشأت لذلك رواية تقول ان الحسن قتل بتدبير معاوية ولكن من المستبعد ان يكون معاوية ضالعا في موت الحسن ، فمثل هذه الجريمة غير الضرورية لن يقدم بها الخليفة أدرك تماما أين الرجل المهم وأين الرجل الذي صار في الظل).(1)

بروكلمان الالماني 1956 ـ 1868 (Corl Brockelmann ) :

وقال (بروكلمان) في كتابه (تاريخ الشعوب الإسلامية) : ان الحسن لم يكن رجل الساعة الذي تحتاجه الدولة فقد رفض ان يقود جنده في هجوم على خصمه.

اوكلي 1894 (Simon Ockley ) :

يرى في كتابه (HITORY OF THE SARACENS P347) : ان الحسن لم يكن مؤهلا للموقف حيث كان يميل إلى السلم وينظر إلى دماء المسلمين نظرة رعب يصعب علينا تصورها.

سايكس 1867 ـ 1945 (Sykes Perly Molesworth Sir ) :

ويرى (سايكس) في كتابه (HISTORY OF PERSIA) ان الحسن غير جدير بان يكون ابنا لعلي لأنه شغل بملذاته بين نسائه واكتفى بإرسال اثني عشر ألف جندي

__________________

الدكتور البدوي كان على صواب حين قال في حق لامنس انه : (يفتقر افتقاراً تاماً إلى النزاهة في البحث والأمانة في نقل النصوص وفهمها. ويعد نموذجاً سيئاً جداً للباحثين في الإسلام من بين المستشرقين).

(1) جرهارد كونسلمان ،سطوع نجم الشيعة (Star Shia Sarface) ، ترجمه من الالمانية محمد أبو رحمة ، طبع مكتبة مدبولي القاهرة ط 2 : 1414 ـ 1993.

٤٦

كطليعة لجيشه بينما احتفظ بقلب الجيش في المدائن حيث ظل يبتزه في الحدائق وخاف ان يجرب حظه في ميدان القتال.(1)

الكاتب العراقي هادي العلوي :

وكتب هادي العلوي(2) : ان هذا الرجل (يقصد الحسنعليه‌السلام ) يتعذر عليه ان يخوض صراعا سياسيا أو عسكريا وكان من المنتظر والطبيعي ان ينسحب بمجرد ان يؤول إليه الأمر ، وانه لم يمارس بعد الصلح أي نشاط معارض وقد تفرغ الحسن لحياته الشخصية وعاش كما قال عنه أبوه بين جَفنة وخِوان كأي فتى من فتيان قريش المنعمين.

ثم يستطرد العلوي قائلا : ان الدفاع عن صلح الحسن من نتائج الأيديولوجيا(3)

ثم يقول : ومعاوية الذي تراجع الحسن أمامه كان زعيما عظيما وقد دخل التاريخ كواحد من الأباطرة العظام بجميع لمقاييس وفي شتى العصور(4)

سند المستشرقين في حكمهم السلبي الآنف الذكر هو روايات في مصادر تاريخية إسلامية مهمة

استند الباحثون المستشرقون في تكوين هذه الرؤية السلبية عن الحسنعليه‌السلام إلى روايات أوردتها مصادر تاريخية إسلامية أمثال الطبقات الكبرى لابن سعد ت 230 هـ وتاريخ الطبري ت 310 هـ وتاريخ دمشق لابن عساكر والبداية والنهاية لابن كثير. وقد أوردنا في الفصل السابع من الباب الثالث من هذا الكتاب نماذج منها.

__________________

(1) الخربوطلي ،العراق في ظل الحكم الأموي ، ص 74.

(2) أدرجناه ضمن المستشرقين على الرغم من كونه مسلما شيعيا ولكنه تبنى الفكر الماركسي في الايديولوجيا ومنهم المستشرقين في البحث.

(3) الخربوطلي ،العراق في ظلم الحكم الأموي ص 74.

(4) الثقافة الجديدة تسلسل 223 سنة 1990 م تموز السنة 37 العدد 9. ومن الغريب ان العلوي؟ هذا عرفه أصدقاءه بالتقشف والزهد والبساطة في العيش يعتقد بمعاوية هذا المعتقد ، ولابد انه قد قرأ عنه سفكه لدم حجر بن عدي وأصحابه وتشريده العراقيين وسجنهم وقطع ايديهم لا لشيء الا لتوليهم علياعليه‌السلام ، فهل ان زعامة تقوم على مبدأ كهذا جديرة بالاحترام!.

٤٧

الباب الأول / الفصل الثاني

الإسلاميون : الكوفيون متفرقون متخاذلون

الإسلاميون القدامى

أبو حنيفة الدينوري ت 282 هـ :

قال أبو حنيفة الدينوري : (لما رأى الحسن من أصحابه الفشل ارسل إلى عبد الله بن عامر بشرائط اشترطها على معاوية).(1)

ابن واضح اليعقوبي 284 هـ :

قال اليعقوبي : (فلما رأى الحسن ان أصحابه قد افترقوا عنه فلم يقوموا له صالَحَ معاوية).(2)

ابن جرير الطبري 310 هـ :

وقال الطبري في تاريخه : فلما رأى (أي الحسنعليه‌السلام ) تفرق الأمر عنه بعث إلى معاوية يطلب الصلح.(3)

__________________

(1) الدينوري ،الاخبار الطوال ، ص 320 ، دار إحياء الكتب العربي القاهرة 1960 م.

(2) اليعقوبي ،تاريخ اليعقوبي ، دار صادر بيروت ، ج 2 ص 215.

(3) الطبري ،تاريخ الطبري ، ج 3 ص 330 ، مؤسسة الاعلمي بيروت 1983. ومثله ابن مسكويه ،تجارب الامم ، دار سروش للطباعة طهران 2001 م ، ج 1 ص 388. وكذلك ابن كثير في تاريخه.

٤٨

ابن الاثير ت 620 هـ :

روى ابن الاثير في الكامل قال : قيل للحسنعليه‌السلام ما حملك على ما فعلت؟ فقال : كرهتُ الدنيا ، ورأيت أهل الكوفة قوما لا يثق بهم احدا ابدا الا غُلِب ، ليس احد منهم يوافق آخر في رأي ولا هوى ، مختلفين لا نية لهم في خير ولا شر.(1)

قال ابن الاثير : وكان الذي طلب الحسن من معاوية ان يعطيه ما في بيت مال الكوفة ومبلغه خمسة آلاف ألف وخراج دارابجرد من فارس وان لا يشتم عليا فلم يجبه إلى الكف عن شتم علي ، فطلب ان لا يشتم وهو يسمع فأجبه إلى ذلك ، ثم لم يفِ له به أيضا ، واما خراج دارابجرد(2) فان أهل البصرة منعوه منه وقالوا هو فيئنا لا نعطيه أحدا وكان منهم بأمر معاوية أيضا.(3)

ابن كثير ت 774 هـ :

قال ابن كثير : لما مات علي ـ قام أهل الشام فبايعوا معاوية على إمرة المؤمنين لأنه لم يبق له عندهم منازع ، فعند ذلك أقام أهل العراق الحسن بن عليرضي‌الله‌عنه ليمانعوا به أهل الشام فلم يتم لهم ما أرادوه وما حاولوه ، وإنما كان خذلانهم من قبل تدبيرهم وآرائهم المختلفة المخالفة لأمرائهم ، ولو كانوا يعلمون لعظموا ما أنعم الله به عليهم من مبايعتهم ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وسيد المسلمين ، وأحد علماء الصحابة وحلمائهم وذوي آرائهم.(4)

__________________

(1) ابن الاثير ،الكامل في التاريخ ، ج 3 ص 407 ، دار صادر بيروت 1966 م.

(2) ولاية بفارس (مراصد الاطلاع).

(3) ابن الاثير ،الكامل في التاريخ ، ج 3 ص 405.

(4) ابن كثير ،البداية والنهاية ، ج 8 ص 17 ، دار إحياء التراث العربي بيروت 1988 م ،أقول : لم يكن ابن كثير حياديا في موضعين من كلامه الأول : حين جعل بيعة أهل العراق للحسن رد فعل لبيعة الشاميين لمعاوية ، والحال ان معاوية قد بايعه الشاميون سنة 38 هـ بعد ان خلع عمرو بن العاص علياعليه‌السلام على مواصلة قتال عليعليه‌السلام وعلى الغارة على اطراف الكوفة ، الثاني : ذمه لأهل الكوفة وانهم خذلوا الحسنعليه‌السلام في الوقت الذي يقول القسطلاني فيارشاد الساري في شرح صحيح البخاري (ج 4 ص 411) قال الكرماني : وقد كان الحسن يومئذ احق الناس بهذا الأمر فدعاه ورعه إلى ترك الملك رغبة فيما عند الله ولم يكن ذلك لعلة ولا لذلة ولا لقلة فقد بايعه على الموت أربعون ألفا. ، انظر أيضاعمدة القاري في شرح صحيح البخاري للعيني ج 16 ص 239.

٤٩

الشيخ المفيد 412 هـ :

قال الشيخ المفيد احد مراجع الشيعة في أخريات القرن الرابع الهجري وبدايات القرن الخامس في كتابه (الإرشاد) ما خلاصته : (كتب معاوية إلى الحسنعليه‌السلام في الهدنة والصلح ، وأنفذ إليه بكتب أصحابه الذين ضمنوا له فيها الفتك به وتسليمه إليه ، فلم يثق به الحسنعليه‌السلام وعلم احتياله بذلك واغتياله ، غير انه لم يجد بُدّاً من إجابته إلى ما التمس من ترك الحرب وإنفاذ الهدنة ، لما كان عليه أصحابه مما وصفناه من ضعف البصائر في حقه والفساد عليه والخلف منهم له ، وما انطوى عليه كثير منهم في استحلال دمه وتسليمه إلى خصمه ، وما كان من خذلان ابن عمه له ومصيره إلى عدوه ، وميل الجمهور منهم إلى العاجلة وزهدهم في الآجلة).(1)

أقول : يتضح من كلام الشيخ المفيد ان الامام الحسن كان مضطرا إلى الصلح بسبب ضعف البصائر في حقه وفساد الجيش عليه وقد فصل تلميذه السيد المرتضى رأيه هذا فيما يلي :

السيد المرتضى 436 هـ :

وكتب من بعده تلميذه السيد المرتضى في كتابه (تنزيه الأنبياء) ما خلاصته : (فإن الذي جرى منهعليه‌السلام من أمر الصلح كان السبب فيه ظاهرا والحامل عليه بيِّنا جليّاً ، لان المجتمعين له من الأصحاب وان كانوا كثيري العدد وقد كانت قلوب أكثرهم دغلة غير صافية ، وقد كانوا صبَوا إلى دنيا معاوية ، فأظهروا لهعليه‌السلام النصرة وحملوه على المحاربة والاستعداد لها طمعا في أن يورطوه ويسلموه ، وأحسعليه‌السلام بهذا منهم قبل التولج والتلبس ، فتخلى من الأمر وتحرز من المكيدة التي كادت تتم عليه في سعة من الوقت ...

