تذكرة الفقهاء الجزء ٦

تذكرة الفقهاء17%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-46-9
الصفحات: 333

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 333 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 228431 / تحميل: 5430
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٦

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٤٦-٩
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

بأس »(١) .

ولم يفصّل العامة ، بل قال الشافعي : إن لم يكن بالغ وإنّما رفق فسبق الماء ، فقولان : أحدهما : يفطر - وبه قال أبو حنيفة ومالك والمزني(٢) - لأنّه أوصل الماء إلى جوفه ، ذاكراً لصومه ، فأفطر ، كما لو تعمّد شربه.

والفرق ظاهر ؛ للمشروعية في المتنازع ، وعدمها في الأصل.

والثاني : لا يفطر ، وبه قال الأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور ، واختاره الربيع والحسن البصري(٣) .

وإن بالغ بأن زاد على ثلاث مرّات ، فوصل الماء إلى جوفه ، أفطر قولاً واحداً(٤) . وبه قال أحمد(٥) .

وروي عن عبد الله بن عباس : أنّه إن توضّأ لمكتوبة ، لم يفطر ، وإن كان لنافلة ، أفطر ، وبه قال النخعي(٦) .

وفي الصحيح عن الحلبي عن الصادقعليه‌السلام ، في الصائم يتوضّأ للصلاة ، فيدخل الماء حلقه ، قال : « إن كان وضوؤه لصلاة فريضة ، فليس عليه قضاء ، وإن كان وضوؤه لصلاة نافلة ، فعليه القضاء »(٧) .

ونحن نتوقّف في هذه الرواية.

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٣٢٢ / ٣٢٣ - ٩٩١ ، والفقيه ٢ : ٦٩ / ٢٩٠.

(٢) بدائع الصنائع ٢ : ٩١ ، المغني ٣ : ٤٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥١ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٧ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩٣ ، المجموع ٦ : ٣٢٧ ، المدونة الكبرى ١ : ٢٠٠.

(٣) المغني ٣ : ٤٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٠ - ٥١ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٧.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٠ ، المجموع ٦ : ٣٢٦ و ٣٢٧ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٧ ، المغني ٣ : ٤٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٠ - ٥١.

(٥) المغني ٣ : ٤٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٥١.

(٦) المجموع ٦ : ٣٢٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٧.

(٧) التهذيب ٤ : ٣٢٤ / ٩٩٩.

٨١

مسألة ٤٤ : لو ارتدّ عن الإِسلام في أثناء الصوم ، فسد صومه إجماعاً‌ ، وعليه قضاء ذلك اليوم إذا عاد إلى الإِسلام ، سواء أسلم في أثناء اليوم أو بعد انقضائه ، وسواء كانت ردّته باعتقاد ما يكفر به ، أو بشكّه فيما يكفر بالشك فيه ، أو بالنطق بكلمة الكفر ، مستهزئاً أو غير مستهزئ.

قال الله تعالى( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِءونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ ) (١) .

لأنّ الصوم عبادة من شرطها النيّة ، فأبطلتها الردّة ، كالصلاة والحجّ ، ولأنّه عبادة محضة ، فنافاها الكفر كالصلاة.

مسألة ٤٥ : لو نوى الإِفطار بعد عقد نية الصوم‌ ، وقد مضى جزء من النهار ، فالأقوى أنّه يفطر - وبه قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي وأحمد في أظهر الروايتين(٢) - لأنّ الصوم عبادة من شرطها النية ، ففسدت بنية الخروج منها كالصلاة.

ولأنّ الأصل اعتبار النية في جميع أجزاء العبادة ، لكن لـمّا شقّ اعتبار حقيقة النية ، اعتبر بقاء حكمها ، وهو : ان لا ينوي قطعها ، فإذا نواه ، زالت حقيقةً وحكماً ، ففسد الصوم ؛ لزوال شرطه ؛ لأنّه نوى الإِفطار في جزء من النهار وقد قالعليه‌السلام : ( إنّما الأعمال بالنيات وإنّما لكلّ امرئ ما نوى )(٣) فيتحقّق الإِفطار في ذلك الجزء ، والصوم لا يقبل التبعيض ، فكان مفطراً.

والرواية الثانية عن أحمد : أنّه لا يفسد صومه ؛ لأنّه عبادة يلزم المضيّ‌

____________________

(١) التوبة : ٦٥ و ٦٦.

(٢) المغني ٣ : ٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٨ ، المجموع ٦ : ٢٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٧.

(٣) صحيح البخاري ١ : ٢ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٦٢ / ٢٢٠١ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٤١٣ / ٤٢٢٧ ، سنن الترمذي ٤ : ١٧٩ - ١٨٠ / ١٦٤٧ ، وسنن البيهقي ٧ : ٣٤١.

٨٢

في فاسدها ، فلم تفسد بنية الخروج منها كالحجّ(١) .

وهو غير مطّرد في غير رمضان. والقياس باطل ؛ لأنّ الحجّ يصحّ بالنية المطلقة والمبهمة وبالنية عن غيره إذا لم يكن حجّ عن نفسه ، فافترقا.

ولو عاد بعد أن نوى الإِفطار ولم يفطر فنوى الصوم ، فإن كان ذلك بعد الزوال ، لم يصح عوده إجماعاً ؛ لفوات محلّ النية.

وإن كان قبله ، أجزأه على قول بعض علمائنا(٢) - وبه قال أبو حنيفة(٣) - لأنّ الصوم يصح بنية من النهار.

