تذكرة الفقهاء الجزء ٦

تذكرة الفقهاء17%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-46-9
الصفحات: 333

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 333 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 228426 / تحميل: 5430
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٦

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٤٦-٩
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

والجمهور كافة - إلّا قتادة - على سقوط الكفّارة فيهما(١) .

وقتادة أوجبها قبل الزوال وبعده(٢) .

وابن أبي عقيل من علمائنا أسقطها بعد الزوال أيضاً.

والمشهور ما بيّناه ؛ لأنّه قبل الزوال مخيَّر بين الإِتمام والإِفطار ، وبعده يتعيّن الصوم ، فلهذا افترق الزمانان في إيجاب الكفّارة وسقوطها ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « صوم النافلة لك أن تفطر ما بينك وبين الليل متى ما شئت ، وصوم قضاء الفريضة لك أن تفطر الى زوال الشمس ، فإذا زالت الشمس فليس لك أن تفطر »(٣) .

تذنيب : لو أفطر في قضاء النذر المعيّن بعد الزوال ، لم يجب عليه شي‌ء سوى الإِعادة‌ ؛ لأصالة البراءة ، وإن كان في قول الصادقعليه‌السلام ، دلالة ما على الوجوب.

مسألة ٣١ : المشهور في كفّارة قضاء رمضان : إطعام عشرة مساكين ، فإن لم يتمكّن ، صام ثلاثة أيام‌.

وقد روي : أنّه لا شي‌ء عليه(٤) . وروي : أنّ عليه كفّارة رمضان(٥) .

وتأوّلهما الشيخ - بحمل الاُولى على العاجز(٦) ، والثانية على المستخفّ بالعبادة ، المتهاون بها(٧) .

____________________

(١ و ٢ ) المغني ٣ : ٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٨ ، بداية المجتهد ١ : ٣٠٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٤.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٧٨ / ٨٤١ ، الاستبصار ٢ : ١٢٠ / ٣٨٩.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٨٠ / ٨٤٧ ، الاستبصار ٢ : ١٢١ - ١٢٢ / ٣٩٤.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٧٩ / ٨٤٦ ، الاستبصار ٢ : ١٢١ / ٣٩٣.

(٦) المبسوط للطوسي ١ : ٢٨٧.

(٧) التهذيب ٤ : ٢٧٩ ذيل الحديث ٨٤٦ ، الاستبصار ٢ : ١٢١ ذيل الحديث ٣٩٣.

٦١

وأمّا النذر المعيّن : فالمشهور أنّ في إفطاره كفّارة رمضان ؛ لمساواته إيّاه في تعيين الصوم.

وابن أبي عقيل لم يوجب في إفطاره الكفّارة ، وهو قول العامّة(١) .

تذنيب : لو صام يوم الشك بنية قضاء رمضان‌ ، ثمّ أفطر بعد الزوال ، ثمّ ظهر أنّه من رمضان، احتمل سقوط الكفّارة.

أمّا عن رمضان : فلأنّه لم يقصد إفطاره ، بل قصد إفطار يوم الشك ، وهو جائز له.

وأمّا عن قضاء رمضان : فلظهور أنّه زمان لا يصح(٢) للقضاء.

ويحتمل : وجوب كفّارة رمضان ، ويحتمل وجوب كفّارة قضائه.

مسألة ٣٢ : يشترط في إفساد الصوم بالإِفطار اُمور ثلاثة : وقوعه عنه متعمّداً ، مختاراً ، مع وجوب الصوم عليه.

أمّا شرط العمد : فإنّه عندنا ثابت إجماعاً منّا ؛ فإنّ المفطر ناسياً لا يفسد صومه مع تعيّن الزمان ، ولا يجب به قضاء ولا كفّارة عند علمائنا أجمع - وبه قال أبو هريرة وابن عمر وعطاء وطاوس والأوزاعي والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي(٣) - لما رواه العامة عن أبي هريرة قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إذا أكل أحدكم أو شرب ناسياً ، فليتمّ صومه ، فإنّما أطعمه الله وسقاه )(٤) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٨.

(٢) في « ن » : لا يصلح.

(٣) المغني ٣ : ٥٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦ ، المجموع ٦ : ٣٢٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٦ ، اختلاف العلماء : ٦٩ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٢.

(٤) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٥٣ والشرح الكبير ٣ : ٤٦ ، ونحوه في صحيح البخاري ٣ : ٤٠ ، وسنن الدار قطني ٢ : ١٧٨ - ١٧٩ / ٢٩ ، وسنن البيهقي ٤ : ٢٢٩.

٦٢

وعن عليعليه‌السلام ، قال : « لا شي‌ء على مَن أكل ناسياً »(١) .

ومن طريق الخاصة : قول الباقرعليه‌السلام : « كان أمير المؤمنينعليه‌السلام ، يقول : مَن صام فنسي فأكل وشرب فلا يفطر من أجل أنّه نسي ، فإنّما هو رزق رزقه الله فليتمّ صيامه »(٢) .

ولأنّ التكليف بالإِمساك يستدعي الشعور ، وهو منفي في حقّ الناسي ، فكان غير مكلَّف به؛ لاستحالة تكليف ما لا يطاق.

وقال ربيعة ومالك : يفطر الناسي كالعامد ؛ لأنّ الأكل ضدّ الصوم ، لأنّ الصوم كفّ ، فلا يجامعه ، وتبطل العبادة به كالناسي في الكلام في الصلاة(٣) .

ونمنع كون الأكل مطلقاً ضدّاً ، بل الضدّ هو : الأكل العمد. ونمنع بطلان الصلاة مع نسيان الكلام.

ولو فعل ذلك حالة النوم ، لم يفسد صومه ؛ لانتفاء القصد فيه والعلم ، فهو أعذر من الناسي.

أمّا الجاهل بالتحريم فإنّه غير معذور ، بل يفسد الصوم مع فعل المفطر ويكفّر.

وأمّا المـُكرَه والمتوعَّد بالمؤاخذة ، فالأقرب : فساد صومهما ، لكن لا تجب الكفّارة.

مسألة ٣٣ : قد بيّنا أنّ القصد لوصول شي‌ء إلى الجوف شرط في الإِفساد‌ ، فلو طارت ذبابة أو بعوضة إلى حلقه ، لم يفطر بذلك إجماعاً.

____________________

(١) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٥٣ ، والشرح الكبير ٣ : ٤٦ ، وانظر : سنن البيهقي ٤ : ٢٢٩.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٦٨ / ٨٠٩.

(٣) المغني ٣ : ٥٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦ ، المدونة الكبرى ١ : ٢٠٨ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٧ ، اختلاف العلماء : ٦٩ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٢.

٦٣

أمّا لو وصل غبار الطريق أو غربلة الدقيق إلى جوفه ، فإن كانا غليظين ، وأمكنه التحرّز منه ، فإنّه يفسد صومه ، ولو كانا خفيفين ، لم يفطر.

والعامة لم تفصِّل ، بل قالوا : لا يفطر(١) .

ولو أمكنه إطباق فيه أو اجتناب الطريق ، لم يفطر عندهم أيضا ؛ لأنّ تكليف الصائم الاحتراز عن الأفعال المعتادة التي يحتاج اليها عسر ، فيكون منفياً(٢) ، بل لو فتح فاه عمداً حتى وصل الغبار إلى جوفه ، فأصحّ وجهي الشافعية : أنّه يقع عفواً(٣) .

ولو وُطئت المرأة قهراً ، فلا تأثير له في إفساد صومها ، وكذا لو وُجر في حلق الصائم ماء وشبهه بغير اختياره.

وللشافعي قولان فيما لو اُغمي عليه فوُجر في حلقه معالجةً وإصلاحاً ، أحدهما : أنّه يفطر ؛ لأنّ هذا الإِيجار لمصلحته ، فكأنّه بإذنه واختياره. وأصحّهما : أنّه لا يفطر ، كإيجار غيره بغير اختياره(٤) .

وهذا الخلاف بينهم مفرَّع على أنّ الصوم لا يبطل بمطلق الإِغماء ( وإلّا فالإِيجار )(٥) مسبوق بالبطلان(٦) .

وهذا الخلاف كالخلاف في المغمى عليه المـُحرِم إذا عُولج بدواء فيه طيب هل تلزمه الفدية؟(٧) .

مسألة ٣٤ : ابتلاع الريق غير مفطر عند علمائنا‌ ، سواء جمعه في فمه‌

____________________

(١) اُنظر : فتح العزيز ٦ : ٣٨٦ ، والمجموع ٦ : ٣٢٧ ، والمغني ٣ : ٥٠ - ٥١ ، والشرح الكبير ٣ : ٤٨ - ٤٩.

(٢ و ٣ ) فتح العزيز ٦ : ٣٨٦ ، المجموع ٦ : ٣٢٧ - ٣٢٨.

(٤) فتح العزيز ٦ : ٣٨٦ - ٣٨٧ ، المجموع ٦ : ٣٢٥.

(٥) ورد بدل ما بين القوسين في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق وفي الطبعة الحجرية : ولا بالإِيجار. وما أثبتناه - وهو الصحيح - من المصدر.

(٦) فتح العزيز ٦ : ٣٨٧.

(٧) فتح العزيز ٦ : ٣٨٧ ، المجموع ٦ : ٣٢٥.

٦٤

ثم ابتلعه ، أو لم يجمعه ، وبه قال الشافعي(١) ، وهو أصحّ وجهي الحنابلة(٢) .

أمّا إذا لم يجمعه : فلأنّ العادة تقتضي بلعه ، والتحرّز منه غير ممكن ، وبه يحيى الإِنسان ، وعليه حمل بعض المفسّرين قوله تعالى( وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْ‌ءٍ حَيٍّ ) (٣) .

وأمّا إذا جمعه : فلأنّه يصل إلى جوفه من معدنه ، فأشبه إذا لم يجمعه.

وقال بعض الحنابلة : إنّه يفطر ؛ لأنّه يمكنه التحرّز عنه ، فأشبه ما لو قصد ابتلاع غيره(٤) . وهو ممنوع.

وشرط الشافعية في عدم إفطاره شروطاً :

الأول : أن يكون الريق صرفاً‌ ، فلو كان ممزوجاً بغيره متغيّراً به ، فإنّه يفطر بابتلاعه ، سواء كان ذلك الغير طاهراً ، كما لو كان يفتل خيطاً مصبوغاً فغيّر ريقه ، أو نجساً ، كما لو دميت لثته وتغيّر ريقه.

فلو ابيضّ الريق وزال تغيّره ، ففي الإِفطار بابتلاعه للشافعية وجهان : أظهرهما عندهم : الإِفطار ؛ لأنّه لا يجوز له ابتلاعه لنجاسته ، والريق إنّما يجوز ابتلاع الطاهر منه.

والثاني : عدم الإِفطار ، لأنّ ابتلاع الريق مباح ، وليس فيه عين(٥) آخر وإن كان نجساً حكماً.

وعلى هذا لو تناول بالليل شيئاً نجساً ولم يغسل فمه حتى أصبح فابتلع الريق ، بطل صومه على الأول.

