تذكرة الفقهاء الجزء ٦

تذكرة الفقهاء23%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-46-9
الصفحات: 333

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 333 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 228600 / تحميل: 5434
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٦

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٤٦-٩
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

بخلاف الغرس(١) .

فإن قال صاحب الغرس : لا تقلعه وعلَيَّ أُجرة الأرض ، لم يُجبر صاحب الأرض عليه ؛ لأنّ أحداً لا يملك الانتفاع بملك غيره بأُجرته إلّا برضاه.

ولو انعكس الفرض ، فقال صاحب الأرض : أقرّه في الأرض وادفع إلَيَّ الأُجرة ، وقال الغارس : اقلعه وعليك ما نقص ، لم تجب إجابته ؛ لأنّ صاحب الغرس لا يُجبر على اكتراء الأرض له.

ولو قال صاحب الأرض : خُذْ قيمته ، وقال الغارس : بل أقلعه وعلَيَّ ما نقص ، فالقول قول الغارس ؛ لأنّا لا نجبره على بيع ماله.

ولو قال ربّ الأرض : اقلعه وعلَيَّ ما نقص ، وقال الغارس : ادفع إلَيَّ قيمته ، قدّم قول صاحب الأرض ؛ لأنّا لا نجبره على ابتياع مال غيره.

ولو قال ربّ الأرض : خُذ القيمة ، وقال الغارس : خُذ الأُجرة وأقرّه في الأرض ، أو قال الغارس : ادفع إلَيَّ قيمته ، وقال ربّ المال : ادفع إلَيَّ الأُجرة وأقرّه ، لم يُجبَر واحد منهما على ذلك.

مسألة ٢١٦ : إذا أذن المالك للعامل في التصرّف وأطلق ، اقتضى الإطلاق فعل ما يتولّاه المالك من عرض القماش على المشترين والراغبين ونشره وطيّه وإحرازه وبيعه وقبض ثمنه وإيداعه الصندوق واستئجار ما يعتاد للاستئجار له ، كالدلّال والوزّان والحمّال.

ولو استأجر لما يجب عليه مباشرته ، كانت الأُجرة عليه خاصّةً ، ولو‌ عمل بنفسه ما يستأجر له عادةً ، لم يستحق أُجرةً ؛ لأنّه متبرّع في ذلك ،

____________________

(١) راجع : التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٧٩ ، والعزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٣ ، وروضة الطالبين ٣ : ١٩٩.

٤١

وفي الأوّل استأجر لما يجب عليه فعله ، فتكون الأُجرة عليه.

مسألة ٢١٧ : لو خصّص المالك الإذنَ ، تخصّص ، فلا يجوز للعامل التعدّي ، فإن خالف ضمن ، ولا يبطل القراض بالتخصيص ، فلو قال له : لا تشتر إلّا من رجلٍ بعينه ، أو سلعة بعينها ، أو لا تبع إلّا على زيد ، أو لا تشتر إلّا ثمرة بستانٍ معيّن ، أو نخلة بعينها ، أو لا تشتر إلّا ثوباً بعينه ، جاز ، ولزم هذا الشرط ، وصحّ القراض ، سواء كان وجود ما عيّنه عامّاً في الأصقاع والأزمان ، أو في أحدهما ، أو خاصّاً فيهما ، وسواء قلّ وجوده وعزّ تحصيله وكان نادراً ، أو كثر ، عند علمائنا - وبه قال أبو حنيفة وأحمد(١) - لأنّه لـمّا جاز أن تكون المضاربة خاصّةً في نوعٍ جاز أن تكون خاصّةً في رجلٍ بعينه أو سلعةٍ بعينها ، كالوكالة.

ولما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام : في الرجل يعطي الرجل مضاربةً فيخالف ما شرط عليه ، قال : « هو ضامن ، والربح بينهما »(٢) .

وفي الصحيح عن محمّد بن مسلم عن أحدهماعليهما‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يعطي المال مضاربةً وينهى أن يخرج به ، فيخرج به ، قال : « يضمن المال ، والربح بينهما »(٣) .

وفي الصحيح عن رجلٍ(٤) عن الصادقعليه‌السلام : في رجلٍ دفع إلى رجلٍ‌

____________________

(١) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢ ، بدائع الصنائع ٦ : ٩٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٣١ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٨٧ / ٣٤٥٤ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٠٤ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٣٨ ، الاستذكار ٢١ : ١٤١ / ٣٠٨١٥ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٨٥ / ١٢٤٩ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٣ ، المغني ٥ : ١٨٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٢٥.

(٢) التهذيب ٧ : ١٩٠ / ٨٣٨.

(٣) التهذيب ٧ : ١٨٩ / ٨٣٦.

(٤) كذا قوله : « رجل » في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة ، وبدله في المصدر : « جميل ».

٤٢

مالاً يشتري به ضرباً من المتاع مضاربةً ، فذهب فاشترى غير الذي أمره ، قال : « هو ضامن ، والربح بينهما على ما شرط »(١) .

وقال الشافعي ومالك : يشترط في صحّة القراض أن لا يضيّق المالك على العامل بالتعيين ، فلو عيّن المالك نوعاً بعينه ، فإن كان ممّا يندر وجوده كالياقوت الأحمر والخَزّ الأدكن والخيل البُلق والصيد حيث يوجد نادراً ، فسد القراض ؛ لأنّ هذا تضييق يُخلّ بمقصوده ، وهو التقليب وطلب الربح.

وإن لم يكن نادرَ الوجود فإن كان ممّا يدوم شتاءً وصيفاً - كالحبوب والحيوان والخَزّ والبَزّ - صحّ القراض ، وإن لم يدم كالثمار الرطبة ، فوجهان ، أحدهما : إنّه لا يجوز ، كما إذا قارضه مدّةً معيّنة ، ومَنَعه من التصرّف بعدها.

ولو قال : لا تشتر إلّا من رجلٍ بعينه ، أو سلعة بعينها ، لم يصح القراض - وبه قال مالك - لأنّ ذلك [ يمنع ](٢) مقصود القراض ، وهو التقليب وطلب الربح ، لأنّه إذا لم يشتر إلّا من رجلٍ بعينه فإنّه قد لا يبيعه ، وقد يطلب منه أكثر من ثمنه ، وكذا السلعة ، وإذا كان كذلك لم يصح ، كما لو قال : لا تبع ولا تشتر إلّا من فلان(٣) .

والجواب : نمنع كون هذا الشرط مانعاً من مقصود القراض.

نعم ، إنّه يكون مخصّصاً للإطلاق ، وذلك جائز بالإجماع ، فكذا هنا.

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١٩٣ / ٨٥٣.

(٢) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٣١٤ - ٣١٦ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٦ - ١٩٧ ، الوسيط ٤ : ١٠٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٤ ، البيان ٧ : ١٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠١ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٨٧ / ٣٤٥٥ ، الاستذكار ٢١ : ١٤١ / ٣٠٨١٣ ، و ١٤٢ / ٣٠٨١٨ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٣٨ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٨٤ / ١٢٤٩ ، المغني ٥ : ١٨٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٢٥ - ١٢٦.

٤٣

فروع :

أ - لو شرط أن لا يشتري إلّا نوعاً بعينه ، وذلك النوع يوجد في بعض السنة وينقطع ، جاز عندنا وعند أكثر الشافعيّة(١) .

وقال بعضهم : لا يجوز(٢) ؛ لأنّ الشافعي قال بعد هذه المسألة : وإن اشترط أن يشتري صيداً موجوداً كما إذا قارضه مدّةً وشرط أنّها إذا انقضت لا يبيع ولا يشتري ، فإنّه لا يصحّ القراض(٣) .

والصحيح عندهم : الأوّل(٤) ؛ لأنّ ذلك لا يمنع مقصود المضاربة ، بخلاف ما إذا قدّره بمدّةٍ ؛ لأنّه قد تنقضي المدّة وبيده أعيان لا فائدة فيها إلّا ببيعها ، فإذا منعه البيع تعذّر المقصود بالمضاربة ، وما ذكرناه لا يوجد فيه ذلك ، فافترقا ، على أنّا نمنع بطلان القراض مع الاقتران بالمدّة ، أقصى ما في الباب أنّ هذا التأقيت لا يفيد إلّا منع العامل من العمل بعدها ،

ب - لو قال : اشتر هذا الشي‌ء - وكان ممّا ينقطع - فإذا انقطع فتصرَّف في كذا ، جاز.

أمّا عندنا : فظاهر.

وأمّا عند الشافعي : فلدوام القراض(٥) .

ج - لا فرق عندنا بين أن يقول : لا تشتر إلّا هذه السلعة وإلّا هذا العبد ، وبين أن يقول : لا تشتر هذا العبد ولا هذه السلعة في الجواز.

____________________

(١ و ٢ و ٤) حلية العلماء ٥ : ٣٤٥.

(٣) لم نهتد إلى مظانّه فيما بين أيدينا من المصادر.

(٥) راجع : بحر المذهب ٩ : ١٩٧ ، والتهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٤ - ٣٨٥ ، والبيان ٧ : ١٧٣ ، والعزيز شرح الوجيز ٦ : ١٣ ، وروضة الطالبين ٤ : ٢٠١.

٤٤

ومَنَع الشافعي من الأوّل - كما تقدّم(١) - دون الثاني ؛ لأنّ للعامل السعي فيما سواهما ، وهو كثير لا ينحصر(٢) .

د - لا فرق عندنا بين أن يقول المالك : لا تبع إلّا من فلان ولا تشتر إلّا من فلان ، وبين أن يقول : لا تبع من فلان ، أو لا تشتر منه في جواز القراض ووجوب الامتثال.

وفرّق أكثر الشافعيّة فجوّزوا الثاني دون الأوّل(٣) على ما مرّ(٤) .

وقال بعضهم : إنّ الثاني لا يجوز أيضاً كالأوّل(٥) .

ه - لا فرق بين أن يعيّن شخصاً للمعاملة وسلعةً للشراء لا ينقطع عنده المتاع الذي يتّجر على نوعه غالبا ، وبين شخصٍ ينقطع عنده ذلك المتاع الذي يتّجر على نوعه غالباً في جواز القراض معهما.

وأكثر الشافعيّة على عدم الفرق في عدم الجواز معهما(٦) .

وقال بعض الشافعيّة : يجوز في الأوّل دون الثاني ، فقال : إذا كان الشخص - الذي نصّ المالك على تعيين المعاملة معه - بيّاعاً لا ينقطع عنده المتاع الذي يتّجر على نوعه غالباً ، جاز تعيينه(٧) .

