نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٢

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار15%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 373

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 373 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 292857 / تحميل: 6536
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

ونمنع كون الكفّارة عقوبةً ، وينتقض قياسه بوجوب الكفّارة في السفر القصير مع وقوع الخلاف فيه.

مسألة ٧٤ : يستحب الترائي للهلال ليلة الثلاثين من شعبان ورمضان‌ ، وتطلّبه ؛ ليحتاطوا بذلك لصيامهم ، ويسلموا من الاختلاف.

وقد روى العامّة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ( أحصوا هلال شعبان لرمضان )(١) .

ومن طريق الخاصة : ما روي عن الباقرعليه‌السلام ، قال : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مَن ألحق في شهر رمضان يوماً من غيره متعمّداً ، فليس يؤمن بالله ولا بي »(٢) .

ولأنّ الصوم واجب في أول رمضان ، وكذا الإِفطار في العيد ، فيجب التوصّل إلى معرفة وقتهما ؛ لأنّ ما لا يتمّ الواجب إلّا به فهو واجب.

مسألة ٧٥ : يستحب لرائي الهلال الدعاء‌ ؛ لأنّه انتقال من زمان الى آخر ، فاستحبّ فيه الدعاء بطلب الخير فيه.

روى العامّة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان يقول إذا رأى الهلال : ( الله أكبر ، اللّهم أهلّه علينا بالأمن والإِيمان ، والسلامة والإِسلام ، والتوفيق لما تحبّ وترضى ، ربّي وربّك الله )(٣) .

ومن طريق الخاصة : قول الباقرعليه‌السلام : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان إذا أهلّ شهر رمضان ، استقبل القبلة ، ورفع يديه ، وقال : اللّهم أهلّه علينا بالأمن والإِيمان ، والسلامة والإِسلام ، والعافية المجلّلة(٤) ،

____________________

(١) سنن الدار قطني ٢ : ١٦٢ - ١٦٣ / ٢٨ ، سنن الترمذي ٣ : ٧١ / ٦٨٧.

(٢) التهذيب ٤ : ١٦١ / ٤٥٤.

(٣) سنن الدارمي ٢ : ٣ - ٤ ، كنز العمّال ٨ : ٥٩٥ / ٢٤٣٠٩ نقلاً عن تأريخ ابن عساكر ، المعجم الكبير للطبراني ١٢ : ٣٥٦ / ١٣٣٣٠ ، وأوردها ابنا قدامة في المغني ٣ : ١٠ ، والشرح الكبير ٣ : ٥ ، وقالا : رواه الأثرم.

(٤) جلّل الشي‌ءُ ، أي : عمّ. لسان العرب ١١ : ١١٨ « جلل ».

١٢١

والرزق الواسع ، ودفع الأسقام ، اللّهم ارزقنا صيامه وقيامه وتلاوة القرآن فيه ، اللّهم سلّمه لنا ، وتسلّمه منّا ، وسلّمنا فيه »(١) .

وكان أمير المؤمنينعليه‌السلام ، إذا اُهلّ هلال رمضان أقبل الى القبلة ، وقال : « اللّهم أهلّه علينا بالأمن والإِيمان ، والسلامة والإِسلام ، والعافية المجلّلة ، اللّهم ارزقنا صيامه وقيامه وتلاوة القرآن فيه ، اللّهم تقبّله لنا ، وتسلّمه منّا ، وسلّمنا فيه »(٢) .

وكانعليه‌السلام أيضاً يقول : « إذا رأيت الهلال ، فلا تبرح وقُل : اللّهم إنّي أسألك خير هذا الشهر وفتحه ونوره ونصره وبركته وطهوره ورزقه ، أسألك خير ما فيه وخير ما بعده ، وأعوذ بك من شرّ ما فيه وشرّ ما بعده ، اللّهم أدخله علينا بالأمن والإِيمان ، والسلامة والإِسلام ، والبركة والتقوى ، والتوفيق لما تحبّ وترضى »(٣) .

وكان من قول أمير المؤمنينعليه‌السلام أيضاً عند رؤية الهلال : « أيّها الخلق المطيع ، الدائب(٤) السريع ، المتردّد في فلك التدوير(٥) ، المتصرّف في منازل التقدير ، آمنت بمن نوّر بك الظُلَم ، وأضاء بك البهم ، وجعلك آيةً من آيات سلطانه ، وامتهنك(٦) بالزيادة والنقصان والطلوع والاُفول ، والإِنارة والكسوف ، في كلّ ذلك أنت له مطيع ، والى إرادته سريع ، سبحانه ما أحسن‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٧٠ - ٧١ / ١ ، التهذيب ٤ : ١٩٦ - ١٩٧ / ٥٦٢.

(٢) الكافي ٤ : ٧٣ - ٧٤ / ٤ ، التهذيب ٤ : ١٩٧ / ٥٦٣.

(٣) الكافي ٤ : ٧٦ / ٩ ، الفقيه ٢ : ٦٢ / ٢٦٨ ، التهذيب : ١٩٧ / ٥٦٤.

(٤) الدأب : الجدّ في العمل. مجمع البحرين ٢ : ٥٤.

(٥) في المصدر : التدبير.

(٦) في النسخ الخطية : وامتحنك ؛ بدل وامتهنك. وامتهنه ، أي : استعمله للمهنة. والمهنة : الخدمة. لسان العرب ١٣ : ٤٢٤ و ٤٢٥.

١٢٢

ما دبّر ، وأتقن ما صنع في ملكه ، وجعلك الله [ هلال ](١) شهر حادث لأمر حادث ، جعلك الله هلال أمن وأمان ، وسلامة وإسلام ، هلال أمن(٢) من العاهات ، وسلامة من السيّئات ، اللّهم اجعلنا أهدى مَن طلع عليه ، وأزكى مَن نظر اليه ، وصلّ على محمد وآله ، وافعل بي كذا وكذا يا أرحم الراحمين »(٣) .

مسألة ٧٦ : إذا رأى الهلالَ أهلُ بلد ، ولم يره أهل بلد آخر‌ ، فإن تقاربت البُلدان كبغداد والكوفة ، كان حكمهما واحداً : يجب الصوم عليهما معاً ، وكذا الإِفطار ، وإن تباعدتا كبغداد وخراسان والحجاز والعراق ، فلكلّ بلد حكم نفسه ، قاله الشيخ(٤) ، وهو المعتمد ، وبه قال أبو حنيفة ، وهو قول بعض الشافعية ، ومذهب القاسم وسالم وإسحاق(٥) ؛ لما رواه كُرَيب أنّ اُمّ الفضل بنت الحارث بَعَثَته إلى معاوية بالشام ، قال : قدمت الشام فقضيت بها حاجتي واستهلّ عليّ رمضان ، فرأينا الهلال ليلة الجمعة ؛ ثم قدمت المدينة في آخر الشهر ، فسألني عبد الله بن عباس وذكر الهلال ، فقال : متى رأيتم الهلال؟ فقلت : ليلة الجمعة ، فقال : أنت رأيته؟ قلت : نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية ؛ فقال : لكنّا رأيناه ليلة السبت ، فلا نزال نصوم حتى نكمل العدّة أو نراه ؛ فقلت : أوَ لا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ قال : لا ، هكذا أمرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٦) .

____________________

(١) ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

(٢) في النسخ الخطية : أمنه.

(٣) الفقيه ٢ : ٦٣ / ٢٧٠.

(٤) المبسوط للطوسي ١ : ٢٦٨.

(٥) فتح العزيز ٦ : ٢٧١ - ٢٧٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٦٨ ، المجموع ٦ : ٢٧٣ و ٢٧٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٠ ، المغني ٣ : ١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٧.

(٦) صحيح مسلم ٢ : ٧٦٥ / ١٠٨٧ ، سنن الترمذي ٣ : ٧٦ - ٧٧ / ٦٩٣ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٩٩ - ٣٠٠ / ٢٣٣٢ ، سنن النسائي ٤ : ١٣١ ، سنن الدار قطني ٢ : ١٧١ / ٢١ ، =

١٢٣

ولأنّ البُلدان المتباعدة تختلف في الرؤية باختلاف المطالع والأرض كرة ، فجاز أن يرى الهلال في بلد ولا يظهر في آخر ؛ لأنّ حَدَبَة(١) الأرض مانعة من رؤيته ، وقد رصد ذلك أهل المعرفة ، وشُوهد بالعيان خفاء بعض الكواكب القريبة لـمَن جدّ في السير نحو المشرق وبالعكس.

وقال بعض الشافعية : حكم البلاد كلّها واحد ، متى رئي الهلال في بلد وحكم بأنّه أول الشهر ، كان ذلك الحكم ماضياً في جميع أقطار الأرض ، سواء تباعدت البلاد أو تقاربت ، اختلفت مطالعها أو لا - وبه قال أحمد بن حنبل والليث بن سعد(٢) ، وبعض علمائنا - لأنّه يوم من شهر رمضان في بعض البلاد للرؤية ، وفي الباقي بالشهادة ، فيجب صومه ؛ لقوله تعالى( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) (٣) .

وقولهعليه‌السلام : ( فرض الله صوم شهر رمضان )(٤) وقد ثبت أنّ هذا اليوم منه.

ولأنّ الدَّين يحلّ به ، ويقع به النذر المعلّق عليه.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « فإن شهد أهل بلد آخر فاقضه »(٥) .

وقالعليه‌السلام ، في مَن صام تسعة وعشرين ، قال : « إن كانت له بيّنة عادلة على أهل مصر أنّهم صاموا ثلاثين على رؤية ، قضى يوماً »(٦) .

ولأنّ الأرض مسطّحة ، فإذا رئي في بعض البلاد عرفنا أنّ المانع في‌

____________________

= سنن البيهقي ٤ : ٢٥١.

(١) الحَدَبَة : ما أشرف من الأرض وغلظ وارتفع. لسان العرب ١ : ٣٠١.

(٢) فتح العزيز ٦ : ٢٧٢ ، المجموع ٦ : ٢٧٣ و ٢٧٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٨١ ، المغني ٣ : ١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٧.

(٣) البقرة : ١٨٥.

(٤) صحيح البخاري ٣ : ٣١ ، سنن النسائي ٤ : ١٢١ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٠١ نقلاً بالمعنى.

(٥) التهذيب ٤ : ١٥٧ - ١٥٨ / ٤٣٩ ، الاستبصار ٢ : ٦٤ / ٢٠٦.

(٦) التهذيب ٤ : ١٥٨ / ٤٤٣.

١٢٤

غيره شي‌ء عارض ؛ لأنّ الهلال ليس بمحل الرؤية.

ونمنع كونه يوماً من رمضان في حق الجميع ؛ فإنه المتنازع ، ولا نسلّم التعبّد بمثل هذه الشهادة ؛ فإنّه أول المسألة.

وقول الصادقعليه‌السلام محمول على البلد المقارب لبلد الرؤية ؛ جمعاً بين الأدلّة.

ونمنع تسطيح الأرض ، بل المشهور : كرؤيتها.