وقد صرحعليه‌السلام بهذه الجملة وبكثير من تفصيلها في مواقف كثيرة بألفاظ مختلفة ، وقال إنما هادنت حقناً للدماء وصيانتها وإشفاقا على نفسي وأهل والمخلصين من أصحابي ...

__________________

(1) الشيخ المفيد ،الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ، ص 191 ، دار المفيد بيروت 1993 م.

٥٠

أوَ ليس أحدهم قد جلس له في مظلم ساباط وطعنه بمغوَل كان معه أصاب فخذه. فشقه حتى وصل إلى العظم وانتزع من يده وحملعليه‌السلام إلى المداين وعليها سعيد بن مسعود عم المختار ، وكان أمير المؤمنينعليه‌السلام ولاه إياها فأدخل منزله ، فأشار المختار على عمه ان يوثقه ويسير به إلى معاوية على أن يطعمه خراج جوخي سنة. فأبي عليه وقال للمختار : قبح الله رأيك أنا عامل أبيه وقد أئتمنني وشرفني ، وهبني نسيت بلاء أبيه أأنسى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولا أحفظه في ابنب بنته وحبيبه ثم أن سعد بن مسعود أتاهعليه‌السلام بطبيب وقام عليه حتى برئ وحوله إلى بعض المدائن. فمن ذا الذي يرجو السلامة بالمقام بين أظهر هؤلاء القوم عن النصرة والمعونة؟.

أقول :

اما الذي ضربه في مظلم ساباط فهو من الخوارج ممن انتظم في حلقات الإرهاب التي قتلت أباه علياعليه‌السلام ، واما ما نسب إلى المختار الثقفي فهو مما افتري عليه رحمه الله تعالى.

الشيخ الطبرسي 548 هجرية :

وكتب من بعده الشيخ الطبرسي صاحب مجمع البيان في تفسير القرآن : ووقع الصلح بين الحسن ومعاوية في سنة 41 هجرية ، وإنما هادنهعليه‌السلام خوفا على نفسه إذ كتب إليه جماعة من رؤساء أصحابه في السر بالطاعة وضمنوا له تسليمه إليه عند دنوهم من عسكره(1)

احمد بن علي الطبرسي ت 560 هـ صاحب كتاب الاحتجاج :

روى مرسلا عن زيد بن وهب الجهني قال : «لما طُعِن الحسنعليه‌السلام بالمدائن أتيته وهو متوجع فقلت ما ترى يا ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فان الناس متحيرون ، فقال الامام الحسنعليه‌السلام أرى والله ان معاوية خير لي من هؤلاء. يزعمون أنهم لي شيعة ابتغوا قتلي وانتهبوا ثقلي وأخذوا مالي ، والله لان آخذ من معاوية عهدا أحقن به دمي وآمن به في

__________________

(1) الطبرسي ، الفضل بن الحسن ،إعلام الورى بأعلام الهدى ، ترجمة الحسنعليه‌السلام ، ص 213 ، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث قم 1417 هـ.

٥١

أهلي خيرا من أن يقتلوني فيضيع أهل بيتي وأهلي والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني إليه سلما والله لأن أسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسير أويمن علي فتكون سبة على بني هاشم إلى آخر الدهر ، ولمعاوية لا يزال يمن بها وعقبه على الحي منا والميت.(1)

ابن أبي الفتح الإربلي ت 692 هـ :

وكتب من بعده ابن أبي الفتح الاربلي قال :

وكتب إليه معاوية في الهدنة والصلح وبعث بكتب أصحابه إليه فأجابه إلى ذلك بعد أن شرط عليه شروطا كثيرة (منها) أن يترك سب أمير المؤمنينعليه‌السلام والقنوت عليه في الصلوات وان يؤمن شيعته ولا يعترض لأحد منهم بسوء ويوصل إلى كل ذي حق حقه.

فأجابه معاوية إلى ذلك كله وعاهده على الوفاء به.

فلما استتمت الهدنة قال في خطبته : إني مَنّيتُ الحسن ، وأعطيته أشياء جعلتها تحت قدمي لا أفي بشيء منها له.(2)

ابن طباطبا ت 701 هجرية :

قال : اما أهل الكوفة والبصرة فكان أهل البيت مذعورين منهم لما جرى منهم على أمير المؤمنينعليه‌السلام والحسن والحسينعليهما‌السلام من الخذلان والغدر وسفك الدماء.(3)

__________________

(1) المجلسي ،بحار الانوار ، ج 44 ص 21 ، مؤسسة الوفاء بيروت 1983 م. عن الاحتجاج للطبرسي ج 2 ص 290.

(2) ابن أبي الفتح الإربلي ، كشف الغمة ، ج 2 ص 138 ، دار الاضواء بيروت 1985 م.

(3) محمد بن علي بن طباطبا المعروف بابن الطقطقي ،الفخري في الاداب السلطانية ، ص 144 ، دار القلم العربي 1997 م.

٥٢

مشاهير المتأخرين من الباحثين الشيعة

والكلام الانف الذكر لدى متقدمي المؤرخين هو المشهور اليوم عند كتّاب الشيعة المحدثين.

العلامة الحجة الشيخ راضي آل ياسين :

كتب الشيخ راضي آل ياسين من علماء الشيعة المعاصرين في كتابه (صلح الحسن) المطبوع سنة 1952 م ، وهو افضل كتاب في موضوعه وقد حذا حذو الشيخ المفيد وتلميذه السيد المرتضى في وجهة تحليل دوافع الصلح :

قال : (وازدادت بصيرة الحسن بخذلان القوم له)(1) . (وكان للحسن في مسكن بقية من جيش لا تجد المعنويات سبيلها إليه الا بالمعجزة بعد النكبة التي أصيب بها هذا العسكر بخيانة قائده وفرار ثمانية آلاف من افراده). (واما النسبة العددية فقد كان اكبر عدد بلغه جيش الحسنعليه‌السلام حينما زحف به إلى لقاء معاوية عشرين ألفا أو يزيدها قليلا وكان جيش معاوية الذي عسكر به على حدود العراق ستين ألفا ، فللحسن يومئذ ثلث أعداد جيش معاوية) وجاءت عملية الفرار التي اجتاحت معسكر مسكن والتي انهزم بها ابن العم (عبيد الله بن عباس) ورب ابن عم ليس بابن عم كما يقول المثل العربي ـ بثمانية آلاف فتصاعدت النسبة صعودا مريعا ، وبقي الحسن في معسكريه جميعا على الخمس من معسكر معاوية وإذا اعتبرنا هنا القاعدة العسكرية الحديثة التي تنسب القوة المعنوية إلى الكثرة العددية بنسبة ثلاثة إلى واحد رجعنا إلى نتيجة مؤسفة جدا هي نسبة واحد إلى خمسة عشر. وإذا نظرنا إلى جيش الحسن الذي بقي ينازل معاوية في مسكن وحده على ضوء هذه القاعدة رأيناه ينازل عدوا يعده خمسة وأربعين ضعفا بالضبط).

ثم قال : وأي غضاضة على «الزعيم» إذا فسد جيله ، أو خانت جنوده ، أو فقد مجتمعه وجدانه الاجتماعي.

__________________

(1) آل ياسين ،صلح الحسن عليه‌السلام ، 133.

٥٣

العلامة المصلح الشيخ محمد حسين كاشف الغطاءرحمه‌الله :

كتب في مقدمته لكتاب حياة الامام الحسن للشيخ باقر شريف القرشيرحمه‌الله (1)

(كان من دهاء معاوية عزمه ان يحتفظ بصورة الإسلام مدة إمرته بالشام عشرين سنة فلا يصطدم بشعيرة من شعائره ولا يتطاول إلى اعتراض قاعدة من قواعده يتجاهر بشرب الخمر والأغاني ولا يقتل النفس المحترمة ويلعب بالفهود ولا يضرب المزمار والعود نعم قد يلبس الحرير والديباج وطيلسان الذهي ولا بأس بلك فانه (كسرى العرب) وما احتفظ بشعائر الإسلام الا لحاجة في نفس يعقوب بقي على ظاهر الإيمان المبطن بالكفر مدة مخالفته ومحاربته لأمير المؤمنين في صفين فلما استشهد سلام الله عليه تنفس الصعداء وغمرته المسرة وأمكنته الفرصة من اللعب على ال حبل وتدبير الحيل ولكن بعد ان بويع الحسنعليه‌السلام والتف عليه الأبطال من أصحاب أبيه وشيعته ومواليه ، ومنهم الرؤوس والضروس والانياب والعديد والعدة والسلاح والكراع فوجد انه وقع في هوة أضيق وأعمق من الأولى فان الحسن سبط رسول الله وابن بنته وريحانته وهو لوداعته وسلامة ذاته محبوب للنفوس لم يؤذ أحدا مدة عمره بل كان كله خير وبركة ولم تعلق به تهمة الاشتراك بقتل عثمان بل قد يقال انه كان من الذابين عنه فكيف يقاس معاوية به وكيف يعدل الناس عن ابن فاطمة بنت رسول الله إلى ابن هند آكلة الاكباد؟

اقلق معاوية واقض مضجعه التفكير بهذه النقاط ولكن سرعان ما اهتدى بدهائه ومكره إلى حل عقدتها فلجأ إلى عاملين :

أولهما : المال الذي يلوي أعناق الرجال ويسيل في لعبه لعاب الرجال وبعث إلى اعظم قائد من قادة جيش الحسن الذين بايعوه على الموت دونه وامسهم رحما به وهو عبيد الله بن العباس الذي جعله اميرا حتى على قيس بن سعد بعث إليه بأكثر من خمسمائة ألف؟ ووعده عنه مجيئه إليه بمثلها(2) . وصار معاوية يعمل بهذه الخطة مع كل

__________________

(1) القرشي ، الشيخ باقر شريف ،حياة الامام الحسن عليه‌السلام ، 1952 م.