مسألة ٢١٨ : يجوز للمالك أن يطلق المشيئة إلى العامل في شراء أيّ نوعٍ شاء وبيع أيّ نوعٍ أراد ، ولا يشترط في صحّة القراض تعيين نوعٍ يتصرّف فيه العامل ؛ لأنّ الغرض تحصيل الفائدة والاسترباح ، فربما رأى العامل المصلحة في نوعٍ يخفى عن المالك ، فكان له أن يفوّض الأمر إليه‌

____________________

(١) في ص ٤٢.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠١.

(٣ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠١.

(٤) في ص ٤٢.

(٦ و ٧) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠١.

٤٥

تحصيلاً للغاية الذاتيّة.

وللشافعيّة قولان في اشتراط تعيين نوعٍ يتصرّف فيه العامل ، كالخلاف في الوكالة.

والظاهر عندهم : إنّه لا يشترط ؛ لأنّ الوكالة نيابة محضة ، والحاجة تمسّ إليها في الأشغال الخاصّة ، والقراض معاملة يتعلّق بها غرض كلّ واحدٍ من المتعاقدين ، فمهما كان العامل أبسط يداً كان أفضى إلى مقصودها(١) .

ونحن نجوّز تعميم المشيئة للوكيل.

مسألة ٢١٩ : لا خلاف في أنّه إذا جرى تعيين صحيح ، لم يكن للعامل مجاوزته ، ولا له العدول عنه ، كما في سائر التصرّفات المستفادة من الإذن ، فإن تجاوز ضمن ، وإن ربح كان الربح بينهما على ما شرطاه ؛ لما تقدّم(٢) من الروايات.

ولما رواه أبو بصير عن الصادقعليه‌السلام في الرجل يعطي الرجل مالاً مضاربةً وينهاه عن أن يخرج به إلى أرض أُخرى ، فعصاه ، فقال : « هو له ضامن ، والربح بينهما إذا خالف شرطه وعصاه »(٣) .

إذا عرفت هذا ، فالإذن في البزّ يتناول كلّ ما يُلبس من المنسوج من الإبريسم أو القطن أو الكتّان أو الصوف ، ولا يتناول البُسُط والفُرُش.

وفي الأكسية احتمال ؛ لأنّها ملبوسة ، لكن بائعها لا يُسمّى بزّازاً.

والأقرب : اتّباع الاسم.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٣ - ١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

(٢) في ص ٤١ - ٤٢.

(٣) تقدّم تخريجه في ص ٨ ، الهامش (٩)

٤٦

وللشافعيّة فيه وجهان(١) .

مسألة ٢٢٠ : قد بيّنّا أنّ المضاربة عقد جائز من الطرفين لكلٍّ منهما فسخها متى شاء ، وهي تتضمّن تصرّف العامل في رقبة مال ربّ المال بإذنه ، فكان جائزاً كالوكالة ، فلا معنى للتأقيت فيها ، ولا يعتبر فيها بيان المدّة ، بخلاف المساقاة ؛ لأنّ العامل في المساقاة لا يتصرّف في رقبة المال ، وإنّما يعمل في إصلاح المال ، ولهذا افتقرت المساقاة إلى مدّةٍ معلومة ، والمقصود من المساقاة الثمرة ، وهي تنضبط بالمدّة ، فإنّ للثمرة أمداً معيّناً ووقتاً مضبوطاً ، أمّا المقصود من القراض فليس له مدّة مضبوطة ، فلم يشترط فيه التأقيت.

إذا عرفت هذا ، فلو وقّت القراض فقال : قارضتك على هذا المال سنةً ، فلا يخلو إمّا أن يُطلق أو يُقيّد.

فإن أطلق واقتصر ، لم يلزم التأقيت ، ولكلٍّ من المالك والعامل فسخ القراض قبل السنة.

نعم ، إنّه يفيد منع العامل بعد ذلك من التصرّفات إلّا بإذنٍ مستأنف ؛ لأنّ الأصل عصمة مال الغير ، ومنع الغير من التصرّف فيه إلّا بإذن مالكه ، والإذن لم يقع عامّاً ، فيتبع ما عيّنه المالك.

وإن قيّد فقال : قارضتك سنةً فإذا انقضت لا تبع ولا تشتر ، فالأقوى(٢) عندي : الجواز ؛ عملاً بالشرط ، ولأنّه مقتضى الإطلاق.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣١٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٣ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٧ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٥ ، البيان ٧ : ١٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

(٢) في « ث ، ج ، ر » : « فالأقرب » بدل « فالأقوى ».

٤٧

وقال الشافعي : يبطل القراض ؛ لأنّه شرط شرطاً فاسداً فأفسده ؛ لأنّ عقد القراض يقع مطلقاً ، فإذا شرط قطعه لم يصح ، كالنكاح ، ولأنّ هذا الشرط ليس من مقتضى العقد ، ولا له فيه مصلحة ، فلم يصح ، كما لو قال : على أن لا تبع ، وإنّما لم يكن من مقتضاه ؛ لأنّ القراض يقتضي ردّ رأس المال تامّاً ، فإذا منعه من التصرّف لم يكن له ذلك ، ولأنّ هذا الشرط يؤدّي إلى الإضرار بالعامل وإبطال غرضه ؛ لأنّ الربح والحظّ قد يكون في تبقية المتاع وبيعه بعد سنةٍ ، فيمنع ذلك مقتضاه(١) .

ونحن نمنع فساد العقد ؛ فإنّه المتنازع. نعم ، إنّه لا يلزم وقوع العقد مطلقاً ، ولا ينافي قطعه بالشرط ، كسائر الشروط في العقود ، والمقيس عليه ممنوع على ما يأتي ، وإنّما يقتضي القراض ردّ رأس المال لو لم يمنعه المالك ، وبالشرط قد منعه ، وإضرار العامل ينتفي بدفع أُجرته إليه ، ومراعاة مصلحة العامل كمراعاة مصلحة المالك ، فقد يكون المالك محتاجاً إلى رأس ماله.

مسألة ٢٢١ : لو قال : قارضتك سنةً على أنّي لا أملك منعك فيها ، فسد القراض ؛ لأنّ القراض من العقود الجائزة لكلٍّ من المتعاقدين فسخه ، فلا يجوز أن يشترط فيه لزومه ، كالشركة والوكالة ؛ لأنّه شرط ما ينافي مقتضى العقد ، وكذا لو قال : قارضتك سنةً على أنّي(٢) لا أملك الفسخ قبل‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣١١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٣ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٥ ، الوجيز ١ : ٢٢٢ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٣ ، البيان ٧ : ١٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢ ، المغني ٥ : ١٨٥ - ١٨٦ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣٨.

(٢) في « خ » والطبعة الحجريّة : « أن » بدل « أنّي ».

٤٨

انقضائها ، وبه قال الشافعي(١) أيضاً.

ولو قال : قارضتك سنةً فإذا انقضت السنة فلا تشتر بعدها وبِعْ ، صحّ القراض ، وبه قال الشافعي(٢) أيضاً ، وكذا لو قال : قارضتك سنةً على أن لا تشتر بعد السنة ولك البيع ؛ لأنّ لصاحب المال أن يرجع عن القراض أيّ وقتٍ شاء ، ويتمكّن من منع العامل من الشراء مهما شاء ، فإذا شرط منعه من الشراء ، كان قد شرط ما يقتضيه الإطلاق ، فلا يمنع ذلك صحّة العقد.

ولو قال : قارضتك سنةً فإذا مضت فلا تبع بعدها ، فالأقرب : الصحّة.

وقال الشافعي : إنّه يبطل ، وصار كما لو شرط منعه من التصرّف مطلقاً بعد السنة ؛ لأنّه يُخلّ بمقصود العقد ، ويخالف مقتضاه.

أمّا أنّه يُخلّ بالمقصود : فلأنّه قد لا يجد راغباً في المدّة ، فلا تحصل التجارة والربح.

وأمّا مخالفة مقتضاه : فلأنّه قد يكون عنده عروض عند انقضاء السنة ، وقضيّة عقد القراض أن ينضّ العامل ما في يده في آخر الآمر ليتميّز رأس المال عن الربح(٣) .

وقد بيّنّا أنّ للعامل مع فسخ العقد الأُجرة ، وهو يدفع المحاذير.

ولو قال : قارضتك سنةً ، وأطلق ، فقد بيّنّا الجواز عندنا ، وعدم‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣١١ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٤ ، البيان ٧ : ١٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣١٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٣ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٥ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٤ ، البيان ٧ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

(٣) الوسيط ٤ : ١٠٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

٤٩

اللزوم.

وللشافعيّة وجهان :

أصحّهما عندهم : المنع ؛ لأنّ قضيّة انتفاء القراض امتناع التصرّف بالكلّيّة ، ولأنّ ما يجوز فيه الإطلاق من العقود لا يجوز فيه التأقيت ، كالبيع والنكاح.

والثاني : يجوز ، ويُحمل على المنع من الشراء دون البيع ، استدامةً للعقد(١) .

على أنّ لهم وجهاً ضعيفاً فيما إذا قارضه سنةً وشرط أن لا يشتري بعدها ، قاضياً بالبطلان ؛ لأنّ ما وضعه على الإطلاق من العقود لا يجوز فيه التأقيت(٢) .

لكن المعتمد عندهم : الجواز(٣) .

تذنيب : لو قال : قارضتك الآن ولكن لا تتصرّف حتى يجي‌ء رأس الشهر ، جاز ؛ عملاً بمقتضى الشرط - وهو أحد وجهي الشافعيّة - كما جاز في الوكالة.

والثاني - وهو الأصحّ عندهم - : المنع ، كما لو قال : بعتك بشرط أن لا تملك إلّا بعد شهرٍ(٤) .

____________________

(١) الوسيط ٤ : ١١٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٤ ، البيان ٧ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

(٢ و ٣) الوسيط ٤ : ١١٠ ، البيان ٧ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

٥٠

والفرق ظاهر.

البحث الخامس : في الربح.

وشروطه أربعة :

الأوّل : اختصاصه بالمتعاقدين ، فلو شرط بعض الربح لغيرهما ، لم يصح ، سواء كان قريباً أو بعيداً ، كما لو قال : على أن يكون لك ثلث الربح ، ولي الثلث ، ولزوجتي أو لابني أو لأجنبيٍّ الثلثُ الآخَر ، ويبطل القراض ؛ لأنّه ليس بعاملٍ ولا مالكٍ للمال.

أمّا لو شرط عمل الثالث فإنّه يصحّ ، ويكون في الحقيقة هنا عاملان لا واحد.

