تذكرة الفقهاء الجزء ٦

تذكرة الفقهاء17%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-46-9
الصفحات: 333

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 333 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 228562 / تحميل: 5433
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٦

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٤٦-٩
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

والجمهور كافة - إلّا قتادة - على سقوط الكفّارة فيهما(١) .

وقتادة أوجبها قبل الزوال وبعده(٢) .

وابن أبي عقيل من علمائنا أسقطها بعد الزوال أيضاً.

والمشهور ما بيّناه ؛ لأنّه قبل الزوال مخيَّر بين الإِتمام والإِفطار ، وبعده يتعيّن الصوم ، فلهذا افترق الزمانان في إيجاب الكفّارة وسقوطها ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « صوم النافلة لك أن تفطر ما بينك وبين الليل متى ما شئت ، وصوم قضاء الفريضة لك أن تفطر الى زوال الشمس ، فإذا زالت الشمس فليس لك أن تفطر »(٣) .

تذنيب : لو أفطر في قضاء النذر المعيّن بعد الزوال ، لم يجب عليه شي‌ء سوى الإِعادة‌ ؛ لأصالة البراءة ، وإن كان في قول الصادقعليه‌السلام ، دلالة ما على الوجوب.

مسألة ٣١ : المشهور في كفّارة قضاء رمضان : إطعام عشرة مساكين ، فإن لم يتمكّن ، صام ثلاثة أيام‌.

وقد روي : أنّه لا شي‌ء عليه(٤) . وروي : أنّ عليه كفّارة رمضان(٥) .

وتأوّلهما الشيخ - بحمل الاُولى على العاجز(٦) ، والثانية على المستخفّ بالعبادة ، المتهاون بها(٧) .

____________________

(١ و ٢ ) المغني ٣ : ٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٨ ، بداية المجتهد ١ : ٣٠٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٤.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٧٨ / ٨٤١ ، الاستبصار ٢ : ١٢٠ / ٣٨٩.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٨٠ / ٨٤٧ ، الاستبصار ٢ : ١٢١ - ١٢٢ / ٣٩٤.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٧٩ / ٨٤٦ ، الاستبصار ٢ : ١٢١ / ٣٩٣.

(٦) المبسوط للطوسي ١ : ٢٨٧.

(٧) التهذيب ٤ : ٢٧٩ ذيل الحديث ٨٤٦ ، الاستبصار ٢ : ١٢١ ذيل الحديث ٣٩٣.

٦١

وأمّا النذر المعيّن : فالمشهور أنّ في إفطاره كفّارة رمضان ؛ لمساواته إيّاه في تعيين الصوم.

وابن أبي عقيل لم يوجب في إفطاره الكفّارة ، وهو قول العامّة(١) .

تذنيب : لو صام يوم الشك بنية قضاء رمضان‌ ، ثمّ أفطر بعد الزوال ، ثمّ ظهر أنّه من رمضان، احتمل سقوط الكفّارة.

أمّا عن رمضان : فلأنّه لم يقصد إفطاره ، بل قصد إفطار يوم الشك ، وهو جائز له.

وأمّا عن قضاء رمضان : فلظهور أنّه زمان لا يصح(٢) للقضاء.

ويحتمل : وجوب كفّارة رمضان ، ويحتمل وجوب كفّارة قضائه.

مسألة ٣٢ : يشترط في إفساد الصوم بالإِفطار اُمور ثلاثة : وقوعه عنه متعمّداً ، مختاراً ، مع وجوب الصوم عليه.

أمّا شرط العمد : فإنّه عندنا ثابت إجماعاً منّا ؛ فإنّ المفطر ناسياً لا يفسد صومه مع تعيّن الزمان ، ولا يجب به قضاء ولا كفّارة عند علمائنا أجمع - وبه قال أبو هريرة وابن عمر وعطاء وطاوس والأوزاعي والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي(٣) - لما رواه العامة عن أبي هريرة قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إذا أكل أحدكم أو شرب ناسياً ، فليتمّ صومه ، فإنّما أطعمه الله وسقاه )(٤) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٨.

(٢) في « ن » : لا يصلح.

(٣) المغني ٣ : ٥٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦ ، المجموع ٦ : ٣٢٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٦ ، اختلاف العلماء : ٦٩ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٢.

(٤) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٥٣ والشرح الكبير ٣ : ٤٦ ، ونحوه في صحيح البخاري ٣ : ٤٠ ، وسنن الدار قطني ٢ : ١٧٨ - ١٧٩ / ٢٩ ، وسنن البيهقي ٤ : ٢٢٩.

٦٢

وعن عليعليه‌السلام ، قال : « لا شي‌ء على مَن أكل ناسياً »(١) .

ومن طريق الخاصة : قول الباقرعليه‌السلام : « كان أمير المؤمنينعليه‌السلام ، يقول : مَن صام فنسي فأكل وشرب فلا يفطر من أجل أنّه نسي ، فإنّما هو رزق رزقه الله فليتمّ صيامه »(٢) .

ولأنّ التكليف بالإِمساك يستدعي الشعور ، وهو منفي في حقّ الناسي ، فكان غير مكلَّف به؛ لاستحالة تكليف ما لا يطاق.

وقال ربيعة ومالك : يفطر الناسي كالعامد ؛ لأنّ الأكل ضدّ الصوم ، لأنّ الصوم كفّ ، فلا يجامعه ، وتبطل العبادة به كالناسي في الكلام في الصلاة(٣) .

ونمنع كون الأكل مطلقاً ضدّاً ، بل الضدّ هو : الأكل العمد. ونمنع بطلان الصلاة مع نسيان الكلام.

ولو فعل ذلك حالة النوم ، لم يفسد صومه ؛ لانتفاء القصد فيه والعلم ، فهو أعذر من الناسي.

أمّا الجاهل بالتحريم فإنّه غير معذور ، بل يفسد الصوم مع فعل المفطر ويكفّر.

وأمّا المـُكرَه والمتوعَّد بالمؤاخذة ، فالأقرب : فساد صومهما ، لكن لا تجب الكفّارة.

مسألة ٣٣ : قد بيّنا أنّ القصد لوصول شي‌ء إلى الجوف شرط في الإِفساد‌ ، فلو طارت ذبابة أو بعوضة إلى حلقه ، لم يفطر بذلك إجماعاً.

____________________

(١) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٥٣ ، والشرح الكبير ٣ : ٤٦ ، وانظر : سنن البيهقي ٤ : ٢٢٩.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٦٨ / ٨٠٩.

(٣) المغني ٣ : ٥٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦ ، المدونة الكبرى ١ : ٢٠٨ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٧ ، اختلاف العلماء : ٦٩ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٢.

٦٣

أمّا لو وصل غبار الطريق أو غربلة الدقيق إلى جوفه ، فإن كانا غليظين ، وأمكنه التحرّز منه ، فإنّه يفسد صومه ، ولو كانا خفيفين ، لم يفطر.

والعامة لم تفصِّل ، بل قالوا : لا يفطر(١) .

ولو أمكنه إطباق فيه أو اجتناب الطريق ، لم يفطر عندهم أيضا ؛ لأنّ تكليف الصائم الاحتراز عن الأفعال المعتادة التي يحتاج اليها عسر ، فيكون منفياً(٢) ، بل لو فتح فاه عمداً حتى وصل الغبار إلى جوفه ، فأصحّ وجهي الشافعية : أنّه يقع عفواً(٣) .

ولو وُطئت المرأة قهراً ، فلا تأثير له في إفساد صومها ، وكذا لو وُجر في حلق الصائم ماء وشبهه بغير اختياره.

وللشافعي قولان فيما لو اُغمي عليه فوُجر في حلقه معالجةً وإصلاحاً ، أحدهما : أنّه يفطر ؛ لأنّ هذا الإِيجار لمصلحته ، فكأنّه بإذنه واختياره. وأصحّهما : أنّه لا يفطر ، كإيجار غيره بغير اختياره(٤) .

وهذا الخلاف بينهم مفرَّع على أنّ الصوم لا يبطل بمطلق الإِغماء ( وإلّا فالإِيجار )(٥) مسبوق بالبطلان(٦) .

وهذا الخلاف كالخلاف في المغمى عليه المـُحرِم إذا عُولج بدواء فيه طيب هل تلزمه الفدية؟(٧) .

مسألة ٣٤ : ابتلاع الريق غير مفطر عند علمائنا‌ ، سواء جمعه في فمه‌

____________________

(١) اُنظر : فتح العزيز ٦ : ٣٨٦ ، والمجموع ٦ : ٣٢٧ ، والمغني ٣ : ٥٠ - ٥١ ، والشرح الكبير ٣ : ٤٨ - ٤٩.

(٢ و ٣ ) فتح العزيز ٦ : ٣٨٦ ، المجموع ٦ : ٣٢٧ - ٣٢٨.

(٤) فتح العزيز ٦ : ٣٨٦ - ٣٨٧ ، المجموع ٦ : ٣٢٥.

(٥) ورد بدل ما بين القوسين في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق وفي الطبعة الحجرية : ولا بالإِيجار. وما أثبتناه - وهو الصحيح - من المصدر.

(٦) فتح العزيز ٦ : ٣٨٧.

(٧) فتح العزيز ٦ : ٣٨٧ ، المجموع ٦ : ٣٢٥.

٦٤

ثم ابتلعه ، أو لم يجمعه ، وبه قال الشافعي(١) ، وهو أصحّ وجهي الحنابلة(٢) .

أمّا إذا لم يجمعه : فلأنّ العادة تقتضي بلعه ، والتحرّز منه غير ممكن ، وبه يحيى الإِنسان ، وعليه حمل بعض المفسّرين قوله تعالى( وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْ‌ءٍ حَيٍّ ) (٣) .

وأمّا إذا جمعه : فلأنّه يصل إلى جوفه من معدنه ، فأشبه إذا لم يجمعه.

وقال بعض الحنابلة : إنّه يفطر ؛ لأنّه يمكنه التحرّز عنه ، فأشبه ما لو قصد ابتلاع غيره(٤) . وهو ممنوع.

وشرط الشافعية في عدم إفطاره شروطاً :

الأول : أن يكون الريق صرفاً‌ ، فلو كان ممزوجاً بغيره متغيّراً به ، فإنّه يفطر بابتلاعه ، سواء كان ذلك الغير طاهراً ، كما لو كان يفتل خيطاً مصبوغاً فغيّر ريقه ، أو نجساً ، كما لو دميت لثته وتغيّر ريقه.

فلو ابيضّ الريق وزال تغيّره ، ففي الإِفطار بابتلاعه للشافعية وجهان : أظهرهما عندهم : الإِفطار ؛ لأنّه لا يجوز له ابتلاعه لنجاسته ، والريق إنّما يجوز ابتلاع الطاهر منه.

والثاني : عدم الإِفطار ، لأنّ ابتلاع الريق مباح ، وليس فيه عين(٥) آخر وإن كان نجساً حكماً.

وعلى هذا لو تناول بالليل شيئاً نجساً ولم يغسل فمه حتى أصبح فابتلع الريق ، بطل صومه على الأول.