فروع :

أ - اختلفت الشافعية في الضابط لتباعد البلدين ، فبعضهم اعتبر مسافة القصر(١) .

وقال بعضهم : الاعتبار بمسافة يظهر في مثلها تفاوت في المناظر ، فقد يوجد التفاوت مع قصور المسافة عن مسافة القصر ؛ للارتفاع والانخفاض ، وقد لا يوجد مع مجاوزتها لها ؛ وهذا لا قائل به(٢) .

وبعضهم اعتبر ما قلناه وضبطوا التباعد : بأن يكون بحيث تختلف المطالع ، كالحجاز والعراق ، والتقارب : بأن لا تختلف ، كبغداد والكوفة(٣) .

ومنهم مَن اعتبر اتّحاد الإِقليم واختلافه(٤) .

ب - لو شرع في الصوم في بلد ثم سافر الى بلد بعيد لم يُرَ الهلال فيه في يومه الأول ، فإن قلنا : لكلّ بلدة حكمها ، فهل يلزمه أن يصوم معهم أم(٥) يفطر؟ وجهان : أحدهما : أنّه يصوم معهم - وهو قول بعض الشافعية(٦) - لأنّه بالانتقال الى بلدهم أخذ حكمهم ، وصار من جملتهم.

والثاني : أنّه يفطر ؛ لأنّه التزم حكم البلدة الاُولى ، فيستمرّ عليه ، وشبّه‌

____________________

(١ - ٤ ) فتح العزيز ٦ : ٢٧٣ - ٢٧٥ ، والمجموع ٦ : ٢٧٣.

(٥) في « ط » والطبعة الحجرية : « أو » بدل « أم ».

(٦) فتح العزيز ٦ : ٢٧٧.

١٢٥

ذلك بمن اكترى دابة لزمه الكراء بنقد البلد المنتقل عنه.

وإن عمّمنا الحكم سائر(١) البلاد ، فعلى أهل البلدة المنتقل اليها موافقته إن ثبت عندهم حال البلدة المنتقل عنها إمّا بقوله ؛ لعدالته ، أو بطريق آخر ، وعليهم قضاء اليوم الأول.

ج - لو سافر من البلدة التي يُرى(٢) فيها الهلال ليلة الجمعة الى التي يُرى(٣) فيها الهلال ليلة السبت ، ورؤي هلال شوّال ليلة السبت ، فعليهم التعييد معه وإن لم يصوموا إلّا ثمانية وعشرين يوماً ، ويقضون يوماً.

وعلى قياس الوجه الأول لا يلتفتون الى قوله : رأيت الهلال ، وإن قُبِل في الهلال قولُ عدل.

وعلى عكسه لو سافر من حيث لم يُرَ فيه الهلالُ الى حيث رؤي ، فيعيّدوا التاسع والعشرين من صومه ، فإن(٤) عمّمنا الحكم ، وقلنا : حكمه حكم البلد المنتقل اليه ، عيَّد معهم ، وقضى يوماً ، وإن لم نعمّم الحكم وقلنا : إنّه بحكم البلد المنتقل عنه ، فليس له أن يفطر.

د - لو رؤي الهلال في بلد ، فأصبح الشخص معيِّداً ، وسارت به السفينة ، وانتهى الى بلدة على حدّ البُعد ، فصادف أهلها صائمين ، احتمل أن يلزمه إمساك بقية اليوم حيث قلنا : إنّ كلّ بلدة لها حكمها ، وعدمه ؛ لأنّه لم يرد فيه أثر ، ويجزئه اليوم الواحد ، وإيجاب إمساك بعضه بعيد.

ولو انعكس الحال ، فأصبح الرجل صائماً ، وسارت به السفينة الى حيث عيّدوا ، فإن عمّمنا الحكم أو قلنا : إنّ حكمه حكم البلدة المنتقل اليها ، أفطر ، وإلّا فلا.

وإذا أفطر ، قضى يوماً ؛ لأنّه لم يَصُم إلّا ثمانية وعشرين يوماً.

____________________

(١) « سائر » منصوب بنزع الخافض.

(٢ و ٣ ) الأنسب في الموضعين : رؤي.

(٤) في النسخ الخطية والطبعة الحجرية : « وإن » بدل « فإن » وما أثبتناه يقتضيه السياق.

١٢٦

مسألة ٧٧ : إذا رؤي الهلال يوم الثلاثين ، فهو للمستقبلة(١) ‌، سواء رؤي قبل الزوال أو بعده ، فإن كان هلالَ رمضان ، لم يلزمهم صيام ذلك اليوم ، وإن كان هلالَ شوّال ، لم يَجُز لهم الإِفطار إلّا بعد غروب الشمس ، عند علمائنا أجمع - وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة(٢) - لما رواه العامة عن أبي وائل منصور بن سلمة(٣) ، قال : جاءنا كتاب عمر ونحن بخانقين : أنّ الأهلّة بعضها أكبر من بعض ، فإذا رأيتم الهلال في أول النهار ، فلا تفطروا(٤) حتى تُمسُوا ، إلّا أن يشهد رجلان مسلمان أنّهما أهلّاه بالأمس عشيّة.

ومن طريق الخاصة : ما روى محمد بن عيسى ، قال : كتبت اليهعليه‌السلام : جعلت فداك ربما غُمّ(٥) علينا هلال شهر رمضان ، فيُرى من الغد الهلال قبل الزوال ، وربما رأيناه بعد الزوال فترى أن نفطر قبل الزوال إذا رأيناه ، أم لا؟ وكيف تأمر في ذلك؟ فكتبعليه‌السلام : « تمّم الى الليل ، فإنّه إن كان تامّاً رؤي قبل الزوال »(٦) .

____________________

(١) أي : للّيلة المستقبلة.

(٢) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٠ ، المنتفى للباجي ٢ : ٣٩ ، المجموع ٦ : ٢٧٢ ، فتح العزيز ٦ : ٢٨٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ٨٢ ، المغني ٣ : ١٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٧.

(٣) هكذا في النسخ الخطية والطبعة الحجرية ، وفي المصادر الحديثية : سفيان عن منصور عن أبي وائل.

واسم أبي وائل : شقيق بن سلمة ؛ لا منصور بن سلمة.

ونقل الرافعي في فتح العزيز ٦ : ٢٨٧ هذه الرواية عن سفيان بن سلمة ، ونقلها ابنا قدامة في المغني ٣ : ١٠٨ ، والشرح الكبير ٣ : ٧ ، عن أبي وائل فقط.

اُنظر : سنن الدار قطني ٢ : ١٦٩ / ١٠ ، وسنن البيهقي ٤ : ٢١٣ ، واُسد الغابة ٣ : ٣ ، وتهذيب التهذيب ٤ : ٣١٧.

(٤) في النسخ الخطية : « فلا تفطرُنّ » بدل « فلا تفطروا ».

(٥) غُمّ الهلال على الناس : إذا ستره عنهم غَيمٌ أو غيره فلم يُر. الصحاح ٥ : ١٩٩٨.

(٦) التهذيب ٤ : ١٧٧ / ٤٩٠ ، الاستبصار ٢ : ٧٣ / ٢٢١.

١٢٧

وقال الباقرعليه‌السلام : « قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : إذا رأيتم الهلال فأفطروا ، أو يشهد عليه عدل من المسلمين ، فإن لم تروا الهلال إلّا من وسط النهار أو آخره ، فأتمّوا الصيام الى الليل ، فإنّ غُمّ عليكم ، فعدّوا ثلاثين ثم أفطروا »(١) .

وقال الثوري : إن رؤي قبل الزوال ، فهو للّيلة الماضية ، وإن رؤي بعده ، فهو للمستقبلة(٢) . وبه قال أبو يوسف(٣) .

وقال أحمد : إن كان في أول شهر رمضان ، وكان قبل الزوال ، فهو للماضية ، وإن كان في هلال شوّال ، فروايتان : إحداهما : أنّها كذلك ، والثانية : لمستقبلة ، لقولهعليه‌السلام : ( صُوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ) وقد رأوه ، فيجب الصوم والفطر.

ولأنّ ما قبل الزوال أقرب الى الماضية(٤) .

والمراد في الخبر : إذا رأوه عشية ؛ بدليل ما لو رؤي بعد الزوال.

وعلى الرواية التي لأحمد : أنّه عن الماضية في أول رمضان ، يلزمه قضاء ذلك اليوم ، وإمساك بقيته احتياطاً للعبادة(٥) .

وهو غلط ؛ لأنّ ما كان للّيلة المـُقبلة في آخره فهو لها في أوله ، كما لو رؤي بعد العصر.

____________________

(١) الفقيه ٢ : ٧٧ / ٣٣٧ ، التهذيب ٤ : ١٥٨ / ٤٤٠ و ١٧٧ / ٤٩١ ، الاستبصار ٢ : ٦٤ / ٢٠٧ و ٧٣ / ٢٢٢.

(٢ و ٣ ) المغني ٣ : ١٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٧ ، المجموع ٦ : ٢٧٢ - ٢٧٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٠ ، فتح العزيز ٦ : ٢٨٦ - ٢٨٧ ، بداية المجتهد ١ : ٢٨٥ ، شرح فتح القدير ٢ : ٢٤٣.

(٣) المغني ٣ : ١٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٧ ، المجموع ٦ : ٢٧٢ - ٢٧٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٠ ، فتح العزيز ٦ : ٢٨٦ - ٢٨٧ ، بداية المجتهد ١ : ٢٨٥ ، شرح فتح القدير ٢ : ٢٤٣.

(٤) المغني ٣ : ١٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٧ ، فتح العزيز ٦ : ٢٨٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٠ ، وتقدّمت الإِشارة الى مصادر الحديث في الهامش (٥) من ص ١١٨.

(٥) المغني ٣ : ١٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٧.

١٢٨

النظر الثاني:

في الإِخبار‌

مسألة ٧٨ : لو لم يُر الهلال إمّا لعدم تطلّبه أو لعدم الحاسة أو لِغُمٍّ وشبهه أو لغير ذلك من الأسباب ، اعتبر بالشهادة‌ بإجماع علماء الأمصار.

على أنّ للشهادة اعتباراً في رؤية الهلال ، وأنّها علامة على الشهر ، وإنّما الخلاف وقع في عدد الشهود.

والمشهور عند علمائنا : أنّه لا يقبل في رؤية الهلال في رمضان وغيره إلّا شهادة رجلين عدلين سواء الصحو والغيم ، وسواء كانا من نفس البلد أو خارجه - وبه قال مالك والليث والأوزاعي وإسحاق والشافعي في أحد القولين ، وأحمد في إحدى الروايتين(١) - لما رواه العامة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( صُوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غمّ عليكم فعدّوا ثلاثين ، فإن شهد ذوا عدل ، فصوموا وأفطروا وانسكوا )(٢) .

وقالعليه‌السلام : ( صُوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غمّ عليكم فأكملوا شعبان ثلاثين يوماً إلّا أن يشهد شاهدان )(٣) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « إنّ علياًعليه‌السلام قال : لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال إلّا شهادة رجلين عدلين »(٤) .