الثاني : أن يبتلعه من معدنه‌ ، فلو خرج الى الظاهر من فمه ثم ردّه بلسانه‌

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٣٨٩ ، المجموع ٦ : ٣١٧.

(٢) المغني ٣ : ٤٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٧٣.

(٣) الأنبياء : ٣٠ ، وانظر : فتح العزيز ٦ : ٣٨٩.

(٤) المغني ٣ : ٤٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٧٣.

(٥) في الطبعة الحجرية بدل عين : شي‌ء.

٦٥

أو غير لسانه وابتلعه ، بطل صومه. وهذا عندنا كما ذكروا.

أمّا لو أخرج لسانه وعليه الريق ثم ردّه وابتلع ما عليه ، لم يبطل صومه عندنا - وهو أظهر وجهي الشافعية - لأنّ اللسان كيف ما يقلب معدود من داخل الفم ، فلم يفارق ما عليه معدنه.

فلو بلّ الخيّاط الخيط بالريق ، أو الغزّال بريقه ، ثم ردّه إلى الفم على ما يعتاد عند القتل ، فإن لم يكن عليه رطوبة تنفصل ، فلا بأس ، وإن كانت وابتلعها ، أفطر عندنا - وهو قول أكثر الشافعية - لأنّه لا ضرورة اليه وقد ابتلعه بعد مفارقة المعدن.

والثاني للشافعية : أنّه لا يفطر ؛ لأنّ ذلك القدر أقلّ ممّا يبقى من الماء في الفم بعد المضمضة.

وخصّص بعض الشافعية ، الوجهين بالجاهل بعدم الجواز ، وإذا كان عالماً يبطل صومه إجماعاً.

الثالث : أن يبتلعه وهو على هيئته المعتادة‌ ، أمّا لو جمعه ثم ابتلعه فعندنا لا يفطر ، كما لو لم يجمعه.

وللشافعية وجهان : أحدهما : أنّه يبطل صومه ؛ لإِمكان الاحتراز منه.

وأصحّهما : أنّه لا يبطل - وبه قال أبو حنيفة - لأنّه ممّا يجوز ابتلاعه ولم يخرج من معدنه ، فأشبه ما لو ابتلعه متفرّقاً(١) .

فروع :

أ - قد بيّنا أنّه لا يجوز له ابتلاع ريق غيره ولا ريق نفسه إذا انفصل عن فمه.

وما روي عن عائشة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يمصّ لسانها وهو‌

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٣٨٩ - ٣٩١ ، المجموع ٦ : ٣١٧ - ٣١٨ ، وبدائع الصنائع ٢ : ٩٠.

٦٦

صائم(١) ، ضعيف ؛ لأنّ أبا داود قال : إنّ إسناده ليس بصحيح(٢) .

سلّمنا ، لكن يجوز أن يمصّه بعد إزالة الرطوبة عنه ، فأشبه ما لو تمضمض بماء ثم مجّه.

ب - لو ترك في فمه حصاة وشبهها وأخرجها وعليه بلّة من الريق كغيره ثم أعادها وابتلع الريق ، أفطر.

وإن كان قليلاً فإشكال ينشأ : من أنّه لا يزيد على رطوبة المضمضة ، ومن أنّه ابتلع ريقاً منفصلاً عن فمه فأفطر به كالكثير.

ج - قد بيّنا كراهة العلك ؛ لما فيه من جمع الريق في الفم وابتلاعه ، فتقلّ مشقّة الصوم ، فيقصر الثواب. ولا فرق بين أن يكون له طعم أم لا.

ولو كان مفتّتاً فوصل منه شي‌ء إلى الجوف ، بطل صومه ، كما لو وضع سكرة في فمه وابتلع الريق بعد ما ذابت فيه.

د - لو ابتلع دماً خرج من سنّه أو لثته ، أفطر ، بخلاف الريق.

ه- النخامة إذا لم تحصل في حدّ الظاهر من الفم ، جاز ابتلاعها.

وإن حصلت فيه بعد انصبابها من الدماغ في الثقبة النافذة منه إلى أقصى الفم فوق الحلقوم ، فإن لم يقدر على صرفه ومجّه حتى نزل الى الجوف ، لم يفطر ، وإن ردّه الى فضاء الفم أو ارتدّ اليه ثم ابتلعه ، أفطر عند الشافعية(٣) .

وإن قدر على قطعه من مجراه ومجّه ، فتركه حتى جرى بنفسه ، لم يفطر. وللشافعية وجهان(٤) .

و - لو تنخّع(٥) من جوفه ثم ازدرده ، فالأقرب : عدم الإِفطار ؛ لأنّه معتاد في الفم غير واصل من خارج ، فأشبه(٦) الريق.

____________________

(١) سنن أبي داود ٢ : ٣١١ - ٣١٢ / ٢٣٨٦ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٣٤.

(٢) حكاه ابنا قدامة في المغني ٣ : ٤١ ، والشرح الكبير ٣ : ٧٤.

(٣ و ٤ ) فتح العزيز ٦ : ٣٩٣ ، المجموع ٦ : ٣١٩.

(٥) النخاعة : النخامة. الصحاح ٣ : ١٢٨٨.

(٦) في هامش « ن » : بخطّه [ أي المصنّف ] : أشبه.

٦٧

وقال الشافعي : إنّه يفطر ؛ لأنّه يمكنه(١) التحرّز منه ، فأشبه الدم ، ولأنّها من غير الفم فأشبه(٢) القي‌ء(٣) . وعن احمد روايتان(٤) .

مسألة ٣٥ : لا يفطر بالمضمضة والاستنشاق مع التحفّظ إجماعاً‌ ، سواء كان في الطهارة أو غيرها.

ولأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال للسائل عن القُبلة : ( أرأيت لو تمضمضت بماء ثم مججته أكنت مفطراً؟)(٥) .

ولأنّ الفم في حكم الظاهر ، فلا يبطل الصوم بالواصل اليه كالأنف والعين.

أمّا لو تمضمض للصلاة ، فسبق الماء الى جوفه ، أو استنشق ، فسبق الى دماغه من غير قصد ، لم يفطر عند علمائنا(٦) - وبه قال الأوزاعي وأحمد وإسحاق والشافعي في أحد القولين ، وهو مروي عن ابن عباس(٧) - لأنّه وصل الماء الى جوفه من غير قصد ولا إسراف ، فأشبه ما لو طارت الذبابة فدخلت حلقه.

ولأنّه وصل بغير اختياره ، فلا يفطر به كالغبار.

وللشافعية طريقان : أصحّهما عندهم : أنّ المسألة على قولين ، أحدهما : أنّه يفطر - وبه قال مالك وأبو حنيفة(٨) - لأنّه وصل الماء الى جوفه‌

____________________

(١) في « ن ، ف » : أمكنه.

(٢) في « ن ، ط » : أشبه.

(٣) المغني ٣ : ٤١ ، الشرح الكبير ٣ : ٧٤.

(٤) المغني ٣ : ٤١ ، الشرح الكبير ٣ : ٧٤ - ٧٥.

(٥) سنن أبي داود ٢ : ٣١١ / ٢٣٨٥ ، سنن الدارمي ٢ : ١٣ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٦١ ، المصنّف - لابن أبي شيبة - ٣ : ٦١ ، المستدرك - للحاكم - ١ : ٤٣١ بتفاوت.

(٦) في « ف » : عندنا.

(٧) المغني ٣ : ٤٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٠ - ٥١ ، المجموع ٦ : ٣٢٦ و ٣٢٧ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩٣.

(٨) المغني ٣ : ٤٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥١ ، المجموع ٦ : ٣٢٧ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩٣ ، =

٦٨

بفعله ، فإنّه الذي أدخل الماء في فمه وأنفه. والثاني - وبه قال أحمد(١) - أنّه لا يفطر.

والثاني : القطع بأنّه لا يفطر.

وعلى القول بطريقة القولين ، فما محلّهما؟ فيه ثلاث طرق ، أصحّها عندهم : أنّ القولين فيما إذا لم يبالغ في المضمضة والاستنشاق ، فأمّا إذا بالغ أفطر بلا خلاف.

وثانيها : أنّ القولين فيما إذا بالغ ، أمّا إذا لم يبالغ فلا يفطر بلا خلاف.

والفرق على الطريقين : أنّ المبالغة منهي عنها ، وأصل المضمضة والاستنشاق مرغّب فيه ، فلا يحسن مؤاخذته بما يتولّد منه بغير اختياره.

والثالث : طرد القولين في الحالتين ، فإذا تميّزت حالة المبالغة عن حالة الاقتصار على أصل المضمضة والاستنشاق ، حصل عند المبالغة للشافعي قولان مرتّبان ، لكن ظاهر مذهبهم عند المبالغة الإِفطار ، وعند عدمها الصحّة(٢) .

هذا إذا كان ذاكراً للصوم ، أمّا إذا كان ناسياً فإنّه لا يفطر بحال.

وسبق الماء عند غسل الفم من النجاسة كسبقه في المضمضة ، وكذا عند غسله من أكل الطعام.

ولو تمضمض للتبرّد ، فدخل الماء حلقه من غير قصد ، أفطر ، لأنّه غير مأمور به.

مسألة ٣٦ : قد بيّنا أنّ الأكل والشرب ناسياً غير مفطر عند علمائنا(٣) ‌سواء قلّ أكله أو كثر.

____________________

= المدونة الكبرى ١ : ٢٠٠ ، تحفة الفقهاء ١ : ٣٥٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩١‌.

(١) المغني ٣ : ٤٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٠ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩٣ ، المجموع ٦ : ٣٢٧.

(٢) فتح العزيز ٦ : ٣٩٣ - ٣٩٤.

(٣) في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق : عندنا. وما أثبتناه من الطبعة الحجرية.

٦٩

وقال مالك : إنّه يفطر(١) . وللشافعي فيما إذا كثر أكله ناسياً قولان(٢) .

ولو أكل جاهلاً ، أفسد صومه.

وقال الشافعي : إن كان قريب العهد بالإِسلام ، أو كان قد نشأ في بادية ، وكان يجهل مثل ذلك ، لم يبطل صومه ، وإلّا بطلِ(٣) .

ولو جامع ناسياً للصوم ، لم يفطر عندنا. وللشافعية طريقان ، أصحّهما : القطع بأنّه لا يبطل. والثاني : أنّه يخرّج على قولين(٤) .

مسألة ٣٧ : إذا أجنب الصائم ليلاً في رمضان أو المعيّن ثم نام‌ ، فإن كان على عزم ترك الاغتسال واستمرّ به النوم الى أن أصبح ، وجب عليه القضاء والكفّارة.

وإن نام على عزم الاغتسال ثم استيقظ ثانياً ثم نام ثالثاً بعد انتباهتين ، وجب القضاء والكفّارة أيضاً.

وإن نام من أول مرة عازماً على الاغتسال فطلع الفجر ، لم يكن عليه شي‌ء.

وإن نام ثانياً ، واستمرّ به النوم على عزم الاغتسال حتى طلع الفجر ، وجب عليه القضاء خاصة ، لأنّ ابن أبي يعفور سأل الصادقعليه‌السلام : الرجل يجنب في رمضان ثم يستيقظ ثم ينام حتى يصبح ، قال : « يتمّ يومه(٥) ويقضي يوماً آخر ، فإن لم يستيقظ حتى يُصبح أتمّ يومه وجاز له »(٦) .

