تذكرة الفقهاء الجزء ٦

تذكرة الفقهاء11%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-46-9
الصفحات: 333

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 333 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 228566 / تحميل: 5433
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٦

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٤٦-٩
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

وكذا يستحب صوم كلّ جمعة - وبه قال أبو حنيفة ومالك ومحمد(١) - لأنّ الصوم في نفسه طاعة ، وهذا يوم شريف تُضاعف فيه الحسنات.

ولما رواه الزهري عن زين العابدينعليه‌السلام : « فأمّا الصوم الذي صاحبه فيه بالخيار فصوم يوم الجمعة والخميس »(٢) .

وقال ابن سنان عن الصادقعليه‌السلام : رأيته صائماً يوم جمعة ، فقلت له : جُعلت فداك إنّ الناس يزعمون أنّه يوم عيد ؛ فقال : « كلّا إنّه يوم خفض ودعة »(٣) .

وقال أحمد وإسحاق وأبو يوسف : يكره إفراده بالصوم ، إلّا أن يوافق ذلك صوماً كان يصومه ، مثل : مَنْ يصوم يوماً ويُفطر يوماً ، فيوافق صومه يوم الجمعة. وكذا مَنْ عادته صيام أول الشهر أو آخره فيوافقه ، لما رواه أبو هريرة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، نهى أن يفرد يوم الجمعة بالصوم(٤) .

وسأل رجلٌ جابر بن عبد الله وهو يطوف ، فقال : أسمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، نهى عن صيام يوم الجمعة؟ قال : نعم وربّ هذا البيت(٥) (٦) .

فإن صحّت هاتان الروايتان ، حُملتا على مَنْ يضعف عن الفرائض‌

____________________

(١) المغني ٣ : ١٠٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٤ ، المجموع ٦ : ٤٣٨ ، بداية المجتهد ١ : ٣١٠ وفيها جميعاً : لا يكره.

(٢) تقدّمت الإشارة إلى مصادرها في الهامش (٧) من صفحة ١٩٩.

(٣) التهذيب ٤ : ٣١٦ / ٩٥٩.

(٤) صحيح مسلم ٢ : ٨٠١ / ١١٤٤ ، صحيح البخاري ٣ : ٥٤ ، سنن الترمذي ٣ : ١١٩ / ٧٤٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٤٩ / ١٧٢٣ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٠٢.

(٥) صحيح مسلم ٢ : ٨٠١ / ١١٤٣ ، صحيح البخاري ٣ : ٥٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٤٩ / ١٧٢٤ ، سنن الدارمي ٢ : ١٩ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٠١ - ٣٠٢.

(٦) المغني ٣ : ١٠٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٠٣ - ١٠٤ ، المجموع ٦ : ٤٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٤.

٢٠١

ونوافل الجمعة والأدعية وأداء الجمعة على وجهها والسعي إليها ؛ جمعاً بين الأدلّة.

وقد روى علماؤنا أنّ صوم داود على نبيّنا وآله وعليه السلام ، فَعَله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) .

قال رسول الله عليه وآله السلام : ( أحبّ الصيام إلى الله تعالى صيام أخي داودعليه‌السلام ، كان يصوم يوماً ويُفطر يوماً ، وأحبّ الصلاة إلى الله تعالى صلاة أخي داود ، كان يرقد شطر الليل ويقوم ثُلْثه ثم يرقد آخره )(٢) .

المطلب الرابع : في صوم الإِذن والتأديب‌

مسألة ١٣٧ : لا ينعقد للعبد الصوم تطوّعاً إلّا بإذن مولاه‌ ؛ لأنّه مملوك ليس له التصرّف في نفسه ، ومنافعه مستحقّة لغيره ، وربما تضرّر السيد بضعفه بالصوم ، فإن أذن له مولاه ، صحّ. هذا في صيام التطوّع.

ولقول زين العابدينعليه‌السلام : « وأمّا صوم الإِذن فالمرأة لا تصوم تطوّعاً إلّا بإذن زوجها ، والعبد لا يصوم تطوّعاً إلّا بإذن مولاه ، والضيف لا يصوم تطوّعاً إلّا بإذن صاحبه ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مَنْ نزل على قوم فلا يصوم تطوّعاً إلّا بإذنهم »(٣) .

أمّا الفرض فلا ، وكذا ليس له أن ينذر الصوم إلّا بإذن مولاه. وهذا كلّه‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٨٩ - ٩٠ / ١ و ٢ ، الفقيه ٢ : ٤٩ / ٢١٠ ، الخصال : ٣٩٠ / ٨٠ ، التهذيب ٤ : ٣٠٢ / ٩١٣.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ٦٣ و ٤ : ١٩٦ ، صحيح مسلم ٢ : ٨١٦ / ١٨٩ ، سنن أبي داود ٢ : ٣٢٧ - ٣٢٨ / ٢٤٤٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٤٦ / ١٧١٢ ، سنن النسائي ٣ : ٢١٤ - ٢١٥ ، سنن البيهقي ٣ : ٣ و ٤ : ٢٩٥ - ٢٩٦.

(٣) الكافي ٤ : ٨٣ - ٨٦ / ١ ، الفقيه ٢ : ٤٦ - ٤٨ / ٢٠٨ ، التهذيب ٤ : ٢٩٤ - ٢٩٦ / ٨٩٥.

٢٠٢

لا خلاف فيه. ولا فرق بين أن يكون المولى حاضراً أو غائباً.

مسألة ١٣٨ : ليس للمرأة أن تصوم تطوّعاً إلّا بإذن زوجها‌ ، سواء كان الزوج حرّاً أو عبداً ؛ لأنّه مالك لبُضْعها ، وله حقّ الاستمتاع ، وربما يمنعه الصوم عنه ، فلم يكن سائغاً لها إلّا برضاه.

ولا فرق بين أن يكون زوجها حاضراً أو غائباً.

واشترط الشافعي حضوره(١) .

وليس بجيّد ؛ لما اشتمل عليه حديث الزهري عن زين العابدينعليه‌السلام (٢) .

ولو كان عليها صوم واجب ، لم يعتبر إذنه ، بل يجب عليها فعله ، ولا يحلّ له منعها عنه.

ولو كان الواجب موسّعاً ، ففي جواز منعها من المبادرة لو طلبت التعجيل إشكال.

مسألة ١٣٩ : الضيف لا يصوم تطوّعاً إلّا بإذن مضيفه‌ ؛ لما تقدّم في حديث الزهري عن زين العابدينعليه‌السلام (٣) .

ولما فيه من جبر قلب المؤمن ومراعاته ، فكان مستحبّاً.

ومَنْ صام ندباً ودُعي إلى طعام ، استحبّ إجابة الداعي إذا كان مؤمناً ، والإِفطار عنده ؛ لأنّ مراعاة قلب المؤمن أفضل من ابتداء الصوم.

ولما رواه داود الرقّي عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « لإِفطارك في منزل أخيك أفضل من صيامك سبعين ضِعْفاً أو تسعين ضِعْفاً »(٤) .

ولا ينبغي للمضيف أن يصوم إلّا بإذن الضيف ؛ لئلّا يلحقه الحياء ، رواه‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٥ ، المجموع ٦ : ٣٩٢.

(٢ و ٣ ) تقدّم في المسألة ١٣٧.

(٤) الكافي ٤ : ١٥١ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٥١ / ٢٢١ ، علل الشرائع : ٣٨٧ ، باب ١٢٠ حديث ٢ ، ثواب الأعمال : ١٠٧ / ١.

٢٠٣

الصدوق عن الصادقعليه‌السلام (١) .

وكذا لا ينبغي للولد أن يتطوّع بالصوم إلّا بإذن والده ؛ لأنّ امتثال أمر الوالد وطاعته أولى ؛ لما رواه الصدوق -رحمه‌الله - عن الصادقعليه‌السلام ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( من فقه الضيف أن لا يصوم تطوّعاً إلّا بإذن صاحبه ، ومن طاعة المرأة لزوجها أن لا تصوم تطوّعاً إلّا بإذنه وأمره ، ومن صلاح العبد وطاعته ونصيحته لمولاه أن لا يصوم تطوّعاً إلّا بإذن مولاه ، ومن بِرّ الولد بأبويه أن لا يصوم تطوّعاً إلّا بإذن أبويه وأمرهما ، وإلّا كان الضيف جاهلاً ، وكانت المرأة عاصية ، وكان العبد فاسداً ، وكان الولد عاقّاً )(٢) .

مسألة ١٤٠ : صوم التأديب عبارة عن إمساك خمسة عن المفطرات : المسافر والحائض والنفساء والمريض والكافر والصبي ، وليس ذلك صوماً حقيقيّاً ؛ لأنّ هؤلاء قد كانوا مفطرين في أول النهار ، والصوم غير قابل للتجزّي ، لكن يستحب الإِمساك لهم ؛ تشبّهاً بالصائمين.

فإذا قدم المسافر إلى أهله وقد أفطر في سفره ، أمسك بقية النهار تأديباً ، وكذا لو أفطر مسافراً ثم قدم بلداً عزم على الإِقامة فيه عشرة أيام فزائداً ، سواء كان قدومه قبل الزوال أو بعده ، استحباباً وليس بفرض ، وبه قال الشافعي ومالك وأبو ثور وداود(٣) .

وقال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي : لا يجوز له الأكل بقية النهار(٤) .

____________________

(١) علل الشرائع : ٣٨٤ / ١.

(٢) الفقيه ٢ : ٩٩ - ١٠٠ / ٤٤٥.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٥ ، المجموع ٦ : ٢٦٢ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٥ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٣ ، التفريع ١ : ٣٠٥ ، بداية المجتهد ١ : ٢٩٧ ، المغني ٣ : ٧٤ - ٧٥.

(٤) النتف ١ : ١٤٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٠٢ ، المغني ٣ : ٧٥ ، بداية المجتهد ١ : ٢٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٦ ، المجموع ٦ : ٢٦٢ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٥.

٢٠٤

وعن أحمد روايتان(١) ، وقد تقدّم(٢) ذلك.

ويجوز له أن يدخل مفطراً.

وينبغي للمسافر الذي يجب عليه التقصير أن لا يتملّأ من الطعام ولا يتروّى من الماء ، بل يتناول منهما قدر الحاجة والضرورة ؛ لحرمة الشهر.

ولما رواه ابن سنان - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « إنّي إذا سافرت في شهر رمضان ما آكل كلّ(٣) القوت وما أشرب كلّ الري »(٤) .

ويشتدّ استحباب اجتناب النساء ، فلا يواقع في نهار رمضان ، ويكره له ذلك كراهة شديدة ، وبه قال الشافعي(٥) .

وليس محرّماً ؛ لأنّ الصوم ساقط عنه ، فلا مانع له من الجماع المباح بالأصل.

وروى عمر بن يزيد - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، أنّه سأله عن الرجل يسافر في شهر رمضان ، أله أن يصيب من النساء؟ قال : « نعم »(٦) .

وقال الشيخرحمه‌الله : لا يجوز له مواقعة النساء(٧) - وبه قال أحمد ، حتى أنّ أحمد قال : تجب به الكفّارة كما يجب به القضاء(٨) - لقول الصادق‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٧٤ - ٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧ و ٦٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٥.

