نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٢

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار15%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 373

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 373 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 292860 / تحميل: 6536
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

بن رئاب ، عن ابن أبي يعفور ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال الصبر رأس الإيمان

_________________________________________

وإن كان في نائبه مضجرة سمي رحب الصدر ويضاده الضجر ، وإن كان في إمساك الكلام سمي كتمانا ويضاده الإذاعة ، وقد سمي الله تعالى كل ذلك صبرا ونبه عليه بقوله : «وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ »(١) «وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ »(٢) «وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ »(٣) وسمي الصوم صبرا لكونه كالنوع له.

وقوله : «اصْبِرُوا وَصابِرُوا »(٤) أي احبسوا أنفسكم علي العبادة وجاهدوا أهواءكم ، وقوله عز وجل : «اصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ »(٥) أي تحمل الصبر بجهدك ، وقوله : «أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا »(٦) أي بما تحملوه من الصبر في الوصول إلى مرضات الله.

قوله : رأس الإيمان ، هو من قبيل تشبيه المعقول بالمحسوس ، ووجه الشبه ما سيأتي في الخبر الآتي ووجهه أن الإنسان ما دام في تلك النشأة هو مورد للمصائب والآفات ومحل للحوادث والنوائب والعاهات ، ومبتلى بتحمل الأذى من بني نوعه في المعاملات ومكلف بفعل الطاعات وترك المنهيات والمشتهيات ، وكل ذلك ثقيل على النفس لا تشتهيها بطبعها ، فلا بد من أن تكون فيه قوة ثابتة وملكة راسخة بها يقتدر على حبس النفس علي هذه الأمور الشاقة ، ورعاية ما يوافق الشرع والعقل فيها ، وترك الجزع والانتقام وسائر ما ينافي الآداب المستحسنة المرضية عقلا وشرعا ، وهي المسماة بالصبر ، ومن البين أن الإيمان الكامل بل نفس التصديق أيضا يبقى ببقائه ، ويفنى بفنائه ، فلذلك هو من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد.

__________________

(١) سورة البقرة : ١٧٧.

(٢) سورة الحجّ : ٣٥.

(٣) سورة الأحزاب : ٣٥.

(٤) سورة آل عمران : ٢٠٠.

(٥) سورة مريم : ٦٥.

(٦) سورة الفرقان : ٧٥.

١٢١

٢ ـ أبو علي الأشعري ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان ، عن العلاء بن فضيل ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد كذلك إذا ذهب الصبر ذهب الإيمان.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه وعلي بن محمد القاساني جميعا ، عن القاسم بن محمد الأصبهاني ، عن سليمان بن داود المنقري ، عن حفص بن غياث قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام يا حفص إن من صبر صبر قليلا وإن من جزع جزع قليلا ثم قال عليك بالصبر في جميع أمورك فإن الله عز وجل بعث محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله فأمره بالصبر والرفق فقال «وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ »(١) وقال تبارك وتعالى «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [ السَّيِّئَةَ ]

_________________________________________

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

الحديث الثالث : ضعيف.

« صبر قليلا » نصب قليلا إما على المصدرية أو الظرفية أي صبر صبرا قليلا أو زمانا قليلا ، وهو زمان العمر أو زمان البلية« في جميع أمورك » فإن كل ما يصدر عنه من الفعل والترك والعقد وكل ما يرد عليه من المصائب والنوائب من قبله تعالى ، أو من قبل غيره يحتاج إلى الصبر إذ لا يمكنه تحمل ذلك بدون جهاده مع النفس والشيطان وحبس النفس عليه.

«وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ » أي من الخرافات والشتم والإيذاء «وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً » بأن تجانبهم وتداريهم ولا تكافيهم وتكل أمرهم إلى الله كما قال : «وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ » أي دعني وإياهم وكل إلى أمرهم فإني أجازيهم في الدنيا والآخرة «أُولِي النَّعْمَةِ » النعمة بالفتح لين الملمس أي المتنعمين ذوي الثروة في الدنيا ، وهم صناديد قريش وغيرهم.

«ادْفَعْ » أول الآية هكذا : «وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ » أي في الجزاء وحسن العاقبة « ولا » الثانية مزيدة لتأكيد النفي «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ » كذا

__________________

(١) سورة المزّمّل : ١٠.

١٢٢

فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَما يُلَقَّاها إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ »(١) فصبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى نالوه بالعظائم ورموه بها فضاق صدره فأنزل الله عز وجل عليه : «وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ

_________________________________________

في أكثر نسخ الكتاب وتفسير علي بن إبراهيم ، والسيئة غير مذكورة في المصاحف وكأنهعليه‌السلام زادها تفسيرا وليست في بعض النسخ وهو أظهر ، وقيل : المعنى ادفع السيئة حيث اعترضتك بالتي هي أحسن منها وهي الحسنة ، على أن المراد بالأحسن الزائد مطلقا أو بأحسن ما يمكن دفعها به من الحسنات ، إنما أخرج مخرج الاستئناف على أنه جواب من قال كيف أصنع؟ للمبالغة ، ولذلك وضع أحسن موضع الحسنة ، كذا ذكره البيضاوي ، وقيل : اسم التفضيل مجرد عن معناه ، أو أصل الفعل معتبر في المفضل عليه على سبيل الفرض ، أو المعنى ادفع السيئة بالحسنة التي هي أحسن من العفو أو المكافاة ، وتلك الحسنة هي الإحسان في مقابل الإساءة ، ومعنى التفضيل حينئذ بحاله لأن كلا من العفو أو المكافاة أيضا حسنة إلا أن الإحسان أحسن منهما وهذا قريب مما ذكره الزمخشري من أن لا غير مزيدة ، والمعنى أن الحسنة والسيئة متفاوتان في أنفسهما فخذ بالحسنة التي هي أحسن أن تحسن إليه مكان إساءته.

«فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ » أي إذا فعلت ذلك صار عدوك المشاق مثل الولي الشفيق «وَما يُلَقَّاها » أي ما يلقي هذه السجية وهي مقابلة الإساءة بالإحسان «إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا » فإنها تحبس النفس عن الانتقام «وَما يُلَقَّاها إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ » من الخير وكمال النفس ، وقيل : الحظ العظيم الجنة ، يقال :

لقاه الشيء أي ألقاه إليه« حتى نالوه بالعظائم » يعني نسبوه إلى الكذب والجنون والسحر وغير ذلك ، وافتروا عليه.

«أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ » كناية عن الغم «بِما يَقُولُونَ » من الشرك أو الطعن فيك

__________________

(١) سورة فصّلت : ٣٥.

١٢٣

رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ »(١) ثم كذبوه ورموه فحزن لذلك فأنزل الله عز وجل «قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ

_________________________________________

وفي القرآن والاستهزاء بك وبه «فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ » أي فنزه ربك عما يقولون مما لا يليق به متلبسا بحمده في توفيقك له أو فافزع إلى الله فيما نابك من الغم بالتسبيح والتحميد فإنهما يكشفان الغم عنك «وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ » للشكر في توفيقك أو رفع غمك أو كن من المصلين فإن في الصلاة قطع العلائق عن الغير «إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ » الضمير للشأن أي ما يقولون إنك شاعر أو مجنون وأشباه ذلك.

«فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ » قال الطبرسي (ره) : اختلف في معناه على وجوه : أحدها أن معناه لا يكذبونك بقلوبهم اعتقادا وإن كانوا يظهرون بأفواههم التكذيب عنادا وهو قول أكثر المفسرين ويؤيده ما روي أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقي أبا جهل فصافحه أبو جهل فقيل له في ذلك؟ فقال : والله إني لأعلم أنه صادق ولكنا متى كنا تبعا لعبد مناف؟ فأنزل الله هذه الآية.

وثانيها : أن المعنى لا يكذبونك بحجة ولا يتمكنون من إبطال ما جئت به ببرهان ، ويدل عليه ما روي عن عليعليه‌السلام أنه كان يقرأ : لا يكذبونك ، ويقول : إن المراد بها أنهم لا يأتون بحق هو أحق من حقك.

وثالثها : أن المراد لا يصادفونك كاذبا ، تقول العرب : قاتلناكم فما أجبناكم أي ما أصبناكم جبناء ، ولا يختص هذا الوجه بالقراءة بالتخفيف لأن أفعلت وفعلت يجوزان في هذا الموضع إلا أن التخفيف أشبه بهذا الوجه.

ورابعها : أن المراد لا ينسبونك إلى الكذب فيما أتيت به لأنك كنت عندهم أمينا صادقا ، وإنما يدفعون ما أتيت به ويقصدون التكذيب بآيات الله ، ويقوي هذا الوجه قوله : ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ، وقوله : وكذب به قومك وهو

__________________

(١) سورة الحجر : ٩٧.

١٢٤

يَجْحَدُونَ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا »(١) فألزم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نفسه الصبر فتعدوا فذكر الله تبارك وتعالى وكذبوه فقال قد صبرت في نفسي وأهلي وعرضي ولا صبر لي على ذكر إلهي فأنزل الله عز وجل : «وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ

_________________________________________

الحق ، ولم يقل : وكذبك قومك ، وما روي أن أبا جهل قال للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما نتهمك ولا نكذبك ولكننا نتهم الذي جئت به ونكذبه.

وخامسها : أن المراد أنهم لا يكذبونك بل يكذبونني فإن تكذيبك راجع إلى ولست مختصا به لأنك رسول فمن رد عليك فقد رد على ، وذلك تسلية منه تعالى للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

«وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ » أي بالقرآن والمعجزات «يَجْحَدُونَ » بغير حجة سفها وجهلا وعنادا ، ودخلت الباء لتضمين معنى التكذيب وقال أبو علي : الباء تتعلق بالظالمين ، ثم زاد في تسلية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : «وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا » أي صبروا على ما نالهم منهم من التكذيب والأذى في أداء الرسالة «حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا » إياهم على المكذبين ، وهذا أمر منه تعالى لنبيه بالصبر على أذى كفار قومه إلى أن يأتيه النصر كما صبرت الأنبياء ، وبعده «وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللهِ » أي لا يقدر أحد على تكذيب خبر الله على الحقيقة ولا على إخلاف وعده «وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ » أي خبرهم في القرآن كيف أنجيناهم ونصرناهم على قومهم.