ولو كان المشروط له عبدَ المالك أو عبدَ العامل ، فقد بيّنّا أنّه يجوز ؛ لأنّه يكون ما شرطه للعبد للمالك ، فقد ضمّ المالك أو العامل إلى حصّته حصّةً أُخرى.

ولو قال : نصف الربح لك ونصفه لي ومن نصيبي نصفه لزوجتي ، صحّ القراض ، وكان ما عيّنه للزوجة وعداً منه لها إن شاء أعطاها وإن شاء منعها.

ولو قال للعامل : لك الثلثان على أن تعطي امرأتَك نصفَه أو ابنك ، لم يلزم الشرط ، فإن أوجبه فالأقوى : البطلان.

وقال بعض الشافعيّة : إن أوجب ذلك عليه فسد القراض ، وإلّا‌

٥١

لم يفسد(١) .

الشرط الثاني : أن يكون الربح مشتركاً بينهما ، فلو شرط أن يكون جميع الربح للمالك بأن قال : قارضتك على أن يكون جميع الربح لي ، فسد القراض - وبه قال الشافعي(٢) - لمنافاة الشرط مقتضاه ؛ فإنّ مقتضاه الاشتراك في الربح ؛ لأنّ إسحاق بن عمّار سأل الكاظمَعليه‌السلام : عن مال المضاربة ، قال : « الربح بينهما ، والوضيعة على المال »(٣) .

وقال أبو حنيفة : إنّه يبطل القراض ، ويكون بضاعةً(٤) .

وقال مالك : يصحّ القراض ، ويكون الربح للمالك ؛ عملاً بشرطه ، لأنّهما دخلا في القراض ، فإذا شرط الربح لأحدهما جعل كأنّه وهب له الآخَر نصيبه ، فلا يمنع ذلك صحّة العقد(٥) .

وهو غلط ؛ لأنّ الهبة لا تصحّ قبل حصول الموهوب.

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ١٩٥ ، البيان ٧ : ١٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣٣٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٢ ، بحر المذهب ٩ : ٢١٩ ، الوسيط ٤ : ١١١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨١ ، البيان ٧ : ١٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٢ / ١١١٦ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٨١ / ٣٤١٩ ، المغني ٥ : ١٤٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣٢.

(٣) التهذيب ٧ : ١٨٨ / ٨٢٩ ، الاستبصار ٣ : ١٢٦ / ٤٥٢.

(٤) الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٢٨ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٢ : ٢٤ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٠٢ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٨١ / ٣٤١٨ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٢ - ٣٣٣ ، البيان ٧ : ١٦٨ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٢ - ٦٤٣ / ١١١٦ ، المغني ٥ : ١٤٤ - ١٤٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣٢.

(٥) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٢ / ١١١٦ ، المعونة ٢ : ١١٢٣ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، المغني ٥ : ١٤٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣٢.

٥٢

ولو قال : قارضتك على أن يكون جميع الربح لك ، فسد القراض أيضاً عندنا - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(١) - لما تقدّم(٢) .

وقال مالك : يصحّ ، ويكون الربح بأسره للعامل ؛ لأنّهما دخلا في القراض ، فإذا شرط الربح للعامل أو المالك ، كان لمن جعل له ، كأنّ المالك قد وهبه نصيبه من الربح ، فلا يمنع ذلك صحّة العقد(٣) .

وقد تقدّم(٤) بطلانه ، وأنّ هذا الشرط منافٍ للقراض ؛ لاقتضاء القراض كون الربح بينهما ؛ لأنّه عبارة عن أن يكون من أحدهما المال ومن الآخَر العمل ، وذلك يقتضي الاشتراك ، فإذا شرطا ما يخالف ذلك فسد ، كشركة العنان إذا شرطا أن يكون الربح لأحدهما.

إذا عرفت هذا ، فإذا قال : قارضتك على أن يكون الربح كلّه لك ، فالقراض فاسد.

وما حكمه؟ للشافعيّة وجهان :

أحدهما : إنّه قراض فاسد ؛ رعايةً للّفظ.

والثاني : إنّه قرض صحيح ؛ رعايةً للمعنى(٥) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣٣٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٢ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٢ - ٣٣٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨١ ، البيان ٧ : ١٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٢٨ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٣٨ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٢ / ١١١٦ ، المعونة ٢ : ١١٢٣ ، المغني ٥ : ١٤٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣٢.

(٢) في ص ٥١.

(٣) بداية المجتهد ٢ : ٢٣٨ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٢ / ١١١٦ ، المعونة ٢ : ١١٢٣ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، المغني ٥ : ١٤٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣٢.

(٤) في ص ٥١.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨١ ، البيان ٧ : ١٦٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٥ - ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

٥٣

ولو قال : قارضتك على أنّ الربح كلّه لي ، فهو قراض فاسد أو إبضاع؟ فيه الوجهان للشافعيّة(١) .

أمّا لو قال : خُذْ هذه الدراهم وتصرَّفْ فيها والربح كلّه لك ، فهو قرض صحيح ، وبه قال ابن سريج(٢) ، بخلاف ما لو قال : قارضتك على أنّ الربح كلّه لك ؛ لتصريح اللّفظ بعقدٍ آخَر.

وقال بعض الشافعيّة : لا فرق بين الصورتين(٣) .

وليس جيّداً.

وعن بعضهم : إنّ الربح والخسران للمالك ، وللعامل أُجرة المثل ، ولا يكون قرضاً ؛ لأنّه لم يملكه(٤) .

ولو قال : تصرَّفْ في هذه الدراهم والربح كلّه لي ، فهو إبضاع.

مسألة ٢٢٢ : لو ضمّن المالكُ العاملَ ، انقلب القراض قرضاً ، وكان الربح بأسره للعامل ؛ لأنّ عقد القراض ينافي الضمان.

ولما رواه محمّد بن قيس عن الباقرعليه‌السلام قال : « مَنْ ضمّن مُضاربه فليس له إلّا رأس المال ، وليس له من الربح شي‌ء »(٥) .

وعن محمّد بن قيس عن الباقرعليه‌السلام قال : « مَنْ ضمّن تاجراً فليس له إلّا رأس ماله ، وليس له من الربح شي‌ء »(٦) .

إذا عرفت هذا ، فإن أراد المالك الاستيثاق ، أقرضه بعضَ المال ،

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٢٠ ، البيان ٧ : ١٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

(٢) البيان ٧ : ١٦٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

(٥) التهذيب ٧ : ١٨٨ / ٨٣٠ ، الاستبصار ٣ : ١٢٦ - ١٢٧ / ٤٥٣.

(٦) الكافي ٥ : ٢٤٠ / ٣ ، التهذيب ٧ : ١٩٢ - ١٩٣ / ٨٥٢.

٥٤

وضاربه على الباقي ، ويكون ذلك قرضاً صحيحاً وقراضاً جائزاً ؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما سائغ ، ولم يحدث عند الاجتماع شي‌ء زائد.

ولما رواه عبد الملك بن عتبة قال : سألتُ بعضَ هؤلاء - يعني أبا يوسف وأبا حنيفة - فقلت: إنّي لا أزال أدفع المال مضاربةً إلى الرجل فيقول : قد ضاع ، أو قد ذهب ، قال : فادفع إليه أكثره قرضاً والباقي مضاربةً ، فسألت أبا عبد الله الصادقعليه‌السلام عن ذلك ، فقال : « يجوز »(١) .

وسأل عبدُ الملك بن عتبة الكاظمَعليه‌السلام : هل يستقيم لصاحب المال إذا أراد الاستيثاق لنفسه أن يجعل بعضه شركةً ليكون أوثق له في ماله؟ قال : « لا بأس به »(٢) .

الشرط الثالث : أن تكون الحصّة لكلٍّ منهما معلومة ، فلو قارضه على أن يكون له في الربح شركة أو نصيب أو حصّة أو شي‌ء أو سهم أو حظّ أو جزء ، ولم يبيّن ، بطل القراض ، ولا(٣) يحمل الشي‌ء ولا السهم ولا الجزء على الوصيّة ؛ اقتصاراً بالنقل على مورده ، ولا خلاف في بطلان القراض مع تجهيل الربح.

ولو قال : خُذْه مضاربةً ولك من الربح مثل ما شرطه فلان لعامله ، فإن علما معاً ما شرطه فلانٌ صحّ ؛ لأنّهما أشارا إلى معلومٍ عندهما ، ولو جهلاه معاً أو أحدهما بطل القراض ؛ لأنّه مجهول.

ولو قال : والربح بيننا ، ولم يقل : نصفين ، صحّ ، وحُكم بالنصف للعامل والنصف للمالك ، كما لو أقرّ بالمال ، ولو قال : إنّه بيني وبين فلان ،

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١٨٨ - ١٨٩ / ٨٣٢ ، الاستبصار ٣ : ١٢٧ / ٤٥٥.

(٢) التهذيب ٧ : ١٨٩ / ٨٣٣ ، الاستبصار ٣ : ١٢٧ / ٤٥٦.

(٣) فيما عدا « ج » من النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « ولم » بدل « ولا ».

٥٥

فإنّه يكون إقراراً بالنصف ، فكذا هنا ، والأصل في ذلك أصالة عدم التفاوت ، وقد أضاف الربح إليهما إضافة واحدة ، لم يرجّح فيها أحدهما على الآخَر ، فاقتضى التسوية ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة.

والثاني : الفساد ؛ لأنّه لم يبيّن ما لكلّ واحدٍ منهما ، فأشبه ما إذا شرطا أن يكون الربح بينهما أثلاثاً ، ولم يبيّن صاحب الثلثين مَنْ هو ، ولا صاحب الثلث مَنْ هو ، ولأنّ التثنية تصدق مع التفاوت كصدقها مع التساوي ، والعامّ لا دلالة له على الخاصّ(١) .

ونحن نمنع صدقها بالتواطؤ ، بل دلالتها على التنصيف أقوى ، وعليه يُحمل إطلاقها ، ويفتقر التفاوت إلى قرينةٍ.

مسألة ٢٢٣ : لو قال : خُذْ هذا المال مضاربةً ، ولم يُسمّ للعامل شيئاً من الربح ، فسد القراض ، وكان الربح بأسره لربّ المال ، وعليه أُجرة المثل للعامل ، والوضيعة على المالك - وبه قال الثوري والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأحمد وأصحاب الرأي(٢) - لأنّ المضارب إنّما يستحقّ بالشرط ولم يوجد.