(٢) تقدّم في المسألة ٩٩.

(٣) في التهذيب وفي النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق بدل كلّ : إلّا.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٤٠ - ٢٤١ / ٧٠٥ ، الاستبصار ٢ : ١٠٥ / ٣٤٢ ، والفقيه ٢ : ٩٣ / ٤١٦.

(٥) راجع : الحاوي الكبير ٣ : ٤٤٧.

(٦) الكافي ٤ : ١٣٣ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٤١ - ٢٤٢ / ٧٠٨.

(٧) المبسوط للطوسي ١ : ٢٨٥.

(٨) المغني ٣ : ٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٤.

٢٠٥

عليه‌السلام : « إذا سافر الرجل في رمضان فلا يقرب النساء بالنهار فإنّ ذلك محرّم عليه »(١) .

وهو محمول على شدّة الكراهة ؛ جمعاً بين الأخبار.

ولو قدم من سفره مفطراً ، جاز له ترك الإِمساك ، وأن يأكل ويشرب ويجامع.

مسألة ١٤١ : يستحب للحائض والنفساء الإِمساك إذا طهرتا بعد الفجر‌ ، وليس واجباً عليهما ؛ لأنّهما مفطرتان برؤية الدم ، وقد قلنا : إنّ الصوم لا يتجزّى ، لكن يستحب لهما الإِمساك ، تشبّهاً بالصائمين ؛ لحرمة الزمان ؛ لقول الصادقعليه‌السلام ، وقد سأله أبو الصباح الكناني ، في امرأة ترى الطهر في أول النهار في شهر رمضان ولم تغتسل ولم تطعم كيف تصنع بذلك اليوم؟ قال : « إنّما فطرها من الدم »(٢) .

وكذا الطاهر إذا تجدّد حيضها أو نفاسها في أثناء النهار ، فإنّها تفطر ذلك اليوم ، ويستحب لها الإمساك تأديبا ؛ لما روى أبو الصباح عن الصادقعليه‌السلام ، في امرأة أصبحت صائمةً ، فلمـّا ارتفع النهار أو كان العشاء حاضت أتفطر؟ قال : « نعم ، وإن كان قبل الغروب فلتفطر »(٣) .

وأمّا المستحاضة : فإنّها بحكم الطاهر يجب عليها الصيام ، ويشترط في صحّته أن تفعل ما تفعله المستحاضة من الأغسال إن وجبت عليها ، فإن أخلّت بالأغسال أو ببعضها الواجب عليها ، وجب عليها قضاء الصوم ، لانتفاء الغسل الذي هو شرط الصوم.

ولما رواه علي بن مهزيار ، قال : كتبت إليه : امرأة طهرت من حيضها أو دم نفاسها في أول يوم من شهر رمضان ثم استحاضت فصلّت وصامت شهر‌

____________________

(١) علل الشرائع : ٣٨٦ - ٣٨٧ ، باب ١١٩ ، حديث ١ ، التهذيب ٤ : ٢٤٠ / ٧٠٤ ، الاستبصار ٢ : ١٠٥ / ٣٤١.

(٢ و ٣ ) الكافي ٤ : ١٣٦ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٩٤ / ٤١٨.

٢٠٦

رمضان كلّه من غير أن تعمل ما تعمله المستحاضة من الغسل لكلّ صلاتين ، هل يجوز صومها وصلاتها أم لا؟ فكتبعليه‌السلام : « تقضي صومها ولا تقضي صلاتها ، لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان يأمر المؤمنات بذلك »(١) .

قال الشيخرحمه‌الله : إنّما لم يأمرها بقضاء الصلاة إذا لم تعلم أنّ عليها لكلّ صلاتين غسلاً ، أو لا تعلم ما يلزم المستحاضة ، فأمّا مع العلم بذلك والترك له على التعمّد فإنّه يلزمها القضاء(٢) .

إذا عرفت هذا ، فلو كان الدم كثيراً وأخلّت بغسل الغداة ، وجب عليها القضاء. وكذا لو أخلّت بغسل الظهرين.

أمّا لو أخلّت بغسل العشاءين ، فالأقرب عدم وجوب القضاء ، إذ غسل الليل لا يؤثّر في صوم النهار ، ولم يذكره علماؤنا.

مسألة ١٤٢ : المريض إذا بري‌ء وكان قد تناول المفطر ، أمسك بقية النهار تأديباً لا واجباً ، لقول زين العابدينعليه‌السلام ، في حديث الزهري : « وكذلك مَنْ أفطر لعلّة في أول النهار ثم قوي بقية يومه اُمر بالإِمساك عن الطعام بقية يومه تأديباً وليس بفرض »(٣) .

هذا إذا كان قد تناول شيئاً يفسد الصوم ، فإن كان بُرؤه قبل الزوال ، أمسك وجوباً ، واحتسب به من رمضان ، وإن كان بُرؤه بعد الزوال ، أمسك استحباباً ، وقضاه على ما تقدّم.

مسألة ١٤٣ : الكافر إذا أسلم والصبي إذا بلغ في أثناء النهار ، أمسكا استحباباً لا وجوباً ، سواء تناولا شيئاً أو لم يتناولا ، وسواء زال عذرهما قبل‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ١٣٦ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٩٤ / ٤١٩ ، التهذيب ٤ : ٣١٠ / ٩٣٧.

(٢) التهذيب ٤ : ٣١١ ذيل الحديث ٩٣٧.

(٣) الفقيه ٢ : ٤٦ - ٤٨ / ٢٠٨ ، التهذيب ٤ : ٢٩٤ - ٢٩٦ / ٨٩٥.

٢٠٧

الزوال أو بعده ، وهو أحد قولي الشيخ(١) رحمه‌الله

وفي الآخر : يجدّدان نية الصوم إذا زال عذرهما قبل الزوال ولم يتناولا ، ولا يجب عليهما القضاء(٢) .

والمعتمد : الأول ؛ لأنّ المتقدّم من الزمان على الإِسلام والبلوغ لا يصح صومه ، والصوم لا يقبل التجزّي.

واحتجاج الشيخ -رحمه‌الله - بأنّ الصوم ممكن في حقّهما ، ووقت النية باقٍ ، وقد صار الصبي مخاطباً ببلوغه.

وبعض اليوم إنّما لا يصح صومه إذا لم تكن النية يسري حكمها إلى أوّله ، أمّا إذا كانت بحال يسري حكمها إلى أول الصوم ، فإنّه يصح ، وهو هنا كذلك.

وهو ممنوع ؛ لأنّ النية هنا لا يسري حكمها إلى أول الصوم ؛ لأنّه قبل زوال العذر غير مكلّف ، والنية إنّما يصح فعلها قبل الزوال للمخاطب بالعبادات ، أمّا غيره فممنوع.

المطلب الخامس : في الصوم المحظور‌

مسألة ١٤٤ : يحرم صوم العيدين بإجماع علماء الإِسلام‌.

روى العامة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، نهى عن صوم هذين اليومين ، أمّا يوم الأضحى فتأكلون من لحم نسككم ، وأمّا يوم الفطر ففطركم عن صيامكم(٣) .

ومن طريق الخاصة : قول زين العابدينعليه‌السلام : « وأمّا صوم‌

____________________

(١) النهاية : ١٥٩ - ١٦٠ ، الخلاف ٢ : ٢٠٣ ، المسألة ٥٧.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ٢٨٦.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ٣١٩ / ٢٤١٦.

٢٠٨

الحرام فصوم يوم الفطر ويوم الأضحى »(١) .

قال الشيخرحمه‌الله : القاتل في أحد الأشهر الحرم يجب عليه صوم شهرين متتابعين وإن دخل فيهما العيدان وأيام التشريق(٢) ؛ لأنّ زرارة سأل الباقرعليه‌السلام عن رجل قتل رجلاً خطأً في الشهر الحرام ، قال : « يغلّظ عليه الدية ، وعليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين من أشهر الحرم » قلت : فإنّه يدخل في هذا شي‌ء ؛ قال : « وما هو؟ » قلت : يوم العيد وأيام التشريق ؛ قال : « يصوم فإنّه حقّ لزمه »(٣) .

وفي طريقه سهل بن زياد وهو ضعيف ، ومع ذلك فهو مخالف للإِجماع.

مسألة ١٤٥ : لو نذر صوم العيدين لم ينعقد نذره عند علمائنا أجمع‌ - وبه قال الشافعي ومالك(٤) - لأنّ صومه حرام ، فلا ينعقد النذر عليه ، كالليل.

ولأنّه نذر في معصية فلا يصح ، لقولهعليه‌السلام : ( لا نذر في معصية الله )(٥) .

وقالعليه‌السلام : ( لا نذر إلّا ما ابتغي به وجه الله )(٦) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ٨٣ - ٨٥ / ١ ، الفقيه ٢ : ٤٦ - ٤٧ / ٢٠٨ ، التهذيب ٤ : ٢٩٤ - ٢٩٦ / ٨٩٥.

(٢) النهاية : ١٦٦ ، المبسوط للطوسي ١ : ٢٨١.

(٣) الكافي ٤ : ١٣٩ / ٨ ، التهذيب ٤ : ٢٩٧ / ٨٩٦.

(٤) المجموع ٦ : ٤٤٠ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٩ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٨.

(٥) سنن الترمذي ٤ : ١٠٣ - ١٠٤ / ١٥٢٥ ، سنن النسائي ٧ : ١٩ ، سنن الدار قطني ٤ : ١٦ / ٤٦ ، سنن البيهقي ١٠ : ٦٩ ، ومسند أحمد ٢ : ٢٠٧ و ٤ : ٤٣٢ و ٤٤٣.

(٦) سنن أبي داود ٢ : ٢٥٨ / ٢١٩٢ ، ومسند أحمد ٢ : ١٨٥.

٢٠٩

وقالعليه‌السلام : ( مَنْ نذر أن يعصي الله فلا يَعْصِه )(١) .

وقال أبو حنيفة : ينعقد ، وعليه قضاؤه ، ولو صامه أجزأ عن النذر ، وسقط القضاء(٢) .

أمّا لو نذر صوم يوم ، فظهر أنّه العيد ، فإنّه يفطره إجماعاً.

والأقرب : أنّه لا يجب عليه قضاؤه ؛ لأنّه نذر صوم زمان لا يصح الصوم فيه ، فلم ينعقد ، كما لو علم.

مسألة ١٤٦ : صوم أيّام التشريق حرام لمن كان بمنى‌ عند علمائنا وأكثر العلماء(٣) ؛ لما رواه العامة : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ( أيّام التشريق أيّام أكل وشرب وذكر الله عزّ وجلّ )(٤) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « نهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن صوم ستة أيّام »(٥) وذَكَرها.

ولأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادقعليه‌السلام ، عن صيام أيّام التشريق ، فقال : « أمّا بالأمصار فلا بأس به ، وأمّا بمنى فلا »(٦) .