الثاني : أن يبتلعه من معدنه‌ ، فلو خرج الى الظاهر من فمه ثم ردّه بلسانه‌

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٣٨٩ ، المجموع ٦ : ٣١٧.

(٢) المغني ٣ : ٤٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٧٣.

(٣) الأنبياء : ٣٠ ، وانظر : فتح العزيز ٦ : ٣٨٩.

(٤) المغني ٣ : ٤٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٧٣.

(٥) في الطبعة الحجرية بدل عين : شي‌ء.

٦٥

أو غير لسانه وابتلعه ، بطل صومه. وهذا عندنا كما ذكروا.

أمّا لو أخرج لسانه وعليه الريق ثم ردّه وابتلع ما عليه ، لم يبطل صومه عندنا - وهو أظهر وجهي الشافعية - لأنّ اللسان كيف ما يقلب معدود من داخل الفم ، فلم يفارق ما عليه معدنه.

فلو بلّ الخيّاط الخيط بالريق ، أو الغزّال بريقه ، ثم ردّه إلى الفم على ما يعتاد عند القتل ، فإن لم يكن عليه رطوبة تنفصل ، فلا بأس ، وإن كانت وابتلعها ، أفطر عندنا - وهو قول أكثر الشافعية - لأنّه لا ضرورة اليه وقد ابتلعه بعد مفارقة المعدن.

والثاني للشافعية : أنّه لا يفطر ؛ لأنّ ذلك القدر أقلّ ممّا يبقى من الماء في الفم بعد المضمضة.

وخصّص بعض الشافعية ، الوجهين بالجاهل بعدم الجواز ، وإذا كان عالماً يبطل صومه إجماعاً.

الثالث : أن يبتلعه وهو على هيئته المعتادة‌ ، أمّا لو جمعه ثم ابتلعه فعندنا لا يفطر ، كما لو لم يجمعه.

وللشافعية وجهان : أحدهما : أنّه يبطل صومه ؛ لإِمكان الاحتراز منه.

وأصحّهما : أنّه لا يبطل - وبه قال أبو حنيفة - لأنّه ممّا يجوز ابتلاعه ولم يخرج من معدنه ، فأشبه ما لو ابتلعه متفرّقاً(١) .

فروع :

أ - قد بيّنا أنّه لا يجوز له ابتلاع ريق غيره ولا ريق نفسه إذا انفصل عن فمه.

وما روي عن عائشة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يمصّ لسانها وهو‌

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٣٨٩ - ٣٩١ ، المجموع ٦ : ٣١٧ - ٣١٨ ، وبدائع الصنائع ٢ : ٩٠.

٦٦

صائم(١) ، ضعيف ؛ لأنّ أبا داود قال : إنّ إسناده ليس بصحيح(٢) .

سلّمنا ، لكن يجوز أن يمصّه بعد إزالة الرطوبة عنه ، فأشبه ما لو تمضمض بماء ثم مجّه.

ب - لو ترك في فمه حصاة وشبهها وأخرجها وعليه بلّة من الريق كغيره ثم أعادها وابتلع الريق ، أفطر.

وإن كان قليلاً فإشكال ينشأ : من أنّه لا يزيد على رطوبة المضمضة ، ومن أنّه ابتلع ريقاً منفصلاً عن فمه فأفطر به كالكثير.

ج - قد بيّنا كراهة العلك ؛ لما فيه من جمع الريق في الفم وابتلاعه ، فتقلّ مشقّة الصوم ، فيقصر الثواب. ولا فرق بين أن يكون له طعم أم لا.

ولو كان مفتّتاً فوصل منه شي‌ء إلى الجوف ، بطل صومه ، كما لو وضع سكرة في فمه وابتلع الريق بعد ما ذابت فيه.

د - لو ابتلع دماً خرج من سنّه أو لثته ، أفطر ، بخلاف الريق.

ه- النخامة إذا لم تحصل في حدّ الظاهر من الفم ، جاز ابتلاعها.

وإن حصلت فيه بعد انصبابها من الدماغ في الثقبة النافذة منه إلى أقصى الفم فوق الحلقوم ، فإن لم يقدر على صرفه ومجّه حتى نزل الى الجوف ، لم يفطر ، وإن ردّه الى فضاء الفم أو ارتدّ اليه ثم ابتلعه ، أفطر عند الشافعية(٣) .

وإن قدر على قطعه من مجراه ومجّه ، فتركه حتى جرى بنفسه ، لم يفطر. وللشافعية وجهان(٤) .

و - لو تنخّع(٥) من جوفه ثم ازدرده ، فالأقرب : عدم الإِفطار ؛ لأنّه معتاد في الفم غير واصل من خارج ، فأشبه(٦) الريق.

____________________

(١) سنن أبي داود ٢ : ٣١١ - ٣١٢ / ٢٣٨٦ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٣٤.

(٢) حكاه ابنا قدامة في المغني ٣ : ٤١ ، والشرح الكبير ٣ : ٧٤.

(٣ و ٤ ) فتح العزيز ٦ : ٣٩٣ ، المجموع ٦ : ٣١٩.

(٥) النخاعة : النخامة. الصحاح ٣ : ١٢٨٨.

(٦) في هامش « ن » : بخطّه [ أي المصنّف ] : أشبه.

٦٧

وقال الشافعي : إنّه يفطر ؛ لأنّه يمكنه(١) التحرّز منه ، فأشبه الدم ، ولأنّها من غير الفم فأشبه(٢) القي‌ء(٣) . وعن احمد روايتان(٤) .

مسألة ٣٥ : لا يفطر بالمضمضة والاستنشاق مع التحفّظ إجماعاً‌ ، سواء كان في الطهارة أو غيرها.

ولأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال للسائل عن القُبلة : ( أرأيت لو تمضمضت بماء ثم مججته أكنت مفطراً؟)(٥) .

ولأنّ الفم في حكم الظاهر ، فلا يبطل الصوم بالواصل اليه كالأنف والعين.

أمّا لو تمضمض للصلاة ، فسبق الماء الى جوفه ، أو استنشق ، فسبق الى دماغه من غير قصد ، لم يفطر عند علمائنا(٦) - وبه قال الأوزاعي وأحمد وإسحاق والشافعي في أحد القولين ، وهو مروي عن ابن عباس(٧) - لأنّه وصل الماء الى جوفه من غير قصد ولا إسراف ، فأشبه ما لو طارت الذبابة فدخلت حلقه.

ولأنّه وصل بغير اختياره ، فلا يفطر به كالغبار.

وللشافعية طريقان : أصحّهما عندهم : أنّ المسألة على قولين ، أحدهما : أنّه يفطر - وبه قال مالك وأبو حنيفة(٨) - لأنّه وصل الماء الى جوفه‌

____________________

(١) في « ن ، ف » : أمكنه.

(٢) في « ن ، ط » : أشبه.

(٣) المغني ٣ : ٤١ ، الشرح الكبير ٣ : ٧٤.

(٤) المغني ٣ : ٤١ ، الشرح الكبير ٣ : ٧٤ - ٧٥.

(٥) سنن أبي داود ٢ : ٣١١ / ٢٣٨٥ ، سنن الدارمي ٢ : ١٣ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٦١ ، المصنّف - لابن أبي شيبة - ٣ : ٦١ ، المستدرك - للحاكم - ١ : ٤٣١ بتفاوت.

(٦) في « ف » : عندنا.

(٧) المغني ٣ : ٤٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٠ - ٥١ ، المجموع ٦ : ٣٢٦ و ٣٢٧ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩٣.

(٨) المغني ٣ : ٤٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥١ ، المجموع ٦ : ٣٢٧ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩٣ ، =

٦٨

بفعله ، فإنّه الذي أدخل الماء في فمه وأنفه. والثاني - وبه قال أحمد(١) - أنّه لا يفطر.

والثاني : القطع بأنّه لا يفطر.

وعلى القول بطريقة القولين ، فما محلّهما؟ فيه ثلاث طرق ، أصحّها عندهم : أنّ القولين فيما إذا لم يبالغ في المضمضة والاستنشاق ، فأمّا إذا بالغ أفطر بلا خلاف.

وثانيها : أنّ القولين فيما إذا بالغ ، أمّا إذا لم يبالغ فلا يفطر بلا خلاف.

والفرق على الطريقين : أنّ المبالغة منهي عنها ، وأصل المضمضة والاستنشاق مرغّب فيه ، فلا يحسن مؤاخذته بما يتولّد منه بغير اختياره.

والثالث : طرد القولين في الحالتين ، فإذا تميّزت حالة المبالغة عن حالة الاقتصار على أصل المضمضة والاستنشاق ، حصل عند المبالغة للشافعي قولان مرتّبان ، لكن ظاهر مذهبهم عند المبالغة الإِفطار ، وعند عدمها الصحّة(٢) .

هذا إذا كان ذاكراً للصوم ، أمّا إذا كان ناسياً فإنّه لا يفطر بحال.

وسبق الماء عند غسل الفم من النجاسة كسبقه في المضمضة ، وكذا عند غسله من أكل الطعام.

ولو تمضمض للتبرّد ، فدخل الماء حلقه من غير قصد ، أفطر ، لأنّه غير مأمور به.

مسألة ٣٦ : قد بيّنا أنّ الأكل والشرب ناسياً غير مفطر عند علمائنا(٣) ‌سواء قلّ أكله أو كثر.

____________________

= المدونة الكبرى ١ : ٢٠٠ ، تحفة الفقهاء ١ : ٣٥٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩١‌.

(١) المغني ٣ : ٤٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٠ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩٣ ، المجموع ٦ : ٣٢٧.

(٢) فتح العزيز ٦ : ٣٩٣ - ٣٩٤.

(٣) في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق : عندنا. وما أثبتناه من الطبعة الحجرية.

٦٩

وقال مالك : إنّه يفطر(١) . وللشافعي فيما إذا كثر أكله ناسياً قولان(٢) .

ولو أكل جاهلاً ، أفسد صومه.

وقال الشافعي : إن كان قريب العهد بالإِسلام ، أو كان قد نشأ في بادية ، وكان يجهل مثل ذلك ، لم يبطل صومه ، وإلّا بطلِ(٣) .

ولو جامع ناسياً للصوم ، لم يفطر عندنا. وللشافعية طريقان ، أصحّهما : القطع بأنّه لا يبطل. والثاني : أنّه يخرّج على قولين(٤) .

مسألة ٣٧ : إذا أجنب الصائم ليلاً في رمضان أو المعيّن ثم نام‌ ، فإن كان على عزم ترك الاغتسال واستمرّ به النوم الى أن أصبح ، وجب عليه القضاء والكفّارة.

وإن نام على عزم الاغتسال ثم استيقظ ثانياً ثم نام ثالثاً بعد انتباهتين ، وجب القضاء والكفّارة أيضاً.

وإن نام من أول مرة عازماً على الاغتسال فطلع الفجر ، لم يكن عليه شي‌ء.