(2)أقول : نحن نستبعد ان يصدر ذلك من عبيد الله بن العباس وهو وأخواه عبد الله وقثم اعتمدهم عليعليه‌السلام في دولته لينهضوا بالتعليم بما علمهم أيام العزلة فجعل عبد الله على البصرة وقثم على مكة

٥٤

بارز من الشيعة ورجالهم وابطالهم فاستمالهم إليه جميعا ولم يستعص عليه الا عدد قليل لا يتجاوز العشرة كقيس بن سعد وحجر بن عدي وامثالهم.

الثاني وهي حيلة في تأثيرها الشد من الأولى استطابها السواد الأعظم وانجرف إليه الرأي العام تلك دعوى معاوية الحسن إلى الصلح وذلك ان المال كان يستميل به معاوية عيون الرجال اما العامة فلا ينالهم شيء منه ولكن الناس كانوا قد عضتهم أنياب الحروب حتى أبادت خيارهم وأخربت ديارهم في اقل من خمس سنين ثلاثة حروب ضروس الجمل وصفين ونهروان فأصبحت الدعوة إلى الحرب ثقيلة وبيلة والدعوة إلى الصلح والراحة لذيذة مقبولة.

وهنا تأزمت ظروفه سلام الله عليه وحاسب الموقف حسابا دقيقا حساب الناظر المتدبر في العواقب فوضع الرفض والقبول في كفتي الميزان ليرى لا يهما الرجحان.

فوجد انه لو رفض الصلح وأصر على الحرب فلا يخلو اما ان يكون هو الغالب ومعاوية المغلوب ، وهذا وان كانت تلك الأوضاع والظروف تجعله شبه المستحيل ولكن فليكن بالفرض هو الواقع ولكن هل مغبة ذلك الا تظلم الناس لبني أمية وظهورهم لهم بأوجع مظاهر المظلومية؟ بالأمس قتلوا عثمان عينَ الأمويين وأميرَ المؤمنين (كما يقولون) واليوم يقتلون معاوية عين الأمويين وخال المؤمنين (يا لها من رزية). ويتهيأ لبني أمية قميص ثان فيرفعون قميص عثمان مع قميص معاوية والناس رعاع ينعقون

__________________

وعبيد الله على اليمن. ثم ان عبيد الله موتور فقد قتل بسر ولدين له ، وفيشرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد ج 2 ص 17 ـ 18 قال وروى أبو الحسن المدائني : اجتمع عبيد الله بن العباس وبسر بن أرطاة يوما عند معاوية بعد صلح الحسنعليه‌السلام ، فقال له ابن عباس ، أنت أمرت اللعين السيء الفدم ان يتقل ابني؟ فقال : ما أمرته بذلك ، ولوددت انه لم يكن قتلهما ، فغضب بسر ونزع سيفه ، فألقاه ، وقال لمعاوية ، اقبض سيفك ، قلدتنيه وأمرتني ان أخبط به الناس ففعلت ، حتى إذا بلغت ما أردت قلت لم أهو ولم آمر. فقال : خذ سيفك إليك ، فلعمري انك ضعيف مائق حين تلقي السيف بين يدي رجل من بني عبد مناف ، قد قتلت أمس ابنيه. فقال له عبيد الله : اتحسبني يا معاوية قاتلا بسرا بأحد ابني! هو أحقر وألام من ذلك ولكني والله لا أرى لي مقنعا ولا أدرك ثارا الا ان أصيب بهما يزيد وعبيد الله. فتبسم معاوية وقال : وما ذنب معاوية وابني معاوية! والله ما علمت ولا أمرت ، ولا رضيت ولا هويت. واحتملها منه لشرفه وسؤدده ، ولو كان عبيد الله قد استجاب لمعاوية ومال إلى معسكره بالمال لكان معاوية يواجهه بها ولا يتركها له ، والذي نراه انه الرواية من وضع الأخباريين في العهد العباسي.

٥٥

مع كل ناعق لا تفكير ولا تدبر فما ذا يكون موقف الحسن إذا لو افترضناه هو الغالب؟

اما لو كان هو المغلوب فأول كلمة تقال من كل متكلم ان الحسن هو الذي ألقى نفسه بالتهلكة فان معاوية طلب منه الصلح الذي فيه حقن الدماء فأبى وبغى وعلى الباغي تدور الدوائر وحينئذ يتم لمعاوية وأبي سفيان ما أرادا من الكيد للإسلام وإرجاع الناس إلى جاهليتهم الأولى ولا يبقي معاوية من أهل البيت نافخ شرمة.

بل كان نظر الحسنعليه‌السلام في قبول الصلح ادق من هذا وذاك ، أراد ان يفتك به ويظهر خبيئة حاله وما ستره في قرارات نفسه قبل ان يكون غالبا أو مغلوبا وبدون ان يزج الناس في حرب ويحملهم على ما يكرهون من إراقة الدماء.(1)

وهكذا وفور إبرام الصلح صعد المنبر في جمع غفير من المسلمين وقال (ما قاتلتكم لتصوموا ولا لتصلوا وإنما قاتلتكم لأتأمر عليكم وقد أعطيت الحسن شروطا كلها تحت قدمي)

المرجع الشهيد السيد محمد باقر الصدررحمه‌الله وتلميذه المرجع السيد كاظم الحائري :

وقال المرجع المعاصر السيد كاظم الحائري يبين رأيه في مبررات إقدام الامام الحسنعليه‌السلام على الصلح مع معاوية ثم يذكر ضمنا رأي أستاذه المرجع الراحل الشهيد محمد باقر الصدررحمه‌الله في الموضوع.

__________________

(1)أقول : كانت مبادرة معاوية للصلح هي ان يبقى الحسنعليه‌السلام على بلاده وان يبقى معاوية على بلاده وتوقف الحرب وفي خيار الرفض يأتي كلام الشيخرحمه‌الله . وفي حالة قبولها لا تستلزم ان يسلم الحسن ملك العراق الا في حالة كون الحسنعليه‌السلام لا يثق بجيشه وبالوضع العام للكوفيين وهو التعليل المشهور ، ومنه تعليل الشيخرحمه‌الله وفي قبال التعليل المشهور هناك تعليل آخر قدمناه في هذا الكتاب وهو ان الحسنعليه‌السلام يعلم ان قبوله للصلح بصيغة معاوية معناه تكريس الانشقاق وجهل أهل الشام بحقيقة إمامة الهدى التي يمثلها عليعليه‌السلام ولا علاج لهذا الجهل الا بعلاج الانشقاق واختلاط الناس وفضح معاوية انه كان كاذبا في دعواه وليس من طريق لذلك الا ان يتنازل الحسنعليه‌السلام عن الحكم بشروط يضعها هو ويلتزمها معاوية ، وهنا يأتي احتمال ان يغدر معاوية بالحسنعليه‌السلام وينقض شروطه ولم يخف هذا الاحتمال عن الحسنعليه‌السلام ولكنه سيكون غدرا ونقضا بعد فوات الأوان ، وتفصيله في الباب الثاني من هذا الكتاب.

٥٦

قال : (وبالحقيقة هناك تفسيران يفسران اقدام الامام على إبرام الصلح مع معاوية أحدهما خاص والآخر عام.

أما التفسير الخاص : فهو ما بينه أستاذنا السيد الشهيد حول المرض الذي كانت الأمة مبتلاة به ، وهو مرض الشك ، حيث كانت الأمة تشك في طبيعة الصراع الذي كان ناشبا بين الامام الحسنعليه‌السلام ومعاوية وتصوره صراعا من اجل حيازة السلطة ، وليس صراعا بين الحق ممثلا بالإمام الحسنعليه‌السلام والباطل ممثلا بمعاوية.

وليس من سبيل لمعالجة هذا المرض الا بمصالحة معاوية لأن الصلح وحده هو القادر على كشف حقيقة معاوية وإذا ما كشفت الأمة حقيقة معاوية سوف تدرك أن حربه على الامام الحسنعليه‌السلام انما هي حرب ظالمة ، وأن الامام الحسنعليه‌السلام انما يدافع عن الحق وعن الرسالة وليس عن السلطان والجاه والرئاسة ، وبالتالي فانه سوف يصار على تعرية بني أمية وكشف زيفهم وضلالهم ، وبهذا يزال مرض الشك الذي كانت الأمة مبتلاة به فلا تشك بعدئذ بحقانية الأئمة في دفاعهم عن الرسالة ولا تصدق بشعارات بني أمية الكاذبة الزائفة.(1)

وأما التفسير العام : فهو الذي يفسر نهوض الأئمة بالأمر على أساس الأمر الواقع ، فالإمامعليه‌السلام لا ينهض بالأمر الا عندما تتوافر لديه قوة ومقدرة تكفي لإنجاح مهمته وفق المقاييس المعقولة ، ولا يشترط في هذه القوة أن تكون اكبر من قوة العدو من الناحية المادية ، بل يكفي أن تكون متوافرة على شروط القوة المعنوية الأخرى ، والإمام الحسنعليه‌السلام لم يحصل على هذه القوة حتى بالحد الأدنى الذي يمكن ان تستمر بواسطته المجابهة ، ولهذا اضطر إلى إيقاع الصلح مع معاوية(2) :

وقد نقل الشيخ علي الكوراني رؤية الشهيد الصدر بقوله : قال الشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدرقدس‌سره : تصاب المجتمعات بعدة أمراض كما يصاب الأفراد ، ومن الأمراض التي أصيب بها المجتمع الإسلامي إبان إمامة الحسنعليه‌السلام هو

__________________

(1)أقول : وهذا التحليل لدوافع الصلح قد بذر بذرته العلامة المصلح السيد عبد الحسين شرف الدين وقد ذكرنا كلامهقدس‌سره في المقدمة.

(2) الحائري ، السيد كاظم ،القيادة الإسلامية .