وللشافعي قولان ، أحدهما : الجواز للمتمتّع إذا لم يجد الهدي ؛ لأنّ [ ابن ](٧) عمر وعائشة قالا : لم يرخص في صوم أيّام التشريق إلّا لمتمتّعٍ إذا‌

____________________

(١) صحيح البخاري ٨ : ١٧٧ ، سنن أبي داود ٣ : ٢٣٢ / ٣٢٨٩ ، سنن الترمذي ٤ : ١٠٤ / ١٥٢٦ ، سنن النسائي ٧ : ١٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٦٨٧ / ٢١٢٦ ، سنن الدارمي ٢ : ١٨٤ ، سنن البيهقي ١٠ : ٦٨ ، ومسند أحمد ٦ : ٣٦ و ٤١ و ٢٠٨ و ٢٢٤.

(٢) الهداية للمرغيناني ١ : ١٣١ ، المجموع ٦ : ٤٤٠ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٩ - ٤١٠.

(٣) المغني ٣ : ١٠٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١١١ - ١١٢.

(٤) صحيح مسلم ٢ : ٨٠٠ / ١١٤١ ، شرح معاني الآثار ٢ : ٢٤٥.

(٥) التهذيب ٤ : ١٨٣ / ٥٠٩ ، الاستبصار ٢ : ٧٩ / ٢٤١.

(٦) التهذيب ٤ : ٢٩٧ / ٨٩٧ ، الاستبصار ٢ : ١٣٢ / ٤٢٩.

(٧) ما بين المعقوفين أثبتناه من المصادر.

٢١٠

لم يجد الهدي(١) (٢) .

وقولهما ليس حجّةً.

مسألة ١٤٧ : يحرم صوم يوم الشك على أنّه من شهر رمضان ، وصوم نذر المعصية‌ ، وهو : أن ينذر إن تمكّن من زنا أو قتل مؤمن وشبهه من المحارم صام ( أو صلّى )(٣) وقصد بذلك الشكر لا الزجر ؛ لقولهعليه‌السلام : ( لا نذر إلّا ما اُريد به وجه الله تعالى )(٤) .

ويحرم أيضاً صوم الصمت - قاله علماؤنا - لأنّه غير مشروع عندنا ، فيكون بدعةً.

ولحديث الزهري عن زين العابدينعليه‌السلام (٥) .

ويحرم صوم الوصال عند علمائنا - وللشافعي قولان(٦) ، هذا أحدهما - لما رواه العامة عن ابن عمر قال : واصَلَ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، في رمضان فواصَلَ الناس ، فنهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، عن الوصال ، فقالوا : إنّك تواصل ؛ فقال : ( إنّي لست مثلكم إنّي أظلّ عند ربي يطعمني ويسقيني)(٧) .

ومن طريق الخاصة : قول زين العابدينعليه‌السلام : « وصوم الوصال‌

____________________

(١) سنن الدار قطني ٢ : ١٨٥ - ١٨٦ / ٢٧ و ٢٩ و ٣٠ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٩٨ بتفاوت.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٦ ، المجموع ٦ : ٤٤٣ و ٤٤٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤١٠.

(٣) ما بين القوسين لم يرد في « ط ».

(٤) سنن أبي داود ٣ : ٢٢٨ / ٣٢٧٣ ، ومسند أحمد ٢ : ١٨٥ بتفاوت.

(٥) الكافي ٤ : ٨٣ - ٨٥ / ١ ، الفقيه ٢ : ٤٦ - ٤٨ / ٢٠٨ ، التهذيب ٤ : ٢٩٤ - ٢٩٦ / ٨٩٥.

(٦) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٣ ، المجموع ٦ : ٣٥٧ ، فتح العزيز ٦ : ٤١٩ ، حلية العلماء ٣ : ٢١١ ، المغني ٣ : ١١١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٠٧.

(٧) صحيح البخاري ٣ : ٤٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٧٧٤ / ١١٠٢ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٣ : ٨٢ ، سنن أبي داود ٢ : ٣٠٦ / ٢٣٦٠ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٨٢ بتفاوت.

٢١١

حرام ، وصوم الصمت حرام »(١) .

والثاني للشافعي : إنّه مكروه غير محرّم(٢) - وهو قول أكثر العامة(٣) ، وكان عبد الله بن الزبير يواصل(٤) - لأنّه ترك الأكل والشرب المباح ، فلم يكن محرّماً ، كما لو تركه حال الفطر.

ويبطل بما لو ترك الأكل والشرب يوم العيد.

واختلف قول الشيخ -رحمه‌الله - في حقيقة الوصال ، فقال في النهاية والمبسوط : هو أن يجعل عشاءه سحوره(٥) ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « الوصال في الصوم أن يجعل عشاءه سحوره»(٦) .

وقال في الاقتصاد : هو أن يصوم يومين من غير أن يفطر بينهما ليلاً(٧) - وهو قول العامة(٨) - لما روي عن الصادقعليه‌السلام ، أنّه قال : « إنّما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا وصال في صيام ؛ يعني لا يصوم الرجل يومين متواليين من غير إفطار »(٩) .

مسألة ١٤٨ : صوم الدهر حرام ؛ لدخول العيدين وأيّام التشريق فيه‌ ، ولا خلاف في تحريمه مع دخول هذه الأيّام.

____________________

(١) تقدمت الإِشارة إلى مصادره في الصفحة السابقة الهامش (٥).

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٣ ، المجموع ٦ : ٣٥٧ ، فتح العزيز ٦ : ٤١٩ ، حلية العلماء ٣ : ٢١١.

(٣) المغني ٣ : ١١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ١٠٦.

(٤) المغني ٣ : ١١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ١٠٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢١١ ، المجموع ٦ : ٣٥٨.

(٥) النهاية : ١٧٠ ، المبسوط للطوسي ١ : ٢٨٣.

(٦) الكافي ٤ : ٩٥ - ٩٦ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٩٨ / ٨٩٨ ، والفقيه ٢ : ١١٢ / ٤٧٧.

(٧) الاقتصاد : ٢٩٣.

(٨) المغني ٣ : ١١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ١٠٦ ، المجموع ٦ : ٣٥٧ ، فتح العزيز ٦ : ٤١٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ٧٩.

(٩) الكافي ٤ : ٩٢ / ٥ ، التهذيب ٤ : ٣٠٧ / ٩٢٧ ، الاستبصار ٢ : ١٣٨ - ١٣٩ / ٤٥٢.

٢١٢

روى العامة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( مَنْ صام الدهر ضُيّقت عليه جهنم )(١) .

ومن طريق الخاصة : قول زين العابدينعليه‌السلام : « وصوم الدهر حرام »(٢) .

إذا ثبت هذا ، فلو أفطر هذه الأيّام التي نهي عن صيامها هل يكره صيام الباقي؟.

قال الشافعي وأكثر الفقهاء : ليس بمكروه(٣) ، لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، نهى عن صيام ستّة أيام من السنة(٤) ؛ فدلّ على أنّ صوم الباقي جائز.

وقال أبو يوسف : إنّه مكروه ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عنه(٥) ؛ ولو أراد بالنهي هذه الأيّام لأفردها بالذكر دون صوم الدهر(٦) .

ويحرم صوم الواجب سفراً - عدا ما استثني - ولا يجزئ. ويحرم صوم المرأة ندباً مع منع الزوج ، والعبد مع منع المولى.

____________________

(١) سنن البيهقي ٤ : ٣٠٠ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٣ : ٧٨.

(٢) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في صفحة ٢١٠ ، الهامش (٥).

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٥ ، المجموع ٦ : ٣٨٩ ، فتح العزيز ٦ : ٤٧٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٢ ، المغني ٣ : ١٠٧ ، الشرح الكبير ٣ : ١٠٨.

(٤) سنن الدار قطني ٢ : ١٥٧ / ٨.

(٥) راجع : صحيح مسلم ٢ : ٨١٤ - ٨١٥ / ١٨٦ و ١٨٧ ، وسنن ابن ماجة ١ : ٥٤٤ / ١٧٠٥ و ١٧٠٦ ، ومصنف ابن أبي شيبة ٣ : ٧٨.

(٦) المجموع ٦ : ٣٨٩ ، وبدائع الصنائع ٢ : ٧٩.

٢١٣

الفصل الثامن

في اللواحق‌

مسألة ١٤٩ : الشيخ والشيخة إذا عجزا عن الصوم وجَهَدهما الجُهْد الشديد ، جاز لهما الإِفطار إجماعاً‌.

وهل تجب الفدية؟ قال الشيخ : نعم فيصدّق عن كلّ يوم بمُدٍّ من طعام(١) .

وبوجوب الكفّارة قال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي وسعيد بن جبير وطاوس وأحمد(٢) ، إلّا أنّ أبا حنيفة قال : يُطعم عن كلّ يوم نصف صاع من حنطة أو صاعاً من تمر(٣) .

____________________

(١) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٣١٩ ، وفي النهاية : ١٥٩ ، والمبسوط للطوسي ١ : ٢٨٥ هكذا : وتصدقا عن كل يوم بمُدَّيْن من طعام ، فإن لم يقدر عليه فبمُدّ منه.

(٢) المبسوط للسرخسي ٣ : ١٠٠ ، الحجّة على أهل المدينة ١ : ٣٩٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٧ ، النتف ١ : ١٤٨ ، الاختيار ١ : ١٧٧ ، المغني ٣ : ٨٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٤ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٨ ، بداية المجتهد ١ : ٣٠١.

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ٧٢ و ٩٧ ، الحجّة على أهل المدينة ١ : ٣٩٧ - ٣٩٨ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ١٠٠ ، المجموع ٦ : ٢٥٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٤ ، المغني ٣ : ٦٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٧١.

٢١٤

وقال أحمد : يُطعم مُدّاً من بُرّ أو نصف صاع من تمر أو شعير(١) .

لما رواه العامة عن ابن عباس ، قال : الشيخ الكبير يُطعم عن كلّ يوم مسكيناً(٢) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل كبير يضعف عن صوم شهر رمضان ، فقال : « يتصدّق بما يجزئ عنه طعام مسكين لكلّ يوم »(٣) .

وقال المفيد(٤) -رحمه‌الله - والسيد المرتضى(٥) وأكثر علمائنا(٦) : لا تجب الكفّارة مع العجز - وبه قال مالك وأبو ثور وربيعة ومكحول(٧) ، وللشافعي قولان(٨) ، كالمذهبين - لأنّه ترك الصوم لعجزه ، فلا يجب به الإِطعام ، كما لو ترك لمرضه.

والفرق ظاهر.

أمّا لو لم يتمكّن من الصوم البتة ، فإنّه يسقط عنه ولا كفّارة. ولو عجز عن الكفّارة ، سقطت أيضاً.

إذا عرفت هذا ، فقد اختلف قول الشيخرحمه‌الله في قدر الكفارة ،

____________________

(١) المغني : ٣ : ٦٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٧١ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٤.

(٢) صحيح البخاري ٦ : ٣٠ ، سنن الدار قطني ٢ : ٢٠٥ / ٦ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٣٠.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٣٧ / ٦٩٤ ، الإستبصار ٢ : ١٠٣ / ٣٣٦.

(٤) المقنعة : ٥٥ - ٥٦.

(٥) جُمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٦.

(٦) منهم : سلّار في المراسم : ٩٦ ، والسيد ابن زهرة في الغنية ( ضمن الجوامع الفقهية ) : ٥٠٩ ، وابن إدريس في السرائر : ٩١.

