تذكرة الفقهاء الجزء ٦

تذكرة الفقهاء5%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-46-9
الصفحات: 333

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 333 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 228553 / تحميل: 5433
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٦

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٤٦-٩
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

قيل : لا يجوز أن يجعل القرآن بدلاً من كلامه ، وقد جاء : ( لا يُناظر(١) بكلام الله ) وهو أن لا يتكلّم عند الشي‌ء بالقرآن ، كما يقال لمن جاء في وقته :( جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى ) (٢) وما شابهه ؛ لأنّ احترام القرآن ينافي ذلك وقد استعمله في غير ما هو له ، فأشبه استعمال المصحف في التوسّد(٣) .

ويستحب دراسة القرآن والبحث في العلم والمجادلة فيه ودراسته وتعليمه وتعلّمه في الاعتكاف ، بل هو أفضل من الصلاة المندوبة - وبه قال الشافعي(٤) - لما فيه من القربة والطاعة.

وقال أحمد : لا يستحب له إقراء القرآن ولا دراسة العلم ، بل التشاغل بذكر الله والتسبيح والصلاة أفضل ؛ لأنّ الاعتكاف عبادة شُرّع لها المسجد ، فلا يستحب فيها إقراء القرآن وتدريس العلم ، كالصلاة والطواف(٥) .

والفرق : أنّ الصلاة شرّع [ لها ](٦) أذكار مخصوصة وخشوع ، واشتغاله بالعلم يقطعه عنها ، والطواف لا يكره فيه إقراء القرآن ولا تدريس العلم.

ولأنّ العلم أفضل العبادات ، ونفعه متعدٍّ(٧) ، فكان أولى من الصلاة.

مسألة ١٨٤ : وفي تحريم شم الطيب لعلمائنا قولان : أحدهما : التحريم ، وهو الأقوى ؛ لقول الباقرعليه‌السلام :

____________________

(١) في المصدر : لا تناظروا.

(٢) طه : ٤٠.

(٣) القائل هو ابنا قدامة في المغني ٣ : ١٤٨ ، والشرح الكبير ٣ : ١٦١.

(٤) المجموع ٦ : ٥٢٨ ، فتح العزيز ٦ : ٤٨٤ ، المغني ٣ : ١٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦١.

(٥) المغني ٣ : ١٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦١ ، المجموع ٦ : ٥٢٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦١.

(٦) زيادة يقتضيها السياق.

(٧) في « ط » : متعدّد.

٢٦١

« المعتكف لا يشمّ الطيب ولا يتلذّذ بالريحان »(١) .

ولأنّ الاعتكاف عبادة تختص مكاناً ، فكان ترك الطيب فيها مشروعاً ، كالحجّ.

والثاني : الكراهة - وبه قال أحمد(٢) - عملاً بأصالة الإِباحة.

والشافعي(٣) نفى الكراهة والتحريم معاً ؛ للأصل.

وليس بجيّد ؛ لأنّ الاعتماد على الرواية.

مسألة ١٨٥ : كلّ ما يبطل الصوم يبطل الاعتكاف‌ ، وهو ظاهر عندنا ؛ لأنّ الاعتكاف مشروط بالصوم ، فإذا بطل الشرط بطل المشروط.

وكلّ ما ذكرنا أنّه مُحرَّم على المعتكف نهاراً ، فإنّه يحرم ليلاً ، عدا الأكل والشرب ؛ فإنّهما يحرمان نهاراً لا ليلاً.

قال الشيخرحمه‌الله : السكر يفسد الاعتكاف ، والارتداد لا يفسده ، فإذا عاد بنى(٤) .

والوجه : الإِفساد بالارتداد.

وقال الشيخ أيضاً : لا يفسد الاعتكاف سباب ولا جدال ولا خصومة(٥) .

ولا بأس به ؛ لأنّها غير مفسدة للصوم ، فلا تفسد الاعتكاف.

وهل يبطل الاعتكاف بالبيع والشراء؟ قيل : نعم ؛ لأنّه منهي عنهما في‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ١٧٧ - ١٧٨ / ٤ ، الفقيه ٢ : ١٢١ / ٥٢٧ ، التهذيب ٤ : ٢٨٨ / ٨٧٢ ، الاستبصار ٢ : ١٢٩ / ٤٢٠.

(٢) حلية العلماء ٣ : ٢٢٦ ، وراجع : المغني ٣ : ١٤٩ ، والشرح الكبير ٣ : ١٦٢ ، والمجموع ٦ : ٥٢٨ ، وفتح العزيز ٦ : ٤٨٣.

(٣) المهذّب للشيرازي ١ : ٢٠١ ، المجموع ٦ : ٥٢٨ و ٥٣٦ ، فتح العزيز ٦ : ٤٨٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢٦.

(٤) المبسوط للطوسي ١ : ٢٩٤.

(٥) المبسوط للطوسي ١ : ٢٩٥.

٢٦٢

هذه العبادة(١) .

وقيل : يأثم ولا يبطل الاعتكاف بهما(٢) .

مسألة ١٨٦ : قال بعض علمائنا : يحرم على المعتكف ما يحرم على المحرم(٣) .

وليس المراد بذلك العموم ؛ لأنّه لا يحرم عليه لبس المخيط إجماعاً ، ولا إزالة الشعر ، ولا أكل الصيد ، ولا عقد النكاح ، فله أن يتزوّج في المسجد ويشهد على العقد ؛ لأنّ النكاح طاعة ، وحضوره مندوب ، ومدّته لا تتطاول ، فيتشاغل به عن الاعتكاف ، فلم يكن مكروهاً ، كتسميت العاطس وردّ السلام. ويجوز له قصّ الشارب وحلق الرأس والأخذ من الأظفار ، ولا نعلم فيه خلافاً.