وإن نام ثانياً ، واستمرّ به النوم على عزم الاغتسال حتى طلع الفجر ، وجب عليه القضاء خاصة ، لأنّ ابن أبي يعفور سأل الصادقعليه‌السلام : الرجل يجنب في رمضان ثم يستيقظ ثم ينام حتى يصبح ، قال : « يتمّ يومه(٥) ويقضي يوماً آخر ، فإن لم يستيقظ حتى يُصبح أتمّ يومه وجاز له »(٦) .

ولأنّه فرّط في الاغتسال ، فوجب عليه القضاء ، ولا تجب الكفّارة ؛ لأنّ المنع من النومة الاُولى تضييق على المكلّف.

مسألة ٣٨ : لو ظنّ بقاء الليل ، فأكل أو شرب أو جامع‌ ، وبالجملة‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٧ ، المجموع ٦ : ٣٢٤ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠١.

(٤-٢) فتح العزيز ٦ : ٤٠١ ، المجموع ٦ : ٣٢٤.

(٥) في التهذيب والفقيه والطبعة الحجرية : صومه.

(٦) الاستبصار ٢ : ٨٦ / ٢٦٩ ، التهذيب ٤ : ٢١١ / ٦١٢ ، والفقيه ٢ : ٧٥ / ٣٢٣.

٧٠

فَعَل الـمُفطرَ ، ثم ظهر له أنّ فعله صادف النهار ، وأنّ الفجر قد كان طالعاً ، فإن كان قد رصد الفجر وراعاه فلم يتبيّنه ، أتمّ صومه ، ولا شي‌ء عليه.

وإن لم يرصد الفجر مع القدرة على المراعاة ثم تبيّن أنّه كان طالعاً ، وجب عليه إتمام الصوم والقضاء خاصة ، ولا كفّارة عليه ؛ لأنّه مُفرِّط بترك المراعاة ، فوجب القضاء ؛ لإِفساده الصوم بفعل الـمُفطر ، ولا كفّارة ؛ لعدم الإِثم ، وأصالة البقاء.

وأمّا مع المراعاة : فلأنّ الأصل بقاء الليل ، وقد اعتضد بالمراعاة ، فكان التناول جائزاً له مطلقاً ، فلا فساد حينئذٍ ، وجرى مجرى الساهي.

وسُئل الصادقعليه‌السلام ، عن رجل تسحّر ثم خرج من بيته وقد طلع الفجر وتبيّن ، فقال : « يتمّ صومه ذلك ثم ليقضه »(١) .

وإن تسحّر في غير شهر رمضان بعد الفجر أفطر.

والعامّة لم يفصّلوا ، بل قال الشافعي : لا كفّارة عليه مطلقاً ، سواء رصد أو لم يرصد مع ظنّ الليل ، وعليه القضاء ، وهو قول عامة الفقهاء(٢) ، إلّا إسحاق به راهويه وداود ؛ فإنّهما قالا : لا يجب عليه القضاء(٣) . وهو مذهب الحسن ومجاهد وعطاء وعروة(٤) .

وقال أحمد : إذا جامع بظنّ أنّ الفجر لم يطلع ويبيّن أنّه كان طالعاً ، وجب عليه القضاء والكفّارة مطلقاً(٥) . ولم يعتبر المراعاة.

واحتجّ مُوجبو القضاء مطلقاً : بأنّه أكل مختاراً ، ذاكراً للصوم فأفطر ، كما لو أكل يوم الشك ، ولأنّه جهل وقت الصيام ، فلم يعذر به ، كالجهل بأول رمضان.

____________________

(١) الكافي ٤ : ٩٦ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٦٩ / ٨١٢ ، الاستبصار ٢ : ١١٦ / ٣٧٩.

(٤-٢) المجموع ٦ : ٣٠٦ و ٣٠٩ ، المغني ٣ : ٧٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٣.

(٥) المغني ٣ : ٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٧.

٧١

واحتجّ الآخرون : بما رواه زيد بن وهب ، قال : كنت جالساً في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، في رمضان في زمن عمر ، فاُتينا بعِساسٍ(١) فيها شراب من بيت حفصة ، فشربنا ونحن نرى أنّه من الليل ، ثم انكشف السحاب ، فإذا الشمس طالعة ، قال : فجعل الناس يقولون : نقضي يوماً مكانه ، فقال عمر : والله لا نقضيه ، ما تجانَفْنا(٢) لإِثم(٣) .

والجواب : المنع من الأكل في رمضان عالماً مع المراعاة. وقول عمر ليس حجّةً.

واحتجّ أحمد : بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أمر المجامع بالتكفير من غير تفصيل(٤) .

والأمر إنّما كان للهتك ؛ لأنّ الأعرابي شكى كثرة الذنب وشدّة المؤاخذة ، وذلك إنّما يكون مع قصد الإِفطار.

مسألة ٣٩ : لو أخبره غيره بأنّ الفجر لم يطلع‌ ، فقلَّده وترك المراعاة مع قدرته عليها ، ثم فعل المفطر وكان الفجر طالعاً ، وجب عليه القضاء خاصة ؛ لأنّه مفرّط بترك المراعاة ، فأفسد صومه ، ووجب القضاء ، والكفّارة ساقطة عنه ؛ لأنّه بناء على أصالة بقاء الليل وعلى صدق الـمُخبر الذي هو الأصل في المسلم.

وسأل معاوية بن عمّار ، الصادقعليه‌السلام : آمُر الجارية أن تنظر طلعِ الفجر أم لا ، فتقول : لم يطلع ، فآكل ثم أنظر(٥) فأجده قد طلعِ حين نَظَرَتْ ، قال : « تتمّ يومك(٦) وتقضيه ، أمّا انّك لو كنت أنت الذي نظرت ما كان عليك‌

____________________

(١) العُسُّ : القدح الكبير. وجمعه عِساس وأعساس. النهاية - لابن الأثير - ٣ : ٢٣٦.

(٢) الجَنَفُ : الـمَيل. لسان العرب ٩ : ٣٢.

(٣) سنن البيهقي ٤ : ٢١٧ وأورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٧٦ - ٧٧ ، والشرح الكبير ٣ : ٥٣.

(٤) المغني ٣ : ٦٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٧.

(٥) في الكافي و « ف » : أنظره.

(٦) في النسخ المعتمدة في التحقيق وفي الطبعة الحجرية : يومه. وما أثبتناه من الكافي =

٧٢

قضاؤه »(١) .

ولو أخبره غيره بطلوع الفجر فظنّ كذبه ، فتناول الـمُفطرَ وكان الفجر طالعاً ، وجب القضاء ؛ للتفريط بترك المراعاة مع القدرة ، ولا كفّارة عليه ؛ لعدم الإِثم ؛ لأصالة بقاء الليل.

وسأل عيص بن القاسم ، الصادقعليه‌السلام ، عن رجل خرج في شهر رمضان وأصحابه يتسحّرون في بيت ، فنظر الى الفجر فناداهم ، فكفّ بعضهم ، وظنّ بعضهم أنّه يسخر فأكل ، قال : « يتمّ صومه ويقضي »(٢) .

ولا فرق بين أن يكون المخبر عدلاً أو فاسقاً ؛ للإِطلاق.

ولو أخبره عدلان بطلوع الفجر فلم يكفّ ، ثم ظهر أنّه كان طالعا ، فالأقرب : وجوب القضاء والكفّارة ؛ لأنّ قولهما معتبر في نظر الشرع ، يجب العمل به ، فتترتّب عليه توابعه.

مسألة ٤٠ : لو أفطر لظلمة عرضت توهّم منها دخول الليل ثم ظهر مصادفته للنهار ، وجب القضاء خاصة‌ ؛ لتفريطه حين بنى على وهمه.

ولو ظنّ دخول الليل لظلمة عرضت إمّا لغيم أو غيره ، فأفطر ثم تبيّن فساد ظنّه ، أتمّ صومه ، ووجب عليه القضاء عند أكثر علمائنا(٣) - وهو قول العامة(٤) - لأنّه تناول ما يفسد الصوم عامداً ، فوجب عليه القضاء ، ولا كفّارة ؛ لحصول الشبهة.

ولما رواه العامة عن حنظلة ، قال : كنّا في شهر رمضان وفي السماء سحاب ، فظننّا أنّ الشمس غابت ، فأفطر بعضنا ، فأمر عمر مَن كان أفطر أن‌

____________________

= و التهذيب.

(١) الكافي ٤ : ٩٧ / ٣ ، التهذيب ٤ : ٢٦٩ / ٨١٣ ، ونحوه في الفقيه ٢ : ٨٣ / ٣٦٨‌

(٢) الكافي ٤ : ٩٧ / ٤ ، التهذيب ٤ : ٢٧٠ / ٨١٤ ، والفقيه ٢ : ٨٣ / ٣٦٧.

(٣) كالشيخ المفيد في المقنعة : ٥٧ ، وأبي الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ١٨٣.

(٤) كما في المعتبر : ٣٠٧.

٧٣

يصوم مكانه(١) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه أبو بصير عن الصادقعليه‌السلام ، في قوم صاموا شهر رمضان ، فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشمس ، فرأوا أنّه الليل ، فقال : « على الذي أفطر صيام ذلك اليوم ، إنّ الله عزّ وجلّ يقول :( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) (٢) فمن أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضاؤه ، لأنّه أكل متعمّداً »(٣) .

وللشيخ - قول آخر : إنّه يمسك ولا قضاء عليه(٤) ؛ لأنّ أبا الصباح الكناني سأل الصادقعليه‌السلام ، عن رجل صام ثم ظنّ أنّ الشمس قد غابت وفي السماء علّة فأفطر ، ثم إنّ السحاب انجلى فإذا الشمس لم تغب ، فقال : « قد تمّ صومه ولا يقضيه »(٥) .

والحديث ضعيف السند ؛ لأنّ فيه محمد بن الفضيل وهو ضعيف.

واعلم : أنّه فرقٌ بين بقاء الليل ودخوله ؛ فإنّ الأول اعتضد بأصالة البقاء ، والثاني اعتضد بضدّه ، وهو : أصالة عدم الدخول ، مع أنّه متمكّن من الصبر الى أن يحصل اليقين.

واعلم : أنّ المزني نقل عن الشافعي : أنّه لو أكل على ظنّ أنّ الصبح لم يطلع بعدُ ، أو أنّ الشمس قد غربت وكان غالطاً فيه ، لا يجزئه صومه ، ووافقه أصحابه على روايته في الصورة الثانية.

وأنكر بعضهم الاُولى ، وقال : لا يوجد ذلك في كتب الشافعي ، ومَذهَبُه أنّه لا يبطل الصوم إذا ظنّ أنّ الصبح لم يطلع بعدُ ؛ لأصالة بقاء الليل ،

____________________

(١) أورده المحقّق في المعتبر : ٣٠٧ ونحوه في سنن البيهقي ٤ : ٢١٧.

(٢) البقرة : ١٨٧.

(٣) الكافي ٤ : ١٠٠ ( باب من ظنّ أنّه ليل فأفطر قبل الليل ) الحديث ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٧٠ / ٨١٥ ، الاستبصار ٢ : ١١٥ / ٣٧٧.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٧٠ ذيل الحديث ٨١٥ ، والاستبصار ٢ : ١١٦.