(٧) بداية المجتهد ١ : ٣٠١ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٧٠ ، المغني ٣ : ٨٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧ ، المجموع ٦ : ٢٥٩ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٧ ، المحلّى ٦ : ٢٦٥.

(٨) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٥ ، المجموع ٦ : ٢٥٨ و ٢٥٩ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٤ ، المغني ٣ : ٨٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧ ، المحلّى ٦ : ٢٦٥.

٢١٥

فقال تارةً : مُدّان ، فإن عجز فمُدٌّ(١) ؛ لرواية محمد بن مسلم عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « ويتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمُدّين من طعام »(٢) .

وتارة قال : مُدٌّ(٣) . وهو أقوى ؛ عملاً بالأصل.

وبما رواه محمد بن مسلم - في الصحيح - عن الباقرعليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : « الشيخ الكبير والذي به العُطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان ، ويتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمُدٍّ من طعام ، ولا قضاء عليهما »(٤) .

مسألة ١٥٠ : ذو العُطاش الذي لا يرجى بُرؤه يفطر ويتصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام‌ ، كما تقدّم. وهو أحد قولي الشيخرحمه‌الله (٥) رحمه‌الله

والثاني : أنّه يتصدّق بمُدَّيْن ، فإن عجز فبمُدٍّ(٦) ، للضرر المبيح للإِفطار ، كما اُبيح للمريض.

ولما رواه المفضّل بن عمر عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت له : إنّ لنا فتياناً(٧) وبناتٍ لا يقدرون على الصيام من شدّة ما يصيبهم من العطش ؛ قال : « فليشربوا مقدار ما تروى به نفوسهم وما يحذرون »(٨) .

وأمّا الصدقة : فلعجزه عن الصيام.

____________________

(١) النهاية : ١٥٩ ، المبسوط للطوسي ١ : ٢٨٥ ، التبيان ٢ : ١١٩.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٣٨ / ٦٩٨.

(٣) حكاه عنه المحقّق في المعتبر : ٣١٩.

(٤) الكافي ٤ : ١١٦ / ٤ ، الفقيه ٢ : ٨٤ / ٣٧٥ ، التهذيب ٤ : ٢٣٨ / ٦٩٧ ، الاستبصار ٢ : ١٠٤ / ٣٣٨.

(٥) راجع : الاستبصار ٢ : ١٠٤ ، الحديث ٣٣٨ و ٣٣٩ ، وذيله.

(٦) النهاية : ١٥٩ ، المبسوط للطوسي ١ : ٢٨٥ ، التبيان ٢ : ١١٩.

(٧) في « ط ، ف » والطبعة الحجرية : شُبّاناً. بدل فتياناً.

(٨) الكافي ٤ : ١١٧ / ٧ ، التهذيب ٤ : ٢٤٠ / ٧٠٣.

٢١٦

ولقول الصادقعليه‌السلام فيمن ترك الصيام ، قال : « إن كان من مرض فإذا برئ فليصمه ، وإن كان من كِبَر أو لعطش فبدل كلّ يوم مُدٌّ »(١) .

وأمّا سقوط القضاء : فلأنّه أفطر لعجزه عن الصيام والتقدير دوامه ، فيدوم المسبّب.

ولتفصيل الصادقعليه‌السلام ، والتفصيل قاطع للشركة.

وأمّا العطّاش الذي يرجى برؤه : فإنّه يفطر إجماعاً ؛ لعجزه عن الصيام ، وعليه القضاء مع البُرء؛ لأنّه مرض وقد زال ، فيقضي ، كغيره من الأمراض.

وهل تجب الكفّارة؟ قال الشيخرحمه‌الله : نعم(٢) ، كما تجب في العطاش الذي لا يرجى زواله.

ومنع المفيد والسيد المرتضى(٣) .

إذا ثبت هذا ، فلا ينبغي لهؤلاء أن يتملّوا من الطعام ولا من الشراب ولا يقربوا النساء في النهار.

مسألة ١٥١ : الحامل المقرب والمرضعة القليلة اللبن إذا خافتا على أنفسهما ، أفطرتا‌ ، وعليهما القضاء بلا خلاف بين علماء الإِسلام ، ولا كفّارة عليهما ؛ لما رواه العامة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ( إنّ الله وضع عن المسافر شطر الصلاة وعن الحامل والمرضع الصوم )(٤) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه محمد بن مسلم - في الصحيح - قال : سمعت الباقرعليه‌السلام ، يقول : « الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن‌

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٣٩ / ٧٠٠ وفيه : « فليقضه » بدل « فليصمه ».

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ٢٨٥ ، الاقتصاد : ٢٩٤.

(٣) المقنعة : ٥٦ ، جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٦.

(٤) سنن الترمذي ٣ : ٩٤ / ٧١٥ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٣٣ / ١٦٦٧ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٣١ ، مسند أحمد ٤ : ٣٤٧.

٢١٧

لا حرج عليهما أن تُفطرا في شهر رمضان لأنّهما لا تطيقان الصوم ، وعليهما أن تتصدّق كلّ واحدة منهما في كلّ يوم تُفطر بمُدٍّ من طعام ، وعليهما قضاء كلّ يوم أفطرتا فيه تقضيانه بَعْدُ»(١) .

إذا عرفت هذا ، فالصدقة بما تضمّنته الرواية واجبة.

ولو خافتا على الولد من الصوم ، أفطرتا إجماعاً ؛ لأنّه ضرر على ذي نفس آدمي محترم ، فأشبه الصائم نفسه. ويجب عليهما القضاء مع زوال العذر ، وعليهما الصدقة عن كلّ يوم بمُدٍّ من طعام ، ذهب إليه علماؤنا والشافعي وأحمد(٢) - إلّا أنّه يقول : مُدّ من بُرٍّ أو نصف صاع من تمر أو شعير(٣) - وبه قال مجاهد(٤) ؛ لقوله تعالى :( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ ) (٥) .

قال ابن عباس : كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصيام أن يُفطرا ويُطعما لكلّ يوم مسكيناً ، والحبلى والمرضع إذا خافتا على أولادهما أفطرتا وأطعمتا. رواه العامة(٦) .

ومن طريق الخاصة : ما تقدّم من حديث محمد بن مسلم عن الباقرعليه‌السلام (٧) ، فإنّهعليه‌السلام سوّغ لهما الإِفطار مطلقاً ، وأوجب عليهما القضاء والصدقة ، وهو يتناول ما إذا خافتا على الولد كما يتناول ما إذا خافتا على‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ١١٧ / ١ ، الفقيه ٢ : ٨٤ - ٨٥ / ٣٧٨ ، التهذيب ٤ : ٢٣٩ - ٢٤٠ / ٧٠١.

(٢) الاُم ٢ : ١٠٣ ، المهذّب للشيرازي ١ : ١٨٥ ، المجموع ٦ : ٢٦٧ و ٢٦٨ و ٢٦٩ ، الوجيز ١ : ١٠٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤٦٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٦ ، مختصر المزني : ٥٧ ، المغني ٣ : ٨٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣.

(٣) المغني ٣ : ٨١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٧.

(٤) المجموع ٦ : ٢٦٩.

(٥) البقرة : ١٨٤.

(٦) سنن أبي داود ٢ : ٢٩٦ / ٢٣١٨.

(٧) تقدّم الحديث في صدر المسألة.

٢١٨

أنفسهما.

وتتصدّقان بما تقدّم(١) في الشيخ والشيخة ؛ لأنّه جبر لإِخلالهما بالصوم مع القدرة عليه.

والقول الثاني للشافعي : إنّ الكفّارة تجب على المرضع دون الحامل - وهو رواية عن أحمد(٢) ، وبه قال الليث بن سعد - لأنّ المرضع يمكنها أن تسترضع لولدها ، بخلاف الحامل.

ولأنّ الحمل متّصل بالحامل ، فالخوف عليه كالخوف على بعض أعضائها(٣) .

والفرق لا يقتضي سقوط القضاء مع ورود النصّ به ، وهو : الآية والأحاديث.

وقال أبو حنيفة : لا تجب عليهما كفّارة - وهو مذهب الحسن البصري وعطاء والزهري وربيعة والثوري والأوزاعي وأبي ثور وأبي عبيد بن داود والمزني وابن المنذر - لأنّ أنس بن مالك روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( إنّ الله وضع عن المسافر شطر الصلاة ، وعن الحامل والمرضع الصوم)(٤) .

ولأنّه فطر أبيح لعذر ، فلم تجب به كفّارة كالمريض(٥) .

____________________

(١) تقدم في المسألة ١٤٩.

(٢) في بعض المصادر : رواية عن مالك. وفي بعضها الآخر : قول مالك. ولم نعثر على رواية عن أحمد.

(٣) المغني ٣ : ٨٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٥ ، المجموع ٦ : ٢٦٧ و ٢٦٩ ، فتح العزيز ٦ : ٤٦٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٧.

(٤) تقدّمت الإِشارة إلى مصادرها في صفحة ٢١٦ ، الهامش (٤).

(٥) المغني ٣ : ٨٠ - ٨١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣ - ٢٤ ، المجموع ٦ : ٢٦٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٦ ، بداية المجتهد ١ : ٣٠٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٧ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٩٩ ، مختصر المزني : ٥٧ ، فتح العزيز ٦ : ٤٦٠.

٢١٩

ولا دلالة في الحديث على سقوط الكفّارة. والمريض أحسن حالاً منهما ؛ لأنّه يفطر بسبب نفسه.

وللشافعي قول ثالث : إنّ الكفّارة استحباب(١) .

وقال ابن عباس وابن عمر : إنّ الكفّارة تجب عليهما دون القضاء - وهو قول سلّار(٢) من علمائنا - لأنّ الآية(٣) تتناولهما ، وليس فيها إلّا الإِطعام.

ولقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إنّ الله وضع عن الحامل والمرضع الصوم )(٤) (٥) .

والجواب : أنّهما تطيقان القضاء فلزمهما ، كالحائض والنفساء. والآية أوجبت الإِطعام ولا إشعار لها بسقوط القضاء.

والمراد بوضع الصوم وضعه عنهما في حال عذرهما ، كما في قولهعليه‌السلام : ( إنّ الله وضع عن المسافر الصوم )(٦) .

مسألة ١٥٢ : لا يجوز لمن عليه صوم واجب أن يصوم تطوّعاً - وعن أحمد روايتان(٧) - لما رواه العامة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ( مَنْ صام تطوّعاً وعليه من رمضان شي‌ء لم يقضه ، فإنّه لا يتقبّل منه حتى يصومه )(٨) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه الحلبي - في الحسن - أنّه سأل الصادقعليه‌السلام ، عن الرجل عليه من شهر رمضان طائفة أيتطوّع؟ فقال : « لا ،

____________________

(١) المهذّب للشيرازي ١ : ١٨٦ ، المجموع ٦ : ٢٦٧ ، فتح العزيز ٦ : ٤٦٠.

(٢) المراسم : ٩٧.

(٣) البقرة : ١٨٤.

(٤ و ٦ ) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في صفحة ٢١٦ ، الهامش (٤).