وقال الحسن وابن سيرين والأوزاعي : الربح بينهما نصفين ؛ لأنّه لو قال : والربح بيننا ، كان بينهما نصفين ، وكذا إذا لم يزد شيئاً(٣) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣٤٧ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٢ ، الوسيط ٤ : ١١٣ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٠ ، البيان ٧ : ١٦٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

(٢) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٣٩ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٤٤ ، بحر المذهب ٩ : ٢١٧ - ٢١٨ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٣ ، المغني ٥ : ١٤٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣١.

(٣) نفس المصادر ما عدا « الحاوي الكبير » و « بحر المذهب » و « حلية العلماء ».

٥٦

وهو ممنوع ؛ لأنّ قوله : « مضاربةً » يقتضي أنّ له جزءاً من الربح مجهولاً ، فلا يصحّ.

ولو قال : على أنّ ثلث الربح لك وما بقي فثلثه لي وثلثاه لك ، صحّ.

وحاصله اشتراط سبعة أتساع الربح للعامل ؛ لأنّ الحساب من عدد لثلثه ثلاث ، وأقلّه تسعة.

هذا إذا علما عند العقد أنّ المشروط للعامل بهذه اللفظة كم هو ، فإن جهلاه أو أحدهما ، فوجهان للشافعيّة ، أحدهما : الصحّة(١) .

وهو حسن ؛ لسهولة معرفة ما تضمّنه اللّفظ.

وكذا لو قال : على أنّ لك من الربح سُدس رُبْع عُشْر الثُّمْن ، وهُما لا يعرفان قدره عند العقد ، أو أحدهما.

ولو قال : لك الرُّبْع ورُبْع الباقي ، فله ثلاثة أثمان ونصف ثُمنٍ ، سواء عرفا الحساب أو جهلاه ؛ لأنّها أجزاء معلومة.

ولو قال : لك ثلث الربح ورُبْع ما بقي ، فله النصف.

الشرط الرابع : أن يكون العلم به من حيث الجزئيّة المشاعة ، كالنصف أو الثلث أو الربع أو غير ذلك من الأجزاء الشائعة ، لا بالتقدير ، فلو قال : قارضتك على أنّ لك من الربح مائة والباقي بيننا بالسويّة ، فسد القراض ؛ لأنّه ربما لا يربح إلّا ذلك القدر ، فيلزم أن يختصّ به أحدهما.

وكذا إذا قال : على أنّ لي من الربح مائة والباقي بيننا ، لم يصح القراض.

وكذا لو قال : لك نصف الربح سوى درهم ، أو : لك نصف الربح‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

٥٧

ودرهم.

مسألة ٢٢٤ : لو دفع إليه ألفين وقال : قارضتك على هاتين الألفين على أن يكون لك ربح ألفٍ منهما ولي ربح الألف الأُخرى ، فإمّا أن تكونا متميّزتين أو ممتزجتين.

فإن كانتا متميّزتين وشرط تميّزهما ، لم يصح القراض ؛ لأنّه لا شركة بينهما في الربح ؛ إذ كلّ واحدةٍ من الألفين متميّزة عن الأُخرى ، وربح إحداهما بعينها للمالك لا يشاركه العامل فيه ، وربح الأُخرى بعينها للعامل لا يشاركه المالك فيه ، مع أنّ كلّ واحدةٍ منهما مال قراضٍ ، فلا يوجد فيه مقتضى القراض فيبطل ، ولأنّه ربما يختصّ الربح بإحداهما دون الأُخرى ، فيحصل كلّ الربح لأحدهما ويمنع الآخَر منه ، وذلك منافٍ لمقتضى القراض.

وإن كانتا ممتزجتين غير متميّزتين ، فالأقرب : الصحّة ، ويُحمل على الإشاعة والتسوية في الربح ؛ إذ لا فرق بين ذلك وبين قوله : الربح بيننا نصفين ، ولا بينه وبين أن يقول : نصف ربح الألفين لك ونصفه لي ، وهو قول بعض الشافعيّة(١) .

وقال ابن سريج : لا يصحّ ؛ لأنّه خصّصه بربح بعض المال ، فأشبه ما إذا كان الألفان متميّزين ، وما إذا دفع إليه ألفاً على أن يكون له ربحها ليتصرّف له في ألف أُخرى(٢) .

والفرق ظاهر.

ولو قال : على أنّ لي ربح أحد الثوبين ولك ربح الآخَر ، أو : على أنّ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٧.

٥٨

لي ربح إحدى السفرتين ولك ربح الأُخرى ، أو : على أنّ لك ربح تجارة شهر كذا ولي ربح تجارة شهر كذا ، لم يصح.

إذا عرفت هذا ، فإذا دفع إليه مالاً قراضاً وشرط أن يكون له نصف ربحه ، جاز ، وكذا لو شرط له ربح نصفه.

ولو قال : على أنّ لك من الربح عشرةً ولي عشرة ، احتُمل البطلانُ ؛ لعدم العلم بحصولهما ، والصحّةُ إن قصد التناسب في مطلق الربح ، قلّ عن ذلك أو كثر أو ساواه.

مسألة ٢٢٥ : لو دفع إليه مالاً قراضاً وشرط عليه أن يولّيه سلعة كذا إذا اشتراها برأس المال ، احتُمل الصحّة ؛ عملاً بقولهعليه‌السلام : « المسلمون(١) عند شروطهم »(٢) ، والبطلانُ - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّه ربما لا يحصل الربح إلّا منها.

ولو شرط أن يلبس الثوب الذي يشتريه ويركب الدابّة التي يشتريها ، قال الشافعي : يبطل القراض أيضاً ؛ لأنّ القراض جُوّز على العمل المجهول بالعوض المجهول [ للحاجة ](٤) - ولا حاجة إلى ضمّ ما ليس من الربح إليه ، ولأنّه ربما ينتقص بالاستعمال ويتعذّر عليه التصرّف(٥) .

والأقوى عندي : الجواز.

تذنيب : لو دفع إليه ألفاً قراضاً على أنّ الربح بينهما ، وشرط المالك‌

____________________

(١) في النُّسَخ الخطّيّة : « المؤمنون ».

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٣٥ ، الهامش (٣) ، وفي التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، والاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، والجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣ : « المؤمنون ».

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٣١٣ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٢ ، البيان ٧ : ١٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٤.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « للراحة ». والمثبت من المصدر.

(٥) نفس المصادر في الهامش (٣) ما عدا « التهذيب ».

٥٩

أن يدفع إليه ألفاً يعمل بها بضاعةً بحيث يكون الربح بأسره للمالك فيها ، فالوجه : صحّة القراض والشرط معاً.

وقيل : يصحّ القراض ، ويبطل الشرط(١) .

وقيل : يبطلان معاً(٢) .

مسألة ٢٢٦ : لو دفع إلى عاملٍ ألفَ درهمٍ ، فقال له : اعمل على هذه وربحها لي ، ودفع إليه ألفاً أُخرى وقال : اعمل على هذه ويكون ربحها لك ، فإن قصد القراض ، بطل ؛ لأنّه شرط أن يكون جميع الربح في إحداهما للمالك وفي الأُخرى للعامل ، وهو باطل ؛ لأنّه لا يجوز أن ينفرد أحدهما بالربح ؛ لأنّ الربح يحصل بالمال والعمل معاً ، فلا يصحّ في واحدةٍ من الألفين.

وإن لم يقصد القراض ، صحّ ، وكان ما شرطه المالك له بضاعةً ، وما شرطه العامل لنفسه قرضاً.

ولو دفع الألفين وقال : قارضتك على هذه على أن يكون ربح ألفٍ منها لي وألف لك ، فالأقوى : الصحّة - وبه قال أبو حنيفة وأبو ثور(٣) - لأنّه بمنزلة أن يقول : نصف الربح لي ونصفه لك ؛ لأنّه بمعناه.

قال ابن سريج : وهذا غلط ؛ لأنّ وضع القراض على أن يكون كلّ جزءٍ من المال ربحه بينهما ، فإذا شرط ربح ألفٍ فقد شرط لنفسه الانفراد بربح جزءٍ منه ، فكان فاسداً ، بخلاف ما إذا شرط نصف الربح ؛ لأنّ شرطه لم يتضمّن الانفراد بجزءٍ منه(٤) .

____________________

(١) كما في شرائع الإسلام ٢ : ١٤٥.

(٢) قال به الطوسي في المبسوط ٣ : ١٩٧ ، والقاضي ابن البرّاج في المهذّب ١ : ٤٦٦.

(٣) بحر المذهب ٩ : ١٩٨ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٠.

(٤) راجع : العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٧.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذا كان العشر الأواخر اعتكف في المسجد ، وضُربت له قبّة من شعر ، وشمّر المئزر وطوى فراشه »(١) .

مسألة ١٦٩ : وقد أجمع أهل العلم كافة على أنّه ليس بفرض‌ في ابتداء الشرع ، وإنّما يجب بالنذر وشبهه.

روى العامة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ( مَنْ أراد أن يعتكف فليعتكف العشر الأواخر )(٢) علّقه بالإِرادة ، ولو كان واجباً لما كان كذلك.

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « إذا اعتكف يوماً ولم يك اشترط فله أن يخرج ويفسخ اعتكافه ، وإن أقام يومين ولم يك اشترط فليس له أن يخرج ويفسخ اعتكافه حتى تمضي ثلاثة أيام »(٣) .

وقد أجمع المسلمون على استحبابه ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان يعتكف في كلّ سنة ويُداوم عليه.

وأفضل أوقاته العشر الأواخر من شهر رمضان.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( اعتكاف عشر في شهر رمضان يعدل حجّتين وعُمرتين )(٤) وداوَمَ على اعتكافها حتى قبضه الله تعالى.

فمَنْ رغب إلى المحافظة على هذه السنّة فينبغي أن يدخل المسجد قبل غروب الشمس يوم العشرين حتى لا يفوته شي‌ء من ليلة الحادي والعشرين ،

____________________

(١) الكافي ٤ : ١٧٥ / ١ ، الفقيه ٢ : ١٢٠ / ٥١٧ ، التهذيب ٤ : ٢٨٧ / ٨٦٩ ، الاستبصار ٢ : ١٣٠ - ١٣١ / ٤٢٦.

(٢) أوردها ابنا قدامة في المغني والشرح الكبير ٣ : ١٢٣ ، وبتفاوت في صحيح مسلم ٢ : ٨٢٥ / ٢١٥ ، وسنن البيهقي ٤ : ٣١٥.

(٣) الكافي ٤ : ١٧٧ / ٣ ، الفقيه ٢ : ١٢١ / ٥٢٦ ، التهذيب ٤ : ٢٨٩ - ٢٩٠ / ٨٧٩ ، الاستبصار ٢ : ١٢٩ / ٤٢١ ، وفي المصادر عن الإِمام الباقرعليه‌السلام .