٥٧

مرض (الشك في القيادة) وهذا الداء ظهر في أواخر حياة أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام . حيث واجه أيام خلافته عدة حروب ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من أبناء الأمة ، فأخذ الناس يشكون هل أن المعارك التي تخاض معارك رسالية أم أنها معارك قبلية أو شخصية؟ وقد عبر أمير المؤمنينعليه‌السلام عن ظهور هذا الداء الاجتماعي في عدة مرات منها في خطبته المعروفة بخطبة الجهاد التي ألقاها على جنوده المنهزمين في مدينة الأنبار حيث قال لهم والألم يعصر قلبه : (ألا وأني قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلا ونهارا ، وسرا وعلانا ، وقلت لكم أغزوهم قبل أن يغزوكم ، فوالله ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا ، فتواكلتم وتخاذلتم حتى شنت الغارات عليكم ، وملكت عليكم الأوطان). واستفحل (الداء) واشتد في حياة الإمام الحسنعليه‌السلام ، فلم يكن باستطاعته في مثل هذه الظروف والمجتمع المصاب بهذا الداء أن يخوض معركة مصيرية تنتهي بالنصر على خصمه المتربص به ، فإذا أضفنا إلى هذا شخصية الخصم معاوية الذي كان بإمكانه أن يبدو أمام الناس بمظهر الحاكم الملتزم بالدين وكذلك تعدد انتماءات المقاتلين مع الإمام الحسنعليه‌السلام حتى أبدى بعضهم استعداده لمعاوية أن يسلم له الإمامعليه‌السلام حيا ، وطعنه بعضهم طعنة غادرة ، إذا جمعنا هذا وغيره من الظروف عرفنا لماذا صالح الإمام الحسنعليه‌السلام معاوية).(1)

باحثون آخرون من الشيعة المعاصرين :

وهناك باحثون وكتاب آخرون من الشيعة تبنوا الرؤية السائدة نفسها أمثال العلامة الشيخ باقر شريف القرشي في كتابه حياة الامام الحسن ، والسيد محمد جواد فضل الله في كتابه حياة الامام الحسن والشيخ مهدي البيشوائي في كتابه سيرة الأئمة والشيخ احمد زماني في كتابه حقائق بنهان وغيرهم.

__________________

(1) العاملي ، الانتصار ، دار السيرة لبنان 1422 م ، ج 8 ص 137 ـ 139.أقول : وفي ضوء البيانين المعبرين عن رأي الشهيد الصدررحمه‌الله ، مراد الشهيد الصدررحمه‌الله ، بالأمة الشاكة هم أهل العراق لان أهل الشام ما كانوا يشكون في حقانية معاوية بوصفه ثقة الخليفتين عمر وعثمان وقد ولي لهما ست عشرة سنة وإذا كان هناك شيء من الشك عن بعضهم فقد إزالته الاعلام الكاذب مدة خمس سنوات في حرب صفين وما بعدها ثم كيف يشكون وقد تحولوا إلى قتلة للأبرياء من النساء والاطفال سالبين اموالهم في غاراتهم!

٥٨

الشيخ مهدي البيشوائي :

كتب الشيخ البيشوائي رأيه ضمن حديثه عن الحسنعليه‌السلام في كتابه عن سيرة الأئمة الاثني عشرعليهم‌السلام وهو احدث ما كتب (الطبعة الأولى سنة 1423 هجرية) انطلاقا من الرؤية السائدة في الصلح وقد أفاد من الكتب التي كتبت قبله قال (وينبغي القول عموما ان الامام الحسنعليه‌السلام لم يصالح في الواقع بل فرض عليه الصلح أي تعاونت الظروف المتردية مع العوامل الأخرى بحيث أوجدت وضعا جعل الصلح أمرا ضروريا مفروضا على الامام ، ولم ير حلا غير ذلك بحيث لو كان أي شخص يعيش طظروفه لما كان يختار غير الصلح والهدنة ...

فمن ناحية السياسة الخارجية لتلك الفترة لم تكن الحرب الأهلية الداخلية في صالح العالم الإسلامي لان الروم الشرقية كانت تتحين الفرصة المناسبة ...

ومن ناحية السياسة الداخلية لم يكن يتمتع أهل العراق لا سيما الكوفيون منهم بالاستعداد النفسي للقتال وكانت حروب الجمل وصفين والنهروان والحروب الخاطفة ولدت عند أصحاب الامام علي حنينا إلى السلم والموادعة وقد برز ذلك حين دعاهم الحسن للتجهز لحرب الشام كانت الاستجابة بطيئة جدا مما جعل احد أصحاب أمير المؤمنين يوبخهم على التثاقل والتخاذل.

ثم أورد نص الشيخ المفيد في الإرشاد الذي أوردناه فيما سبق ...

ثم قل : ولم يكن العراقيون على مرام واتجاه واحد ، مذبذبين لا يعرفون الوفاء ولا يمكن الاعتماد عليهم والثقة بهم يرفعون في كل يوم راية من الرايات وشعارا من الشعارات.

ثم ذكر ما أورده صاحب كتاب الاحتجاج من قولٍ نسبه إلى الحسنعليه‌السلام : والله ما سلمت الأمر إليه (أي معاوية) الا لأني لم أجد أنصارا ولو وجدت أنصارا لقاتلته ليلي ونهاري حتى يحكم الله بيني وبينه ولكني عرفت أهل الكوفة وبلوتهم ولا يصلح لي منهم من كان فاسدا انهم لا وفاء لهم ولا ذمة في قول ولا في فعل ...).(1)

__________________

(1) البيشوائي ، الشيخ مهدي ،سيرة الأئمة ، ترجمه من الفارسية إلى العربية حسين الواسطي 1423 هجرية ، ص 92 فما بعدها.

٥٩

أقول : ورؤية أولئك الاعلام والباحثين المتأَخرين جميعا تستند إلى ما كتبه الشيخ المفيدرحمه‌الله ، الذي لخص رواية أبي الفرج الاصفهاني في كتابه مقاتل الطالبيين مع حذف الأسانيد واسقاط بعض الفقرات.

الشيخ وحيد الخراساني المرجع الشيعي المعاصر

في مدينة قم المقدسة :

قال : (وقد ابتلي السبط الأكبر بمصيبة تظهر عظمتها من مقايسة أصحابه بأصحاب أخيه الحسينعليه‌السلام ، وأما الحسنعليه‌السلام فخطب بعد وفاة أبيه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : (أما والله ما ثنانا ن قتال أهل الشام ذلة ولا قلة ، ولكن كنا نقاتلهم بالسلامة والصبر ، فشيب السلامة بالعداوة والصبر بالجزع ، وكنتنم تتوجهون معنا ودينكم أمام دنياكم ، وقد أصبحتم الآن ودنياكم أمام دينكم ، وكنا لكم وكنتم لنا ، وقد صرتم اليوم علينا. ثم أصبحتم تصدون [تعدون] قتيلين : قتيلا بصفين تبكون عليه ، وقتيلا بالنهروان تطلبون بثأره ، فأما الباكي فخاذل ، وأما الطالب فثائر. وإن معاوية قد دعا إلى أمر ليس فيه عز ولا نصفة ، فإن أردتم الحياة قبلنااه منه ، وأغضضنا عن القذى ، وإن أردتم الموت بذلناه في ذات الله وحاكمناه إلى الله. فنادى القوم بأجمعهم : بل البقية والحياة.

ثم أورد جزءا من رواية قال (ولما وجه إلى معاوية قائدا في أربعة آلاف ، وكان من كندة ، وأمره أن يعسكر بالأنبار ، كتب إليه معاوية : إن أقبلت إلي وليتك بعض كور الشام ، أو الجزيرة ، غير منفس عليك ، وأرسل إليه بخمسمائة ألف درهم ، فقبض الكندي المال وقلب على الحسنعليه‌السلام ، وصار إلى معاوية في مائتي رجل من خاصته وأهل بيته.

فبلغ ذلك الحسنعليه‌السلام فقام خطيبا وقال : هذا الكندي توجه إلى معاوية وغدر بي وبكم ، وقد أخبرتكم مرة بعد أخرى أنه لا وفاء لكم ، أنتم عبيد الدنيا ، وأنا موجه رجلا آخر مكانه ، وأنا أعلم أنه سيفعل بي وبكم ما فعل صاحبه ، لا يراقب الله في ولا فيكم.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

إحدى الروايتين(١) - لأنّ الصوم عبادة تختلف بالسفر والحضر ، فإذا اجتمعا فيها غلب حكم الحضر كالصلاة.

والفرق : أنّ الصلاة يلزمه إتمامها بنيته ، بخلاف الصوم.

والثاني : أنّه يفطر - وهو قول الشعبي وإسحاق وداود وابن المنذر وأحمد في الرواية الثانية(٢) - للرواية(٣) .

ولأنّ السفر معنى لو وجد ليلاً واستمرّ في النهار ، لأباح الفطر ، فإذا وجد في أثنائه أباحه كالمرض.

مسألة ٩٦ : ولا يجوز له الفطر حتى يتوارى عنه جدران بلده ويخفى عنه أذان مصره‌ ؛ لأنّه إنّما يصير ضارباً في الأرض(٤) بذلك ، وهو قول أكثر العامة(٥) .

وقال الحسن البصري : يفطر في بيته إن شاء يوم يريد أن يخرج(٦) . وروي نحوه عن عطاء(٧) .

روى محمد بن كعب قال : أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد سفراً وقد رُحِلَت له راحلته ولبس ثياب السفر ، فدعا بطعام فأكل ، فقلت له : سنّة؟ فقال : سنّة ؛ وركب(٨) .

مسألة ٩٧ : لو نوى المسافر الصوم في سفره ، لم يجز عندنا‌ ؛ لأنّه محرّم ، وعند العامة يجوز(٩) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢.

(٢) المغني ٣ : ٣٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢.

(٣) وهي - على ما في المغني ٣ : ٣٤ والشرح الكبير ٣ : ٢٣ - ما أورده أبو داود في سننه ج ٣ ص ٣١٨ ، الحديث ٢٤١٢.

(٤) إشارة الى الآية ١٠١ من سورة النساء.

(٧-٥) المغني ٣ : ٣٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣.

(٨) سنن الترمذي ٣ : ١٦٣ / ٧٩٩.

(٩) راجع : المغني ٣ : ٣٥ ، والشرح الكبير ٣ : ١٩ ، والمجموع ٦ : ٢٦٤ ، وفتح العزيز ٦ : ٤٢٨.

١٦١

وعندنا إنّما يجوز إذا نوى المقام عشرة أيام ، فلو نوى المقام ، لزمه الصوم.

فإن نوى المقام قبل الزوال ولم يكن قد تناول المفطر ، وجب عليه تجديد نية الصوم وإتمامه ، وأجزأ عنه.

ولو نوى بعد الزوال أو كان قد تناول ، أمسك مستحباً ، وكان عليه القضاء.