(٥) المغني ٣ : ٨١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤ ، المجموع ٦ : ٢٦٩.

(٧) المغني ٣ : ٨٦ - ٨٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٩٠ - ٩١.

(٨) مسند أحمد ٢ : ٣٥٢.

٢٢٠

حتى يقضي ما عليه من شهر رمضان »(١) .

ولأنّ الصوم عبادة يدخل في جبرانها المال فلم يصحّ التطوّع بها قبل أدائها فرضا كالحج.

احتجّ أحمد(٢) : بأنّها عبادة متعلّقة بوقت موسّع ، فجاز التّطوّع في وقتها كالصلاة(٣) .

وهو قياس في مقابلة النص فلا يُسمع.

وأيضاً فإنّ أداء الصلاة لا يمنع من فعل النافلة ؛ لأنّه لا يفوت وقتها ، أمّا قضاء الصلاة فإنّه لا يجوز التطوّع لمن عليه القضاء.

مسألة ١٥٣ : صوم النافلة لا يجب بالشروع فيه‌ ، ويجوز إبطاله قبل الغروب ، ولا يجب قضاؤه ، سواء أفطر لعذر أو لغيره - وبه قال الشافعي والثوري وأحمد وإسحاق(٤) - لما رواه العامة عن عائشة قالت : دخل عليّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : ( هل عندكم شي‌ء؟ ) فقلت : لا ؛ قال : ( فإنّي صائم ) ثم مرّ بي بعد ذلك اليوم وقد اُهدي إليَّ حَيْس(٥) ، فخَبَأْتُ(٦) له منه وكان يحُبّ الحَيْس ، قلت : يا رسول الله اُهدي لنا حَيْس فخَبَأْتُ لك منه ؛ قال : ( أدنيه أما إنّي قد أصبحت وأنا صائم ) فأكل منه ، ثم قال : ( إنّما مَثَلُ صوم التطوّع مَثَلُ الرجل يخرج من ماله الصدقة فإن شاء‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ١٢٣ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٧٦ / ٨٣٥.

(٢) على قوله الثاني وهو الجواز.

(٣) المغني ٣ : ٨٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٩١.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٥ ، المجموع ٦ : ٣٩٣ و ٣٩٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٢ ، اختلاف العلماء : ٧٠ ، المغني ٣ : ٩٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١١٣ ، بداية المجتهد ١ : ٣١١ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٦٨.

(٥) الحَيْس : هو الطعام المتّخذ من التمر والأقِط والسمن. النهاية لابن الأثير ١ : ٤٦٧ « حيس ».

(٦) خَبَأت الشي‌ء : إذا أخفيته. النهاية لابن الأثير ٢ : ٣.

٢٢١

أمضاها وإن شاء حبسها )(١) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه جميل بن درّاج - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، أنّه قال في الذي يقضي شهر رمضان : « إنّه بالخيار إلى زوال الشمس ، وإن كان تطوّعاً فإنّه إلى الليل بالخيار »(٢) .

وقال أبو حنيفة : يجب المضيّ فيه ، ولا يجوز الإِفطار إلّا لعذر ، فإن أفطر قضاه(٣) .

وروي عن محمد أنّه إذا دخل على أخ فحلف عليه ، أفطر وعليه القضاء(٤) .

وقال مالك : يجب بالدخول فيه ، ولا يجوز له الخروج عنه إلّا لعذر ، وإذا خرج منه لعذر لا يجب القضاء - وبه قال أبو ثور(٥) - لأنّ عائشة قالت : أصبحت أنا وحفصة صائمتين متطوّعتين فاُهدي لنا حَيْس ، فأفطرنا ، ثم سألنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : ( اقضيا يوماً مكانه)(٦) .

ولأنّها عبادة تلزم بالنذر ، فلزمت بالشروع فيها كالحج والعمرة(٧) .

والخبر ضعيف عند المحدّثين(٨) ، ومحمول على الاستحباب.

____________________

(١) سنن النسائي ٤ : ١٩٣ - ١٩٤.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٨٠ - ٢٨١ / ٨٤٩ ، الاستبصار ٢ : ١٢٢ / ٣٩٦.

(٣) المبسوط للسرخسي ٣ : ٨٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٠٢ ، المجموع ٦ : ٣٩٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٢ ، المغني ٣ : ٩٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١١٣ ، بداية المجتهد ١ : ٣١١.

(٤) حلية العلماء ٣ : ٢١٢.

(٥) المجموع ٦ : ٣٩٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٢.

(٦) أوردها ابنا قدامة في المغني ٣ : ٩٢ ، والشرح الكبير ٣ : ١١٣ ، وفي سنن أبي داود ٢ : ٣٣٠ / ٤٥٧ ، وسنن البيهقي ٤ : ٢٧٩ بتفاوت.

(٧) بداية المجتهد ١ : ٣١١ ، المنتفى - للباجي - ٢ : ٦٨ ، اختلاف العلماء : ٧٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٢ ، المجموع ٦ : ٣٩٤ ، المغني ٣ : ٩٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١١٣.

(٨) راجع : المغني ٣ : ٩٣ ، والشرح الكبير ٣ : ١١٥.

٢٢٢

وإحرام الحجّ آكد من الشروع هنا ، ولهذا لا يخرج منه باختياره ولا بإفساده.

إذا عرفت هذا ، فإنّ جميع النوافل من سائر العبادات لا تجب بالشروع فيها إلّا الحج والعمرة ، فإنّهما يجبان بالشروع فيهما ، لتأكّد إحرامهما.

ولعموم قوله :( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) (١) .

وعن أحمد رواية : أنّه لا يجوز قطع الصلاة المندوبة ، فإن قطعها قضاها(٢) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ ما جاز ترك جميعه جاز ترك بعضه كالصدقة.

أمّا لو دخل في واجب ، فإن كان معيّناً - كنذر معيّن - لم يجز له الخروج منه ، وإن كان مطلقاً - كقضاء رمضان أو النذر المطلق - فإنّه يجوز الخروج منه ، إلّا قضاء رمضان بعد الزوال.

مسألة ١٥٤ : كلّ صوم يلزم فيه التتابع إلّا أربعة : صوم النذر المجرّد عن التتابع وما في معناه من يمين أو عهد ؛ لأصالة البراءة. وصوم قضاء رمضان ، وصوم جزاء الصيد ، وصوم السبعة في بدل الهدي.

أمّا ما عدا هذه الأربعة ، كصوم كفّارة الظهار والقتل والإفطار وكفّارة اليمين وأذى حلق الرأس وثلاثة أيام الهدي ، فإنّه يجب فيها التتابع.

قال الصادقعليه‌السلام : « صيام ثلاثة أيام في كفّارة اليمين متتابعاً لا يفصل بينهن »(٣) .

مسألة ١٥٥ : مَنْ وجب عليه صوم شهرين متتابعين‌ إمّا في كفّارة أو نذر أو شبهه إذا أفطر في الشهر الأول أو بعد انتهائه قبل أن يصوم من الشهر الثاني‌

____________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) المغني ٣ : ٩٣ ، الشرح الكبير ٣ : ١١٥.

(٣) الكافي ٤ : ١٤٠ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٨٣ / ٨٥٦ ، وفيهما : « متتابعات » بدل « متتابعاً ».

٢٢٣

شيئاً ، استأنف.

وإن كان أفطر لعذر من مرض أو حيض وشبهه ، لم ينقطع تتابعه ، بل ينتظر زوال العذر ثم يتمّ صومه ، عند علمائنا - وبه قال الشافعي في الحيض ، أمّا المرض فله قولان(١) - لمساواة المرض الحيض في كونه عذراً ، فتساويا في سقوط التتابع.

ولاشتماله على الضرر وربما تجدّد عذر آخر فيستمرّ التكليف ، وهو مشقة عظيمة.

ولأنّ رفاعة سأل الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - عن رجل عليه صيام شهرين متتابعين فصام شهراً ومرض ، قال : « يبني عليه ، الله حبسه » قلت : امرأة كان عليها صيام شهرين متتابعين فصامت وأفطرت أيام حيضها ؛ قال : « تقضيها » قلت : فإنّها قضتها ثم يئست من الحيض ، قال : « لا تعيدها أجزأها »(٢) .

ولو أفطر في الشهر الأول أو بعد إكماله قبل أن يصوم من الثاني شيئاً لغير عذر ، استأنف ، بإجماع فقهاء الإِسلام ؛ لأنّه لم يأت بالمأمور به على وجهه ، فيبقى في عهدة التكليف.

ولو صام من الشهر الثاني شيئاً بعد الشهر الأول ولو يوماً ثم أفطر ، جاز له البناء ، سواء كان لعذر أو لغير عذر ، عند علمائنا كافة - خلافاً للعامة كافّة(٣) - لأنّه بصوم بعض الشهر الثاني عقيب الأول تصدق المتابعة ؛ لأنّها أعمّ من المتابعة بالكلّ أو بالبعض ، والأعم من الشيئين صادق عليهما ، فيخرج عن العهدة بكلّ واحد منهما.

____________________

(١) حكاه عنه المحقّق في المعتبر : ٣٢٠ ، وراجع : المهذب للشيرازي ٢ : ١١٨ ، والإِشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٤٤٤ ، وحلية العلماء ٧ : ١٩٤ ، وفتح العزيز ٦ : ٥٣٤.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٨٤ / ٨٥٩ ، الاستبصار ٢ : ١٢٤ / ٤٠٢.

(٣) كما في المعتبر للمحقق الحلي : ٣٢٠.

٢٢٤

ولرواية الحلبي - الصحيحة - عن الصادقعليه‌السلام : « في كفّارة الظهار صيام شهرين متتابعين ، والتتابع أن يصوم شهراً ويصوم من الآخر أيّاماً أو شيئاً منه »(١) .

فروع :

أ - لا يجوز لمن عليه صوم شهرين متتابعين أن يصوم ما لا يسلم له الشهر الأول ومن الثاني شيئاً ، فليس له أن يصوم شعبان منفرداً إلّا إذا صام قبله ولو يوماً من آخر رجب.

ولا تكفي متابعة شهر رمضان ؛ لأنّه صوم استحقّ بأصل التكليف ، والتتابع وصف لصوم الكفّارة ، وأحدهما غير الآخر ، فلا يقوم أحدهما مقام الآخر.

ب - لا شك في أنّه إذا صام من الثاني شيئاً ثم أفطر ، يحصل به التتابع ، لكن هل يكون الإِفطار له سائغاً أو حراماً؟ قولان لعلمائنا.

والمعتمد : الأول ؛ لأنّ الصادقعليه‌السلام حدّ التتابع « بأن يصوم شهراً ويصوم من الآخر أياماً أو شيئاً منه »(٢) .

نعم الأولى تركه ؛ لاشتماله على الخلاف وترك المسارعة إلى فعل الطاعة.

ج - لو سافر قبل أن يصوم من الثاني شيئاً ، فإن تمكّن من ترك السفر ، انقطع تتابعه ووجب عليه الاستئناف ، وإن كان مضطرّاً ، لم ينقطع ويُتمّ بعد رجوعه.

د - المرض والحيض والنفاس أعذار‌ يصحّ معها التتابع والبناء مطلقاً.

