نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٢

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار21%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 373

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 373 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 292880 / تحميل: 6536
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

- ٥ -

عصمة موسىعليه‌السلام وقتل القبطي ومشاجرته أخاه

إنّ الكليم موسى بن عمران أحد الأنبياء العظام، وصفه سبحانه بأتم الأوصاف وأكملها، قال عزّ من قائل:( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً * وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأيمن وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً * وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً ) (١) .

وقال سبحانه:( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ ) (٢) .

ووصف كتابه بقوله:( وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً ) (٣) .

ومع ذلك كلّه: فقد استدلّ المخالف بعدم عصمته بأمرين:

أحدهما: قتله القبطي وتوصيفه بأنّه من عمل الشيطان.

ثانيهما: مشاجرته أخاه مع عدم كونه مقصّ-راً، وإليك البحث عن كل واحد منهما.

____________________

١ - مريم: ٥١ - ٥٣.

٢ - الأنبياء: ٤٨.

٣ - الأحقاف: ١٢.

١٦١

ألف: عصمة موسىعليه‌السلام وقتل القبطي

قال عزّ من قائل:( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُليْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذا مِنْ عَدُوِّه فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوّ مُضِلّ مُبِينٌ * قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمتُ نَفْسِي فَاغْفِر لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ ) (١) .

ويذكر القرآن تلك القصّة في سورة الشعراء بصورة موجزة ويقول سبحانه:( أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُركَ سِنينَ * وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الكَافِرينَ * قَالَ فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ ) (٢) .

وتدلّ الآيات على أنّ موسىعليه‌السلام ورد المدينة عندما كان أهلها غافلين عنه، إمّا لأنّه ورد نصف النهار والناس قائلون، أو ورد في أوائل الليل، وإمّا لغير ذلك، فوجد فيها رجلين كان أحدهما إسرائيلياً والآخر قبطياً يقتتلان، فاستنصره الذي من شيعته على الآخر، فنصره، فضربه بجمع كفه في صدره فقتله، وبعدما فرغ من أمره ندم ووصف عمله بما يلي:

١ -( هذا من عمل الشيطان ) .

٢ -( ربّ إنّي ظلمت نفسي ) .

٣ -( فاغفر لي فغفر له ) .

٤ -( فعلتها إذاً وأنا من الضّالّين ) .

____________________

١ - القصص: ١٤ - ١٧.

٢ - الشعراء: ١٨ - ٢٠.

١٦٢

وهذه الجمل الأربع تعرب عن كون القتل أمراً غير مشروع؛ ولأجل ذلك وصفه تارة بأنّه من عمل الشيطان، وأُخرى بأنّه كان ظالماً لنفسه، واعترف عند فرعون بأنّه فعل ما فعل وكان عند ذاك من الضالّين ثالثاً، وطلب المغفرة رابعاً.

أقول: قبل توضيح هذه النقاط الأربع نلفت نظر القارئ الكريم إلى بعض ما كانت الفراعنة عليه من الأعمال الإجرامية، ويكفي في ذلك قوله سبحانه:( إِنَّ فِرْعَونَ عَلا فِي الأرضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ ويَسْتَحْي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدينَ ) (١) ، ولم يكن فرعون قائماً بهذه الأعمال إلاّ بعمالة القبطيين الذين كانوا أعضاده وأنصاره، وفي ظل هذه المناصرة ملكت الفراعنة بني إسرائيل رجالاً ونساءً، فاستعبدوهم كما يعرب عن ذلك قوله سبحانه:( وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ ) (٢) ولمّا قال فرعون لموسى:( ألَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً ) (٣) واستعلى عليه بأنّه ربّاه وليداً منذ أن ولد إلى أن كبر أجابه موسى بأنّه هل تمن عليّ بهذا وقد عبدت بني إسرائيل ؟

وعلى ذلك فقتل واحد من أنصار الطغمة الأثيمة التي ذبحت مئات بل آلاف الأطفال من بني إسرائيل واستحيوا نساءهم، لا يعد في محكمة العقل والوجدان عملاً قبيحاً غير صحيح، أضف إلى ذلك أنّ القبطي المقتول كان بصدد قتل الإسرائيلي لو لم يناصره موسى كما يحكي عنه قوله:( يقتتلان ) ، ولو قتله القبطي لم يكن لفعله أيّ ردّ فعل؛ لأنّه كان منتمياً للنظام السائد الذي لم يزل يستأصل بني إسرائيل ويريق دماءهم طوال سنين، فكان قتله في نظره من قبيل قتل الإنسان الشريف أحد عبيده لأجل تخلّفه عن أمره.

إذا وقفت على ذلك، فلنرجع إلى توضيح الجمل التي توهم المستدل بها

____________________

١ - القصص: ٤.

٢ - الشعراء: ٢٢.

٣ - الشعراء: ١٨.

١٦٣

دلالتها على عدم العصمة فنقول:

١ - إن قوله:( هذا من عمل الشيطان ) يحتمل وجهين:

الأوّل: أن يكون لفظ ( هذا ) إشارة إلى المناقشة التي دارت بين القبطي والإسرائيلي وانتهت إلى قتل الأوّل، وعلى هذا الوجه ليست فيه أيّة دلالة على شيء ممّا يتوخّاه المستدل وقد رواه ابن الجهم عن الإمام الرضاعليه‌السلام عندما سأله المأمون عن قوله:( هذا من عمل الشيطان ) فقال: الاقتتال الذي كان وقع بين الرجلين لا ما فعله موسى من قتله(١) .

الثاني: إنّ لفظ ( هذا ) إشارة إلى قتله القبطي، وإنّما وصفه بأنّه من عمل الشيطان، لوجهين:

ألف: إنّ العمل كان عملاً خطأً محضاً ساقه إلى عاقبة وخيمة، فاضطر إلى ترك الدار والوطن بعد ما انتشر سرّه ووقف بلاط فرعون على أنّ موسى قتل أحد أنصار الفراعنة، وأتمروا عليه ليقتلوه، ولولا أنّ مؤمن آل فرعون أوقفه على حقيقة الحال، لأخذته الجلاوزة وقضوا على حياته، كما قال سبحانه:( وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فاخْرُجْ إِنّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ) (٢) ، فلم تكن لهذا العمل أيّة فائدة فردية أو اجتماعية سوى إلجائه إلى ترك الديار وإلقاء الرحل في دار الغربة ( مدين )، والاشتغال برعي الغنم أجيراً لشعيبعليه‌السلام .

فكما أنّ المعاصي تنسب إلى الشيطان، قال سبحانه:( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ والأنصابُ والأزلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (٣) ،

____________________

١ - البرهان: ٣/٢٢٤؛ عيون أخبار الرضا: ١/١٩٩.

٢ - القصص: ٢٠.

٣ - المائدة: ٩٠.

١٦٤

فكذلك الأعمال الخاطئة الناجمة من سوء التدبير وضلال السعي، السائقة للإنسان إلى العواقب المرّة، تنسب إليه أيضاً.

فالمعاصي والأعمال الخاطئة كلاهما تصح نسبتهما إلى الشيطان بملاك أنّه عدو مضل للإنسان، والعدو لا يرضى بصلاحه وفلاحه بل يدفعه إلى ما فيه ضرره في الآجل والعاجل، ولأجل ذلك قال بعدما قضى عليه:( هذا من عمل الشيطان أنّه عدو مضل مبين ) .

ب - إنّ قتل القبطي كان عملاً ناجماً عن العجلة في محاولة تدمير العدو، ولو أنّه كان يصبر على مضض الحياة قليلاً لنبذ القبطي مع جميع زملائه في اليم من دون أن توجد عاقبة وخيمة، كما قال سبحانه:( فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمينَ ) (١) .

٢ - وبذلك يعلم مفاد الجملة الثانية التي هي من إحدى مستمسكات المستدل أعني قوله:( ربِّ إنّي ظلمت نفسي ) ، فإنّ الكلام ليس مساوقاً للمعصية ومخالفة المولى، بل هو كما صرّح به أئمّة اللغة وقدمنا نصوصهم عند البحث عن عصمة آدم عبارة عن وضع الشيء في غير موضعه، وقد عرفت أنّ عمل موسى كان عملاً واقعاً في غير موقعه، وخاطئاً من جهتين: من جهة أنّه ساقه إلى عاقبة مرة، حيث اضطر إلى ترك الأهل والدار والديار، ومن جهة أُخرى أنّه كان عملاً ناشئاً من الاستعجال في إهلاك العدو بلا موجب، ولأجل تينك الجهتين كان عملاً واقعاً في غير محلّه، فصحّ أن يوصف العمل بالظلم، والعامل بالظالم، والذي يعرب عن ذلك أنّه جعله ظلماً لنفسه لا للمولى، ولو كان معصية لكان ظلماً لمولاه وتعدّياً على حقوقه، كما هو الحال في الشرك فإنّه ظلم للمولى وتعدّ

____________________

١ - القصص: ٤٠.

١٦٥

عليه، قال سبحانه:( لا تُشْرِكْ بِاللهِ إنَّ الْشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) (١) .