ولأنّه فرّط في الاغتسال ، فوجب عليه القضاء ، ولا تجب الكفّارة ؛ لأنّ المنع من النومة الاُولى تضييق على المكلّف.

مسألة ٣٨ : لو ظنّ بقاء الليل ، فأكل أو شرب أو جامع‌ ، وبالجملة‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٧ ، المجموع ٦ : ٣٢٤ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠١.

(٤-٢) فتح العزيز ٦ : ٤٠١ ، المجموع ٦ : ٣٢٤.

(٥) في التهذيب والفقيه والطبعة الحجرية : صومه.

(٦) الاستبصار ٢ : ٨٦ / ٢٦٩ ، التهذيب ٤ : ٢١١ / ٦١٢ ، والفقيه ٢ : ٧٥ / ٣٢٣.

٧٠

فَعَل الـمُفطرَ ، ثم ظهر له أنّ فعله صادف النهار ، وأنّ الفجر قد كان طالعاً ، فإن كان قد رصد الفجر وراعاه فلم يتبيّنه ، أتمّ صومه ، ولا شي‌ء عليه.

وإن لم يرصد الفجر مع القدرة على المراعاة ثم تبيّن أنّه كان طالعاً ، وجب عليه إتمام الصوم والقضاء خاصة ، ولا كفّارة عليه ؛ لأنّه مُفرِّط بترك المراعاة ، فوجب القضاء ؛ لإِفساده الصوم بفعل الـمُفطر ، ولا كفّارة ؛ لعدم الإِثم ، وأصالة البقاء.

وأمّا مع المراعاة : فلأنّ الأصل بقاء الليل ، وقد اعتضد بالمراعاة ، فكان التناول جائزاً له مطلقاً ، فلا فساد حينئذٍ ، وجرى مجرى الساهي.

وسُئل الصادقعليه‌السلام ، عن رجل تسحّر ثم خرج من بيته وقد طلع الفجر وتبيّن ، فقال : « يتمّ صومه ذلك ثم ليقضه »(١) .

وإن تسحّر في غير شهر رمضان بعد الفجر أفطر.

والعامّة لم يفصّلوا ، بل قال الشافعي : لا كفّارة عليه مطلقاً ، سواء رصد أو لم يرصد مع ظنّ الليل ، وعليه القضاء ، وهو قول عامة الفقهاء(٢) ، إلّا إسحاق به راهويه وداود ؛ فإنّهما قالا : لا يجب عليه القضاء(٣) . وهو مذهب الحسن ومجاهد وعطاء وعروة(٤) .

وقال أحمد : إذا جامع بظنّ أنّ الفجر لم يطلع ويبيّن أنّه كان طالعاً ، وجب عليه القضاء والكفّارة مطلقاً(٥) . ولم يعتبر المراعاة.

واحتجّ مُوجبو القضاء مطلقاً : بأنّه أكل مختاراً ، ذاكراً للصوم فأفطر ، كما لو أكل يوم الشك ، ولأنّه جهل وقت الصيام ، فلم يعذر به ، كالجهل بأول رمضان.

____________________

(١) الكافي ٤ : ٩٦ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٦٩ / ٨١٢ ، الاستبصار ٢ : ١١٦ / ٣٧٩.

(٤-٢) المجموع ٦ : ٣٠٦ و ٣٠٩ ، المغني ٣ : ٧٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٣.

(٥) المغني ٣ : ٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٧.

٧١

واحتجّ الآخرون : بما رواه زيد بن وهب ، قال : كنت جالساً في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، في رمضان في زمن عمر ، فاُتينا بعِساسٍ(١) فيها شراب من بيت حفصة ، فشربنا ونحن نرى أنّه من الليل ، ثم انكشف السحاب ، فإذا الشمس طالعة ، قال : فجعل الناس يقولون : نقضي يوماً مكانه ، فقال عمر : والله لا نقضيه ، ما تجانَفْنا(٢) لإِثم(٣) .

والجواب : المنع من الأكل في رمضان عالماً مع المراعاة. وقول عمر ليس حجّةً.

واحتجّ أحمد : بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أمر المجامع بالتكفير من غير تفصيل(٤) .

والأمر إنّما كان للهتك ؛ لأنّ الأعرابي شكى كثرة الذنب وشدّة المؤاخذة ، وذلك إنّما يكون مع قصد الإِفطار.

مسألة ٣٩ : لو أخبره غيره بأنّ الفجر لم يطلع‌ ، فقلَّده وترك المراعاة مع قدرته عليها ، ثم فعل المفطر وكان الفجر طالعاً ، وجب عليه القضاء خاصة ؛ لأنّه مفرّط بترك المراعاة ، فأفسد صومه ، ووجب القضاء ، والكفّارة ساقطة عنه ؛ لأنّه بناء على أصالة بقاء الليل وعلى صدق الـمُخبر الذي هو الأصل في المسلم.

وسأل معاوية بن عمّار ، الصادقعليه‌السلام : آمُر الجارية أن تنظر طلعِ الفجر أم لا ، فتقول : لم يطلع ، فآكل ثم أنظر(٥) فأجده قد طلعِ حين نَظَرَتْ ، قال : « تتمّ يومك(٦) وتقضيه ، أمّا انّك لو كنت أنت الذي نظرت ما كان عليك‌

____________________

(١) العُسُّ : القدح الكبير. وجمعه عِساس وأعساس. النهاية - لابن الأثير - ٣ : ٢٣٦.

(٢) الجَنَفُ : الـمَيل. لسان العرب ٩ : ٣٢.

(٣) سنن البيهقي ٤ : ٢١٧ وأورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٧٦ - ٧٧ ، والشرح الكبير ٣ : ٥٣.

(٤) المغني ٣ : ٦٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٧.

(٥) في الكافي و « ف » : أنظره.

(٦) في النسخ المعتمدة في التحقيق وفي الطبعة الحجرية : يومه. وما أثبتناه من الكافي =

٧٢

قضاؤه »(١) .

ولو أخبره غيره بطلوع الفجر فظنّ كذبه ، فتناول الـمُفطرَ وكان الفجر طالعاً ، وجب القضاء ؛ للتفريط بترك المراعاة مع القدرة ، ولا كفّارة عليه ؛ لعدم الإِثم ؛ لأصالة بقاء الليل.

وسأل عيص بن القاسم ، الصادقعليه‌السلام ، عن رجل خرج في شهر رمضان وأصحابه يتسحّرون في بيت ، فنظر الى الفجر فناداهم ، فكفّ بعضهم ، وظنّ بعضهم أنّه يسخر فأكل ، قال : « يتمّ صومه ويقضي »(٢) .

ولا فرق بين أن يكون المخبر عدلاً أو فاسقاً ؛ للإِطلاق.

ولو أخبره عدلان بطلوع الفجر فلم يكفّ ، ثم ظهر أنّه كان طالعا ، فالأقرب : وجوب القضاء والكفّارة ؛ لأنّ قولهما معتبر في نظر الشرع ، يجب العمل به ، فتترتّب عليه توابعه.

مسألة ٤٠ : لو أفطر لظلمة عرضت توهّم منها دخول الليل ثم ظهر مصادفته للنهار ، وجب القضاء خاصة‌ ؛ لتفريطه حين بنى على وهمه.

ولو ظنّ دخول الليل لظلمة عرضت إمّا لغيم أو غيره ، فأفطر ثم تبيّن فساد ظنّه ، أتمّ صومه ، ووجب عليه القضاء عند أكثر علمائنا(٣) - وهو قول العامة(٤) - لأنّه تناول ما يفسد الصوم عامداً ، فوجب عليه القضاء ، ولا كفّارة ؛ لحصول الشبهة.

ولما رواه العامة عن حنظلة ، قال : كنّا في شهر رمضان وفي السماء سحاب ، فظننّا أنّ الشمس غابت ، فأفطر بعضنا ، فأمر عمر مَن كان أفطر أن‌

____________________

= و التهذيب.

(١) الكافي ٤ : ٩٧ / ٣ ، التهذيب ٤ : ٢٦٩ / ٨١٣ ، ونحوه في الفقيه ٢ : ٨٣ / ٣٦٨‌

(٢) الكافي ٤ : ٩٧ / ٤ ، التهذيب ٤ : ٢٧٠ / ٨١٤ ، والفقيه ٢ : ٨٣ / ٣٦٧.

(٣) كالشيخ المفيد في المقنعة : ٥٧ ، وأبي الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ١٨٣.

(٤) كما في المعتبر : ٣٠٧.

٧٣

يصوم مكانه(١) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه أبو بصير عن الصادقعليه‌السلام ، في قوم صاموا شهر رمضان ، فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشمس ، فرأوا أنّه الليل ، فقال : « على الذي أفطر صيام ذلك اليوم ، إنّ الله عزّ وجلّ يقول :( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) (٢) فمن أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضاؤه ، لأنّه أكل متعمّداً »(٣) .

وللشيخ - قول آخر : إنّه يمسك ولا قضاء عليه(٤) ؛ لأنّ أبا الصباح الكناني سأل الصادقعليه‌السلام ، عن رجل صام ثم ظنّ أنّ الشمس قد غابت وفي السماء علّة فأفطر ، ثم إنّ السحاب انجلى فإذا الشمس لم تغب ، فقال : « قد تمّ صومه ولا يقضيه »(٥) .

والحديث ضعيف السند ؛ لأنّ فيه محمد بن الفضيل وهو ضعيف.

واعلم : أنّه فرقٌ بين بقاء الليل ودخوله ؛ فإنّ الأول اعتضد بأصالة البقاء ، والثاني اعتضد بضدّه ، وهو : أصالة عدم الدخول ، مع أنّه متمكّن من الصبر الى أن يحصل اليقين.

واعلم : أنّ المزني نقل عن الشافعي : أنّه لو أكل على ظنّ أنّ الصبح لم يطلع بعدُ ، أو أنّ الشمس قد غربت وكان غالطاً فيه ، لا يجزئه صومه ، ووافقه أصحابه على روايته في الصورة الثانية.

وأنكر بعضهم الاُولى ، وقال : لا يوجد ذلك في كتب الشافعي ، ومَذهَبُه أنّه لا يبطل الصوم إذا ظنّ أنّ الصبح لم يطلع بعدُ ؛ لأصالة بقاء الليل ،

____________________

(١) أورده المحقّق في المعتبر : ٣٠٧ ونحوه في سنن البيهقي ٤ : ٢١٧.

(٢) البقرة : ١٨٧.

(٣) الكافي ٤ : ١٠٠ ( باب من ظنّ أنّه ليل فأفطر قبل الليل ) الحديث ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٧٠ / ٨١٥ ، الاستبصار ٢ : ١١٥ / ٣٧٧.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٧٠ ذيل الحديث ٨١٥ ، والاستبصار ٢ : ١١٦.

(٥) الاستبصار ٢ : ١١٥ / ٣٧٤ ، التهذيب ٤ : ٢٧٠ - ٢٧١ / ٨١٦ ، والفقيه ٢ : ٧٥ / ٣٢٦.

