نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٢

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار15%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 373

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 373 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 292691 / تحميل: 6530
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

٢ - الذهبي : « قال أبو بكر بن أبي دارم الحافظ: ما رأيت ابن عقدة يتواضع لاحد من الحفاظ كتواضعه لابي علي النيسابوري. قال الحاكم: وسمعت أبا علي يقول: اجتمعت ببغداد مع أبى أحمد العسال، وأبى إسحاق ابن حمزة، وأبى طالب بن نصر، وأبي بكر الجعابي، فقالوا: أمل من حديث نيسابور مجلساً، فامتنعت، فما زالوا بي حتى أمليت عليهم ثلاثين حديثاً ما أجاب واحد منهم في حديث منها سوى أبي حمزة في حديث واحد.

قال أبو عبد الرحمن السلمي: سألت أبا الحسن الدارقطني عن أبي على النيسابوري، فقال: امام مهذب.

أنبأني المسلم بن محمد، عن القاسم بن على، أنا أبى، أنا أخى أبو الحسن سمعت أبا طاهر السلفي، سمعت غانم بن أحمد، سمعت أحمد بن الفضل الباطرقاني، سمعت ابن مندة يقول: سمعت أبا على النيسابوري - ما رأيت أحفظ منه - قال: وما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم.

قال عبد الرحمن بن مندة، سمعت أبي يقول: وما رأيت في اختلاف الحديث والإتقان أحفظ من أبي على النيسابوري.

قال القاضي أبو بكر الابهري: سمعت أبا بكر بن داود يقول لابي علي النيسابوري: من ابراهيم عن ابراهيم عن ابراهيم؟ فقال: ابراهيم بن طهمان عن ابراهيم بن عامر البجلي عن ابراهيم النخعي. قال: أحسنت يا أبا على.

قال الحاكم: كان أبو علي يقول: ما رأيت في أصحابنا مثل الجعابي حيرني حفظه. قال: فحكيت هذا لابي بكر فقال: يقول هذا أبو على وهو استاذي على الحقيقة.

قال الحاكم توفّي في جمادى الاولى سنة تسع وأربعين وثلاثمائة. »(١) .

٣ - السبكى كما تقدم(٢) .

__________________

(١). تذكرة الحفاظ ٣ / ٩٠٢.

(٢). طبقات الشافعية ٣ / ٢٧٦.

٢١

فهذا ابو علي النيسابوري الذي قدم صحيح مسلم على غيره من الصحاح والكتب.

وقال الدهلوي في كتابه ( التحفة ) في جواب الطعن في عمر لتحريمه المتعتين: « والجواب عن هذا الطعن هو أن أصح الكتب عند أهل السنة هو ( صحيح ) مسلم وقد ورد فيه برواية سلمة بن الأكوع وسبرة بن معبد الجهني، وجاء في غيره من الصحاح برواية ابى هريرة: أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو بنفسه قد حرم المتعة بعد الرخصة بها ثلاثة أيام، ثم أبد التحريم الى يوم القيامة في حرب الاوطاس ».

فالدهلوي أيضاً ممن يرى بأن ( صحيح ) مسلم أصح الكتب، بل زاد أنه الأصح عند أهل السنة عامة.

فزعم ابن الجوزي باطل عند أهل السنة عامة، وعند الحافظ أبي علي النيسابوري و ( الدهلوي ) خاصة.

٤ - مدح العلماء لصحيح مسلم

قال النووي في ترجمة مسلم: « وصنف مسلم في علم الحديث كتباً كثيرة منها هذا الكتاب الصحيح الذي من الله الكريم - وله الحمد والنعمة والفضل والمنة - به على المسلمين، وأبقى لمسلم به ذكراً جميلا وثناءاً حسناً الى يوم القيامة، مع ما أعد له من الأجر الجزيل في دار القرار، وعم نفعه للمسلمين قاطبة »(١) .

وبمثله قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في ( فهرست مروياته ) على ما نقل عنه الثعالبي في ( مقاليد الأسانيد ).

وقال الذهبي بترجمة مسلم عند ذكر صحيحه: « وهو كتاب نفيس كامل في معناه، فلما رآه الحفاظ أعجبوا به ولم يسمعوه لنزوله، وتعمدوا الى

__________________

(١). تهذيب الأسماء واللغات ٢ / ٩١.