وأمّا صوم النافلة ، فإن نوى الفطر ثم لم يَنو الصوم بعد ذلك ، لم يصح صومه ؛ لأنّ النية انقطعت ولم توجد نية غيرها ، فأشبه مَن لم يَنو أصلاً.

وإن عاد فنوى الصوم ، صحّ صومه ، كما لو أصبح غير ناوٍ للصوم ؛ لأنّ نية الفطر إنّما أبطلت الفرض ؛ لما فيه من قطع النية المشترطة في جميع النهار حكماً ، وخُلوّ بعض أجزاء الزمان عنها ، والنفل بخلاف الفرض في ذلك ، فلم تمنع صحته نية الفطر في زمن لا يشترط وجود نية الصوم فيه.

ولأنّ نية الفطر لا تزيد على عدم النية في ذلك الوقت ، وعدمها لا يمنع صحة الصوم بعده ، بخلاف الواجب ، فإنّه لا تصحّ نيته من النهار.

والأصل فيه أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان يسأل أهله هل من غذاء؟ فإن قالوا : لا ، قال : ( إنّي إذن لصائم )(٤) .

تذنيب : لو نوى أنّه سيفطر ساعة اُخرى‌ ، فالأقرب : أنّه بخلاف نية‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١.

(٢) المحقق في شرائع الإسلام ١ : ١٨٨.

(٣) المغني ٣ : ٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١.

(٤) صحيح مسلم ٢ : ٨٠٩ / ١٧٠ ، سنن الترمذي ٣ : ١١١ / ٧٣٣ و ٧٣٤ ، مسند أحمد ٦ : ٢٠٧ ، وأورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٥٧ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٢.

٨٣

الفطر في وقته ، خلافاً لبعض العامة(١) .

ولو تردّد في الفطر ، فإشكال ينشأ من عدم الجزم بالصوم في زمان التردّد. ومن انعقاد الصوم قبله ، والتردّد ليس من المفطرات.

ولو نوى أنّي إن وجدت طعاماً أفطرت ، وإن لم أجد أتممت صومي ، فوجهان : الفطر ؛ لانتفاء الجزم ، ولهذا لا يصح ابتداء النية بمثل هذا.

والثاني : لا يفطر ؛ لأنّه لم يَنو الفطر بنية صحيحة ، فإنّ النية لا يصحّ تعليقها على شرط ، ولذلك لا ينعقد الصوم بمثل هذه النية.

مسألة ٤٦ : لو جامع أو أكل أو شرب في أول النهار بعد عقد صومه‌ ، ثم تجدّد عذر مسقط للصوم - كجنون أو مرض أو حيض أو نفاس - في أثناء النهار ، فالوجه عندي : سقوط الكفّارة - وهو قول بعض علمائنا(٢) ، وقول أصحاب الرأي والثوري والشافعي في أحد القولين(٣) - لأنّه زمان لا يصحّ الصوم فيه ، فيستحيل من الله تعالى ، العالم به الحكيم ، الأمر بصومه ، وإلّا لزم تكليف ما لا يطاق ، فيكون فعل المفطر قد صادف ما لا يصح صومه ، فأشبه ما لو صادف الليل ، وكما لو قامت البيّنة أنّه من شوّال.

والقول الثاني لعلمائنا وللشافعي وأحمد في الرواية الاُخرى : إنّه تجب عليه الكفّارة - وبه قال مالك وابن أبي ليلى وإسحاق وأبو ثور وداود - لأنّ هذه الأعذار معانٍ طرأت بعد وجوب الكفّارة ، فلم تُسقطها ، كالسفر.

ولأنّه أفسد صوماً واجباً في رمضان بجماع وشبهه ، فاستقرّت الكفّارة عليه ، كما لو لم يطرأ عذر(٤) .

ونمنع وجوب الكفّارة ، ونمنع وجوب الصوم في نفس الأمر ، ووجوبه في‌

____________________

(١) هو ابن عقيل كما في المغني ٣ : ٥٧ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٢.

(٢) حكاه المحقّق في شرائع الإِسلام ١ : ١٩٤.

(٣و٤) المغني ٣ : ٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٦ ، المجموع ٦ : ٣٤٠ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٠ - ٤٥١ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٣ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٧٥.

٨٤

اعتقادنا غير مفيد إذا ظهر بطلان الاعتقاد.

وقال زفر : تسقط بالحيض والجنون ، دون المرض والسفر(١) .

وقال بعض أصحاب مالك : تسقط بالسفر ، دون المرض والجنون(٢) .

إذا عرفت هذا ، فلو أفطر ثم سافر سفراً ضروريّاً ، فهو كالعذر المتجدّد من جنون أو حيض.

ولو سافر سفراً اختياريّاً ، فإن لم يقصد به زوال الكفّارة عنه ، فالأقرب : أنّه كالعذر ، وإن قصد به إسقاط الكفّارة ، لم تسقط ، وإلّا لزم إسقاط الكفّارة عن كلّ مفطر باختياره ، والإِقدام على المحرّمات.

مسألة ٤٧ : لو أفطر بالمحرَّم‌ ، كما لو زنى في نهار رمضان ، أو شرب خمراً ، أو أكل ( لحم خنزير )(٣) فالأقوى : أنّ الواجب كفّارة واحدة يتخيّر فيها ، كما لو أفطر بالمحلّل.