٣ - وأمّا الجملة الثالثة، أعني قوله:( فاغفر لي فغفر له إنّه هو الغفور الرحيم ) ، فليس طلب المغفرة دليلاً على صدور المعصية؛ لأنّه بمعنى الستر، والمراد منه إلغاء تبعة فعله وإنجاؤه من الغم وتخليصه من شر فرعون وملئه، وقد عبّر عنه سبحانه:( وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً ) (٢) ، وقد نجّاه سبحانه بإخبار رجل من آل فرعون عن المؤامرة عليه، فخرج من مصر خائفاً يترقّب إلى أن وصل أرض مدين، فنزل دار شعيب، وقصّ عليه القصص، وقال له شعيب:( لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ القَوْمِ الظالِمِين ) (٣) .

وبذلك غفر وستر عمله ونجّاه سبحانه من أعين الفراعنة، ومكّن له الورود إلى ماء مدين والنزول في دار أحد أنبيائهعليهم‌السلام .

أضف إلى ذلك: أنّ قتل القبطي وإن لم يكن معصية ولكن كان المترقّب من موسى تركه وعدم اقترافه، فصدور مثله من موسى يناسب طلب المغفرة، فإنّ حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين، إذ ربّ عمل مباح لا يؤاخذ به الإنسان العادي ولكنّه يؤاخذ به الإنسان العارف، فضلاً عن شخصية إلهيّة سوف تبعث لمناضلة طاغية العصر، فكان المناسب لساحتها هو الصبر والاستقامة في حوادث الحياة، حلوها ومرّها، والفصل بين المتخاصمين بكلام ليّ-ن، وقد أمر به عندما بعث إلى فرعون فأمره سبحانه أن يقول له قولاً ليّناً(٤) ، وقد أوضحنا مفاد هذه الكلمة عند

____________________

١ - لقمان: ١٣.

٢ - طه: ٤٠.

٣ - القصص: ٢٥.

٤ - طه: ٤٤.

١٦٦

البحث عن آدم وحواء إذ:( قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرينَ ) (١) .

٤ - وأمّا قوله سبحانه:( فعلتها إذاً وأنا من الضالين ) ، فالمراد من الضلال هو الغفلة عمّا يترتّب على العمل من العاقبة الوخيمة، ونسيانها، وليس ذلك أمراً غريباً، فقد استعمل في هذين المعنيين في الذكر الحكيم، قال سبحانه:( مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأخرى ) (٢) ، فالمراد نسيان أحد الشاهدين وغفلته عمّا شهد به، وقال سبحانه:( ءَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الأرض ءَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ) (٣) أي إذا غبنا فيها.

قال في لسان العرب: الضلال: النسيان وفي التنزيل:( مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخرى ) أي يغيب عن حفظها، ومنه قوله تعالى:( فعلتها إذاً وأنا من الضالين ) وضللت الشيء: أنسيته وأصل الضلال: الغيبوبة يقال ضلّ الماء في اللبن إذا غاب، ومنه قوله تعالى:( ءَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الأرض ءَإِنَّا لفي خَلْقٍ جَدِيدٍ ) (٤) .

وعلى الجملة: إنّ كليم الله يعترف بتلك الجملة عندما اعترض عليه فرعون بقوله:( وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين ) ويعتذر عنها بقوله:( فعلتها إذاً وأنا من الضالين ) ، والمناسب لمقام الاعتذار هو تفسير الضلال بالغفلة عمّا يترتّب على العمل من النتائج ونسيانها.

____________________

١ - الأعراف: ٢٣.

٢ - البقرة: ٢٨٢.

٣ - السجدة: ١٠.

٤ - لسان العرب: ١١/٣٩٢- ٣٩٣، مادة ( ضل ).

١٦٧

وحاصله: أنّه قد استولت علىّ الغفلة حين الاقتراف، وغاب عنّي ما يترتّب عليه من ردّ فعل ومر العاقبة، ففعلت ما فعلت.

ومن اللحن الواضح تفسير الضلالة بضد الهداية، كيف وإنّ الله سبحانه يصفه قبل أن يقترف القتل بقوله:( آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ) (١) ، كما أنّ نفس موسى بعد ما طلب المغفرة واستشعر إجابة دعائه قال:( رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ ) (٢) ، أفيصح بعد هذا تفسير الضلالة بالغواية ضد الهداية ؟! كلا و لا.

هذا كلّه حول المستمسك الأوّل، أعني: قتل القبطي، فهلمّ معي ندرس المستمسك الثاني للخصم من اتهام كليم الله الأعظم - عليه وعلى جميع رسل الله آلاف الثناء والتحيّة - بعدم العصمة.

ب - مشاجرته أخاه هارونعليه‌السلام

إنّ الله سبحانه واعد موسى - بعد أن أغرق فرعون - بأن يأتي جانب الطور الأيمن فيوفيه التوراة التي فيها بيان الشرائع والأحكام وما يحتاج إليه، وكانت المواعدة على أن يوافي الميعاد مع جماعة من وجوه قومه، فتعجّل موسى من بينهم شوقاً إلى ربّه وسبقهم على أن يلحقوا به، ولمّا خاطبه سبحانه بقوله:( وما أعجلك عن قومك يا موسى ) أجابه بأنّهم( على أثري ) وورائي يدركونني عن قريب، وعند ذلك أخبره سبحانه بأنّه امتحن قومه بعد فراقه( وأضلّهم السامري ) ، فرجع موسى من الميقات إلى بني إسرائيل حزيناً مغضباً، فرأى أنّ السامري

____________________

١ - القصص: ١٤.

٢ - القصص: ١٧.

١٦٨

( أخرج لهم عجلاً ) جسداً له صوت، وقال: إنّه إله بني إسرائيل عامة، وتبعه السفلة والعوام، واستقبل موسى هارون فألقى الألواح وأخذ يعاتب هارون ويناقشه، وهذا ما يحكيه سبحانه في سورتين ويقول:( وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الألواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوْا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأعداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (١) .

ويقول سبحانه:( فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفَاً قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيكُمْ غَضَبٌ مِن رَبِّكُمْ فَأَخَلَفْتُمْ مَوْعِدِي * قَالَ يَا هارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي * قَالَ يا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ) (٢) .

فهاهنا يطرح سؤالان:

١- لماذا ألقى الألواح ؟

٢- لماذا ناقش أخاه وقد قام بوظيفته ؟

وإليك تحليل السؤالين بعد بيان مقدّمة وهي:

إنّ موسى قد خلف هارون عندما ذهب إلى الميقات، وقد حكاه سبحانه بقوله:( وَقَالَ مُوسَى لأخيه هَارُونَ اخُلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ) (٣) وقام هارون بوظيفته في قومه، فعندما أضلّهم السامري ناظرهم بقوله:( يا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي ) (٤) واكتفى في ذلك بالبيان واللوم ولم يقم في وجههم بالضرب والتأديب وقد بيّنه

____________________

١ - الأعراف: ١٥٠.

٢ - طه: ٨٦، ٩٢ - ٩٤.

٣ - الأعراف: ١٤٢.

٤ - طه: ٩٠.

١٦٩

لأخيه بقوله:( إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ) .

هذا ما يخصّ هارون، وأمّا ما يرجع إلى موسى، فقد أخبره سبحانه عن إضلال السامري قومه بقوله:( فَإنَّا قَدْ فَتَنّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِريّ ) (١) ، ورجع إلى قومه غضبان أسفاً وخاطبهم بقوله:( بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجَلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكمْ ) وقال أيضاً :( أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمْ الْعَهْدُ ) وفي هذا الظرف العصيب أظهر كليم الله غضبه بإنجاز عملين:

١- إلقاء الألواح جانباً.

٢- مناقشته أخاه بقوله:( مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي ) ، فعند ذلك يطرح السؤالان نفسهما :

لماذا ألقى الألواح أوّلاً ؟ ولماذا ناقش أخاه وناظره وقد قام بوظيفته ثانياً ؟ فنقول:

لا شك أنّ ما اقترفه بنو إسرائيل من عبادة العجل كان من أقبح الأعمال وأفظعها كيف ؟! وقد أهلك الله عدوهم وأورثهم أرضهم، فكان المترقّب منهم هو الثبات على طريق التوحيد ومكافحة ألوان الشرك - ومع الأسف - فإنّهم كفروا بعظيم النعمة، وتركوا عبادته سبحانه، وانخرطوا في سلك الثنوية مع الجهل بقبح عملهم وفظاعة فعلهم.

إنّ أُمّة الكليم، وإن كانت غافلة عن مدى قبح عملهم، لكنّ سيّدهم ورسولهم كان واقفاً على خطورة الموقف وتعدّي الأُمّة، فاستشعر بأنّه لو لم يكافحهم بالعنف والشدّة ولم يقم في وجههم بالاستنكار مع إبراز التأسّف

____________________

١ - طه: ٨٥.

١٧٠

والغضب، فربّما تمادى القوم في غيّهم وضلالهم وحسبوا أنّهم لم يقترفوا إلاّ ذنباً خفيفاً أو مخالفة صغيرة ولم يعلموا أنّهم حتى ولو رجعوا إلى الطريق المهيع، واتّبعوا جادة التوحيد ربّما بقيت رواسب الشرك في أغوار أذهانهم، فلأجل إيقافهم على فظاعة العمل، قام في مجال الإصلاح مثل المدير الذي يواجه الفساد فجأة في مديريته ولا يعلم من أين تسرّب إليها.

فأوّل ما يبادر إليه هو مواجهة القائم مقامه الذي خلفه في مكانه، وأدلى إليه مفاتيح الأُمور، فإذا ثبتت براءته ونزاهته وأنّه قام بوظيفته خير قيام حسب تشخيصه ومدى طاقته، تركه حتى يقف على جذور الأمر والأسباب الواقعية التي أدّت إلى الفساد والانهيار.