(٥) الاستبصار ٢ : ١١٥ / ٣٧٤ ، التهذيب ٤ : ٢٧٠ - ٢٧١ / ٨١٦ ، والفقيه ٢ : ٧٥ / ٣٢٦.

٧٤

بخلاف آخر النهار ؛ فإنّ الأصل بقاء النهار ، فالغلط في الاُولى معذور ، دون الثانية.

ومنهم مَن صحّح الروايتين ، وقال : لعلّه نقله سماعاً ؛ لأنّه تحقّق خلاف ظنّه ، واليقين مقدّم على الظنّ ، ولا يبعد استواء حكم الغلط في دخول الوقت وخروجه ، كما في الجمعة(١) .

إذا عرفت هذا ، فالأحوط للصائم الإِمساك عن الإِفطار حتى يتيقّن الغروب ؛ لأصالة بقاء النهار ، فيستصحب الى أن يتيقّن خلافه.

ولو اجتهد وغلب على ظنّه دخول الليل ، فالأقرب : جواز الأكل.

وللشافعية وجهان : هذا أحدهما ، والثاني : لا يجوز ؛ لقدرته على تحصيل اليقين(٢) .

وأمّا في أول النهار فيجوز الأكل بالظنّ والاجتهاد ؛ لأصالة بقاء الليل.

ولو أكل من غير يقين ولا اجتهاد ، فإنّ تبيّن له الخطأ ، فالحكم ما تقدّم ، وإن تبيّن الصواب ، فقد استمرّ الصوم على الصحّة.

لا يقال : مقتضى الدليل عدم صحّة الصوم ، كما لو صلّى في الوقت مع الشك في دخوله ، وكما لو شكّ في القبلة من غير اجتهاد ، وتبيّن له الصواب ، لا تصحّ صلاته.

لأنّا نقول : الفرق : أنّ ابتداء العبادة وقع في حال الشك فمنع الانعقاد ، وهنا انعقدت العبادة على الصحّة وشك في أنّه هل أتى بما يفسدها ثم تبيّن عدمه.

ولو استمرّ الإِشكال ، ولم يتبيّن الخطأ من الصواب ، فالأقرب : وجوب القضاء لو أفطر آخر النهار ؛ لأصالة البقاء ، ولم يبن الأكل على أمر يعارضه.

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٤٠١.

(٢) فتح العزيز ٦ : ٤٠٢ ، المجموع ٦ : ٣٠٦.

٧٥

وإن اتّفق في أوله ، فلا قضاء ؛ لأصالة بقاء الليل.

ونقل عن مالك : وجوب القضاء في هذه الصورة أيضاً ؛ لأصالة بقاء الصوم في ذمته ، فلا يسقط بالشك(١) .

والأقوى ما قلناه من جواز الأكل حتى يتبيّن الطلوع أو يظنّه - وبه قال ابن عباس وعطاء والأوزاعي والشافعي وأحمد وأصحاب الرأي(٢) - لقوله تعالى :( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ ) (٣) .

وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يقول : ( فكلوا واشربوا حتى يؤذّن ابن اُمّ مكتوم )(٤) وكان أعمى لا يؤذّن حتى يقال له : أصبحت.

والسقوط إنّما هو بعد الثبوت ، والصوم مختص بالنهار.

مسألة ٤١ : القي‌ء عامداً يوجب القضاء خاصة‌ عند أكثر علمائنا(٥) وأكثر العامة(٦) ؛ لما رواه العامة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( مَن ذرعه القي‌ء وهو صائم فليس عليه قضاء ، وإن استقاء فليقض)(٧) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « إذا تقيّأ الصائم فقد‌

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٤٠٢ - ٤٠٣ ، المجموع ٦ : ٣٠٦ ، والكافي في فقه أهل المدينة : ١٣٠ ، المغني ٣ : ٧٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٢.

(٢) المغني ٣ : ٧٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٢ ، المجموع ٦ : ٣٠٦ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠١ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٩ - ١٣٠ ، تحفة الفقهاء ١ : ٣٦٥ - ٣٦٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٠٥.

(٣) البقرة : ١٨٧.

(٤) صحيح البخاري ٣ : ٣٧ ، صحيح مسلم ٢ : ٧٦٨ - ٣٨.

(٥) منهم : الشيخ الطوسي في النهاية : ١٥٥ ، والمبسوط ١ : ٢٧١ - ٢٧٢ ، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ١٨٣ ، والقاضي ابن البرّاج في المهذب ١ : ١٩٢ ، والمحقق الحلّي في شرائع الإِسلام ١ : ١٩٢ ، والمعتبر : ٣٠٨.

(٦) المغني ٣ : ٥٤ ، المجموع ٦ : ٣١٩ - ٣٢٠.

(٧) سنن أبي داود ٢ : ٣١٠ / ٢٣٨٠ ، سنن البيهقي ٤ : ٢١٩.

٧٦

أفطر ، وإن ذرعه من غير أن يتقيّأ فليتمّ صومه »(١) .

وقال أبو ثور : لو تعمّد القي‌ء وجب القضاء والكفّارة(٢) ؛ لأنّه سلوك في مجرى الطعام ، فكان موجباً للقضاء والكفّارة كالأكل.

وهو معارض بالروايات وأصالة البراءة.

ولو ذرعه القي‌ء ، فلا قضاء عليه ولا كفّارة بإجماع علمائنا - وهو قول كلّ من يحفظ عنه العلم(٣) - لأنّه فعل حصل بغير اختياره. وللروايات(٤) .

وروي عن الحسن البصري : وجوب القضاء خاصة(٥) . وهو خارق للإِجماع.

مسألة ٤٢ : إذا طلع الفجر وهو مُجامعٌ فاستدام الجماع ، وجب عليه القضاء والكفّارة عند علمائنا‌ - وبه قال مالك والشافعي وأحمد(٦) - لأنّه ترك صوم رمضان بجماع أثم به ؛ لحرمة الصوم ، فوجبت به الكفّارة ، كما لو وطأ بعد طلوع الفجر.

وقال أبو حنيفة : يجب عليه القضاء دون الكفّارة ؛ لأنّ وطأه لم يصادف صوماً صحيحاً ، فلم يوجب الكفّارة ، كما لو ترك النيّة وجامع(٧) .

والأصل ممنوع ، مع أنّ تركه للصوم لترك النية ، لا للجماع.

فأمّا لو نزع في الحال فأقسامه ثلاثة :

____________________

(١) الكافي ٤ : ١٠٨ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٦٤ / ٧٩١.

(٢) المجموع ٦ : ٣٢٠ ، معالم السنن - للخطابي - ٣ : ٢٦١.

(٣) المجموع ٦ : ٣٢٠ ، المغني ٣ : ٥٤.

(٤) الكافي ٤ : ١٠٨ / ١ - ٣ ، التهذيب ٤ : ٢٦٤ / ٧٩٠ و ٧٩١.

(٥) المجموع ٦ : ٣٢٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٦.

(٦) المغني ٣ : ٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٩١ - ١٩٢ ، المجموع ٦ : ٣٠٩ و ٣٣٨ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٢.

(٧) بدائع الصنائع ٢ : ٩١ ، المغني ٣ : ٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٦ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٢.

٧٧

الأول : أن يحسّ وهو مُجامعٌ بعلامات الصبح ، فينزع بحيث يوافق آخر النزع ابتداء الطلوع.

الثاني : أن يطلع الصبح وهو مُجامعٌ ويعلم بالطلوع كما طلع ، وينزع كما علم.

الثالث : أن يمضي زمان بعد الطلوع ثم يعلم به ، ففي الثالثة الصوم باطل - وبه قال الشافعي(١) - وإن نزع كما علم ؛ لأنّ بعض النهار قد مضى وهو مشغول بالجماع.

والوجه : أنّه إن تمكّن من المراعاة ولم يُراع وصادف الجماعُ النهارَ ، وجب عليه القضاء.

وعلى القول الصحيح للشافعية : أنّه لو مكث في هذه الصورة ، فلا كفّارة عليه ، لأنّ مكثه مسبوق ببطلان الصوم(٢) .

وأمّا الصورتان الأُوليان ، فعندنا أنّه إن كان قد راعى ولم يفرط بترك المراعاة ، لا قضاء عليه ، وإلّا وجب القضاء.

وعند الشافعي يصحّ صومه مطلقاً(٣) ، ولم يعتبر المراعاة.

وله قول آخر : إنّ الصورة الاُولى يصحّ صومه فيها(٤) ؛ لأنّ آخر النزع وافق ابتداءَ الطلوع ، فلم يحصل النزع في النهار.

وهذا عندنا باطل ؛ لأنّا نوجب الطهارة في ابتداء الصوم.

وأمّا إذا طلع ثم نزع ، فسد صومه عندنا وعند الشافعي(٥) ؛ لأنّ الإِخراج يستلزم التلذّذ ، فيكون مُجامعاً.

وقال مالك وأحمد : لا يفسد صومه ؛ لأنّ النزع ترك الجماع ، فلا يتعلّق به ما يتعلّق بالجماع ، كما لو حلف أن لا يلبس ثوباً هو لابسه فنزعه في الحال ، لا يحنث(٦) .

____________________

(٥-١) المجموع ٦ : ٣٠٩ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٣.

(٦) فتح العزيز ٦ : ٤٠٣ - ٤٠٤.

٧٨

وهو فاسد عندنا ؛ لما قدّمناه من وجوب الطهارة.

ولو طلع الفجر وعلم به كما طلع ، ومكث فلم ينزع ، فسد صومه ، وبه قال الشافعي(١) .

وتجب عليه الكفّارة عندنا ، خلافاً للشافعي في أحد القولين(٢) .

( وذكر فيما )(٣) إذا قال لامرأته : إن وطأتكِ فأنتِ طالق ثلاثاً ، فغيَّب الحشفة ، وطلّقت ، ومكث : أنّه لا يجب المهر(٤) .

واختلف أصحابه على طريقين : أحدهما : أنّ فيهما قولين نقلاً وتخريجاً ، أحدهما : وجوب الكفّارة هنا والمهر ثَمَّ ، كما لو نزع وأولج ثانياً.

والثاني : لا يجب واحد منهما ، لأنّ ابتداء الفعل كان مباحاً.

وأصحّهما : القطع بوجوب الكفّارة ونفي المهر.

والفرق : أنّ ابتداء الفعل لم يتعلّق به الكفّارة ، فتتعلّق بانتهائه حتى لا يخلو الجماع في نهار رمضان عمداً عن الكفّارة ، والوطء ثَمَّ غير خالٍ عن المقابلة بالمهر ؛ لأنّ المهر في النكاح يقابل جميع الوطآت(٥) .

وقال أبو حنيفة : لا تجب الكفّارة بالمكث(٦) . واختاره المزني من الشافعية(٧) .

ووافقنا مالك وأحمد على الوجوب(٨) .