قوله عليه‌السلام : فذكروا الله ، أي نسبوا إليه ما لا يليق بجنابة «وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ » قيل : هذا إشارة إلى حسن التأني وترك التعجيل في الأمور ، وتمهيد للأمر بالصبر ، وأقول : يحتمل أن يكون توطئة للصبر على وجه آخر ، وهو بيان عظم قدرته وأنه قادر على الانتقام منهم «وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ » أي من تعب وإعياء ، وهو رد لما

__________________

(١) سورة الأنعام : ٣٣.

١٢٥

فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ »(١) فصبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في جميع أحواله ثم بشر في عترته

_________________________________________

زعمت اليهود من أنه تعالى بدء خلق العالم يوم الأحد ، وفرغ منه يوم الجمعة واستراح يوم السبت واستلقى على العرش «فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ » أي ما يقول المشركون من إنكارهم البعث ، فإن من قدر على خلق العالم بلا إعياء قدر على بعثهم والانتقام منهم أو ما يقول اليهود من الكفر والتشبيه.

قوله عليه‌السلام : ثم بشر ، على بناء المجهول وقبل الآية في سورة التنزيل هكذا ، «وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً » وفي أكثر نسخ الكتاب وجعلناهم وكأنه تصحيف ، وفي بعضها : جعلنا منهم ، كما في المصاحف.

ثم إنه يرد عليه أن الظاهر من سياق الآية رجوع ضمير منهم إلى بني إسرائيل فكيف تكون بشارة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عترته وكيف وصفوا بالصبر؟

والجواب ما عرفت أن ذكر القصص في القرآن لإنذار هذه الأمة وتبشيرهم ، مع أنه قد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنه يقع في هذه الأمة ما وقع في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل ، فذكر قصة موسى وإيتائه الكتاب وجعل الأئمة من بني إسرائيل أي هارون وأولاده ، ذكر نظير لبعثة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإيتائه القرآن وجعل الأئمة من أخيه وابن عمه وأولاده كما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، وقد يقال : إن قوله : «فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ » المراد به لا تكن في تعجب من سقوط الكتاب بعدك وعدم عمل الأمة به فإنا نجعل بعدك أمة يهدون بالكتاب كما جعلنا في بني إسرائيل أئمة يهدون بالتوراة.

والمفسرون ذكروا فيه وجوها : الأول أن المعنى لا تكن في شك من لقائك موسى ليلة الأسرى ، الثاني : من لقاء موسى الكتاب ، الثالث : من لقائك الكتاب ،

__________________

(١) سورة ق : ٣٨.

١٢٦

بالأئمة ووصفوا بالصبر فقال جل ثناؤه «وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ »(١) فعند ذلك قالصلى‌الله‌عليه‌وآله الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد فشكر الله عز وجل ذلك له فأنزل الله عز وجل : «وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا

_________________________________________

الرابع : من لقائك الأذى كما لقي موسى الأذى.

« وجعلناه » أي موسى أو المنزل عليه «يَهْدُونَ » أي الناس إلى ما فيه من الحكم والأحكام «بِأَمْرِنا » إياهم أو بتوفيقنا لهم «لَمَّا صَبَرُوا » أي لصبرهم على الطاعة أو على أذى القوم أو عن الدنيا وملاذها كما قيل «وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ » لا يشكون في شيء منها ، ويعرفونها حق المعرفة.

« فشكر الله ذلك له » إشارة إلى الصبر على جميع الأحوال وذلك القول الدال على الرضا بالصبر ، وشكر الله تعالى لعباده عبارة عن قبول العمل ومقابلته بالإحسان والجزاء في الدنيا والآخرة «وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ » صدر الآية : «وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ » يعني بني إسرائيل في ظهر الآية فإن القبط كانوا يستضعفونهم فأورثهم الله بأن مكنهم وحكم لهم بالتصرف ، وأباح لهم بعد إهلاك فرعون وقومه «مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا » أي أرض الشام شرقها وغربها ، أو أرض الشام ومصر ، وقيل : كل الأرض لأن داود وسليمان كانا منهم وملكا الأرض التي باركنا فيها بإخراج الزرع والثمار وضروب المنافع «وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ » قال الطبرسي (ره) : معناه صح كلام ربك بإنجاز الوعد بإهلاك عدوهم واستخلافهم في الأرض ، وإنما كان الإنجاز تماما للكلام لتمام النعمة به ، وقيل : إن كلمة الحسنى قوله سبحانه : «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ » إلى قوله : «يَحْذَرُونَ » وقال : الحسنى ، وإن كانت كلمات الله كلها حسنة لأنها وعد بما يحبون ، وقال الحسن : أراد وعد الله لهم بالجنة «بِما صَبَرُوا » على أذى فرعون وقومه «وَدَمَّرْنا ما

__________________

(١) سورة السجدة : ٢٤.

١٢٧

يَعْرِشُونَ »(١) فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله إنه بشرى وانتقام فأباح الله عز وجل له قتال المشركين فأنزل [ الله ] «فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ »(٢) «وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ »(٣) فقتلهم الله على يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

_________________________________________

كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ » أي أهلكنا ما كانوا يبنون من الأبنية والقصور والديار «وَما كانُوا يَعْرِشُونَ » من الأشجار والأعناب والثمار ، وقيل : يعرشون يسقفون من القصور والبيوت«فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنه بشرى» أي لي ولا صحابي«وانتقام» من أعدائي ووجه البشارة ما مر أن ذكر هذه القصة تسلية للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأني أنصرك على أعدائك وأهلكهم وأنصر الأئمة من أهل بيتك على الفراعنة الذين غلبوا عليهم وظلموهم في زمن القائمعليه‌السلام وأملكهم جميع الأرض ، فظهر الآية لموسى وبني إسرائيل ، وبطنها لمحمد وآل محمد صلى الله وعليه وآله وسلم.

«فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ » الآية هكذا : «فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ » قيل : أي من حل وحرم «وَخُذُوهُمْ » أي وأسروهم والأخيذ الأسير «وَاحْصُرُوهُمْ » أي واحبسوهم أو حيلوا بينهم وبين المسجد الحرام «وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ » أي كل ممر لئلا ينتشروا في البلاد ، وانتصابه على الظرف ، وقال تعالى في سورة البقرة : «وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ » يقال ثقفه أي صادفه أو أخذه أو ظفر به أو أدركه.

« فقتلهم الله » أي في غزوة بدر وغيرها « وعجل له الثواب ثواب صبره » وفي بعض النسخ وجعل له ثواب صبره والأول أظهر وموافق للتفسير ، والحاصل أن هذه النصرة

__________________

(١) سورة الأعراف : ١٣٦.

(٢) سورة التوبة : ٦.

(٣) سورة البقرة : ١٩١.

١٢٨

وأحبائه وجعل له ثواب صبره مع ما ادخر له في الآخرة فمن صبر واحتسب لم يخرج من الدنيا حتى يقر الله له عينه في أعدائه مع ما يدخر له في الآخرة.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن أبي محمد عبد الله السراج رفعه إلى علي بن الحسينعليه‌السلام قال الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ولا إيمان لمن لا صبر له.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن ربعي بن عبد الله ، عن فضيل بن يسار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد كذلك إذا ذهب الصبر ذهب الإيمان.

٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن علي بن النعمان ، عن عبد الله بن مسكان ، عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إن الحر حر على جميع أحواله إن نابته نائبة صبر لها وإن تداكت عليه المصائب

_________________________________________

وقتل الأعداء كان ثوابا عاجلا على صبره منضما مع ما ادخر له في الآخرة من مزيد الزلفى والكرامة« واحتسب » أي كان غرضه القربة إلى الله ليكون محسوبا من أعماله الصالحة« حتى يقر الله عينه » أي يسره في أعدائه بنصره عليهم مع ما يدخر له في الآخرة من الأجر الجميل والثواب الجزيل.

الحديث الرابع : مجهول مرفوع.

الحديث الخامس : حسن كالصحيح وقد مر بعينه بسند آخر.

الحديث السادس : صحيح.

والحر ضد العبد والمراد هنا من نجا في الدنيا من رق الشهوات النفسانية وأعتق في الآخرة من أغلال العقوبات الربانية فهو كالأحرار عزيز غني في جميع الأحوال.

قال الراغب : الحر خلاف العبد والحرية ضربان : الأول من لم يجر عليه حكم السبي نحو «الْحُرُّ بِالْحُرِّ » والثاني من لم يتملكه قواه الذميمة من الحرص

١٢٩

لم تكسره وإن أسر وقهر واستبدل باليسر عسرا كما كان يوسف الصديق الأمينصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يضرر حريته أن استعبد وقهر وأسر ولم تضرره ظلمة الجب ووحشته وما ناله أن من الله عليه فجعل الجبار العاتي له عبدا بعد إذ كان له مالكا

_________________________________________

والشره على المقتنيات الدنيوية ، وإلى العبودية التي تضاد ذلك ، أشار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : تعس عبد الدرهم ، تعس عبد الدينار ، وقول الشاعر : « ورق ذوي الأطماع رق مخلد » ، وقيل : عبد الشهوة أذل من عبد الرق ، انتهى.

وفي القاموس : الحر بالضم خلاف العبد ، وخيار كل شيء والفرس العتيق ، ومن الطين والرمل الطيب.

« إن نابته نائبة صبر لها » أي إن عرض له حادثة أو نازلة أو مصيبة صبر عليها أو حمل عليه مال يؤخذ منه أداه ولا يذل نفسه بالبخل فيه ، قال في النهاية : في حديث خيبر قسمها نصفين نصفا لنوائبه ونصفا بين المسلمين ، النوائب جمع النائبة وهي ما ينوب الإنسان أي ينزل به من المهمات والحوادث ، وقد نابه ينوبه نوبا ومنه الحديث : احتاطوا لأهل الأموال في النائبة والواطية أي الأضياف الذين ينوبونهم.

« وإن تداكت عليه المصائب » أي اجتمعت وازدحمت ، قال في النهاية : وفي حديث عليعليه‌السلام : ثم تداككتم على تداكك الإبل الهيم على حياضها ، أي ازدحمتم وأصل الدك الكسر ، انتهى.

« لم تكسره » أي لم تعجزه عن الصبر ولم تحمله على الجزع وترك الرضا بقضاء الله تعالى« وإن أسر » إن وصلية« واستبدل باليسر عسرا » عطف على أسر ، وفي بعض النسخ واستبدل بالعسر يسرا فهو عطف على قوله لم تكسره فتكون غاية للصبر« إن استبعد » على بناء المجهول فاعل لم يضرر ، والمراد بحريته عزه ورفعته وصبره على تلك المصائب ورضاه بقضاء الله واختياره طاعة الله وعدم تذلله للمخوقين« وما ناله » أي من ظلم الإخوان وسائر الأحزان« أن من الله » أي في أن من الله أو هو بدل اشتمال

١٣٠

...........................................................................