٢٢

احاديث الكتاب فساقوها من مروياتهم عالية بدرجة وبدرجتين ونحو ذلك، حتى أتوا على الجميع هكذا، وسموه ( المستخرج على صحيح مسلم )، فعل ذلك عدة من فرسان الحديث منهم:

أبو بكر محمد بن محمد بن رجا، وأبو عوانة يعقوب بن إسحاق الأسفراييني - وزاد في كتابه متوناً معروفة بعضها لين - والزاهد ابو جعفر احمد بن حمدان الحيري، وأبو الوليد حسان بن محمد الفقيه، وأبو حامد احمد بن محمد الشاذلى الهروي، وأبو بكر محمد بن عبد الله بن زكريا الجوزقى، والامام أبو الحسن الماسرخسى، وأبو نعيم احمد بن عبد الله بن احمد الاصبهاني، وآخرون لا يحضرني ذكرهم الآن »(١) .

هذا، ولو كان كلام ابن الجوزي حقاً لما جاز وصف مسلم وكتابه الصحيح بهذه الأوصاف البالغة النهاية في التعظيم والتكريم، وذلك لروايته حديث الثقلين غير الصحيح - في زعم ابن الجوزي - في كتابه المعروف بالصحيح.

٥ - تقديم بعضهم مسلماً على المشايخ

نقل النووي والشيخ عبد الحق الدهلوي عن احمد بن سلمة قوله: « رأيت أبازرعة وأبا حاتم يقدمان مسلم بن الحجاج في معرفة الصحيح على مشايخ عصرهما »(٢) .

وقال النووي بترجمته ايضاً: « واعلم أن مسلماًرحمه‌الله احد أعلام أئمة هذا الشأن وكبار المبرزين فيه، وأهل الحفظ والإتقان والرحالين في طلبه الى أئمة الأقطار والبلدان، والمعترف له بالتقدم فيه بلا خلاف عند أهل الحذق والعرفان، والمرجوع الى كتابه والمعتمد عليه في كل الأزمان ».

__________________

(١). سير أعلام النبلاء ١٢ / ٥٥٧.

(٢). تهذيب الاسماء واللغات ٢ / ٩١. أسماء رجال المشكاة.

٢٣

وقال ابن حجر العسقلاني في ( فهرست مروياته ) على ما نقل عنه الثعالبي في ( مقاليد الأسانيد ) في ذكر مسلم: « كان احد أعلام هذا الشأن وكبار المبرزين فيه والرحالين في طلبه، والمجمع على تقدمه فيه أهل عصره، كما شهد له بذلك اماما وقتهما وحافظا عصرهما ابو زرعة وأبو حاتم ».

واذا حكم هكذا امام في الحديث مجمع على تقدمه وتورعه بصحة حديث الثقلين، وخرّجه في صحيحه المقبول لدى الجميع، فهل يبقى للشك في صحة هذا الحديث مجال؟ أم هل تبقى قيمة لانكار ابن الجوزي صحته؟ كلا ثم كلا.

٦ - ورع مسلم واحتياطه في صحيحه

قال النووي: « سلك مسلم في صحيحه طرقاً بالغة في الاحتياط والاتقان والورع والمعرفة، وذلك مصرح بكمال ورعه وتمام معرفته وغزارة علمه [ علومه ] وشدة تحقيقه بحفظه وتقدمه في هذا الشأن، وتمكنه من أنواع معارفه وتبريزه في صناعته، وعلو محله في التمييز بين دقائق علومه [ التي لا يهتدى إليها الا أفراد في الاعصار ]، فرحمه الله ورضى الله عنه »(١) .

وقال بترجمته: « ومن أكبر الدلائل على جلالته و ورعه وحذقه وتقدمه في علوم الحديث واضطلاعه منها، وتفننه فيها وتنبيهه على ما في ألفاظ الرواة من اختلاف، بين متن واسناد ولو في حرف واعتنائه بالتنبيه على الروايات المصرحة لسماع المدلسين وغير ذلك مما هو معروف في كتابه، وقد ذكرت في مقدمة شرحي لصحيح مسلم جملا من التنبيه على هذه الأشياء وشبهها مبسوطة واضحة، ثم نبهت على تلك الدقائق والمحاسن في أثناء الشرح في مواطنها، وعلى الجملة لا نظير لكتابه في هذه الدقائق وصحة الاسناد، وهذا عندنا من المحققات التي لا شك فيها، للدلائل المتظافرة

__________________

(١). المنهاج في شرح مسلم ١ / ٣٠ - ٣١.