٧٤

بخلاف آخر النهار ؛ فإنّ الأصل بقاء النهار ، فالغلط في الاُولى معذور ، دون الثانية.

ومنهم مَن صحّح الروايتين ، وقال : لعلّه نقله سماعاً ؛ لأنّه تحقّق خلاف ظنّه ، واليقين مقدّم على الظنّ ، ولا يبعد استواء حكم الغلط في دخول الوقت وخروجه ، كما في الجمعة(١) .

إذا عرفت هذا ، فالأحوط للصائم الإِمساك عن الإِفطار حتى يتيقّن الغروب ؛ لأصالة بقاء النهار ، فيستصحب الى أن يتيقّن خلافه.

ولو اجتهد وغلب على ظنّه دخول الليل ، فالأقرب : جواز الأكل.

وللشافعية وجهان : هذا أحدهما ، والثاني : لا يجوز ؛ لقدرته على تحصيل اليقين(٢) .

وأمّا في أول النهار فيجوز الأكل بالظنّ والاجتهاد ؛ لأصالة بقاء الليل.

ولو أكل من غير يقين ولا اجتهاد ، فإنّ تبيّن له الخطأ ، فالحكم ما تقدّم ، وإن تبيّن الصواب ، فقد استمرّ الصوم على الصحّة.

لا يقال : مقتضى الدليل عدم صحّة الصوم ، كما لو صلّى في الوقت مع الشك في دخوله ، وكما لو شكّ في القبلة من غير اجتهاد ، وتبيّن له الصواب ، لا تصحّ صلاته.

لأنّا نقول : الفرق : أنّ ابتداء العبادة وقع في حال الشك فمنع الانعقاد ، وهنا انعقدت العبادة على الصحّة وشك في أنّه هل أتى بما يفسدها ثم تبيّن عدمه.

ولو استمرّ الإِشكال ، ولم يتبيّن الخطأ من الصواب ، فالأقرب : وجوب القضاء لو أفطر آخر النهار ؛ لأصالة البقاء ، ولم يبن الأكل على أمر يعارضه.

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٤٠١.

(٢) فتح العزيز ٦ : ٤٠٢ ، المجموع ٦ : ٣٠٦.

٧٥

وإن اتّفق في أوله ، فلا قضاء ؛ لأصالة بقاء الليل.

ونقل عن مالك : وجوب القضاء في هذه الصورة أيضاً ؛ لأصالة بقاء الصوم في ذمته ، فلا يسقط بالشك(١) .

والأقوى ما قلناه من جواز الأكل حتى يتبيّن الطلوع أو يظنّه - وبه قال ابن عباس وعطاء والأوزاعي والشافعي وأحمد وأصحاب الرأي(٢) - لقوله تعالى :( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ ) (٣) .

وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يقول : ( فكلوا واشربوا حتى يؤذّن ابن اُمّ مكتوم )(٤) وكان أعمى لا يؤذّن حتى يقال له : أصبحت.

والسقوط إنّما هو بعد الثبوت ، والصوم مختص بالنهار.

مسألة ٤١ : القي‌ء عامداً يوجب القضاء خاصة‌ عند أكثر علمائنا(٥) وأكثر العامة(٦) ؛ لما رواه العامة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( مَن ذرعه القي‌ء وهو صائم فليس عليه قضاء ، وإن استقاء فليقض)(٧) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « إذا تقيّأ الصائم فقد‌

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٤٠٢ - ٤٠٣ ، المجموع ٦ : ٣٠٦ ، والكافي في فقه أهل المدينة : ١٣٠ ، المغني ٣ : ٧٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٢.

(٢) المغني ٣ : ٧٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٢ ، المجموع ٦ : ٣٠٦ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠١ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٩ - ١٣٠ ، تحفة الفقهاء ١ : ٣٦٥ - ٣٦٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٠٥.

(٣) البقرة : ١٨٧.

(٤) صحيح البخاري ٣ : ٣٧ ، صحيح مسلم ٢ : ٧٦٨ - ٣٨.

(٥) منهم : الشيخ الطوسي في النهاية : ١٥٥ ، والمبسوط ١ : ٢٧١ - ٢٧٢ ، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ١٨٣ ، والقاضي ابن البرّاج في المهذب ١ : ١٩٢ ، والمحقق الحلّي في شرائع الإِسلام ١ : ١٩٢ ، والمعتبر : ٣٠٨.

(٦) المغني ٣ : ٥٤ ، المجموع ٦ : ٣١٩ - ٣٢٠.

(٧) سنن أبي داود ٢ : ٣١٠ / ٢٣٨٠ ، سنن البيهقي ٤ : ٢١٩.

٧٦

أفطر ، وإن ذرعه من غير أن يتقيّأ فليتمّ صومه »(١) .

وقال أبو ثور : لو تعمّد القي‌ء وجب القضاء والكفّارة(٢) ؛ لأنّه سلوك في مجرى الطعام ، فكان موجباً للقضاء والكفّارة كالأكل.

وهو معارض بالروايات وأصالة البراءة.

ولو ذرعه القي‌ء ، فلا قضاء عليه ولا كفّارة بإجماع علمائنا - وهو قول كلّ من يحفظ عنه العلم(٣) - لأنّه فعل حصل بغير اختياره. وللروايات(٤) .

وروي عن الحسن البصري : وجوب القضاء خاصة(٥) . وهو خارق للإِجماع.

مسألة ٤٢ : إذا طلع الفجر وهو مُجامعٌ فاستدام الجماع ، وجب عليه القضاء والكفّارة عند علمائنا‌ - وبه قال مالك والشافعي وأحمد(٦) - لأنّه ترك صوم رمضان بجماع أثم به ؛ لحرمة الصوم ، فوجبت به الكفّارة ، كما لو وطأ بعد طلوع الفجر.

وقال أبو حنيفة : يجب عليه القضاء دون الكفّارة ؛ لأنّ وطأه لم يصادف صوماً صحيحاً ، فلم يوجب الكفّارة ، كما لو ترك النيّة وجامع(٧) .

والأصل ممنوع ، مع أنّ تركه للصوم لترك النية ، لا للجماع.

فأمّا لو نزع في الحال فأقسامه ثلاثة :

____________________

(١) الكافي ٤ : ١٠٨ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٦٤ / ٧٩١.

(٢) المجموع ٦ : ٣٢٠ ، معالم السنن - للخطابي - ٣ : ٢٦١.

(٣) المجموع ٦ : ٣٢٠ ، المغني ٣ : ٥٤.

(٤) الكافي ٤ : ١٠٨ / ١ - ٣ ، التهذيب ٤ : ٢٦٤ / ٧٩٠ و ٧٩١.

(٥) المجموع ٦ : ٣٢٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٦.

(٦) المغني ٣ : ٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٩١ - ١٩٢ ، المجموع ٦ : ٣٠٩ و ٣٣٨ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٢.

(٧) بدائع الصنائع ٢ : ٩١ ، المغني ٣ : ٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٦ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٢.

٧٧

الأول : أن يحسّ وهو مُجامعٌ بعلامات الصبح ، فينزع بحيث يوافق آخر النزع ابتداء الطلوع.

الثاني : أن يطلع الصبح وهو مُجامعٌ ويعلم بالطلوع كما طلع ، وينزع كما علم.

الثالث : أن يمضي زمان بعد الطلوع ثم يعلم به ، ففي الثالثة الصوم باطل - وبه قال الشافعي(١) - وإن نزع كما علم ؛ لأنّ بعض النهار قد مضى وهو مشغول بالجماع.

والوجه : أنّه إن تمكّن من المراعاة ولم يُراع وصادف الجماعُ النهارَ ، وجب عليه القضاء.

وعلى القول الصحيح للشافعية : أنّه لو مكث في هذه الصورة ، فلا كفّارة عليه ، لأنّ مكثه مسبوق ببطلان الصوم(٢) .

وأمّا الصورتان الأُوليان ، فعندنا أنّه إن كان قد راعى ولم يفرط بترك المراعاة ، لا قضاء عليه ، وإلّا وجب القضاء.

وعند الشافعي يصحّ صومه مطلقاً(٣) ، ولم يعتبر المراعاة.

وله قول آخر : إنّ الصورة الاُولى يصحّ صومه فيها(٤) ؛ لأنّ آخر النزع وافق ابتداءَ الطلوع ، فلم يحصل النزع في النهار.

وهذا عندنا باطل ؛ لأنّا نوجب الطهارة في ابتداء الصوم.

وأمّا إذا طلع ثم نزع ، فسد صومه عندنا وعند الشافعي(٥) ؛ لأنّ الإِخراج يستلزم التلذّذ ، فيكون مُجامعاً.

وقال مالك وأحمد : لا يفسد صومه ؛ لأنّ النزع ترك الجماع ، فلا يتعلّق به ما يتعلّق بالجماع ، كما لو حلف أن لا يلبس ثوباً هو لابسه فنزعه في الحال ، لا يحنث(٦) .

____________________

(٥-١) المجموع ٦ : ٣٠٩ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٣.

(٦) فتح العزيز ٦ : ٤٠٣ - ٤٠٤.

٧٨

وهو فاسد عندنا ؛ لما قدّمناه من وجوب الطهارة.

ولو طلع الفجر وعلم به كما طلع ، ومكث فلم ينزع ، فسد صومه ، وبه قال الشافعي(١) .

وتجب عليه الكفّارة عندنا ، خلافاً للشافعي في أحد القولين(٢) .

( وذكر فيما )(٣) إذا قال لامرأته : إن وطأتكِ فأنتِ طالق ثلاثاً ، فغيَّب الحشفة ، وطلّقت ، ومكث : أنّه لا يجب المهر(٤) .

واختلف أصحابه على طريقين : أحدهما : أنّ فيهما قولين نقلاً وتخريجاً ، أحدهما : وجوب الكفّارة هنا والمهر ثَمَّ ، كما لو نزع وأولج ثانياً.

والثاني : لا يجب واحد منهما ، لأنّ ابتداء الفعل كان مباحاً.

وأصحّهما : القطع بوجوب الكفّارة ونفي المهر.

والفرق : أنّ ابتداء الفعل لم يتعلّق به الكفّارة ، فتتعلّق بانتهائه حتى لا يخلو الجماع في نهار رمضان عمداً عن الكفّارة ، والوطء ثَمَّ غير خالٍ عن المقابلة بالمهر ؛ لأنّ المهر في النكاح يقابل جميع الوطآت(٥) .

وقال أبو حنيفة : لا تجب الكفّارة بالمكث(٦) . واختاره المزني من الشافعية(٧) .

ووافقنا مالك وأحمد على الوجوب(٨) .

والخلاف جارٍ فيما إذا جامع ناسياً ثمّ تذكّر الصوم واستدام.

____________________

(١و٢) المجموع ٦ : ٣٠٩ و ٣٣٨ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٤.

(٣) في النسخ الخطية الثلاث « ط ، ف ، ن » والطبعة الحجرية : وذكرهما. والصحيح ما أثبتناه.

(٤و٥) فتح العزيز ٦ : ٤٠٤ ، المجموع ٦ : ٣٣٩.

(٨-٦) فتح العزيز ٦ : ٤٠٤.