(٤) الفقيه ٢ : ١٢٢ / ٥٣١.

٢٤١

ويخرج بعد غروب الشمس ليلة العيد ، وإن بات ليلة العيد فيه إلى أن يصلّي فيه العيد أو يخرج منه إلى المصلّى كان أولى.

المطلب الثاني : في شرائطه‌

مسألة ١٧٠ : إنّما يصح الاعتكاف من مكلّف مسلم‌ ؛ لأنّه عبادة وشرطه الصوم على ما يأتي(١) ، وإنّما يصحّ الصوم بالشرطين.

ويصحّ اعتكاف الصبي المميّز ، كما يصحّ صومه.

وهل هو مشروع أو تأديب؟ إشكال.

ولا يصحّ من المجنون المـُطبق ولا مَنْ يعتوره وقت جنونه ؛ لانتفاء التكليف عنه.

ولا ينعقد من الكافر الأصلي ؛ لفقدان الشرط ، وهو : النيّة المشروطة بالتقرّب.

مسألة ١٧١ : يشترط في الاعتكاف النية‌ ، فلو اعتكف من غير نية ، لم يعتدّ به ؛ لأنّه فعل يقع على وجوه مختلفة ، فلا يختص بأحدها إلّا بواسطة النية التي تخلص بعض الأفعال أو الوجوه والاعتبارات عن بعض.

ولأنّ الاعتكاف عبادة ، فلا يصحّ من دون النية ، لقوله تعالى :( وَما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) (٢) ولا معنى للإِخلاص إلّا النية.

ولأنّه عمل وقد قالعليه‌السلام : ( إنّما الأعمال بالنيّات )(٣) .

وتشترط نية الفعل ، والوجه من الوجوب أو الندب ، والتقرّب إلى الله تعالى ، لأنّ الفعل صالح للوجوب والندب والتقرّب واليمين أو منع النفس أو‌

____________________

(١) يأتي في المسألة ١٧٥.

(٢) البيّنة : ٥.

(٣) صحيح البخاري ١ : ٢ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٦٢ / ٢٢٠١ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٤١٣ / ٤٢٢٧ ، سنن البيهقي ١ : ٢١٥ و ٧ : ٣٤١.

٢٤٢

الغضب ، فلا بدّ من التقرّب والوجه.

وإذا نوى الاعتكاف مدّةً لم تلزمه إجماعاً.

نعم يشترط استمرار النية حكماً ، فلو خرج لقضاء حاجة أو لغيره ، استأنف النية عند الرجوع إن بطل الاعتكاف بالخروج ، وإلّا فلا.

مسألة ١٧٢ : يشترط في الاعتكاف اللبث‌ عند علمائنا أجمع ، وهو قول أهل العلم ؛ لأنّ الاعتكاف في اللغة عبارة عن المقام ، يقال : عكف واعتكف ، أي : أقام.

وللشافعي وجهان : هذا أحدهما ، والثاني : أنّه لا يشترط اللبث ، بل يكفي مجرّد الحضور ، كما يكفي الحضور بعرفة في تحقيق ركن الحج.

ثم فرّع على الوجهين ، فقال : إن اكتفينا بالحضور حصل الاعتكاف بالعبور حتى لو دخل من باب وخرج من باب ونوى ، فقد اعتكف ، وإن اعتبرنا اللبث ، لم يكف ما يكفي في الطمأنينة في أركان الصلاة ، بل لا بدّ وأن يزيد عليه بما يسمّى إقامة وعكوفاً ، ولا يعتبر السكون ، بل يصح اعتكافه قائماً وقاعداً ومتردّداً في أرجاء المسجد(١) .

وهذا القول لا عبرة به عند المحصّلين.

مسألة ١٧٣ : لا يجوز الاعتكاف عند علمائنا أقلّ من ثلاثة أيام بليلتين متواليات‌ ، خلافاً للعامة كافة ؛ فإنّ الشافعي لم يقدّره بحدّ ، بل جوّز اعتكاف ساعة واحدة فأقلّ ، وهو رواية عن أحمد وأبي حنيفة(٢) .

ورواية اُخرى عن أبي حنيفة أنّه لا يجوز أقلّ من يوم واحد ، وهو رواية عن مالك(٣) .

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٤٨٠.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٨ ، المجموع ٦ : ٤٩١ ، الوجيز ١ : ١٠٦ ، فتح العزيز ٦ : ٤٨٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ١١٠ ، بداية المجتهد ١ : ٣١٤.

(٣) المبسوط للسرخسي ٣ : ١١٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ١١٠ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٣٢. =

٢٤٣

وعن مالك رواية اُخرى أنّه لا يكون أقلّ من عشرة أيام(١) .

لنا : ما رواه العامة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( لا اعتكاف إلّا بصوم )(٢) والصوم لا يقع في أقلّ من يوم ، فبطل قول الشافعي ومَنْ وافقه.

وأمّا التقدير بالثلاثة : فلأنّ الاعتكاف في اللغة هو اللبث المتطاول وفي الشرع قيّد بالعبادة ، ولا يصدق ذلك بيوم واحد ؛ لأنّ التقدير بيوم لا مُماثل له في الشرع ، والتقدير بعشرة سيأتي إبطاله ، فتتعيّن الثلاثة ، كصوم كفّارة اليمين وكفّارة بدل الهدي وغير ذلك من النظائر.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « لا يكون الاعتكاف أقلّ من ثلاثة أيام ومن اعتكف صام »(٣) .

واحتجاج الشافعي : بأنّ الاعتكاف لبث ، وهو يصدق في القليل والكثير(٤) . وأبو حنيفة : بأنّ من شرطه الصوم ، وأقلّه يوم(٥) . ومالك : بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان يعتكف العشر الأواخر(٦) ، باطل : بأنّ الاعتكاف في اللغة هو اللبث الطويل ، والأصل بقاء الوضع ، وقد بيّنّا أنّه لا‌

____________________

= الكافي في فقه أهل المدينة : ١٣١ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٩٨ ، المجموع ٦ : ٤٩١ ، فتح العزيز ٦ : ٤٨١.

(١) بداية المجتهد ١ : ٣١٤ ، التفريع ١ : ٣١٢ - ٣١٣ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٣١.

(٢) أوردها ابنا قدامة في المغني والشرح الكبير ٣ : ١٢٥ ، وفي سنن الدارقطني ٢ : ١٩٩ - ٢٠٠ / ٤ وسنن البيهقي ٤ : ٣١٧ ( بصيام ) بدل ( بصوم ).

(٣) الكافي ٤ : ١٧٧ / ٢ ، الفقيه ٢ : ١٢١ / ٥٢٥ ، التهذيب ٤ : ٢٨٩ / ٨٧٦ ، الاستبصار ٢ : ١٢٨ - ١٢٩ / ٤١٨.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٨ ، المجموع ٦ : ٤٨٩ ، فتح العزيز ٦ : ٤٨٠.

(٥) المبسوط للسرخسي ٣ : ١١٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ١١٠ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٣٢.

(٦) كما في المعتبر للمحقق الحلي : ٣٢٢ ، كما أنّ فيه أيضا التعرض لاحتجاج الشافعي وأبي حنيفة.

٢٤٤

يكون أقلّ من ثلاثة أيام عن أهل البيتعليهم‌السلام . وفعل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لا يدلّ على تحديد الأقلّ.

مسألة ١٧٤ : ويشترط في الاعتكاف أن يكون في مكان خاص‌ ، وقد أجمع علماء الأمصار على اشتراط المسجد في الجملة ، لقوله تعالى :( وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ ) (١) ولو صحّ الاعتكاف في غير المسجد ، لم يكن للتقييد فائدة ؛ لأنّ الجماع في الاعتكاف مطلقاً حرام.

ولأنّ الاعتكاف لبث هو قربة ، فاختصّ بمكان كالوقوف.

ثم اختلف العلماء بعد ذلك في أنّه هل يشترط مسجد معيّن أم لا؟ فالذي عليه أكثر علمائنا(٢) أنّه يشترط أن يكون في مسجد جمّع فيه نبي أو وصي نبي ، وهي أربعة مساجد : المسجد الحرام ومسجد النبيعليه‌السلام ، جمّع فيهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومسجد الكوفة ومسجد البصرة جمّع فيهما عليعليه‌السلام .

وقد روي في بعض الأخبار بدل « مسجد البصرة » : « مسجد المدائن » رواه الصدوق(٣) .

وقال ابن أبي عقيل منّا : إنّه يصح الاعتكاف في كلّ مسجد.

قال : وأفضل الاعتكاف في المسجد الحرام ومسجد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومسجد الكوفة ، وسائر الأمصار مساجد الجماعات(٤) . وبه قال الشافعي ومالك(٥) .

____________________

(١) البقرة : ١٨٧.

(٢) منهم : الشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٢٨٩ ، والقاضي ابن البراج في المهذب ١ : ٢٠٤ ، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ١٨٦ ، وسلّار في المراسم : ٩٩.

(٣) الفقيه ٢ : ١٢٠ / ٥٢٠.

(٤) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٣٢٣.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٧ ، المجموع ٦ : ٤٨٠ و ٤٨٣ ، فتح العزيز ٦ : ٥٠١ ، بداية =

٢٤٥

وللشافعي قول قديم - كقول الزهري - إنّه يصحّ في كلّ جامع وغير جامع(١) .

وقال المفيدرحمه‌الله : لا يكون الاعتكاف إلّا في المسجد الأعظم ، وقد روي : أنّه لا يكون إلّا في مسجد جمّع فيه نبي أو وصي ، والمساجد التي جمّع فيها نبي أو وصي هي أربعة مساجد(٢) . وعدَّ ما اخترناه.

وقال أبو حنيفة وأحمد : لا يجوز إلّا في مسجد يجمّع فيه(٣) .

وعن حذيفة : أنّه لا يصحّ الاعتكاف إلّا في أحد المساجد الثلاثة : المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجد الرسولعليه‌السلام (٤) .

لنا : أنّ الاعتكاف عبادة شرعية ، فيقف على مورد النصّ ، والذي وقع عليه الاتّفاق ما قلناه.

ولأنّ عمر بن يزيد سأل الصادقعليه‌السلام : ما تقول في الاعتكاف ببغداد في بعض مساجدها؟ فقال : « لا اعتكاف إلّا في مسجد جماعة قد صلّى فيه إمام عدل صلاة جماعة ، ولا بأس أن يعتكف في مسجد الكوفة‌

____________________

= المجتهد ١ : ٣١٣ ، مقدمات ابن رشد : ١٩٠ ، المغني ٣ : ١٢٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٣٠.