ومن سوّغ الصوم في السفر - وهم العامّة - لو نوى الصوم في سفره ثم بدا له أن يفطر ، فله ذلك عند أحمد(١) (٢) .

وللشافعي قولان ، فقال مرة : لا يجوز له الفطر. وقال اُخرى : إن صحّ حديث الكديد ، لم أر به بأساً أن يفطر(٣) .

وعنى بحديث الكديد ، الحديث الذي رواه ابن عباس ، قال : خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عام الفتح في شهر رمضان فصام حتى بلغ الكديد فأفطر وأفطر الناس(٤) .

وقال مالك : إن أفطر ، فعليه القضاء والكفّارة ؛ لأنّه أفطر في صوم(٥) رمضان فلزمه ذلك ، كما لو كان حاضراً(٦) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ له أن يفطر عندهم بالأكل والشرب وغيرهما ، إلّا الجماع ففيه قولان : أحدهما : ليس له ذلك. والثاني : الجواز.

وعلى القول الأول هل تجب الكفّارة؟ عن أحمد روايتان : إحداهما : أنّه لا كفّارة عليه - وهو مذهب الشافعي - لأنّه صوم لا يجب المضيّ فيه ، فلم‌

____________________

(١) ورد في الطبعة الحجرية بدل عند أحمد : عنده. و : عند أحمد خ ل.

(٢) المغني ٣ : ٣٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢.

(٣) المغني ٣ : ٣٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢ ، المجموع ٦ : ٢٦٤ ، فتح العزيز ٦ : ٤٢٨.

(٤) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في صفحة ١٥٩ ، الهامش (٦).

(٥) ورد في الطبعة الحجرية بدل صوم : شهر. و : صوم. خ ل.

(٦) المغني ٣ : ٣٥ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٢.

١٦٢

تجب الكفّارة بالجماع فيه ، كالتطوّع.

والثانية : أنّه تجب عليه الكفّارة ؛ لأنّه أفطر بجماع ، فلزمته الكفّارة ، كالحاضر.

والفرق : أنّ الحاضر يجب عليه المضيّ في الصوم ، ولأنّ حرمة الجماع وغيره بالصوم ، فتزول بزواله ، كما لو زالت بمجي‌ء الليل(١) .

مسألة ٩٨ : وليس للمسافر أن يصوم في رمضان عن غيره كالنذر والقضاء‌ ؛ لأنّ الفطر اُبيح رخصةً وتخفيفاً عنه ، فلا يجوز له الإِتيان بما خُفّف عنه ، كالتمام والقصر في الصلاة.

وكذا ليس للحاضر أن يصوم غير رمضان فيه ؛ لأنّه زمان لا يقع فيه غيره.

فإذا نوى المسافر الصوم في شهر رمضان للنذر أو القضاء ، لم يصح صومه عن رمضان ولا عمّا نواه ، لأنّه أبيح له الفطر للعذر ، فلم يجز له أن يصومه عن غير رمضان كالمريض ، وهذا قول أكثر العلماء(٢) .

وقال أبو حنيفة : يقع ما نواه إذا كان واجباً ؛ لأنّه زمن اُبيح له الفطر فيه ، فكان له صومه عن واجب عليه كغير رمضان(٣) .

وينتقض : بصوم التطوّع.

مسألة ٩٩ : لو قدم المسافر أو بري‌ء المريض وكانا قد أفطرا ، استحب لهما الإِمساك بقية النهار‌ ، وليس واجباً عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي ومالك وأبو ثور وداود(٤) - لأنّه اُبيح له الإِفطار باطناً وظاهراً في أول النهار ، فإذا أفطر ، كان له أن يستديمه الى آخر النهار ، كما لو بقي العذر.

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٦.

(٢) المغني ٣ : ٣٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢١ - ٢٢ ، المجموع ٦ : ٢٦٣.

(٣) المغني ٣ : ٣٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢ ، المجموع ٦ : ٢٦٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٧ ، وبدائع الصنائع ٢ : ٨٤.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٥ ، المجموع ٦ : ٢٦٢ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٥ ، المغني ٣ : ٧٤ - ٧٥ ، بداية المجتهد ١ : ٢٩٧.

١٦٣

ولأنّ الصوم غير قابل للتبعيض وقد أفطر في أول النهار فلا يصح صوم الباقي.

وإنّما استحب الإِمساك تشبّهاً بالصائمين ؛ لأنّ محمد بن مسلم سأل الصادقعليه‌السلام عن الرجل يقدم من سفره بعد العصر في شهر رمضان فيصيب امرأته حين طهرت من الحيض أيُواقعها؟ قال : « لا بأس به »(١) .

وأمّا استحباب الإِمساك : فلأنّ سماعة سأله عن مسافر دخل أهله قبل زوال الشمس وقد أكل ، قال : « لا ينبغي له أن يأكل يومه ذلك شيئاً ، ولا يواقع في شهر رمضان إن كان له أهل»(٢) .

وقال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي : لا يجوز لهم أن يأكلوا في بقية النهار - وعن أحمد روايتان(٣) - لأنّه معنى لو طرأ قبل طلوع الفجر لوجب الصوم ، فإذا طرأ بعد الفجر وجب الإِمساك كقيام(٤) البيّنة أنّه من رمضان(٥) .

والفرق : جواز الإِفطار باطناً وظاهراً هنا ، فإذا أفطر كان له استدامته ، بخلاف البيّنة ؛ لأنّه لم يكن له الفطر باطناً ، فلمّا انكشف له خطأه حرم عليه الإِفطار.

وكذا البحث في كلّ مفطر كالحائض إذا طهرت ، والطاهر إذا حاضت ، والصبي إذا بلغ ، والكافر إذا أسلم.

مسألة ١٠٠ : لو قدم المسافر قبل الزوال أو برئ المريض كذلك ولم يكونا قد تناولا شيئاً‌ ، وجب عليهما الإِمساك بقية اليوم ، وأجزأهما عن‌

____________________

(١) الاستبصار ٢ : ١٠٦ / ٣٤٧ و ١١٣ / ٣٧٠ ، التهذيب ٤ : ٢٤٢ / ٧١٠ و ٢٥٤ / ٧٥٣.

(٢) الكافي ٤ : ١٣٢ / ٨ ، التهذيب ٤ : ٢٥٣ - ٢٥٤ - ٧٥١ ، الإستبصار ٢ : ١١٣ / ٣٦٨.

(٣) المغني ٣ : ٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧ ، و ٦٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٥.

(٤) ورد في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق ، وفي الطبعة الحجرية بدل كقيام : لقيام.

والصحيح - كما هو موافق لما في المغني - ما أثبتناه.

(٥) المغني ٣ : ٧٥ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٠٢ ، بداية المجتهد ١ : ٢٩٧ ، المجموع ٦ : ٢٦٢ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٥. حلية العلماء ٣ : ١٧٦.

١٦٤

رمضان ، ولو كان بعد الزوال أمسكا استحباباً ، وقضيا عند علمائنا ؛ لأنّه قبل الزوال يتمكّن من أداء الواجب على وجه يؤثّر النية في ابتدائه فوجب الصوم ، والإِجزاء مُخرج عن العهدة ، وأمّا بعد الزوال : فلفوات محل النية ، فلا يجب بالصوم ، لعدم شرطه ؛ واستحباب الإِمساك لحرمة الزمان.

ولأنّ أحمد بن محمد سأل أبا الحسنعليه‌السلام عن رجل قدم من سفره في شهر رمضان ولم يطعم شيئاً قبل الزوال ، قال : « يصوم »(١) .

وسأله أبو بصير عن الرجل يقدم من سفره في شهر رمضان ، فقال : « إن قدم قبل زوال الشمس فعليه صوم ذلك اليوم ويعتدّ به »(٢) .

مسألة ١٠١ : لو علم المسافر أنّه يصل الى بلده أو موضع إقامته قبل الزوال ، جاز له الإِفطار‌ - ولو أمسك حتى يدخل ويتم صومه كان أفضل ، وأجزأه - لأنّ السفر المبيح للإِفطار موجود ، والمانع مفقود بالأصل.

ولما رواه رفاعة - في الحسن - أنّه سأل الصادقعليه‌السلام عن الرجل يصل(٣) في شهر رمضان من سفر حتى يرى أنّه سيدخل أهله ضحوة أو ارتفاع النهار ، قال : « إذا طلع الفجر وهو خارج لم يدخل فهو بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر »(٤) .

وأما أولوية الصوم : فلحرمة الوقت ، ولاشتماله على المسارعة إلى فعل الواجب.

مسألة ١٠٢ : الخلوّ من الحيض والنفاس شرط في الصوم بإجماع العلماء‌.

ولو زال عذرهما في أثناء النهار ، لم يصح لهما صوم وإن كان بعد الفجر‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ١٣٢ / ٧ ، التهذيب ٤ : ٢٥٥ / ٧٥٥.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٥٥ / ٧٥٤.

(٣) في الكافي : يقدم ، بدل يصل. وفي الفقيه والتهذيب : يقبل.

(٤) الكافي ٤ : ١٣٢ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٩٣ / ٤١٤ ، التهذيب ٤ : ٢٥٥ - ٢٥٦ / ٧٥٦.

١٦٥

بزمان يسير جدّاً ، لكن يستحب لهما الإِمساك ويجب عليهما القضاء - وهو قول عامة أهل العلم(١) - لأنّ الوجوب سقط عنهما ظاهراً وباطناً ، فلا يجب الإِمساك.

وقال أبو حنيفة : يجب كما لو قامت البيّنة(٢) ؛ وقد سلف(٣) .

ولو تجدّد عذرهما بعد طلوع الفجر وإن كان قبل الغروب بزمان يسير جدّاً وجب عليهما الإِفطار والقضاء بالإِجماع.

تنبيهٌ :

قيل : الصوم يجب على الحائض والنفساء‌ ، ولهذا وجب القضاء عليهما مع أنّه محرَّم(٤) .

وهو خطأ ؛ للتنافي بين الحكمين ، نعم سبب الوجوب قائم في حقهما ولم يثبت الوجوب لمانع ، والقضاء بأمر جديد.

القسم الثاني : في شرائط وجوب القضاء(٥) .