مسألة ١٨٧ : يجوز للمعتكف أن يتزيّن برفيع الثياب‌ - وبه قال الشافعي(٤) - عملاً بالأصل.

ولقوله تعالى( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ ) (٥) .

وقال أحمد : يستحب ترك التزيّن برفيع الثياب(٦) . وليس بجيّد.

ويجوز له أن يأمر بإصلاح معاشه وبتعهّد متاعه ، وأن يخيط ويكتب وما أشبه ذلك إذا اضطرّ إليه.

أمّا إذا لم يضطرّ فإنّه لا يجوز ، خلافاً للشافعية(٧) .

____________________

(١ و ٢ ) كما في شرائع الإِسلام ١ : ٢٢٠.

(٣) كما في المعتبر : ٣٢٥ نقلاً عن الشيخرحمه‌الله .

(٤) المجموع ٦ : ٥٢٨ ، فتح العزيز ٦ : ٤٨٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢٦.

(٥) الأعراف : ٣٢.

(٦) المغني ٣ : ١٤٩ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦٢ ، المجموع ٦ : ٥٢٨ ، فتح العزيز ٦ : ٤٨٣ حلية العلماء ٣ : ٢٢٦.

(٧) فتح العزيز ٦ : ٤٨٣ ، المجموع ٦ : ٥٢٩ ، المغني ٣ : ١٤٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥٩.

٢٦٣

وقال مالك : إذا قعد في المسجد واشتغل بحرفته ، بطل اعتكافه(١) . وهو كما قلناه.

ونُقل عن الشافعي في القديم مثله في الاعتكاف المنذور(٢) . ورواه بعضهم في مطلق الاعتكاف(٣) .

والمشهور عند الشافعية : الجواز مطلقاً ؛ لأنّ ما لا يبطل قليله الاعتكاف لا يبطل كثيره ، كسائر الأفعال(٤) . وهو ممنوع.

مسألة ١٨٨ : يجوز له الأكل في المسجد‌ ؛ للحاجة إليه ، وللأصل ، ولأنّه مأمور باللبث فيه، والأكل بدون الاعتكاف جائز في المسجد ، فمعه أولى ، لكن ينبغي أن يبسط سفرة وشبهها؛ لأنّه أبلغ في تنظيف المسجد.

وله غسل يده فيه ، لكن ينبغي أن يكون ماء الغسالة في طست وشبهه ؛ حذراً من ابتلال المسجد فيمنع غيره من الصلاة فيه والجلوس.

ولأنّه قد يستقذر ، فينبغي صيانة المسجد عنه.

وله أن يرشّ المسجد بالماء المطلق لا المستعمل إذا استقذرته النفس وإن كان طاهراً ؛ لأنّ النفس قد تَعافُهُ(٥) .

وكذا يجوز الفصد والحجامة في المسجد إذا لم يتلوّث ، والأولى الاحتراز عنه.

ولا يجوز أن يبول في المسجد في آنية - خلافاً للشافعية في بعض أقوالهم(٦) - لما فيه من القبح والاستهانة بالمسجد ، واللائق تعظيم المساجد وتنزيهها ، بخلاف الفصد والحجامة ، ولهذا لا يمنع من استقبال القبلة واستدبارها حالة الفصد والحجامة ، ويمنع منه حالة البول.

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٤٨٤ ، التفريع ١ : ٣١٤.

(٢ - ٤ ) فتح العزيز ٦ : ٤٨٣ و ٤٨٤.

(٥) عاف الشي‌ء يَعافُهُ : كرهه. لسان العرب ٩ : ٢٦٠.

(٦) حلية العلماء ٣ : ٢٢٦ ، المجموع ٦ : ٥٣٣.

٢٦٤

ولأنّ المساجد لم تُبْنَ لهذا ، وهو ممّا يستخفى(١) به ، فوجب صيانة المسجد عنه ، كما لو أراد أن يبول في أرضه ثم يغسله.

وقال بعض الحنابلة : يُمنع من الفصد والحجامة فيه ؛ لأنّه إراقة نجاسة في المسجد ، فلم يجز ، كما لو أراد أن يبول في أرضه ثم يغسله.

ولو دعت الحاجة الشديدة إليه ، خرج من المسجد وفَعَله ، وإن استغنى عنه ، لم يكن له الخروج الذي يمكن احتماله(٢) .

والوجه : جوازه ؛ لأنّ المستحاضة يجوز لها الاعتكاف ، ويكون تحتها شي‌ء يقع فيه الدم.

قالت عائشة : اعتكفَتْ مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، امرأة من أزواجه مستحاضة ، فكانت ترى الحمرة والصفرة ، وربما وَضَعْنا الطست تحتها وهي تصلّي(٣) .

مسألة ١٨٩ : السكر والردّة إن قارنا ابتداء الاعتكاف ، منعا صحّته‌ ؛ إذ لانيّة لهما. وكذا الإِغماء والجنون.

ولو ارتدّ في أثناء الاعتكاف ، فالوجه عندي بطلان الاعتكاف ؛ خلافاً للشيخ(٤) .

وقال الشافعي في الاُمّ : إنّه لا يبطل اعتكافه ، بل يبني إذا عاد إلى الإِسلام(٥) .

____________________

(١) في « ط ، ف » والطبعة الحجرية : يستخف.

(٢) المغني ٣ : ١٥٠ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦٣.

(٣) صحيح البخاري ٣ : ٦٤ - ٦٥ ، سنن أبي داود ٢ : ٣٣٤ / ٢٤٧٦ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٢٣.