(١) كذا ، ولكن المنسوب إلى الشافعي في القديم ، والزهري ، هو : اختصاص الاعتكاف بالمسجد الجامع. راجع المهذب للشيرازي ١ : ١٩٧ ، والمجموع ٦ : ٤٨٠ ، وفتح العزيز ٦ : ٥٠١ - ٥٠٢ ، وحلية العلماء ٣ : ٢١٧ ، والمغني ٣ : ١٢٨ ، والشرح الكبير ٣ : ١٣٠.

(٢) المقنعة : ٥٨.

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ١١٣ ، الحجة على أهل المدينة ١ : ٤١٥ ، تحفة الفقهاء ١ : ٣٧٢ ، المغني ٣ : ١٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ١٢٩ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٧ ، المجموع ٦ : ٤٨٣.

(٤) حلية العلماء ٣ : ٢١٧ ، المجموع ٦ : ٤٨٣ ، المغني ٣ : ١٢٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٣٠.

٢٤٦

ومسجد المدينة ومسجد مكّة ومسجد البصرة »(١) .

ولأنّ الاعتكاف يتعلّق به أحكام شرعية من أفعال وتروك ، والأصل عدم تعلّقها بالمكلّف إلّا مع ثبوت المقتضي ولم يُوجد.

احتجّ المفيد : بقول أمير المؤمنينعليه‌السلام : « لا أرى الاعتكاف إلّا في المسجد الحرام أو مسجد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو في مسجد جامع »(٢) .

واحتجّ ابن أبي عقيل : بقوله تعالى( وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ ) (٣) .

ولقول الصادقعليه‌السلام : « لا اعتكاف إلّا بصوم وفي المصر(٤) الذي أنت فيه »(٥) .

واحتجّ أبو حنيفة : بقولهعليه‌السلام : ( كلّ مسجد له إمام ومؤذّن يعتكف فيه )(٦) .

ولأنّه قد يأتي عليه الجمعة ، فإن خرج ، أبطل اعتكافه ، وربما كان واجباً ، وإن لم يخرج ، أبطل جمعته ، فحينئذٍ يجب المسجد الذي يصلّي فيه جمعة.

والجواب : أنّ قول أمير المؤمنينعليه‌السلام : « أو في مسجد جامع » مطلق ، وما قلناه مقيّد ، فيحمل عليه ؛ جمعاً بين الأدلّة.

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٩٠ / ٨٨٢ و ٨٨٣ ، الاستبصار ٢ : ١٢٦ / ٤٠٩ و ٤١٠ ، الكافي ٤ : ١٧٦ ( باب المساجد التي يصلح الاعتكاف فيها ) الحديث ١ ، والفقيه ٢ : ١٢٠ / ٥١٩.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٩١ / ٨٨٥ ، الاستبصار ٢ : ١٢٧ / ٤١٢ ، وراجع المعتبر : ٣٢٣.

(٣) البقرة : ١٨٧.

(٤) في المصدر : وفي مسجد المصر.

(٥) أورده المحقق في المعتبر : ٣٢٣ نقلاً عن جامع البزنطي.

(٦) أورده المحقق في المعتبر : ٣٢٣. وفي سنن الدار قطني ٢ : ٢٠٠ / ٥ بتفاوت. وراجع : بدائع الصنائع ٢ : ١١٣.

٢٤٧

ولا دلالة في الآية ؛ لأنّ اللام قد تقع للعهد.

وقول الصادقعليه‌السلام ، محمول على المسجد الذي هو أحد الأربعة. ولا بدّ من التأويل ؛ لأنّه يقتضي تحريم الاعتكاف إلّا في مصره ، وهو خلاف الإِجماع.

وحجّة أبي حنيفة لنا.

تذنيب : ليس للمرأة الاعتكاف في مسجد بيتها‌ - وهو الذي عزلته وهيّأته للصلاة فيه - لأنّه ليس له حرمة المساجد ، وليس مسجداً حقيقةً ، ولهذا يجوز تبديله وتوسيعه وتضييقه ، فلم يكن مسجداً حقيقةً ، فأشبه سائر المواضع ، وهو الجديد للشافعي ، وبه قال مالك وأحمد(١) .

وقال في القديم : يجوز لها ذلك - وهذا التفريع على رأي مَنْ يعمَم الأماكن. وأبو حنيفة قال بالجواز(٢) أيضاً - لأنّه مكان صلاتها ، كما أنّ المسجد مكان صلاة الرجل(٣) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كُنّ يعتكفن في المسجد(٤) ، ولو جاز اعتكافهنّ في البيوت ، لأشبه أن يلازمنها.

____________________

(١) المجموع ٦ : ٤٨٠ و ٤٨٤ ، الوجيز ١ : ١٠٧ ، فتح العزيز ٦ : ٥٠٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٧ ، مقدمات ابن رشد : ١١٩ ، المغني ٣ : ١٢٩ ، الشرح الكبير ٣ : ١٣٢ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ١١٩.

(٢) بدائع الصنائع ٢ : ١١٣ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ١١٩ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٣٢ ، المجموع ٦ : ٤٨٤ ، فتح العزيز ٦ : ٥٠٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٨ ، المغني ٣ : ١٢٩ ، الشرح الكبير ٣ : ١٣٢ ، مقدمات ابن رشد : ١٩١.

(٣) فتح العزيز ٦ : ٥٠٣ ، المجموع ٦ : ٤٨٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٧.

(٤) صحيح البخاري ٣ : ٦٣ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٣١ / ١١٧٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٦٣ / ١٧٧١.

٢٤٨

وعلى الجواز ففي جواز الاعتكاف للرجل وجهان للشافعية ؛ لأنّ(١) تنفّل الرجل في البيت أفضل ، والاعتكاف ملحق بالنوافل(٢) .

وكلّ امرأة يكره لها حضور الجماعات يكره لها الاعتكاف في المساجد.

مسألة ١٧٥ : يشترط في الاعتكاف الصوم عند علمائنا أجمع‌ - وبه قال ابن عمر ، وابن عباس وعائشة والزهري وأبو حنيفة ومالك والليث والأوزاعي والحسن بن صالح بن حي وأحمد في إحدى الروايتين(٣) - لما رواه العامة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( لا اعتكاف إلّا بصوم )(٤) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « لا اعتكاف إلّا بصوم »(٥) .

ولأنّه لبث في مكان مخصوص ، فلم يكن بمجرّده قربةً ، كالوقوف بعرفة.

وقال الشافعي : لا يشترط الصوم ، بل يجوز من غير صوم - وبه قال ابن مسعود وسعيد بن المسيّب وعمر بن عبد العزيز والحسن وعطاء وطاوس وإسحاق وأحمد في الرواية الاُخرى - لأنّ عمر سأل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إنّي نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلةً في المسجد الحرام ، فقال النبي صلّى الله‌

____________________

(١) هذا وجه الجواز.

(٢) فتح العزيز ٦ : ٥٠٣ ، المجموع ٦ : ٤٨٠.

(٣) المغني والشرح الكبير ٣ : ١٢٥ ، المجموع ٦ : ٤٨٧ ، فتح العزيز ٦ : ٤٨٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٨ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٣٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٠٩ ، بداية المجتهد ١ : ٣١٥ ، مقدّمات ابن رشد : ١٩١ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٣١.

(٤) أوردها ابنا قدامة في المغني والشرح الكبير ٣ : ١٢٥ ، وفي سنن الدار قطني ٢ : ١٩٩ - ٢٠٠ / ٤ ، وسنن البيهقي ٤ : ٣١٧ : ( بصيام ) بدل ( بصوم ).

(٥) الكافي ٤ : ١٧٦ ( باب أنه لا يكون الاعتكاف إلا بصوم ) الأحاديث ١ - ٣ ، التهذيب ٤ : ٢٨٨ / ٨٧٣.

٢٤٩

عليه وآله : ( أوْف بنذرك )(١) ولو كان الصوم شرطاً لم يصح اعتكاف الليل.

ولقول ابن عباس : ( ليس على معتكف صوم )(٢) .

ولأنّه عبادة تصح في الليل ، فلا يشترط لها الصيام ، كالصلاة(٣) .

والجواب : الليلة قد تطلق مع إرادة النهار معها ، كما يقال : أقَمْنا ليلتين أو ثلاثاً ، والمراد : الليل والنهار

ونمنع صحة الاعتكاف ليلاً خاصة. والفرق بينه وبين الصلاة ظاهر ؛ لأنّه بمجرّده لا يكون عبادةً ، فاشترط فيه الصوم.

وقول ابن عباس لا يكون حجّةً.

مسألة ١٧٦ : لا يشترط صوم معيّن ، بل أيّ صوم اتّفق صحّ الاعتكاف معه ، سواء كان الصوم واجباً أو ندباً ، وسواء كان الاعتكاف واجباً أو ندباً ، فلو نذر اعتكاف ثلاثة أيام مثلاً ، وجب الصوم بالنذر ؛ لأنّ ما لا يتمّ الواجب إلّا به يكون واجباً.

فلو اعتكف في شهر رمضان ، صحّ اعتكافه ، وكان الصوم واقعاً عن رمضان ، وأجزأ عن صوم اعتكافه الواجب.

وكذا لو نذر صوم شهر ونذر اعتكاف شهر ، وأطلق النذرين ، أو جعل زمانهما واحداً ، صحّ أن يعتكف في شهر صومه المنذور ، وتقع نية الصوم عن النذر المعيّن أو غير المعيّن.

وكذا لو نذر اعتكافاً وأطلق ، فاعتكف في أيّام أراد صومها مستحبّاً ،

____________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ٦٣ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٩٨ - ١٩٩ / ١ و ٢ ، سنن البيهقي ٤ : ٣١٨.

(٢) المستدرك للحاكم ١ : ٤٣٩ بتفاوت يسير عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٨ ، المجموع ٦ : ٤٨٥ و ٤٨٧ - ٤٨٨ ، الوجيز ١ : ١٠٦ ، فتح العزيز ٦ : ٤٨٤ - ٤٨٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٨ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ١٢٥ - ١٢٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٠٩ ، مقدمات ابن رشد : ١٩١ - ١٩٢.

٢٥٠

جاز.

والقائلون بعدم اشتراط الصوم من العامة حكموا باستحبابه ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان يعتكف وهو صائم(١) . ولا خلاف فيه ، وجوّزوا اعتكاف بعض يوم أو بعض ليلة(٢) .