وقال بعض علمائنا : تجب به كفّارة الجمع(٤) ؛ وهي : الخصال الثلاث : عتق رقبة وصيام شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكيناً ، وبه رواية عن أهل البيتعليهم‌السلام (٥) .

والمعتمد : الأول ؛ لأصالة براءة الذمة.

مسألة ٤٨ : لو كرّر السبب الموجب للكفّارة‌ ، بأن وطأ مرتين مثلاً ، فإن‌

____________________

(١) المبسوط للسرخسي ٣ : ٧٥ ، المجموع ٦ : ٣٤٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٣.

(٢) المجموع ٦ : ٣٤٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٣.

(٣) بدل ما بين القوسين في النسخ الخطية الثلاث « ط ، ف ، ن » : خنزيراً. وما أثبتناه من الطبعة الحجرية.

(٤) كالصدوق في الفقيه ٢ : ٧٣ - ٧٤ ، والشيخ الطوسي في التهذيب ٤ : ٢٠٩ ، والاستبصار ٢ : ٩٧ ذيل الحديث ٣١٥.

(٥) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١ : ٣١٤ / ٨٨ ، التهذيب ٤ : ٢٠٩ / ٦٠٥ ، الاستبصار ٢ : ٩٧ / ٣١٦.

٨٥

كان في رمضانين ، تكرّرت الكفّارة إجماعاً - إلّا رواية عن أبي حنيفة(١) - سواء كفّر عن الأول أو لا.

ولو كرّر في يومين من رمضان واحد ، وجبت عليه كفّارتان ، سواء كفّر عن الأول أو لم يكفّر عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي ومالك والليث وابن المنذر ، وهو قول عطاء ومكحول(٢) - لأنّ كلّ فعل من هذين الفعلين لو انفرد ، لاستقلّ بإيجاب الكفّارة ، فكذا حالة الاجتماع ؛ لأصالة بقاء الحقيقة على ما كانت عليه.

ولأنّ كلّ واحد من الذنبين سبب في إيجاب عقوبة الكفّارة ، فعند الاجتماع يبقى الحكم بطريق الأولى ؛ لزيادة الذنب.

ولأنّ كلّ يوم عبادة قد هتكت ، وهي منفردة عن العبادة الاُخرى لا تتّحد صحتها مع صحة ما قبلها ولا ما بعدها ، ولا بطلانها مع بطلانها ، فلا يتّحد أثر السببين فيهما.

ولأنّ أحد الأمرين لا يتّحد مع الآخر ، وهو القضاء ، فكذا الأمر الآخر.

وقال أبو حنيفة : إن لم يكفّر عن الأول فكفّارة واحدة ، وإن كفّر فروايتان ، إحداهما : أنّها كفّارة واحدة أيضاً - وبه قال أحمد والزهري والأوزاعي - لأنّ الكفّارة تجب على وجه العقوبة ، ولهذا تسقط بالشبهة ، وهو : إذا ظنّ أنّ الفجر لم يطلع ، وما هذا سبيله تتداخل العقوبة فيه كالحدود(٣) .

والفرق : أنّ الحدود عقوبة على البدن ، وهذه كفّارة ، فاعتبارها بالكفّارات أولى.

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٤٥٠ ، المجموع ٦ : ٣٣٧ ، والمبسوط للسرخسي ١ : ٧٥.

(٢) المجموع ٦ : ٣٣٦ و ٣٣٧ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠١ ، المغني ٣ : ٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٤.

(٣) حلية العلماء ٣ : ٢٠١ ، المجموع ٦ : ٣٣٧ ، المغني ٣ : ٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٤ ، بداية المجتهد ١ : ٣٠٦.

٨٦

ولأن الحدود تتداخل في سببين ، وهي مبنية على التخفيف ، فتنافي التكرار.

ولو كرّر في يوم واحد ، قال الشيخ(١) وبعض علمائنا(٢) : لا تتكرّر الكفّارة - وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي(٣) - لأنّ الوطء الثاني لم يقع في صوم صحيح ، فلا يتحقّق الهتك به ، فلا تثبت العقوبة.

ولأنّ أحد الأمرين - وهو القضاء - لا يتكرّر ، فلا يتكرّر الآخر.

وقال السيد المرتضىرحمه‌الله : تتكرّر الكفّارة(٤) ؛ لأنّ الجماع سبب تام في وجوب الكفّارة ، فتتكرّر بتكرّره ؛ عملاً بالمقتضي.

ولدلالة الرواية عن الرضا(٥) عليه‌السلام عليه.

ولأنّ الإِمساك واجب كرمضان ، والوطء فيه محرَّم كحرمة رمضان ، فأوجب الكفّارة كالأول.

ونمنع السببية بدون الهتك ، وإلّا لوجب على المسافر.

والفرق بين تحريم الأول والثاني ظاهر وإن اشتركا في مطلق التحريم ؛ لصدق الهتك في الأول دون الثاني.

وقال ابن الجنيد من علمائنا : إن كفّر عن الأول كفّر ثانياً ، وإلّا كفّر واحدة عنهما(٦) ؛ وبه قال أحمد بن حنبل(٧) ، ولا بأس به.

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٧٤ ، الخلاف ٢ : ١٨٩ ، المسألة ٣٨.

(٢) المحقق في المعتبر : ٣٠٨.