مسألة ١٠٣ : يشترط في وجوب القضاء : الفوات حالة البلوغ‌ ، فلو فات الصبي الذي لم يبلغ في شهر رمضان ، لم يجب عليه القضاء بعد بلوغه ، سواء كان مميّزاً أو غير مميّز ، بإجماع العلماء ، لأنّ الصبي ليس محلّ الخطاب بالأداء ، فلا يجب عليه القضاء ، ولا نعلم فيه خلافاً ، إلّا من الأوزاعي ؛ فإنّه‌

____________________

(١) راجع : الشرح الكبير ٣ : ١٧ ، والمجموع ٦ : ٢٥٧.

(٢) الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٠٢ ، المجموع ٦ : ٢٥٧ ، المغني ٣ : ٧٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٦.

(٣) سلف في المسألة ٩٩.

(٤) راجع : المجموع ٢ : ٣٥٥ ، وفتح العزيز ٢ : ٤٢٠.

(٥) في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق : شرائط القضاء.

١٦٦

قال : يقضيه إن كان قد أفطر وهو قادر على الصوم(١) .

وكذا اليوم الذي بلغ فيه لا يجب عليه قضاؤه ؛ لمضيّ جزء منه لا يصح تكليفه بالصوم فيه ، فيكون الباقي كذلك ؛ لعدم قبوله للتجزّي ، ولا فرق بين أن يصوم اليوم الذي بلغ فيه أو لا ، وبه قال أبو حنيفة(٢) .

وللشافعي قولان ، أحدهما : أنّه يجب قضاؤه وإن كان صائماً. والثاني: لا يجب قضاؤه إذا(٣) كان مفطراً ؛ لأنّه يجب عليه صوم باقية لبلوغه ، وتعذّر عليه صومه ؛ للإِفطار ، وقضاؤه منفرداً ، فوجب أن يكمل صوم يوم ليتوصّل إلى صوم ما وجب عليه ، كما إذا عدل الصوم بالإِطعام ، فبقي نصف مُدّ ، فإنّه يصوم يوماً كاملاً(٤) .

وهو غلط ؛ لأنّا نمنع وجوب صوم باقية.

مسألة ١٠٤ : كمال العقل شرط في القضاء‌ ، فلو فات المجنون شهر رمضان ثم أفاق ، لم يجب عليه قضاؤه عند علمائنا - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(٥) - لأنّه ليس محلّاً للتكليف ، فلا يجب عليه الأداء ، فلا يجب عليه تابعه ، وهو : القضاء.

وقال مالك : يجب عليه القضاء. وبه قال بعض الشافعية - وعن أحمد‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧.

(٢) المبسوط للسرخسي ٣ : ٩٣ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٣ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٨.

(٣) في الطبعة الحجرية : وإن ، بدل إذا.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٤ ، المجموع ٦ : ٢٥٦ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٣.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٤ ، المجموع ٦ : ٢٥٤ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٣ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٨ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٨٨ ، المغني ٣ : ٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦.

١٦٧

روايتان(١) - لأنّ الجنون معنى يزيل العقل ، فلا ينافي وجوب الصوم ، كالإِغماء(٢) .

ونمنع حكم الأصل ، والفرق : أنّ الإِغماء مرض قد يلحق الأنبياء ، بخلاف الجنون المزيل للتكليف لنقص فيه.

فإن أفاق في أثناء الشهر ، لم يقض ما فاته حال جنونه ولا اليوم الذي يفيق فيه ، إلّا أن يكون أفاق قبل الفجر - وبه قال الشافعي في أحد الوجهين(٣) - لأنّ الجنون مزيل للخطاب والتكليف ، فسقط قضاء ما فات من بعض الشهر ، كما لو فات جميعه.

وقال أبو حنيفة : يجب قضاء ما فات ؛ لأنّ الجنون لا ينافي الصوم(٤) .

وهو ممنوع بخلاف الإِغماء.

وقال محمد بن الحسن : إذا بلغ مجنوناً ثم أفاق في أثناء الشهر ، فلا قضاء عليه ، أمّا إذا كان عاقلاً بالغاً ثم جُنّ ، قضى ما فاته حالة الجنون ؛ لأنّ بلوغه في الأول لم يتعلّق به التكليف(٥) . ونمنع الأصل.

مسألة ١٠٥ : اختلف علماؤنا في المغمى عليه هل يجب عليه القضاء؟ فالذي نصّ عليه الشيخ –رحمه‌الله - أنّه لا قضاء عليه ، سواء كان مفيقاً في أول الشهر ناوياً للصوم ثم اُغمي عليه ، أو لم يكن مفيقاً ، بل اُغمي‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٩٥ - ٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٣ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٣.

(٢) الكافي في فقه أهل المدينة : ١١٧ ، بداية المجتهد ١ : ٢٩٨ ، المغني ٣ : ٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٣ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٣.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٤ ، المجموع ٦ : ٢٥٤ و ٢٥٦ ، الوجيز ١ : ١٠٣ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٣ ، المغني ٣ : ٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦.

(٤) الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٨ ، الكتاب بشرح اللباب ١ : ١٧٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ٨٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٣ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٣ ، المغني ٣ : ٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦.

(٥) الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٨ - ١٢٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ٨٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٣.

١٦٨

عليه من أول الشهر(١) .

وهو المعتمد ؛ لأنّ مناط التكليف العقل ، والتقدير زواله ، فيسقط التكليف.

ولأنّ أيوب بن نوح كتب إلى الرضاعليه‌السلام ، يسأله عن المغمى عليه يوما أو أكثر هل يقضي ما فاته أم لا؟ فكتب : « لا يقضي الصوم ولا يقضي الصلاة »(٢) .

وللشيخ قول آخر : إنّه إن سبقت منه النيّة ، صحّ صومه ، ولا قضاء عليه ، وإن لم تسبق ، بأن كان مغمى عليه من أول الشهر ، وجب القضاء(٣) - وبه قال المفيد والسيد المرتضى(٤) - لأنّه مريض ، فوجب عليه القضاء كغيره من المرضى ، لأنّ مدّته لا تتطاول غالباً.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « يقضي المغمى عليه ما فاته »(٥) .

ونمنع مساواته للمرض الذي يبقى فيه العقل.

والرواية محمولة على الاستحباب.

وقال الشافعي وأبو حنيفة : يقضي زمان إغمائه مطلقاً. واختلفا في يوم إغمائه ، فقال أبو حنيفة : لا يقضيه ؛ لحصول النية فيه. وقال الشافعي : يقضيه(٦) .

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٨٥.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٤٣ / ٧١١ ، الاستبصار ١ : ٤٥٨ / ١٧٧٥ ، والفقيه ١ : ٢٣٧ / ١٠٤١ ، وفيها عن أبي الحسن الثالثعليه‌السلام .

(٣) الخلاف ٢ : ١٩٨ ، المسألة ٥١ ، وحكاه عنه المحقّق في المعتبر : ٣١٣.

(٤) المقنعة : ٥٦ ، جُمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٧ ، وحكاه عنهما المحقّق في المعتبر : ٣١٣.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٤٣ / ٧١٦.

(٦) حكى هذه الأقوال عنهما ، المحقّق في المعتبر : ٣١٣ ، وانظر : المهذب للشيرازي ١ : ١٨٤ و ١٩٢ ، والمجموع ٦ : ٢٥٥ و ٣٤٧ ، والوجيز ١ : ١٠٣ ، وفتح العزيز ٦ : =

١٦٩

مسألة ١٠٦ : الإِسلام شرط في وجوب القضاء‌ ، فلو فات الكافر الأصلي شهر رمضان ثم أسلم ، لم يجب عليه قضاؤه بإجماع العلماء ؛ لقولهعليه‌السلام : ( الإِسلام يجبّ ما قبله )(١) .

ولو أسلم في أثناء الشهر ، فلا قضاء عليه لما فات ، عند علمائنا أجمع ، وهو قول عامة العلماء(٢) ، لما تقدّم.

ولقوله تعالى( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ ) (٣) .

وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، في رجل أسلم في نصف شهر رمضان : « ليس عليه قضاء إلّا ما يستقبل »(٤) .

ولأنّ ما مضى عبادة خرجت في حال كفره ، فلا يجب قضاؤها ، كالرمضان الماضي.

وقال عطاء : عليه القضاء(٥) . وعن الحسن كالمذهبين(٦) .

وأمّا اليوم الذي أسلم فيه ، فإن كان قبل طلوع الفجر ، وجب عليه صيامه ، ولو أفطر ، قضاه وكفّر ، وإن كان بعد الفجر ، أمسك استحباباً ، ولا قضاء عليه ، ولا يجب عليه صيامه ؛ لما تقدّم من أنّ الصوم لا يتبعّض. وكذا كلّ ذي عذر.

وللشافعي وجهان(٧) . وبقولنا أفتى مالك وأبو ثور وابن المنذر(٨) .

____________________

= ٤٣٢ ، والهداية للمرغيناني ١ : ١٢٨ ، والكتاب بشرح اللباب ١ : ١٧٢.

(١) مسند أحمد ٤ : ١٩٩ ، مشكل الآثار ١ : ٢١١ - ٢١٢ بتفاوت يسير‌

(٢) المغني ٣ : ٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦.

(٣) الأنفال : ٣٨.

(٤) أورده المحقق في المعتبر : ٣١٣ ، وبتفاوت يسير في الكافي ٤ : ١٢٥ / ٢ ، والتهذيب ٤ : ٢٤٦ / ٧٢٩ ، والاستبصار ٢ : ١٠٧ / ٣٥٠.

(٥و٦) المغني ٣ : ٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦.

(٧) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٤ ، المجموع ٦ : ٢٥٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٣.

(٨) المغني ٣ : ٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦.

١٧٠

وقال أحمد : يجب عليه الإِمساك ويقضيه(١) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ عيص بن القاسم روى - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن قوم أسلموا في شهر رمضان وقد مضى منه أيام ، هل عليهم أن يقضوا ما مضى منه أو يومهم الذي أسلموا فيه؟ قال : « ليس عليهم قضاء ولا يومهم الذي أسلموا فيه إلّا أن يكونوا أسلموا قبل طلوع الفجر »(٢) .

مسألة ١٠٧ : يجب القضاء على المرتدّ ما فاته زمان ردّته‌ - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّه ترك فعلاً وجب عليه مع علمه بذلك ، فوجب عليه قضاؤه ، كالمسلم.

وقال أبو حنيفة : لا يجب قضاؤه(٤) ؛ لقولهعليه‌السلام : ( الإِسلام يجبّ ما قبله )(٥) .

والمراد به الأصلي ؛ لأنّه لا يؤخذ بالعبادات حال كفره.