والخلاف جارٍ فيما إذا جامع ناسياً ثمّ تذكّر الصوم واستدام.

____________________

(١و٢) المجموع ٦ : ٣٠٩ و ٣٣٨ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٤.

(٣) في النسخ الخطية الثلاث « ط ، ف ، ن » والطبعة الحجرية : وذكرهما. والصحيح ما أثبتناه.

(٤و٥) فتح العزيز ٦ : ٤٠٤ ، المجموع ٦ : ٣٣٩.

(٨-٦) فتح العزيز ٦ : ٤٠٤.

٧٩

تنبيهٌ:

قيل : كيف يعرف طلوع الفجر المجامع(١) وشبهه؟ فإنّه متى عرف الطلوع كان الطلوع الحقيقي متقدّماً عليه.

اُجيب بأمرين :

أحدهما : أنّ المسألة موضوعة على التقدير ، كما هو عادة الفقهاء في أمثالها.

والثاني : إنّا تعبّدنا بما نطّلع عليه ، ولا معنى للصبح إلّا ظهور الضوء للناظر ، وما قبله لا حكم له.

فإذا كان الشخص عارفاً بالأوقات ومنازل القمر ، وكان بحيث لا حائل بينه وبين مطلع الفجر ورصد ، فمتى أدرك فهو أول الصبح الذي اعتبره الشارع(٢) ، وقد نبّه الله تعالى عليه بقوله( حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ ) (٣) .

مسألة ٤٣ : قد بيّنا أنّ ماء مضمضة الصلاة والاستنشاق لها‌ لو سبق إلى الحلق من غير قصد ، لم يفسد صومه ، ولا كفّارة فيه - ولو كان للتبرّد أو العبث ، وجب عليه القضاء خاصة عند علمائنا - لأنّه في الصلاة فعل مشروعاً ، فلا تترتّب عليه عقوبة ؛ لعدم التفريط شرعا ، وفي التبرّد والعبث فرَّط بتعريض الصوم للإِفساد بإيجاد ضدّه ، وهو : عدم الإِمساك ، فلزمه العقوبة ؛ للتفريط.

ولا كفّارة عليه ؛ لأنّ سماعة سأله عن رجل عبث بالماء يتمضمض به من عطش ، فدخل حلقه ، قال : « عليه قضاؤه ، وإن كان في وضوئه فلا‌

____________________

(١) في النسخ الخطية الثلاث « ط ، ف ، ن » : للمجامع. وما أثبتناه من الطبعة الحجرية.

(٢) تعرض للسؤال والجواب ، الرافعي في فتح العزيز ٦ : ٤٠٤ - ٤٠٥ ، والنووي في المجموع ٦ : ٣٠٩.

(٣) البقرة : ١٨٧.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

ظهور(١) الفسخ في حياتهما ، وللعامل البيع هنا حيث كان له البيع هناك ، ولا يحتاج إلى إذن الوارث ؛ اكتفاءً بإذن مَنْ يتلقّى الوارث الملك منه ، بخلاف ما إذا مات العامل حيث لا يتمكّن وارثه من البيع دون إذن المالك ؛ لأنّه لم يرض بتصرّفه.

وللشافعيّة وجهٌ آخَر : إنّ العامل أيضاً لا يبيع إلّا بإذن وارث المالك(٢) .

والمشهور عندهم : الأوّل(٣) . ولا بأس بالثاني.

ويجري الخلاف في استيفائه الديون بغير إذن الوارث(٤) .

أمّا لو أراد العامل الشراء ، فإنّه ممنوع منه ؛ لأنّ القراض قد بطل بموت المالك.

مسألة ٢٩٠ : إذا مات المالك وأراد هو والوارث الاستمرار على العقد ، فإن كان المال ناضّاً ، لم يكن لهما ذلك إلّا بتجديد عقدٍ واستئناف شرطٍ بينهما ، سواء وقع العقد قبل القسمة أو بعدها ، وسواء كان هناك ربح أو لا ؛ لجواز القراض على المشاع ، ويكون رأس المال وحصّته من الربح رأس المال ، وحصّة العامل من الربح شركة له مشاع ، كما لو كان رأس المال مائةً والربح مائتين وجدّد الوارث العقد على النصف ، فرأس مال الوارث مائتان من ثلاثمائة ، والمائة الباقية للعامل ، فعند القسمة يأخذها وقسطها من الربح ، ويأخذ الوارث مائتين ، ويقتسمان ما بقي.

وهذه الإشاعة لا تمنع القراض عندنا وعند العامّة(٥) .

____________________

(١) الظاهر : « حصول » بدل « ظهور ».

(٢ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٠.

(٥) المغني ٥ : ١٨١ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٢.

١٤١

أمّا عندنا : فلجواز القراض بالمشاع.

وأمّا عندهم : فلأنّ الشريك هو العامل ، وذلك لا يمنع التصرّف(١) .

وكذلك يجوز القراض مع الشريك بشرط أن لا يشاركه في اليد عندهم(٢) ، ويكون للعامل ربح نصيبه خاصّةً ، ويتضاربان في ربح نصيب الآخَر.

إذا ثبت هذا ، فإنّه لا بدّ فيه من عقدٍ صالحٍ للقراض بألفاظه المشترطة ؛ لأنّه عقد مبتدأ ، وليس هو تقريراً لعقدٍ ماضٍ ؛ لأنّ العقد الماضي قد ارتفع ، فلا بدّ من لفظٍ صالحٍ للابتداء ، والتقرير يشعر بالاستدامة ، فلا ينعقد بلفظ الترك والتقرير بأن يقول الوارث أو وليُّه : « تركتُك ، أو : أقررتُك على ما كنتَ عليه » - وهو أحد قولَي الشافعيّة(٣) - لأنّ هذه العقود لا تنعقد بالكنايات.

والثاني - وهو الأظهر عند الجويني - : إنّه ينعقد بالترك والتقرير ؛ لفهم المعنى ، وقد يستعمل التقرير لإنشاء عقدٍ على موجب العقد السابق(٤) .

وإن كان المال عروضاً ، لم يصح تقرير الوارث عليه ، وبطل القراض عندنا وارتفع - وهو أظهر وجهي الشافعيّة وإحدى الروايتين عن أحمد(٥) - لارتفاع القراض الأوّل بموت المالك ، فلو وُجد قراضٌ آخَر لكان عقداً

____________________

(١) المغني ٥ : ١٨١ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٢.

(٢) الوسيط ٤ : ١٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٠.

(٣ و ٤) الوسيط ٤ : ١٢٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٠.

(٥) الحاوي الكبير ٧ : ٣٣٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٥ ، بحر المذهب ٩ : ٢١٠ ، الوسيط ٤ : ١٢٩ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٧ ، البيان ٧ : ٢٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٠ ، المغني ٥ : ١٨١ و ١٨٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٢.

١٤٢

مستأنفاً فيرد على العروض ، وهو باطل.

والثاني : إنّه يجوز تقرير الوارث عليه ؛ لأنّه استصحاب قراضٍ ، فيظهر فيه جنس المال وقدره ، فيجريان على موجبه ، وهذا الوجه هو منصوص الشافعي(١) .

والرواية الثانية عن أحمد : إنّ القراض إنّما منع منه في العروض ؛ لأنّه يحتاج عند المفاصلة إلى ردّ مثلها أو قيمتها ، ويختلف ذلك باختلاف الأوقات ، وهذا غير موجودٍ هنا ؛ لأنّ رأس المال غير العروض ، وحكمه باقٍ ، فإنّ للعامل أن يبيعه ليسلّم رأس المال ويقسّم الباقي(٢) .

وهو غلط ؛ لأنّ المظنّة لا يناط الحكم بها ، بل بالوصف الضابط لها ، ولا ريب في أنّ هذا ابتداء قراضٍ ، ولهذا لو كان المال ناضّاً كان ابتداء قراضٍ إجماعاً ، وكانت حصّة العامل من الربح شركةً له يختصّ بربحها ، ويضارب في الباقي ، وليس لربّ المال في حصّة العامل شركة في ربحها ، ولو كان المال ناقصاً بخسارةٍ أو تلفٍ كان رأس المال الموجودَ منه حال ابتداء القراض ، فلو جاز ابتداء القراض هنا وبناؤها على القراض الأوّل لصارت حصّة العامل من الربح غير مختصّةٍ [ به ] وحصّتها من الربح مشتركة بينهما ، وحُسب عليه العروض بأكثر من قيمتها فيما إذا كان المال ناقصاً ، وهذا لا يجوز في القراض بلا خلافٍ ، ويلزم أيضاً أن يصير بعض رأس المال ربحاً ، وذهاب بعض الربح في رأس المال.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣٣٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٥ ، بحر المذهب ٩ : ٢١٠ ، الوسيط ٤ : ١٢٩ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٧ ، البيان ٧ : ٢٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٠ ، المغني ٥ : ١٨١ و ١٨٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٢.

(٢) المغني ٥ : ١٨١ - ١٨٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٢.

١٤٣

مسألة ٢٩١ : لو مات العامل ، فإن كان المال ناضّاً ولا ربح أخذه المالك ، وإن كان فيه ربح أخذ المالك المالَ وحصّته من الربح ، ودفع إلى الوارث حصّته.

ولو كان متاعاً واحتيج إلى البيع والتنضيض ، فإن أذن المالك لوارث العامل فيه جاز ، وإلّا تولّاه شخص ينصبه الحاكم.

ولا يجوز تقرير الوارث على القراض ؛ لأنّه لا يصحّ القراض على العروض ، والقراض الأوّل قد بطل بموت العامل أو جنونه ، وبه قال الشافعيّة(١) .

ولا يُخرّج على الوجهين المذكورين عندهم في موت المالك حيث قالوا هناك : إنّه يجوز - في أحد الوجهين - تقرير العامل على القراض ؛ لأنّ الفرق واقع بين موت المالك وموت العامل ؛ لأنّ ركن القراض من جانب العامل عمله وقد فات بوفاته ، ومن جانب المالك المال ، وهو باقٍ بعينه انتقل إلى الوارث ، ولأنّ العامل هو الذي اشترى العروض ، والظاهر أنّه لا يشتري إلّا ما يسهل عليه بيعه وترويجه ، وهذا المعنى لا يؤثّر فيه موت المالك ، وإذا مات العامل فربما كانت العروض كلاًّ على وارثه ؛ لأنّه لم يشترها ولم يخترها(٢) .

وعند أحمد : إنّه يجوز القراض بالعروض ، فيجوز هنا في كلّ موضعٍ يجوز ابتداء القراض فيه بالعروض بأن تُقوّم العروض ويجعل رأس المال‌

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢١٠ ، الوسيط ٤ : ١٣٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٧ ، البيان ٧ : ٢٠١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٤ ، وراجع : الحاوي الكبير ٧ : ٣٣١ ، والبيان ٧ : ٢٠١.

١٤٤

قيمتها يوم العقد(١) .

ولو كان المال ناضّاً وقت موت العامل ، جاز أن يبتدئ المالك القراضَ مع وارثه بعقدٍ جديد ، ولا يصحّ بلفظ التقرير.