(٣) المبسوط للسرخسي ٣ : ٧٤ ، بداية المجتهد ١ : ٣٠٦ ، المدونة الكبرى ١ : ٢١٨ ، المجموع ٦ : ٣٣٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠١ ، المغني ٣ : ٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٥.

(٤) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ١٨٩ - ١٩٠ ، المسألة ٣٨ ، والمحقّق في المعتبر : ٣٠٨.

(٥) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١ : ٢٥٤ / ٣ ، الخصال : ٤٥٠ / ٥٤.

(٦) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٣٠٨ - ٣٠٩.

(٧) المغني ٣ : ٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٤ ، المجموع ٦ : ٣٣٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٢.

٨٧

واعلم : أنّ القضاء لا يتكرّر مع اتّحاد اليوم إجماعاً.

ولو اختلف السبب في يوم واحد ، كما لو جامع وأكل ، فيه إشكال ينشأ من تعليق الكفّارة بالجماع والأكل مطلقاً وقد وُجدا ، فتتكرّر الكفّارة ، بخلاف السبب المتّحد ، لأنّ التعليق على الماهية المتناولة للواحد والكثير ، ومن كون السبب الهتك وإفساد الصوم الصحيح ، وهو منتف في الثاني.

مسألة ٤٩ : لو أفطر نهارَ رمضان من وجب عليه الصوم مستحلاً ، فهو مرتدّ‌ ، فإن كان عن فطرة ، قُتل من غير أن يستتاب.

ولو نشأ في برّيّة ولم يعرف قواعد الإِسلام ولا ما يوجب الإِفطار ، عُرِّف وعُومل بعد ذلك بما يعامَلُ به المولود على الفطرة.

ولو لم يولد على الفطرة ، استتيب ، فإن تاب وإلّا قُتل.

ولو اعتقد التحريم ، عُزّر ( فإن عاد ، عُزّر )(١) فإن عاد ، قُتل في الثالثة ؛ لأنّ سماعة قال : سألته عن رجل اُخذ في شهر رمضان ثلاث مرّات وقد رفع الى الإِمام ثلاث مرّات ؛ قال : « فليقتل في الثالثة »(٢) .

وروي : أنّ الباقرعليه‌السلام ، سُئل عن رجل شهد عليه شهود أنّه أفطر من شهر رمضان ثلاثة أيام ، قال : « يُسأل هل عليك في إفطارك إثم؟ فإن قال : لا ، كان على الإِمام أن يقتله ، وإن قال : نعم ، كان على الإمام أن يؤلمه ضرباً »(٣) .

وقال بعض علمائنا : يُقتل في الرابعة(٤) . وهو أحوط ؛ لأنّ التهجّم على الدم خطر.

____________________

(١) ما بين القوسين أثبتناه من « ط ».

(٢) الكافي ٤ : ١٠٣ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٧٣ / ٣١٥ ، التهذيب ٤ : ٢٠٧ / ٥٩٨.

(٣) الكافي ٤ : ١٠٣ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٧٣ / ٣١٤ ، التهذيب ٤ : ٢١٥ / ٦٢٤ بتفاوت يسير في اللفظ.

(٤) كما في المعتبر : ٣٠٩.

٨٨

إذا ثبت(١) هذا ، فإنّما يُقتل في الثالثة أو الرابعة على الخلاف لو رُفع في كلّ مرّة الى الإمام وعزّر ، أمّا لو لم يرفع فإنّه(٢) يجب عليه التعزير خاصة ولو زاد على الأربع.

مسألة ٥٠ : لو أكره الصائم زوجته الصائمة على الجماع‌ ، عُزّر بخمسين سوطاً عند علمائنا ، ووجب عليه كفّارتان ، إحداهما عنه ، والثانية عنها ، ولا كفّارة عليها ولا قضاء ، لأنّه سبب تام في صدور الفعل.

ولو طاوَعَته ، عُزّر كلّ واحد منهما بخمسة وعشرين سوطا ، ووجب على كلّ واحد القضاء والكفّارة ، لأنّ المفضّل بن عمر ، سأل الصادقعليه‌السلام ، في رجل أتى امرأته وهو صائم وهي صائمة ، فقال : « إن كان استكرهها ، فعليه كفّارتان ، وإن كانت طاوعته ، فعليه كفّارة وعليها كفّارة ، وإن كان أكرهها ، فعليه ضرب خمسين سوطا نصف الحدّ ، وإن كانت طاوعته ، ضُرِبَ خمسة وعشرين سوطاً ، وضُرِبَت خمسة وعشرين سوطاً »(٣) .

فروع :

أ - قال الشيخرحمه‌الله : لو وطأها نائمةً أو مكرهةً ، لم تفطر ، وعليه كفّارتان(٤) .

وفي النائمة إشكال.

ب - قالرحمه‌الله : لو أكرهها لا جبراً ، بل ضربها حتى مكّنته من نفسها ، أفطرت ، ولزمها القضاء ؛ لأنّها دفعت عن نفسها الضرر بالتمكين كالمريض ، ولا كفّارة(٥) .

ج - لو زنى بها مُكرِهاً لها ، تحمّل عنها الكفّارة ؛ لأنّه أغلظ من الوطء‌

____________________

(١) في الطبعة الحجرية : إذا عرفت.

(٢) في الطبعة الحجرية بدل ( فإنّه ) : ( فإنّما ).