_________________________________________

للضمير في لم تضرره أو بتقدير إلى فالظرف متعلق بلم تضرر في الموضعين على سبيل التنازع.

وأقول : يحتمل أن يكون ما ناله عطفا على الضمير في لم يضرره ، وأن من الله بيانا لما بتقدير من أو بدلا منه ، فيحتمل أن يكون فاعل نال يوسفعليه‌السلام وقيل : اللام فيه مقدر أي لأن من الله فيكون تعليلا لقوله : لم تضرر في الموضعين أو ما ناله مبتدأ وأن من الله خبره ، والجملة معطوفة على لم تضرره أو يكون الواو بمعنى مع ، أي لم تضرره ذلك مع ما ناله وأن من بيان لما.

والعاتي من العتو بمعنى التجبر والتكبر والتجاوز عن الحد ، والجبار بائعه في مصر أو العزيز فالمراد بصيرورته عبدا له أنه صار مطيعا له ، مع أنه قد روى الثعلبي وغيره أن ملك مصر كان ريان بن الوليد والعزيز الذي اشترى يوسفعليه‌السلام كان وزيره وكان اسمه قطفير فلما عبر يوسف رؤيا الملك عزل قطفير عما كان عليه وفوض إلى يوسف أمر مصر وألبسه التاج وأجلسه على سرير الملك وأعطاه خاتمه وهلك قطفير في تلك الليالي فزوج الملك يوسف زليخا امرأة قطفير ، وكان اسمها راعيل فولدت له ابنين أفراثيم وميشا فلما دخلت السنة الأولى من سني الجدب هلك فيها كل شيء أعدوه في السنين المخصبة فجعل أهل مصر يبتاعون من يوسف الطعام فباعهم أول سنة بالنقود حتى لم يبق بمصر دينار ولا درهم إلا قبضه ، وباعهم السنة الثانية بالحلي والجواهر حتى لم يبق في أيدي الناس منها شيء ، وباعهم السنة الثالثة بالمواشي والدواب حتى احتوى عليها أجمع وباعهم السنة الرابعة بالعبيد والإماء حتى لم يبق عبد ولا أمة في يد أحد ، وباعهم السنة الخامسة بالضياع والعقار والدور حتى احتوى عليها ، وباعهم السنة السادسة بأولادهم حتى استرقهم وباعهم السنة السابعة برقابهم حتى لم تبق بمصر حر ولا حرة إلا صار عبدا له ، ثم استأذن الملك وأعتقهم كلهم

١٣١

فأرسله ورحم به أمة وكذلك الصبر يعقب خيرا فاصبروا ووطنوا أنفسكم على الصبر توجروا.

٧ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن عبد الله بن بكير ، عن حمزة بن حمران ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال الجنة محفوفة بالمكاره

_________________________________________

ورد أموالهم إليهم ، فظهر أن الله ملكه جميع أهل مصر وأموالهم عوضا عن مملوكيته صلوات الله عليه لهم ، فهذه ثمرة الصبر والطاعة.

والمراد بإرساله إرساله إلى الخلق بالنبوة وبرحم الأمة به نجاتهم عن العقوبة الأبدية بإيمانهم به أو عن القحط والجوع أو الأعم.

« وكذلك الصبر يعقب خيرا » يعقب على بناء الأفعال قال الراغب : أعقبه كذا أورثه ذلك قال تعالى : «فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ »(١) وفلان لم يعقب أي لم يترك ولدا ، انتهى.

أي كما أن صبر يوسفعليه‌السلام أعقب خيرا عظيما له كذلك صبر كل أحد يعقب خيرا له ، ومن ثم قيل : اصبر تظفر ، وقيل :

إني رأيت للأيام تجربة

للصبر عاقبة محمودة الأثر

وقل من جد في أمر يطالبه

فاستصحب الصبر إلا فاز بالظفر

الحديث السابع : مجهول.

ومضمونه متفق عليه بين الخاصة والعامة ، فقد روى مسلم عن أنس قال : قال رسول اللهعليه‌السلام : حفت الجنة بالمكاره ، وحفت النار بالشهوات ، وهذا من بديع كلامه ، وقال الراوندي في ضوء الشهاب يقال :حف القوم حول زيد إذا أطافوا به ، واستداروا وحففته بشيء أي أدرته عليه ، يقال : حففت الهودج بالثياب ، ويقال : إنه مشتق من حفا في الشيء أي جانبيه ، يقولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : المكاره مطيفة محدقة بالجنة

__________________

(١) سورة التوبة : ٧٧.

١٣٢

والصبر فمن صبر على المكاره في الدنيا دخل الجنة وجهنم محفوفة باللذات والشهوات ـ فمن أعطى نفسه لذتها وشهوتها دخل النار.

٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن مرحوم ، عن أبي سيار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا دخل المؤمن في قبره كانت الصلاة عن يمينه

_________________________________________

وهي الطاعات ، والشهوات محدقة مستديرة بالنار وهي المعاصي وهذا مثل يعني أنك لا يمكنك نيل الجنة إلا باحتمال مشاق ومكاره وهي فعل الطاعات والامتناع عن المقبحات ولا التفصي عن النار إلا بترك الشهوات وهي المعاصي التي تتعلق الشهوة بها فكان الجنة محفوفة بمكاره تحتاج أن تقطعها بتكلفها والنار محفوفة بملاذ وشهوات تحتاج أن تتركها.

وروي أن الله تعالى لما خلق الجنة قال لجبرئيلعليه‌السلام : انظر إليها فلما نظر إليها قال : يا رب لا يتركها أحد إلا دخلها فلما حفها بالمكاره قال : انظر إليها فلما نظر إليها قال : يا رب أخشى أن لا يدخلها أحد ولما خلق النار قال له : انظر إليها فلما نظر إليها قال : يا رب لا يدخلها أحد فلما حفها بالشهوات قال : انظر إليها فلما نظر إليها قال يا رب أخشى أن يدخلها كل أحد.

وفائدة الحديث إعلام أن الأعمال المفضية إلى الجنة مكروهة قرنا الله بها الكراهة وبالعكس منها الأعمال الموصلة إلى النار قرن بها الشهوة ليجاهد الإنسان نفسه فيحتمل تلك ويجتنب هذه.

الحديث الثامن : كالسابق.

والبر يطلق على مطلق أعمال الخير وعلى مطلق الإحسان إلى الغير وعلى الإحسان إلى الوالدين أو إليهما وإلى ذوي الأرحام ، والمراد هنا أحد المعاني سوى المعنى الأول ، قال الراغب : البر خلاف البحر وتصور منه التوسع فاشتق منه البر أي التوسع في فعل الخير وينسب ذلك إلى الله تارة نحو «إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ » و

١٣٣

والزكاة عن يساره والبر مطل عليه ويتنحى الصبر ناحية فإذا دخل عليه الملكان اللذان يليان مساءلته قال الصبر للصلاة والزكاة والبر دونكم صاحبكم فإن عجزتم عنه فأنا دونه.

٩ ـ علي ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن عبد الله بن ميمون ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال دخل أمير المؤمنين صلوات الله عليه المسجد فإذا هو برجل على باب المسجد كئيب حزين فقال له أمير المؤمنينعليه‌السلام ما لك قال يا أمير المؤمنين أصبت بأبي [ وأمي ] وأخي وأخشى أن أكون قد وجلت فقال له أمير المؤمنينعليه‌السلام عليك بتقوى الله والصبر تقدم عليه غدا والصبر في الأمور بمنزلة الرأس

_________________________________________

إلى العبد تارة فيقال بر العبد ربه أي توسع في طاعته فمن الله تعالى الثواب ومن العبد الطاعة ، وبر الوالدين التوسع في الإحسان إليهما وضده العقوق« مطل » بالطاء المهملة من قولهم اطل عليهم أي أشرف ، وفي بعض النسخ بالمعجمة وهو قريب المعنى من الأول لكن التعدية بعلى بالأول أنسب« دونكم » اسم فعل بمعنى خذوا ، ويدل ظاهرا على تجسم الأعمال والأخلاق في الآخرة ومن أنكره يأوله وأمثاله بأن الله تعالى يخلق صورا مناسبة للأعمال يريه إياها لتفريحه أو تحزينه ، أو الكلام مبني على الاستعارة التمثيلية وتنحي الصبر وتمكنه في إعانته يناسب ذاته فتفطن.

الحديث التاسع : كالسابق أيضا.

« أصبت » على بناء المجهول« بأبي وأخي » أي ماتا« وأخشى أن أكون قد وجلت » الوجل : استشعار الخوف وكان المعنى أخشى أن يكون حزني بلغ حدا مذموما شرعا فعبر عنه بالوجل أو أخشى أن تنشق مرارتي من شدة الألم أو أخشى الوجل الذي يوجب الجنون« عليك » اسم فعل بمعنى الزم والباء للتقوية« بتقوى الله » أي في الشكاية والجزع وغيرهما مما يوجب نقص الإيمان ، وكأنه إشارة إلى قوله تعالى : «وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ »(١) .

« تقدم » على بناء المعلوم من باب علم بالجزم جزاء للأمر في « عليك » أو

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٨٦.

١٣٤

من الجسد فإذا فارق الرأس الجسد فسد الجسد وإذا فارق الصبر الأمور فسدت الأمور.

١٠ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن سماعة بن مهران ، عن أبي الحسنعليه‌السلام قال قال لي ما حبسك عن الحج قال قلت جعلت فداك وقع علي دين كثير وذهب مالي وديني الذي قد لزمني هو أعظم من ذهاب مالي فلو لا أن رجلا من أصحابنا أخرجني ما قدرت أن أخرج فقال لي إن تصبر تغتبط وإلا تصبر ينفذ الله مقاديره راضيا كنت أم كارها.

١١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن سنان ، عن أبي الجارود ، عن

_________________________________________

بالرفع استئنافا بيانيا وضمير« عليه » راجع إلى الصبر بتقدير مضاف أي جزاءه ، أو إلى الله أي ثوابه ، وقيل : إلى كل من الأب والأخ ، فإن فوته جزءا خير للعلة أو إلى الأب لأنه الأصل والكل بعيد.