(٤) المبسوط للطوسي ١ : ٢٩٤.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ٢٠٠ ، المجموع ٦ : ٥١٨ ، فتح العزيز ٦ : ٤٩٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢٤ ، وفي الجميع نقلاً عن الاُم.

٢٦٥

وقال : لو سكر في اعتكافه ثم أفاق ، استأنف(١) . وهذا حكم ببطلان الاعتكاف.

ولأصحابه طريقان :

أحدهما : تقرير القولين.

والفرق : أنّ السكران ممنوع من المسجد ؛ لقوله تعالى( لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى ) (٢) أي موضع الصلاة ، فإذا شرب المسكر وسكر ، فقد أخرج نفسه عن أهلية اللبث في المسجد ، فينزّل ذلك منزلة خروجه منه ، والمرتدّ غير ممنوع من المسجد ، بل يجوز استدامته(٣) فيه ، وتمكينه من الدخول لاستماع القرآن ونحوه ، فلم يجعل الارتداد متضمّناً بطلان الاعتكاف.

والثاني : التسوية بين الردّة والسكر ، وفي كيفيتها طريقان :

أحدهما : أنّهما على قولين :

أحدهما : أنّهما لا يبطلان الاعتكاف.

أمّا الردّة : فلما سبق.

وأمّا السكر : فلأنّه ليس فيه إلّا تناول محرّم ، وذلك لا ينافي الاعتكاف.

والثاني : أنّهما يبطلان.

أمّا السكر : فلما سبق.

وأمّا الردّة : فلخروج المرتدّ عن أهلية العبادة.

والأصحّ عندهم : الجزم في الصورتين ، وفي كيفيته طُرق :

أحدها : أنّه لا يبطل الاعتكاف بواحد منهما. وكلام الشافعي في‌

____________________

(١) الاُم ٢ : ١٠٦ ، والمجموع ٦ : ٥١٨ ، وفتح العزيز ٦ : ٤٩٤.

(٢) النساء : ٤٣.

(٣) في المصدر : استتابته.

٢٦٦

السكر محمول على ما إذا خرج من المسجد أو اُخرج لإِقامة الحدّ عليه.

وثانيها : أنّ السكر يبطله ؛ لامتداد زمانه ، والردّة كذلك إن طال زمانها.

وثالثها : أنّ الردّة تُبطل ؛ لأنّها تفوّت شرط العبادة ، والسكر لا يُبطله ، كالنوم والإِغماء.

ورابعها : أنّهما جميعاً مُبطلان ؛ فإنّ كلّ واحد منهما أشدّ من الخروج من المسجد ، فإذا كان ذلك مُبطلاً للاعتكاف ففيهما أولى.

وقوله(١) في الردّة مفروض فيما إذا لم يكن اعتكافه متتابعاً ، فإذا عاد إلى الإِسلام بنى على ما مضى ؛ لأنّ الردّة لا تُحبط العبادات السابقة.

وقوله(٢) في السكر مفروض في الاعتكاف المتتابع(٣) .

وهذا كلّه عندنا باطل ؛ لأنّ المرتدّ لا يمكّن من الدخول إلى المسجد ، وأنه مُنافٍ للعبادة ، وكذا السكر.

إذا عرفت هذا ، فالمفهوم من كلام الشافعي أنّ زمان الردّة والسكر لا اعتكاف فيه ؛ فإنّ الكلام في أنه يبني أو يستأنف إنّما ينتظم عند حصول الاختلال في الحال(٤) . والمشهور عند أصحابنا(٥) أنّ زمان الردّة غير محسوب من الاعتكاف ؛ إذ ليس للمرتدّ أهلية العبادة ، وأمّا زمان السكر ففي احتسابه لهم وجهان(٦) .

مسألة ١٩٠ : إذا عرض الجنون أو الإِغماء في أثناء الاعتكاف ، بطل اعتكافه‌ ؛ لفساد الشرط ، وخروجه عن أهلية العبادة ، سواء اُخرجا من‌

____________________

(١ و ٢) أي : قول الشافعي.

(٣) فتح العزيز ٦ : ٤٩٤ - ٤٩٧ ، المجموع ٦ : ٥١٨ - ٥١٩.

(٤) فتح العزيز ٦ : ٤٩٧ - ٤٩٨.

(٥) كذا ، والظاهر أنّ الصحيح : أصحابه. أي : أصحاب الشافعي.

(٦) فتح العزيز ٦ : ٤٩٨ ، المجموع ٦ : ٥١٩.

٢٦٧

المسجد أو لا.

وقال الشافعي : إن لم يخرج من المسجد لم يبطل اعتكافه ؛ لأنّه معذور فيما عرض ، وإن اُخرج نظر ، فإن لم يمكن حفظه في المسجد ، فكذلك ؛ لأنّه لم يحصل الخروج باختياره ، فأشبه ما لو حُمل العاقل واُخرج مُكرَهاً ، وإن أمكن ذلك ، ففيه خلاف مخرَّج ممّا لو أغمي على الصائم(١) .

ولا تُحسب أيّام الجنون من الاعتكاف ؛ لأنّ العبادات البدنية لا تصحّ من المجنون.

وفي زمان الإِغماء للشافعية خلاف(٢) . وعندنا أنّه لا يحسب.

مسألة ١٩١ : الجنابة والحيض مانعان من الاعتكاف ابتداءً‌ - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّهما ممنوعان من اللبث في المساجد. قال الله تعالى :( وَلا جُنُباً إِلّا عابِرِي سَبِيلٍ ) (٤) وإذا مُنعا من اللبث مُنعا من الاعتكاف ؛ لأنّه أخصّ منه.

وإذا طرأ الحيض على المعتكفة ، وجب عليها الخروج من المسجد ، فإن لبثت فيه لم يُحسب من الاعتكاف ؛ لأنّه منهي عنه ، والنهي في العبادات يدلّ على الفساد.