مسألة ١٥٦ : العبد إذا وجب عليه صوم شهر متتابع في كفّارة وشبهها‌ ،

____________________

(١ و ٢ ) الكافي ٤ : ١٣٨ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٨٣ / ٨٥٦.

٢٢٥

والحُرّ إذا وجب عليه شهر متتابع بنذر وشبهه ، فصام خمسة عشر يوماً ثم أفطر لعذر أو غيره ، جاز له البناء ، وإن أفطر قبل ذلك لغير عذر ، استأنف ، ولعذر يبني ؛ لما روي عن الصادقعليه‌السلام ، في رجل جعل عليه صيام شهر فصام منه خمسة عشر يوما ثم عرض له أمر ، قال : « إن كان صام خمسة عشر يوماً فله أن يقضي ما بقي ، وإن كان أقلّ من خمسة عشر يوماً لم يجزئه حتى يصوم شهراً تامّاً »(١) .

مسألة ١٥٧ : صوم ثلاثة أيام بدل الهدي في الحج متتابعة إجماعاً ، فلو صام يوماً ثم أفطر ، استأنف مطلقاً.

وإن صام يومين ثم أفطر فكذلك ، إلّا أن يصوم يوم التروية وعرفة ، فإنّه يفطر العيد ، ويأتي بثالث بعد انقضاء أيام التشريق ؛ لأنّ يحيى الأزرق سأل أبا الحسنعليه‌السلام ، عن رجل قدم يوم التروية متمتّعاً وليس له هدي ، فصام يوم التروية ويوم عرفة ، قال : « يصوم يوماً آخر بعد أيام التشريق »(٢) .

أمّا لو كان الثالث غير العيد ، بأن صام يومين غير يوم التروية وعرفة ثم أفطر الثالث ، استأنف.

واعلم أنّ كلّ صوم يشترط فيه التتابع إذا أفطر في أثنائه لعذر ، بنى ، وإن كان لغير عذر ، استأنف ، إلّا في المواضع الثلاثة ، وهي : تتابع الشهرين ، أو الشهر ، أو ثلاثة أيام بدل الهدي بالعيد(٣) .

مسألة ١٥٨ : يكره للمسافر النكاح في نهار رمضان مع وجوب القصر‌ ، وليس محرَّماً ، فإن كانت مسافرةً معه ، جاز لهما معاً الجماع.

وكذا لو قدم من سفره ووجدها مفطرةً لمرض أو حيض طهرت منه‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ١٣٩ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٩٧ / ٤٣٦ ، التهذيب ٤ : ٢٨٥ / ٨٦٣.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٣١ / ٧٨١ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٩ / ٩٩٢.

(٣) أي : لا يستأنف صومه إذا كان إفطاره في صومه الثلاثة أيام حاصلاً بالعيد.

٢٢٦

حينئذٍ ، لسقوط فرض الصوم عنهما.

ولو غرّته فقالت : إنّي مفطرة ؛ فوطأها ، أفطرت ولا كفّارة عليه عن نفسه ؛ لإِباحة الفطر له ، ولا عَنْها ، لغروره ، ولا صنع له فيه ، ويجب عليها كفّارة عن نفسها.

ولو علم بصومها ، فإن طاوعته ، وجب عليها الكفّارة عن نفسها ، ولا يجب عليه شي‌ء.

وإن أكرهها ، فلا كفّارة عليه عن نفسه ، وتجب عليه كفّارة عنها.

ولا فرق في الإِكراه بين أن يغلبها على نفسها ، أو يتهدّدها بضرب وشبهه فتطاوعه ، ولا تفطر في الحالين.

وقال الشافعي : لا تفطر في الاُولى ، وفي التهدد قولان(١) .

مسألة ١٥٩ : يكره السفر في رمضان إلّا لضرورة‌ - إلاّ إذا مضت ثلاثة وعشرون يوما من الشهر فتزول الكراهة - لما فيه من التعريض لإبطال الصوم ، ولمنعه عن ابتداء العبادة وإحراز فضيلته في شهر رمضان ، وبعد ثلاثة وعشرين مضى أكثر وقت العبادة مشغولاً بها.

وكذا تنتفي الكراهة مع الضرورة ، كالخوف على فوات مال أو هلاك أخ أو المضيّ في حجّ أو زيارة ؛ لأنّ الصادقعليه‌السلام قال : « إذا دخل شهر رمضان فليس للرجل أن يخرج إلّا في حج أو في عمرة أو مال يخاف تلفه أو أخ يخاف هلاكه ، وليس له أن يخرج في إتلاف مال أخيه ، فإذا مضت ليلة ثلاث وعشرين فليخرج حيث شاء »(٢) .

وروى أبو بصير سأل الصادقعليه‌السلام : جُعلت فداك يدخل علَيٍّ‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٠ ، المجموع ٦ : ٣٢٤ و ٣٢٥ و ٣٣٦ ، فتح العزيز ٦ : ٣٨٦ و ٣٩٩.

(٢) التهذيب ٤ : ٢١٦ / ٦٢٦.

٢٢٧

شهر رمضان فأصوم بعضه ، فتحضرني نية في زيارة قبر أبي عبد اللهعليه‌السلام ، فأزوره واُفطر ذاهباً وجائياً أو اُقيم حتى اُفطر وأزوره بعد ما اُفطر بيوم أو يومين؟ فقال : « أقم حتى تفطر » قلت له: جُعلت فداك فهو أفضل؟ قال : « نعم أما تقرأ في كتاب الله( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) (١) »(٢) .

وروى ابن بابويه أنّ تشييع المؤمن أفضل من المقام عن الصادقعليه‌السلام ، عن الرجل يخرج يشيّع أخاه مسيرة يومين أو ثلاثة ، فقال : « إن كان في شهر رمضان فليفطر » فسُئل أيّهما أفضل يصوم أو يخرج يشيّع أخاه؟ فقال : « يشيّعه إنّ الله عزّ وجلّ وضع الصوم عنه إذا شيّعه »(٣) .

مسألة ١٦٠ : لو وجب عليه صوم شهرين متتابعين فعجز عن ذلك ، صام ثمانية عشر يوماً؛ لما رواه أبو بصير عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل كان عليه صيام شهرين متتابعين فلم يقدر على الصيام ولم يقدر على العتق ولم يقدر على الصدقة ، قال : « فلْيصم ثمانية عشر يوماً عن كلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام »(٤) .

إذا عرفت هذا ، فلو قدر على صيام شهر لا غير ، ففي وجوبه إشكال ، وكذا لو تمكّن من صيام شهرين لكن متفرّقة ، ففي وجوبه إشكال.

والأقرب : أنّ الثمانية عشر متتابعة ، مع احتمال عدمه.

مسألة ١٦١ : لو نذر صوم يوم بعينه فوافق ذلك أن يكون مسافراً ، أفطر وقضاه ، إلّا أن يقيّد نذره بالسفر والحضر فيصومه مسافراً.

ويصح نذر صوم يوم من شهر رمضان - خلافاً لبعض(٥) علمائنا - وإن‌

____________________

(١) البقرة : ١٨٥.

(٢) التهذيب ٤ : ٣١٦ / ٩٦١.

(٣) الفقيه ٢ : ٩٠ / ٤٠١.

(٤) التهذيب ٤ : ٣١٢ / ٩٤٤.

(٥) هو أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ١٨٥.

٢٢٨

كان الصوم واجباً بغير النذر ؛ لما فيه من التشديد في فعل الواجب.

ولو أفطره ، فإن قلنا بعدم انعقاده ، فلا بحث ، وإن قلنا بانعقاده ، ففي تعدّد الكفّارة إشكال.

أمّا لو نذر صومه في السفر عن رمضان أو غيره لم يصحّ.

ولو نذر صوم الدهر واستثنى الأيام المحرَّم صومها ، انعقد.

فلو كان عليه قضاء من رمضان أو وجب عليه بغير ذلك ، لزمه أن يصوم القضاء مقدّماً على صوم النذر ؛ لأنّه واجب ابتداءً بأصل الشرع.

فإذا صامه فالزمان الذي قضى فيه هل يدخل تحت النذر؟ إشكال ينشأ : من ظهور استحقاقه للقضاء ، فلم يدخل في النذر ، كشهر رمضان ، ومن دخوله في النذر ، لأنّه لو صامه عن النذر وقع عنه ، وبقي القضاء في ذمته.

إذا ثبت هذا ، فلا كفّارة عليه في هذه الأيام التي فاتته من نذره ؛ لأنّه لا يمكنه فعلها ، كالمريض إذا أفطر ثم اتّصل مرضه بموته.

وقال بعض الشافعية : تلزمه الكفّارة ؛ لأنّه عجز عن صوم الواجب عجزاً مؤبّداً فلزمته الكفّارة ، كالشيخ الهم(١) .

وهو معارض ببراءة الذمة.

وإذا وجب على صائم الدهر واجباً ، كفّارة مخيّرة أو مرتّبة ، صام عن الكفّارة ؛ لأنّه كالمستثنى.

وإذا نذر صوم قدوم زيد ، لم ينعقد ؛ لأنّه إن قدم ليلاً ، لم يجب صومه ؛ لعدم الشرط ، وإن قدم نهاراً ؛ فلعدم التمكّن من صيام اليوم المنذور.

وقال الشيخرحمه‌الله : إن وافق قدومه قبل الزوال ولم يكن تناول شيئاً مُفطراً ، جدّد النيّة ، وصام ذلك اليوم ، وإن كان بعد الزوال ، أفطر ، ولا قضاء عليه فيما بَعْدُ(٢) .

____________________

(١) المجموع ٦ : ٣٩١ ، فتح العزيز ٦ : ٤٧٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٢.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ٢٨١.

٢٢٩

ولو نذر يوم قدومه دائماً ، سقط وجوب اليوم الذي قدم فيه ، ووجب صومه فيما بَعْدُ.

ولو اتّفق في رمضان ، صامه عن رمضان خاصة ، وسقط المنذور ؛ لأنّه كالمستثنى ، ولا قضاء عليه.

ولو صامه عن النذر ، وقع عن رمضان ولا قضاء عليه. وفيه إشكال.

وإذا نذر صوم يوم بعينه ، فقدَّم صومه ، لم يجزئه ؛ لأنّه قدَّم الواجب على وقته ، فلا يحصل به الامتثال ، كما لو قدّم رمضان.

مسألة ١٦٢ : لو نذر صوم يوم بعينه دائماً ، فوجب عليه صوم شهرين متتابعين‌ لإِحدى الكفّارات ، قال الشيخ : يصوم في الشهر الأول عن الكفّارة ؛ تحصيلاً للتتابع ، وإذا صام من الثاني شيئاً ، صام ما بقي عن النذر ، لسقوط التتابع(١) .

وقال بعض علمائنا : يسقط التكليف بالصوم ، لعدم إمكان التتابع ، وينتقل الفرض إلى الإِطعام(٢) . وليس بجيّد.

ويحتمل صوم ذلك اليوم عن النذر ، ثم لا يسقط التتابع لا في الأول ولا في الأخير ؛ لأنّه عذر لا يمكنه الاحتراز عنه.