وللشافعيّة الوجهان السابقان(٢) .

فإن لم يرض ، لم يجز للوارث شراء ولا بيع.

إذا عرفت هذا ، فالوجهان المذكوران في التقرير للشافعيّة كالوجهين في أنّ الوصيّة بالزائد على الثلث إذا جعلناها ابتداء عطيّةٍ هل تنفذ بلفظ الإجازة؟ ويجريان أيضاً فيما إذا انفسخ البيع الجاري بينهما ثمّ أرادا إعادته ، فقال البائع : قرّرتُك على موجب العقد الأوّل ، وقَبِل صاحبه(٣) .

وفي مثله من النكاح لا يعتبر ذلك عندهم(٤) .

وللجويني احتمال فيه ؛ لجريان لفظ النكاح مع التقرير(٥) .

مسألة ٢٩٢ : إذا مات العامل وعنده مال مضاربةٍ لجماعةٍ متعدّدين ، فإن عُلم مال أحدهم بعينه كان أحقَّ به ، وإن جُهل كانوا فيه سواءً ، وإن جُهل كونه مضاربةً قضي به ميراثاً.

ولو سمّى الميّت واحداً بعينه قضي له به ، وإن لم يذكر كان أُسوة الغرماء ؛ لما رواه السكوني عن الصادقعليه‌السلام عن الباقر عن آبائه عن عليٍّعليهم‌السلام أنّه كان يقول : « مَنْ يموت وعنده مال مضاربةٍ - قال - إن سمّاه بعينه قبل موته فقال : هذا لفلانٍ ، فهو له ، وإن مات ولم يذكر فهو أُسوة الغرماء »(٦) .

____________________

(١) المغني ٥ : ١٨٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٣.

(٢) الوسيط ٤ : ١٢٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٠.

(٣ - ٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٤.

(٦) التهذيب ٧ : ١٩٢ / ٨٥١.

١٤٥

مسألة ٢٩٣ : إذا استردّ المالك بعضَ المال من العامل بعد دورانه في التجارة ولم يكن هناك ربح ولا خسران ، رجع رأس المال إلى القدر الباقي ، وارتفع القراض في القدر الذي أخذه المالك.

وإن كان بعد ظهور ربحٍ في المال ، فالمستردّ شائع ربحاً على النسبة الحاصلة من جملتي الربح ورأس المال ، ويستقرّ ملك العامل على ما يخصّه بحسب الشرط ممّا هو ربح منه ، فلا يسقط بالنقصان الحادث بعده.

وإن كان الاسترداد بعد ظهور الخسران ، كان الخسران موزَّعاً على المستردّ والباقي ، فلا يلزم جبر حصّة المستردّ من الخسران ، كما لو استردّ الكلّ بعد الخسران لم يلزم العامل شي‌ء ، ويصير رأس المال الباقي بعد المستردّ وحصّته من الخسران.

مثال الاسترداد بعد الربح : لو كان رأس المال مائةً وربح عشرين ، ثمّ استردّ المالك عشرين ، فالربح سدس المال ، فالمأخوذ يكون سدسه ربحاً : ثلاثة وثلث ، ويستقرّ ملك العامل على نصفه إذا كان الشرط المناصفةَ ، وهو واحد وثلثا واحدٍ ، ويبقى رأس المال ثلاثة وثمانين وثُلثاً ؛ لأنّ المأخوذ سدس المال ، فينقص سدس رأس المال ، وهو ستّة عشر وثلثان ، وحظّهما من الربح ثلاثة وثلث ، فيستقرّ ملك العامل على درهمٍ وثلثين ، حتى لو انخفضت السوق وعاد ما في يده إلى ثمانين لم يكن للمالك أن يأخذ الكلّ ويقول : كان رأس المال مائةً وقد أخذتُ عشرين أضمّ إليها هذه الثمانين لتتمّ لي المائة ، بل يأخذ العامل من الثمانين واحداً وثلثي واحدٍ ، ويردّ الباقي ، وهو ثمانية وسبعون وثلث واحدٍ.

ومثال الاسترداد بعد الخسران : كان رأس المال مائةً ، وخسر عشرين ، ثمّ استردّ المالك عشرين ، فالخسران موزَّع على المستردّ والباقي ،

١٤٦

تكون حصّة المستردّ خمسةً لا يلزمه جبرها ، حتى لو ربح بعد ذلك فبلغ المال ثمانين ، لم يكن للمالك أخذ الكلّ ، بل يكون رأس المال خمسةً وسبعين ، والخمسة الزائدة تُقسّم بينهما نصفين ، فيحصل للمالك من الثمانين سبعة وسبعون ونصف.

ولو كان رأس المال مائةً فخسر عشرةً ثمّ أخذ المالك عشرةً ثمّ عمل الساعي فربح ، فرأس المال ثمانية وثمانون وثمانية أتساع ؛ لأنّ المأخوذ محسوب من رأس المال ، فهو كالموجود ، والمال في تقدير تسعين ، فإذا بسط الخسران - وهو عشرة - على تسعين أصاب العشرة المأخوذة دينار وتُسْع دينار ، فيوضع ذلك من رأس المال ، وإن أخذ نصف التسعين الباقية بقي رأس المال خمسين ؛ لأنّه أخذ نصف المال ، فسقط نصف الخسران ، وإن أخذ خمسين بقي أربعة وأربعون وأربعة أتساع.

ولو كان رأس المال مائةً فربح عشرين ثمّ أخذ المالك ستّين ، بقي رأس المال خمسين ؛ لأنّه أخذ نصف المال ، فبقي نصفه ، وإن أخذ خمسين بقي رأس المال ثمانية وخمسين وثلثاً ؛ لأنّه أخذ ربع المال وسدسه ، فبقي ثلثه وربعه ، فإن أخذ منه ستّين ثمّ خسر فصار معه أربعون فردّها كان له على المالك خمسة ؛ لأنّ الذي أخذه المالك قد انفسخت فيه المضاربة ، فلا يجبر ربحه خسران الباقي ؛ لمفارقته إيّاه ، وقد أخذ من الربح عشرة ؛ لأنّ سدس ما أخذه ربح ، ولو ردّ منها عشرين لا غير بقي رأس المال خمسة وعشرين.

مسألة ٢٩٤ : حكم القراض الفاسد استحقاق المالك جميعَ الربح ؛ لأنّ المال له ، ونماؤه تابع ، والعامل إنّما يستحقّ شيئاً من الربح بالشرط ، فإذا بطل الشرط لم يستحق العامل شيئاً.

١٤٧

ويجب للعامل أُجرة المثل ، سواء كان في المال ربح أو لم يكن.

ولا يستحقّ العامل قراضَ المثل ، بل أُجرة المثل عندنا وعند الشافعي(١) ؛ لأنّ عمل العامل إنّما كان في مقابلة المسمّى ، فإذا لم تصح التسمية وجب ردّ عمله عليه ، وذلك يوجب له أُجرة المثل ، كما إذا اشترى شيئاً شراءً فاسداً وقبضه وتلف ، فإنّه يجب عليه قيمته.

وقال مالك : يجب للعامل قراض المثل ، يعني أنّه يجب ما يقارضه به مثله ؛ لأنّ شبهة كلّ عقدٍ وفاسده مردود إلى صحيحه ، وفي صحيحه لا يستحقّ شيئاً من الخسران ، وكذلك في الفاسد ، والصحيح يستحقّ فيه المسمّى ، سواء كانت أُجرته دونه أو أكثر(٢) .

والتسمية إنّما هي من الربح ، وفي مسألتنا بطلت التسمية ، وإنّما تجب له الأُجرة ، وذلك لا يختصّ بالربح ، فافترقا ، فبطل القياس.

إذا عرفت هذا ، فإنّ القراض الفاسد له حكمٌ آخَر ، وهو صحّة تصرّف العامل ونفوذه ؛ لأنّه أذن له فيه ، فوقع بمجرّد إذنه ، فإن كان العقد فاسداً - كما لو وكّله وكالةً فاسدة - وتصرّف فإنّه يصحّ تصرّفه.

لا يقال : أليس إذا باع بيعاً فاسداً وتصرّف المشتري لم ينفذ؟

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ١٩٨ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٨ - ٣٤٩ ، البيان ٧ : ١٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٥ ، المغني ٥ : ١٨٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٥ / ١٧٤٠ ، الاستذكار ٢١ : ١٥١ / ٣٠٨٥١ و ٣٠٨٥٢ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٨٦ / ١٢٥٠.

(٢) الاستذكار ٢١ : ١٥١ / ٣٠٨٥٠ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤١ / ١١١٤ ، التفريع ٢ : ١٩٦ - ١٩٧ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٨٥ / ١٢٥٠ ، المعونة ٢ : ١١٢٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٥ / ١٧٤٠ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٩ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٠ ، المغني ٥ : ١٨٨ - ١٨٩.

١٤٨

لأنّا نقول : الفرق ظاهر ؛ لأنّ تصرّف المشتري إنّما لم ينفذ لأنّه يتصرّف من جهة الملك ولم يحصل له ، وكذلك إذا أذن له البائع أيضاً ؛ لأنّ إذنه كان على أنّه ملك المأذون فيه ، فإذا لم يملك لم يصح ، وهنا أذن له في التصرّف في ملك نفسه ، وما شرطه من الشروط الفاسدة ، فلم يكن مشروطاً في مقابلة الإذن ؛ لأنّه أذن في تصرّفٍ يقع له ، فما شرطه لا يكون في مقابلته.

مسألة ٢٩٥ : لو دفع إليه مالاً قراضاً وقال : اشتر به هرويّاً أو مرويّاً بالنصف ، قال الشافعي : يفسد القراض(١) . واختلف أصحابه في تعليله.

فمنهم مَنْ قال : إنّما فسد ؛ لأنّه قال بالنصف ، ولم يبيّن لمن النصف؟ فيحتمل أن يكون شرط النصف لربّ المال ، وإذا ذكر في القراض نصيب ربّ المال ولم يذكر نصيب العامل ، كان القراض فاسداً(٢) .

وليس بشي‌ءٍ ؛ لأنّ الشرط إذا أُطلق انصرف إلى نصيب العامل ؛ لأنّ ربّ المال يستحقّ الربح بالمال ، ولا يحتاج إلى شرطٍ ، كما لا يحتاج في شركة العنان إلى شرط الربح ، فإذا شرط كان الظاهر أنّه شرط ذلك للعامل.

وقال بعضهم : إنّما فسد ؛ لأنّه أذن له في الشراء ، دون البيع(٣) .

____________________

(١) مختصر المزني : ١٢٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٤٣ ، بحر المذهب ٩ : ٢١٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٢ ، البيان ٧ : ١٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٦.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣٤٤ ، بحر المذهب ٩ : ٢١٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٣ ، البيان ٧ : ١٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٦.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٣٤٤ ، بحر المذهب ٩ : ٢١٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٢ ، البيان ٧ : ١٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٦.