ولأنّ الصوم شرط في الاعتكاف عندنا والحيض لا يجامعه ، ومنافي الشرط منافٍ للمشروط.

ولو طرأت الجنابة ، فإن كان ممّا يُبطل الاعتكاف أو الصوم ، بطل الاعتكاف قطعاً ، وإن طرأت بما لا يُبطله ، كالاحتلام والجماع ناسياً ، وجب عليه أن يبادر إلى الغسل ؛ لئلّا يبطل اعتكافه ، فإن لم يمكنه الغسل ، فهو‌

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٤٩٨ ، المجموع ٦ : ٥١٧.

(٢) فتح العزيز ٦ : ٤٩٩ ، المجموع ٦ : ٥١٧.

(٣) فتح العزيز ٦ : ٤٩٢ ، الوجيز ١ : ١٠٦ ، المجموع ٦ : ٤٧٦.

(٤) النساء : ٤٣.

٢٦٨

مضطر إلى الخروج ، وإن أمكنه ، عُذر في الخروج أيضاً ، ولا يكلّف الغسل في المسجد ؛ لأنّ الخروج أولى ، لما فيه من صيانة حرمة المسجد.

واعلم أنّ الجنابة الطارئة إذا لم تقتض بطلان الاعتكاف ، وبادَرَ إلى الاغتسال ، احتسب زمانها من الاعتكاف ، كما في وقت الخروج لقضاء الحاجة ، وإن أهمل ، بطل الاعتكاف من حين الإِهمال ، وقبله يُحسب من زمان الاعتكاف.

وللشافعية في احتساب زمان الجنابة من الاعتكاف مطلقاً وجهان(١) .

المطلب الرابع : في نذر الاعتكاف‌

مسألة ١٩٢ : قد بيّنّا أنّ الاعتكاف عبادة مستحبة في أصلها‌ غير واجبة وإنّما يجب بالنذر أو شبهه ، كاليمين والعهد ، فإذا نذر الاعتكاف ، وجب عليه.

ثمّ إمّا أن يُطلق أو يُعيّن ، والتعيين إمّا أن يحصل بوصف الفعل أو بخارج عنه ، كالمكان أو الزمان.

فإن أطلق ، وجب عليهاعتكاف ثلاثة أيام ، إذ لا يصحّ الاعتكاف أقلّ منها عند علمائنا أجمع ، ويتخيّر في أيّ وقت شاء - ممّا يصحّ صومه - أوقعه فيه.

ويجب أن يكون صائماً هذه الأيام الثلاثة ؛ لأنّ الاعتكاف عندنا لا يصحّ إلّا بالصوم ، وما لا يتمّ الواجب إلّا به يكون واجباً. ويتخيّر أيضاً في أحد المساجد الأربعة أيّها شاء اعتكف فيه.

مسألة ١٩٣ : قد بيّنّا أنّ الصوم شرط في الاعتكاف‌ ، فلو نذر اعتكاف أيام لا يجب فيها الصوم ، وجب صومها عندنا وإن لم ينذر الصوم.

____________________

(١) المجموع ٦ : ٥٢٦ ، فتح العزيز ٦ : ٥٠٠.

٢٦٩

ولو نذر اعتكاف أيام يجب فيها الصوم ، كرمضان والنذر المعيّن ، أجزأ.

ومَنْ لم يشترط الصوم فيه من العامة إذا نذر الاعتكاف ، لم يجب الصوم.

ولو نذر أن يعتكف أياماً هو فيها صائم ، لزم الاعتكاف في أيام الصوم ، ووجب عليه الصوم إجماعاً ؛ لأنّ الاعتكاف بالصوم أفضل وإن لم يكن مشروطاً به ، فإذا التزمهم بالشرط ، لزم ، كما لو التزم التتابع فيه ، وليس له في هذه الصورة إفراد أحدهما عن الآخر إجماعاً.

ولو اعتكف في رمضان ، أجزأه ؛ لأنّه لم يلتزم بهذا النذر صوماً ، وإنّما نذر الاعتكاف على صفة وقد وُجِدَتْ.

ولو نذر أن يعتكف صائماً أو يعتكف بصوم ، لزمه الاعتكاف والصوم جميعاً بهذا النذر ، ولزمه الجمع بينهما عندنا.

وللشافعية وجهان :

أحدهما : أنّه لا يجب الجمع ؛ لأنّهما عبادتان مختلفتان ، فأشبه ما إذا نذر أن يصلّي صائماً.

وأصحّهما - وهو قول الشافعي في الاُم - : أنّه يجب ؛ لما تقدم من أنّ الاعتكاف بالصوم أفضل(١) .

ولو شرع في الاعتكاف صائماً ثم أفطر ، لزمه استئناف الصوم والاعتكاف عند الشافعية على الوجه الثاني ، ويكفيه استئناف الصوم على الأول(٢) .

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٨ ، المجموع وفتح العزيز ٦ : ٤٨٥ - ٤٨٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٩.

(٢) المجموع وفتح العزيز ٦ : ٤٨٦.

٢٧٠

ولو نذر اعتكاف أيام وليال متتابعة صائماً وجامع ليلاً ، ففيه للشافعية هذان الوجهان(١) .

ولو اعتكف عن نذره في رمضان ، أجزأه عن الاعتكاف في الوجه الأول ، وعليه الصوم ، وعلى الثاني لا يجوز الاعتكاف أيضاً(٢) .

ولو نذر أن يصوم معتكفاً ، انعقد نذره عندنا ؛ لأنّها عبادة منذورة فلزمته.