____________________

(١) بداية المجتهد ١ : ٢٨٦ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١١٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٦ ، فتح العزيز ٦ : ٢٥٠ ، المجموع ٦ : ٢٧٧ و ٢٨٢ ، المغني ٣ : ٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٨.

(٢) أورده بتفاوت يسير ابنا قدامة في المغني ٣ : ٩٧ ، والشرح الكبير ٣ : ٨ ، وراجع : سنن الدارقطني ٢ : ١٦٧ - ٣ ، وسنن النسائي ٤ : ١٣٣.

(٣) أورده الرافعي في فتح العزيز ٦ : ٢٥٠ ، وبتفاوت في سنن النسائي ٤ : ١٣٣.

(٤) التهذيب ٤ : ١٨٠ / ٤٩٨.

١٢٩

ولأنّها عبادة فاعتبر عددها بأعمّ الشهادات وقوعاً ؛ اعتباراً بالأعمّ الأغلب.

وقال سلّار من علمائنا : يقبل في أول رمضان شهادة الواحد العدل ، ولا يقبل في غيره إلّا شهادة عدلين(١) - وهو أحد قولي الشافعي ، والرواية الثانية عن أحمد ، وقول ابن المبارك(٢) - لما رواه العامة عن ابن عباس ، قال : جاء أعرابي الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : رأيت الهلال ؛ قال : ( أتشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله؟ ) قال : نعم ؛ قال : ( يا بلال أذّن في الناس فليصوموا )(٣) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه محمد بن قيس عن الباقرعليه‌السلام ، قال : « قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : إذا رأيتم الهلال فأفطروا ، أو شهد عليه عدل من المسلمين »(٤) .

ولأنّ الاحتياط للعبادة يقتضي قبول الواحد.

ولأنّه خبر عن وقت الفريضة فيما طريقه المشاهدة ، فقبل من واحد كالخبر بدخول وقت الصلاة.

ولأنّه خبر ديني يشترك فيه المخبِر والمخبَر ، فقبل من واحدٍ عدلٍ كالرواية.

ورواية ابن عباس حكاية حال لا عموم لها ، فيحتمل أنّه شهد عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله شاهد آخر.

____________________

(١) المراسم : ٢٣٣.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٦ ، المجموع ٦ : ٢٨٢ ، فتح العزيز ٦ : ٢٥٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٠ ، بداية المجتهد ١ : ٢٨٦ ، المغني ٣ : ٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٨.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ٣٠٢ / ٢٣٤٠ ، سنن الترمذي ٣ : ٧٤ / ٦٩١ ، سنن النسائي ٤ : ١٣٢ ، سنن الدارمي ٢ : ٥ ، المستدرك - للحاكم - ١ : ٤٢٤ ، سنن البيهقي ٤ : ٢١١.

(٤) الفقيه ٢ : ٧٧ / ٣٣٧ ، التهذيب ٤ : ١٥٨ / ٤٤٠ و ١٧٧ / ٤٩١ ، الاستبصار ٢ : ٦٤ / ٢٠٧ و ٧٣ / ٢٢٢.

١٣٠

ويحتمل أن يكون قد حصل بشهادة الأعرابي ظنّ ، فأمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالصوم غداً ؛ ليتحفّظوا من الفطر ، فربما شهد بعد ذلك في النهار(١) شاهد آخر ، فيثبت أنّه من رمضان ، فلا ينبغي المبادرة فيه بالإِفطار.

وقول أمير المؤمنينعليه‌السلام ، نقول بموجبه ، ولا يدلّ على مطلوبهم ؛ لأنّ لفظة « العدل » يصح إطلاقها على الواحد فما زاد ؛ لأنّه مصدر يصدق على القليل والكثير ، تقول : رجل عدل. ورجلان عدل. ورجال عدل. ونمنع قبول خبر الواحد في دخول وقت الصلاة. والرواية قُبِل فيها الواحد ، للإِجماع ؛ فإنّه يشترط في الشهادة ما لا يشترط في الرواية ؛ لعظم خطرها.

وللشيخ -رحمه‌الله تعالى - قولان :

قال في المبسوط : إن كان في السماء علّة وشهد عدلان من البلد أو خارجه برؤيته ، وجب الصوم ، وإن لم يكن هناك علّة لم يقبل إلّا شهادة القسامة خمسين رجلاً من البلد أو خارجه(٢) .

وقال في النهاية : إن كان في السماء علة ولم يَرَه جميعُ أهل البلد ورآه خمسون نفساً ، وجب الصوم ، ولا يجب الصوم إذا رآه واحد أو اثنان ، بل يلزم فرضه لمن رآه حسب ، وليس على غيره شي‌ء.

ومتى كان في السماء علّة ولم يُرَ في البلد الهلالُ ورآه خارج البلد شاهدان عدلان ، وجب أيضاً الصوم ، وإن لم يكن في السماء علّة وطلب فلم يُرَ ، لم يجب الصوم إلّا أن يشهد خمسون نفساً من خارج البلد أنّهم رأوه(٣) ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « لا تجوز الشهادة في الهلال دون خمسين رجلاً عدد القسامة ، وإنّما تجوز شهادة رجلين إذا كانا من خارج‌

____________________

(١) في « ط » : في آخر النهار.

(٢) راجع : المبسوط للطوسي ١ : ٢٦٧.

(٣) النهاية : ١٥٠.

١٣١

المصر ، وكان بالمصر علّة ، فأخبرا أنّهما رأياه ، وأخبرا عن قوم صاموا للرؤية »(١) .

وسأل إبراهيم بن عثمان الخزاز ، الصادقعليه‌السلام : قلت له : كم يجزئ في رؤية الهلال؟ فقال : « إنّ شهر رمضان فريضة من فرائض الله ، فلا تؤدّوا بالتظنّي ، وليس رؤية الهلال أن تقوم عدّة فيقول واحد : رأيته ؛ ويقول الآخرون : لم نره ؛ إذا رآه واحد رآه مائة ، وإذا رآه مائة رآه ألف ، ولا يجزئ في رؤية الهلال إذا لم يكن في السماء علّة أقلّ من شهادة خمسين ، وإذا كانت في السماء علّة قُبلت شهادة رجلين يدخلان ويخرجان من مصر »(٢) .

ولأنّه مع انتفاء العلّة يبعد اختصاص الواحد والاثنين بالرؤية مع اشتراكهم في صحة الحاسّة ، فلم يكن قولهما مؤثّراً.

ونمنع صحة سند الخبرين. وقول الخمسين قد لا يفيد إلّا الظنّ ، وهو ثابت في العدلين.

وقال أبو حنيفة : لا يقبل في الصحو إلّا الاستفاضة ، وفي الغيم في هلال شهر رمضان يقبل واحد ، وفي غيره لا يقبل إلّا اثنان ؛ لأنّه لا يجوز أن يَنظُرَ الى مطلع الهلال مع صحة الحاسّة وارتفاع الموانع جماعةُ ، فيختص واحد برؤيته(٣) .

ونحن نقول بموجبه من أنّه لا تقبل شهادة الواحد ، ولا تشترط الزيادة على الاثنين ؛ لجواز الاختلاف في الرؤية ؛ لبُعد المرئي ولطافته ، وقوة الحاسّة وضعفها ، والتفطّن للرؤية وعدمه ، واختلاف مواضع نظرهم ، وكدورة الهواء وصَفوه.

____________________

(١) التهذيب ٤ : ١٥٩ / ٤٤٨ و ٣١٧ / ٩٦٣ ، الاستبصار ٢ : ٧٤ / ٢٢٧.

(٢) التهذيب ٤ : ١٦٠ / ٤٥١.

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ٨٠ - ٨١ ، المغني ٣ : ٩٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٨ ، المجموع ٦ : ٢٨٢ ، فتح العزيز ٦ : ٢٥٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٢.

١٣٢

ولأنّه ينتقض : بما لو حَكَمَ برؤيته حاكمٌ بشهادة الواحد أو الاثنين ، فإنّه يجوز ، ولو امتنع - كما قالوه - لم ينفذ فيه حكم الحاكم.

مسألة ٧٩ : لا تقبل شهادة النساء في ذلك‌ ، لقول عليعليه‌السلام : « لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال »(١) .

وقال الشافعي : إن قلنا : لا بدّ من اثنين ، فلا مدخل لشهادة النساء فيه. ولا عبرة بقول العبد. ولا بدّ من لفظ الشهادة. وتختص بمجلس القضاء ؛ لأنّها شهادة حسّية لا ارتباط لها بالدعاوي.

وإن قبلنا قول الواحد ، فهل هو على طريق الشهادة أم على طريق الرواية؟ وجهان ، أصحّهما عنده : الأول ، إلّا أنّ العدد سُومح به ، والبيّنات مختلفة المراتب.

والثاني : أنّه رواية ؛ لأنّ الشهادة ما يكون الشاهد فيها بريئاً ، وهذا خبر عمّا يستوي فيه المـُخبر وغير المـُخبر ، فأشبه رواية الخبر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فعلى الأول لا يقبل قول المرأة والعبد ، وعلى الثاني يقبل.

وهل يشترط لفظ الشهادة؟ وجهان عنده(٢) .

وقال أبو حنيفة : يقبل إخبار المرأة الواحدة ؛ لأنّه خبر ديني ، فأشبه الخبر عن القبلة ، والرواية ، وهو قياس قول أحمد(٣) .

ولا تقبل شهادة الصبي المميّز الموثوق به.

وقال الجويني : فيه وجهان مبنيّان على قبول رواية الصبيان(٤) .

وقال بعض الشافعية : إذا أخبره موثوق به عن رؤية الهلال ، لزم اتّباع قوله وإن لم يذكر عند الحاكم(٥) .

____________________

(١) التهذيب ٤ : ١٨٠ / ٤٩٨.

(٢) فتح العزيز ٦ : ٢٥٣ - ٢٥٥ ، والمجموع ٦ : ٢٧٧.

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ٨١ ، المغني ٣ : ٩٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٠.

(٤) فتح العزيز ٦ : ٢٥٥.

(٥) فتح العزيز ٦ : ٢٥٥ - ٢٥٦ ، المجموع ٦ : ٢٧٧.

١٣٣

وقالت طائفة : يجب الصوم بذلك إذا اعتقد أنّ المخبر صادق(١) .

ولا خلاف أنّه لا يقبل في هلال شوّال إلّا عدلان ، إلّا أبا ثور ، فإنّه قال : تقبل شهادة الواحد فيه(٢) .

وهو غلط ؛ لما تقدّم(٣) من الأحاديث.

احتجّ : بأنّه خبر يستوي فيه المـُخبِر والمـُخبَر ، فأشبه أخبار الديانات ، ولأنّه إخبار عن خروج وقت العبادة ، فيقبل فيه قول الواحد كالإِخبار عن دخول وقتها(٤) .