« غدا » أي في القيامة أو عند الموت أو سريعا.

الحديث العاشر : موثق.

والاغتباط مطاوع غبطه ، تقول : غبطه أغبطه غبطا وغبطه فاغتبط هو كمنعته فامتنع ، والغبطة إن تتمنى حال المغبوط لكونها في غاية الحسن من غير أن تريد زوالها عنه ، وهذا هو الفرق بينها وبين الحسد ، وفي القاموس : الغبطة بالكسر حسن الحال والمسرة وقد اغتبط ، وقال : الاغتباط : التبهج بالحال الحسنة ، انتهى.

والاغتباط أما في الآخرة بجزيل الأجر وحسن الجزاء ، وفي الدنيا أيضا بتبديل الضراء بالسراء ، فإن الصبر مفتاح الفرج ، وقد قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : أضيق ما يكون الحرج أقرب ما يكون الفرج ، مع أن الكاره تزداد مصيبته فإن فوات الأجر مصيبة أخرى ، والكراهة الموجبة لحزن القلب مصيبة عظيمة ، ومن ثم قيل : المصيبة للصابر واحدة وللجازع اثنتان ، بل له أربع مصيبات الثلاثة المذكورة وشماتة الأعداء ، ومن ثم قيل : الصبر عند المصيبة مصيبة على الشامت.

الحديث الحادي عشر : ضعيف.

١٣٥

الأصبغ قال قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه الصبر صبران صبر عند المصيبة حسن جميل وأحسن من ذلك الصبر عند ما حرم الله عز وجل عليك والذكر ذكران ذكر الله عز وجل عند المصيبة وأفضل من ذلك ذكر الله عند ما حرم عليك فيكون حاجزا.

١٢ ـ أبو علي الأشعري ، عن الحسن بن علي الكوفي ، عن العباس بن عامر ، عن العرزمي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سيأتي على الناس زمان لا ينال الملك فيه إلا بالقتل والتجبر ولا الغنى إلا بالغصب والبخل ولا المحبة إلا باستخراج الدين واتباع الهوى ـ فمن أدرك ذلك الزمان فصبر على الفقر وهو يقدر

_________________________________________

« صبر » خبر مبتدإ محذوف أي أحدهما صبر ، وحسن أيضا خبر مبتدإ محذوف ، أي هو حسن ، ويحتمل أن يكون صبر مبتدأ وحسن خبره ، فتكون الجملة استئنافا بيانيا ، وقوله : ذكر الله خبر مبتدإ محذوف ليس إلا« فيكون » أي الذكر والفاء بيانية« حاجزا » أي مانعا عن فعل الحرام.

الحديث الثاني عشر : صحيح.

« لا ينال الملك فيه » أي السلطنة« إلا بالقتل » لعدم إطاعتهم أما الحق فيتسلط عليهم الملوك الجورة فيقتلونهم ويتجبرون عليهم ، وذلك من فساد الزمان وإلا لم يتسلط عليهم هؤلاء« ولا الغناء إلا بالغصب والبخل » وذلك من فساد الزمان وأهله لأنهم لسوء عقائدهم يظنون أن الغناء إنما يحصل بغصب أموال الناس والبخل في حقوق الله والخلق ، مع أنه لا يتوقف على ذلك ، بل الأمانة وأداء الحقوق ادعى إلى الغناء لأنه بيد الله ، ولأنه لفسق أهل الزمان منع الله عنهم البركات ، فلا يحصل الغناء إلا بهما« ولا المحبة » أي جلب محبة الناس« إلا باستخراج الدين » أي طلب خروج الدين من القلب أي بطلب خروجهم من الدين ،« واتباع الهوى » أي الأهواء النفسانية أو أهوائهم الباطلة ، وذلك لأن أهل تلك الأزمنة لفسادهم لا

١٣٦

على الغنى وصبر على البغضة وهو يقدر على المحبة وصبر على الذل وهو يقدر على العز آتاه الله ثواب خمسين صديقا ممن صدق بي.

١٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن إسماعيل بن مهران ، عن درست بن أبي منصور ، عن عيسى بن بشير ، عن أبي حمزة قال قال أبو جعفرعليه‌السلام لما حضرت أبي علي بن الحسينعليه‌السلام الوفاة ضمني إلى صدره وقال يا بني أوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة وبما ذكر أن أباه أوصاه به يا بني اصبر على الحق وإن كان مرا

_________________________________________

يحبون أهل الدين والعبادة ، فمن طلب مودتهم لا بد من خروجه من الدين ومتابعتهم في الفسوق.

« وصبر على البغضة » أي بغضة الناس له لعدم اتباعه أهواءهم ، وصبر على الذل كأنه ناظر إلى نيل الملك ، فالنشر ليس على ترتيب اللف فالمراد بالعز هنا الملك والاستيلاء ، أو المراد بالملك هناك مطلق العز والرفعة ، ويحتمل أن تكون الفقرتان الأخيرتان ناظرتين إلى الفقرة الأخيرة ولم يتعرض للأولى لكون الملك عزيز المنال لا يتيسر لكل أحد ، والأول أظهر.

وفي جامع الأخبار الرواية هكذا : وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : أنه سيكون زمان لا يستقيم لهم الملك إلا بالقتل والجور ، ولا يستقيم لهم الغناء إلا بالبخل ولا يستقيم لهم الصحبة في الناس إلا باتباع أهوائهم والاستخراج من الدين ، فمن أدرك ذلك الزمان فصبر على الفقر وهو يقدر على الغناء ، وصبر على الذل وهو يقدر على العز وصبر على بغضة الناس وهو يقدر على المحبة أعطاه الله ثواب خمسين صديقا.

الحديث الثالث عشر : ضعيف.

« اصبر على الحق » أي على فعل الحق ، من ارتكاب الطاعات وترك المنهيات« وإن كان مرا » ثقيلا على الطبع لكونه مخالفا للمشتهيات النفسانية غالبا أو على

١٣٧

١٤ ـ عنه ، عن أبيه ، عن يونس بن عبد الرحمن رفعه ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال الصبر صبران صبر على البلاء حسن جميل وأفضل الصبرين الورع عن المحارم.

١٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى قال أخبرني يحيى بن سليم الطائفي قال أخبرني عمرو بن شمر اليماني يرفع الحديث إلى عليعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الصبر ثلاثة صبر عند المصيبة وصبر على الطاعة وصبر عن المعصية فمن صبر على المصيبة حتى يردها بحسن عزائها كتب الله له ثلاثمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء إلى الأرض ومن صبر على الطاعة كتب الله له ستمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى العرش ومن صبر عن المعصية كتب الله له تسعمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش.

_________________________________________

قول الحق وإن كان مرا على الناس ، فالصبر على ما يترتب على هذا القول من بغض الناس وأذيتهم ، أو على سماع الحق الذي إليك وإن كان مرا عليك مكروها لك. كمن واجهك بعيب من عيوبك فتصدقه فتقبله أو اطلعك على خطإ في الاجتهاد أو الرأي فتقبله ويمكن التعميم ليشمل الجميع.

الحديث الرابع عشر : مرفوع ، وضمير عنه راجع إلى أحمد فتنسحب عليه العدةالحديث الخامس عشر : ضعيف.

« حتى يردها » أي المصيبة وشدتها« بحسن عزائها » أي بحسن الصبر اللائق لتلك المصيبة« ثلاثمائة درجة » أي من درجات الجنة أو درجات الكمال فالتشبيه من تشبيه المعقول بالمحسوس ، وفي الصحاح : التخم منتهى كل قرية أو أرض ، والجمع تخوم كفلس وفلوس ، انتهى.

ويدل على أن ارتفاع الجنة أكثر من تخوم الأرض إلى العرش ، ولا ينافي ذلك كون عرضها كعرض السماء والأرض ، مع أنه قد قيل في الآية وجوه مع بعضها رفع التنافي أظهر.

١٣٨

١٦ ـ عنه ، عن علي بن الحكم ، عن يونس بن يعقوب قال أمرني أبو عبد اللهعليه‌السلام أن آتي المفضل وأعزيه بإسماعيل وقال أقرئ المفضل السلام وقل له إنا قد أصبنا بإسماعيل فصبرنا فاصبر كما صبرنا إنا أردنا أمرا وأراد الله عز وجل أمرا فسلمنا لأمر الله عز وجل.

١٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي حمزة الثمالي قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام من ابتلي من المؤمنين ببلاء فصبر عليه كان له مثل أجر ألف شهيد.

١٨ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان ، عن عمار

_________________________________________

الحديث السادس عشر : موثق كالصحيح.

والظاهر أنه المفضل بن عمر ويدل على مدح عظيم له ، وأنه كان من خواص أصحابه وأحبائه ، وإسماعيل ولده الأكبر الذي كان يظن الناس أنه الإمام بعدهعليه‌السلام ، فلما مات في حياته علم أنه لم يكن إماما ، وهذا هو المرادبقوله عليه‌السلام :

أردنا أمرا ، أي إمامته بظاهر الحال أو بشهوة الطبع ، أو المراد إرادة الشيعة كالمفضل وأضرابه ، وأدخلعليه‌السلام نفسه تغليبا ومماشاة ، ويدل على لزوم الرضا بقضاء الله والتسليم له ، وقيل : المعنى أردنا طول عمر إسماعيل وأراد الله موته ، وأغرب من ذلك أنه قال : عزى المفضل بابن له مات في ذلك الوقت بذكر فوت إسماعيل.

الحديث السابع عشر : حسن كالصحيح.

قوله عليه‌السلام : مثل أجر ألف شهيد ، فإن قيل : كيف يستقيم هذا مع أن الشهيد أيضا من الصابرين حيث صبر حتى استشهد؟ قلت : يحتمل أن يكون المراد بهم شهداء سائر الأمم أو المعنى مثل ما يستحق ألف شهيد وإن كان ثوابهم التفضلي أضعاف ذلك ، وقيل : المراد بهم الشهداء الذين لم تكن لهم نية خالصة فلم يستحقوا ثوابا عظيما والأوسط كأنه أظهر.

الحديث الثامن عشر : ضعيف على المشهور.

١٣٩

بن مروان ، عن سماعة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن الله عز وجل أنعم على قوم فلم يشكروا فصارت عليهم وبالا وابتلى قوما بالمصائب فصبروا فصارت عليهم نعمة.

١٩ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبان بن أبي مسافر ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عز وجل : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا » قال اصبروا على المصائب.

وفي رواية ابن أبي يعفور ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال صابروا على المصائب.