وللشافعية طريقان ، أظهرهما : طرد الوجهين. والثاني : القطع بأنّه لا يجب الجمع.

والفرق : أنّ الاعتكاف لا يصلح وصفاً للصوم والصوم يصلح وصفاً للاعتكاف ، فإنّه من مندوباته(٣) .

ولو نذر أن يعتكف مصلّياً أو يصلّي معتكفاً ، لزمه الصلاة والاعتكاف ، ويلزمه الجمع عندنا.

وللشافعية طريقان :

أحدهما : طرد الوجهين في لزوم الجمع.

وأصحّهما عندهم : القطع بأنّه لا يجب.

والفرق : أنّ الصوم والاعتكاف متقاربان ، فإنّ كلّ واحد منهما كفٌّ وإمساك ، والصلاة أفعال مباشرة لا مناسبة بينها وبين الاعتكاف(٤) .

ويُخرَّج على هذين الطريقين : ما لو نذر أن يعتكف مُحْرماً ، فإن لم نوجب الجمع بين الاعتكاف والصلاة ، فالقدر الذي يلزمه من الصلاة هو القدر الذي يلزمه لو أفرد الصلاة بالنذر ، وإن أوجبنا الجمع ، لزمه ذلك القدر في يوم‌

____________________

(١ و ٢) المجموع وفتح العزيز ٦ : ٤٨٦.

(٣) فتح العزيز ٦ : ٤٨٦ - ٤٨٧ ، المجموع ٦ : ٤٨٦.

(٤) المجموع ٦ : ٤٨٦ ، الوجيز ١ : ١٠٦ ، فتح العزيز ٦ : ٤٨٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٩.

٢٧١

اعتكافه ، ولا يلزمه استيعاب اليوم بالصلاة(١) .

وإن كان نذر اعتكاف أيام مصلّياً ، لزمه ذلك القدر كلّ يوم.

وقال بعضهم : ظاهر اللفظ يقتضي الاستيعاب ، فإنّه جعل كونه مصلّياً صفةً لاعتكافه(٢) .

وهذا هو الوجه عندي ؛ لأنّا لو تركنا هذا الظاهر ولم نعتبر تكرير القدر الواجب من الصلاة في كلّ يوم وليلة ، اكتفي به في جميع المدّة(٣) .

ولو نذر أن يصلّي صلاة يقرأ فيها سورة كذا ، لزم الجمع عندنا.

وللشافعية قولان ، أحدهما : أنّه على الخلاف(٤) .

مسألة ١٩٤ : كما أنّه ليس للعبد ولا للزوجة الابتداء بالاعتكاف المندوب إلّا بإذن السيد والزوج‌ ، كذلك ليس لهما نذر الاعتكاف إلّا بإذن المولى والزوج ، فإن نذر أحدهما ، لم ينعقد نذره.

وهل يقع باطلاً أو موقوفاً على الإِذن؟ إشكال ، أقربه : الثاني.

فإن أجازا نذرهما وأذنا في الشروع في الاعتكاف وكان الزمان معيّناً أو غير معيّن لكن شرطا التتابع ، لم يجز لهما الرجوع ، وإن لم يشترطا التتابع ، فالأقرب أنّ لهما الرجوع ، وهو أظهر وجهي الشافعية(٥) .

ولو نذرا بالإِذن ، فإن تعلّق بزمان معيّن ، فلهما الشروع فيه بغير إذن ، وإلّا لم يشرعا فيه إلّا بالإِذن ، وإذا شرعا بالإِذن ، لم يكن لهما المنع من‌

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٤٨٧ - ٤٨٨.

(٢) الرافعي في فتح العزيز ٦ : ٤٨٨ ، وكما في المجموع ٦ : ٤٨٧.

(٣) ورد في هامش « ط ، ن » : أي لو لم نعتبر التكرار في جميع أيام الاعتكاف ولياليه ، لاكتفي منه بمرّة واحدة في أول يوم منه.

قلت : وأيضاً كان يكتفي بإدخال ماهية الصلاة في العمر مرّة لو نذر اعتكاف عمره مصلّياً.

(٤) فتح العزيز ٦ : ٤٨٨ ، المجموع ٦ : ٤٨٧.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٧ ، المجموع ٦ : ٤٧٧ ، فتح العزيز ٦ : ٤٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٧.

٢٧٢

الإِتمام. وهو مبني على أنّ النذر المطلق إذا شرع فيه ، لزم إتمامه.

وفيه إشكال. وللشافعية خلاف(١) .

مسألة ١٩٥ : لو نذر الاعتكاف في المسجد الحرام ، تعيّن بالنذر‌ ، سواء عقد عليهما في نذر واحد أو أطلق نَذْرَ الاعتكاف ثم نذر تعيين المطلق فيه.

ولا خلاف في تعيين المسجد الحرام لو عيّنه بالنذر ؛ لما فيه من زيادة الفضل على غيره ، وتعلّق النُّسُك به.

وإن عيّن مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بالمدينة ، أو المسجد الأقصى ، تعيّن أيضاً عندنا - وبه قال أحمد والشافعي في أحد قوليه(٢) - لأنّه نذر في طاعة ، فينعقد ولا يجوز له حلّه.

ولقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( لا تُشدّ الرحال إلّا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا )(٣) فأشبها المسجد الحرام.

والثاني للشافعي : أنّه لا يتعيّن بالنذر ؛ لأنّه لا يتعلّق بهما نُسُك ، فأشبها سائر المساجد(٤) .

وليس بجيّد ؛ لأنّه لا يلزم من انتفاء تعلّق النُّسُك بهما مساواتهما لغيرهما من المساجد.

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٤٩٣ ، المجموع ٦ : ٤٧٨.