(٣) الكافي ٤ : ١٠٣ - ١٠٤ - ٩ ، الفقيه ٢ : ٧٣ / ٣١٣ ، التهذيب ٤ : ٢١٥ / ٦٢٥.

(٤و٥) الخلاف ٢ : ١٨٣ ، المسألة ٢٧ ، وحكاه عنه المحقق في المعتبر : ٣٠٩.

٨٩

المباح.

ويشكل : بأنّه لا يلزم من كون الكفّارة مُسقطةً لأقلّ الذنبين كونها مسقطةً لأعلاهما.

د - لو أصبح مُفطراً يعتقد أنّه من شعبان ، فشهدت البيّنة بالرؤية ، لزمه الإِمساك والقضاء‌ في قول عامة الفقهاء(١) ، إلّا عطاء ؛ فإنّه قال : يأكل بقية يومه(٢) . وأحمد في رواية(٣) .

وهو خلاف الإِجماع ، مع أنّ أحمد قد نصّ على إيجاب الكفّارة على مَن وطأ ثم كفّر ثم عاد فوطأ في يومه ؛ لأنّ حرمة اليوم لم تذهب ، فإذا أوجب الكفّارة على غير الصائم لحرمة اليوم كيف يبيح الأكل!؟(٤) .

لا يقال : إنّ المسافر إذا قدم وقد أفطر ، جاز له الأكل ، فليكن هنا مثله.

لأنّا نقول : المسافر كان له الفطر ظاهراً وباطناً ، وهذا لم يكن له الفطر في الباطن مباحاً ، فأشبه مَنْ أكل بظنّ أنّ الفجر لم يطلع وقد كان طالعاً

إذا عرفت هذا ، فكلّ من أفطر والصوم لازم له ، كالـمُفطر بغير عذر ، والـمُفطر يظنّ أنّ الفجر لم يطلع وقد كان طالعاً ، أو يظنّ الغروب فظهر خلافه ، أو الناسي لنية الصوم ، يلزمهم الإِمساك إجماعاً.

ه- من يباح له الفطر في أول النهار ظاهراً وباطناً ، كالحائض والنفساء‌ والصبي والمجنون والكافر ، إذا زالت أعذارهم في أثناء النهار ، يستحب لهم الإِمساك باقي النهار من غير وجوب - وبه قال جابر بن زيد وابن مسعود ومالك والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين(٥) - للاستصحاب.

____________________

(٤-١) المغني ٣ : ٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥.

(٥) المغني ٣ : ٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٥ ، المجموع ٦ : ٢٦٢ ، الوجيز ١ : ١٠٤ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٥ ، والكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٣.

٩٠

وقال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي والحسن بن صالح بن حي والعنبري : يجب الإِمساك ؛ لأنّه معنى لو وُجد قبل الفجر ، لوجب الصيام ، فإذا طرأ بعد الفجر ، وجب الإِمساك ، كقيام البيّنة بالرؤية(١) . والفرق ظاهر.

أمّا المسافر إذا قدم والمريض إذا برأ ، فإن كان قبل الزوال ولم يتناولا شيئاً ، وجب الإِمساك ، ولا قضاء ، وإن كان بعد الزوال ، وجب القضاء.

و - المسافر والحائض والمريض يجب عليهم القضاء إذا أفطروا إجماعاً ؛ لقوله تعالى( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) (٢) والتقدير : فأفطر.

وقالت عائشة : كنّا نحيض على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فنؤمر بقضاء الصوم(٣) .

وإن أفاق المجنون أو بلغ الصبي أو أسلم الكافر في أثناء النهار ، فلا قضاء.

وعن أحمد روايتان(٤) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦ ، المجموع ٦ : ٢٦٢ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٥.

(٢) البقرة : ١٨٤.

(٣) صحيح مسلم ١ : ٢٦٥ / ٦٩ ، سنن الترمذي ٣ : ١٥٤ / ٧٨٧ ، سنن النسائي ٤ : ١٩١ ، وأورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٧٦ ، والشرح الكبير ٣ : ١٧.

(٤) المغني ٣ : ٧٦ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧.

٩١

الفصل الرابع

فيما يستحب للصائم اجتنابه‌

مسألة ٥١ : تكره مباشرة النساء للصائم‌ تقبيلاً ولمساً وملاعبةً حذراً من الوقوع في الوطء ، وأجمع العلماء على كراهة التقبيل لذي الشهوة ، لما رواه العامة عن عمر بن الخطاب ، قال : رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، في المنام ، فأعرض عنّي ، فقلت له : ما لي؟ فقال : ( إنّك تقبّل وأنت صائم)(١) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه الأصبغ بن نباتة ، قال : جاء رجل الى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقال : يا أمير المؤمنين اُقبّل وأنا صائم؟ فقال له : « عفّ صومك ، فإنّ بَدء القتال اللطام »(٢) .

إذا ثبت هذا ، فإنّها تكره لذي الشهوة إذا لم يغلب على ظنّه الإِنزال ، فإن غلب ، فالأقرب أنّها كذلك.

وقال بعض الشافعية : إنّها محرّمة حينئذٍ(٣) ؛ لأنّه لا يجوز أن يُعرّض‌

____________________

(١) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٤٨ ، والشرح الكبير ٣ : ٧٨ ، ونحوه في سنن البيهقي ٤ : ٣٣٢.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٧٢ / ٨٢٢ ، الاستبصار ٢ : ٨٢ / ٢٥٢.

(٣) المجموع ٦ : ٣٥٥ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٦.