٧٩

تنبيهٌ:

قيل : كيف يعرف طلوع الفجر المجامع(١) وشبهه؟ فإنّه متى عرف الطلوع كان الطلوع الحقيقي متقدّماً عليه.

اُجيب بأمرين :

أحدهما : أنّ المسألة موضوعة على التقدير ، كما هو عادة الفقهاء في أمثالها.

والثاني : إنّا تعبّدنا بما نطّلع عليه ، ولا معنى للصبح إلّا ظهور الضوء للناظر ، وما قبله لا حكم له.

فإذا كان الشخص عارفاً بالأوقات ومنازل القمر ، وكان بحيث لا حائل بينه وبين مطلع الفجر ورصد ، فمتى أدرك فهو أول الصبح الذي اعتبره الشارع(٢) ، وقد نبّه الله تعالى عليه بقوله( حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ ) (٣) .

مسألة ٤٣ : قد بيّنا أنّ ماء مضمضة الصلاة والاستنشاق لها‌ لو سبق إلى الحلق من غير قصد ، لم يفسد صومه ، ولا كفّارة فيه - ولو كان للتبرّد أو العبث ، وجب عليه القضاء خاصة عند علمائنا - لأنّه في الصلاة فعل مشروعاً ، فلا تترتّب عليه عقوبة ؛ لعدم التفريط شرعا ، وفي التبرّد والعبث فرَّط بتعريض الصوم للإِفساد بإيجاد ضدّه ، وهو : عدم الإِمساك ، فلزمه العقوبة ؛ للتفريط.

ولا كفّارة عليه ؛ لأنّ سماعة سأله عن رجل عبث بالماء يتمضمض به من عطش ، فدخل حلقه ، قال : « عليه قضاؤه ، وإن كان في وضوئه فلا‌

____________________

(١) في النسخ الخطية الثلاث « ط ، ف ، ن » : للمجامع. وما أثبتناه من الطبعة الحجرية.

(٢) تعرض للسؤال والجواب ، الرافعي في فتح العزيز ٦ : ٤٠٤ - ٤٠٥ ، والنووي في المجموع ٦ : ٣٠٩.

(٣) البقرة : ١٨٧.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

فيها.

ج - ما يُعدّ للتداوي ، كدهن الخوخ واللوز المـُرّ وحبّة الخضراء وما أشبه ذلك ، فإنّه يجري فيه الربا ؛ لأنّه مكيل أو موزون. وعلّل الشافعي بأنّه يؤكل للتداوي(١) .

د - ما يُعدّ للاستصباح ، كالبزر ودهن السمك. ويجري فيهما الربا ؛ لأنّه مكيل أو موزون ، فيباع كلّ واحد منهما بجنسه متساوياً نقداً لا نسيئةً ، وبصاحبه متفاضلاً نقداً ونسيئةً.

وللشافعيّة وجهان(٢) ، أحدهما : جريان الربا فيه ؛ لأنّه يؤكل ، وأصله حبّ الكتّان ، وهو مأكول يطرح في الملح. والثاني : لا يجري ؛ لأنّه لا يؤكل في عادة الناس ، ولهذا لا يستطاب ، وأكله سَفَهٌ.

مسألة ٩٠ : يجوز بيع المطبوخ بالني‌ء من جنسه ومن غير جنسه‌ ، وكذا المطبوخ بالمطبوخ ، لكن يعتبر في المتّحد جنسه تساوي القدر والحلول دون غيره ، عند علمائنا ؛ عملاً بالأصل.

وقال الشافعي : لا يجوز بيع المطبوخ بالني‌ء(٣) مع اتّحاد الجنس مطلقاً ؛ لأنّ النار تعقد أجزاءه فتختلف فيؤدّي ذلك إلى التفاضل بينهما لو كانا على حالة الادّخار(٤) .

____________________

(١) اُنظر : المجموع ٩ : ٣٩٨ ، و ١٠ : ١٨٥.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٨ ، المجموع ٩ : ٣٩٨ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥.

(٣) في نسختين من التذكرة ، المرموز لهما بـ « خ ، ه‍ » المعتمدتين في تحقيق قسم البيع ( الجزء السابع ) منها المطبوع بمطبعة النجف عام ١٣٧٤ ه‍ زيادة : ولا بيع المطبوخ بالمطبوخ.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٣ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٨.

١٨١

وينتقض بالتمر ؛ فإنّ الشمس تُجفّفه ، ويختلف جفافها فيه. ولأنّ ذلك غير معتدّ به ؛ لعدم العلم بجفافه أزيد.

إذا ثبت هذا ، فإنّ عصير العنب جنس يباع بعضه ببعضٍ متساوياً - وبه قال الشافعي(١) - لأنّ حالته حالة كمال ، ولا ينقص إذا بلغ إلى حالة كماله بالحموضة. وكذا عصير الرمّان والسفرجل والتفّاح وقصب السُّكّر.

ويجوز بيع بعض هذه الأجناس بجنس آخر منها متفاضلاً ؛ لتعدّدها جنساً. وكذا إن طُبخت بالنار أو بعضها ، عندنا مطلقاً وعند الشافعي مع اختلاف الجنس لا اتّفاقه ، فلا يجوز عنده بيع المطبوخ بالمطبوخ ولا بغيره إذا اتّفق الجنس(٢) .

مسألة ٩١ : جيّد كلّ شي‌ء ورديئه جنس لا يباع أحدهما بالآخر متفاضلاً لا نقداً ولا نسيئةً‌ ، ويجوز متساوياً نقداً لا نسيئةً ، عند علمائنا ، فلا يجوز بيع درهم صحيح بدرهم مكسّر مع زيادة تقابل الصحّة ، وبه قال الشافعي ، خلافاً لمالك ، وقد تقدّم(٣) .

مسألة ٩٢ : يجوز بيع الجنسين المختلفين بأحدهما‌ إذا زاد على ما في المجموع من جنسه بحيث تكون الزيادة في مقابلة المخالف ، وذلك كمُدّ عجوة ودرهم بمُدَّيْ عجوة أو بدرهمين أو بمُدَّيْ عجوة ودرهمين ، عند علمائنا أجمع - وبه قال أبو حنيفة(٤) - حتى لو باع ديناراً في خريطة‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٣ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٥٠ ، حلية العلماء ٤ : ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦ ، المغني ٤ : ١٦٥ - ١٦٦.

(٢) اُنظر : المغني ٤ : ١٦٥ - ١٦٦ ، والشرح الكبير ٤ : ١٦٣.

(٣) تقدّم في ص ١٤٦ ، الفرع ( ب ) من المسألة ٧٧.

(٤) حلية العلماء ٤ : ١٧٠ - ١٧١ ، الحاوي الكبير ٥ : ١١٣ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٧ - ٣٤٨.

١٨٢

بمائة دينار ، جاز.

لنا : الأصل السالم عن معارضة الربا ؛ لأنّ الربا هو بيع أحد المثلين بأزيد منه من الآخر ، والمبيع هنا المجموع ، وهو مخالف لأفراده.

وما رواه أبو بصير قال : سألته عن السيف المفضّض يباع بالدراهم؟

قال : « إذا كانت فضّته أقلّ من النقد فلا بأس ، وإن كانت أكثر فلا يصلح »(١) .

وسأله عبد الرحمن بن الحجّاج عن شراء ألف درهم ودينار بألفي درهم ، قال : « لا بأس بذلك »(٢) .

ولأنّ أصل العقود الصحّة ، ومهما أمكن حمله عليها لم يحمل على الفساد ، كشراء اللحم من القصّاب ، فإنّه سائغ ؛ حملاً على التذكية ، ولا يحمل على الميتة وإن كان الأصل ؛ لأنّ أصالة الصحّة أغلب. وكذا لو اشترى إنسان شيئاً بمال معه ، حُمل على أنّه له ليصحّ البيع.

وهنا يمكن حمل العقد على الصحّة بأن يجعل الخريطة في مقابلة ما زاد على الدينار ، فيصحّ العقد ، وفي مسألة مُدّ عجوة بصرف المـُدّ الآخر من التمر في مقابلة الدرهم ، أو صرف الدرهم إلى الدرهم والدرهم الآخر في مقابلة المـُدّ ، أو صرف مُدّ عجوة إلى الدرهمين والدرهم إلى المـُدَّيْن.

وقال الشافعي : لا يجوز ذلك كلّه - وبه قال أحمد - لأنّ فضالة بن عبيد قال : شريت يوم خيبر قلادة فيها ذهب وخزر ، فذكرت ذلك لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : « لا يباع مثل هذا حتى يفصل »(٣) .

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١١٣ / ٤٨٩ ، الاستبصار ٣ : ٩٨ / ٣٣٩.

(٢) الكافي ٥ : ٢٤٦ / ٩ ، الفقيه ٣ : ١٨٥ / ٨٣٤ ، التهذيب ٧ : ١٠٤ / ٤٤٥.

(٣) صحيح مسلم ٣ : ١٢١٣ / ٩٠ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٤٩ / ٣٣٥٢ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٥٦ / ١٢٢٥ ، والعزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٤ - ٨٥.

١٨٣

ولأنّ العقد إذا جمع عوضين ، وجب أن ينقسم أحدهما على الآخر على قدر قيمة الآخر في نفسه ، فإن كان مختلف القيمة ، اختلف ما يأخذه(١) من العوض ، كما لو باع ثوبين بدراهم ، فإذا احتيج إلى معرفة ثمن كلٍّ منهما ، قوّم الثوبين وقسّم على قدر القيمتين ، فلو كانت قيمة أحدهما ستّة والآخر ثلاثة وبِيعا بعشرة ، بسطت عليهما أثلاثاً. وبهذا الطريق يعرف قيمة شقص الشفعة ، المنضمّ إلى غيره. وكذا لو تلف أحد العبدين المبيعين صفقةً في يد البائع قبل القبض ، فكذا هنا إذا باع مُدّاً ودرهماً بمُدَّيْن ، فينظر إلى ما يساوي الدرهم ، فيكون مُدّاً ونصفاً ، فيخصّ الدرهم ثلاثة أخماس المـُدَّيْن(٢) .

والجواب : جاز أن يكون في القلادة من الذهب ما يزيد ، فتجب معرفة القدر ، فلهذا أوجب الفصل. وقسط الثمن لا يقتضي شراء كلّ جزء بما قسط عليه من الثمن.

فروع :

أ - لو باع نوعين من جنس واحد مختلفي القيمة بنوعٍ واحد ، كدينار معزّي ودينار أبريزي بدينارين أبريزية ، جاز مع التساوي قدراً ، ولا اعتبار بالقيمة عندنا. وكذا لو باع درهماً صحيحاً بدرهم مكسور أو درهماً صحيحاً ودرهماً مكسوراً بصحيحين أو مكسورين ، سواء قلّت قيمة المكسور عن‌

____________________

(١) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : ما يأخذ. وما أثبتناه من المغني والشرح الكبير.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٠ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٧ ، حلية العلماء ٤ : ١٧٠ ، الحاوي الكبير ٥ : ١١٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٤ - ٨٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣ ، المغني ٤ : ١٦٩ - ١٧٠ ، الشرح الكبير ٤ : ١٧٠ - ١٧١.