وهكذا قام الكليم بمعالجة القضية، وعالج الواقعة المدهشة التي لو بقيت على حالها، لانتهت إلى تسرّب الشرك إلى عامّة بني إسرائيل وذهب جهده طوال السنين سدى، فأوّل رد فعل أبداه، أنّه واجه أخاه القائم مقامه في غيبته، بالشدّة والعنف حتى يقف الباقون على خطورة الموقف، فأخذ بلحيته ورأسه مهيمناً عليه متسائلاً بأنّه لماذا تسرّب الشرك إلى قومه مع كونه فيهم ؟! ولمّا تبيّنت براءته وأنّه أدّى وظيفته كما يحكيه عنه سبحانه بقوله:( إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بيَ الأعداءَ وَلا تجعلني مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) اندفع إليه بعطف وحنان ودعا له فقال:( رَبِّ اغْفِرْ لِي ولأخي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) (١) إنّ طلب المغفرة لنفسه وأخيه لا يدل على صدور أيّ خلاف منهما، فإنّ الأنبياء والأولياء لاستشعارهم بخطورة الموقف وعظمة المسؤولية، ما زالوا يطلبون غفران الله ورحمته لعلوّ درجاتهم، كما هو واضح لمَن تتبّع أحوالهم، وسيوافيك بيانه عند البحث عن عصمة النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

____________________

١ - الأعراف: ١٥١.

١٧١

وبعدما تبيّن أنّ السبب الواقعي لتسرّب الشرك إلى قومه هو السامري وتبعه السفلة والعوام، أخذ بتنبيههم بقوارع الخطاب وعواصف الكلام بما هو مذكور في سورتي الأعراف وطه، نكتفي ببعضها حيث خاطب عَبَدَة العجل بقوله:

( إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِن رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الْدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ ) (١) .

ولمّا واجه السامري خاطبه بقوله:( فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرىُّ * قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الْرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي * قَالَ فَاذْهَبْ فِإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفَاً * إِنَّمَا إِلهُكُمُ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شيءٍ عِلْماً ) (٢) .

وبما ذكرنا يعلم أنّه لماذا ألقى الألواح وتركها جانباً ؟ فلم يكن ذاك العمل إلاّ كردّ فعلٍ على عملهم القبيح وفعلهم الفظيع إلى حد استولى الغضب على موسى فألقى الألواح، التي ظل أربعين يوماً في الميقات لتلقّيها، حتى يحاسب القوم حسابهم ويقفوا على أنّهم أتوا بأعظم الجرائم وأكبر المعاصي.

____________________

١ - الأعراف: ١٥٢.

٢ - طه: ٩٥ - ٩٨.

١٧٢

- ٦ -

عصمة داودعليه‌السلام وقضاؤه في النعجة

قد وصف سبحانه داود النبيعليه‌السلام بأسمى ما توصف به الشخصية المثالية، قال سبحانه:( واذكر عَبدنا داود ذا الأيدِ إنّه أوّاب ) .

وقد ذكر ملكه وسلطنته على الجبال والطيور على وجه يمثّل أقوى طاقة نالها البشر طيلة استخلافه على الأرض.

قال سبحانه:( إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيّ وَ الإشراقِ * وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلّ لَهُ أَوَّابٌ * وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ ) (١) .

فقد أخبر في الآية الأخيرة بأنّه أُوتي الحكمة وفصل الخطاب، الذي يعد القضاء الصحيح بين المتخاصمين من فروعه وجزئياته.

ثمّ إنّه سبحانه ينقل بعده قضاءه في ( نبأ الخصم ) ويقول:

( وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ * إِذْ دَخَلُوْا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلاَ تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ * إِنَّ هَذَا أخي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ * قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ

____________________

١ - ص: ١٨ - ٢٠.

١٧٣

نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَليلٌ مَا هُمْ وَظَّنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ * فَغَفَرَنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ * يَا دَاوُدُ إنّا جَعَلْناكَ خَلِيَفَةً فِي الأرضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبيِلِ اللهِ ) (١) .

لقد تمسكت المخطّئة لعصمة الاَنبياء بقوله تعالى:( فاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ * فَغَفَرَنَا لَهُ ذَلِكَ ) حيث إنّ الاستغفار وغفرانه سبحانه له، آية صدور الذنب.

والإجابة عن هذا الاستدلال تحتاج إلى بيان مفردات الآية وإيضاح القصة فنقول:

إنّ تفسير الآية يتم ببيان عدّة أُمور:

١- توضيح مفرداتها.

٢- إيضاح القصة.

٣- هل الخصمان كانا من جنس البشر ؟

٤- لماذا استغفر داود، وهل كان استغفاره للذنب أو لأجل ترك الأولى ؟

وإليك بيان هذه الأمور:

١- توضيح المفردات

( الخصم ): مصدر ( الخصومة )، أُريد به الشخصان.

____________________

١ - ص: ٢١ - ٢٦.

١٧٤

( التسوّر ): الارتقاء إلى أعلى السور، وهو ما كان حائطاً، ( كالتسنّم ) بمعنى الارتقاء إلى سنام البعير، و ( التذرّي ) بمعنى الارتقاء إلى ذروة الجبال، والمراد من المحراب في الآية الغرفة.

( الفزع ): انقباض ونفار يعتري الإنسان من الشيء المخيف، وهو من جنس الجزع.

( الشطط ): الجور.

( النعجة ): الأُنثى من الضأن.

والمراد من قوله: ( اكفلنيها ): اجعلها في كفالتى وتحت سلطتى، ومن قوله ( عزّني في الخطاب): أنّه غلبنى فيه.

هذا كله راجع إلى توضيح مفردات الآية.

٢- إيضاح القصّة

كان داودعليه‌السلام جالساً في غرفته إذ دخل عليه شخصان بغير إذنه، وكانا أخوين يملك أحدهما تسعاً وتسعين نعجة ويملك الآخر نعجة واحدة، وطلب الأوّل من أخيه أن يعطيه النعجة التي تحت يده، مدّعياً كونه محقّاً فيما يقترحه على أخيه، وقد ألقى صاحب النعجة الواحدة كلامه على وجهٍ هيّج رحمة النبي داود وعطفه.

فقضىعليه‌السلام طبقاً لكلام المدّعي من دون الاستماع إلى كلام المدّعى عليه، وقال:( لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه ) .

ولما تنبّه أنّ ما صدر منه كان غير لائق بساحته، وأنّ رفع الشكوى إليه كان فتنة وامتحاناً منه سبحانه بالنسبة إليه( فاستغفر ربّه وخرّ راكعاً وأناب ) .

١٧٥

٣ - هل الخصمان كانا من جنس البشر ؟

إنّ القرائن الحافّة بالآية تشعر بأنّ الخصمين لم يكونا من جنس البشر، وهذه القرائن عبارة عن:

١ - تسوّرهم المحراب ودخولهم عليه دخولاً غير عادي، مع أنّ طبع الحال يقتضي أن يكون محرابه محفوفاً بالحرس، ولا أقل بمَن يطلعه على الأمر، فلو كان الدخول بإذنهم كان داودعليه‌السلام مطّلعاً عليه ولم يكن هناك أيّ فزع.

٢- خطاب الخصمين لداودعليه‌السلام بقولهم:( لا تخف ) مع أنّ هذا الخطاب لا يصح أن تخاطب به الرعية الراعي، وطبيعة الحال تقتضي أن يخاطب به الراعي الرعيّة.

٣ - إنّ خطابهما لداود بما جاء في الآية، أشبه بخطاب ضيف إبراهيم لهعليه‌السلام ، يقول سبحانه:( وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاماً قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ * قَالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ ) (١) ، ويقول سبحانه:( فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ ) (٢) .

٤ - تنبّههعليه‌السلام بأنّه كان فتنة من الله له وامتحاناً منه، وهي تشعر بأنّ الواقعة لم تكن عادية، وهذا يناسب كون الدعوى مطروحة من جانبه سبحانه عن طريق الملائكة.

٥ - إنّ الهدف من طرح تلك الواقعة كان لغاية تسديده في خلافته وحكمه بين الناس؛ حتى يمارس القضاء بالنحو اللائق بساحته، ولا يغفل عن التثبت

____________________

١ - الحجر: ٥١ - ٥٣.

٢ - الذاريات: ٢٨.

١٧٦

ولأجل ذلك خاطبه سبحانه بعد قضائه في ذلك المورد بقوله:( يا داود إنّا جعلناك خليفة في الأرضِ فاحكم بين الناس بالحق ) كل ذلك يؤيّد كون الخصمين من الملائكة تمثّلوا له بصورة رجلين من الإنس.

نعم كانت القصّة وطرح الشكوى عنده أمراً حقيقياً كقصّة ضيف إبراهيم (عليه الصلاة والسلام) لا بصورة الرؤيا وما أشبهها.

٤ - كون الاستغفار لأجل ترك الأولى

استدلت المخطّئة باستغفاره وإنابته إلى الله، على صدور ذنب منه ولكنّه لا يدل على ذلك:

أمّا أوّلاً : إنّ قضاءه لم يكن قضاء باتّاً خاتماً للشكوى، بل كان قضاءً على فرض السؤال، وإنّ مَن يملك تسعاً وتسعين نعجة ولا يقتنع بها ويريد ضمّ نعجة أخيه إليها، ظالم لأخيه، وكان المجال بعد ذلك بالنسبة إلى المعترض مفتوحاً وإن كان الأولى والأليق بساحته هو أنّه إذا سمع الدعوى من أحد الخصمين، أن يسأل الآخر عمّا عنده فيها ولا يتسرّع في القضاء ولو بالنحو التقديري.