٩٢

الصوم للإِفساد.

والجواب : التعريض للإِفساد مشكوك فيه ، ولا يثبت التحريم بالشك.

أمّا مَن يملك إربه كالشيخ الكبير ، فالأقرب انتفاء الكراهة في حقّه - وبه قال أبو حنيفة والشافعي(١) - لما رواه العامة أنّ رجلاً قبّل امرأته ، فاُرسلت فسألت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأخبرها النبيعليه‌السلام ، أنّه يقبّل وهو صائم ، فقال الرجل : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ليس مثلنا وقد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، فغضب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : ( إنّي أخشاكم لله وأعلمكم بما أتّقي )(٢) .

ومن طريق الخاصة : أنّ الباقرعليه‌السلام سئل هل يباشر الصائم أو يقبّل في شهر رمضان؟ فقال : « إنّي أخاف عليه ، فليتنزّه عن ذلك ، إلّا أن يثق أن لا يسبقه منيّه »(٣) .

وظاهر كلام الشيخ في التهذيب الكراهة مطلقاً(٤) ، وبه قال مالك(٥) - وعن أحمد روايتان(٦) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أعرض عن عمر بمجرّد القُبلة مطلقاً(٧) .

وهو استناد الى منام أو لوجود الشهوة عند عمر.

إذا عرفت هذا ، فلو قبّل ، لم يفطر إجماعاً ، فإن أنزل ، وجب عليه‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٤٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٧٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٩٣ ، المجموع ٦ : ٣٥٥ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩٦.

(٢) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٤٨ ، والشرح الكبير ٣ : ٧٨ ، ورواه مسلم بمعناه في صحيحه ٢ : ٧٧٩ / ١١٠٨.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٧١ - ٢٧٢ / ٨٢١ ، الاستبصار ٢ : ٨٢ / ٢٥١.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٧١ ذيل الحديث ٨٢٠.

(٥) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٧ ، عارضة الاحوذي ٣ : ٢٦٢ ، المجموع ٦ : ٣٥٥.

(٦) المغني ٣ : ٤٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٧٩.

(٧) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في ص ٩١ ، الهامش (١).

٩٣

القضاء والكفّارة عند علمائنا ، وبه قال أحمد ومالك(١) ، خلافاً للشافعي(٢) ، وقد سلف(٣) .

مسألة ٥٢ : يكره الاكتحال بما فيه مسك أو صَبِر(٤) أو طعم يصل الى الحلق‌ ، وليس بمفطر ولا محظور عند علمائنا - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(٥) - لما رواه العامة عن أبي رافع مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : نزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، خيبر ونزلت معه ، فدعا بكحل إثمد(٦) ، فاكتحل به في رمضان وهو صائم(٧) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه محمد بن مسلم عن الباقرعليه‌السلام ، في الصائم يكتحل ، قال : « لا بأس به ، ليس بطعام ولا شراب »(٨) .

وقال أحمد : إن وجد طعمه في حلقه ، أفطر ، وإلّا فلا(٩) . ومثله قال أصحاب مالك(١٠) .

وعن ابن أبي ليلى وابن شبرمة : أنّ الكحل يفطر الصائم ؛ لأنّه أوصل‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٣ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٤ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٧.

(٢) المجموع ٦ : ٣٤١ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٣.

(٣) سلف في المسألة ١٧.

(٤) الصَّبِر : عصارة شجر مُرّ. لسان العرب ٤ : ٤٤٢.

(٥) المجموع ٦ : ٣٤٨ ، فتح العزيز ٦ : ٣٦٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٦ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٣ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦٧ ، تحفة الفقهاء ١ : ٣٦٦ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٠.

(٦) الإِثمد : حجر يتّخذ منه الكحل. لسان العرب ٣ : ١٠٥.

(٧) سنن البيهقي ٤ : ٢٦٢ بتفاوت.

(٨) الكافي ٤ : ١١١ ( باب الكحل والذرور للصائم ) الحديث ١ ، التهذيب ٤ : ٢٥٨ / ٧٦٥ ، الاستبصار ٢ : ٨٩ / ٢٧٨.

(٩و١٠) المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٠ ، المجموع ٦ : ٣٤٨ ، فتح العزيز ٦ : ٣٦٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٦.

٩٤

الى حلقه ما هو ممنوع من تناوله ، فأفطر به ، كما لو أوصله من أنفه(١) .

وهو غير مفيد ؛ لأنّ الإِيصال إلى الحلق غير مفطر(٢) ما لم يبتلعه ، ولأنّ الوصول من المسام غير مفطر ، كما لو دلك رجله بالحنظل ، فإنّه يجد طعمه مع عدم الإِفطار.

وإنّما كره ما فيه صَبِرٌ أو مسك أو شبهه ؛ لأنّ سماعة سأله عن الكحل للصائم ، فقال : « إذا كان كحلاً ليس فيه مسك وليس له طعم في الحلق ، فليس به بأس »(٣) .

مسألة ٥٣ : يكره إخراج الدم المضعف بفصد أو حجامة‌ ؛ لئلّا يتضرّر بالضعف ، أو ربما أفطر.

وكذا يكره دخول الحمام إن خاف الضعف أو العطش ، وإلّا فلا ؛ لما لا يؤمن معه من الضرر أو الإِفطار.

وروى أبو بصير أنّه سأل الصادقعليه‌السلام ، عن الرجل يدخل الحمام وهو صائم ، فقال : « ليس به بأس »(٤) .