٢٤

عليها »(١) .

وقال فيه أيضاً: « ومن حقق نظره في ( صحيح ) مسلمرحمه‌الله واطلع على ما أودعه في أسانيد وترتيبه، وحسن سياقته وبديع طريقه من نفائس التحقيق وجواهر التدقيق، وأنواع الورع والاحتياط والتحري في الروايات، وتلخيص الطرق واختصارها، وضبط متفرقها وانتشارها، وكثرة اطلاعه واتساع روايته، وغير ذلك مما فيه من المحاسن والأعجوبات، واللطائف الظاهرات والخفيات، علم أنه امام لا يلحقه من بعد عصره، وقل من يساويه بل يدانيه من أهل عصره، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم »(٢) .

كل هذه الكلمات تفيد كمال ورع مسلم ونهاية احتياطه في الرواية، ومن ثم عرض مسلم كتابه على أبى زرعة الرازي، ثم أسقط الأحاديث التي أشار عليها كما ستقف عليه ان شاء الله.

فكيف يجوّز أحد من اهل السنة وهن حديث الثقلين - فضلا عن وضعه - وقد رواه هذا الرجل العظيم في كتابه العظيم؟

٧ - الحديث في صحيح الترمذي

لقد روى هذا الحديث الشريف الترمذي في ( صحيحه ) وهو أحد الصحاح الستة، رواه بطرق عديدة عن جابر، وزيد بن أرقم، وأبي ذر، وأبي سعيد، وحذيفة.

ولجامع الترمذي هذا مكانة مرفوعة ومرتبة جليلة، حتى قال جامعه الترمذي في شأنه: « من كان في بيته هذا الكتاب فكأنما في بيته نبي يتكلم » نقل عنه هذه الكلمة جماعة كابن الأثير، والذهبي، و ولي الدين الخطيب،

__________________

(١). تهذيب الاسماء واللغات ٢ / ٩٠.

(٢). تهذيب الاسماء ٢ / ٩١.

٢٥

والشيخ عبد الحق الدهلوي، والثعالبي، والكاتب الجلبي، و ( الدهلوي ) نفسه.(١)

فكيف يقال في حديث الثقلين المروي في هكذا كتاب - بطرق عديدة - انه غير صحيح؟!

٨ - رضى علماء الأقطار بصحيح الترمذي

قال الترمذي في حق ( جامعه الصحيح ) على ما نقل عنه ابن الأثير في « صنّفت هذا الكتاب فعرضته على علماء الحجاز فرضوا به، وعرضته على علماء العراق فرضوا به، وعرضته على علماء خراسان فرضوا به، ومن كان في بيته هذا الكتاب فكأنما في بيته نبي يتكلم »(٢) .

وقد نقل قوله هذا أيضاً الذهبي(٣) و ولي الدين الخطيب في ( رجال المشكاة ) وعبد الحق الدهلوي في ( اسماء رجال المشكاة ) والثعالبي في ( مقاليد الأسانيد ) وغيرهم.

فالتفوه بالقدح في شيء منه مخالفة لهؤلاء الأعيان.

ولقد ظهر من كلام الطيبي المنقول آنفاً، أنه قد اتفق أهل الشرق والغرب على صحة ما في ( الصحاح الستة )، فاذاً ثبت أن حديث الثقلين صحيح لرواية الترمذي إياه في صحيحه، وهو أحد الصحاح الستة، باتفاق أهل المشرق، فهل يشك أحد في بطلان زعم ابن الجوزي؟

وصرح بوقوع اجماعهم على صحة الصحاح الستة ابن روزبهان في كتابه ( الباطل ) الذي رد به على الشيعة حيث قال: « وليس أخبار الصحاح الستة مثل أخبار الروافض، فقد وقع اجماع الأئمة على صحتها ».

__________________

(١). جامع الاصول ١ / ١١٤، تذكرة الحفاظ ٢ / ٦٣٤، الاكمال في أسماء الرجال ٣ / ٨٠٣، أسماء رجال المشكاة، مقاليد الاسانيد، كشف الظنون، بستان المحدثين.

(٢). جامع الاصول ١ / ١١٤.

(٣). تذكرة الحفاظ ٢ / ٦٣٤.

٢٦

وقال أيضاً: « وأما صحاحنا فقد اتفق العلماء أن كل ما عد من الصحاح - سوى التعليقات في الصحاح الستة - لو حلف الطلاق أنه من قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو من فعله وتقريره لم يقع الطلاق ولم يحنث ».