(٢) المغني ٣ : ١٦٠ و ١٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٣٣ و ١٣٤ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٩٧ ، المجموع ٦ : ٤٨١ - ٤٨٢ ، الوجيز ١ : ١٠٧ ، فتح العزيز ٦ : ٥٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٨.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ٧٦ ، صحيح مسلم ٢ : ١٠١٤ / ١٣٩٧ ، سنن أبي داود ٢ : ٢١٦ / ٢٠٣٣ ، سنن النسائي ٢ : ٣٨ - ٣٩.

(٤) المهذّب للشيرازي ١ : ١٩٧ ، المجموع ٦ : ٤٨١ - ٤٨٢ ، الوجيز ١ : ١٠٧ ، فتح العزيز ٦ : ٥٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٨ ، المغني ٣ : ١٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٣٤.

٢٧٣

ولو عيّن غير هذه المساجد بالنذر ، تعيّن عندنا ، لاشتماله على عبادة ، فانعقد نذره ، كغيره من العبادات.

وقال أحمد : لا يتعيّن بالنذر غير هذه المساجد الثلاثة ؛ لقولهعليه‌السلام : ( لا تُشدّ الرحال إلّا إلى ثلاثة مساجد )(١) .

ولو تعيّن غيرها بتعيينه ، لزمه المضيّ إليه ، واحتاج إلى شدّ الرحل لقضاء نذره فيه.

ولأنّ الله تعالى ، لم يعيّن لعبادته مكاناً فلم يتعيّن بتعيين غيره ، وإنّما تعيّنت هذه المساجد الثلاثة ؛ للخبر الوارد فيها.

ولأنّ العبادة فيها أفضل ، فإذا عيّن ما فيه فضيلة ، لزمه ، كأنواع العبادة(٢) . وهو أحد قولي الشافعي(٣) أيضاً.

وله قول آخر : إنّه لا يتعيّن المسجد الأقصى ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ( صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلّا المسجد الحرام )(٤) (٥) .

وهذا يدلّ على التسوية فيما عدا هذين المسجدين ؛ لأنّ المسجد الأقصى لو فُضّلت الصلاة فيه على غيره ، للزم أحد أمرين : إمّا خروجه من عموم هذا الحديث ، وإمّا كون فضيلته بألف مختصّاً بالمسجد الأقصى.

وليس بلازم ؛ فإنّه إذا فُضّل الفاضل بألف فقد فُضّل المفضول بها أيضاً.

وقد بيّنّا أنّ النذر عندنا يتعيّن به ما يعيّنه الناذر من المكان كالزمان ، والتعيين وإن كان بالنذر لكن لمـّا أوجب الله تعالى ، الوفاء بالنذر ، كان التعيين‌

____________________

(١) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في الصفحة السابقة الهامش (٣).

(٢ و ٣ ) المغني ٣ : ١٦٠ - ١٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٣٣ - ١٣٤.

(٤) صحيح مسلم ٢ : ١٠١٢ / ١٣٩٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٥٠ / ١٤٠٤.

(٥) المغني ٣ : ١٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٣٤.

٢٧٤

مستنداً إليه تعالى.

مسألة ١٩٦ : إذا نذر الاعتكاف في مسجد ، تعيّن ، وليس له العدول إلى مسجد أدون شرفاً.

وهل له العدول إلى مسجد أشرف؟ إشكال ، أقربه : الجواز.

فلو نذر أن يعتكف في المسجد الحرام ، لم يجز له أن يعتكف في غيره ؛ لأنّه أشرفها.

ولو نذر أن يعتكف في مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، جاز له أن يعتكف في المسجد الحرام ؛ لأنّه أفضل منه ، ولم يجز أن يعتكف في المسجد الأقصى ؛ لأنّ مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أفضل منه.

وقال قوم : إنّ مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أفضل من المسجد الحرام ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إنّما دُفن في خير البقاع ، وقد نقله الله تعالى من مكّة إلى المدينة ، فدلّ على أنّها أفضل(١) .

والمشهور : أنّ المسجد الحرام أفضل ، لقولهعليه‌السلام : ( صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلّا المسجد الحرام )(٢) .

وفي خبر آخر أنّه قالعليه‌السلام : ( صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه)(٣) فيدخل في عمومه مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فتكون الصلاة فيه أفضل من مائة ألف صلاة فيما سوى مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ولو نذر الاعتكاف في المسجد الأقصى ، جاز له أن يعتكف في المسجدين الآخرين ؛ لأنّهما أفضل منه.

وقد روى العامّة أنّ رجلاً جاء إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يوم الفتح‌

____________________

(١) كما في المغني ٣ : ١٦١ - ١٦٢ ، والشرح الكبير ٣ : ١٣٤.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ١٠١٢ / ١٣٩٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٥٠ / ١٤٠٤.

(٣) سنن ابن ماجة ١ : ٤٥١ / ١٤٠٦.

٢٧٥

والنبيعليه‌السلام في مجلس قريباً من المقام ، فسلّم على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم قال : يا نبي الله إنّي نذرت لئن فتح الله للنبي والمؤمنين مكّة لاُصلّينّ في بيت المقدس ، وإنّي وجدت رجلاً من أهل الشام ها هنا في قريش مُقبلاً معي ومُدبراً ؛ فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ها هنا فصلّ ) فقال الرجل قوله هذا ثلاث مرّات كلّ ذلك يقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ها هنا فصلّ ) ثم قال الرابعة مقالته هذه ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( اذهب فصلّ فيه ، فو الذي بعث محمّداً بالحقّ لو صلّيت ها هنا لقضي عنك ذلك كلّ صلاة في بيت المقدس )(١) .