ولا فرق بين تقدّم وجوب الكفّارة عن النذر وتأخّره. وقول الشيخ فيه بعض القوة.

وإذا نذر أن يصوم في بلد معيّن ، للشيخ قولان ، أحدهما : يتعيّن البلد(٣) . والثاني : أنّه يصوم أين شاء(٤) .

____________________

(١) حكاه عنه ابن إدريس في السرائر : ٣٥٩ ، والمحقق في شرائع الإِسلام ٣ : ١٨٨.

(٢) ابن إدريس في السرائر : ٣٥٩.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ٢٨٢.

(٤) حكاه عنه المحقق في شرائع الإِسلام ٣ : ١٨٩.

٢٣٠

والوجه أن يقال : إن كان الصوم في بعض البلاد يتميّز عن الصوم في الآخر ، تعيّن ما نَذَره ، وإلّا فلا. والأقرب : عدم تميّز البلاد في ذلك.

مسألة ١٦٣ : إذا نذر صوم سنة معيّنة‌ ، وجب عليه صومها ، إلّا العيدين وأيّام التشريق لمـَنْ كان بمنى ، فإن لم يشترط التتابع حتى أفطر في أثنائها ، قضى ما أفطره ، وصام الباقي ، ووجب عليه الكفّارة في كلّ يوم يُفطره ؛ لتعيّنه للصوم بالنذر على ما تقدّم.

وإن شرط التتابع ، استأنف.

وقيل : إن جاز النصف ، بنى ولو فرّق(١) .

هذا إذا كان إفطاره لغير عذر ، وإن كان لعذر بنى ويقضي ولا كفّارة عليه.

ولو نذر صيام سنة غير معيّنة ، تخيّر في التتالي والتفريق إن لم يشترط التتابع.

ولو نذر صوم شهر ، تخيّر بين ثلاثين يوماً وبين صوم شهر هلالي من أول الهلال إلى آخره ، ويجزئه ولو كان ناقصاً.

وإذا صام في أثناء الشهر ، أتمّ عدّة ثلاثين ، سواء كان تامّاً أو ناقصاً.

ولو نذره متتابعاً ، وجب عليه أن يتوخّى ما يصحّ فيه ذلك ، ويجتزئ بالنصف. ولو شرع في أول ذي الحجة ، لم يجزئ ؛ لانقطاع التتابع بالعيد.

ولو نذر أن يصوم يوماً ويُفطر يوماً ، فوالى الصوم ، قال ابن إدريس : وجب عليه كفّارة خُلْف النذر(٢) . وفيه نظر.

ويشترط في نذر الصوم التقرّب ، فلو نذر صومه لا على وجه التقرّب ، بل لمنع النفس أو على جهة اليمين ، لم ينعقد.

____________________

(١) حكاه عن بعض الأصحاب ، المحقّق في شرائع الإِسلام ٣ : ١٩٢.

(٢) السرائر : ٩٦.

٢٣١

ولو نذر صوماً ولم يعيّن ، أجزأه صوم يوم.

ولو نذر أن يصوم زماناً ، وجب عليه صوم خمسة أشهر.

ولو نذر أن يصوم حيناً ، كان عليه أن يصوم ستة أشهر ؛ لقوله تعالى :( تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ ) (١) .

روى السكوني عن الباقرعليه‌السلام عن آبائهعليهم‌السلام عن عليعليه‌السلام قال في رجل نذر أن يصوم زمانا ، قال : « الزمان خمسة أشهر ، والحين ستة أشهر ، لأنّ الله تعالى يقول( تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ ) »(٢) .

ولا ينعقد نذر العبد إلّا بإذن مولاه. وكذا الزوجة لا ينعقد إلّا بإذن الزوج.

مسألة ١٦٤ : يستحب السحور إجماعاً.

روى العامة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ( تسحّروا فإنّ في السحور بركةً )(٣) .

ومن طريق الخاصة : ما روي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام « أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : إنّ الله تعالى وملائكته يصلّون على المستغفرين والمتسحّرين بالأسحار ، فليتسحّر أحدكم ولو بشربة من ماء»(٤) .

ويستحب تأخيره ؛ لما رواه العامة عن زيد بن ثابت قال : تسحّرنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم قُمْنا إلى الصلاة ، قلت : كم كان قدر‌

____________________

(١) إبراهيم : ٢٥.

(٢) الكافي ٤ : ١٤٢ / ٥ ، التهذيب ٤ : ٣٠٩ / ٩٣٣ ، وفيهما : السكوني عن جعفرعليه‌السلام عن آبائهعليهم‌السلام

(٣) صحيح البخاري ٣ : ٣٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٧٧٠ / ١٠٩٥ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٤٠ / ١٦٩٢ ، سنن الترمذي ٣ : ٨٨ / ٧٠٨ ، سنن النسائي ٤ : ١٤٠ ، مسند أحمد ٢ : ٤٧٧.

(٤) الفقيه ٢ : ٨٧ / ٣٨٩ ، المقنع : ٦٤.

٢٣٢

ذلك؟ قال : خمسين آيةً(١) .

ومن طريق الخاصة : أنّ رجلاً سأل الصادقعليه‌السلام ، فقال : آكل وأنا أشكّ في الفجر ، فقال : « كُلْ حتى لا تشك »(٢) .

ولأنّ القصد القوّة على الطاعة.

قال أحمد بن حنبل : إذا شكّ في الفجر يأكل حتّى يستيقن طلوعه. وهو قول ابن عباس والأوزاعي(٣) ، وهو الذي نقلناه عن الصادقعليه‌السلام .

ويستحب تعجيل الإِفطار بعد صلاة المغرب إن لم يكن هناك مَنْ ينتظره للإِفطار ، ولو كان ، استحبّ تقديمه على الصلاة.

روى العامة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( يقول الله تعالى : أحب عبادي إليَّ أسرعهم فطراً)(٤) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن الإِفطار قبل الصلاة أو بعدها ، فقال : « إن كان(٥) قوم يخشى أن يحبسهم عن عشائهم ، فليفطر معهم ، وإن كان غير ذلك ، فليصلّ وليفطر »(٦) .

مسألة ١٦٥ : يستحب الإِفطار على التمر أو الزبيب أو الماء أو اللبن‌ ؛ لأنّ الباقرعليه‌السلام قال : « كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يفطر على‌

____________________

(١) أوردها نصّاً ابنا قدامة في المغني ٣ : ١٠٩ ، والشرح الكبير ٣ : ٨٢ ، وفي صحيح مسلم ٢ : ٧٧١ / ١٠٩٧ ، وسنن ابن ماجة ١ : ٥٤٠ / ١٦٩٤ ، وسنن النسائي ٤ : ١٤٣ بتفاوت.

(٢) الفقيه ٢ : ٨٧ / ٣٩٠.

(٣) المغني ٣ : ١٠٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٨٣ ، مسائل أحمد : ٩٣.

(٤) أوردها ابنا قدامة في المغني ٣ : ١١٠ ، والشرح الكبير ٣ : ٨١ ، وفي سنن الترمذي ٣ : ٨٣ / ٧٠٠ ، ومسند أحمد ٢ : ٢٣٧ - ٢٣٨ : ( أعجلهم ) بدل ( أسرعهم ).

(٥) في المصادر زيادة : « معه ».

(٦) الكافي ٤ : ١٠١ ( باب وقت الإِفطار ) الحديث ٣ ، التهذيب ٤ : ١٨٥ - ١٨٦ / ٥١٧ ، والفقيه ٢ : ٨١ / ٣٦٠.

٢٣٣

الأسودين » قلت : رحمك الله وما الأسودان؟ قال : « التمر والماء أو الزبيب والماء »(١) .

وأنّ علياًعليه‌السلام ، كان يستحب أن يُفطر على اللبن(٢) .

ويستحب للصائم الدعاء عند إفطاره ؛ فإنّ له دعوةً مستجابةً ؛ لما رواه الباقرعليه‌السلام : « أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان إذا أفطر قال : اللهم لك صُمْنا وعلى رزقك أفطرنا ، فتقبّله منّا ، ذهب الظمأ وابتلّت العروق وبقي الأجر »(٣) .

وكان الباقرعليه‌السلام ، يقول في كلّ ليلة من شهر رمضان عند الإِفطار إلى آخره : « الحمد لله الذي أعاننا فصُمْنا ورزقنا فأفطرنا ، اللهم تقبّل منّا وأعنّا عليه ، وسلّمنا فيه ، وتسلّمه منّا في يُسْر منك وعافية ، الحمد لله الذي قضى عنّا يوماً من شهر رمضان »(٤) .

مسألة ١٦٦ : يستحب تفطير الصائم‌.

قال الصادقعليه‌السلام : « مَنْ فطّر صائماً فله مثل أجره »(٥) .

ورواه العامة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (٦) .

____________________

(١) التهذيب ٤ : ١٩٨ / ٥٦٩.

(٢) التهذيب ٤ : ١٩٩ / ٥٧٤ ، والمحاسن : ٤٩١ / ٥٧٨.

(٣) الكافي ٤ : ٩٥ ( باب ما يقول الصائم إذا أفطر ) الحديث ١ ، التهذيب ٤ : ١٩٩ - ٢٠٠ / ٥٧٦ وفيه : جعفر بن محمد عن آبائهعليهم‌السلام .

(٤) الكافي ٤ : ٩٥ ( باب ما يقول الصائم إذا أفطر ) الحديث ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٠٠ / ٥٧٧ ، والفقيه ٢ : ٦٦ - ٦٧ / ٢٧٤ ، وفيها : أبو بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : « تقول في كلّ ليلة » إلى آخره.

(٥) الكافي ٤ : ٦٨ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٠١ / ٥٧٩ ، والفقيه ٢ : ٨٥ / ٣٨٠.

(٦) سنن الترمذي ٣ : ١٧١ / ٨٠٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٥٥ / ١٧٤٦ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٤٠ ، المعجم الكبير للطبراني ٥ : ٢٥٥ / ٥٢٦٧ ، والمغني ٣ : ١١١ ، والشرح الكبير ٣ : ٨٤.

٢٣٤

وعن الباقرعليه‌السلام قال : « خطب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في آخر جمعة من شعبان ، فحمد الله وأثنى عليه وتكلّم بكلام ، ثم قال : قد أظلّكم شهر رمضان ، مَنْ فطّر فيه صائماً كان له بذلك عند الله عزّ وجلّ عتق رقبة ومغفرة ذنوبه فيما مضى ، قيل له : يا رسول الله ليس كلّنا يقدر أن يفطّر صائماً ، قال : إنّ الله كريم يعطى هذا الثواب لمن لا يقدر إلّا على مَذْقَةٍ(١) من لبن يفطّر بها صائماً أو شربة من ماء عذب أو تمرات لا يقدر على أكثر من ذلك »(٢) .

قال ابن عباس : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان أجود الناس بالخير ، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان ، وكان أجود من الريح المرسلة(٣) .

مسألة ١٦٧ : ليلة القدر ليلة شريفة نطق بفضلها القرآن العزيز‌ ، وهي أفضل ليالي السنة ، خصّ الله تعالى بها هذه الاُمّة. ومعنى القدر الحُكْم.