وإنّما بادر إليه لأنّهعليه‌السلام فوجئ بالقضية ودخل عليه المتخاصمان بصورة غير عادية فلم يظهر منه التثبّت اللائق به.

ولمّا تنبّه إلى ذلك وعرف أنّ ما وقع، كان فتنة وامتحاناً من الله بالنسبة إليه( استغفر ربّه وخرّ راكعاً وأناب ) تداركاً لما صدر منه ممّا كان الأولى تركه أوّلاً، وشكراً وتعظيماً لنعمة التنبّه الذي نال به فوراً بعد الزلّة ثانياً.

وثانياً : إنّ من الممكن أن يكون قضاؤه قبل سماع كلام المدّعى عليه؛ لأجل انكشاف الواقع له بطريق من الطرق وأنّ الحق مع المدّعي، فقضى بلا استماع

١٧٧

لكلام المدّعى عليه، نعم الأولى له حتى في هذه الصورة ترك التسرّع في إصدار الحكم، والقضاء بعد الاستماع، ولمّا ترك ما هو الأولى بحاله استغفر لذلك، وقد تكرّر منّا، أنّ ترك الأولى من الأنبياء ذنب نسبي وإن لم يكن ذنباً على وجه الإطلاق.

وثالثاً: لمّا كانت الشكوى مرفوعة إليه من قبل الملائكة، ولم يكن ذلك الظرف ظرف التكليف، كانت خطيئة داود في ظرف لا تكليف هناك، كما أنّ خطيئة آدمعليه‌السلام كانت في الجنّة ولم تكن الجنّة دار تكليف، ومع ذلك كلّه لمّا كان التسرّع في القضاء بهذا الوجه أمراً مرغوباً عنه استغفر داود وأناب إلى الله استشعاراً بخطر المسؤولية بحيث يعد ترك الأولى منه ذنباً يحتاج إلى الاستغفار.

نعم قد وردت في التفاسير أحاديث في تفسير الآية - لا يشك ذو مسكة من العقل - أنّها إسرائيليات تسرّبت إلى الأُمّة الإسلامية عن طريق أحبار اليهود ورهبان المسيحية، فالأولى الضرب عنها صفحاً، وسياق الآيات يكشف عن أنّ زلّته لم تكن إلاّ في أمر القضاء فقط لا ما تدّعيه جهلة الأحبار من ابتلائه بما يخجل القلم عن ذكره؛ ولأجله يقول الإمام عليعليه‌السلام في حق مَن وضع هذه الترّهات أو نسبها إلى النبي داودعليه‌السلام : ( لا أُوتى برجل يزعم أنّ داود تزوج امرأة ( أُوريا ) إلاّ جلدته حدّين: حدّاً للنبوّة وحدّاً للإسلام )(١) .

____________________

١ - مجمع البيان: ٤/٤٧٢ ط المكتبة العلمية الإسلامية - طهران.

١٧٨

- ٧ -

عصمة سليمانعليه‌السلام

ومسألة عرض الصافنات الجياد وطلب الملك

إنّ سليمان النبيعليه‌السلام أحد الأنبياء وقد ملك من القدرة أروعها ومن السيطرة والسطوة أطولها، وآتاه الله الحكم والحلم والعلم، قال سبحانه:( وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً ) (١) ، وقال عز من قائل:( وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْمَاً وَعِلْمَاً ) (٢) ، وعلّمه منطق الطير قال سبحانه:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ ) (٣) ، ووصف الله قدرته بقوله:( وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ والإنسِ وَالطَّيْرِ ) (٤) ، إلى غير ذلك من الآيات الواردة في توصيف قدرته وسعة علمه وعلوّ درجاته.

روى أصحاب السِيَر: كان سليمان صلّى الصلاة الأُولى، وقعد على كرسيّه والخيل تعرض عليه حتى غابت الشمس فقال:( آثرت حبَّ الخيل على ذكر ربّي، وأنّ هذه الخيل شغلتني عن صلاة العصر ) فأمر بردّ الخيل فأخذ يضرب سوقها وأعناقها؛ لأنّها كانت سبب فوت صلاته(٥) .

____________________

١ - النمل: ١٥.

٢ - الأنبياء: ٧٩.

٣ - النمل: ١٦.

٤ - النمل: ١٧.

٥ - تفسير الطبري: ٢٣/٩٩ - ١٠٠؛ الدر المنثور: ٥/٣٠٩.

١٧٩

وفي بعض التفاسير أنّ المراد من ( ردّوها ) هو طلب ردّ الشمس عليه، فردّت فصلّى العصر(١) .

ويدّعي بعض هؤلاء أنّ ما ساقوه من القصّة تدل عليه الآيات التالية، أعني قوله سبحانه:( وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدِ إِنَّهُ أوَّابٌ * إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ * فَقَالَ إِنّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * رُدُّوهَا عَلَيّ فَطَفِقَ مَسْحَاً بِالسُّوقِ وَالأعْنَاقِ ) (٢) .

فهل لما ذكروه مسحة من الحق أو لمسة من الصدق، أو أنّ الآيات تهدف إلى أمرٍ آخر خفيٍّ على هؤلاء، وأنّهم أخذوا ما ذكروه من علماء أهل الكتاب، كما سيوافيك بيانه ؟

ونقد هذه القصّة المزعومة يتوقّف على توضيح مفاد الآيات حتى يقف القارئ على أنّ-ها من قبيل التفسير بالرأي، الممنوع، ومن تلفيقات علماء أهل الكتاب التي حمّلت على القرآن وهو بريء منها.

أقول:

١ -( الصافنات ) : جمع ( الصافنة )، وهي الخيل الواقفة على ثلاث قوائم، الواضعة طرف السنبك الرابع على الأرض حتى يكون على طرف الحافر.

٢ -( الجياد ) : جمع ( الجواد ) ،وهي السراع من الخيل، كأنّها تجود بالركض.

٣ -( الخير ) : ضد ( الشر )، وقد يُطلق على المال كما في قوله سبحانه:( إنْ تَرَكَ خَيراً ) (٣) ، والمراد منه هنا هي ( الخيل )، والعرب تسمّي الخيل خيراً، وسمّى

____________________

١ - مجمع البيان ناسباً إلى ( القيل ) : ٤/٤٧٥.

٢ - ص: ٣٠ - ٣٣.

٣ - البقرة: ١٨٠.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

وعاد من عاداه »، وهذا حديث صحيح لا مرية فيه »(١) .

وبمثله قال ابن حجر في ( الصواعق ٩٠ ) وابن باكثير في ( وسيلة المآل - مخطوط ) ونقل العجيلي هذا المعنى عن ( الصواعق ) في ( ذخيرة المآل ) كما سيأتي.

وبعد هذا: فلايبقى ريب في ان حديث الثقلين دليل قوي متين على خلافة عليعليه‌السلام بلا فصل بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والحمد لله على ذلك

وسيأتي مزيد توضيح لهذا الذي ذكرناه، وعليك بمراجعة حديث ام سلمة الذي رواه جماعة من علماء أبناء السنة.

كما سيأتي ان شاء الله تعالى احتجاج أمير المؤمنينعليه‌السلام نفسه بحديث الثقلين في الشورى، ولو لا تقدمهعليه‌السلام في هذا الباب لأنكر عليه أهل الشورى احتجاجه

ولقد تحققت خصوصية أمير المؤمنينعليه‌السلام بالمزايا المذكورة في حديث الثقلين عند المحدثين والحفاظ من أهل السنة، ولذا فقد أورد مسلم حديث الثقلين في ( الصحيح ) في باب فضائله بين حديث خيبر وحديث تكنيته بأبي تراب، كما لا يخفى على من راجعه.

وهكذا أورده النووي في ( تهذيب الأسماء واللغات ) في أحوالهعليه‌السلام بين حديث المباهلة وحديث الولاية.

كما جعل سعيد الدين الفرغاني في ( شرح التائية ) - حديث الثقلين مماثلا لحديث « المنزلة » وحديث « مدينة العلم » في الدلالة على وراثتهعليه‌السلام العلم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووصية النبي به كما علمت ذلك سابقاً.

وعلى ذلك كله: فلا مجال لانكار دلالة حديث الثقلين على امامة علي

__________________

(١). جواهر العقدين - مخطوط.

٢٦١

أمير المؤمنينعليه‌السلام .

تكميل

ان حديث الثقلين كما يدل على امامة الأئمة الاثني عشر من أهل البيتعليهم‌السلام وامامة عليعليه‌السلام بلا فصل بعد رسول الله، كذلك يدل على وجود الامام الثاني عشر الحجة المنتظر وبقائه عجل الله تعالى ظهوره.

وذلك لان هذا الحديث يدل على عدم افتراق الكتاب والعترة الى يوم القيامة وحتى الورود على الحوض، فكما ان القرآن باق الى يوم القيامة فكذلك يجب وجود من يكون أهلا للتمسك والاقتداء به، واماماً للزمان وحجة للوقت من العترة الطاهرة الى يوم القيامة.