١٨٤

قيمة الصحيح أو لا. وكذا درهم وثوب بدرهمين ، وبه قال أحمد في الجنس الواحد(١) ، كبيع دينارين مختلفين بدينارين متّفقين ، وكبيع مكسور وصحيح بمكسورين أو صحيحين.

وجوّزه أبو حنيفة مطلقاً ، ومَنَعه الشافعي مطلقاً ، وقد تقدّم(٢) .

والأصل أنّ الصنعة لا قيمة لها في الجنس ، ولهذا لا يجوز بيع المصوغ بأكثر متفاضلاً.

ب - لو تلف الدرهم المعيّن المنضمّ إلى المـُدّ قبل قبضه أو ظهر استحقاقه‌ وكان المثمن مُدَّيْن ودرهمين ، احتمل بطلان البيع في الجميع حذراً من الربا ؛ لاستلزام بسط الثمن على أجزاء المبيع إيّاه ، فتلفُ نصفه - على تقدير مساواة المـُدّ درهماً - يقتضي سقوط النصف من الثمن ، فيصير ثمن المـُدّ الثاني مُدّاً ودرهماً.

ويحتمل البطلان في التخالف ؛ فإنّ المقتضي لصحّة هذا البيع صرف كلّ جنس إلى ما يخالفه لتحصل السلامة من الربا ، فالدرهم في مقابلة المـُدَّيْن خاصّة ، ويبقى المـُدّ في مقابلة الدرهمين.

ويحتمل التقسيط ؛ لأنّه مقتضى مطلق العقد ، والربا المبطل إنّما يعتبر حين العقد ، وهو في تلك الحال كان منفيّاً.

ج - لو باعه مُدّاً ودرهماً بمُدَّيْن ثمّ تلف الدرهم المعيّن وكان المـُدّ المضاف إليه يساوي درهماً ، وكلٌّ من المـُدَّيْن يساوي درهماً أيضاً ، بقي مُدٌّ في مقابلة المـُدّ الآخر ، وبطل البيع في المـُدّ الثاني.

ولو كان يساوي درهمين ، فقد تلف ثلث العوض ، فيبطل من الآخر ثلثه ، فيبقى مُدٌّ في مقابلة مُدٌّ وثلث مُدٌّ ، ولا يثبت الربا هنا ؛ لأنّ الزيادة‌

____________________

(١) المغني ٤ : ١٧١ ، الشرح الكبير ٤ : ١٧١ - ١٧٢.

(٢) في ١٤٦ - ١٤٧ ، الفرع ( ب ) من المسألة ٧٧.

١٨٥

حصلت بالتقسيط الثابت بعد صحّة البيع.

د - لو كان كلٌّ من المـُدَّيْن لواحدٍ فباعهما أحدهما ولم يُجز الآخر ، بطل البيع في مُدّه ، وسقط من الثمن نصف المـُدّ ونصف درهم ، وثبتا للبائع في مقابلة مُدّه إن تساويا قيمةً ، ولو اختلفا فكانت قيمة مُدّ الفاسخ نصفَ قيمة مُدّ البائع ، كان للبائع ثلثا مُدٍّ وثلثا درهمٍ عوض مُدّه.

ه- لو باعه مُدّاً ودرهماً بمُدَّيْن فتلف الدرهم قبل القبض وهو يساوي مُدّاً ونصفاً ، فالذي يخصّ الدرهم ثلاثة أخماس المـُدَّيْن ، فيبقى مُدٌّ في مقابلة أربعة أخماس مُدٍّ ، ويجي‌ء الاحتمالات.

و - لو باعه درهماً صحيحاً ومكسوراً بدرهمين صحيحين ثمّ تلف الصحيح المعيّن ، بسطت قيمة الصحيحين على الصحيح والمكسور ، وسقط ما قابل الصحيح منها ، ويجي‌ء الاحتمالات.

مسألة ٩٣ : يجوز بيع شاة في ضرعها لبن بمثلها‌ ، وبشاة خالية من اللبن ، وبلبن من جنسها ، عند علمائنا ، خلافاً للشافعي(١) .

لنا : الأصل السالم عن معارضة الربا ؛ لأنّ الشاة ليست مقدّرةً بالكيل والوزن ، ولا اللبن الذي في ضرعها ، وإنّما يكون مكيلاً أو موزوناً بعد حلبه ، فأشبه الثمرة على رؤوس النخل. ولأنّه ما دام في الضرع يكون تابعاً للمبيع ليس مقصوداً بالذات.

احتجّ بأنّ اللبن يأخذ قسطاً من الثمن ؛ لحديث المصرّاة ، فإنّ النبيّعليه‌السلام أوجب مع ردّها بعينها صاعاً من تمر(٢) ، ولو لا دخوله في العقد وتقسيط‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٤ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٥٣ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٢٥ ، حلية العلماء ٤ : ١٨٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٦١.

(٢) صحيح البخاري ٣ : ٩٣ ، صحيح مسلم ٣ : ١١٥٥ / ١١ ، سنن أبي داوُد ٣ : =

١٨٦

الثمن عليه ، لم يضمنه ، كما أنّ المشتري إذا ردّ المبيع بعيبٍ بعد أن حدث عنده نماء أو ولد في يده ، لم يردّ عوض ذلك. ولأنّ اللبن في الضرع كالشي‌ء في الوعاء والدراهم في الخزانة ، وإذا كان له قسط من الثمن ، كان بيع لبن مع غيره بلبن.

والجواب : المنع من أخذه قسطاً من الثمن ، وإلزامه بالصاع ؛ لأنّه فصل اللبن عن الشاة وانتفع به ، والبحث في المتّصل في أساسات الحيطان ، فإنّها تتبع الدار ، ولو قُلعت ، قُوّمت بانفرادها.

سلّمنا ، لكنّ البيع وقع للجملة لا للأجزاء ، ألا ترى أنّه لا يجوز بيعه منفرداً؟

فروع :

أ - لو باع الشاة اللبون بلبن البقر ، جاز عندنا ؛ لأنّه يجوز بيعه بلبن الشاة ، فلبن غيره أولى.

وللشافعي قولان(١) مبنيّان على أنّ الألبان هل هي جنس واحد أو أجناس متعدّدة؟ فعلى الأوّل لا يجوز ، ويجوز على الثاني. ويجب التقابض عنده في الحال قبل التفرّق ، لأنّه بيع لبن بلبن من جنس آخر.

ب - لو كانت الشاة لا لبن فيها ، جاز بيعها بلبن جنسها أو ( من غير )(٢) جنسها. وكذا لو كان في ضرعها لبن فحلبه ثمّ باعها بلبن ، جاز‌

____________________

= ٢٧٠ / ٣٤٤٣ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٥٣ / ١٢٥١ ، سنن النسائي ٧ : ٢٥٣ و ٢٥٤ ، سنن البيهقي ٥ : ٣١٨ و ٣١٩.

(١) اُنظر : التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٥٣ ، والحاوي الكبير ٥ : ١٢٣ - ١٢٥ ، والعزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٩ ، وروضة الطالبين ٣ : ٦١.

(٢) بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجريّة : بغير.

١٨٧

- وبه قال الشافعي(١) - لأنّ المتخلّف في الضرع يسير لا يحلب في العادة ، فلا عبرة له.

ج - لو كانت مذبوحةً وفي ضرعها لبن ، جاز بيعها بلبن ، وبشاة مذبوحة في ضرعها لبن ، وبخالية من لبن. وبحيّةٍ ذات لبن وخاليةٍ عنه ، وبلبن من جنسها.

وقال الشافعي : لا يجوز إذا كان في الشاة المذبوحة لبن ، وإن لم يكن في ضرعها لبن ، جاز إذا سُلّمت لتزول جهالتها(٢) .

د - قد بيّنّا أنّه يجوز بيع شاة في ضرعها لبن بشاة في ضرعها لبن. ومَنَعه أكثر الشافعيّة(٣) .

وليس بشي‌ء ؛ لأنّ اللبن المتّصل بأصله لا اعتبار به في العوضين ، كما يجوز بيع السمسم بمثله من غير اعتبار الدهن فيهما ، وكذا لو باع داراً مموّهة بالذهب بمثلها أو داراً فيها بئر ماءٍ بمثلها.

احتجّوا بأنّ اللبن في الضرع بمنزلة كونه في الآنية ، فكأنّه باع شاةً ولبناً بشاة ولبن ، ولو كان اللبنان منفصلين ، لم يجز ، وكذا إذا كانا في الضرع.

ثمّ فرّقوا بين السمسم بمثله وبين المتنازع بأنّ الدهن غير موجود فيه بصفته وإنّما يحصل بالتخليص والطحن.

والماء غير مملوك عند بعضهم ، ولا يدخل في البيع ، بل كلّ مَنْ

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٦١.

(٢) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر. وحكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ٦٢ ، المسألة ١٠٠.

(٣) اُنظر المصادر في الهامش (١) من ص ١٨٥.

١٨٨

أخذه استحقّه. وعند آخرين أنّه مملوك وأصل في البيع إلّا أنّ في ثبوت الربا في الماء قولين ، فإن نفيناه عنه ، فلا بحث ، وإلّا منعنا من بيع الدار بالدار وفيهما ماء.

والجواب : المنع من مساواة كون اللبن في الضرع لكونه في الإناء ؛ لأنّه بعد الحلب مقدّر بكيل أو وزن ، بخلاف كونه في الضرع. ولأنّه كالجزء من الشاة تابع للمبيع لا أصلا ، بخلاف المحلوب.

وما ذكروه في دهن السمسم ينقض عليهم المنع من بيع السمسم بالشيرج ، فإنّه إذا لم يكن في السمسم بصفته ، لم يمنع مانع من بيعه بالدهن. وكون الماء غير مملوك باطل.

ه- يجوز بيع نخلة فيها ثمر بنخلة مثمرة أو بثمرة أو بنخلة خالية ؛ لما مرّ في الشاة ، خلافاً للشافعي(١) .

مسألة ٩٤ : كلّ ما لَه حالتا رطوبة وجفاف من الربويّات يجوز بيع بعضه ببعض‌ مع تساوي الحالين إذا اتّفق الجنس. وإن اختلف ، جاز مطلقاً ، فيجوز بيع الرطب بمثله ، والعنب بمثله ، والفواكه الرطبة بمثلها ، والحنطة المبلولة بمثلها ، واللحم الطري بمثله ، والتمر والزبيب والفواكه الجافّة ، والمقدَّد والحنطة اليابسة كلّ واحد بمثله - وبه قال مالك وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمّد وأحمد والمزني(٢) - لوجود المقتضي ، وهو عموم الحلّ ، السالم عن معارضة الربا ؛ لتساويهما في الحال وفيما بعدُ. فإن اختلفا في حالة اليبس ، فبشي‌ء يسير لا اعتبار به كالتمر الحديث‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٥ : ١٢٥.

(٢) المدوّنة الكبرى ٤ : ١٠٢ ، المنتقى - للباجي - ٤ : ٢٤٣ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٨٨ ، المغني ٤ : ١٤٥ ، الشرح الكبير ٤ : ١٦٤ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٣٤ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥.