ونمنع كونه خبراً ، ولهذا لا يقبل فيه : فلان عن فلان(٥) .

فروع :

أ - لا تقبل شهادة الفاسق ؛ لقوله تعالى( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) (٦) .

ولا بدّ من اعتبار العدالة الباطنة التي يرجع فيها إلى الخُبرة الباطنة وأقوال المزكّين - وهو أحد قولي الشافعية(٧) - لأنّ الشرط انتفاء الفسق ، وإنّما يعرف بالاتّصاف بالضدّ.

ب - لو صاموا بشهادة الواحد عند من اعتبرها فلم يُرَ الهلال بعد الثلاثين ، فالوجه : الإِفطار - وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد القولين(٨) -

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٢٥٦ ، المجموع ٦ : ٢٧٧.

(٢) المغني ٣ : ٩٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٢ ، المجموع ٦ : ٢٨١ ، فتح العزيز ٦ : ٢٦٨.

(٣) تقدّم في المسألة ٧٨.

(٤) المغني ٣ : ٩٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٠ ، فتح العزيز ٦ : ٢٦٨ - ٢٦٩.

(٥) أي قول المخبر : أخبرني فلان عن فلان أنّه رأى الهلال.

(٦) الحجرات : ٦.

(٧) فتح العزيز ٦ : ٢٥٧ ، المجموع ٦ : ٢٧٧.

(٨) المغني ٣ : ٩٩ ، الشرح الكبير ٣ : ١٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٦ - ١٨٧ ، المجموع ٦ : ٢٧٨ ، فتح العزيز ٦ : ٢٥٨ - ٢٥٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٢.

١٣٤

لأنّ الصوم ثبت شرعاً بشهادة الواحد ، فيثبت الإِفطار باستكمال العدّة ، ولا يكون إفطاراً بالشهادة ، كما أنّ النسب لا يثبت بشهادة النساء ، وتثبت بهن الولادة ، فيثبت النسب بالفراش على وجه التبع للولادة.

والثاني للشافعي : لا يفطرون - وبه قال محمد بن الحسن(١) - لأنّه يكون فطراً بشهادة واحد(٢) .

وقد تقدّم جوابه من جواز إثبات الشي‌ء ضمناً بما لا يثبت به أصلاً.

وما موضع القولين؟ للشافعية طريقان : أحدهما : مع الصحو ، ولو كانت السماء مغيّمة ، وجب الإِفطار. والثاني : أنّ الصحو والغيم واحد(٣) .

ج - لو صاموا بشهادة عدلين ورؤي الهلال بعد ثلاثين ، فلا بحث ، وإن لم يُرَ الهلالُ فإن كانت السماء متغيّمة ، أفطر ، وكذا إن كانت مصحيةً عند عامة العلماء(٤) ؛ لأنّ العدلين لو شهدا ابتداءً على هلال شوّال ، لقبلنا شهادتهما ، وأفطرنا ، فلأن نفطر على ما أثبتناه بقولهما أوّلاً أولى.

وقال مالك : لا يفطرون ؛ لأنّا إنّما نتّبع قولهما بناءً على الظنّ(٥) . وقد بيّنا خلافه.

وعلى هذا القول لو شهد اثنان على هلال شوّال ثم لم يُرَ الهلالُ والسماء مصحية بعد ثلاثين ، قضينا صوم أول يوم أفطرنا فيه ؛ لظهور أنّه من رمضان ، لكن لا كفّارة للشبهة.

د - إذا قلنا بقبول الواحد ففي قبول العبد إشكال يأتي.

وقال بعض الشافعية القائلين بقبوله : إنّا لا نوقع به العتق والطلاق‌

____________________

(١) حلية العلماء ٣ : ١٨٢.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٦ ، المجموع ٦ : ٢٧٨ ، فتح العزيز ٦ : ٢٥٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٢.

(٣) فتح العزيز ٦ : ٢٦١ ، المجموع ٦ : ٢٧٩.

(٤ و ٥ ) فتح العزيز ٦ : ٢٦٢ و ٢٦٩.

١٣٥

المعلّقين بهلال رمضان ، ولا نحكم بحلول الدين المؤجّل به(١) .

ه- لا يثبت الهلال بالشهادة على الشهادة عند علمائنا ؛ لأصالة البراءة ، واختصاص ورود القبول بالأموال وحقوق الآدميين.

وللشافعية طريقان : أحدهما : أنّه على قولين في أنّ حدود الله تعالى هل تثبت بالشهادة على الشهادة؟

وأصحّهما عندهم : القطع بثبوته كالزكاة وإتلاف بواري المسجد والخلاف في الحدود المبنية على الدفع والدرء.

وعلى هذا ، فعدد الفروع مبني على القول في الاُصول ، إن اعتبرنا العدد في الاُصول فحكم الفروع ها هنا حكمهم في سائر الشهادات ، ولا مدخل فيه لشهادة النساء والعبيد.

وإن لم نعتبر العدد ، فإن قلنا : إنّ طريقه طريق الرواية ، فوجهان : أحدهما : الاكتفاء بواحد ، كرواية الإِخبار. والثاني : لا بدّ من اثنين ، وهو الأصحّ عندهم ، لأنّه ليس بخبر من كلّ وجه ، لأنّه لا يكفي أن يقول : أخبرني فلان عن فلان أنّه رأى الهلال.

وعلى هذا ، فهل يشترط إخبار حُرّين ذكرين ، أم يكفي امرأتان وعبدان؟ وجهان(٢) .

وإن قلنا : إنّ طريقه طريق الشهادة ، فهل يكفي واحد أم لا بدّ من اثنين؟ وجهان عندهم(٣) .

و - لو رأى اثنان هلال شوّال ، ولم يشهدا عند الحاكم ، جاز لمن سمع شهادتهما الإِفطار‌ مع(٤) معرفته بعدالتهما ، وكذا يصوم لو شهدا برمضان ؛ لقوله‌

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٢٦٩ ، والمجموع ٦ : ٢٨١.

(٢) فتح العزيز ٦ : ٢٦٣ - ٢٦٥ ، والمجموع ٦ : ٢٧٧ - ٢٧٨.

(٣) فتح العزيز ٦ : ٢٦٥ ، المجموع ٦ : ٢٧٨.

(٤) في الطبعة الحجرية بدل مع : بعد.

١٣٦

عليه‌السلام : ( إذا شهد اثنان فصوموا وأفطروا )(١) .

ولو شهدا ، فردّ الحاكم شهادتهما ؛ لعدم معرفته بهما ، جاز الإِفطار أيضاً في شوّال والصوم في رمضان.

ويجوز لكلٍّ منهما أن يفطر عندنا ، وبه قال أحمد بشرط أن يعرف عدالة صاحبه(٢) ، وليس شيئاً.

ز - إنّما يقبل في الهلال عدلان ، ولا تقبل شهادة مجهول الحال ولا مستور الظاهر.

مسألة ٨٠ : لو رؤي الهلال في البلد رؤية شائعة ، واشتهر وذاع بين الناس الهلال ، وجب الصيام إجماعاً ؛ لأنّه نوع تواتر يفيد العلم.

ولو لم يحصل العلم ، بل حصل ظنّ غالب بالرؤية ، فالأقوى : التعويل عليه كالشاهدين ، فإنّ الظنّ الحاصل بشهادتهما حاصل مع الشياع.

النظر الثالث :

في الحساب‌

مسألة ٨١ : إذا غُمّ هلال رمضان ولم يره أحد‌ ، أُكملت عدّة شعبان ثلاثين يوماً ، ثم صاموا وجوباً من رمضان ، سواء كانت السماء متغيّمةً أو صاحيةً ، عند علمائنا ؛ لما رواه العامة عن عائشة ، قالت : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يتحفّظ من هلال شعبان ما لا يتحفّظ من غيره ، ثم يصوم رمضان لرؤيته ، فإن غُمّ عليه عدّ ثلاثين يوماً ثم صام(٣) .

____________________

(١) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ١٠٠ ، والشرح الكبير ٣ : ١٢.

(٢) المغني ٣ : ١٠١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٢.

(٣) سنن الدار قطني ٢ : ١٥٦ - ١٥٧ / ٤ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٠٦ ، المستدرك - للحاكم - ١ : ٤٢٣ ، ومسند أحمد ٦ : ١٤٩.

١٣٧

ومن طريق الخاصة : قول أمير المؤمنينعليه‌السلام : « فإن غُمّ عليكم ، فعدّوا ثلاثين ليلة ثم أفطروا»(١) .

مسألة ٨٢ : ولا يجوز التعويل على الجدول ، ولا على كلام المنجّمين‌ ؛ لأنّ أصل الجدول مأخوذ من الحساب النجومي في ضبط سير القمر واجتماعه بالشمس ، ولا يجوز المصير إلى كلام المنجّم ولا الاجتهاد فيه - وهو قول أكثر العامة(٢) - لما تقدّم من الروايات ، ولو كان قول المنجّم طريقاً ودليلاً على الهلال ، لوجب أن يبيّنهعليه‌السلام للناس ؛ لأنّهم في محلّ الحاجة اليه ، ولم يَجُز لهعليه‌السلام حصر الدلالة في الرؤية والشهادة.

وحكي عن قوم من العامة أنّهم قالوا : يجتهد في ذلك ، ويرجع الى المنجّمين(٣) . وهو باطل ؛ لما(٤) تقدّم.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « ليس على أهل القبلة إلّا الرؤية ، ليس على المسلمين إلّا الرؤية »(٥) .

والأحاديث متواترة على أنّ الطريق أمّا الرؤية أو مضيّ ثلاثين ، وقد شدّد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، في النهي عن سماع كلام المنجّم ، فقالعليه‌السلام : ( من صدّق كاهناً أو منجّماً فهو كافر بما اُنزل على محمد )(٦) .

احتجّوا : بقوله تعالى :( وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) (٧) .

____________________

(١) الفقيه ٢ : ٧٧ / ٣٣٧ ، والتهذيب ٤ : ١٥٨ / ٤٤٠.

(٢) راجع : المجموع ٦ : ٢٨٠ ، وفتح العزيز ٦ : ٢٦٦.

(٣) كما في حلية العلماء ٣ : ١٧٨.

(٤) في « ط ، ن » : بما.

(٥) الكافي ٤ : ٧٧ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٧٧ / ٣٣٥ ، التهذيب ، : ١٥٨ / ٤٤٢ ، الاستبصار ٢ : ٦٤ / ٢٠٩.

(٦) أورده المحقق في المعتبر : ٣١١ ، وبتفاوت في المستدرك - للحاكم - ١ : ٨ ، ومسند أحمد ٢ : ٤٢٩.

(٧) النحل : ١٦.

١٣٨

ولأنّ النبيعليه‌السلام قال : ( فإن غُمّ عليكم فَاقدروا له )(١) والتقدير إنّما هو معرفة التسيير والمنازل ، ولذلك رجعنا الى الكواكب والمنازل في القبلة والأوقات ، وهي اُمور شرعية رتّب الشارع عليها أحكاماً كثيرة.