وقد نص جماعة من علماء أهل السنة الاعلام على هذه الحقيقة في كتبهم:

فقد قال السمهودي في تنبيهات حديث الثقلين: « ثالثها »: ان ذلك يفهم وجود من يكون أهلا للتمسك به من أهل البيت والعترة الطاهرة في كل زمان وجدوا فيه الى قيام الساعة، حتى يتوجه الحث المذكور الى التمسك به، كما ان الكتاب العزيز كذلك، ولهذا كانوا - كما سيأتي - أماناً لأهل الأرض، فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض »(١) .

وقد نقل عنه كلامه هذا كل من المناوي في ( فيض القدير ٣ / ١٥ ) والزرقانى في ( شرح المواهب اللدنية ٧ / ٨ ).

وقال ابن حجر ما نصه: « وفي أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت إشارة الى عدم انقطاع مستأهل منهم للتمسك به الى يوم القيامة، كما ان الكتاب العزيز كذلك، ولهذا كانوا أماناً لأهل الأرض كما

__________________

(١). جواهر العقدين - مخطوط.

٢٦٢

سيأتي، ويشهد لذلك الخبر السابق « في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي »(١) .

وقال العجيلي: « وهم الحافظون لكتاب الله وخلافة رسوله لا يفارقونها الى يوم القيامة، لا بد من قيام قائم لله بحجة منهم ووارث نبوته وخلافة رسوله، فمنهم الظاهر ومنهم المختفي، حتى يكون خاتمتهم في الوراثة المهدي، ولهذا يتقدم عيسى بن مريم، وتقدم ان قطب الأولياء الذي به صلاح العلم لا يكون الا منهم »(٢) .

وهكذا قال آخرون منهم: شهاب الدين الدولت آبادي في ( هداية السعداء ) وحسن زمان في ( القول المستحسن )

وسيأتي ما يدل على ذلك من خطبة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخطبة الامام الحسن السبطعليه‌السلام

١٣ - دلالة الحديث كبعض الايات

ان حديث الثقلين من شواهد قوله تعالى:( قُلْ لا أَسْألُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) وقوله عز وجل:( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) وقد ذكرنا في ( المنهج الاول ) دلالة الايتين على امامة أهل البيتعليهم‌السلام ، فالحديث اذاً كذلك

اما بالنسبة الى دلالته على وجوب مودتهم - كالاية - فإليك بعض الكلمات من كبار علماء أبناء السنة:

قال السخاوي بعد أن ذكر الحديث « وناهيك بهذا الحديث العظيم فخراً لأهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لان قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انظروا كيف تخلفوني، واوصيكم بعترتي خيراً، واذكركم الله في أهل بيتي - على

__________________

(١). الصواعق المحرقة: ٩٠.

(٢). ذخيرة المآل - مخطوط.

٢٦٣

اختلاف الالفاظ في الروايات التي اوردتها - يتضمن الحث على المودة لهم والإحسان إليهم والمحافظة بهم واحترامهم وإكرامهم وتأدية حقوقهم الواجبة والمستحبة، فإنهم من ذرية طاهرة من أشرف بيت وجد على وجه الأرض فخراً وحسباً ونسباً »(١) .

وقال الجلال السيوطي في تفسير آية المودة: « أخرج الترمذي وحسنه وابن الانباري في المصاحف عن زيد بن أرقمرضي‌الله‌عنه ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: انّى تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الأرض، وعترتي اهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما »(٢) .

وروى حديث الثقلين عبد الوهاب البخاري في ( تفسير أنورى ) بتفسير آية المودة عن أبي سعيد الخدري.

والخطيب الشربيني بتفسير الاية عن زيد بن أرقم(٣)

وقال القاري بشرح الحديث: « والمعنى أنبهكم حق الله في محافظتهم ومراعاتهم واحترامهم وإكرامهم ومحبتهم ومودتهم »(٤) .

وقال نقلا عن الطيبي: « ولعل السر في هذه الوصية واقتران العترة بالقرآن إيجاب محبتهم، وهو لائح من معنى قوله تعالى:( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً ) (٥)

وقال البدخشانى: « ثم اعلم ان محبتهم واجبة وبغضهم حرام على كل مؤمن ومؤمنة بدليل قوله تعالى:( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ ) وأخرج مسلم عن

__________________

(١). استجلاب ارتقاء الغرف - مخطوط.

(٢). الدر المنثور ٦ / ٧.

(٣). السراج المنير ٥ / ٥٣٨.

(٤). المرقاة ٥ / ٥٩٤.

(٥). المرقاة ٥ / ٦٠١.

٢٦٤

زيد بن أرقم قال: قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوماً فيناً خطيباً »(١) .

وهكذا قال جماعة آخرون، كالقارى ( شرح الشفاء ٣ / ٤١٠ هامش نسيم الرياض ) والمناوى ( فيض القدير ٣ / ١٤ ) والشيخ عبد الحق ( أشعة اللمعات ٤ / ٦٧٧ ) والزرقانى ( شرح المواهب ٧ / ٧ )

وأما بالنسبة الى الآية الثانية وهي قوله تعالى:( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئولُونَ ) فان حديث الثقلين جاء شاهداً لها في عبارات كثير من علماء أبناء السنة:

فقد قال السمهودي بعد ذكر طرق حديث الثقلين، في التنبيه الرابع: « وقال الحافظ جمال الدين الزرندي عقب حديث: « من كنت مولاه فعلى مولاه »: قال الامام الواحدي: هذه الولاية التي أثبتها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسئول عنها يوم القيامة، وروى في قوله تعالى:( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئولُونَ ) : عن ولاية علي واهل البيت، لان الله أمر نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان يعرف الخلق انه لا يسألهم على تبليغ الرسالة أجراً الا المودة في القربى، والمعنى: انهم يسألون هل والوهم حق الموالاة كما أوصاهم النبي أم أضاعوها وأهملوها، فيكون عليهم المطالبة والتبعة - انتهى.

قلت: وقوله « وروي في قوله تعالى » يشير الى ما أخرجه الديلمي عن ابى سعيد الخدريرضي‌الله‌عنه وقفوهم انهم مسئولون عن ولاية علي بن ابى طالبرضي‌الله‌عنه ، ويشهد لذلك قوله في بعض الطرق المتقدمة: والله سائلكم كيف خلفتموني في كتابه وأهل بيتي ».

وراجع أيضاً ما ذكره بعد آية المودة من ( جواهر العقدين ).

ونقل كلام الواحدي وحديث ابى سعيد المتقدم شاهداً للاية الكريمة كل من ( الصواعق ٨٩ - ٩٠ ) والشيخانى في ( الصراط السوى - مخطوط ) و ( تحفة المحبين - مخطوط )، والمولوى ولى الله اللكهنوى في ( مرآة المؤمنين - مخطوط ) قال: « الآية السادسة قوله تعالى:( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئولُونَ ) روى

__________________

(١). نزل الابرار: ٦.

٢٦٥

الواحدي انهم مسؤلون عن ولاية على واهل البيت

وفي الباب أحاديث كثيرة، أخرج مسلم عن زيد بن أرقم قال: قام فينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطيباً فحمد الله وأثنى عليه قال: أما بعد أيها الناس! انما أنا بشر مثلكم ».

وذكر المولوي محمد مبين في ( وسيلة النجاة ) أن الآية الكريمة:( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئولُونَ ) يدل على أن جميع أفراد البشر مسئولون يوم الحشر عما قابلوا به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله على ونبينا وعليه وأهل بيت خير البشر، وهل أدوا حق موالاتهم كما هو حقه أو لا؟ وهل امتثلوا ما أمرهم به رسول الله من اطاعتهم والانقياد لأوامرهم أم تخلفوا عن ذلك؟ ولهذا فقد روى مسلم عن زيد بن أرقم انه قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوماً فينا خطيباً بموضع فيه ماء يدعى خماً ».

١٤ - دلالة الحديث على عصمة الأئمة من أهل البيت

ان حديث الثقلين يدل على عصمة أهل البيت عليهم الصلاة والسّلام وذلك:

١ - لان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر فيه باتباع أهل البيتعليهم‌السلام ، وحاشاهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يأمر باتباع الخاطئين والمخالفين للكتاب والسنة.

٢ - لأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرنهم بالكتاب وأمر باتباعهما معا، فكما ان الكتاب منزه من كل باطل، فأهل البيتعليهم‌السلام كذلك.

٣ - لانه جعل التمسك بهم مانعاً من الضلال كالكتاب، ومن كان جائزاً عليه الضلال لا يكون مانعاً منه

٤ - لانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صرح بعدم الافتراق بين الكتاب والعترة، أي فإنهم لا يخالفونه في وقت من الأوقات.

٥ - لانه صرح في بعض طرقه بقوله « هذا علي مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض » وهذا تخصيص بعد تعميم

٢٦٦

راجع: ( جواهر العقدين - مخطوط ) و ( الصواعق المحرقة ) و ( وسيلة المآل - مخطوط ) و ( الصراط السوى - مخطوط ) وغيرها.

٦ - لانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا لعليعليه‌السلام كما في بعض ألفاظه قائلا « اللهم أدر الحق معه حديث كان » انظر ( السيرة الحلبية ٣ / ٣٣٦ ) و ( مدارج النبوة ٢ / ٥٢٠ ) و ( روضة الأحباب - مخطوط ) وغيرها.

٧ - لانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال كما في بعض ألفاظ الحديث « ناصرهما لي ناصر وخاذلهما لي خاذل ووليهما لي ولى وعدوهما لي عدو » فجعلهما كنفسه في العصمة راجع ( المناقب لابن المغازلي ١٨ ) و ( نظم درر السمطين ) و ( الصراط السوى - مخطوط ) وغيرها.