١٨٩

بالعتيق. ولأنّ معظم منفعته في حال رطوبته ، فجاز بيع بعضه ببعضٍ ، كاللبن.

وقال الشافعي : لا يجوز بيع الرطب بالرطب متساوياً ؛ لأنّهما على غير حالة الادّخار ، ولا نعلم تساويهما في حالة الادّخار ، فلم يجز بيع أحدهما بالآخر ، كالرطب بالتمر(١) .

وهو ضعيف ؛ لما بيّنّا من التفاوت اليسير.

وينتقض بالرطب الذي لا يصير تمراً في العادة ، كالبربن وشبهه ، فإنّ فيه قولين(٢) ، وكذا الفواكه التي لا تجفّف والبقول.

وأمّا إن باع بعض الجنس الواحد ببعض مع اختلاف الحالين ، كبيع الرطب بالتمر ، والعنب بالزبيب ، واللحم الطري بالمقدَّد ، والحنطة المبلولة باليابسة ، والفاكهة الجافّة بالرطبة ، فالمشهور عند علمائنا : المنع وإن تساويا قدراً - وبه قال سعد بن أبي وقّاص وسعيد بن المسيّب ومالك وأحمد والشافعي وإسحاق وأبو يوسف ومحمّد(٣) - لما رواه الجمهور : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله سُئل عن بيع الرطب بالتمر ، فقال : « أينقص الرطب إذا يبس؟ » فقالوا : نعم ، فقال : « فلا إذَنْ »(٤) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام

____________________

(١) مختصر المزني : ٧٧ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨١ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٣ ، شرح السنّة - للبغوي - ٥ : ٦٠ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨١ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١ ، المغني ٤ : ١٤٥ ، الشرح الكبير ٤ : ١٦٤.

(٣) المغني ٤ : ١٤٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٦١ ، بداية المجتهد ٢ : ١٣٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨١ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٣ ، شرح السنّة - للبغوي - ٥ : ٥٩ - ٦٠ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥.

(٤) سنن الدار قطني ٣ : ٥٠ / ٢٠٦ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٣٨ ، المغني ٤ : ١٤٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٩.

١٩٠

قال : « لا يصلح التمر اليابس بالرطب من أجل أنّ اليابس يابس والرطب رطب ، فإذا يبس نقص »(١) .

ولأنّه جنس يجري فيه الربا بِيع بعضه ببعض على صفة يتفاضلان في حال الكمال والادّخار ، فوجب أن لا يجوز ، كالحنطة بالدقيق.

وقال بعض(٢) علمائنا بالجواز مع التساوي - وبه قال أبو حنيفة(٣) - لأنّ الصادقعليه‌السلام سُئل عن العنب بالزبيب ، قال : « لا يصلح إلّا مِثْلاً بمثل » قال : « والتمر والرطب مِثْلاً بمثل»(٤) .

ولأنّه وجد التساوي فيه كيلاً حال العقد ، فالنقصان بعد ذلك لا يؤثّر فيه ، كالحديث والعتيق.

والرواية ضعيفة ؛ لأنّ سماعة في طريقها. والقياس لا يُسمع في مقابلة النصّ ، مع قيام الفرق ؛ فإنّ الحديث والعتيق على صفة الادّخار ولقلّة النقصان فيه لا يمكن الاحتراز عنه.

فروع :

أ - نبّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في قوله : « أينقص إذا جفّ؟ »(٥) على علّة الفساد ، وأنّ المماثلة عند الجفاف تعتبر - وإلّا فهوعليه‌السلام يعلم النقصان عند الجفاف - [ و ](٦) جَعْل الوصف المنصوص عليه علّةً بالنصّ يقتضي‌

____________________

(١) التهذيب ٧ : ٩٤ / ٣٩٨ ، الاستبصار ٣ : ٩٣ / ٣١٤.

(٢) هو ابن إدريس في السرائر ٢ : ٢٥٨ - ٢٥٩.

(٣) بدائع الصنائع ٥ : ١٨٨ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٣١ ، شرح السنّة - للبغوي - ٥ : ٥٩ - ٦٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٩ ، المغني ٤ : ١٤٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٦١.

(٤) التهذيب ٧ : ٩٧ / ٤١٧ ، الاستبصار ٣ : ٩٢ / ٣١٣.

(٥) اُنظر : المصادر في الهامش (٤) من ص ١٨٩.

(٦) أضفناها لأجل السياق.

١٩١

العموميّة في جميع صُور موارده.

ب - لا خلاف في جواز بيع الرطب بالتمر في صورة العرايا ، وسيأتي إن شاء الله تعالى.

ج - قد بيّنّا عموميّة الحكم في جميع صُور الوصف الذي هو النقص عند الجفاف ، وأنّه لا يجوز بيع رطبه بيابسه ، سواء اتّفقت العادة بضبط الناقص أو لا. ويجوز عندنا بيع رطبه برطبه متساوياً ، خلافاً للشافعي(١) في الأخير.

وحكى إمام الحرمين وجهاً للشافعي في المشمش والخوخ وما لا يعمّ تجفيف رطبه أنّه يجوز بيع بعضه ببعض في حال الرطوبة ؛ لأنّ رطوبتها أكمل أحوالها ، والتجفيف ، في حكم النادر(٢) .

د - يجوز بيع الحنطة المقليّة بمثلها متساوياً وبغير المقليّة ؛ لقلّة الرطوبة فيها.

وخالف الشافعي(٣) فيهما معاً.

ه- لا يجوز بيع الحنطة وفروعها بالنخالة متفاضلاً ؛ لأنّهما جنس واحد ؛ حيث إنّ أصلهما الحنطة.

وقال الشافعي : يجوز ؛ لأنّ النخالة ليست مطعومةً(٤) .

ونحن نمنع التعليل بالطعم.

و - لا يجوز بيع الحنطة المسوّسة بالحنطة المسوّسة إذا لم يبق فيها‌

____________________

(١) اُنظر المصادر في الهامش (١) من ص ١٨٩.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥.

(٣) الحاوي الكبير ٥ : ١٣٥ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦.

١٩٢

لبٌّ إلّا متساوياً ، خلافاً للشافعي ؛ فإنّه سوّغ البيع مع التفاضل ، حيث علّل بالطعم(١) . وهو ممنوع.

ز - المأكولات التي لا تكال ولا توزن كالمعدودات لا ربا فيها عندنا ، إلّا على رأي مَنْ يُثبت الربا في المعدودات.

وللشافعي قولان ، ففي القديم : لا ربا فيها. وفي الجديد : يثبت(٢) .

فعلى قولنا وقوله القديم يجوز التفاضل فيها ، كرُمّانة برُمّانتين وسفرجلة بسفرجلتين. وعلى الجديد لا يجوز بيع المتفاضل.

وأمّا مع التساوي : فإن كان ممّا ييبس وتبقى منفعته يابساً كالخوخ المشمّس ، فإذا جفّ ، جاز بيع بعضه ببعض متساوياً ، ولا يجوز بيع بعضه ببعض رطباً عنده(٣) ، كما لا يجوز بيع الرطب بالرطب عنده(٤) .

وإن كان ممّا لا ييبس ولا ينتفع بيابسه كالقثّاء والخيار وشبههما ، ففي جواز بيع بعضه ببعض رطباً متساوياً قولان : المنع ، نصّ عليه في الاُم ؛ لأنّ بعضه يحمل من الماء أكثر من البعض. والجواز ؛ لأنّ معظم منفعته في حال رطوبته ، فجاز ، كاللبن باللبن. وكذا حكم الرطب الذي لا يصلح للتجفيف والعنب الذي لا يصلح لذلك(٥) .

ثمّ إنّ هذا المبيع إن كان ممّا لا يمكن كيله ، كالقثّاء والبطّيخ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٧ و ٢٧٨ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٣٤ - ٣٣٧ ، شرح السنّة - للبغوي - ٥ : ٤٤ ، المجموع ٩ : ٣٩٧ ، حلية العلماء ٤ : ١٤٨ - ١٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤ - ٤٥.

(٣ و ٤ ) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١ و ٥٥.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٢ و ٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١ و ٥٥.

١٩٣

والخيار وما أشبهه ، فإنّه يباع بعضه ببعض وزناً متساويين عنده ، وإن كان ممّا يمكن كيله ووزنه ، كالتفّاح والخوخ الصغار ، فوجهان : جواز بيع بعضه ببعض وزناً ؛ لأنّه أحصر له. والكيل ؛ لأنّ الاُصول الأربعة كلّها مكيلة ، فرُدّت إليها(١) .

مسألة ٩٥ : يجوز بيع مُدّ حنطة فيها قَصَل‌ٌ - وهو عقد التبن - أو زُؤان - وهو حبّ أسود غليظ الوسط - أو تراب بمجرى العادة بمُدّ حنطة مثله أو بخالص من ذلك ، عند علمائنا ، وكذا إذا كان في أحدهما شعير ، سواء كثر عن الآخر أو ساواه ، وسواء زاد في الكيل أو لا ؛ عملاً بالأصل السالم عن الربا ؛ لأنّ التقدير تساويهما وزناً أو كيلاً. والقَصَل والزُّؤان والتراب بمجرى العادة والشعير لا يؤثّر ؛ لقلّته ، فأشبه الملح في الطعام والماء اليسير في الخلّ.

وقال الشافعي : لا يجوز بيعه بمثله ولا بالخالص. أمّا بمثله : فللاختلاف ؛ إذ قد يكون القَصَل وشبهه في أحدهما أكثر. وأمّا بالخالص : فلتفاضل الحنطتين. أمّا إذا كان التراب يسيراً جدّاً بحيث لا يزيد في الكيل ، فإنّه يجوز بيعه بمثله لا بالخالص. وكذا التبن الناعم جدّاً ؛ لأنّه لا يأخذ قسطاً من المكيال ؛ لأنّه يكون في خلل الحنطة ، فلا يؤدّي إلى تفاضل الكيل وتفاوت الحنطتين. ولا يجوز فيما يوزن وإن قلّ التراب ، عنده ؛ لأنّ قليله يؤثّر في الميزان(٢) .

تذنيب : حكم الدرديّ في الخَلّ والثفل في البزر‌ حكم التراب في‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨١ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٩ - ٣٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤.

١٩٤

الحنطة.

تنبيه : لو كان أحد العوضين مشتملاً على الآخر غير مقصود ، صحّ مطلقاً ، كبيع دار مموّهة بالذهب بالذهب.

المطلب الثاني : في شرط التقدير.

قد عرفت أنّه يشترط في الربا أمران : الاتّحاد في الجنس ، وقد مضى. وكونهما مقدَّرين بالكيل أو الوزن إجماعاً.

وهل يثبت الربا مع التقدير بالعدد؟ الأصحّ : المنع ؛ عملاً بالأصل.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « لا يكون الربا إلّا فيما يكال أو يوزن »(١) .

وسُئلعليه‌السلام عن البيضة بالبيضتين ، قال : « لا بأس ما لم يكن فيه كيل ولا وزن »(٢) .

إذا تقرّر هذا ، فلا ربا إلّا فيما يكال أو يوزن مع التفاوت. ولو تساويا قدراً ، صحّ البيع نقداً.