قال ابن عباس : سُمّيت ليلة القدر ، لأنّ الله تعالى يُقدّر فيها ما يكون في تلك السنة من خير ومصيبة ورزق وغير ذلك(٤) .

روى العامة أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ( مَنْ صام رمضان وقام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدّم من ذنبه )(٥) .

____________________

(١) الممذوق : اللبن الممزوج بالماء. والمـَذْقَة : الشربة منه. لسان العرب ١٠ : ٣٣٩ و ٣٤٠.

(٢) الكافي ٤ : ٦٦ - ٦٧ / ٤ ، التهذيب ٣ : ٥٧ / ١٩٨ و ٤ : ٢٠٢ / ٥٨٣ ، وفي الكافي والموضع الأول من التهذيب ضمن حديث.

(٣) صحيح مسلم ٤ : ١٨٠٣ / ٢٣٠٨ ، صحيح البخاري ١ : ٥ و ٣ : ٣٣ ، سنن النسائي ٤ ١٢٥ ، مسند أحمد ١ : ٢٨٨ و ٣٦٣.

(٤) المغني ٣ : ١١٧ ، الشرح الكبير ٣ : ١١٦ ، تفسير القرطبي ٢٠ : ١٣٠.

(٥) صحيح مسلم ١ : ٥٢٣ - ٥٢٤ / ٧٦٠ ، صحيح البخاري ٣ : ٣٣ ، سنن الترمذي ٣ ٦٧ / ٦٨٣ بتفاوت.

٢٣٥

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « ليلة القدر هي أول السنة وهي آخرها »(١) .

و « اُري رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، في منامه بني اُميّة يصعدون منبره من بعده يُضلّون الناس عن الصراط القهقرى ، فأصبح كئيباً حزيناً ، فهبط عليه جبرئيل فقال : يا رسول الله ما لي أراك كئيباً حزيناً؟ قال : ( يا جبرئيل إنّي رأيت بني اُميّة في ليلتي هذه يصعدون منبري من بعدي يُضلّون الناس عن الصراط القهقري ) فقال : والذي بعثك بالحقّ إنّ هذا لشي‌ء ما اطّلعت عليه ، ثم عرج إلى السماء فلم يلبث أن نزل عليه بآيٍ من القرآن يؤنسه بها ، منها :( أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ * ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ ) (٢) وأنزل عليه( إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَما أَدْريكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) (٣) جعل ليلة القدر لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، خيراً من ألف شهر من ملك بني اُميّة »(٤) .

إذا عرفت هذا ، فإنّها باقية لم ترتفع إجماعاً ؛ لما رواه العامة عن أبي ذر ، قال ، قلت : يا رسول الله ليلة القدر رُفعت مع الأنبياء أو هي باقية إلى يوم القيامة؟ فقال : ( باقية إلى يوم القيامة) قلت : في رمضان أو غيره؟ فقال ( في رمضان ) فقلت : في العشر الأول أو الثاني أو الأخير؟ فقال : ( في العشر الأخير )(٥) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « ليلة القدر تكون في‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ١٦٠ / ١١ ، الفقيه ٢ : ١٠١ / ٤٥٢.

(٢) الشعراء : ٢٠٥ - ٢٠٧.

(٣) القدر : ١ - ٣.

(٤) الكافي ٤ : ١٥٩ / ١٠ ، التهذيب ٣ : ٥٩ / ٢٠٢ ، والفقيه ٢ : ١٠١ / ٤٥٣.

(٥) أوردها ابنا قدامة في المغني ٣ : ١١٧ ، والشرح الكبير ٣ : ١١٦ ، وفي المستدرك - للحاكم - ١ : ٤٣٧ نحوها.

٢٣٦

كلّ عام ، لو رُفعت ليلة القدر لرُفع القرآن »(١) .

إذا عرفت هذا ، فأكثر العلماء على أنّها في شهر رمضان(٢) .

وكان ابن مسعود يقول : مَنْ يُقم الحول يُصِبْها(٣) ؛ يشير بذلك إلى أنّها في السنة كلِّها.

ويستحب طلبها في جميع ليالي رمضان ، وفي العشر الآخر آكد ، وفي ليالي الوتر منه آكد.

روى العامّة أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ( اُطلبوها في العشر الأواخر في ثلاث بقين أو سبع بقين أو تسع بقين )(٤) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذا دخل العشر الأواخر شدّ المئزر واجتنب النساء وأحيى الليل وتفرّغ للعبادة »(٥) .

وقد اختلف العلماء ، فقال اُبيّ بن كعب وعبد الله بن عباس : هي ليلة سبع وعشرين(٦) .

وقال مالك : هي في العشر الأواخر ، وليس فيها تعيين(٧) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ١٥٨ / ٧ ، والفقيه ٢ : ١٠١ / ٤٥٤ ، وجملة « ليلة القدر تكون في كلّ عام » فيهما من كلام السائل.

(٢) المغني والشرح الكبير ٣ : ١١٧ ، المجموع ٦ : ٤٥٠ و ٤٥٩ ، وتفسير القرطبي ٢٠ : ١٣٥.

(٣) المغني والشرح الكبير ٣ : ١١٧ ، تفسير القرطبي ٢٠ : ١٣٥.

(٤) أوردها ابنا قدامة في المغني ٣ : ١١٨ ، والشرح الكبير ٣ : ١١٧. وبتفاوت في مصنّف ابن أبي شيبة ٢ : ٥١١ و ٣ : ٧٦ ، ومسند أحمد ٣ : ٧١.

(٥) الكافي ٤ : ١٥٥ / ٣ ، الفقيه ٢ : ١٠٠ / ٤٤٩.

(٦) المغني والشرح الكبير ٣ : ١١٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٥ ، تفسير القرطبي ٢٠ : ١٣٤ - ١٣٥ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٨٨.

(٧) حلية العلماء ٣ : ٢١٥ ، تفسير القرطبي ٢٠ : ١٣٥.

٢٣٧

وقال ابن عمر : إنّها ليلة ثلاث وعشرين(١) .

وقال أبو حنيفة وأحمد : إنّها ليلة السابع والعشرين(٢) .

ومَيْلُ الشافعي إلى أنّها ليلة الحادي والعشرين(٣) .

وأمّا علماؤنا ، فنقل الصدوق عن الصادقعليه‌السلام قال : « في ليلة تسع عشرة من شهر رمضان التقدير ، وفي ليلة إحدى وعشرين القضاء ، وفي ليلة ثلاث وعشرين إبرام ما يكون في السنة إلى مثلها ، ولله عزّ وجلّ أن يفعل ما يشاء في خلقه »(٤) .

مسألة ١٦٨ : شهر رمضان شهر شريف تُضاعف فيه الحسنات ، وتُمحى فيه السيّئات‌.

« قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لمـّا حضر شهر رمضان ، وذلك في ثلاث بقين من شعبان ، قال لبلال : نادِ في الناس ، فجمع الناس ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيّها الناس إنّ هذا الشهر قد خصّكم الله به ، وهو سيد الشهور ، فيه ليلة خير من ألف شهر ، تُغلق فيه أبواب النار ، وتُفتح فيه أبواب الجنان ، فمَنْ أدركه ولم يُغْفر له فأبعده الله ، ومَنْ أدرك والدية ولم يُغْفر له فأبعده الله ، ومَنْ ذُكِرْتُ عنده ولم يُصلّ عليَّ فأبعده الله »(٥) .

وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذا دخل شهر رمضان أطلق كلّ أسير وأعطى كلّ سائل(٦) .

____________________

(١) حلية العلماء ٣ : ٢١٤ ، تفسير القرطبي ٢٠ : ١٣٦.

(٢) الشرح الكبير ٣ : ١١٨ ، وأما قول أبي حنيفة فلم نعثر عليه في مظانّه.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٦ ، المجموع ٦ : ٤٤٩ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٤ ، تفسير القرطبي ٢٠ : ١٣٥.

(٤) الفقيه ٢ : ١٠٠ - ١٠١ / ٤٥١.

(٥) الكافي ٤ : ٦٧ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٥٩ / ٢٥٥ ، التهذيب ٤ : ١٩٢ - ١٩٣ / ٥٤٩.

(٦) الفقيه ٢ : ٦١ / ٢٦٣.

٢٣٨

وينبغي ترك المماراة في الصوم والتنازع والتحاسد.

قال الصادقعليه‌السلام : « إنّ الصيام ليس من الطعام والشراب وحده » ثم قال : « قالت مريم :( إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً ) (١) أي : صمتاً ، فإذا صُمْتم فاحفظوا ألسنتكم وغضّوا أبصاركم ولا تنازعوا ولا تحاسدوا » قال : « وسمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، امرأةً تسابَّ جاريةً لها وهي صائمة ، فدعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بطعام ، فقال لها : كلي ، فقالت : إنّي صائمة ، فقال : كيف تكونين صائمة وقد سببت جاريتك!؟ إنّ الصوم ليس من الطعام والشراب »(٢) .

ويكره إنشاد الشعر ؛ لما فيه من المنع للاشتغال عن الذكر.

قال الصادقعليه‌السلام : « لا يُنشد الشعر بليل ولا يُنشد في شهر رمضان بليل ولا نهار » قال له إسماعيل : يا أبتاه فإنّه(٣) فينا ؛ قال : « وان كان فينا »(٤) .

وروى حمّاد بن عثمان - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : « تكره رواية الشعر للصائم والمـُحْرم في الحرم وفي يوم الجمعة ، وأن يُروى بالليل » قلت : وإن كان شعر حقّ؟ قال : « وإن كان شعر حقّ »(٥) .

____________________

(١) مريم : ٢٦.

(٢) التهذيب ٤ : ١٩٤ / ٥٥٣ ، والكافي ٤ : ٨٧ / ٣.

(٣) في الطبعة الحجرية والفقيه : فإن كان. بدل فإنّه.

(٤) الكافي ٤ : ٨٨ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٦٨ / ٢٨٢ ، التهذيب ٤ : ١٩٥ / ٥٥٦.

(٥) التهذيب ٤ : ١٩٥ / ٥٥٨.

٢٣٩

الفصل التاسع

في الاعتكاف‌

ومطالبة ستة :

الأول : الماهية.‌

الاعتكاف لغةً : اللبث الطويل.

قال الله تعالى :( ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ ) (١) .

وأمّا في الشرع : فإنّه عبارة عن لبث مخصوص للعبادة.

وهو مشروع في شريعتنا والشرائع السابقة ، مستحب بإجماع العلماء.

قال الله تعالى :( أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ ) (٢) .

وقال تعالى :( وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ ) (٣) .

وروى العامة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان يعتكف في العشر الأواخر(٤) .

____________________

(١) الأنبياء : ٢.

(٢) البقرة : ١٢٥.

(٣) البقرة : ١٨٧.

(٤) صحيح البخاري ٣ : ٦٢ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٣٠ / ١١٧١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٦٤ / ١٧٧٣ ، سنن الترمذي ٣ : ١٦٦ / ٨٠٣ ، سنن أبي داود ٢ : ٣٣١ / ٢٢٦٢ و ٢٢٦٣.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333