٢٠ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن محمد بن عيسى ، عن علي بن محمد بن أبي جميلة ، عن جده أبي جميلة ، عن بعض أصحابه قال لو لا أن الصبر خلق قبل البلاء لتفطر المؤمن كما تتفطر البيضة على الصفا.

_________________________________________

والوبال الشدة والثقل والعذاب ، أي صارت النعمة مع عدم الشكر نكالا وعذابا عليهم في الدنيا والآخرة ، وصار البلاء على الصابر نعمة في الدنيا والآخرة.

الحديث التاسع عشر : مجهول وآخره مرسل.

وكأنه تتمة الخبر الثاني المتقدم في باب أداء الفرائض وقد مر تفسير الآية ولا تنافي بينها فإن للآيات معاني شتى ظهرا وبطنا.

الحديث العشرون : ضعيف.

والتفطر التشقق من الفطر وهو الشق ، والصفا جمع الصفاة وهي الحجر الصلد الضخم لا تنبت ، وفيه إيماء إلى أن الصبر من لوازم الإيمان ومن لم يصبر عند البلاء لا يستحق اسم الإيمان كما مر أنه من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ويشعر بكثرة ورود البلاء على المؤمن.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

وعاد من عاداه »، وهذا حديث صحيح لا مرية فيه »(١) .

وبمثله قال ابن حجر في ( الصواعق ٩٠ ) وابن باكثير في ( وسيلة المآل - مخطوط ) ونقل العجيلي هذا المعنى عن ( الصواعق ) في ( ذخيرة المآل ) كما سيأتي.

وبعد هذا: فلايبقى ريب في ان حديث الثقلين دليل قوي متين على خلافة عليعليه‌السلام بلا فصل بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والحمد لله على ذلك

وسيأتي مزيد توضيح لهذا الذي ذكرناه، وعليك بمراجعة حديث ام سلمة الذي رواه جماعة من علماء أبناء السنة.

كما سيأتي ان شاء الله تعالى احتجاج أمير المؤمنينعليه‌السلام نفسه بحديث الثقلين في الشورى، ولو لا تقدمهعليه‌السلام في هذا الباب لأنكر عليه أهل الشورى احتجاجه

ولقد تحققت خصوصية أمير المؤمنينعليه‌السلام بالمزايا المذكورة في حديث الثقلين عند المحدثين والحفاظ من أهل السنة، ولذا فقد أورد مسلم حديث الثقلين في ( الصحيح ) في باب فضائله بين حديث خيبر وحديث تكنيته بأبي تراب، كما لا يخفى على من راجعه.

وهكذا أورده النووي في ( تهذيب الأسماء واللغات ) في أحوالهعليه‌السلام بين حديث المباهلة وحديث الولاية.

كما جعل سعيد الدين الفرغاني في ( شرح التائية ) - حديث الثقلين مماثلا لحديث « المنزلة » وحديث « مدينة العلم » في الدلالة على وراثتهعليه‌السلام العلم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووصية النبي به كما علمت ذلك سابقاً.

وعلى ذلك كله: فلا مجال لانكار دلالة حديث الثقلين على امامة علي

__________________

(١). جواهر العقدين - مخطوط.

٢٦١

أمير المؤمنينعليه‌السلام .

تكميل

ان حديث الثقلين كما يدل على امامة الأئمة الاثني عشر من أهل البيتعليهم‌السلام وامامة عليعليه‌السلام بلا فصل بعد رسول الله، كذلك يدل على وجود الامام الثاني عشر الحجة المنتظر وبقائه عجل الله تعالى ظهوره.

وذلك لان هذا الحديث يدل على عدم افتراق الكتاب والعترة الى يوم القيامة وحتى الورود على الحوض، فكما ان القرآن باق الى يوم القيامة فكذلك يجب وجود من يكون أهلا للتمسك والاقتداء به، واماماً للزمان وحجة للوقت من العترة الطاهرة الى يوم القيامة.

وقد نص جماعة من علماء أهل السنة الاعلام على هذه الحقيقة في كتبهم:

فقد قال السمهودي في تنبيهات حديث الثقلين: « ثالثها »: ان ذلك يفهم وجود من يكون أهلا للتمسك به من أهل البيت والعترة الطاهرة في كل زمان وجدوا فيه الى قيام الساعة، حتى يتوجه الحث المذكور الى التمسك به، كما ان الكتاب العزيز كذلك، ولهذا كانوا - كما سيأتي - أماناً لأهل الأرض، فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض »(١) .

وقد نقل عنه كلامه هذا كل من المناوي في ( فيض القدير ٣ / ١٥ ) والزرقانى في ( شرح المواهب اللدنية ٧ / ٨ ).

وقال ابن حجر ما نصه: « وفي أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت إشارة الى عدم انقطاع مستأهل منهم للتمسك به الى يوم القيامة، كما ان الكتاب العزيز كذلك، ولهذا كانوا أماناً لأهل الأرض كما

__________________

(١). جواهر العقدين - مخطوط.

٢٦٢

سيأتي، ويشهد لذلك الخبر السابق « في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي »(١) .

وقال العجيلي: « وهم الحافظون لكتاب الله وخلافة رسوله لا يفارقونها الى يوم القيامة، لا بد من قيام قائم لله بحجة منهم ووارث نبوته وخلافة رسوله، فمنهم الظاهر ومنهم المختفي، حتى يكون خاتمتهم في الوراثة المهدي، ولهذا يتقدم عيسى بن مريم، وتقدم ان قطب الأولياء الذي به صلاح العلم لا يكون الا منهم »(٢) .

وهكذا قال آخرون منهم: شهاب الدين الدولت آبادي في ( هداية السعداء ) وحسن زمان في ( القول المستحسن )

وسيأتي ما يدل على ذلك من خطبة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخطبة الامام الحسن السبطعليه‌السلام

١٣ - دلالة الحديث كبعض الايات

ان حديث الثقلين من شواهد قوله تعالى:( قُلْ لا أَسْألُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) وقوله عز وجل:( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) وقد ذكرنا في ( المنهج الاول ) دلالة الايتين على امامة أهل البيتعليهم‌السلام ، فالحديث اذاً كذلك

اما بالنسبة الى دلالته على وجوب مودتهم - كالاية - فإليك بعض الكلمات من كبار علماء أبناء السنة:

قال السخاوي بعد أن ذكر الحديث « وناهيك بهذا الحديث العظيم فخراً لأهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لان قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انظروا كيف تخلفوني، واوصيكم بعترتي خيراً، واذكركم الله في أهل بيتي - على

__________________

(١). الصواعق المحرقة: ٩٠.

(٢). ذخيرة المآل - مخطوط.

٢٦٣

اختلاف الالفاظ في الروايات التي اوردتها - يتضمن الحث على المودة لهم والإحسان إليهم والمحافظة بهم واحترامهم وإكرامهم وتأدية حقوقهم الواجبة والمستحبة، فإنهم من ذرية طاهرة من أشرف بيت وجد على وجه الأرض فخراً وحسباً ونسباً »(١) .

وقال الجلال السيوطي في تفسير آية المودة: « أخرج الترمذي وحسنه وابن الانباري في المصاحف عن زيد بن أرقمرضي‌الله‌عنه ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: انّى تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الأرض، وعترتي اهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما »(٢) .

وروى حديث الثقلين عبد الوهاب البخاري في ( تفسير أنورى ) بتفسير آية المودة عن أبي سعيد الخدري.

والخطيب الشربيني بتفسير الاية عن زيد بن أرقم(٣)

وقال القاري بشرح الحديث: « والمعنى أنبهكم حق الله في محافظتهم ومراعاتهم واحترامهم وإكرامهم ومحبتهم ومودتهم »(٤) .

وقال نقلا عن الطيبي: « ولعل السر في هذه الوصية واقتران العترة بالقرآن إيجاب محبتهم، وهو لائح من معنى قوله تعالى:( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً ) (٥)

وقال البدخشانى: « ثم اعلم ان محبتهم واجبة وبغضهم حرام على كل مؤمن ومؤمنة بدليل قوله تعالى:( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ ) وأخرج مسلم عن

__________________

(١). استجلاب ارتقاء الغرف - مخطوط.

(٢). الدر المنثور ٦ / ٧.

(٣). السراج المنير ٥ / ٥٣٨.

(٤). المرقاة ٥ / ٥٩٤.

(٥). المرقاة ٥ / ٦٠١.

٢٦٤

زيد بن أرقم قال: قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوماً فيناً خطيباً »(١) .

وهكذا قال جماعة آخرون، كالقارى ( شرح الشفاء ٣ / ٤١٠ هامش نسيم الرياض ) والمناوى ( فيض القدير ٣ / ١٤ ) والشيخ عبد الحق ( أشعة اللمعات ٤ / ٦٧٧ ) والزرقانى ( شرح المواهب ٧ / ٧ )

وأما بالنسبة الى الآية الثانية وهي قوله تعالى:( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئولُونَ ) فان حديث الثقلين جاء شاهداً لها في عبارات كثير من علماء أبناء السنة:

فقد قال السمهودي بعد ذكر طرق حديث الثقلين، في التنبيه الرابع: « وقال الحافظ جمال الدين الزرندي عقب حديث: « من كنت مولاه فعلى مولاه »: قال الامام الواحدي: هذه الولاية التي أثبتها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسئول عنها يوم القيامة، وروى في قوله تعالى:( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئولُونَ ) : عن ولاية علي واهل البيت، لان الله أمر نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان يعرف الخلق انه لا يسألهم على تبليغ الرسالة أجراً الا المودة في القربى، والمعنى: انهم يسألون هل والوهم حق الموالاة كما أوصاهم النبي أم أضاعوها وأهملوها، فيكون عليهم المطالبة والتبعة - انتهى.

قلت: وقوله « وروي في قوله تعالى » يشير الى ما أخرجه الديلمي عن ابى سعيد الخدريرضي‌الله‌عنه وقفوهم انهم مسئولون عن ولاية علي بن ابى طالبرضي‌الله‌عنه ، ويشهد لذلك قوله في بعض الطرق المتقدمة: والله سائلكم كيف خلفتموني في كتابه وأهل بيتي ».

وراجع أيضاً ما ذكره بعد آية المودة من ( جواهر العقدين ).