وسئل الباقرعليه‌السلام ، عن الرجل يدخل الحمام وهو صائم ، فقال : « لا بأس ما لم يخش ضعفاً»(٥) .

ويكره شمّ الرياحين ، ويتأكّد في النرجس ؛ لأنّ للأنف اتّصالاً بجوف الدماغ ، ويكره الإِيصال اليه.

وسئل الصادقعليه‌السلام : الصائم يشمّ الريحان ، قال : « لا ، لأنّه‌

____________________

(١) المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٠ ، المجموع ٦ : ٣٤٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٦.

(٢) في الطبعة الحجرية : غير مبطل.

(٣) الكافي ٤ : ١١١ ( باب الكحل والذرور للصائم ) الحديث ٣ ، التهذيب ٤ : ٢٥٩ / ٧٧٠ ، الاستبصار ٢ : ٩٠ / ٢٨٣.

(٤) الكافي ٤ : ١٠٩ / ٤ ، التهذيب ٤ : ٢٦١ / ٧٧٨.

(٥) الكافي ٤ : ١٠٩ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٧٠ / ٢٩٦ ، التهذيب ٤ : ٢٦١ / ٧٧٩.

٩٥

لذّة ، ويكره أن يتلذّذ »(١) .

وقال محمّد بن العيص(٢) : سمعت الصادقعليه‌السلام ينهى عن النرجس ، فقلت : جعلت فداك لم ذاك؟ قال : « لأنّه ريحان الأعاجم »(٣) .

وكره عليعليه‌السلام أن يتطيّب الصائم بالمسك(٤) .

مسألة ٥٤ : الحجامة مكروهة ؛ لخوف الضعف‌ ، فإن أمن ، فلا بأس.

وعلى التقديرين فلا يفطر بها الصائم عند علمائنا أجمع - وبه قال في الصحابة : الحسين بن عليعليهما‌السلام ، وعبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود وأبو سعيد الخدري وزيد بن أرقم واُمّ سلمة ، وفي التابعين : سعيد بن المسيّب والباقر والصادقعليهما‌السلام ، وسعيد بن جبير وطاوس والقاسم بن محمد وسالم وعروة والشعبي والنخعي وأبو العالية ، وبه قال الشافعي ومالك والثوري وأبو ثور وداود وأصحاب الرأي(٥) - لما رواه العامة عن ابن عباس أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، احتجم وهو صائم مُحرم(٦) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه الحسين بن أبي العلاء - في الصحيح - قال : سألت الصادقعليه‌السلام ، عن الحجامة للصائم ، قال : « نعم إذا لم‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ١١٣ - ٥ ، التهذيب ٤ : ٢٦٧ - ٨٠٧ ، الإستبصار ٢ : ٩٣ - ٣٠١.

(٢) في الكافي والفقيه والتهذيب : محمد بن الفيض.

(٣) الاستبصار ٢ : ٩٤ / ٣٠٢ ، والتهذيب ٤ : ٢٦٦ / ٨٠٤ ، والكافي ٤ : ١١٢ ( باب الطيب والريحان للصائم) الحديث ٢ ، والفقيه ٢ : ٧١ / ٣٠١.

(٤) الكافي ٤ : ١١٢ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٦٦ / ٨٠١.

(٥) المجموع ٦ : ٣٤٩ ، المغني ٣ : ٣٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤ ، فتح العزيز ٦ : ٣٧٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٧ ، اختلاف العلماء : ٧٠ ، المدوّنة الكبرى ١ : ١٩٨ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٥٧.

(٦) صحيح البخاري ٣ : ٤٣ ، سنن أبي داود ٢ : ٣٠٩ / ٢٣٧٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٣٧ / ١٦٨٢ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٦٣.

٩٦

يخف ضعفاً »(١) .

وفي الصحيح عن عبد الله بن ميمون عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « ثلاثة لا يفطرن الصائم : القي‌ء والاحتلام والحجامة ، وقد احتجم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو صائم ، وكان لا يرى بأساً بالكحل للصائم »(٢) .

ولأنّه خارج من ظاهر البدن ، فلم يكن مُفطراً ، كالفصد.

وقال أحمد وإسحاق : يفطر الحاجم والمحجوم(٣) - وفي الكفّارة عن أحمد روايتان(٤) - واختاره ابن المنذر ومحمد بن إسحاق وابن خزيمة ، وكان مسروق والحسن وابن سيرين لا يرون للصائم أن يحتجم(٥) - لما رواه أحد عشر نفساً عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( أفطر الحاجم والمحجوم )(٦) .

وهو محمول على مقاربتهما من الإِفطار ؛ للضعف.

ولأنّه منسوخ بما قدّمناه عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٧) .

مسألة ٥٥ : يكره الاحتقان بالجامد على أشهر القولين‌ - خلافاً للعامة ؛ فإنّهم قالوا : إنّه مُفطر(٨) - لأنّ ابن يقطين سأل الكاظمعليه‌السلام ، ما تقول‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ١٠٩ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٦٠ / ٧٧٣ ، الاستبصار ٢ : ٩٠ / ٢٨٦.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٦٠ / ٧٧٥ ، الاستبصار ٢ : ٩٠ - ٩١ / ٢٨٨.

(٣) المغني ٣ : ٣٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٧.