مسألة ١٩٧ : قد بيّنّا أنّ الأقوى أنّ الاعتكاف إنّما يجوز في المسجد الحرام ومسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومسجد الكوفة ومسجد البصرة‌ ، فلو نذر أن يعتكف في غير هذه الأربعة لم يجز.

وعلى القول الآخر لعلمائنا بجواز الاعتكاف في غيرها لو نذر أن يعتكف في غيرها ، انعقد نذره ، وتعيّن ما عيّنه ، وهو أحد قولي الشافعي(٢) .

وعلى القول الآخر بعدم التعيين لو شرع في الاعتكاف في مسجد لم يكن له الخروج منه ، ولا الانتقال إلى مسجد آخر ، لكن لو كان ينتقل في خروجه لقضاء الحاجة إلى مسجد آخر على مثل تلك المسافة أو أقرب ، كان له ذلك في أصحّ وجهي الشافعية(٣) .

ولو أوجب على نفسه اعتكافاً في مسجد فانهدم ، اعتكف في موضع منه ، فإن لم يتمكّن ، خرج ، فإذا بُني المسجد ، رجع وبنى على اعتكافه.

ومَنْ لم يوجب التعيين بالنذر ، له أن يخرج إلى أين شاء من المساجد ليعتكف فيه.

____________________

(١) مسند أحمد ٥ : ٣٧٣.

(٢) فتح العزيز ٦ : ٥٠٤ - ٥٠٥ ، المجموع ٦ : ٤٨١.

(٣) فتح العزيز ٦ : ٥٠٧ ، المجموع ٦ : ٤٨٢.

٢٧٦

مسألة ١٩٨ : لو نذر أن يعتكف في زمان معيّن ، تعيّن عليه‌ حتى أنّه لا يجوز له التقديم عليه ولا التأخير(١) عنه(٢) ، فإن أخّر ، كان قضاءً ، وهو أصحّ وجهي الشافعية(٣) .

والثاني : لا يتعيّن الزمان بالتعيين ، كما لا يتعيّن في نذر الصلاة والصدقة(٤) .

والحكم في الأصل ممنوع.

والوجهان عندهم جاريان فيما إذا عيّن الزمان للصوم(٥) .

والحقّ عندنا أنّه يتعيّن أيضاً.

مسألة ١٩٩ : إذا نذر اعتكافاً مطلقاً‌ ، وجب عليه أن يعتكف ثلاثة أيام ؛ لأنّ الاعتكاف لا يصح في أقلّ من ثلاثة ، خلافاً للشافعي ؛ فإنّه جوّزه لحظةً ، ويبرأ بها من عُهدة النذر عنده ، لكن يستحب أن يعتكف يوماً(٦) .

وإن نذر الاعتكاف مدّةً من الزمان ، فإمّا أن يُطلق تلك المدّة أو يُعيّنها ، فإن أطلق تلك المدّة ، فإمّا أن يشترط فيها التتابع ، كأن يقول : لله عليَّ أن أعتكف ثلاثة أيام متتابعات ؛ أو لا يشترطه.

فإن شرطه ، لزم ؛ لأنه نذر في طاعة هي المسارعة إلى فعل الخير ، كما لو شرط التتابع في الصوم.

وإن لم يشترط التتابع ، لم يلزمه إلّا في ثلاثة ثلاثة ، فإذا نذر اعتكاف شهر أو عشرة أيام ، وجب عليه اعتكاف شهر بأن يعتكفه متتابعاً أو متفرّقاً ثلاثة ثلاثة ، ولا يجب عليه تتابع الشهر بأسره ، كما في الصوم ، لأنّه معنى يصح‌

____________________

(١) في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق وفي الطبعة الحجرية : التأخّر. وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٢) كلمة « عنه » لم ترد في النسخ الخطية.

(٥-٣) المجموع ٦ : ٤٨٢ ، فتح العزيز ٦ : ٥٠٧.

(٦) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٨ ، المجموع ٦ : ٤٩٠ ، فتح العزيز ٦ : ٤٨٠ - ٤٨١.

٢٧٧

فيه التفريق ، فلا يجب فيه التتابع بمطلق النذر ، كالصيام ، وهو أحد قولي الشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد(١) .

والثاني: أنّه يلزمه التتابع - وهو قول أبي حنيفة ومالك وأحمد في الرواية الاُخرى - لأنّه معنى يحصل في الليل والنهار ، فإذا أطلقه ، اقتضى التتابع ، كما لو حلف : لا يكلّم زيداً شهراً ، وكمدّة الإِيلاء والعدّة(٢) .

والوجه : الأول ؛ لأصالة براءة الذمة.

إذا عرفت هذا ، فإنّ التتابع وإن لم يلزمه إلّا في كلّ ثلاثة عندنا ، ولا يلزمه مطلقاً عند العامة ، فإنّ الأفضل التتابع ؛ لما فيه من المسابقة إلى فعل ما يوجب المغفرة.

ولو لم يتلفّظ بالتتابع في نذره ، لكن نواه في ضميره ، فإن قلنا : النذر ينعقد بالضمير ، لزمه ، وإلّا فلا.

ولو شرط في نذره التفريق ، لم يلزمه ، وخرج عن العهدة بالتتابع ؛ لأنّ الأولى التتابع ، فلا ينعقد نذر خلافه عندنا - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٣) - كما لو عيّن غير المسجد الحرام ، يخرج عن العهدة بالاعتكاف في المسجد الحرام.

مسألة ٢٠٠ : لو لم يقيّد بالتتابع ، جاز له التفريق عندنا ثلاثة ثلاثة‌.