٨ - لانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال كما في بعض ألفاظه في حق اهل البيت: « وانهم لن يخرجوكم من باب هدى ولن يدخلوكم في باب ضلالة » رواه ابو نعيم الاصبهاني في ( منقبة المطهرين - مخطوط ) بسنده عن البراء بن عازب.

٩ - لانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين في بعض ألفاظ حديث الثقلين عصمتهم بصراحة، فقد جاء في ( الأربعين في فضائل امير المؤمنين لابي عبد الله محمد ابن مسلم الرازي - مخطوط ): « وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي، فهما خليفتان بعدي، أحدهما اكبر من الآخر، سبب موصول من السماء الى الأرض، فان استمسكتم بهما لن تضلوا فإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض يوم القيامة، فلا تسبقوا أهل بيتي في القول فتهلكوا، ولا تقصروا عنهم فتذهبوا، فان مثلهم فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها هلك، ومثلهم فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها هلك، ومثلهم فيكم كمثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له، ألا وان أهل بيتي أمان أمتي، فإذا ذهب أهل بيتي جاء أمتي ما يوعدون، ألا وان الله عصمهم من الضلالة، وطهرهم من الفواحش واصطفاهم على العالمين، ألا وان الله أوجب محبتهم

٢٦٧

وأمر بمودتهم، ألا وانهم الشهداء على العباد في الدنيا ويوم المعاد، ألا وانهم أهل الولاية الدالون على طريق الهداية، ألا وان الله فرض لهم الطاعة على الفرق والجماعة، فمن تمسك بهم سلك، ومن حاد عنهم هلك، ألا وان العترة الهادية الطيبين دعاة الدين وأئمة المتقين وسادة المسلمين وقادة المؤمنين وأمناء رب العالمين على البرية أجمعين، الذين فرقوا بين الشك واليقين وجاءوا بالحق المبين ».

والعصمة مستلزمة للامامة كما ثبت في محله.

والى كونهمعليهم‌السلام معصومين - بمقتضى الكتاب والسنة ولا سيما حديث الثقلين - ذهب جماعة من كبار علماء اهل السنة:

فقد قال الرازي بتفسير قوله تعالى:( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) « ان الله تعالى أمر بطاعة أولي الامر على سبيل الجزم في هذه الآية، ومن امر الله تعالى بطاعته على الجزم والقطع لا بد ان يكون معصوماً عن الخطاء، اذ لو لم يكن معصوماً من الخطاء لكان بتقدير اقدامه على الخطأ يكون قد امر الله تعالى بمتابعته، فيكون ذلك امرا بفعل ذلك الخطأ، والخطأ لكونه خطأ يكون منهيا عنه، فهذا يفضي الى اجتماع الأمر والنهى في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد وهو محال، فثبت ان الله امر بطاعة اولى الأمر على سبيل الجزم، وثبت ان كل من امر الله بطاعته على سبيل الجزم وجب ان يكون معصوماً عن الخطأ، فثبت قطعاً ان اولى الامر المذكور في هذه الآية لا بد وان يكون معصوماً »(١) .

ولما ثبت قطعاً ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد امر بطاعة اهل البيتعليهم‌السلام ثبت بالضرورة عصمتهم، وحكم الرسول حكم الله لقوله عز وجل:( وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى ) .

وقال ابن حجر الهيتمي في ( المنح المكية في شرح القصيدة الهمزية ):

__________________

(١). تفسير الرازي ٣ / ٣٥٧.

٢٦٨

« وفي الحديث: انّى تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي، كتاب الله وعترتي، فليتأمل كونه قرنهم بالقرآن في ان التمسك بهما يمنع الضلال ويوجب الكمال ».

واليه اشار الجلال السيوطي في خطبة كتابه ( الأساس ) إذ قال: « الحمد لله الذي وعد هذه الامة المحمدية بالعصمة من الضلالة ما ان تمسكت بكتابه وعترة نبيه، وخص آل البيت النبوي من المناقب الشريفة ما قامت عليه الأحاديث الصحيحة بساطع البرهان وجليه ».

وقال ابن حجر بعد أن ذكر الحديث: « ثم الذين وقع الحث عليهم منهم انما هم العارفون بكتاب الله وسنة رسوله، إذ هم الذين لا يفارقون الكتاب الى الحوض، ويؤيده الخبر السابق: لا تعلموهم فإنهم اعلم منكم، وتميزوا بذلك عن بقية العلماء، لان الله أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً وشرفهم بالكرامات الباهرة والمزايا المتكاثرة. وقد مر بعضها »(١) .

وبمثله قال ولي الله اللكهنوي في ( مرآة المؤمنين - مخطوط ).

وقال السندي في شرحه للحديث: « وفيه من تأكد اخبار كونهم على الحق كالقرآن وصونهم ابداً عن الخطأ كالوحي المنزل ما لا يخفى على الخبير »(٢) .

وقال الشهاب الدولت آبادي: « وفي ( المصابيح ) و ( المشكاة ) عن زيد ابن أرقم قال: قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: انّي تارك فيكم ما ان تمسكتم به

وهذا الحديث دليل على انهم مع القرآن، ولا يزول ايمانهم في حال النزع »(٣) .

__________________

(١). الصواعق: ٩٠.

(٢). دراسات اللبيب ٢٣٣.

(٣). هداية السعداء - مخطوط.

٢٦٩

١٥ - دلالة الحديث على اعلمية أهل البيت

ان حديث الثقلين يدل على اعلمية أهل البيتعليهم‌السلام وذلك:

١ - لانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبر عنهم مع الكتاب بـ « الثقلين »، وهو يفيد الاعلمية كما ذكر جماعة منهم: ابن حجر في ( الصواعق ٩٠ ) والسمهودي في ( جواهر العقدين - مخطوط ).

هذا ومن جهة أخرى فقد ذكر العلماء من أهل السنة في بيان وجه تسمية الكتاب والعترة بالثقلين أنه « يستصلح بهما الدين ويعمر » تجد ذلك في ( الفائق للزمخشري ١ / ٨٠ ) و ( الكاشف للطيبي - مخطوط ) و ( المرقاة للقاري ٥ / ٥٩٣ ) و ( نسيم الرياض للخفاجي ) وغيرها

وهذا دليل آخر على الاعلمية.

٢ - لانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرن أهل بيتهعليهم‌السلام فيه بالكتاب

٣ - لانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم امر فيه الخلق بأخذ العلم منهم، ولو كان في أصحابه أو غيرهم من هو اعلم منهم لارجع الامة اليه من بعده، وقد صرح بأمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأخذ العلم من أهل البيت جماعة منهم: التفتازاني في ( شرح المقاصد ) وابن حجر في ( الصواعق ) والسمهودي في ( جواهر العقدين ) وغيرهم مستفيدين ذلك من حديث الثقلين.

٤ - لان مفاد هذا الحديث انتقال علومهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى أميرالمؤمنين عليعليه‌السلام بالوراثة. كما صرح بذلك سعيد الفرغاني في ( شرح تائية ابن الفارض ). وهذا دليل صريح على اعلميتهعليه‌السلام

٥ - لانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال كما في بعض ألفاظ الحديث: « انهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، سألت ربي ذلك لهما، فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم » وسيأتي ذكر من روى هذا اللفظ من الحديث من علماء أهل السنة.

وروى الشيخ القندوزي حديث الثقلين وفيه: « فتعلموا منهم ولا تعلموهم فانهم أعلم منكم » وهذا نصه:

٢٧٠

« وفي ( المناقب ) عن أحمد بن عبد الله بن سلام عن حذيفة بن اليمانرضي‌الله‌عنه قال: صلى بنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الظهر، ثم أقبل بوجهه الكريم إلينا فقال: معاشر أصحابي، أوصيكم بتقوى الله والعمل بطاعته، وأني ادعى فأجيب وانّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ان تمسكتم بهما لن تضلوا، وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فتعلموا منهم ولا تعلموهم فإنهم اعلم منكم »(١) .

ورواه بهذه الالفاظ عن الامام الحسينعليه‌السلام أيضاً كما سيأتي.

٦ - لانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال كما في بعض ألفاظه: « فلا تسبقوا أهل بيتي فتفرقوا ولا تخلفوا عنهم فتضلوا ولا تعلموهم فهم أعلم، وانهم لن يخرجوكم من باب هدى ولن يدخلوكم في باب ضلالة، أحلم الناس كباراً وأعلمهم صغاراً ». رواه أبونعيم في ( منقبة المطهرين - مخطوط ).

والاعلمية تستلزم الامامة كما تبين في مجلد ( حديث مدينة العلم ).

هذا وقد صرح جماعة بأعلمية أهل البيتعليهم‌السلام واعترفوا بأنهم مثل كتاب الله تعالى في وجوب التمسك به وأخذ العلم منه فقد قال القاري:

« وأقول: الأظهر هو أن أهل البيت غالباً يكونون أعرف بصاحب البيت وأحواله، فالمراد بهم أهل العلم منهم، المطلعون على سيرته، الواقفون على طريقته، العارفون بحكمه وحكمته، وبهذا يصلح ان يكونوا عدلا لكتاب الله سبحانه كما قال: وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ »(٢) .