ونقل كلام الواحدي وحديث ابى سعيد المتقدم شاهداً للاية الكريمة كل من ( الصواعق ٨٩ - ٩٠ ) والشيخانى في ( الصراط السوى - مخطوط ) و ( تحفة المحبين - مخطوط )، والمولوى ولى الله اللكهنوى في ( مرآة المؤمنين - مخطوط ) قال: « الآية السادسة قوله تعالى:( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئولُونَ ) روى

__________________

(١). نزل الابرار: ٦.

٢٦٥

الواحدي انهم مسؤلون عن ولاية على واهل البيت

وفي الباب أحاديث كثيرة، أخرج مسلم عن زيد بن أرقم قال: قام فينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطيباً فحمد الله وأثنى عليه قال: أما بعد أيها الناس! انما أنا بشر مثلكم ».

وذكر المولوي محمد مبين في ( وسيلة النجاة ) أن الآية الكريمة:( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئولُونَ ) يدل على أن جميع أفراد البشر مسئولون يوم الحشر عما قابلوا به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله على ونبينا وعليه وأهل بيت خير البشر، وهل أدوا حق موالاتهم كما هو حقه أو لا؟ وهل امتثلوا ما أمرهم به رسول الله من اطاعتهم والانقياد لأوامرهم أم تخلفوا عن ذلك؟ ولهذا فقد روى مسلم عن زيد بن أرقم انه قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوماً فينا خطيباً بموضع فيه ماء يدعى خماً ».

١٤ - دلالة الحديث على عصمة الأئمة من أهل البيت

ان حديث الثقلين يدل على عصمة أهل البيت عليهم الصلاة والسّلام وذلك:

١ - لان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر فيه باتباع أهل البيتعليهم‌السلام ، وحاشاهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يأمر باتباع الخاطئين والمخالفين للكتاب والسنة.

٢ - لأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرنهم بالكتاب وأمر باتباعهما معا، فكما ان الكتاب منزه من كل باطل، فأهل البيتعليهم‌السلام كذلك.

٣ - لانه جعل التمسك بهم مانعاً من الضلال كالكتاب، ومن كان جائزاً عليه الضلال لا يكون مانعاً منه

٤ - لانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صرح بعدم الافتراق بين الكتاب والعترة، أي فإنهم لا يخالفونه في وقت من الأوقات.

٥ - لانه صرح في بعض طرقه بقوله « هذا علي مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض » وهذا تخصيص بعد تعميم

٢٦٦

راجع: ( جواهر العقدين - مخطوط ) و ( الصواعق المحرقة ) و ( وسيلة المآل - مخطوط ) و ( الصراط السوى - مخطوط ) وغيرها.

٦ - لانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا لعليعليه‌السلام كما في بعض ألفاظه قائلا « اللهم أدر الحق معه حديث كان » انظر ( السيرة الحلبية ٣ / ٣٣٦ ) و ( مدارج النبوة ٢ / ٥٢٠ ) و ( روضة الأحباب - مخطوط ) وغيرها.

٧ - لانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال كما في بعض ألفاظ الحديث « ناصرهما لي ناصر وخاذلهما لي خاذل ووليهما لي ولى وعدوهما لي عدو » فجعلهما كنفسه في العصمة راجع ( المناقب لابن المغازلي ١٨ ) و ( نظم درر السمطين ) و ( الصراط السوى - مخطوط ) وغيرها.

٨ - لانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال كما في بعض ألفاظه في حق اهل البيت: « وانهم لن يخرجوكم من باب هدى ولن يدخلوكم في باب ضلالة » رواه ابو نعيم الاصبهاني في ( منقبة المطهرين - مخطوط ) بسنده عن البراء بن عازب.

٩ - لانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين في بعض ألفاظ حديث الثقلين عصمتهم بصراحة، فقد جاء في ( الأربعين في فضائل امير المؤمنين لابي عبد الله محمد ابن مسلم الرازي - مخطوط ): « وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي، فهما خليفتان بعدي، أحدهما اكبر من الآخر، سبب موصول من السماء الى الأرض، فان استمسكتم بهما لن تضلوا فإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض يوم القيامة، فلا تسبقوا أهل بيتي في القول فتهلكوا، ولا تقصروا عنهم فتذهبوا، فان مثلهم فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها هلك، ومثلهم فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها هلك، ومثلهم فيكم كمثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له، ألا وان أهل بيتي أمان أمتي، فإذا ذهب أهل بيتي جاء أمتي ما يوعدون، ألا وان الله عصمهم من الضلالة، وطهرهم من الفواحش واصطفاهم على العالمين، ألا وان الله أوجب محبتهم

٢٦٧

وأمر بمودتهم، ألا وانهم الشهداء على العباد في الدنيا ويوم المعاد، ألا وانهم أهل الولاية الدالون على طريق الهداية، ألا وان الله فرض لهم الطاعة على الفرق والجماعة، فمن تمسك بهم سلك، ومن حاد عنهم هلك، ألا وان العترة الهادية الطيبين دعاة الدين وأئمة المتقين وسادة المسلمين وقادة المؤمنين وأمناء رب العالمين على البرية أجمعين، الذين فرقوا بين الشك واليقين وجاءوا بالحق المبين ».

والعصمة مستلزمة للامامة كما ثبت في محله.

والى كونهمعليهم‌السلام معصومين - بمقتضى الكتاب والسنة ولا سيما حديث الثقلين - ذهب جماعة من كبار علماء اهل السنة:

فقد قال الرازي بتفسير قوله تعالى:( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) « ان الله تعالى أمر بطاعة أولي الامر على سبيل الجزم في هذه الآية، ومن امر الله تعالى بطاعته على الجزم والقطع لا بد ان يكون معصوماً عن الخطاء، اذ لو لم يكن معصوماً من الخطاء لكان بتقدير اقدامه على الخطأ يكون قد امر الله تعالى بمتابعته، فيكون ذلك امرا بفعل ذلك الخطأ، والخطأ لكونه خطأ يكون منهيا عنه، فهذا يفضي الى اجتماع الأمر والنهى في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد وهو محال، فثبت ان الله امر بطاعة اولى الأمر على سبيل الجزم، وثبت ان كل من امر الله بطاعته على سبيل الجزم وجب ان يكون معصوماً عن الخطأ، فثبت قطعاً ان اولى الامر المذكور في هذه الآية لا بد وان يكون معصوماً »(١) .

ولما ثبت قطعاً ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد امر بطاعة اهل البيتعليهم‌السلام ثبت بالضرورة عصمتهم، وحكم الرسول حكم الله لقوله عز وجل:( وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى ) .

وقال ابن حجر الهيتمي في ( المنح المكية في شرح القصيدة الهمزية ):

__________________

(١). تفسير الرازي ٣ / ٣٥٧.

٢٦٨

« وفي الحديث: انّى تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي، كتاب الله وعترتي، فليتأمل كونه قرنهم بالقرآن في ان التمسك بهما يمنع الضلال ويوجب الكمال ».

واليه اشار الجلال السيوطي في خطبة كتابه ( الأساس ) إذ قال: « الحمد لله الذي وعد هذه الامة المحمدية بالعصمة من الضلالة ما ان تمسكت بكتابه وعترة نبيه، وخص آل البيت النبوي من المناقب الشريفة ما قامت عليه الأحاديث الصحيحة بساطع البرهان وجليه ».

وقال ابن حجر بعد أن ذكر الحديث: « ثم الذين وقع الحث عليهم منهم انما هم العارفون بكتاب الله وسنة رسوله، إذ هم الذين لا يفارقون الكتاب الى الحوض، ويؤيده الخبر السابق: لا تعلموهم فإنهم اعلم منكم، وتميزوا بذلك عن بقية العلماء، لان الله أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً وشرفهم بالكرامات الباهرة والمزايا المتكاثرة. وقد مر بعضها »(١) .

وبمثله قال ولي الله اللكهنوي في ( مرآة المؤمنين - مخطوط ).

وقال السندي في شرحه للحديث: « وفيه من تأكد اخبار كونهم على الحق كالقرآن وصونهم ابداً عن الخطأ كالوحي المنزل ما لا يخفى على الخبير »(٢) .

وقال الشهاب الدولت آبادي: « وفي ( المصابيح ) و ( المشكاة ) عن زيد ابن أرقم قال: قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: انّي تارك فيكم ما ان تمسكتم به

وهذا الحديث دليل على انهم مع القرآن، ولا يزول ايمانهم في حال النزع »(٣) .

__________________

(١). الصواعق: ٩٠.

(٢). دراسات اللبيب ٢٣٣.

(٣). هداية السعداء - مخطوط.

٢٦٩

١٥ - دلالة الحديث على اعلمية أهل البيت

ان حديث الثقلين يدل على اعلمية أهل البيتعليهم‌السلام وذلك:

١ - لانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبر عنهم مع الكتاب بـ « الثقلين »، وهو يفيد الاعلمية كما ذكر جماعة منهم: ابن حجر في ( الصواعق ٩٠ ) والسمهودي في ( جواهر العقدين - مخطوط ).

هذا ومن جهة أخرى فقد ذكر العلماء من أهل السنة في بيان وجه تسمية الكتاب والعترة بالثقلين أنه « يستصلح بهما الدين ويعمر » تجد ذلك في ( الفائق للزمخشري ١ / ٨٠ ) و ( الكاشف للطيبي - مخطوط ) و ( المرقاة للقاري ٥ / ٥٩٣ ) و ( نسيم الرياض للخفاجي ) وغيرها

وهذا دليل آخر على الاعلمية.

٢ - لانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرن أهل بيتهعليهم‌السلام فيه بالكتاب

٣ - لانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم امر فيه الخلق بأخذ العلم منهم، ولو كان في أصحابه أو غيرهم من هو اعلم منهم لارجع الامة اليه من بعده، وقد صرح بأمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأخذ العلم من أهل البيت جماعة منهم: التفتازاني في ( شرح المقاصد ) وابن حجر في ( الصواعق ) والسمهودي في ( جواهر العقدين ) وغيرهم مستفيدين ذلك من حديث الثقلين.

٤ - لان مفاد هذا الحديث انتقال علومهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى أميرالمؤمنين عليعليه‌السلام بالوراثة. كما صرح بذلك سعيد الفرغاني في ( شرح تائية ابن الفارض ). وهذا دليل صريح على اعلميتهعليه‌السلام

٥ - لانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال كما في بعض ألفاظ الحديث: « انهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، سألت ربي ذلك لهما، فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم » وسيأتي ذكر من روى هذا اللفظ من الحديث من علماء أهل السنة.