والجواب : الاهتداء بالنجم معرفة الطرق ومسالك البلاد وتعريف الأوقات ، ونقول أيضاً بموجبه ؛ فإنّ رؤية الهلال تهدي الى معرفة أول الشهر ، أمّا قول المنجّم فلا.

وأمّا الحديث : ( فَاقدروا له ثلاثين )(٢) والمراد : أن يحسب شعبان ثلاثين عند قوم ، وتسعة وعشرين عند آخرين.

وأمّا القبلة والوقت فالطريق هو المشاهدة.

وللشافعية وجهان في مَن عرف منازل القمر هل يلزمه الصوم به؟

وأصحّهما عندهم : المنع. والثاني : أنّه يجوز له أن يعمل بحساب نفسه(٣) .

ولو عرفه بالنجوم ، لم يَجُز أن يصوم به عندهم(٤) قولاً واحداً.

مسألة ٨٣ : لا اعتبار بالعدد خلافاً لقوم من الحشوية‌ ذهبوا الى أنّه معتبر ، وأنّ شهور السنة قسمان : تام وناقص ، فرمضان لا ينقص أبداً ، وشعبان لا يتمّ أبداً ؛ لأحاديث منسوبة إلى أهل البيتعليهم‌السلام (٥) ، أصلها حذيفة بن منصور عن الصادقعليه‌السلام ، تارة بواسطة معاذ بن كثير ، واُخرى بغير واسطة ، واُخرى لم يسندها الى إمام : أنّ الصادقعليه‌السلام سأله معاذ : أنّ الناس يقولون : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، صام تسعة‌

____________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ٣٤ ، صحيح مسلم ٢ : ٧٥٩ - ٧٦٠ / ٦ - ٩ ، سنن النسائي ٤ : ١٣٤ ، سنن الدارمي ٢ : ٣ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٠٤ و ٢٠٥ ، سنن الدار قطني ٢ : ١٦١ / ٢٢.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٧٥٩ / ٤ ، سنن النسائي ٤ : ١٣٣.

(٣ و ٤ ) المجموع ٦ : ٢٨٠ ، فتح العزيز ٦ : ٢٦٦ - ٢٦٧.

(٥) كما في المعتبر : ٣١١.

١٣٩

وعشرين يوماً أكثر ممّا صام ثلاثين ، فقال : « كذبوا ، ما صام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الى أن قبض أقلّ من ثلاثين يوماً ، ولا نقص شهر رمضان منذ خلق الله السماوات والأرض من ثلاثين يوماً وليلة »(١) .

قال الشيخ : هذا الخبر لا يعوّل عليه.

أمّا أولاً : فلأنّه لم يوجد في شي‌ء من الاُصول المصنّفة ، وإنّما هو موجود في الشواذّ من الأخبار.

وأيضاً ، كتاب حذيفة بن منصور عري عن هذا الحديث ، والكتاب مشهور ، ولو كان الحديث صحيحاً عنده ، لضمنه كتابه.

وأيضاً ، فإنّه مختلف الألفاظ ، مضطرب المعاني ؛ لأنّه تارة يرويه عن الصادقعليه‌السلام ، وتارة يفتي من قِبَل نفسه ، ولا يسنده الى أحد ، وروايته عن الإِمام تارة بواسطة ، واُخرى بغير واسطة ، وهذا دليل اضطرابه وضعفه ، فلا يعارض به المتواتر من الأخبار والقرآن العزيز وعمل جميع المسلمين ، مع أنّه معارض بأحاديث كثيرة مشهورة(٢) :

قال الصادقعليه‌السلام : « شهر رمضان يصيبه ما يصيب الشهور من الزيادة والنقصان ، فإن تغيّمت السماء يوماً ، فأتمّوا العدة ».

وقالعليه‌السلام في شهر رمضان : « هو شهر من الشهور يصيبه ما يصيب الشهور من النقصان»(٣) .

وقال الباقرعليه‌السلام : « حدّثني أبيعليه‌السلام أنّ علياًعليه‌السلام قال : صُمنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تسعة وعشرين يوماً ، وأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لمـّا ثقل في مرضه : أيّها الناس إنّ السنة اثنا عشر شهراً ، منها أربعة حُرُم ، ثم قال بيده فذاك رجب مفرد ، وذو القعدة وذو الحجّة‌

____________________

(١) التهذيب ٤ : ١٦٧ / ٤٧٧ ، الاستبصار ٢ : ٦٥ / ٢١١.

(٢) التهذيب ٤ : ١٦٩.

(٣) التهذيب ٤ : ١٦٠ / ٤٥٢.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

خاذل، ووليهما لي ولي، وعدوهما لي عدو، ألا فانه لن تهلك أمة قبلكم حتى تدين بأهوائها وتظاهر على نبيها وتقتل من قام بالقسط.

ثم أخذ بيد علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه فرفعها وقال: من كنت مولاه فهذا مولاه، ومن كنت وليه فهذا وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، قالها ثلاثاً. هذا آخر الخطبة »(١) .

ورواه محمد بن اسماعيل الصنعاني في ( الروضة الندية ) عن ( محاسن الازهار للمحلى ) والشيخاني القادري في ( الصراط السوي - مخطوط ).

ورواه الحافظ الزرندي(٢) وعنه السمهودي في ( جواهر العقدين - مخطوط ) وأحمد بن باكثير في ( وسيلة المآل - مخطوط ).

ب - الالفاظ المتوسطة

هذا، ولو لم يتيسر ( للدهلوي ) ايراد أحد هذه الالفاظ الطويلة عن زيد بن أرقم، فليته ذكر بعض ألفاظه المتوسطة وهذا بعضها: -

١ - اللفظ الذي أخرجه الطبراني عن زيد بن أرقم كما ذكر السيوطي بتفسير قوله تعالى:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً ) والمتقي(٣) والبدخشاني(٤) وهذا لفظه عن ( الدر المنثور ) للجلال السيوطي:

« وأخرج الطبراني عن زيد بن أرقم قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انى لكم فرط وانكم واردون علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين. قيل: وما الثقلان يا رسول الله؟ قال: الاكبر كتاب الله عز وجل، سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به لن تزلوا ولا تضلوا، والاصغر: عترتي وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، وسألت لهما ذلك

__________________

(١). المناقب ١٦ - ١٨.

(٢). نظم درر السمطين ٢٣٣.

(٣). كنز العمال ١ / ١٦٦.

(٤). مفتاح النجا - مخطوط.

٢٤١

ربي، فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تعلموهم فانهم أعلم منكم »(١) .

٢ - اللفظ الذي رواه الطبراني أيضاً وهو قريب من الاول، قال المتقي: « اني لا أجد لنبي الا نصف عمر الذي كان قبله، واني أوشك أن أدعى فأجيب فما أنتم قائلون؟ قالوا: نصحت. قال: أليس تشهدون أن لا اله الا الله وان محمداً عبده ورسوله، وأن الجنة حق وأن النار حق، وأن البعث بعد الموت حق؟ قالوا: نشهد، قال: وأنا أشهد معكم، ألا هل تسمعون؟ فاني فرطكم على الحوض وأنتم واردون علي الحوض، وان عرضه أبعد ما بين صنعاء وبصرى، فيه أقداح عدد النجوم من فضة، فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين. قالوا: وما الثقلان يا رسول الله؟ قال:

كتاب الله، طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، فاستمسكوا به ولا تضلوا والاخر عترتي، وان اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فسألت ذلك لهما ربي، فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ولا تعلموهم فانهم أعلم منكم، من كنت أولى به من نفسه فعلي وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.

طب. عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم »(٢) .

٣ - اللفظ الذي رواه أبو نعيم الاصبهاني عن زيد بن أرقم قال: « خرجنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حجاجاً، حتى إذا كنا بالجحفة بغدير خم، صلى الظهر ثم قام خطيباً، فقال: يا أيها الناس هل تسمعون؟ اني رسول الله اليكم، اني أوشك أن أدعى، اني مسئول وأنتم مسؤلون، اني مسئول هل بلغتكم، وأنتم مسؤلون هل بلغتم، فماذا أنتم قائلون؟ قال: قلنا يا رسول الله بلغت وجهدت. قال: اللهم اشهد وأنا من الشاهدين، ألا هل تسمعون؟ اني رسول الله اليكم، واني مخلف فيكم الثقلين فانظروا كيف

__________________

(١). الدر المنثور ٢ / ٦٠.

(٢). كنز العمال ١ / ١٦٨.

٢٤٢

تخلفوني فيهما. قال: قلنا يا رسول الله وما الثقلان؟ قال: الثقل الاكبر كتاب الله سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به لن تهلكوا وتضلوا والاخر عترتي، فانهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض »(١) .

ج - الالفاظ المختصرة

بل هناك ألفاظ مختصرة رواها كبار علماء طائفته عن زيد بن أرقم نفسه، فالعجب من ( الدهلوي ) لم لم يورد أحدها، وأورد هذا اللفظ الظاهر عليه آثار القطع والاسقاط؟ واليك بعض تلك الالفاظ:

الاول: اللفظ الذي أخرجه الترمذي حيث قال: « حدثنا علي بن المنذر الكوفي، حدثنا محمد بن فضيل، قال حدثنا الاعمش عن عطية عن ابي سعيد، والاعمش عن حبيب بن ابى ثابت عن زيد بن أرقمرضي‌الله‌عنه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انّي تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الاخر كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الارض وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما. قال هذا حديث حسن غريب »(٢) .

الثاني: اللفظ الذي رواه الطبراني عن زيد بن أرقم، فقد قال المتقى ما نصه: « انّي تارك فيكم خليفتين كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والارض، وعترتي أهل بيتي، وانهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض. حم طب. ص عن زيد بن ثابت.

طب - عن زيد بن أرقم »(٣) .

الثالث: اللفظ الذي رواه الديلمي قائلا: زيد بن أرقم: انّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله فيكم منه حبل، من أتبعه كان على الهدى ومن

__________________

(١). منقبة المطهرين - مخطوط.

(٢). الجامع الصحيح ٢ / ٢١٩.

(٣). كنز العمال ١ / ١٦٦.

٢٤٣

ترك كان على الضلالة، وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض. يعني الاخذ بهما ثقيل »(١) .

٣ - تفرد الدهلوي بنقل لفظ الحديث كما نقله

ان اللفظ الذي حكاه ( الدهلوي ) لهذا الحديث لفظ قد تفرد به، ولم يأت عند أحد من أولئك الاعلام والحفاظ الكبار من رجالات طائفته أفلم يكن من المناسب أن يطبق ( الدهلوي ) اللفظ الذي نقله على بعض الالفاظ التي نقلها الاعلام من السنة؟!