فكيف خرج ابن الجوزي على هذا الإجماع الثابت؟

٩ - الحديث في مسند أحمد

وروى الامام أحمد بن حنبل هذا الحديث في ( مسنده ) بطرق عديدة كما عرفت في قسم السند.

١٠ - فتوى جماعة بصحة اخبار المسند

وقد علمت أيضاً أنّ أبا موسى المديني قد صرّح بصحة جميع ما في هذا المسند، وستعلم قريباً أن الحافظ المديني قد صنف كتاباً خاصاً في اثبات ما ذهب اليه.

ترجمة المديني

وقد ذكرنا فيما تقدم طرفاً من مفاخر المديني، وترجمنا له في مجلد ( حديث الولاية ) أيضاً.

وأفتى الحافظ أبو العلاء الهمداني بصحة جميع ما في ( مسند أحمد ) من الاخبار، وستقف على ذلك من كلام ابن رجب الحنبلي.

ترجمة ابى العلاء الهمداني

قال الذهبي: « أبو العلاء الهمداني الحافظ العلامة المقرئ، شيخ الإسلام، شيخ همدان، مولده سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، قال أبو سعد السمعاني: حافظ متقن مقرئ فاضل، حسن السيرة مرضي الطريقة، عزيز النفس سخي بما يملكه، مكرم للغرباء، يعرف القراءات

٢٧

والحديث والأدب معرفة حسنة، سمعت منه.

وقال عبد القادر الحافظ: شيخنا أبو العلاء أشهر من أن يعرف، بل يعز مثله في أعصار كثيرة على ما بلغنا من السير، أربى على أهل زمانه في كثرة السماعات مع تحصيل أصول ما سمع وجودة النسخ وإتقان ما كتبه بخطه، ما كان يكتب شيئاً الا منقطاً معرباً، وأول سماعه من عبد الرحمن بن الدوني في سنة خمس وتسعين وأربعمائة، برع على حفاظ عصره من حفظ ما يتعلق بالحديث من الأنساب والتواريخ والأسماء والكنى والقصص والسير. ولقد كان يوماً في مجلسه فجاءته فتوى في عثمانرضي‌الله‌عنه ، فكتب من حفظه ونحن جلوس درجاً طويلا في أخباره.

وله تصانيف منها ( زاد المسافر ) في خمسين مجلداً، وكان اماماً في القرآن وعلومه، وحصل من القرآن ما انه صنف فيه العشرة والمقروات، وصنف في الوقف والابتداء وفي التجويد والماءات والعدد، ومعرفة القراء وهو نحو من عشر مجلدات وكان اماماً في النحو واللغة سمعت من أثق به عن عبد الغافر بن اسماعيل الفارسي انه قال في الحافظ ابى العلاء لما دخل نيسابور: ما دخل نيسابور مثلك، وسمعت الحافظ أبا القاسم علي بن الحسن يقول - وذكر رجلا من أصحابه رحل - ان رجع ولم يلق الحافظ أبا العلاء ضاعت رحلته.

مات ابو العلاء في جمادى الاولى سنة تسع وستين وخمسمائة »(١) .

والى صحة جميع ما في ( مسند أحمد ) ذهب الحافظ عبد المغيث الحربي، فقد قال ابن رجب بترجمته: « وصنف عبد المغيث ( الانتصار لمسند الامام أحمد )، أظنه ذكر فيه أن أحاديث المسند كلها صحيحة، وقد صنف في ذلك قبله أبو موسى، وبذلك أفتى أبو العلاء الهمداني، وخالفهم الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي ».

__________________

(١). تذكرة الحفاظ ٤ / ١٣٢٤ وأنظر طبقات الحفاظ ٤٧٣.

٢٨

ترجمة عبد المغيث

١ - الذهبي في ( العبر ٤ / ٢٤٩ ).

٢ - اليافعي في ( مرآة الجنان ٣ / ٤٢٦ ).

٣ - ابن رجب في ( ذيل طبقات الحنبلية ).

٤ - القنوجي في ( التاج المكلل ٢١٠ ).

فقد ترجم في هذه المصادر وغيرها بكل إطراء وتبجيل - فراجعها.