(٤) حلية العلماء ٣ : ٢٠٧ ، المغني ٣ : ٥١ - ٥٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٩.

(٥) المغني ٣ : ٣٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤.

(٦) كما في المغني ٣ : ٣٨ ، والشرح الكبير ٣ : ٤٥ ، وراجع : صحيح البخاري ٣ : ٤٢ ، وسنن أبي داود ٢ : ٣٠٨ / ٢٣٦٧ ، وسنن ابن ماجة ١ : ٥٣٧ / ١٦٧٩ ، وسنن الترمذي ٣ : ١٤٤ / ٧٧٤ ، وسنن الدار قطني ٢ : ١٨٢ - ١٨٣ / ١٢ و ١٤ ، وسنن البيهقي ٤ : ٢٦٥.

(٧) راجع ص ٩٥ والهامش (٦).

(٨) المغني والشرح الكبير ٣ : ٣٩ ، المجموع ٦ : ٣١٣ و ٣٢٠ ، فتح العزيز ٦ : ٣٦٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٤.

٩٧

في التلطّف(١) يستدخله الإِنسان وهو صائم؟ فكتب : « لا بأس بالجامد »(٢) .

وفي المائع قولان تقدّما(٣) .

ويكره بلّ الثوب على الجسد ؛ لاقتضائه اكتناز(٤) مسام البدن ، فيمنع خروج الأبخرة ، ويوجب احتقان الحرارة باطن البدن ، فيحتاج معه الى التبريد.

وسأل الحسن الصيقل ، الصادقعليه‌السلام ، عن الصائم يلبس الثوب المبلول ، فقال : « لا »(٥) .

ولا بأس أن يستنقع الرجل بالماء ؛ للأصل ؛ لأنّ(٦) الحسن بن راشد سأل الصادقعليه‌السلام عن الحائض تقضي الصلاة؟ قال : « لا » قلت : تقضي الصوم؟ قال : « نعم » قلت : من أين جاء هذا؟ قال : « إنّ أول مَن قاس إبليس » قلت : فالصائم يستنقع في الماء؟ قال : « نعم » قلت : فيبلّ ثوباً على جسده؟ قال : « لا » قلت : من أين جاء هذا؟ قال : « من ذاك »(٧) .

وأمّا المرأة فيكره لها الجلوس في الماء ، ولا يبطل صومها ؛ للأصل.

وقال أبو الصلاح من علمائنا : يلزمها القضاء(٨) ؛ لأنّ حنان بن سدير سأل الصادقعليه‌السلام ، عن الصائم يستنقع في الماء ، قال : « لا بأس‌

____________________

(١) التلطّف : إدخال الشي‌ء في الفرج. مجمع البحرين ٥ : ١٢١.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٠٤ / ٥٩٠ ، الإستبصار ٢ : ٨٣ / ٢٥٧.

(٣) في ص ٢٩.

(٤) الاكتناز : الامتلاء. لسان العرب ٥ : ٤٠٢.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٦٧ / ٨٠٦ ، الاستبصار ٢ : ٩٣ / ٣٠٠.

(٦) كذا في جميع النُسخ. ولعلّ الصحيح : ولأنّ.

(٧) الكافي ٤ : ١١٣ / ٥ ، التهذيب ٤ : ٢٦٧ / ٨٠٧ ، الاستبصار ٢ : ٩٣ / ٣٠١.

(٨) الكافي في الفقه : ١٨٣.

٩٨

ولكن لا يغمس رأسه ، والمرأة لا تستنقع في الماء لأنّها تحمله بقُبُلها »(١) .

والرواية ضعيفة السند.

____________________

(١) الفقيه ٢ : ٧١ / ٣٠٧ ، والكافي ٤ : ١٠٦ / ٥ ، والتهذيب ٤ : ٢٦٣ - ٢٦٤ / ٧٨٩‌

٩٩

الفصل الخامس

فيمن يصحّ منه الصوم‌

مسألة ٥٦ : العقل شرط في صحة الصوم ووجوبه إجماعاً‌ ؛ لأنّ التكليف يستدعي العقل ؛ لقبح تكليف غير العاقل.

ولقولهعليه‌السلام : ( رُفع القلم عن ثلاثة - وعدّ - المجنون حتى يُفيق )(١) .

ولا يؤمر بالصوم للتمرين - بخلاف الصبي - إجماعاً ؛ لانتفاء التمييز في حقّه.

هذا إذا كان جنونه مُطبقاً ، أمّا لو كان يُفيق وقتاً يصحّ صومه ، ووافق جميعَ نهار رمضان ، وجب عليه صوم ذلك اليوم ؛ لوجود الشرط فيه ، ولأنّ صوم كلّ يوم عبادة بنفسها ، فلا يؤثّر فيه زوال الحكم عن غيره.

ولو جنّ في أثناء النهار ولو لحظة ، بطل صوم ذلك اليوم ، وهو ظاهر مذهب الشافعي ، والثاني وهو القديم للشافعي : عدم البطلان(٢) .

وأمّا الـمُغمى عليه ، فإنّه كالمجنون إن استوعب الإِغماء النهار ،

____________________

(١) المعجم الكبير - للطبراني - ١١ : ٨٩ / ١١١٤١ بتفاوت يسير في اللفظ.

(٢) فتح العزيز ٦ : ٤٠٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٦ ، المهذّب للشيرازي ١ : ١٩٢ ، المجموع ٦ : ٣٤٧.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333