وللتأكد من ذلك فعليك بمراجعة روايات: سعيد بن مسروق ( سنة ١٢٦ ) وابن حيان ( سنة ١٤٥ ) وسليمان الاعمش ( سنة ١٤٨ ) وابن اسحاق ( سنة ١٥١ ) واسرائيل الكوفي ( سنة ١٦٠ ) وأبي عوانة ( سنة ١٧٦ ) وحسان الكرماني ( سنة ١٨٦ ) وجرير الضبي ( سنة ١٨٨ ) وابن علية ( سنة ١٩٣ ) ومحمد بن فضيل الضبي ( سنة ١٩٥ ).

وأسود بن عامر الشامي ( سنة ٢٠٨ ) ويحيى بن حماد الشيباني ( سنة ٢١٥ ) وخلف بن سالم ( سنة ٢٣١ ) وزهير بن حرب النسائي ( سنة ٢٣٤ ) وشجاع بن مخلد الفلاس ( سنة ٢٣٥ ) ومحمد بن بكار وابن راهويه ( سنة ٢٣٨ ) وابن بقية الواسطي ( سنة ٢٣٩ ) وأحمد بن حنبل ( سنة ٢٤١ ) ومحمد بن المثنى ( سنة ٢٥٢ ) والدارمي ( سنة ٢٥٥ ) وعلي بن المنذر الكوفي ( سنة ٢٥٦ ) ومسلم بن الحجاج ( سنة ٢٦١ ) وابن ماجة ( سنة ٢٧٣ ) وسليمان السجستاني ( سنة ٢٧٥ ) والرقاشي ( سنة ٢٧٦ ) والترمذي ( سنة ٢٧٩ ) وعبد الله بن أحمد ( سنة ٢٩٠ ) وأبي نصر أحمد ابن سهل القباني ( سنة ٢٩٢ ).

والنسائي ( سنة ٣٠٣ ) والطبري ( سنة ٣١٠ ) وابن خزيمة ( سنة ٣١١ ) وأبى بكر الباغندي ( سنة ٣١٢ ) وأبى عوانة ( سنة ٣١٦ ) وابن الانباري ( سنة

__________________

(١). فردوس الاخبار ١ / ٩٨ عن أبي سعيد الخدري قريب منه.

٢٤٤

٣٢٨ ) والطبراني ( سنة ٣٦٠ ) والقطيعي ( سنة ٣٦٨ ) ومحمد بن المظفر البغدادي ( سنة ٣٧٩ ).

والحاكم ( سنة ٤٠٥ ) وأبي نعيم ( سنة ٤٣٠ ) والبيهقي ( سنة ٤٥٨ ) وأبى الحسن الجلابي ( سنة ٤٨٣ ) والحميدي ( سنة ٤٨٨ ).

وأبى علي البيهقي ( سنة ٥٠٧ ) وشيرويه الديلمي ( سنة ٥٠٩ ) والبغوي ( سنة ٥١٦ ) ورزين ( سنة ٥٣٥ ) والعاصمي والخوارزمي ( سنة ٥٦٨ ) وابن عساكر ( سنة ٥٧١ ).

والفرغاني ومبارك بن الاثير (٦٠٦) وعلي بن محمد ابن الاثير ( سنة ٦٣٠ ) وابن النجار ( سنة ٦٤٣ ) والصغاني ( سنة ٦٥٠ ) وابن طلحة ( سنة ٦٥٢ ) وسبط ابن الجوزي ( سنة ٦٥٤ ) والكنجي ( سنة ٦٥٨ ) والنووي ( سنة ٦٧٦ ) وأحمد بن عبد الله الطبري ( سنة ٦٩٤ ).

والحموئي ( سنة ٧٢٢ ) والخازن ( سنة ٧٤١ ) وفخر الدين الهانسوي والخطيب التبريزي والمزي ( سنة ٧٤٢ ) والطيبي ( سنة ٧٤٣ ) والخلخالي ( سنة ٧٤٥ ) والذهبي ( سنة ٧٤٨ ) والزرندي ( سنة ٧٥٠ ) والكازروني ( سنة ٧٥٧ ) وابن كثير ( سنة ٧٧٤ ).

وحميد المحلي ومحمد الحافظي ( سنة ٨٢٢ ) والدولت آبادي ( سنة ٨٤٩ ) ونور الدين علي المكي ( سنة ٨٥٥ ).

والسخاوي ( سنة ٩٠٢ ) والجلال السيوطي ( سنة ٩١١ ) والسمهودي ( سنة ٩١١ ) والقسطلاني ( سنة ٩٢٣ ) والعلقمي ( سنة ٩٤٩ ) وعبد الوهاب البخاري ( سنة ٩٣٢ ) والشربينى الخطيب وابن حجر الهيثمي المكي ( سنة ٩٧٣ ) وعلي المتقى ( سنة ٩٧٥ ) وميرزا مخدوم الجرجاني ( سنة ٩٨٨ ).

وكمال الدين الجهرمي وعلي القاري ( سنة ١٠١٤ ) وعبد الرؤف المناوي ( سنة ١٠٣١ ) وابن باكثير ( سنة ١٠٤٧ ) والشيخاني وعبد الحق الدهلوي ( سنة ١٠٥٢ ) والخفاجي ( سنة ١٠٦٩ ) والعزيزي ( سنة ١٠٧٠ ) والزرقاني ( سنة ١٠٢٢ ) وحسام الدين الهارنپورى والبدخشاني ومحمد صدر

٢٤٥

عالم وولي الله الدهلوي ( سنة ١٠٦٢ ).

والصغاني ( سنة ١١٨٢ ).

والصبان والعجيلي ومحمد مبين اللكهنوي ( سنة ١٢٢٥ ) والمحدث اللكهنوي وولي الله اللكهنوي ( سنة ١٢٧٠ ).

ومحمد رشيد الدهلوي والعدوي والقندوزي وصديق حسن.

وبالتالي تجد عدم مطابقة هذا اللفظ المذكور لواحد من ألفاظ حديث الثقلين في روايات هؤلاء الحفاظ والائمة، وهذا من عجائب الامور.

٢٤٦

دلالة حديث الثقلين

( على امامة أهل البيت عليهم‌السلام )

قوله: « وهذا الحديث لا علاقة له بالمدعى أصلا، لانه لا يلزم ان يكون المتمسك به صاحب الزعامة الكبرى ».

أقول: ان هذا الحديث يدل على ما يدعيه أهل الحق، واليك بيان ذلك في وجوه:

١ - مفاد الحديث وجوب الاتباع

ان هذا الحديث مفاده وجوب اتباع أهل البيتعليهم‌السلام في جميع الاقوال والافعال والاحكام والاعتقادات، وظاهر ان هذا الشأن بهذه الحيثية لا يتصور الا لمن حاز الزعامة الكبرى ونال الامامة العظمى بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام - وهو سيد أهل البيت - هو الامام والخليفة، وهو الذي يجب اقتداء الامة به بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واتباعها اياه واهتداؤها بهداه وأخذ الاحكام منه واطاعة

٢٤٧

أوامره وهذا ما صرح به كبار العلماء:

فقد قال الطيبي في شرح الحديث: « ومعنى التمسك بالقرآن العمل بما فيه، وهو الائتمار بأوامره والانتهاء عن نواهيه. والتمسك بالعترة محبتهم والاهتداء بهديهم وسيرتهم »(١) .

وقال التفتازاني بعد أن ذكر الحديث: « ألا ترى أنهعليه‌السلام قرنهم بكتاب الله تعالى في كون التمسك بهما منقذاً عن الضلالة، ولا معنى للتمسك بالكتاب الا الاخذ بما فيه من العلم والهداية، فكذا في العترة »(٢) .

وقال ابن حجر بعد الحديث: « تنبيه: سمى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم القرآن وعترته - وهي بالمثناة الفوقية: الاهل والنسل والرهط الادنون - ثقلين: لان الثقل كل نفيس خطير مصون، وهذان كذلك، اذ كل منهما معدن للعلوم اللدنية والاسرار والحكم العلية والاحكام الشرعية، ولذا حثصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الاقتداء والتمسك بهم والتعلم منهم »(٣) .

وبمثل ذلك صرح كل من: القاري في ( شرح الشفاء ٣ / ٤١٠ هامش نسيم الرياض ) والمناوي في ( فيض القدير ٣ / ١٤ ) والعزيزي في ( السراج المنير ٢ / ٥١ ) والشهاب الخفاجي في ( نسيم الرياض ٣ / ٤١٠ ) والزرقاني في ( شرح المواهب اللدنية ٧ / ٧ ) وغيرهم، وقد تقدمت كلماتهم في ( قسم السند ).

وقال علي بن سليمان الشاذلي في شرح الحديث: « أي ان عملتم بما فيه ائتماراً بأوامره وانتهاء عن نواهيه، وأحببتم عترتي واهتديتم بهداهم وسيرتهم، فيه اشارة الى انهما كتوأمين خليفتين عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(٤) .

__________________

(١). الكاشف - مخطوط.

(٢). شرح المقاصد ٢ / ٢٢٢.

(٣). الصواعق المحرقة: ٩٠.

(٤). نفع قوت المغتذى ٢ / ٢٢٠.

٢٤٨

٢ - اتباع اهل البيت كاتباع النبي

ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل اتباع أهل بيته والاقتداء بهم كاتباع القرآن والائتمار بأوامره والانتهاء عن نواهيه في الوجوب واللزوم.

ولقد أتمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحجة في ذلك بأكمل وجه، ومن الواضح ان من كان الاقتداء به بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كالاقتداء بالقرآن لا يكون الا خليفة واماماً، فظهر بذلك: ان أهل البيت هم خلفاؤه وليس غيرهم، اذ لا يمكن جعل احكام وأفعال غيرهم كأحكام القرآن في وجوب الاطاعة والامتثال، هذا بالاضافة الى أنه لم يقل به أحد من المسلمين مطلقاً.

فتعين بهذا البيان ان خلفاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هم أهل بيته وليس سواهم من سائر الناس، فانهم أمروا باتباع أهل البيتعليهم‌السلام .

قال محمد مبين اللكهنوي في ( وسيلة النجاة ): « أي: اخشوا الله واحفظوا حقوقهم واتخذوا طاعتهم ومحبتهم شعاراً لكم، فكما أن امتثال احكام كتاب الله فرض فكذلك اطاعة أهل البيت والانقياد لاوامرهم بالجوارح والاركان ومحبتهم ورسوخ العقيدة بهم في القلب واجب وفرض ».

وقال السندي بعد كلام له: « فنظرنا فاذا هو مصرح بالتمسك بهم، وبأن تباعهم كتباع القرآن على الحق الواضح، وبأن ذلك أمر متحتم من الله تعالى لهم، ولا يطرأ عليهم في ذلك ما يخالفه حتى الورود على الحوض واذا فيه حث بالتمسك فيهما بعد الحث على وجه أبلغ »(١)

وقال رشيد الدين الدهلوي في ( ايضاح لطافة المقال ) في كلام له: « هل يجوز عاقل ان أهل السنة مع تشبثهم بالثقلين وايجابهم - بحكم حديث انى تارك فيكم الثقلين - التمسك بالعترة الطاهرة كوجوب التمسك بالقرآن ».