ولا فرق بين أن تكون الردّة باعتقاد ما يوجب الكفر أو بشكّه فيما يكفر بالشك فيه.

ولو ارتدّ بعد عقد الصوم صحيحاً ثم عاد ، قال الشافعي : يفسد صومه(٦) . وهو جيد.

ولو غلب على عقله بشي‌ء من قِبَله ، كشُرْب المسكر والمرقد ، لزمه‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٤٥ - ٢٤٦ / ٧٢٨ ، الاستبصار ٢ : ١٠٧ / ٣٤٩.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٤ ، المجموع ٦ : ٢٥٣ ، الوجيز ١ : ١٠٣ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤.

(٤) المجموع ٦ : ٢٥٣ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٢.

(٥) مسند أحمد ٤ : ١٩٩ ، مشكل الآثار ١ : ٢١١ - ٢١٢ بتفاوت يسير.

(٦) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٣١٣.

١٧١

القضاء ولو كان بشي‌ء من قِبَله تعالى ، لم يلزمه.

ولو طُرح في حلق المغمى عليه أو مَنْ زال عقله دواء ، لم يجب عليه القضاء إذا أفاق ، خلافاً للشيخ(١) .

ويستحب للمغمى عليه وللكافر القضاء.

البحث الثالث : في الأحكام‌

مسألة ١٠٨ : مَنْ وجب عليه قضاء ما فاته من أيام رمضان‌ يجب عليه القضاء في السنة التي فاته الصوم فيها ما بينه وبين الرمضان الثاني ، فلا يجوز له تأخيره إلى دخول الرمضان الثاني ، فإذا فاته شي‌ء من رمضان أو جميعه بمرض ، وجب عليه القضاء عند البُرْء وجوباً موسّعاً إلى أن يبقى إلى الرمضان الثاني عدد ما فاته من الأيام.

فإن أخّر القضاء بعد بُرئه وتمكّنه من القضاء حتى دخل الرمضان الثاني ، فإمّا أن يكون تأخيره على وجه التواني أو لا.

فإن كان على وجه التواني ، صام الرمضان الحاضر ، وقضى الأول بالإِجماع ، وكفّر عن كلّ يوم من الفائت بمُدَّيْن ، وأقلّه مُدٌّ ، قاله شيخنا المفيد(٢) رحمه‌الله - وبه قال الشافعي ومالك والثوري وأحمد وإسحاق والأوزاعي ، وهو قول ابن عباس وابن عمر ، وأبي هريرة ، ومجاهد وسعيد بن جبير(٣) - لما رواه العامة عن أبي هريرة ، أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أوجب‌

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٦٦.

(٢) المقنعة : ٨٨.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٤ ، المجموع ٦ : ٣٦٦ ، الوجيز ١ : ١٠٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤٦٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٧ ، بداية المجتهد ١ : ٢٩٩ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٧٧ ، المغني ٣ : ٨٥ - ٨٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٨٦ - ٨٧.

١٧٢

عليه إطعام مسكين عن كلّ يوم(١) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهماعليهما‌السلام ، عن رجل مرض فلم يصم حتى أدركه شهر رمضان آخر ، فقال : « إن كان بري‌ء ثم توانى قبل أن يدركه الصوم الآخر ، صام الذي أدركه ، وتصدّق عن كلّ يوم بمُدّ من طعام على مسكين ، وعليه قضاؤه ، وإن كان لم يتمكّن من قضائه حتى أدركه شهر رمضان ، صام الذي أدركه ، وتصدّق عن الأول لكلّ يوم مدّاً لمسكين ، وليس عليه قضاؤه »(٢) .

وقال ابن إدريس منّا : لا كفّارة عليه - وبه قال أبو حنيفة والحسن البصري والنخعي(٣) - لأصالة براءة الذمة(٤) ، ولأنّه تأخير صوم واجب ، فلا تجب به الكفّارة ، كما لو أخّر القضاء والنذر.

وأصالة البراءة حجّة إذا لم يقم دليل على شغلها ، والأخبار به كثيرة. والقياس باطل عندنا ، خصوصاً إذا عارض النصّ.

مسألة ١٠٩ : ولو ترك القضاء بعد بُرئه غير متهاون به‌ ، بل كان عازماً كلّ وقت على القضاء ويؤخّره لعذر من سفر وشبهه ، وعلى كلّ حال لم يتهاون به ، بل تركه لاُمور عرضت ، ثم عرض مع ضيق الوقت ما يمنعه من القضاء ، كان معذوراً يلزمه القضاء إجماعاً ، ولا كفّارة عليه ؛ لعدم التفريط منه.

ولو استمرّ به المرض من الرمضان الأول إلى الرمضان الثاني ولم يصحّ. فيما بينهما ، صام الحاضر ، وسقط عنه قضاء الأول ، وتصدّق عن كلّ يوم‌

____________________

(١) سنن الدار قطني ٢ : ١٩٧ / ٨٩.

(٢) الكافي ٤ : ١١٩ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٥٠ / ٧٤٣ ، الاستبصار ٢ : ١١٠ / ٣٦١ ، وفيها : سألتهما فقالا.

(٣) المبسوط للسرخسي ٣ : ٧٧ ، المغني ٣ : ٨٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٨٧ ، المجموع ٦ : ٣٦٦ ، فتح العزيز ٦ : ٤٦٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٧ ، بداية المجتهد ١ : ٢٩٩.

(٤) السرائر : ٩٠.

١٧٣

بمُدَّيْن أو بمُدّ ، عند أكثر علمائنا(١) ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « فإن كان لم يزل مريضاً حتى أدركه شهر رمضان ، صام الذي أدركه ، وتصدّق عن الأول لكلّ يوم مُدّاً لمسكين ، وليس عليه قضاؤه»(٢) .

ونحوه روى زرارة - في الصحيح - عن الباقرعليه‌السلام (٣) .

وقال الصدوق : يقضي الأول ولا كفّارة - وهو قول العامة(٤) - لعموم قوله تعالى( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) (٥) (٦) .

إذا عرفت هذا ، فحكم ما زاد على رمضانين حكم الرمضانين سواء ، ولو أخّره سنين ، تعدّدت الكفّارة بتعدّد السنين. وللشافعي وجهان(٧) .

ولو استمرّ به المرض إلى أن مات ، سقط القضاء وجوباً لا استحباباً ، ولا كفّارة عند جمهور العلماء(٨) ؛ لأصالة البراءة.

ولأنّ سماعة سأل الصادقعليه‌السلام ، عن رجل دخل عليه شهر رمضان وهو مريض لا يقدر على الصيام ، فمات في شهر رمضان أو في شهر شوّال ، قال : « لا صيام عليه ولا يقضى عنه »(٩) .

____________________

(١) منهم : الشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٢٨٦ ، والقاضي ابن البرّاج في المهذب ١ : ١٩٥ ، والمحقّق الحلّي في شرائع الإِسلام ١ : ٢٠٣.

(٢) الكافي ٤ : ١١٩ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٥٠ / ٧٤٣ ، الاستبصار ٢ : ١١٠ / ٣٦١.

(٣) الكافي ٤ : ١١٩ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٩٥ / ٤٢٩ ، التهذيب ٤ : ٢٥٠ / ٧٤٤ ، الاستبصار ٢ : ١١١ / ٣٦٢.

(٤) المغني ٣ : ٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٨٦ ، المجموع ٦ : ٣٦٦.

(٥) البقرة : ١٨٤.

(٦) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٣١٤.

(٧) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٤ ، المجموع ٦ : ٣٦٤ ، فتح العزيز ٦ : ٤٦٢ - ٤٦٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٧.

(٨) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٤ ، المجموع ٦ : ٣٧٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٨ ، المغني ٣ : ٨٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٨٧.

(٩) التهذيب ٤ : ٢٤٧ / ٧٣٣ ، الاستبصار ٢ : ١٠٨ / ٣٥٢.

١٧٤

وقال قتادة وطاوس : يجب أن يكفّر عنه عن كلّ يوم إطعام مسكين ؛ لأنّه صوم واجب سقط بالعجز عنه ، فوجب الإِطعام عنه ، كالشيخ الهِمّ إذا ترك الصيام لعجزه(١) .

والفرق ظاهر ؛ فإنّ الشيخ يجوز ابتداءً الوجوب عليه ، بخلاف الميت ، وقولهما مخالف للإِجماع ، فلا عبرة به.

ثم إذا عرفت هذا ، فإنّه يستحب القضاء عنه.

مسألة ١١٠ : لو برأ من مرضه زماناً يتمكّن فيه من القضاء ولم يقض حتى مات ، قُضي عنه عند علمائنا‌ - وبه قال الشافعي في القديم وأبو ثور(٢) - لما رواه العامة عن ابن عباس ، قال : جاء رجل إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : يا رسول الله إنّ اُمّي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ قال : ( لو كان على اُمّك دَيْنٌ كنت قاضيه؟ ) قال : نعم ، قال : ( فدَيْن الله أحقّ أن يقضى)(٣) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام ، في الرجل يموت في شهر رمضان ، قال : « ليس على وليّه أن يقضي عنه ما بقي من الشهر ، وإن مرض فلم يصم رمضان ثم لم يزل مريضا حتى مضى رمضان وهو مريض ثم مات في مرضه ذلك ، فليس على وليّه أن يقضي عنه الصيام ، فإن مرض فلم يصم شهر رمضان ثم صحّ بعد ذلك فلم يقضه ثم مرض فمات ، فعلى وليّه أن يقضي عنه لأنّه قد صحّ فلم يقض ووجب »(٤) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٨٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٨٧ ، المجموع ٦ : ٣٧٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٨.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٤ ، المجموع ٦ : ٣٦٨ و ٣٧٢ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٨ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٨٩ ، المغني ٣ : ٨٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٨٨ - ٨٩.

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٨٠٤ / ١٥٥ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٥٥.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٤٩ / ٧٣٩ ، الاستبصار ٢ : ١١٠ / ٣٦٠.

١٧٥

ولأنّ الصوم يدخل في جبرانه المال ، فتدخل النيابة فيه ، كالحج.

وقال الشافعي في الجديد : يطعم عنه كلّ يوم مدّاً ؛ وبه قال أبو حنيفة ومالك والثوري - إلّا أنّ مالكاً يقول : لا يلزم الولي أن يطعم عنه حتى يوصي بذلك - وهو مروي عن ابن عباس وعائشة ، لما رواه ابن عمر : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ( مَنْ مات وعليه صيام شهر فليطعم عنه مكان كلّ يوم مسكيناً )(١) .