وروى الشيخ القندوزي حديث الثقلين وفيه: « فتعلموا منهم ولا تعلموهم فانهم أعلم منكم » وهذا نصه:

٢٧٠

« وفي ( المناقب ) عن أحمد بن عبد الله بن سلام عن حذيفة بن اليمانرضي‌الله‌عنه قال: صلى بنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الظهر، ثم أقبل بوجهه الكريم إلينا فقال: معاشر أصحابي، أوصيكم بتقوى الله والعمل بطاعته، وأني ادعى فأجيب وانّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ان تمسكتم بهما لن تضلوا، وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فتعلموا منهم ولا تعلموهم فإنهم اعلم منكم »(١) .

ورواه بهذه الالفاظ عن الامام الحسينعليه‌السلام أيضاً كما سيأتي.

٦ - لانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال كما في بعض ألفاظه: « فلا تسبقوا أهل بيتي فتفرقوا ولا تخلفوا عنهم فتضلوا ولا تعلموهم فهم أعلم، وانهم لن يخرجوكم من باب هدى ولن يدخلوكم في باب ضلالة، أحلم الناس كباراً وأعلمهم صغاراً ». رواه أبونعيم في ( منقبة المطهرين - مخطوط ).

والاعلمية تستلزم الامامة كما تبين في مجلد ( حديث مدينة العلم ).

هذا وقد صرح جماعة بأعلمية أهل البيتعليهم‌السلام واعترفوا بأنهم مثل كتاب الله تعالى في وجوب التمسك به وأخذ العلم منه فقد قال القاري:

« وأقول: الأظهر هو أن أهل البيت غالباً يكونون أعرف بصاحب البيت وأحواله، فالمراد بهم أهل العلم منهم، المطلعون على سيرته، الواقفون على طريقته، العارفون بحكمه وحكمته، وبهذا يصلح ان يكونوا عدلا لكتاب الله سبحانه كما قال: وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ »(٢) .

وقال السمهودي في تنبيهاته: « ثانيها: الذين وقع الحث على التمسك بهم من أهل البيت النبوي والعترة الطاهرة، هم العلماء بكتاب الله عز وجل، إذ لا يحثصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على التمسك بغيرهم، وهم الذين لا يقع بينهم وبين الكتاب افتراق حتى يردا الحوض، ولهذا قال لا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا

__________________

(١). ينابيع المودة ٣٥.

(٢). المرقاة ٥ / ٦٠٠.

٢٧١

عنهما فتهلكوا »(١) .

وبمثله قال ابن حجر في ( الصواعق ٩٠ ).

١٦ - افضلية اهل البيت في الحديث

ان حديث الثقلين يدل على افضلية أهل البيتعليهم‌السلام ، وذلك:

١ - لان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرنهم فيه بالكتاب العزيز، ولم يقرن غيرهم به

قال التفتازاني في ( المقاصد ) « وفضل العترة الطاهرة لكونهم أعلام الهداية، وأشياع الرسالة، على ما يشير اليه ضمهم الى كتاب الله في إنقاذ المتمسك بهما عن الضلالة ».

وبه صرح الشهاب الدولت آبادي في ( هداية السعداء ) ثم قال: « قوله: - كتاب الله وعترتي، ذكر بالعطف، قال الشيخ الامام عبد القاهر الجرجاني: العطف هو الجمع بين الشيئين في الحكم، والأصل فيه الواو، وهو لمطلق الجمع عندنا اى الجمع بين المعطوف والمعطوف عليه في الحكم الذي هو الإثبات أو النفي، وعليه عامة أهل اللغة وأئمة الفتوى ».

٢ - لانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبر عن الكتاب والعترة بالثقلين وهذا بوحده دليل مبين على عظمتهما وكبر شأنهما، وعلو مقامها.

قال ابن الأثير في ( النهاية ) في - ثقل -: « ويقال لكل خطير نفيس: ثقل، فسماهما ثقلين اعظاماً لقدرهما، وتفخيماً لشأنهما ».

وبمثله قال الازهري في ( تهذيب اللغة ) عن ثعلب، والثعلبي في ( الكشف والبيان - مخطوط )، والبغوي في ( معالم التنزيل ٧ / ٦ )، وابن الاثير

__________________

(١). جواهر العقدين - مخطوط.

٢٧٢

في ( جامع الاصول )، والنووي في ( المنهاج ٩ / ٣٦٦ )، وابن منظور في ( لسان العرب ) عن الأزهري، والخازن في ( تفسيره ٧ / ٦ )، وأبوحيان في ( البحر المحيط ٨ / ١٩٤ )، والفيروزآبادي في ( القاموس )، والسيوطي في ( النثير )، وابن خلفه في ( إكمال الإكمال )، والسنوسى في ( مكمل الاكمال )، والقسطلاني في ( المواهب اللدنية بشرح الزرقاني ٧ / ٦ )، وابن حجر في ( الصواعق ٩٠ ) وكثيرون غيرهم

وقال سبط ابن الجوزي بعد أن ذكر الحديث: « والثقلان الخطيران العظيمان »(١) .

وقال الكنجي: « وأما الثقلان فأحدهما كتاب الله عز وجل والآخر عترة النبي وأهل بيته، وهما اجل الوسائل، وأكرم الشفعاء عند الله عز وجل »(٢) .

٣ - لأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم امر باتباع أهل البيت، والتمسك بهم في جميع أمورهم الدينية والدنيوية، والمتبع المتمسك به أعلى وأفضل وأجل من غيره قطعاً

٤ - لانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل التمسك بأهل بيته كالتمسك بالكتاب العظيم، ولو كان من هو افضل منهم لجعله

٥ - لان قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ولن يفترقا حتى يردا على الحوض » يفيد انهما لن يفترقا في العظمة والفضل والشرف في الدنيا والعقبى ( حتى يردا على الحوض )

قاله الشهاب الدولت آبادي في ( هداية السعداء ).

٦ - لان في هذا الحديث - بالاضافة الى ما ذكر - شواهد وأدلة على أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأمر بتعظيم أهل بيتهعليهم‌السلام وتوقيرهم: -

__________________

(١). تذكرة خواص الامة ٣٢٣.

(٢). كفاية الطالب ٧٧.

٢٧٣

فقد قال الكاشفى في شرحه: « والثاني: أهل بيتي، اذكركم الله في أهل بيتي، وفي تكراره هذا الكلام ثلاثاً دليل واضح على تعظيم اهل البيت ومحبتهم ومتابعتهم »(١) .

وقال السمهودي في تنبيهاته: « خامسها: قد تضمنت الأحاديث المتقدمة الحث البليغ على التمسك بأهل البيت النبوي وحفظهم واحترامهم والوصية بهم، لقيامهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك خطيباً يوم غدير خم، كما في أكثر الروايات المتقدمة، مع ذكره لذلك في خطبته يوم عرفة على ناقته كما في رواية الترمذي عن جابر، وفي خطبته لما قام خطيبا بعد انصرافه من حصار الطائف كما في رواية عبد الرحمن بن عوفرضي‌الله‌عنه ، وفي مرضه الذي قبض فيه وقد امتلأت الحجرة من أصحابه كما في رواية لام سلمة.

بل سبق قول ابن عمر رضي الله عنهما: آخر ما تكلم به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اخلفوني في اهل بيتي مع قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنظروا كيف تخلفوني فيهما، و قوله: ألاواني سائلكم كيف خلفتموني في كتابه وأهل بيتي، وقوله: ناصرهما لي ناصر وخاذلهما لي خاذل، وأوصيكم بعترتي خيراً وأذكركم الله في اهل بيتي، على اختلاف الألفاظ في الروايات المتقدمة، مع قوله في رواية عبد الله بن زيد عن أبيه: فمن لم يخلفني فيهم بتر عمره وورد علي يوم القيامة مسوداً وجهه، و في الحديث الاخر: فاني أخاصمكم عنهم غداً، ومن أكن خصيمه أخصمه، ومن أخصمه دخل النار. و في الآخر: من حفظني في اهل بيتي فقد اتخذ عند الله عهداً، مع ما اشتملت عليه الفاظ الاحاديث المتقدمة على اختلاف طرقها، وما سبق في ما أوصى به أمته وأهل بيته.

فأي حث ابلغ من هذا وآكد منه؟ فجزى الله تعالى نبيه صلّى الله عليه وعلى آله عن أمته واهل بيته افضل ما جزى أحداً من انبيائه ورسلهعليهم‌السلام »(٢) .

__________________

(١). الرسالة العلية ٣٠.

(٢). جواهر العقدين - مخطوط.

٢٧٤

وقال الفضل بن روزبهان: « قوله: - ان نعتقد ان آلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجب تعظيمهم ويلزم الاقتداء بهم.

أقول: أما تعظيم آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فالاعتقاد انه فرض بناء على الأحاديث الصحيحة الواردة في الباب منها: - أنه قال في خطبته في حجة الوداع: يا أيها الناس! انّي تارك فيكم الثقلين و قال في حديث آخر: أذكركم الله في أهل بيتي، ولقد كررها ثلاثاً. ومن هنا يستفاد أن تعظيمهم ومحبتهم واجب، ورعاية حقوقهم لازمة »(١) .

وبمثل هذه الكلمات قال جماعة آخرون منهم: القاري في ( المرقاة ٥ / ٥٩٤ ) والمناوى في ( فيض القدير ٢ / ١٧٤ ) والخفاجي في ( نسيم الرياض ٣ / ٤١٠ ) والعزيزي في ( السراج المنير ١ / ٣٠٢ ) وعبد الحق الدهلوي في ( أشعة اللمعات في شرح المشكاة ٤ / ٦٧٧ ) والزرقاني في ( شرح المواهب ٧ / ٥ ) وصديق حسن في ( السراج الوهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج )

٧ - لان هذا الحديث يدل على انهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل الكتاب والعترة كتوأمين، و وصى الامة بحسن المعاشرة معهما وايثار حقهما على أنفسهم كما يوصى الاب المشفق لاولاده: -

قال الطيبي بشرحه برواية زيد بن أرقم: - « وقوله: انّي تارك فيكم إشارة الى انهما بمنزلة التوأمين الخلفين عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وانه يوصى الامة بحسن المعاشرة معهما، وايثار حقهما على أنفسهم كما يوصى الأب المشفق لأولاده، ويعضده الحديث السابق في الفصل الاول: أذكركم الله في أهل بيتي كما يقول الأب المشفق: الله الله في حق اولادي »(٢) .