__________________

(١). دراسات اللبيب ٢٣٢.

٢٤٩

٣ - اتباع اهل البيت فرض على الامة

ان مفاد قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي » هو وجوب اتباع أهل البيتعليهم‌السلام ، فانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرض على الامة ذلك لئلا يضلوا بعده وينقلبوا على أعقابهم خاسرين، ولا ريب ان فرض الاتباع بهم دليل متين وبرهان رضين على امامتهم وخلافتهم، ولذلك فانهم ضلوا وتاهوا عند ما لم يسلموا اهل البيتعليهم‌السلام الخلافة والامامة، مخالفين للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، منقلبين على أعقابهم كما يقول الله عز وجل.

قال المناوى في شرحه: « وفي هذا مع قوله أولا « انّى تارك فيكم » تلويح بل تصريح بأنهما كتوأمين خلفهما ووصى امته بحسن معاملتهما وايثار حقهما على انفسهم والاستمساك بهما في الدين »(١)

وبمثله قال الزرقانى ثم قال: « واكد تلك الوصية وقواها بقوله: فانظروا بما تخلفوني فيهما بعد وفاتي، هل تتبعونهما فتسرونى أولا فتسيئوني »(٢) .

وقال القاري في شرحه: « قال ابن الملك: التمسك بالكتاب العمل بما فيه وهو الائتمار بأوامر الله والانتهاء بنواهيه، ومعنى التمسك بالعترة محبتهم والاهتداء بهداهم وسيرتهم »(٣) .

وبمثله قال السهارنپوري في ( المرافض ).

وقد صرح بما ذكر من دلالة حديث الثقلين الشيخ ثناء الله پانى پتى في خاتمة كتابه ( سيف مسلول ) بعد اثبات امامة الائمة الاثني عشرية بالكشف والالهام فقال: « ويمكننا استنباط هذا المدعى من كتاب الله وسنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ايضاً، قال الله تعالى:( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) . وجه الاستنباط هو: ان الانبياء السابقين كانوا يقولون:

__________________

(١). فيض القدير - شرح الجامع الصغير ٢ / ١٧٤.

(٢). شرح المواهب اللدنية ٧ / ٥.

(٣). المرقاة في شرح المشكاة ٥ / ٦٠٠.

٢٥٠

لا أسألكم عليه أجراً ان اجري الا على الله، فلم يسألوهم أجراً أبداً، وما الحكمة في سؤال نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك بخلاف أولئك الانبياء؟ الحكمة هي ان شرائع أولئك الانبياء منسوخة بعد وفاتهم، ولكن هذه الشريعة مؤبدة، فيلزم على الامة الرجوع - بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - الى نائبه، فلهذا دلهم النبي شفقة منه عليهم الى محبة آله، وأشار الى التمسك بأذيالهم لان الوارثون النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبواب العلوم، ولهذا قالعليه‌السلام : تركت فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي الحديث، و قالعليه‌السلام : انا مدينة العلم وعلي بابها ».

٤ - لفظ « الثقلين » دليل على وجوب الاتباع

لقد عبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا الحديث عن كتاب الله وعترتهعليه‌السلام بـ « الثقلين » وهذا - بمجرده - دليل واضح وبرهان لائح على وجوب اتباع أهل البيت والعترة الطاهرة، وذلك لقول الكثيرين من أئمة أبناء السنة الحفاظ في وجه هذه التسمية وهذا التعبير: ان العمل والاخذ بهما والانقياد لهما والمحافظة على حقوقهما ورعايتها وما يجب لهما ثقيل.

وممن نص على ذلك: الازهري في ( تهذيب اللغة ) والنووي في ( المنهاج ) والمجد ابن الاثير في ( جامع الاصول ) و ( النهاية ) والديلمي في ( فردوس الاخبار ) والطيبي في ( الكاشف ) والشريف الجرجاني في ( الحاشية على المشكاة ) وابن خلفة في ( الاكمال ) والسنوسى في ( مكمل الاكمال ) والسيوطي في ( النثير ) والشهاب الدولت آبادي في ( هداية السعداء ) ومحمد طاهر الفتنى في ( مجمع البحار ) وابن حجر في ( الصواعق ) والميرزا مخدوم في ( النواقض ) والشيخ عبد الحق الدهلوي في ( اللمعات ) و ( أشعة اللمعات ) والزرقاني في ( شرح المواهب اللدنية ) والزبيدي في ( تاج العروس ) وابن منظور في ( لسان العرب ) وآخرون وقد تقدمت نصوص عباراتهم في ( قسم السند ).

٢٥١

وظاهر: ان الاخذ والعمل بأحكام القرآن فرض، فكذلك العترة، وهذا هو المطلوب.

٥ - الامر بالاعتصام دليل على وجوب الاتباع

لقد جاء هذا الحديث بلفظ « اني تركت فيكم ما لن تضلوا بعدي ان اعتصمتم به كتاب الله وعترتي ». أخرجه ابن أبي شيبة في ( المصنف ) والخطيب في ( المفترق والمتفق ) كما قال الميرزا محمد البدخشانى: « وأخرجه ابن أبى شيبة والخطيب في المتفق والمفترق عنه - اي عن جابر - بلفظ: انّى تركت فيكم ما لن تضلوا بعدي ان اعتصمتم به: كتاب الله وعترتي أهل بيتي »(١) .

وهذا أيضاً يدل على وجوب اتباع أهل البيتعليهم‌السلام ، لان الاعتصام مرادف للتمسك، فقد قال المفسرون - كالطبرى والثعلبي والواحدي والبغوي والرازي والبيضاوي والخازن والنيسابوري والسيوطي - في تفسير قوله تعالى:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) « اي تمسكوا » وبتفسير قوله تعالى:( وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) أي « ومن يستمسك ».

وهكذا قال اللغويون أيضاً - كالراغب في ( المفردات ) وابن الاثير في ( النهاية ) وابن منظور في ( لسان العرب ) والسيوطي في ( النثير ) والزبيدي في ( تاج العروس ) في معنى ( الاعتصام ) فقالوا: « أي الاستمساك » أو « الامتساك بالشيء ».

هذا، وكما ثبت وجوب الاعتصام بأهل البيتعليهم‌السلام بالحديث الشريف كذلك ثبت بالقرآن الكريم حيث قال تعالى:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً ) اذ جاء في التفسير عن النبي وأهل بيته الطاهرين عليهم الصلاة

__________________

(١). مفتاح النجا - مخطوط.

٢٥٢

والسّلام: ان المراد بالحبل « أهل البيت ». فقد قال الثعلبي في تفسير الآية ما نصه: -

« أخبرنى عبد الله بن محمد بن عبد الله، نا محمد بن عثمان، نا محمد ابن الحسين بن صالح، أنا علي بن العباس المقانعي، نا جعفر بن محمد قال: نحن حبل الله الذي قال:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (١) .

وقال ابو نعيم الاصبهانى: « حدثنا محمد بن عمر بن سالم، قال حدثنا أحمد بن زياد بن عجلان قال حدثنا جعفر ابن علي بن نجيح قال حدثنا حسن ابن حسين العرني قال حدثنا أبو حفص الصائغ قال: سمعت جعفر بن محمد يقول في قوله عز وجل:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) قال: نحن حبل الله »(٢) .

ولقد فسر العز عبد الرزاق بن رزق الله المحدث هذه الاية على هذا النهج، فقد جاء في كتاب ( كشف الغمة ): « قوله تعالى:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً ) قال العجز المحدث: حبل الله علي واهل بيتهعليهم‌السلام »(٣) .

وأما رواية الثعلبي المتقدمة فقد أوردها عنه جماعة - منهم: ابن حجر في ( الصواعق ) والسمهودي في ( جواهر العقدين - مخطوط ) والميرزا محمد البدخشانى في ( مفتاح النجا - مخطوط ) والصبان في ( اسعاف الراغبين ١٠٩ ) ومحمد مبين اللكهنوي في ( مرآة المؤمنين - مخطوط ) عن ( الصواعق ).

وقال الشيخاني القادري بعد أن ذكر طرق حديث الثقلين: « وكان جعفر بن محمد يقول في تفسير قوله تعالى:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً ) نحن حبل الله، فاعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا »(٤) .

__________________

(١). تفسير الثعلبي - مخطوط.

(٢). ما نزل من القرآن في على - مخطوط.

(٣). كشف الغمة في معرفة الائمة ١ / ٣١١.

(٤). الصراط السوى - مخطوط.

٢٥٣

و قال الشيخ سليمان القندوزي: « تفسير( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) : أخرج الثعلبي بسنده عن أبان بن تغلب عن جعفر الصادقرضي‌الله‌عنه قال: نحن حبل الله الذي قال الله عز وجل:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) .

وأيضاً: أخرج صاحب كتاب المناقب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنا عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اذ جاء أعرابي فقال: يا رسول الله سمعتك تقول واعتصموا بحبل الله، فما حبل الله الذي نعتصم به؟ فضرب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يده في يد علي وقال تمسكوا بهذا هو حبل الله المتين »(١) .

والجدير بالذكر هنا: انه قد فسر الشافعي « حبل الله » بولاء أهل البيتعليه‌السلام معلناً ذلك في أبيات نظمها، فقد قال العجيلى عند الكلام على شهادة الائمة الاربعة بفضل أهل البيتعليهم‌السلام : « وأما شهادة الائمة الاربعة، فمن كلام الامام الشافعي:

ولما رأيت الناس قد ذهبت بهم

مذاهبهم في أبحر الغي والجهل

ركبت على اسم الله في سفن النجا

وهم آل بيت المصطفى خاتم الرسل

وأمسكت حبل الله وهو ولاؤهم

كما قد أمرنا بالتمسك بالحبل »

الى آخر الابيات(٢) .

والجدير بالذكر أيضاً: ان بعضهم فسرّ ( الحبل ) في قوله عز وجل:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً ) بالعترة الطاهرة، استناداً الى حديث الثقلين، وأورد الحديث بلفظ يدل بصراحة على كونهم الحبل الذي أمر الله تعالى بالاعتصام به.

فقد قال السيد محمد الطالقاني - خليفة السيد علي الهمداني - في رسالة ( قيافه نامه ) على ما نقل عنه مجد الدين البدخشاني في كتابه ( جامع

__________________

(١). ينابيع المودة ١١٩.

(٢). ذخيرة المآل - مخطوط.

٢٥٤

السلاسل ) بترجمة السيد علي الهمداني، في مقام تفسير الاية المذكورة: « وقال البعض: ان حبل الله عترة رسول الله، كما قالعليه‌السلام : انّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي، ألا فتمسكوا بهما فانهما حبلان لا ينقطعان الى يوم القيامة ».

وسيأتي أن بدر الدين محمود الرومي جعل في شرح قول البوصيرى:

« دعا الى الله فالمستمسكون به

مستمسكون بحبل غير منفصم »

كتاب الله وعترة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم السبب الموصل الى رضوان الله، ثم ذكر حديث الثقلين.