١١ - كلام ابن الجوزي في وصف المسند

قال عمر بن محمد عارف النهرواني في ( مناقب احمد بن حنبل ): « قال ابن الجوزي: « صح عند الامام أحمد من الأحاديث سبع مائة ألف وخمسين ألفاً، والمراد بهذه الاعداد الطرق لا المتون، أخرج منها ( مسنده ) المشهور الذي تلقته الامة بالقبول والتكريم، وجعلوه حجة يرجع اليه ويعول عند الاختلاف عليه، قال حنبل بن إسحاق: جمعنا عمي لي ولصالح ولعبد الله وقرأ علينا المسند، وما سمعه منه تاماً غيرنا، ثم قال لنا: هذا الكتاب قد جمعته وانتخبته من أكثر من سبعمائة ألف وخمسين ألفاً، فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله فارجعوا اليه، فان وجدتموه فيه فذاك والا فليس بحجة وكان يكره وضع الكتب، فقيل له في ذلك فقال: قد عملت هذا المسند اماماً إذا اختلف الناس في سنة من سنن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجعوا اليه ».

هذا كلام ابن الجوزي وفيه فوائد، وهي:

أولا: انه صرح بانتخاب أحمد مسنده من الأحاديث الصحيحة.

ثانياً: وصف المسند بالشهرة.

ثالثاً: ذكر تلقى الامة للمسند بالقبول والتكريم.

رابعاً: جعلت الامة المسند حجة.

خامساً: جعلت الامة المسند مرجعاً يعولون عليه عند الاختلاف.

٢٩

سادساً: ان أحمد انتخبه من أكثر من سبعمائة ألف وخمسين ألفاً من الحديث.

سابعاً: ان أحمد أمر بالرجوع اليه عند الاختلاف.

ثامناً: ذكر قول أحمد « فان وجدتموه فيه فذاك والا فليس بحجة ».

تاسعاً: ذكر أن احمد جعل المسند اماماً للناس.

عاشراً: أمره ثانية بالرجوع اليه عند الاختلاف.

فالعجب من ابن الجوزي: يذكر هذه الأوصاف العظيمة لمسند الامام أحمد ويقدح في الحديث الشريف - حديث الثقلين - المروي فيه، وهل هذا إلا تهافت وتناقض؟

١٢ - ابن الجوزي: المسند من دواوين الإسلام

وقال ابن الجوزي في ( الموضوعات ) ما نصه: « فمتى رأيت حديثاً خارجاً عن دواوين الإسلام ( كالموطأ ) و ( مسند ) احمد و ( الصحيحين ) و ( سنن ) أبي داود والترمذي ونحوها فانظر فيه، فان كان له نظير في الصحاح والحسان فرتب [ قرب ] أمره، وان ارتبت به فرأيته يباين الأصول فتأمل رجال اسناده واعتبر أحوالهم من كتابنا المسمى بالضعفاء والمتروكين، فإنك تعرف وجه القدح فيه »(١) .

لا أدرى كيف الجمع بين هذا الذي ذكره قواعد عامة لمعرفة الحديث، وبين قوله بالنسبة الى حديث الثقلين انه لا يصح! ان حديث الثقلين مخرج في دواوين اسلام، في ( صحيح ) مسلم و ( صحيح ) الترمذي و ( مسند احمد ) وفي ( سنن ) أبي داود كما قال سبطه في تذكرة الخواص!!

__________________

(١). الموصوعات ١ / ٩٩.

٣٠

١٣ - مسلم: اخرجت ما صححه أبوزرعة

قال الذهبي بترجمة مسلم: « وقال مكي بن عبدان: سمعت مسلماً يقول: عرضت كتابي هذا المسند على أبي زرعة، فكل ما أشار علي في هذا الكتاب أن له علة وسبباً تركته، وكل ما قال انه صحيح ليس له علة فهو الذي أخرجت، ولو أن أهل الحديث يكتبون الحديث مائتي سنة فمدارهم على هذا المسند »(١) .

وكذا نقل عن مكي قوله هذا النووي في ( المنهاج في شرح مسلم بن الحجاج ١ / ٢١ ).

فاذا عرفت ذلك، فانه يلزم أن يكون حديث الثقلين المخرج في ( صحيح ) مسلم بطرق عديدة عارياً عن كل علة وسبب، وبعد هذا فلا يتردد عاقل في إبطال كلام ابن الجوزي.