ولأنّ الصوم لا تدخله النيابة في حال الحياة ، فكذا بعد الموت ، كالصلاة(٢) .

وحديثه موقوف ، ونقول بموجبه ؛ لأنّ الصدقة تجب إذا لم يكن ولي ، وقياسه ممنوع الأصل.

وقال أحمد : إن كان صوم نذر ، صام عنه الولي ، وإن كان صوم رمضان ، أطعم عنه ؛ لأنّ ابن عباس سئل عن رجل مات وعليه نذر صوم شهر ، أو عليه صوم رمضان ، قال : أمّا رمضان فليطعم عنه ، وأمّا النذر فيصام عنه(٣) .

وقول ابن عباس ليس حجّةً ، أو قاله في شخصين لأحدهما وليّ دون الآخر.

مسألة ١١١ : الذي يقضي عن الميت هو أكبر أولاده الذكور‌ ، ويقضي ما فاته من صيام بمرض وغيره إذا تمكّن من قضائه ولم يقضه ، وإن لم يكن له‌

____________________

(١) سنن ابن ماجة ١ : ٥٥٨ / ١٧٥٧ ، سنن الترمذي ٣ : ٩٦ / ٧١٨.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٤ ، المجموع ٦ : ٣٦٨ و ٣٧٢ - ٣٧٣ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٨ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٨٩ ، بداية المجتهد ١ : ٢٩٩ - ٣٠٠ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٢ ، المغني ٣ : ٨٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٨٨.

(٣) المغني ٣ : ٨٤ - ٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٨٨ - ٨٩ و ٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٩.

١٧٦

ولد ذكر وكان له إناث ، تصدّق عنه من ماله عن كلّ يوم بمُدَّيْن ، قاله الشيخ(١) رحمه‌الله

وقال المفيدرحمه‌الله : إذا لم يكن إلّا اُنثى ، قضت عنه(٢) .

والوجه : قول الشيخ ؛ لأصالة البراءة.

ولما رواه حمّاد بن عثمان عمّن ذكره عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يموت وعليه دَيْن [ من ](٣) شهر رمضان مَنْ يقضي عنه؟ قال : « أولى الناس به » قلت : فإن كان أولى الناس به امرأة؟ قال : « لا إلّا الرجال »(٤) .

إذا عرفت هذا ، فلو لم يكن له ولي من الذكور ، قال الشيخرحمه‌الله : يتصدّق عنه عن كلّ يوم بمُدَّيْن ، وأقلّه مُدٌّ(٥) .

والسيد المرتضى -رحمه‌الله - عكس ، فأوجب الصدقة أوّلاً ، فإن لم يكن له مال ، صام عنه وليه(٦) ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « فإن صحّ ثم مرض حتى يموت وكان له مال ، تصدّق عنه ، فإن لم يكن له مال ، صام عنه وليه »(٧) .

والمعتمد : قول الشيخ ؛ لأنّ الواجب في الأصل الصوم.

فروع :

أ - لو لم يكن له إلّا ولد واحد ذكر ، وجب عليه القضاء ؛ لأنّه ولي له.

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٨٦.

(٢) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٣١٥.

(٣) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٤) الكافي ٤ : ١٢٤ / ٤ ، التهذيب ٤ : ٢٤٦ - ٢٤٧ / ٧٣١ ، الاستبصار ٢ : ١٠٨ / ٣٥٤.

(٥) المبسوط للطوسي ١ : ٢٨٦.

(٦) الانتصار : ٧٠ - ٧١.

(٧) الكافي ٤ : ١٢٣ - ١٢٤ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٩٨ / ٤٣٩ ، التهذيب ٤ : ٢٤٨ / ٧٣٥ الاستبصار ٢ : ١٠٩ / ٣٥٦.

١٧٧

ب - لو كان له أولاد ذكور في سنّ واحد ، قضوا بالحَصِص ، فإن قام بالجميع بعضهم ، سقط عن الباقين.

ج - لو لم يكن له ولد ذكر وكان له إناث ، سقط القضاء ، ووجب الصدقة ، وكذا لو لم يكن له ولي. ولو كان له أولاد ذكور وإناث ، وكان الأكبر اُنثى ، وجب القضاء على أكبر الذكور.

د - لو تعدّد الولي ، قضوا بالحصص ، فإن انكسر العدد ، فاليوم المنكسر واجب عليهم على الكفاية ، كما لو كانوا ثلاثة في سنّ واحد وعليه أربعة.

ه- يجوز اتّحادهم في الزمان ، فلو فاته يومان مثلاً وله ولدان فصاما معاً يوماً واحداً ، كفاهما عن اليومين.

و - لو صام أجنبي عن الميت بغير قول الولي ، سقط الصوم عن الميت والولي معاً ، وإن صام بأمر الولي ، فالأقرب : الإِجزاء.

وللشافعي فيه وجهان(١) .

وكذا يجوز للولي أن يستأجر عنه مَنْ يصوم.

ز - قال الشيخ : كلّ صوم واجب على المريض بأحد الأسباب الموجبة ، كاليمين والنذر والعهد ، إذا مات مَنْ وجب عليه مع إمكان القضاء ولم يقضه ، وجب على وليّه القضاء عنه أو الصدقة(٢) .

وكذا يجب عليه قضاء ما فاته من صلاة.

ح - قال الشيخرحمه‌الله : لو وجب عليه صيام شهرين متتابعين ثم مات ، تصدّق عنه من مال الميت عن شهر ، وقضى وليّه شهراً آخر(٣) ؛ تخفيفاً

____________________

(١) المجموع ٦ : ٣٦٨ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٩ ، والوجهان في الشرطية الاُولى لا الثانية.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ٢٨٦.

(٣) النهاية : ١٥٨.

١٧٨

عن الوليّ.

ولو وجب عليه شهران على التعيين فكذلك ، خلافاً لبعض(١) علمائنا.

ولو كان على التخيير ، مثل كفّارة رمضان ، تخيّر الوليّ بين الصوم والصدقة من مال الميت من الأصل أو بعض من الأصل ؛ لأنّ الصوم وجب على التخيير ، وخرج الميت عن أهلية التخيير ، فيكون للولي.

ولا فرق بين أنواع المرض في ذلك.

مسألة ١١٢ : قال الشيخرحمه‌الله : حكم المرأة حكم الرجل‌ في أنّ ما يفوتها في زمن الحيض أو السفر أو المرض لا يجب على أحد القضاء عنها ولا الصدقة ، إلّا إذا تمكّنت من قضائه وأهملته؛ فإنّه يجب على وليّها القضاء أو الصدقة ، على ما مرّ في الرجل سواء(٢) . وهو قول أكثر العامّة(٣) .

وأنكر ابن إدريس ذلك(٤) .

وليس بشي‌ء ؛ لما رواه أبو بصير - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن امرأة [ مرضت في رمضان ](٥) وماتت في شوّال ، فأوصتني أن أقضي عنها ، قال : « هل برئت من مرضها؟ » قلت : لا ، ماتت ؛ قال : « لا تقض عنها ، فإنّ الله لم يجعله عليها » قلت : فإنّي أشتهي أن أقضي عنها وقد أوصتني بذلك ؛ قال : « وكيف تقضي شيئاً لم يجعله الله عليها!؟ فإن اشتهيت أن تصوم لنفسك فصُمْ »(٦) استفسرهعليه‌السلام عن حصول البرء أوّلاً ، ولو لم يجب القضاء مع البُرْء ، لم يكن للسؤال معنى.

لا يقال : إنّه قد حصلت الوصية ، فجاز أن يكون الوجوب بسببها.

____________________

(١) وهو ابن إدريس في السرائر : ٩١.

(٢) النهاية : ١٥٨ ، المبسوط للطوسي ١ : ٢٨٦.

(٣) المغني ٣ : ٨٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٩١ ، المجموع ٦ : ٣٦٨.

(٤) السرائر : ٩١.

(٥) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطية والحجرية : صامت. وما أثبتناه من المصدر.

(٦) التهذيب ٤ : ٢٤٨ / ٧٣٧ ، الإستبصار ٢ : ١٠٩ / ٣٥٨.

١٧٩

لأنّا نقول : الوصية لا تقتضي الوجوب ، أمّا مع عدم القبول : فظاهر ، وأمّا معه : فلأنّه راجع إلى الوعد.

مسألة ١١٣ : قد بيّنّا أنّ المسافر لا يجوز له صوم رمضان في السفر‌ ولا غيره من الواجبات إلّا ما استثني ، بل يجب عليه الإِفطار والقضاء مع حضور البلد ، أو نيّة الإِقامة عشرة أيام في غيره ، أو إقامة ثلاثين يوماً ، فإن مات المسافر بعد تمكّنه من القضاء ، وجب أن يقضى عنه ، كما تقدّم.

ولو مات في سفره ولم يتمكّن من القضاء ، فللشيخ في وجوب القضاء عنه قولان :

أحدهما : عدم الوجوب ؛ لأنّه لم يستقرّ في ذمته الأداء ولا القضاء ؛ لأنّ معنى الاستقرار فيه أن يمضي زمان يتمكّن فيه من القضاء ويُهْمِل(١) .

والثاني : وجوب القضاء(٢) ، لقول الصادقعليه‌السلام ، في الرجل يسافر في رمضان فيموت ، قال: « يقضى عنه ، وإن امرأة حاضت في رمضان فماتت ، لم يُقْض عنها ، والمريض في رمضان لم يصح حتى مات لا يقضى عنه »(٣) .

ولا بأس به. والفرق : أنّ المرض حصل العذر فيه من قِبَل الله تعالى ، وكذا الحيض ، أمّا السفر فمن المكلّف.

مسألة ١١٤ : يجوز الإِفطار قبل الزوال في قضاء رمضان‌ ، لعدم تعيين زمانه.

ولأنّه محلّ تجديد النيّة ، وكلّ وقت يجوز فيه تجديد نيّة الصوم يجوز فيه الإِفطار.

ولا يجوز بعد الزوال ؛ لأنّه قد استقرّ له الوجوب بمضيّ أكثر الزمان في‌

____________________

(١) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٣١٥ ، وراجع : ٢ الخلاف ٢ : ٢٠٧ - ٢٠٨ ، المسألة ٦٤.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٤٩ ذيل الحديث ٧٣٩.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٤٩ / ٧٤٠.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333