أضف الى ذلك: أن بعض علماء أبناء السنة قد أوردوا حديث الثقلين مع الاية:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ ) وذلك في صدد اثبات وجوب التمسك بأهل البيتعليهم‌السلام ، كنور الدين السمهودي وقد مرّ، وأحمد العجيلي حيث قال: « والزم بحبل الله ثم اعتصم، قال الله تعالى:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) ، و قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انّي تارك فيكم الثقلين ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الارض، وعترتي أهل بيتي »(١) .

٦ - لفظ « الاخذ » في الحديث دليل على وجوب الاتباع

ان من ألفاظ حديث الثقلين قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « انّي تركت فيكم ما ان أخذتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي » وهو أيضاً يفيد وجوب اتباع أهل البيتعليهم‌السلام .

وقد روى هذا اللفظ جماعة من كبار أئمة أبناء السنة منهم: الترمذي في ( الصحيح ) وأحمد في ( المسند ) وابن راهويه في ( المسند ) وابن سعد في ( الطبقات ) والنسائي في ( الصحيح ) وابو يعلى في ( المسند ) والطبراني في

__________________

(١). ذخيرة المآل - مخطوط.

٢٥٥

( المعجم الكبير ) والبغوي في ( المصابيح ) وابن الاثير في ( جامع الاصول ) والقاضي عياض في ( الشفاء ) كما لا يخفى على من راجع ( قسم السند ).

ومن المعلوم ان الاخذ معناه الاقتداء والعمل، كالتمسك والاعتصام: - قال القاري: « والمراد بالأخذ بهم التمسك بمحبتهم ومحافظة حرمتهم والعمل بروايتهم والاعتماد على مقالتهم »(١) .

وقال الشهاب الخفاجي: « و قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ما ان أخذتم به » أي تمسكتم وعملتم واتبعتموه »(٢) .

هذا وبمثل ما ذكرنا من معنى لفظ « الاخذ » ودلالته صرح الصديق حسن في ( السراج الوهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج ) بشرح حديث زيد بن أرقم، قال: « ومسألة تحريم الزكاة على أهل البيت لها موضع غير هذا الموضع، والمقصود هنا بيان فضيلتهم وأنهم قسيم كتاب الله في التعظيم والاكرام وفي التسمية بالثقل، وأنه لا بد من الاخذ بهما فانهما لا يفترقان حتى يردا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحوض ».

وهكذا صرح السندي بشرح حديث زيد أيضاً، قال: « فحملنا قوله « أذكركم الله » على مبالغة التثليث فيه على التذكير بالتمسك بهم والردع عن عدم الاعتداد بأقوالهم وأعمالهم وأحوالهم وفتياهم وعدم الاخذ بمذهبهم »(٣) .

٧ - لفظ « الاتباع » في بعض نصوص الحديث

لقد بين النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله « لن تضلوا ان اتبعتموهما » وجوب اتباع أهل البيتعليهم‌السلام ، وأنه مانع عن الضلال الى يوم القيامة وهذا المعنى يلازم الامامة الحقة والخلافة الشرعية.

__________________

(١). المرقاة ٥ / ٦٠٠.

(٢). نسيم الرياض ٣ / ٤١٠.

(٣). دراسات اللبيب ٢٣٢.

٢٥٦

ولقد جاء حديث الثقلين بهذا اللفظ لدى جماعة من كبار محدثي أبناء السنة منهم: الحاكم في ( المستدرك ٣ / ١٠٩ ) وابن حجر في ( الصواعق المحرقة ) بتفسير قوله تعالى: « وقفوهم انهم مسئولون » ووالد الدهلوي في ( ازالة الخفا ) والشيخ سليمان القندوزي في ( ينابيع المودة ٣٥، ٣٧، ٢٩٦ ).

٨ - التكرار في الحديث دليل على وجوب اتباع أهل البيت

ان قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أذكركم الله في أهل بيتي » أمر للامة باطاعة أهل بيته عليه وعليهم‌ السلام ومتابعتهم والتمسك بهم

ولقد اعترف - والحمد لله تعالى - بهذا علماء أهل السنة، فقد قال الشيخ حسين الكاشفي: « وفي تكرار هذا الكلام ثلاثاً دليل واضح على وجوب تعظيم أهل البيت ومحبتهم ومتابعتهم »(١) .

وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي في بيان معنى هذا الكلام: « ولقد كرر هذه الكلمة للمبالغة والتوكيد، وقد تقدم معنى « أهل البيت »، وحمل هذا على جميع معانيه صحيح، ولا سيما المعنى الاخير فان محبتهم وتعظيمهم ورعاية حقوقهم وآدابهم أقدم وأهم وأتم، وهو الظاهر، وهذه اشارة الى أخذ السنة، كما أن الاول اشارة الى العمل بالكتاب، وعلى هذا المعنى فان جميع المؤمنين مطيعون لاهل بيت النبي وآله »(٢) .

وقال الزرقاني في شرحها: « قال الحكيم الترمذي: حض على التمسك بهم لان الامر لهم معاينة، فهم أبعد عن المحنة »(٣) .

وبمثله صرح آخرون منهم: السندي في ( دراسات اللبيب ) ومحمد مبين اللكهنوي في ( وسيلة النجاة )

__________________

(١). الرسالة العلية: ٣٠.

(٢). أشعة اللمعات في شرح المشكاة ٤ / ٦٧٧.

(٣). شرح المواهب اللدنية ٧ / ٥.

٢٥٧

٩ - عدم افتراق القرآن والعترة دليل على وجوب الاتباع

لقد أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله: « وانهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض » الامة بالتمسك بأهل البيت عليهم الصلاة والسّلام.

وبهذا صرح جماعة من علمائهم، فقد قال المناوي في ( فيض القدير ) بشرح العبارة: « وفي هذا مع قوله أولا: « انّي تارك فيكم » تلويح بل تصريح بأنهما كتوأمين خلفهما ووصى أمته بحسن معاملتهما وايثار حقهما على أنفسهم والاستمساك بهما في الدين، أما الكتاب فلانه معدن للعلوم الدينية والحكم الشرعية وكنوز الحقائق وخفايا الدقائق، وأما العترة فلان العنصر اذا طاب أعان على فهم الدين فطيب العنصر يؤدي الى حسن الاخلاق، ومحاسنها تؤدي الى صفاء القلب ونزاهته وطهارته ».

وبمثله قال الزرقاني.

وقال الشهاب الدولت آبادي: « أي فيشهدان لمن كان محباً لهما وعلى من كان معادياً، ومن أطاع أمري فيهما وتمسك بهما ومن ترك وخالف ».

وهكذا قال محمد مبين في ( وسيلة النجاة )

١٠ - أمر النبي برعاية أهل البيت

قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فانظروا كيف تخلفوني فيهما » دليل آخر على وجوب أتباع أهل البيتعليهم‌السلام ، وقد صرح بذلك جماعة من علماء أبناء السنة:

فقد قال الشهاب الخفاجي في شرحه: « فانظروا كيف تخلفوني فيهما » أي بعد وفاتي انظروا عملكم بكتاب الله واتباعكم لاهل بيتي ورعايتهم وبرهم بعدي، فان ما يسرهم يسرني وما يسوؤهم يسؤني »(١) .

وبمثله قال الزرقاني في ( شرح المواهب ).

__________________

(١). نسيم الرياض ٣ / ٤١٠.

٢٥٨

وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي بشرحه: « أي كيف تتمسكون بهما من بعدي »(١) .

وقال في ( اللمعات في شرح المشكاة ) بشرحه: « أي تأملوا وتفكروا كيف تكونون خلفائي بعدي عاملين متمسكين بهما ».

وقال الحسام السهارنپوري في ( المرافض ): أي كيف عملكم وتمسككم بهما من بعدي.

وهكذا قال آخرون منهم كالشهاب الدولت آبادي في ( هداية السعداء ) والسندي في ( دراسات اللبيب ).

١١ - القرآن وأهل البيت توأمان

ولو لم يقل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سوى « انّي تارك فيكم أمرين أحدهما كتاب الله والاخر أهل بيتي » لكفى دليلا على امامتهم عليهم الصلاة والسلام.

وذلك لان المتبادر منه: حكموا هذين الامرين من بعدي واجعلوا أنفسكم محكومين لهما، تابعين لهما، منقادين اليهما، لا أن تحكّموا الكتاب وتحكموا أهل البيت وتجعلوهم تابعين لكم فان هذا التفكيك الركيك لا يخطر ببال أحد أبداً

١٢ - حديث الثقلين في نقل أبى ذر

لقد روى الصحابي الجليل أبو ذر الغفاريرضي‌الله‌عنه حديث الثقلين في لفظ يدل بوضوح على امامة أهل البيتعليهم‌السلام ، فقد جاء في ( ينابيع المودة ) ما نصه: « أيضاً: عن سليم بن قيس الهلالي، قال بينا أنا وجيش [ حنش ظ ] بن المعتمر بمكة إذاً قام أبو ذر وأخذ بحلقة باب الكعبة فقال: من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا جندب بن جنادة أبو ذر فقال: أيها

__________________

(١). أشعة اللمعات ٤ / ٦٨١.

٢٥٩

الناس اني سمعت نبيكمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تركها هلك، ويقول: مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني اسرائيل من دخله غفر له، ويقول: انّي تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض»(١) .

فذكرهرضي‌الله‌عنه حديث الثقلين بعد حديث السفينة وحديث باب حطة آخذاً بحلقة باب الكعبة يدل على كمال أهمية هذه الأحاديث، وعلى إفادة هذا الحديث « حديث الثقلين » كحديث السفينة وحديث باب حطة وجوب الأنقياد التام لاهل البيتعليهم‌السلام ، أمراً متحتماً جازماً من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا هو المطلوب.

والجدير بالذكر هنا: ان هذا الحديث - الذي يدل على وجوب اتباع أهل البيتعليهم‌السلام - يدل على أحقية أمير المؤمنينعليه‌السلام وتقدمه وامتيازه واختصاصه بذلك.

وقد اعترف بهذا علماء أبناء السنة وذكروا الشواهد العديدة له: فقد قال السمهودي في تنبيهاته بعد حديث الثقلين: « رابعها: هذا الحث شامل للتمسك بمن سلف من أئمة أهل البيت والعترة الطاهرة والأخذ بهداهم، وأحق من تمسك به منهم: امامهم وعالمهم علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه في فضله وعلمه ودقائق مستنبطاته وفهمه وحسن شيمه ورسوخ قدمه، ويشير الى هذا ما أخرجه الدارقطني في الفضائل عن معقل بن يسار قال: سمعت أبابكررضي‌الله‌عنه يقول: علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه عترة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أي الذين حث على التمسك بهم، فخصه أبوبكررضي‌الله‌عنه بذلك لما أشرنا اليه، ولهذا خصهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بينهم يوم غدير خم بما سبق من قوله: « من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه

__________________

(١). ينابيع المودة ٢٨.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373