وهل يجوز التفريق يوماً يوماً ، بأن يعتكف يوماً عن نذره ثم يضمّ إليه يومين مندوباً؟ الأقرب : الجواز ، كما لو نذر أن يعتكف يوماً وسكت عن الزيادة وعدمها ، فإنّه يجب عليه الإِتيان بذلك اليوم ، ويضمّ إليه يومين‌

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٥٠٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٩٨ ، المجموع ٦ : ٤٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢٠ ، المغني ٣ : ١٥٧ - ١٥٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٣٨.

(٢) المجموع ٦ : ٤٩٤ ، فتح العزيز ٦ : ٥٠٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ١١١ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ١١٩ ، بداية المجتهد ١ : ٣١٧ ، المدونة الكبرى ١ : ٢٣٤ ، المغني ٣ : ١٥٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٣٨.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٨ ، المجموع ٦ : ٤٩٣ ، فتح العزيز ٦ : ٥٠٨.

٢٧٨

آخرَيْن ، فحينئذٍ إذا نذر أن يعتكف ثلاثة أيام ، فاعتكف يوماً عن النذر ، وضمّ إليه آخرَيْن لا عَنْه ، بل تبرّع بهما ، ثم اعتكف يوماً آخر عن النذر ، وضمّ إليه آخرَيْن ثم اعتكف ثالثاً عن النذر وضمّ إليه آخرَيْن ، جاز ، سواء تابع التسعة أو فرّقها.

ولو نذر اعتكاف يوم ، لم يجز تفريق الساعات على الأيام ؛ لأنّ الاعتكاف يجب فيه الصوم ولا يصح صوم الساعة بمفردها - وهو أصحّ وجهي الشافعية(١) - لأنّ المفهوم من لفظ « اليوم » المتصل.

قال الخليل بن أحمد : إنّ اليوم اسم لما بين طلوع الفجر وغروب الشمس(٢) .

والثاني للشافعية : أنّه يجوز التفريق ؛ تنزيلاً للساعات من اليوم منزلة الأيام من الشهر(٣) .

ولو دخل المسجد في أثناء النهار ، وخرج بعد الغروب ثم عاد قبل طلوع الفجر ومكث إلى مثل ذلك الوقت ، فهو على هذين الوجهين(٤) .

ولو لم يخرج بالليل فعند أكثر الشافعية أنّه يجزئه ، سواء جوّزوا التفريق أو منعوه ، لحصول التواصل بالبيتوتة في المسجد.

وقال بعضهم : لا يجزئه ؛ تفريعاً على الوجه الأول ؛ لأنّه لم يأت بيوم متواصل الساعات ، والليلة ليست من اليوم ، فلا فرق بين أن يخرج فيها من المسجد أو لا يخرج(٥) .

____________________

(١) الوجيز ١ : ١٠٧ ، فتح العزيز ٦ : ٥٠٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٩٨ ، المجموع ٦ : ٤٩٤.

(٢) حكاه عنه النووي في المجموع ٦ : ٤٩٤ ، وكما في فتح العزيز للرافعي ٦ : ٥٠٨ ، وراجع : العين ٨ : ٤٣٣.

(٣) فتح العزيز ٦ : ٥٠٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٩٨.

(٤) فتح العزيز ٦ : ٥٠٨ ، المجموع ٦ : ٤٩٤.

(٥) فتح العزيز ٦ : ٥٠٨ - ٥٠٩ ، المجموع ٦ : ٤٩٤.

٢٧٩

ولو قال في أثناء النهار : لله عليَّ أن أعتكف يوماً من هذا الوقت ؛ لم يصحّ عندنا إذا لم يكن صائماً من أوله ، وإن كان فإشكال.

وقالت الشافعية : إنّه يلزمه دخول المعتكف من ذلك الوقت إلى مثله من اليوم الثاني ، ولا يجوز أن يخرج بالليل ؛ ليتحقّق التتابع.

وقال بعضهم : إنّ الناذر التزم يوماً والبعضان يوم(١) ، والليلة المتخلّلة ليست من اليوم ، فلا يمنع التتابع بينهما ، كما أنّه لا يمنع وصف اليومين الكاملين بالتتابع(٢) .

ومَنْ جوّز تفريق الساعات من الشافعية في اليوم اكتفى بساعات أقصر الأيام ؛ لأنّه لو اعتكف أقصر الأيام ، أجزأه. وكذا لو فرّق على ساعات أقصر الأيام في سنين(٣) .

ولو اعتكف في أيام متباينة الطول والقصر ، فينبغي أن ينسب اعتكافه في كلّ يوم بالجزئية إليه إن كان ثُلْثاً فقد خرج عن ثُلْث ما عليه ؛ نظراً إلى اليوم الذي يوقع فيه الاعتكاف ، ولهذا لو اعتكف بقدر ساعات أقصر الأيام من يوم طويل ، لم يكفه.

مسألة ٢٠١ : إذا نذر أن يعتكف مدّة معيّنة مقدّرة‌ ، كما لو نذر أن يعتكف عشرة أيام من الآن ، أو نذر أن يعتكف هذه العشرة أو هذا الشهر ، وجب عليه الوفاء به.

فإن أفسد آخره إمّا بأن خرج لغير عذر أو بسبب غير ذلك ، فإمّا أن يقيّد بالتتابع أو لا ، فإنّ قيّد نذره بالتتابع بأن قال : أعتكف هذه العشرة أو هذا الشهر متتابعاً ، وجب عليه الاستئناف ؛ لأنّه لم يأت بما نذره فيجب القضاء ، ويكفّر‌

____________________

(١) أي : بعض هذا اليوم وبعض تاليه يقومان مقام يوم واحد.

(٢) فتح العزيز ٦ : ٥٠٩ ، المجموع ٦ : ٤٩٥.

(٣) فتح العزيز ٦ : ٥١٠ ، المجموع ٦ : ٤٩٥.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333