ومن اشترطه منهم لم يسوّغوا اعتكاف بعض يوم ولا اعتكاف ليلة منفردة ولا بعضها ؛ لأنّ الصوم المشترط لا يصح في أقلّ من يوم(٣) .

ويحتمل عندهم صحة اعتكاف بعض يوم إذا صام اليوم بأسره ؛ لأنّ الصوم المشروط وُجد في زمن الاعتكاف ، ولا يعتبر وجود المشروط في زمن كلّ زمان الشرط(٤) .

وعلى مذهبنا من اشتراط الصوم لا يصح اعتكاف زمان لا يصح فيه الصوم ، كيومي العيدين وأيام التشريق والمرض المضر والسفر الذي يجب فيه القصر ، خلافاً للشافعي ؛ فإنّه جوّز الاعتكاف في يومي العيدين وأيام التشريق(٥) .

مسألة ١٧٧ : يشترط في صحة اعتكاف الزوجة المندوب : إذن زوجها‌ ، وكذا السيد في حق عبده ؛ لأنّ منافع الاستمتاع والخدمة مملوكة للزوج والسيد ، فلا يجوز صرفهما إلى غيرهما إلّا بإذنهما ، وكذا المدبَّر واُمّ الولد ومن انعتق بعضه إلّا مع المهايأة وإيقاع الاعتكاف في أيام نفسه.

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٨ ، المجموع ٦ : ٤٨٥ و ٤٨٧ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ١٢٦.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٨ ، المجموع ٦ : ٤٨٩ - ٤٩١ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢٠ ، فتح العزيز ٦ : ٤٨٠.

(٣) المغني ٣ : ١٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ١٢٦ ، المجموع ٦ : ٤٩١ ، فتح العزيز ٦ : ٤٨٤.

(٤) المغني ٣ : ١٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ١٢٦.

(٥) الاُم ٢ : ١٠٧ ، المجموع ٦ : ٤٨٥ و ٤٨٩ ، فتح العزيز ٦ : ٤٨٤ ، مختصر المزني : ٦٠.

٢٥١

أمّا المكاتب فإنّه كالعبد إذا كان مشروطاً ، لأنّه لم يخرج عن الرقّ بالكتابة ، فتوابع الرقّ لا حقة به.

وقال الشافعي : يجوز ؛ لأنّ منافعه لا حقّ للمولى فيها(١) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ الرقّ لم يزل عنه ، وإطلاق الإِذن منصرف إلى الاكتساب دون غيره.

مسألة ١٧٨ : لو أذن لعبده في الاعتكاف أو لزوجته ، جاز له الرجوع‌ ومنعهما ما لم يجب - وبه قال الشافعي(٢) - لأنّه فعل مندوب يجوز الرجوع فيه ؛ لأنّ التقدير أنّه لم يجب ؛ لأنّ الشروع غير ملزم عندنا على ما يأتي(٣) ، كما لو اعتكف بنفسه ثم بدا له في الرجوع.

ولأنّ مَنْ مَنَع غيره من الاعتكاف إذا أذن فيه وكان تطوّعاً ، كان له إخراجه منه ، كالسيد مع عبده.

وقال أبو حنيفة : له منع العبد وليس له منع الزوجة - وقال مالك : ليس له منعهما(٤) - لأنّ المرأة تملك بالتمليك ، فإذا أذن لها ، أسقط حقّه عن منافعها ، وأذن لها في استيفائها ، فصار كما لو ملّكها عيناً ، بخلاف العبد الذي لا يملك البتة ، وإنّما يتلف منافعه على ملك السيد ، فإذا أذن له في إتلافها ، صار كالمـُعير(٥) .

____________________

(١) المجموع ٦ : ٤٧٨ ، فتح العزيز ٦ : ٤٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٧.

(٢) المجموع ٦ : ٤٧٧ ، فتح العزيز ٦ : ٤٩٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٦ ، المغني ٣ : ١٥١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٢٧.

(٣) يأتي في المسألة ٢٠٥.

(٤) المدونة الكبرى ١ : ٢٣٠ ، المغني ٣ : ١٥١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٢٧ ، المجموع ٦ : ٤٧٧ ، فتح العزيز ٦ : ٤٩٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٦.

(٥) بدائع الصنائع ٢ : ١٠٩ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ١٢٥ ، المغني ٣ : ١٥١ - ١٥٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١٢٧ ، المجموع ٦ : ٤٧٧ ، فتح العزيز ٦ : ٤٩٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٦.

٢٥٢

قال مالك : إنّ السيّد قد عقد على نفسه تمليك منافع كان يملكها لحقّ الله تعالى ، فلم يكن له الرجوع فيه ، كصلاة الجمعة(١) .

والجواب : أنّ منافع المرأة لزوجها ، ولهذا يجب عليها بذلها ، فإذا أذن لها في إتلافها ، جرى مجرى المـُعير.

والجمعة تجب بالدخول فيها ، بخلاف الاعتكاف.

مسألة ١٧٩ : لا ينعقد نذر المرأة للاعتكاف إلّا بإذن زوجها‌ ، وكذا العبد إلّا بإذن مولاه ، فإذا أذنا فإن كان النذر لأيّام معيّنة ، لم يجز للمولى ولا للزوج المنع ولا الرجوع ، وإن كان لأيّام غير معيّنة ، جاز المنع ما لم يجب بأن يمضي يومان ؛ لأنّه ليس على الفور.

ولو دخلا في المندوب بإذنه ، جاز الرجوع أيضاً.

وقال الشيخرحمه‌الله : يجب عليه الصبر ثلاثة أيّام هي أقلّ الاعتكاف(٢) .

وليس بجيّد ؛ لأنّا لا نوجب المندوب بالشروع.

ولو نذرا نذراً غير معيّن بإذن الزوج والمولى ، لم يجز لهما الدخول فيه إلّا بإذنهما ؛ لأنّ منافعهما حقّ مضيّق يفوت بالتأخير ، بخلاف الاعتكاف.

وإذا أذن لعبده في الاعتكاف فاعتكف ثم أعتق ، وجب عليه إتمام الواجب ، واستحبّ إتمام المندوب.

ولو دخل في الاعتكاف بغير نذر(٣) فاُعتق في الحال ، قال الشيخ رحمه‌

____________________

(١) راجع : المغني ٣ : ١٥٢ ، والشرح الكبير ٣ : ١٢٧.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ٢٩٠ ، وحكاه عنه أيضاً المحقق في المعتبر : ٣٢٢.

(٣) كذا في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق وفي الطبعة الحجرية ، إلّا أنّ سياق العبارة يدلّ على أنّ المراد : الإِذن لا النذر. ويؤكّد ذلك ما أثبتته المصادر المذكورة في الهامش التالي ، فراجع.

٢٥٣

الله : يلزمه(١) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ الدخول منهي عنه ، فلا ينعقد به الاعتكاف ، فلا يجب إتمامه.

تذنيب : لا يجوز للأجير أن يعتكف زمان إجارته إلّا بإذن المستأجر‌ ؛ لأنّ منافعه مملوكة له. وكذا ينبغي في الضيف ؛ لافتقار صومه تطوّعاً إلى الإِذن.

المطلب الثالث : في تروك الاعتكاف‌

مسألة ١٨٠ : يحرم على المعتكف الجماع بالنصّ والإِجماع‌.

قال الله تعالى : (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَقْرَبُوها ) (٢) .

وأجمع العلماء كافّة على تحريم الوطء للمعتكف ، فإن اعتكف وجامع فيه متعمّداً ، فسد اعتكافه إجماعاً ؛ لأنّ الوطء إذا حرم في العبادة أفسدها ، كالحجّ والصوم.

وإن كان ناسياً ، لم يبطل - وبه قال الشافعي(٣) - لقولهعليه‌السلام : ( رُفع عن اُمّتي الخطأ والنسيان )(٤) .

ولأنّها مباشرة لا تُفسد الصوم فلا تُفسد الاعتكاف ، كالمباشرة فيما دون‌

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٩٠ ، وراجع : أيضاً المعتبر للمحقّق الحلّي : ٣٢٢ ، والمختلف - للمصنّف - : ٢٥٢.

(٢) البقرة : ١٨٧.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ٢٠١ ، المجموع ٦ : ٥٢٤ و ٥٢٧ ، فتح العزيز ٦ : ٤٨١ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢٥ ، المغني ٣ : ١٣٩ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥٥.

(٤) الفتح الكبير ٢ : ١٣٥ ، كنز العُمّال ٤ : ٢٣٣ / ١٠٣٠٧ نقلاً عن الطبراني في المعجم الكبير.

٢٥٤

الفرج.

وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد : يبطل الاعتكاف ، لأنّ ما حرم في الاعتكاف استوى عمده وسهوه ، كالخروج من المسجد(١) .

ونمنع الأصل. والفرق : أنّ الخروج ترك المأمور به ، وهو مخالف لفعل المحظور فيه ؛ فإنّ مَنْ ترك النية في الصوم لا يصح صومه وإن كان ناسياً ، بخلاف ما لو جامع سهواً.

ولا فرق في التحريم بين الوطء في القُبُل والدُّبُر ، ولا بين الإِنزال وعدمه ، وكما يحرم الوطء نهاراً يحرم ليلاً ؛ لأنّ المقتضي للتحريم الاعتكاف فيهما ، ولا نعلم فيه خلافاً.

ويجوز أن يلامس بغير شهوة بالإِجماع ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان يلامس بعض نسائه في الاعتكاف(٢) .

مسألة ١٨١ : القُبْلة حرام يبطل بها الاعتكاف‌ ، وكذا اللمس بشهوة والجماع في غير الفرجين ؛ لقوله تعالى( وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ ) (٣) وهو عام في كلّ مباشرة ، وبه قال مالك(٤) .

وقال أبو حنيفة : إن أنزل ، أفسد اعتكافه ، وإن لم ينزل ، لم يفسد‌

____________________

(١) المبسوط للسرخسي ٣ : ١٢٣ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٣٣ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٢٢٦ ، بداية المجتهد ١ : ٣١٦ ، المغني ٣ : ١٣٩ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥٥ ، المجموع ٦ : ٥٢٧ ، فتح العزيز ٦ : ٤٨١ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢٥.

(٢) كما في المعتبر للمحقّق الحلّي : ٣٢٥ ، وراجع : صحيح البخاري ٣ : ٦٢ ، سنن أبي داود ٢ : ٣٣٢ - ٣٣٣ / ٢٤٦٧ - ٢٤٦٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٦٥ / ١٧٧٨ ، سنن الترمذي ٣ : ١٦٧ / ٨٠٤.