١٤٩

وفيه نظر ؛ لأنّ إطلاق المضاربة يقتضي تسويغ التصرّف للعامل بيعاً وشراءً ، والتنصيص على الإذن في شراء جنسٍ لا يقتضي عدم الإذن في البيع ، فيبقى على الإطلاق.

وقال بعضهم : إنّه يفسد ؛ للتعيين(١) .

وليس بشي‌ءٍ.

وقال آخَرون : إنّما يفسد ؛ لأنّه لم يعيّن أحد الجنسين(٢) .

وليس بشي‌ءٍ ؛ لأنّه يجوز أن يخيّره بما يشتريه.

والمعتمد : صحّة القراض.

مسألة ٢٩٦ : لا يجوز للعامل أن يبيع الخمر ولا يشتريه ، وكذا الخنزير وأُمّ الولد ، سواء كان العامل مسلماً أو نصرانيّاً إذا كان ربّ المال مسلماً أو كان العامل مسلماً ، ولو كانا ذمّيّين جاز - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّه وكيل المالك ، ولا يدخل ذلك في ملك المالك ، فيكون منهيّاً عنه ؛ لما فيه من خروج الملك عن ملكه.

وقال أبو حنيفة : إذا كان العامل نصرانيّاً فباع الخمر أو اشتراها ، صحّ ذلك(٤) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٦.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣٤٣ - ٣٤٤ ، بحر المذهب ٩ : ٢١٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٣ ، البيان ٧ : ١٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٦.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٣٥٤ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٥ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٢ ، البيان ٧ : ١٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٣ ، المغني ٥ : ١٦٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٥٥.

(٤) الحاوي الكبير ٧ : ٣٥٤ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٥ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٢ ، البيان ٧ : ١٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٨ ، المغني ٥ : ١٦٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٥٥.

١٥٠

وقال أبو يوسف ومحمّد : يصحّ منه الشراء ، ولا يصحّ منه البيع ، وفرّقوا بينهما بأنّ الوكيل يدخل ما يشتريه أوّلاً في ملكه ، فإذا باع ملك غيره لم يدخل في ملكه ، وكان العامل كأنّ في يده عصيراً فصار خمراً ، فيكون ذلك لربّ المال ، ولا يكون بيعه إلّا من جهته ، ولا يصحّ من المسلم بيع الخمر(١) .

إذا عرفت هذا ، فلو خالف العامل واشترى خمراً أو خنزيراً أو أُمَّ ولدٍ ودفع المال في ثمنه ، فإن كان عالماً كان ضامناً ؛ لأنّ ربّ المال لا يملك ذلك ، فكأنّه قد دفع ثمنه بغير عوضٍ ، فكان ضامناً.

وإن كان جاهلاً ، فكذلك - وهو الأشهر للشافعيّة(٢) - لأنّ حكم الضمان لا يختلف بالعلم والجهل.

وقال القفّال من الشافعيّة : يضمن في الخمر ، دون أُمّ الولد ؛ لأنّه ليس لها أمارة تُعرف بها(٣) .

وقال بعضهم : لا يضمن فيهما(٤) .

وقال آخَرون : لا يضمن في العلم أيضاً ؛ لأنّه اشترى ما طلب فيه الفضل بحسب رأيه(٥) .

وهو خطأ ؛ لأنّ ربّ المال لا يملك ذلك ، فلا يجوز له دفع المال في عوضه.

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٢٥ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٢ ، المغني ٥ : ١٦٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٥٥.

(٢) البيان ٧ : ١٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٤.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٨.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٨.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٨.

١٥١

مسألة ٢٩٧ : قد بيّنّا أنّه إذا قال للعامل : قارضتك على أن يكون لك شركة في الربح ، أو شركة ، فإنّه لا يصح ؛ لأنّه لم يعيّن مقدار حصّة العامل ، وبه قال الشافعي(١) .

وقال محمّد بن الحسن : إنّه إذا قال : شركة ، صحّ ، وإذا قال : شرك ، لم يصح(٢) .

وقال أصحاب مالك : يصحّ ، ويكون له مضاربة المثل(٣) .

وقد بيّنّا غلطهم.

ولو قال : خُذْه قراضاً على النصف أو الثلث أو غير ذلك ، صحّ ، وكان ذلك تقديراً لنصيب العامل ؛ قضيّةً للظاهر من أنّ الشرط للعامل ؛ لأنّ المالك يستحقّه بماله ، والعامل يستحقّه بالعمل ، والعمل يكثر ويقلّ ، وإنّما تتقدّر حصّته بالشرط فكان الشرط له.

فإن اختلفا فقال العامل : شرطتَه لي ، وقال المالك : شرطتُ ذلك لنفسي ، قُدّم قول العامل ؛ لأنّ الظاهر معه.

مسألة ٢٩٨ : لو دفع إليه ألفين قراضاً فتلف أحدهما قبل التصرّف ، فقد قلنا : إنّ الأقرب : احتساب التالف من الربح.

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٢١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٣ ، البيان ٧ : ١٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

(٢) بدائع الصنائع ٦ : ٨٥ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٣ ، البيان ٧ : ١٦٥ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٢ / ١١١٥ ، المنتقى - للباجي - ٥ : ١٥٢.

(٣) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٢ / ١١١٥ ، المنتقى - للباجي - ٥ : ١٥٢ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٤ ، البيان ٧ : ١٦٥.

١٥٢

وقال الشافعي : يكون من رأس المال(١) .

فإن كان التلف بعد أن باع واشترى ، فالتلف من الربح قولاً واحداً.

ولو اشترى بالألفين عبدين فتلف أحدهما ، فللشافعيّة وجهان :

أحدهما : إنّه يكون من الربح ؛ لأنّه تلف بعد أن ردّ المال في التجارة.

والثاني : يكون من رأس المال ؛ لأنّ العبد التالف بدل أحد الألفين ، فكان تلفه كتلفها(٢) .

قال أبو حامد : هذا خلاف مذهب الشافعي ؛ لأنّ المزني نقل عنه أنّه إذا ذهب بعض المال قبل أن يعمل ثمّ عمل فربح وأراد(٣) أن يجعل البقيّة رأس المال بعد الذي هلك ، فلا يُقبل قوله ، ويوفى رأس المال من ربحه حتى إذا وفاه اقتسما الربح على شرطهما ؛ لأنّ المال إنّما يصير قراضاً في يد العامل بالقبض ، فلا فرق بين أن يهلك قبل التصرّف أو بعده ، فيجب أن يحتسب من الربح(٤) .

وهذا كما اخترناه نحن.

مسألة ٢٩٩ : لو دفع المالك إلى العامل مالاً قراضاً ثمّ دفع إليه مالاً آخَر قراضا ، فإن كان بعد تصرّف العامل في الأوّل بالبيع والشراء كانا قراضين ، وإلّا كانا واحداً ، فلو دفع إليه ألفاً قراضاً فأدارها العامل في التجارة بيعاً‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣٣٣ ، بحر المذهب ٩ : ٢٣١ ، الوسيط ٤ : ١٢٤ ، البيان ٧ : ١٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.

(٢) بحر المذهب ٩ : ٢٣١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٥ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٣ ، البيان ٧ : ١٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ - ٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.

(٣) في « ث ، خ ، ر » : « فأراد ».

(٤) راجع : بحر المذهب ٩ : ٢٣١.

١٥٣

وشراءً ثمّ دفع إليه ألفاً أُخرى قراضاً ، تعدّد القراضان على معنى أنّ ربح كلّ واحدةٍ منهما لا يجبر خسران الأُخرى ، بل تختصّ كلٌّ منهما بربحها وخسرانها ، وجبر خسرانها من ربحها خاصّةً.

فإن قال المالك : ضمّ الثانية إلى الأُولى ، بعد أن اشتغل العامل بالتجارة ، لم يصح القراض الثاني ؛ لأنّ ربح الأوّل قد استقرّ ، فكان ربحه وخسرانه مختصّاً به ، فإذا شرط ضمّ الثانية إليه ، اقتضى أن يجبر به خسران الأُولى إن كان فيه خسران ، ويجبر خسران الثانية بربح الأوّلة ، وهو غير جائزٍ ؛ لأنّ لكلّ واحدٍ من العقدين حكماً منفرداً ، فإذا شرط في الثاني ما لا يصحّ ، فسد.

وإن كان قبل أن يتصرّف في الأُولى(١) وقال له : ضمّ الثانية إلى الأُولى ، جاز ، وكان قراضاً واحداً.

ولو كان المال الأوّل قد نضّ وقال له المالك : ضمّ الثانية إليه ، جاز - وبه قال الشافعي(٢) - لأنّه قد أمن فيه المعنى الذي ذكرناه ، وصار كأنّه لم يتصرّف.

ولما رواه محمّد بن عذافر عن أبيه قال : أعطى الصادقعليه‌السلام أبي ألفاً وسبعمائة دينار فقال له : « اتّجر لي بها » ثمّ قال : « أما إنّه ليس لي رغبة في ربحها وإن كان الربح مرغوباً فيه ، ولكن أحببتُ أن يراني الله تعالى متعرّضاً لفوائده » قال : فربحتُ فيها مائة دينار ثمّ لقيته فقلت له : قد ربحتُ لك فيها مائة دينار ، قال : ففرح الصادقعليه‌السلام بذلك فرحاً شديداً ثمّ قال لي : « أثبتها‌

____________________

(١) في « ث » ، خ ، ر » : « الأوّلة » بدل « الأُولى ».

(٢) بحر المذهب ٩ : ٢٢٧.

١٥٤

لي في رأس مالي »(١) .

إذا عرفت هذا ، فإنّه إذا دفع إليه ألفاً قراضاً ثمّ دفع إليه ألفاً أُخرى قراضاً ولم يأمره بضمّ إحداهما إلى الأُخرى ، بل جعل الألف الأُولى قراضاً بعقدٍ ثمّ دفع إليه الثانية قراضاً بعقدٍ آخَر ، لم يجز له ضمّ الثانية إلى الأُولى ومزجها به ؛ لأنّهما قراضان بعقدين على مالين ، فلا يجوز مزجهما إلّا بإذن المالك ، كما لو قارضه اثنان بمالين منفردين ، فإن ضمّ إحداهما إلى الأُخرى ومزجهما ضمن ، وبه قال الشافعي(٢) ، خلافاً لأبي حنيفة(٣) .

وقال إسحاق : يجوز ضمّ الثانية إلى الأُولى إذا لم يتصرّف في الأُولى(٤) .

وكذا لو ضمّ مال أحد المالكين إلى مال الآخَر ومزجه به ضمن ، إلّا أن يأذن كلّ واحدٍ منهما ، ولا يكفي إذن الواحد في عدم ضمان مال الآخَر ، بل في مال الآذن خاصّةً.

مسألة ٣٠٠ : إذا دفع إليه ألفاً قراضاً وقال له : أضف إليها ألفاً أُخرى من عندك ويكون الربح لك منه الثلثان ولي الثلث ، أو قال : لك الثلث ولي الثلثان ، فالأقرب عندنا : الصحّة ؛ للأصل.