وقال السمهودي في تنبيهاته: « ثانيها: الذين وقع الحث على التمسك بهم من أهل البيت النبوي والعترة الطاهرة، هم العلماء بكتاب الله عز وجل، إذ لا يحثصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على التمسك بغيرهم، وهم الذين لا يقع بينهم وبين الكتاب افتراق حتى يردا الحوض، ولهذا قال لا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا

__________________

(١). ينابيع المودة ٣٥.

(٢). المرقاة ٥ / ٦٠٠.

٢٧١

عنهما فتهلكوا »(١) .

وبمثله قال ابن حجر في ( الصواعق ٩٠ ).

١٦ - افضلية اهل البيت في الحديث

ان حديث الثقلين يدل على افضلية أهل البيتعليهم‌السلام ، وذلك:

١ - لان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرنهم فيه بالكتاب العزيز، ولم يقرن غيرهم به

قال التفتازاني في ( المقاصد ) « وفضل العترة الطاهرة لكونهم أعلام الهداية، وأشياع الرسالة، على ما يشير اليه ضمهم الى كتاب الله في إنقاذ المتمسك بهما عن الضلالة ».

وبه صرح الشهاب الدولت آبادي في ( هداية السعداء ) ثم قال: « قوله: - كتاب الله وعترتي، ذكر بالعطف، قال الشيخ الامام عبد القاهر الجرجاني: العطف هو الجمع بين الشيئين في الحكم، والأصل فيه الواو، وهو لمطلق الجمع عندنا اى الجمع بين المعطوف والمعطوف عليه في الحكم الذي هو الإثبات أو النفي، وعليه عامة أهل اللغة وأئمة الفتوى ».

٢ - لانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبر عن الكتاب والعترة بالثقلين وهذا بوحده دليل مبين على عظمتهما وكبر شأنهما، وعلو مقامها.

قال ابن الأثير في ( النهاية ) في - ثقل -: « ويقال لكل خطير نفيس: ثقل، فسماهما ثقلين اعظاماً لقدرهما، وتفخيماً لشأنهما ».

وبمثله قال الازهري في ( تهذيب اللغة ) عن ثعلب، والثعلبي في ( الكشف والبيان - مخطوط )، والبغوي في ( معالم التنزيل ٧ / ٦ )، وابن الاثير

__________________

(١). جواهر العقدين - مخطوط.

٢٧٢

في ( جامع الاصول )، والنووي في ( المنهاج ٩ / ٣٦٦ )، وابن منظور في ( لسان العرب ) عن الأزهري، والخازن في ( تفسيره ٧ / ٦ )، وأبوحيان في ( البحر المحيط ٨ / ١٩٤ )، والفيروزآبادي في ( القاموس )، والسيوطي في ( النثير )، وابن خلفه في ( إكمال الإكمال )، والسنوسى في ( مكمل الاكمال )، والقسطلاني في ( المواهب اللدنية بشرح الزرقاني ٧ / ٦ )، وابن حجر في ( الصواعق ٩٠ ) وكثيرون غيرهم

وقال سبط ابن الجوزي بعد أن ذكر الحديث: « والثقلان الخطيران العظيمان »(١) .

وقال الكنجي: « وأما الثقلان فأحدهما كتاب الله عز وجل والآخر عترة النبي وأهل بيته، وهما اجل الوسائل، وأكرم الشفعاء عند الله عز وجل »(٢) .

٣ - لأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم امر باتباع أهل البيت، والتمسك بهم في جميع أمورهم الدينية والدنيوية، والمتبع المتمسك به أعلى وأفضل وأجل من غيره قطعاً

٤ - لانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل التمسك بأهل بيته كالتمسك بالكتاب العظيم، ولو كان من هو افضل منهم لجعله

٥ - لان قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ولن يفترقا حتى يردا على الحوض » يفيد انهما لن يفترقا في العظمة والفضل والشرف في الدنيا والعقبى ( حتى يردا على الحوض )

قاله الشهاب الدولت آبادي في ( هداية السعداء ).

٦ - لان في هذا الحديث - بالاضافة الى ما ذكر - شواهد وأدلة على أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأمر بتعظيم أهل بيتهعليهم‌السلام وتوقيرهم: -

__________________

(١). تذكرة خواص الامة ٣٢٣.

(٢). كفاية الطالب ٧٧.

٢٧٣

فقد قال الكاشفى في شرحه: « والثاني: أهل بيتي، اذكركم الله في أهل بيتي، وفي تكراره هذا الكلام ثلاثاً دليل واضح على تعظيم اهل البيت ومحبتهم ومتابعتهم »(١) .

وقال السمهودي في تنبيهاته: « خامسها: قد تضمنت الأحاديث المتقدمة الحث البليغ على التمسك بأهل البيت النبوي وحفظهم واحترامهم والوصية بهم، لقيامهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك خطيباً يوم غدير خم، كما في أكثر الروايات المتقدمة، مع ذكره لذلك في خطبته يوم عرفة على ناقته كما في رواية الترمذي عن جابر، وفي خطبته لما قام خطيبا بعد انصرافه من حصار الطائف كما في رواية عبد الرحمن بن عوفرضي‌الله‌عنه ، وفي مرضه الذي قبض فيه وقد امتلأت الحجرة من أصحابه كما في رواية لام سلمة.

بل سبق قول ابن عمر رضي الله عنهما: آخر ما تكلم به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اخلفوني في اهل بيتي مع قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنظروا كيف تخلفوني فيهما، و قوله: ألاواني سائلكم كيف خلفتموني في كتابه وأهل بيتي، وقوله: ناصرهما لي ناصر وخاذلهما لي خاذل، وأوصيكم بعترتي خيراً وأذكركم الله في اهل بيتي، على اختلاف الألفاظ في الروايات المتقدمة، مع قوله في رواية عبد الله بن زيد عن أبيه: فمن لم يخلفني فيهم بتر عمره وورد علي يوم القيامة مسوداً وجهه، و في الحديث الاخر: فاني أخاصمكم عنهم غداً، ومن أكن خصيمه أخصمه، ومن أخصمه دخل النار. و في الآخر: من حفظني في اهل بيتي فقد اتخذ عند الله عهداً، مع ما اشتملت عليه الفاظ الاحاديث المتقدمة على اختلاف طرقها، وما سبق في ما أوصى به أمته وأهل بيته.

فأي حث ابلغ من هذا وآكد منه؟ فجزى الله تعالى نبيه صلّى الله عليه وعلى آله عن أمته واهل بيته افضل ما جزى أحداً من انبيائه ورسلهعليهم‌السلام »(٢) .

__________________

(١). الرسالة العلية ٣٠.

(٢). جواهر العقدين - مخطوط.

٢٧٤

وقال الفضل بن روزبهان: « قوله: - ان نعتقد ان آلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجب تعظيمهم ويلزم الاقتداء بهم.

أقول: أما تعظيم آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فالاعتقاد انه فرض بناء على الأحاديث الصحيحة الواردة في الباب منها: - أنه قال في خطبته في حجة الوداع: يا أيها الناس! انّي تارك فيكم الثقلين و قال في حديث آخر: أذكركم الله في أهل بيتي، ولقد كررها ثلاثاً. ومن هنا يستفاد أن تعظيمهم ومحبتهم واجب، ورعاية حقوقهم لازمة »(١) .

وبمثل هذه الكلمات قال جماعة آخرون منهم: القاري في ( المرقاة ٥ / ٥٩٤ ) والمناوى في ( فيض القدير ٢ / ١٧٤ ) والخفاجي في ( نسيم الرياض ٣ / ٤١٠ ) والعزيزي في ( السراج المنير ١ / ٣٠٢ ) وعبد الحق الدهلوي في ( أشعة اللمعات في شرح المشكاة ٤ / ٦٧٧ ) والزرقاني في ( شرح المواهب ٧ / ٥ ) وصديق حسن في ( السراج الوهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج )

٧ - لان هذا الحديث يدل على انهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل الكتاب والعترة كتوأمين، و وصى الامة بحسن المعاشرة معهما وايثار حقهما على أنفسهم كما يوصى الاب المشفق لاولاده: -

قال الطيبي بشرحه برواية زيد بن أرقم: - « وقوله: انّي تارك فيكم إشارة الى انهما بمنزلة التوأمين الخلفين عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وانه يوصى الامة بحسن المعاشرة معهما، وايثار حقهما على أنفسهم كما يوصى الأب المشفق لأولاده، ويعضده الحديث السابق في الفصل الاول: أذكركم الله في أهل بيتي كما يقول الأب المشفق: الله الله في حق اولادي »(٢) .

وبمثله قال المناوى في ( فيض القدير ٣ / ١٥ ) والزرقاني في ( شرح

__________________

(١). شرح العقائد لابن روزبهان - مخطوط.

(٢). الكاشف - مخطوط.

٢٧٥

المواهب اللدنية ).

ونقل كلام الطيبي المذكور القاري في ( المرقاة في شرح المشكاة ٥ / ٦٠٠ ).

٨ - لانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل فيه أهل بيته قائمين مقامه من بعده:

فقد قال النظام النيسابوري في تفسيره بتفسير قوله تعالى:( وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ) : وكيف تكفرون: استفهام بطريق الإنكار والتعجب، والمعنى: من اين يتطرق إليكم الكفر، والحال أن آيات الله تتلى عليكم على لسان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غضة في كل واقعة، وبين أظهركم رسول يبين لكم كل شبهة ويزيح عنكم كل علة

قلت: أمّا الكتاب فانه باق على وجه الدهر، وأما النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فانه ان كان قد مضى الىرحمه‌الله في الظاهر، ولكن نور سره باق بين المؤمنين فكأنه باق، على أن عترتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورثته يقومون مقامه بحسب الظاهر أيضاً، ولهذا قال: « انّي تارك فيكم الثقلين » »(١) .