ولو انتفى الكيل والوزن معاً ، جاز التفاضل نقداً ونسيئةً ، كثوبٍ بثوبين وبيضة ببيضتين ، سواء اختلفت القيمة أو اتّفقت.

مسألة ٩٦ : الأجناس الأربعة - أعني الحنطة والشعير والتمر والملح - مكيلة في عهده‌صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا يباع بعضها ببعض إلّا مكيلةً. ولا يجوز بيع شي‌ء منها بشي‌ء آخر من جنسها وزناً بوزن وإن تساويا ، ولا يضرّ مع الاستواء في الكيل التفاوتُ في الوزن. وأمّا الموزون : فلا يجوز بيع بعضه‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٤٦ / ١٠ ، الفقيه ٣ : ١٧٥ / ٧٨٦ ، التهذيب ٧ : ١٧ /٧٤ ، و ١٩ ، ٨١ ، و ٩٤ ، ٣٩٧ ، و ١١٨ / ٥١٥ ، الاستبصار ٣ : ١٠١ / ٣٥٠.

(٢) التهذيب ٧ : ١١٨ / ٥١٣ ، الاستبصار ٣ : ١٠٠ - ١٠١ / ٣٤٩.

١٩٥

ببعض كيلاً ، ولا يضرّ مع الاستواء في الوزن التفاوتُ في الكيل - وبه قال الشافعي(١) - لأدائه إلى التفاضل في المكيال ؛ لاحتمال أن يتفاوتا بأن يكون أحدهما أوزن وأثقل من البعض ، فيأخذ الأخفّ في المكيال أكثر فيتفاضلا في الكيل ، وقد نهى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عنه(٢) .

أمّا لو تساويا في الثقل والخفّة وعلم التفاوت(٣) بينهما ، فالأقرب : الجواز - خلافاً للشافعي(٤) - لأنّ التفاوت اليسير لا اعتبار به ، كما في قليل التراب.

أمّا الملح إذا كان قِطَعاً كباراً ، فإنّه يباع وزناً ؛ لتجافيه في المكيال ، فيعتبر حاله الآن - وهو أظهر وجهي الشافعيّة(٥) - نظراً إلى ما لَه من الهيئة في الحال.

والآخر : أنّه يسحق ويباع كيلاً(٦) . وليس بمعتمد.

وكذا كلّ ما يتجافى في المكيال يباع بعضه ببعض وزناً.

وأمّا ما عدا الأجناس الأربعة : فإنّ كان موزوناً على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فهو موزون. وكذا إن كان مكيلاً في عهدهعليه‌السلام ، حُكم فيه بالكيل ، فلو أحدث الناس خلاف ذلك ، لم يعتدّ بما أحدثوه ، وكان المعتبر تقرير الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أو العادة في عهدهعليه‌السلام ، وبه قال الشافعي(٧) .

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٤ - ٣٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩.

(٢) صحيح مسلم ٣ : ١٢١٠ / ١٥٨٧.

(٣) في « ق » : « التقارب » بدل « التفاوت ».

(٤) اُنظر : المصادر في الهامش (١).

(٥ و ٦ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠.

(٧) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠.

١٩٦

وحكي عن أبي حنيفة أنّه يعتبر فيه عادات البلدان(١) .

وقد روى ابن عمر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « المكيال مكيال المدينة والميزان ميزان مكة »(٢) .

ولأنّ المعتاد في زمانهعليه‌السلام يضاف التحريم إليه كيلاً أو وزناً ، فلا يجوز أن يتغيّر بعد ذلك ؛ لعدم النسخ بعدهعليه‌السلام .

وأمّا ما لم يكن على عهدهعليه‌السلام ولا عُرف أصله بالحجاز أو لم يكن أصلاً في الحجاز فإنّه يرجع فيه إلى عادة البلد ، وبه قال أبو حنيفة ؛ فإنّه قال : المكيلات المنصوص عليها مكيلات أبداً ، والموزونات موزونات أبداً ، وما لم ينصّ عليه فالمرجع فيه إلى عادة الناس(٣) ؛ لأنّ أنساً قال: إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « ما وزن مِثْلاً بمِثْل إذا كان نوعاً واحداً ، وما كِيل منه مِثْلاً بمِثْل إذا كان نوعاً واحداً »(٤) .

ولأنّ غير المنصوص قد عُهد من الشارع ردّ الناس فيه إلى عوائدهم ، كما في القبض والحرز والإحياء ، فإنّها تُردّ إلى العرف ، وكذا هنا.

وللشافعي وجهان :

أحدهما : أنّه يردّ إلى عادة الحجاز في أقرب الأشياء شبهاً به ، كالصيد يتبع فيه ما حكمت الصحابة به في قتل المحرم. وما لم يحكم فيه بشي‌ء يردّ إلى أقرب الأشياء شبهاً به.

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٥ ، حلية العلماء ٤ : ١٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٠.

(٢) مصابيح السنّة ٢ : ٣٣٨ ، ٢١٢١ ، المعجم الكبير - للطبراني - ١٢ : ٣٩٢ / ٣٩٣ ، ١٣٤٤٩ ، حلية الأولياء ٤ : ٢٠ ، وفيها : « مكيال أهل المدينة ميزان أهل مكة ».

(٣) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٦٢ ، الكتاب - بشرح اللباب - ١ : ٢٦٦ - ٢٦٧.

(٤) سنن ، الدارقطني ٣ : ١٨ / ٥٨ ، المغني ٤ : ١٣٦ - ١٣٧.

١٩٧

والثاني : يعتبر عادة البلاد ويحكم فيه بالغالب ، كما في الحرز والإحياء والقبض حين ردّ الناس فيه إلى العرف. وينبغي أن يكون مع استواء البلاد فيه - فكأنّه لا يعلم الكيل أغلب عليه أو الوزن - أن يردّ إلى أقرب الأشياء شبهاً ؛ لتعذّر العرف فيه(١) .

فروع :

أ - ما أصله الكيل يجوز بيعه وزناً سلفاً وتعجيلاً ، ولا يجوز بيعه بمثله وزناً ؛ لأنّ الغرض في السلف والمعجّل بغير جنسه معرفة المقدار ، وهو يحصل بهما ، والغرض هنا المساواة ، فاختصّ البيع في بعضه ببعض به.

ب - إذا كان الشي‌ء يكال مرّة ويوزن اُخرى ولم يكن أحدهما أغلب ، فالوجه : أنّه إن كان التفاوت بين المكاييل يسيراً ، جاز بيع بعضه ببعضٍ متماثلاً وزناً وكيلاً. وإن كان التفاوت كثيراً ، لم يجز بيعه وزناً ، بل كيلاً.

وقال بعض الشافعيّة : إن كان أكبر جرماً(٢) ، اعتبر الوزن ؛ لأنّه لم يعهد في الحجاز الكيل فيما هو أكبر جرماً من التمر. وإن كان مثله أو أصغر ، فوجهان : الوزن ؛ لقلّة تفاوته. والكيل ؛ لعمومه ؛ فإنّ أكثر الشبه مكيل(٣) .

وقال بعضهم : ينظر إلى عادة الوقت(٤) .

____________________

(١) اُنظر العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨١.

(٢) أي : أكبر جرماً من التمر.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠.

١٩٨

ج - لو كان الشي‌ء يباع في بعض البلاد جزافا وفي بعضها كيلا أو وزنا‌ ولم يكن له أصل أو لم يعرف ، قال الشيخ : يحكم بالربا بالاحتياط(١) .

وقيل : يحكم بعادة البلد الذي يقع فيه(٢) .

د - لو اختلفت البلدان فكان في بعضها يباع كيلا وفي بعضها يباع وزناً وفي بعضها جزافاً ، فالوجه : ما تقدّم أيضاً من أنّ لكلّ بلد حكم نفسه ، فيحرم التفاضل فيه إذا كان في بلد يكال أو يوزن. ويجوز في غيره.

وقال بعض الشافعيّة : الاعتبار بعادة أكثر البلدان ، فإن اختلفت العادة ولا غالب ، اعتبر بأشبه الأشياء به(٣) .

وقال بعضهم : الاعتبار بعادة بلد البيع(٤) .

ه- لا فرق بين المكيال المعتاد في عصر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وسائر المكاييل المحدثة بعده ، كما أنّا إذا عرفنا التساوي بالتعديل في كفّتي الميزان ، نكتفي به وإن لم نعرف قدر ما في كلّ كفّة.

و - لا بُدّ في المكيال من معرفة مقداره ، فلا يجوز التعويل على قصعة ونحوها ممّا لا يعتاد الكيل بها ، إلّا إذا عرف نسبتها إلى الصاع. وكذا الوزن لا بُدّ من اعتباره بالأرطال المعهودة المقدّرة في نظر الشرع ، فلو عوّلا على صنجة مجهولة ، لم يصحّ.

وقد يمكن الوزن بالماء بأن يوضع الشي‌ء في ظرف ويلقى على الماء وينظر إلى مقدار غوصة. لكنّه ليس وزناً شرعيّاً ولا عرفيّاً ، فيحتمل التعويل‌

____________________

(١) النهاية : ٣٧٨.

(٢) القائل هو المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام ٢ : ٤٥ ، والمختصر النافع : ١٢٧.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠.

١٩٩

في الربويّات عليه.

مسألة ٩٧ : ما يباع كيلاً أو وزناً لا يجوز بيعه مجازفةً‌ - وبه قال الشافعي(١) - لما فيه من الغرر المنهيّ عنه.

ولقول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « ما كان من طعام سمّيت فيه كيلاً فلا يصلح مجازفةً »(٢) .

وقال مالك : يجوز في البادية بيع المكيل دون الموزون جزافاً(٣) ؛ لأنّ المكيال يتعذّر في البادية ، وفي التكليف به(٤) مشقّة ، فجاز بالحزر والتخمين ، كبيع التمر بالرطب في العرايا.

والجواب : نمنع تعذّر المكيال ؛ لأنّه يمكن بالقصعة وشبهها ممّا لا يخلو أحد عنه غالباً ، ويُعلم تقديره إمّا تحقيقاً أو تقريباً. نعم ، الميزان يتعذّر غالباً. ويعارض بأنّ الكيل معنى يعتبر المماثلة والمساواة به فيما يجري فيه الربا ، فاستوى فيه الحضر والبادية كالوزن. وبيع العرايا مستثنى ؛ لحاجة الفقراء إلى الرطب.

فروع :

أ - المراد جنس المكيل والموزون وإن لم يدخلاه‌ إمّا لقلّته كالحبّة والحبّتين أو لكثرته كالزُّبْرة(٥) العظيمة.

ب - إذا خرج بالصنعة عن الوزن ، جاز التفاضل فيه ، كالثوب‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٤.

(٢) الفقيه ٣ : ١٤٣ / ٦٢٧ ، التهذيب ٧ : ١٢٢ / ٥٣٠ ، الاستبصار ٣ : ١٠٢ / ٣٥٥.

(٣) حلية العلماء ٤ : ١٦٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٢.

(٤) في « ق ، ك» : وفي تكليفهم إيّاه.

(٥) أي : القطعة الضخمة من الحديد. لسان العرب ٤ : ٣١٦ « زبر ».

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333