وقال الشافعي : لا يصحّ ؛ لأنّه إن شرط لنفسه الأكثر فقد فسد ؛ لتساويهما في المال ، وذلك يقتضي تساويهما في الربح ، فإذا شرط عليه‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ٧٦ / ١٢ ، التهذيب ٦ : ٣٢٦ - ٣٢٧ / ٨٩٨.

(٢) بحر المذهب ٩ : ٢٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٤.

(٣) بحر المذهب ٩ : ٢٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٩.

(٤) المغني ٥ : ١٧٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٨.

١٥٥

العمل ونصيبه من الربح كان باطلاً ، وإن شرط للعامل الأكثر فسد أيضاً ؛ لأنّ الشركة إذا وقعت على مالٍ كان الربح تابعاً له دون العمل ، فتكون الشركة فاسدةً ، ويكون هذا قراضاً فاسداً ؛ لأنّه عقد بلفظ القراض(١) .

ولو كان قد دفع إليه ألفين وقال له : أضف إليهما ألفاً من عندك فتكون الألف بيننا شركةً والألف الأُخرى قارضتك عليها بالنصف ، جاز عنده(٢) أيضاً ؛ لأنّ أكثر ما فيه أنّ مال القراض مشاع ، والإشاعة إذا لم تمنع التصرّف لم تمنع الصحّة.

وقال أصحاب مالك : لا يجوز أن يضمّ إلى القراض الشركة(٣) ؛ لأنّه لا يجوز أن يضمّ إليه عقد إجارةٍ ، فلا يجوز أن يضمّ إليه عقد شركةٍ(٤) .

والأصل ممنوع ، ولأنّ أحد العقدين إذا لم يجعلاه شرطاً في الآخَر لم يمنع من جمعهما ، كما لو كان المال متميّزاً ، والإجارة إن كانت متعلّقةً بزمانٍ نافت القراض ؛ لأنّه يمنعه من التصرّف ، وإن كانت متعلّقةً بالذمّة جاز.

ولو دفع إليه ألفاً قراضاً فخلطها بألف له بحيث لا تتميّز ، فقد تعدّى بذلك ، فصار ضامناً ، كالمودع إذا مزج الوديعة بغيرها من ماله أو غير ماله.

ولأنّه صيّره بمنزلة التالف.

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٢٧ ، البيان ٧ : ١٦٦ - ١٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٤ ، المغني ٥ : ١٣٧ ، الشرح الكبير ٥ : ١٤٣.

(٢) بحر المذهب ٩ : ٢٢٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١١ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٠ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٥ / ١١٢٣ ، المغني ٥ : ١٣٦ - ١٣٧ ، الشرح الكبير ٥ : ١٤٢ - ١٤٣.

(٣) في « ث ، خ ، ر » : « شركة ».

(٤) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٥ / ١١٢٣ ، التفريع ٢ : ١٩٥ ، المعونة ٢ : ١١٢٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٣٨٦ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٧ ، المغني ٥ : ١٣٧ ، الشرح الكبير ٥ : ١٤٣.

١٥٦

مسألة ٣٠١ : إذا دفع إليه مالاً قراضاً وشرط عليه أن ينقل المال إلى موضع كذا ويشتري من أمتعته ثمّ يبيعها هناك أو يردّها إلى موضع القراض ، جاز ذلك ؛ للأصل ، بل لو خالف ضمن ؛ لما رواه الكناني عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن المضاربة يعطى الرجل المال يخرج به إلى الأرض ونهي(١) أن يخرج به إلى أرض غيرها فعصى فخرج به إلى أرض أُخرى فعطب المال ، فقال : « هو ضامن ، فإن سلم فربح فالربح بينهما »(٢) .

وقال أكثر الشافعيّة : يفسد القراض ؛ لأنّ نقل المال من قُطْرٍ إلى قُطْرٍ عمل زائد على التجارة ، فأشبه شرط الطحن والخبز ، ويخالف ما إذا أذن له في السفر ؛ فإنّ الغرض منه رفع الحرج(٣) .

وقال جماعة من محقّقيهم : إنّ شرط المسافرة لا يضرّ ، فإنّها الركن الأعظم في الأموال والبضائع الخطيرة(٤) .

والأصل عندنا ممنوع.

ولو قال : خُذْ هذه الدراهم قراضاً وصارِف بها مع الصيارفة ، لم يجز له أن يصارف مع غيرهم ؛ لأنّه قد خالف ما عيّنه له ، وهو أحد وجهي الشافعيّة ، والثاني : إنّه يصحّ ؛ لأنّ الغرض من مثله أن يصرفه صرفاً لا قوام بأعيانهم(٥) .

مسألة ٣٠٢ : لو دفع إليه زيد مالاً قراضاً ودفع إليه عمرو كذلك ، فاشترى بكلّ واحدٍ من المالين عبداً ثمّ اشتبها عليه ، بِيع العبدان ، وبسط الثمن بينهما على النسبة - ولو ربح فعلى ما شرطاه له ، فإن اتّفق خسران ،

____________________

(١) في الفقيه و « ر » : « وينهى ».

(٢) الفقيه ٣ : ١٤٣ - ١٤٤ / ٦٣١ ، التهذيب ٧ : ١٨٩ - ١٩٠ / ٨٣٧.

(٣ - ٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٤.

١٥٧

فإن كان لتقصيره ضمن ، وإن كان لانخفاض السوق لم يضمن ؛ لأنّ غايته أن يكون كالغاصب ، والغاصب لا يضمن نقصان السوق - وهو أحد قولَي الشافعيّة(١) ؛ لأنّ قضيّة المال الممتزج هذا.

ولما رواه إسحاق بن عمّار عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال في الرجل يبضعه الرجل ثلاثين درهماً في ثوبٍ وآخَر عشرين درهماً في ثوبٍ ، فبعث الثوبين فلم يعرف هذا ثوبه ولا هذا ثوبه ، قال : « يباع الثوبان ، فيعطى صاحب الثلاثين ثلاثة أخماس الثمن ، والآخَر خُمسي الثمن » قال : قلت : فإنّ صاحب العشرين قال لصاحب الثلاثين : اختر أيّهما شئت ، قال : « قد أنصفه »(٢) .

وللشافعيّة قولٌ بأنّ شراء العبدين ينقلب إلى العامل ، ويغرم لهما ؛ للتفريط حيث لم يفردهما حتى تولّد الاشتباه(٣) .

ثمّ المغروم عند الأكثرين الألفان(٤) .

وقال بعضهم : يغرم قيمة العبدين وقد تزيد على الألفين(٥) .

ولهم قولٌ غريب ثالث : إنّه يبقى العبدان على الإشكال إلى أن‌

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٣٢ ، الوسيط ٤ : ١٣١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٥ ، البيان ٧ : ١٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٥.

(٢) الكافي ٧ : ٤٢١ - ٤٢٢ / ٢ ، الفقيه ٣ : ٢٣ / ٦٢ ، التهذيب ٦ : ٢٠٨ / ٤٨٢ و ٣٠٣ - ٣٠٤ / ٨٤٧.

(٣) بحر المذهب ٩ : ٢٣٢ ، الوسيط ٤ : ١٣١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٥ ، البيان ٧ : ١٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٤.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٤ - ٢٢٥.

١٥٨

يصطلحا(١) .

مسألة ٣٠٣ : إذا تعدّى المضارب وفَعَل ما ليس له فعله أو اشترى شيئاً نهاه المالك عن شرائه ، ضمن المال في قول أكثر أهل العلم(٢) ، وروي ذلك عن أهل البيتعليهم‌السلام (٣) ، وبه قال أبو هريرة وحكيم بن حزام وأبو قلابة ونافع وأياس والشعبي والنخعي والحكم ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي(٤) .

وروى العامّة عن عليٍّعليه‌السلام أنّه قال : « لا ضمان على مَنْ شُورك في الربح »(٥) ونحوه عن الحسن والزهري(٦) .

والمعتمد : الأوّل ، والرواية عن أمير المؤمنينعليه‌السلام نحن نقول بموجبها ؛ فإنّه لا ضمان بدون التفريط.

والأصل فيه أنّه قد تصرّف في مال غيره بدون إذنه ، فلزمه الضمان ، كالغاصب. وقد تقدّم أنّه يشارك في الربح.

إذا عرفت هذا ، فلو اشترى شيئاً نهاه المالك عن شرائه فربح ، فالربح على الشرط ، وبه قال مالك(٧) ؛ لما تقدّم(٨) من الرواية عن أهل البيتعليهم‌السلام ، ولأنّه تعدٍّ ، فلا يمنع كون الربح لهما على ما شرطاه ، كما لو لبس الثوب وركب دابّةً ليس له ركوبها.

وقال أحمد : الربح بأسره لربّ المال - وعن أحمد رواية أُخرى :

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٥.

(٢) كما في المغني ٥ : ١٦٥ ، والشرح الكبير ٥ : ١٥٨.

(٣) التهذيب ٧ : ١٩٣ / ٨٥٣.

(٤ - ٦) المغني ٥ : ١٦٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٥٨.

(٧) المنتقى - للباجي - ٥ : ١٧٠ ، المغني ٥ : ١٦٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٥٨.

(٨) آنفاً.

١٥٩

إنّهما يتصدّقان بالربح على سبيل الورع ، وهو لربّ المال في القضاء - لأنّ عروة بن [ الجعد ](١) البارقي قال : عرض للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جلب فأعطاني ديناراً فقال : « يا عروة ائت الجلب فاشتر لنا شاةً » فأتيتُ الجلب فساومتُ صاحبه فاشتريتُ شاتين بدينارٍ ، فجئتُ أسوقهما - أو أقودهما - فلقيني رجل بالطريق فساومني ، فبعتُ منه شاةً بدينار ، فجئتُ بالدينار والشاة فقلت : يا رسول الله هذا ديناركم وهذه شاتكم ، فقال : « وكيف صنعتَ؟ » فحدّثته الحديث ، فقال : « اللّهمّ بارك له في صفقة يمينه »(٢) .

ولأنّه نماء عينه بغير إذن مالكه ، فكان لمالكه ، كما لو غصب حنطةً فزرعها(٣) .

والخبر لا يدلّ على المتنازع ، والفرق ظاهر بين الغاصب والمضارب المأذون له.

إذا عرفت هذا ، فهل يستحقّ العامل الأُجرة ، أم لا؟ عن أحمد روايتان :

إحداهما : إنّه لا يستحقّ ، كالغاصب.

والثانية : إنّه يستحقّ ؛ لأنّ ربّ المال رضي بالبيع وأخذ الربح ، فاستحقّ العامل عوضاً ، كما لو عقده بإذنٍ(٤) .

وفي قدر الأُجرة عنه روايتان :

إحداهما : أُجرة مثله ما لم يحط بالربح ؛ لأنّه عمل ما يستحقّ به‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « لبيد ». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٨٦ ، الهامش (٢)

(٣) المغني ٥ : ١٦٥ - ١٦٦ ، الشرح الكبير ٥ : ١٥٨ - ١٥٩.

(٤) المغني ٥ : ١٦٦ ، الشرح الكبير ٥ : ١٥٩.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333