وقال الشيخاني القادري: « وكفى بأهل بيته شرفاً حيث عد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه الشريفة منهم بقوله: اللهم انهم مني وأنا منهم، و بقوله: أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم وعدو لمن عاداهم، و بقوله: ألا من آذى قرابتي فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله »(٢) .

وبمثله صرّح ابن حجر في ( الصواعق ) والسمهودي في ( جواهر العقدين ).

وقال العجيلي: « و اذا صح وثبت أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل من آياته - ومنها القرآن - دخل في ذلك الال الكرام الذين اصطفاهم الله

__________________

(١). غرائب القرآن ١ / ٣٤٧.

(٢). الصراط السوى - مخطوط.

٢٧٦

وخصهم بالولاية والوراثة لمقامه الابراهيمي، فقد ألحقوا بنفسه الشريفة في أمور كثيرة كما يشير اليه قوله: اللهم انهم مني وأنا منهم، وذلك من قبيل الاخبار و قوله في المحبة: والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحبني ولا يحبني حتى يحب ذوي، و قوله: انّي تارك فيكم، وقصة المباهلة ودخولهم معه في قصة الكساء ودعاؤه لما تضمنته الآية بأن يجعل الله صلاته ورحمته وبركاته ومغفرته ورضوانه عليه وعليهم، وطلب ذلك له ولهم من تعظيم قدرهم حيث ساوى بين نفسه وبينهم.

وقوله: فاطمة بضعة مني. قال البيهقي: الحديث يدل على أن من سبها فقد كفر، ومن صلّى عليها فقد صلّى على أبيها، ويستنبط من ذلك أن أولادها مثلها لأنهم بضعة منها.

وقوله: علي مني وأنا من علي، و قوله علي مني بمنزلتي من ربي، وقوله: من أبغض عليا فقد أبغضني، ومن فارق علياً فارقني، ان عليا مني وأنا منه وخلق من طيني وخلقت من طينة ابراهيم، وأنا أفضل من ابراهيم ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم، و قوله الحسن مني والحسين من علي.

والدلائل النقلية في التحاقهم بنفسه الشريفة كبيرة.

والدليل العقلي ما سيأتي أن فك الفرع من أصله هو فك الشيء من أصله وهو محال غير ممكن، باعتبار أن هذا الفرع انما هو الشخص المعمول من مادة، وذلك الأصل ونتيجته المتولدة منه، وسيأتي تحقيق ذلك ان شاء الله تعالى والاعادة تظهر الافادة، وهذا الاتصال على الإطلاق مختص بالعترة الشريفة، لحديث كل نسب وسبب منقطع يوم القيامة كما سيأتي »(١) .

٩ - لان دلالة هذا الحديث على أفضلية أهل البيتعليهم‌السلام بلغت حداً استعان به بعض أهل السنة لشرح الاحاديث الاخرى: -

فقد قال القاضي أبوالمحاسن الحنفي في ( المعتصر من المختصر ) في شرح

__________________

(١). ذخيرة المآل - مخطوط.

٢٧٧

حديث الستة الملعونين:

« في الستة الملعونين: روي ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: ستة ألعنهم لعنهم الله وكل نبي مجاب: الزائد في كتاب الله عز وجل، والمكذب بقدر الله، والمتسلط بالجبروت يذل به من أعز الله، ويعز به من أذل الله، والتارك لسنتي، والمستحل لحرم الله عز وجل، والمستحل من عترتي ما حرم الله عز وجل

والعترة هم أهل البيت الذين على دينه والتمسك بهداه، روى انه خطب بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:

أما بعد أيها الناس! انما انتظر أن يأتيني رسول ربي عز وجل فأجيب، وانّي تارك فيكم الثقلين فمن أخرج عترته من المكان الذي جعلهم الله به على لسان نبيه فجعلهم كسواهم ممن ليس من أهل بيته وعترته كان ملعوناً. والباقي ظاهر ».

١٠ - لان هذا الحديث يدل في رأي عبد الله بن العباس على أفضلية أمير المؤمنينعليه‌السلام في أقل تقدير، لأنه عند ما سئل عن رأيه في أمير المؤمنينعليه‌السلام قدم هذه الفضيلة على سواها: -

فقد روى الخوارزمي بسنده عن مجاهد: قال: قيل لابن عباس: ما تقول في علي بن أبي طالب؟

قال: ذكرت والله أحد الثقلين، سبق بالشهادتين، وصلّى القبلتين، وبايع البيعتين »(١) .

ورواه عنه الشيخ القندوزي في ( ينابيع المودة ١٣٩ ).

والافضلية مستلزمة للامامة

__________________

(١). المناقب للخوارزمي ٢٣٦.

٢٧٨

١٧ - الجمع بين حديث الثقلين والولاية

لقد جاء في كثير من الروايات ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع بغدير خم بين حديث الثقلين وبين قوله في أمير المؤمنينعليه‌السلام : من كنت مولاه فان هذا مولاه، ولقد علمت في مجلد ( حديث الغدير ) أن حديث الموالاة دليل واضح على امامة أمير المؤمنينعليه‌السلام .

وبعد هذا كيف يقال في حديث الثقلين: انه لا حجة لأهل الحق في هذا الحديث على مدعاهم؟.

وإليك بعض تلك الروايات المشار إليها: -

روى المتقي في ( كنز العمال ) هذا الحديث عن جماعة « عن علي: ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حضر الشجرة بخم، ثم خرج آخذاً بيد علي فقال: أيها الناس ألستم تشهدون ان الله ورسوله أولى بكم من أنفسكم وان الله ورسوله مولاكم؟ قالوا: بلى. قال: فمن كان الله ورسوله مولاه فان هذا مولاه وقد تركت فيكم ما ان أخذتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله سببه بيده وسببه بأيديكم، وأهل بيتي.

ابن جرير، وابن أبي عاصم، والمحاملي في أماليه وصحح ».

ورواه في ( كنز العمال ١ / ١٦٨ ) أيضاً بلفظ آخر عن الحكيم والطبراني عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد.

وكذا تجده في ( التاريخ لابن كثير ٥ / ٢٠٩ ) و ( استجلاب ارتقاء الغرف للسخاوي - مخطوط ) و ( جواهر العقدين للسمهودي - مخطوط ) و ( الأربعين للمحدث الشيرازي - مخطوط ) و ( وسيلة المآل لابن باكثير - مخطوط ) و ( الصراط السوي للقادري - مخطوط ) و ( ينابيع المودة ٣٧ ).

ورواه ابن حجر في ( الصواعق ٢٥ ) عن الطبراني وغيره معترفاً بصحته وكذا السهارنپوري في ( المرافض ) ورواه البدخشاني في ( مفتاح النجا - مخطوط ) عن ( المعجم الكبير للطبراني ) مع تصحيح السند، وعن الطبراني والحكيم في ( نزل الأبرار ). ورواه عنهما محمد صدر عالم في كتابه وصحح

٢٧٩

سندهما، وهكذا تجد الحديث في ( ذخيرة المآل ) و ( مرآة المؤمنين ).

وروى حسن زمان في ( القول المستحسن ) رواية الطبراني والحكيم ثم قال: - « وفيه الحث على متابعة الثقلين بعد حديث الموالاة، وكذا في رواية ابن راهويه، وابن جرير، وابن أبي عاصم، والمحاملي، والطحاوي بأسانيد صحيحة ».

و روى السمهودي الحديثين في لفظ واحد عن عامر بن ليلى بن ضمرة، وحذيفة بن أسيد، وهذا نصه: « عن عامر بن ليلى بن ضمرة، وحذيفة بن أسيد رضي الله عنهما قالا: لما صدر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حجة الوداع، ولم يحج غيرها أقبل حتى اذا كان بالجحفة نهى عن سمرات بالبطحاء متقاربات لا ينزلوا تحتهن، حتى إذا نزل القوم وأخذوا منازلهم سواهن ارسل اليهن فقم ما تحتهن، وشذبن عن رؤوس القوم حتى إذا نودي للصلاة غدا إليهن، فصلّى تحتهن فقال: ايها الناس: انه قد نبأنى اللطيف الخبير انه لن يعمر نبى الا نصف عمر الذي يليه من قبله، وانى لا ظن ان ادعى فأجيب الا فان الله مولاي وانا اولى بكم من أنفسكم، ألا ومن كنت مولاه فهذا مولاه، وأخذ بيد علي فرفعها حتى عرفه القوم أجمعون ثم قال: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه. ثم قال: ايها الناس انى فرطكم وأنتم واردون علي الحوض وانى سائلكم حين تردون علي عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما حين تخلفوني

قالوا: وما الثقلان يا رسول الله؟

قال: الثقل الاكبر: كتاب الله، سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فاستمسكوا به لا تضلوا ولا تبدلوا، ألا وعترتي أهل بيتي فانه قد نبأني اللطيف الخبير انهما لن ينقضيا حتى يردا عليّ الحوض.

وأخرجه ابن عقدة في ( الموالاة ) من طريق عبد الله بن سنان عن أبي الطفيل عنهما به، ومن طريق ابن عقدة أورده أبو موسى المديني في ( الصحابة ) وقال: انه غريب جداً، والحافظ أبو الفتوح العجلي في كتابه

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373