وبمثله قال المناوى في ( فيض القدير ٣ / ١٥ ) والزرقاني في ( شرح

__________________

(١). شرح العقائد لابن روزبهان - مخطوط.

(٢). الكاشف - مخطوط.

٢٧٥

المواهب اللدنية ).

ونقل كلام الطيبي المذكور القاري في ( المرقاة في شرح المشكاة ٥ / ٦٠٠ ).

٨ - لانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل فيه أهل بيته قائمين مقامه من بعده:

فقد قال النظام النيسابوري في تفسيره بتفسير قوله تعالى:( وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ) : وكيف تكفرون: استفهام بطريق الإنكار والتعجب، والمعنى: من اين يتطرق إليكم الكفر، والحال أن آيات الله تتلى عليكم على لسان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غضة في كل واقعة، وبين أظهركم رسول يبين لكم كل شبهة ويزيح عنكم كل علة

قلت: أمّا الكتاب فانه باق على وجه الدهر، وأما النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فانه ان كان قد مضى الىرحمه‌الله في الظاهر، ولكن نور سره باق بين المؤمنين فكأنه باق، على أن عترتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورثته يقومون مقامه بحسب الظاهر أيضاً، ولهذا قال: « انّي تارك فيكم الثقلين » »(١) .

وقال الشيخاني القادري: « وكفى بأهل بيته شرفاً حيث عد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه الشريفة منهم بقوله: اللهم انهم مني وأنا منهم، و بقوله: أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم وعدو لمن عاداهم، و بقوله: ألا من آذى قرابتي فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله »(٢) .

وبمثله صرّح ابن حجر في ( الصواعق ) والسمهودي في ( جواهر العقدين ).

وقال العجيلي: « و اذا صح وثبت أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل من آياته - ومنها القرآن - دخل في ذلك الال الكرام الذين اصطفاهم الله

__________________

(١). غرائب القرآن ١ / ٣٤٧.

(٢). الصراط السوى - مخطوط.

٢٧٦

وخصهم بالولاية والوراثة لمقامه الابراهيمي، فقد ألحقوا بنفسه الشريفة في أمور كثيرة كما يشير اليه قوله: اللهم انهم مني وأنا منهم، وذلك من قبيل الاخبار و قوله في المحبة: والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحبني ولا يحبني حتى يحب ذوي، و قوله: انّي تارك فيكم، وقصة المباهلة ودخولهم معه في قصة الكساء ودعاؤه لما تضمنته الآية بأن يجعل الله صلاته ورحمته وبركاته ومغفرته ورضوانه عليه وعليهم، وطلب ذلك له ولهم من تعظيم قدرهم حيث ساوى بين نفسه وبينهم.

وقوله: فاطمة بضعة مني. قال البيهقي: الحديث يدل على أن من سبها فقد كفر، ومن صلّى عليها فقد صلّى على أبيها، ويستنبط من ذلك أن أولادها مثلها لأنهم بضعة منها.

وقوله: علي مني وأنا من علي، و قوله علي مني بمنزلتي من ربي، وقوله: من أبغض عليا فقد أبغضني، ومن فارق علياً فارقني، ان عليا مني وأنا منه وخلق من طيني وخلقت من طينة ابراهيم، وأنا أفضل من ابراهيم ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم، و قوله الحسن مني والحسين من علي.

والدلائل النقلية في التحاقهم بنفسه الشريفة كبيرة.

والدليل العقلي ما سيأتي أن فك الفرع من أصله هو فك الشيء من أصله وهو محال غير ممكن، باعتبار أن هذا الفرع انما هو الشخص المعمول من مادة، وذلك الأصل ونتيجته المتولدة منه، وسيأتي تحقيق ذلك ان شاء الله تعالى والاعادة تظهر الافادة، وهذا الاتصال على الإطلاق مختص بالعترة الشريفة، لحديث كل نسب وسبب منقطع يوم القيامة كما سيأتي »(١) .

٩ - لان دلالة هذا الحديث على أفضلية أهل البيتعليهم‌السلام بلغت حداً استعان به بعض أهل السنة لشرح الاحاديث الاخرى: -

فقد قال القاضي أبوالمحاسن الحنفي في ( المعتصر من المختصر ) في شرح

__________________

(١). ذخيرة المآل - مخطوط.

٢٧٧

حديث الستة الملعونين:

« في الستة الملعونين: روي ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: ستة ألعنهم لعنهم الله وكل نبي مجاب: الزائد في كتاب الله عز وجل، والمكذب بقدر الله، والمتسلط بالجبروت يذل به من أعز الله، ويعز به من أذل الله، والتارك لسنتي، والمستحل لحرم الله عز وجل، والمستحل من عترتي ما حرم الله عز وجل

والعترة هم أهل البيت الذين على دينه والتمسك بهداه، روى انه خطب بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:

أما بعد أيها الناس! انما انتظر أن يأتيني رسول ربي عز وجل فأجيب، وانّي تارك فيكم الثقلين فمن أخرج عترته من المكان الذي جعلهم الله به على لسان نبيه فجعلهم كسواهم ممن ليس من أهل بيته وعترته كان ملعوناً. والباقي ظاهر ».

١٠ - لان هذا الحديث يدل في رأي عبد الله بن العباس على أفضلية أمير المؤمنينعليه‌السلام في أقل تقدير، لأنه عند ما سئل عن رأيه في أمير المؤمنينعليه‌السلام قدم هذه الفضيلة على سواها: -

فقد روى الخوارزمي بسنده عن مجاهد: قال: قيل لابن عباس: ما تقول في علي بن أبي طالب؟

قال: ذكرت والله أحد الثقلين، سبق بالشهادتين، وصلّى القبلتين، وبايع البيعتين »(١) .

ورواه عنه الشيخ القندوزي في ( ينابيع المودة ١٣٩ ).

والافضلية مستلزمة للامامة

__________________

(١). المناقب للخوارزمي ٢٣٦.

٢٧٨

١٧ - الجمع بين حديث الثقلين والولاية

لقد جاء في كثير من الروايات ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع بغدير خم بين حديث الثقلين وبين قوله في أمير المؤمنينعليه‌السلام : من كنت مولاه فان هذا مولاه، ولقد علمت في مجلد ( حديث الغدير ) أن حديث الموالاة دليل واضح على امامة أمير المؤمنينعليه‌السلام .

وبعد هذا كيف يقال في حديث الثقلين: انه لا حجة لأهل الحق في هذا الحديث على مدعاهم؟.

وإليك بعض تلك الروايات المشار إليها: -

روى المتقي في ( كنز العمال ) هذا الحديث عن جماعة « عن علي: ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حضر الشجرة بخم، ثم خرج آخذاً بيد علي فقال: أيها الناس ألستم تشهدون ان الله ورسوله أولى بكم من أنفسكم وان الله ورسوله مولاكم؟ قالوا: بلى. قال: فمن كان الله ورسوله مولاه فان هذا مولاه وقد تركت فيكم ما ان أخذتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله سببه بيده وسببه بأيديكم، وأهل بيتي.

ابن جرير، وابن أبي عاصم، والمحاملي في أماليه وصحح ».

ورواه في ( كنز العمال ١ / ١٦٨ ) أيضاً بلفظ آخر عن الحكيم والطبراني عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد.

وكذا تجده في ( التاريخ لابن كثير ٥ / ٢٠٩ ) و ( استجلاب ارتقاء الغرف للسخاوي - مخطوط ) و ( جواهر العقدين للسمهودي - مخطوط ) و ( الأربعين للمحدث الشيرازي - مخطوط ) و ( وسيلة المآل لابن باكثير - مخطوط ) و ( الصراط السوي للقادري - مخطوط ) و ( ينابيع المودة ٣٧ ).

ورواه ابن حجر في ( الصواعق ٢٥ ) عن الطبراني وغيره معترفاً بصحته وكذا السهارنپوري في ( المرافض ) ورواه البدخشاني في ( مفتاح النجا - مخطوط ) عن ( المعجم الكبير للطبراني ) مع تصحيح السند، وعن الطبراني والحكيم في ( نزل الأبرار ). ورواه عنهما محمد صدر عالم في كتابه وصحح

٢٧٩

سندهما، وهكذا تجد الحديث في ( ذخيرة المآل ) و ( مرآة المؤمنين ).

وروى حسن زمان في ( القول المستحسن ) رواية الطبراني والحكيم ثم قال: - « وفيه الحث على متابعة الثقلين بعد حديث الموالاة، وكذا في رواية ابن راهويه، وابن جرير، وابن أبي عاصم، والمحاملي، والطحاوي بأسانيد صحيحة ».

و روى السمهودي الحديثين في لفظ واحد عن عامر بن ليلى بن ضمرة، وحذيفة بن أسيد، وهذا نصه: « عن عامر بن ليلى بن ضمرة، وحذيفة بن أسيد رضي الله عنهما قالا: لما صدر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حجة الوداع، ولم يحج غيرها أقبل حتى اذا كان بالجحفة نهى عن سمرات بالبطحاء متقاربات لا ينزلوا تحتهن، حتى إذا نزل القوم وأخذوا منازلهم سواهن ارسل اليهن فقم ما تحتهن، وشذبن عن رؤوس القوم حتى إذا نودي للصلاة غدا إليهن، فصلّى تحتهن فقال: ايها الناس: انه قد نبأنى اللطيف الخبير انه لن يعمر نبى الا نصف عمر الذي يليه من قبله، وانى لا ظن ان ادعى فأجيب الا فان الله مولاي وانا اولى بكم من أنفسكم، ألا ومن كنت مولاه فهذا مولاه، وأخذ بيد علي فرفعها حتى عرفه القوم أجمعون ثم قال: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه. ثم قال: ايها الناس انى فرطكم وأنتم واردون علي الحوض وانى سائلكم حين تردون علي عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما حين تخلفوني

قالوا: وما الثقلان يا رسول الله؟

قال: الثقل الاكبر: كتاب الله، سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فاستمسكوا به لا تضلوا ولا تبدلوا، ألا وعترتي أهل بيتي فانه قد نبأني اللطيف الخبير انهما لن ينقضيا حتى يردا عليّ الحوض.

وأخرجه ابن عقدة في ( الموالاة ) من طريق عبد الله بن سنان عن أبي الطفيل عنهما به، ومن طريق ابن عقدة أورده أبو موسى المديني في ( الصحابة ) وقال: انه غريب جداً، والحافظ أبو الفتوح العجلي في كتابه

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373