(٣) البقرة : ١٨٧.

(٤) بداية المجتهد ١ : ٣١٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢٦ ، المجموع ٦ : ٥٢٧ ، فتح العزيز ٦ : ٤٨٢ ، المغني ٣ : ١٤٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥٧.

٢٥٥

- وللشافعي كالقولين(١) - لأنّه لا يفسد الصوم فلا يفسد الاعتكاف ، كما لو كان بغير شهوة(٢) .

والفرق : أنّ هذه المباشرة لم تحرم في الصوم لعينها ، بل إذا خاف الإِنزال ، وأمّا في الاعتكاف فإنّها محرّمة لعينها - كما ذهب إليه أبو حنيفة في وطء الساهي(٣) - فلا يفسد الصوم ويفسد الاعتكاف.

فروع :

أ - لا فرق في تحريم الجماع بين أن يجامع في المسجد أو خارجه ؛ لعموم الآية(٤) .

والتقييد بالفيئية(٥) في المساجد راجع إلى الاعتكاف لا المباشرة.

ب - لا فرق بين جماع وجماع.

وروى المزني عن الشافعي أنّه لا يفسد الاعتكاف من الوطء إلّا ما يوجب الحدّ(٦) .

قال الجويني : قضية هذا أنّه لا يفسد بإتيان البهيمة إذا لم يوجب به الحدّ(٧) .

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ٢٠١ ، المجموع ٦ : ٥٢٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤٨٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢٦ ، المغني ٣ : ١٤٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥٧.

(٢ و ٣ ) المبسوط للسرخسي ٣ : ١٢٣ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٣٣ ، المغني ٣ : ١٤١ - ١٤٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥٧ ، المجموع ٦ : ٥٢٧ ، فتح العزيز ٦ : ٤٨٢ ، بداية المجتهد ١ : ٣١٦.

(٤) البقرة : ١٨٧.

(٥) ورد في هامش نسخة « ن » هكذا : أي تقييده تعالى في الآية بقوله :( فِي الْمَساجِدِ ) فالياء في « بالفيئية » ياء النسبة كالياء في « زيدي ».

(٦) مختصر المزني : ٦١ ، المجموع ٦ : ٥٢٤ ، فتح العزيز ٦ : ٤٨٢.

(٧) فتح العزيز ٦ : ٤٨٢ ، المجموع ٦ : ٥٢٤ - ٥٢٥.

٢٥٦

ج - قد بيّنّا(١) أنّ القُبْلة بشهوة واللمس كذلك متعمّداً مُفْسدان للاعتكاف‌ - خلافاً(٢) لأحد قولي الشافعي(٣) - لأنّها مباشرة محرّمة في الاعتكاف ، فأشبهت الجماع.

والثاني(٤) : لأنّها مباشرة لا تبطل الحج فلا تبطل الاعتكاف ، كالقبلة بغير شهوة(٥) .

وما موضع القولين؟ للشافعية ثلاث طرق :

أحدها : أنّ القولين فيما إذا أنزل ، فأمّا إذا لم ينزل لم يبطل الاعتكاف بلا خلاف ، كالصوم.

وثانيها : أنّ القولين فيما إذا لم ينزل ، أمّا إذا أنزل بطل اعتكافه بلا خلاف ؛ لخروجه عن أهلية الاعتكاف بالجنابة.

وثالثها - وهو الأظهر عندهم - : طرد القولين في الحالين.

والفرق على أحد القولين فيما إذا لم ينزل بين الاعتكاف والصوم : أنّ هذه الاستمتاعات في الاعتكاف محرّمة لعينها ، وفي الصوم ليست محرّمةً لعينها ، بل لخوف الإِنزال ، ولهذا يترخّص فيها إذا أمن أن لا تُحرّك القُبْلة شهوَته.

فحصل من هذا للشافعي ثلاثة أقوال :

أحدها : أنّها لا تفسد الاعتكاف ، أنزل أو لم ينزل.

____________________

(١) في « ط ، ف » : ثبت. بدل بيّنّا.

(٢) كذا في النسخ المعتمدة في التحقيق وفي الطبعة الحجرية. والصحيح : وفاقاً ؛ لتستقيم العبارة.

(٣) فتح العزيز ٦ : ٤٨٢ ، المجموع ٦ : ٥٢٥.

(٤) أي : القول الثاني للشافعي ، وهو : عدم الإِفساد.

(٥) فتح العزيز ٦ : ٤٨٢ ، المجموع ٦ : ٥٢٥.

٢٥٧

والثاني : تفسده ، أنزل أو لم ينزل ، وبه قال مالك(١) .

والثالث - وبه قال أبو حنيفة(٢) - أنّ ما أنزل منها أفسد الاعتكاف ، وما لا فلا(٣) .

د - الاستمناء باليد حرام مُبْطل للاعتكاف إذا وقع نهاراً قطعاً ؛ لإِفساده الصوم.

وبالجملة استدعاء المني مطلقاً نهاراً وليلاً حرام.

وعند أكثر(٤) الشافعية أنّ الاستمناء باليد مرتّب على ما إذا لمس فأنزل ، إن قلنا : إنّه لا يبطل الاعتكاف فهذا أولى ، وإن قلنا : إنّه يبطله فوجهان.

والفرق : كمال الاستمتاع والالتذاذ ثَمَّ باصطكاك السوأتين(٥) .

ه- يجوز للمعتكف أن يُقبِّل على سبيل الشفقة والإِكرام ، ولا بأس أن يلمس بغير شهوة.

مسألة ١٨٢ : يحرم على المعتكف البيع والشراء‌ - وبه قال مالك وأحمد(٦) - لما رواه العامة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، نهى عن البيع والشراء في المسجد(٧) .

ومن طريق الخاصة : قول الباقرعليه‌السلام : « المعتكف لا يشمّ‌

____________________

(١) بداية المجتهد ١ : ٣١٦ ، المغني ٣ : ١٤٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥٧ ، فتح العزيز ٦ : ٤٨٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢٦.

(٢) الهداية للمرغيناني ١ : ١٣٣ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ١٢٣ ، بداية المجتهد ١ : ٣١٦ ، المغني ٣ : ١٤١ - ١٤٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥٧ ، فتح العزيز ٦ : ٤٨٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢٦.

(٣) فتح العزيز ٦ : ٤٨٢ ، المجموع ٦ : ٥٢٥ - ٥٢٦.

(٤) وفي المصادر : عند البغوي والرافعي.

(٥) فتح العزيز ٦ : ٤٨٢ - ٤٨٣ ، المجموع ٦ : ٥٢٦.

(٦) التفريع ١ : ٣١٤ ، المغني ٣ : ١٤٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥٩.

(٧) سنن الترمذي ٢ : ١٣٩ / ٣٢٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٤٧ / ٧٤٩ ، سنن النسائي ٢ : ٤٧ - ٤٨.

٢٥٨

الطيب ، ولا يتلذّذ بالريحان ، ولا يماري ، ولا يشتري ، ولا يبيع »(١) .

ولأنّ الاعتكاف لبث للعبادة ، فينافي ما غايرها.

وللشافعي قولان : أحدهما : الجواز - وبه قال أبو حنيفة(٢) - للأصل ، والثاني: الكراهة(٣) .

والأصل يُعْدَلً عنه ، للدليل ، وقد بيّنّاه.

إذا عرفت هذا ، فلو باع أو اشترى فَعَل مُحرَّماً ، ولم يبطل البيع ؛ للأصل.

وقال الشيخ : يبطل ؛ للنهي(٤) .

وليس بجيّد ؛ لأنّه في المعاملات لا يدلّ على الفساد.

وينبغي المنع من كلّ ما يساوي البيع ممّا يقتضي الاشتغال ، كالإِجارة وشبهها.

قال السيد المرتضىرحمه‌الله : تحرم التجارة والبيع والشراء(٥) . والتجارة أعمّ.

ولا بأس بشراء ما يحتاج إليه ، كشراء غذائه ومائه وقميصه الذي يستتر به ويبيع شيئاً يشتري به قوته ؛ للضرورة.

وكذا الأقرب : تحريم الصنائع المـُشْغلة عن العبادة ، كالحياكة والخياطة وأشباهها ، إلّا ما لا بدّ له منه ؛ لأنّه يجري مجرى الاشتغال بلبس‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ١٧٧ - ١٧٨ / ٤ ، التهذيب ٤ : ٢٨٨ / ٨٧٢ ، الاستبصار ٢ : ١٢٩ / ٤٢٠ ، والفقيه ٢ : ١٢١ / ٥٢٧.

(٢) الهداية للمرغيناني ١ : ١٣٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ١١٦ ، المجموع ٦ : ٥٣٥.

(٣) المجموع ٦ : ٥٢٩ و ٥٣٠ و ٥٣٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤٨٣ ، المغني ٣ : ١٤٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥٩.

(٤) المبسوط للطوسي ١ : ٢٩٥.

(٥) الانتصار : ٧٤.

٢٥٩

قميصه وعمامته.

نعم يجوز له النظر في أمر معاشه وصنعته ، ويتحدّث ما شاء من المباح ، ويأكل الطيّبات.

مسألة ١٨٣ : يحرم على المعتكف المماراة‌ ؛ لقول الباقرعليه‌السلام : « ولا يماري »(١) .

وكذا يحرم عليه الكلام الفحش. ولا بأس بالحديث حالة الاعتكاف بإجماع العلماء ، لما في منعه من الضرر.

ويحرم الصمت ؛ لما تقدّم(٢) من أنّ صوم الصمت حرام في شرعنا.

وقد روى العامّة عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنّه قال : « حفظت عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : لا صُمات يومٍ إلى الليل »(٣) .

ونهى [ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ](٤) عن صوم الصمت(٥) .

فإن نذر الصمت في اعتكافه ، لم ينعقد بالإِجماع.

قال ابن عباس : بينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يخطب إذا هو برجل قائم ، فسأل عنه ، فقالوا : أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس ولا يقعد ولا يستظلّ ولا يتكلّم ويصوم ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( مره فليتكلّم وليستظلّ ويقعد وليتمّ صومه )(٦) .

ولأنّه نذر في معصية فلا ينعقد. وانضمامه إلى الاعتكاف لا يخرج به عن كونه بدعةً.

____________________

(١) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في الهامش (١) من الصفحة السابقة.

(٢) تقدّم في المسألة ١٤٧.

(٣) سنن أبي داود ٣ : ١١٥ / ٢٨٧٣.

(٤) زيادة من المصدر.

(٥) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ١٤٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦٠.

(٦) صحيح البخاري ٨ : ١٧٨.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333