ترجمة ابى زرعة:

١ - السمعاني : « وكان اماماً ربانياً متقناً حافظاً مكثراً صدوقاً. قدم بغداد غير مرة وجالس أحمد بن حنبل وذاكره وكثرت الفوائد في مجلسهما، روى عنه: مسلم بن الحجاج، وأبو ابراهيم إسحاق الحربي، وعبد الله بن أحمد ابن حنبل، وقاسم بن زكريا المطرز، وأبو بكر محمد بن الحسين القطان، وابن أخيه، وابن أخته أبو محمد عبد الرحمن بن أبى خليفة الرازي. وحكى عبد الله ابن أحمد بن حنبل قال: لما قدم أبو زرعة نزل عند أبي، وكان كثير المذاكرة له، سمعت أبي يوما يقول: لما صليت الفرض استأثرت بمذاكرة أبي زرعة على نوافلي. وذكر عبد الله بن أحمد قال: قلت لابي: يا أبة من الحفاظ قال: يا بني شباب كانوا عندنا من أهل خراسان وقد تفرقوا. قلت: من هم يا أبة؟ قال: محمد بن اسماعيل ذاك البخاري، وعبيد الله بن

__________________

(١). سير أعلام النبلاء ١٢ / ٥٥٧.

٣١

عبد الكريم ذاك الرازي، وعبد الله بن عبد الرحمن ذاك السمرقندي، والحسن ابن الشجاع ذاك البلخي. وحكى عن أبي زرعة الرازي انه قال: كتبت عن رجلين مائة ألف حديث، كتبت عن ابراهيم الفراء مائة ألف حديث، وعن ابى شيبة عبد الله مائة ألف حديث.

ذكر أبو عبد الله محمد بن مسلم بن وارة قال: كنت عند إسحاق بن ابراهيم بنيسابور، فقال رجل من أهل العراق: سمعت أحمد بن حنبل يقول: صح من الحديث سبعمائة ألف حديث وأكثر، هذا الفتى - يعنى أبا زرعة - قد حفظ ستمائة ألف حديث، وكان إسحاق بن راهويه يقول: كل حديث لا يعرفه أبو زرعة ليس له أصل »(١) .

٢ - الذهبي: « أبوزرعة الامام حافظ العصر كان من أفراد الدهر حفظاً وذكاءاً وديناً واخلاصاً وعلماً وعملا، حدث عنه من شيوخه: حرملة، وأبو حفص الفلاس، وجماعة، ومسلم وابن خالته الحافظ أبو حاتم، والترمذي، وابن ماجة، والنسائي، وابن أبي داود، وأبو عوانة.

وعن أبي زرعة أن رجلا استفتاه أنه حلف بالطلاق أنك تحفظ مائة ألف حديث، فقال: تمسك بامرأتك.

ابن عقدة: نا مطين عن أبي بكر بن أبي شيبة قال: ما رأيت أحفظ من أبي زرعة.

وعن الصغاني: أبوزرعة عندنا يشبه بأحمد بن حنبل.

وقال علي بن الجنيد: ما رأيت أعلم من أبي زرعة.

وقال أبو يعلى الموصلي: كان أبو زرعة مشاهدته أكبر من اسمه، يحفظ الأبواب والشيوخ والتفسير.

وقال صالح جزرة: سمعت أبا زرعة يقول: أحفظ من القراءات عشرة آلاف حديث.

__________________

(١). الأنساب - الرازي.

٣٢

وقال يونس بن عبد الاعلى: ما رأيت أكثر تواضعاً من أبي زرعة وقال عبد الواحد بن غياث: ما رأى أبو زرعة مثل نفسه.

وقال أبو حاتم: ما خلف أبو زرعة بعده مثله، ولا أعلم من كان يفهم هذا الشأن من مثله، وقل من رأيت في زهده.

مات أبوزرعة في آخر يوم من سنة أربع وستين ومائة »(١) .

١٤ - تصحيح محمد بن إسحاق ومن تبعه

لقد صحح محمد بن إسحاق هذا الحديث مؤيداً لذلك بتعدد رواته، فقد قال الأزهري في ( التهذيب ) بعد أن ذكر الحديث برواية زيد بن ثابت: « قال محمد بن إسحاق: وهذا حديث صحيح ورفعه، ونحوه زيد بن أرقم وأبو سعيد الخدري ».

ونقل الأزهري تصحيح ابن إسحاق تقريراً له وتصحيحاً للحديث، وهكذا ابن منظور نقل كلام الأزهري المشتمل على تصحيح ابن إسحاق في ( لسان العرب ) وهو أيضاً يفيد التصحيح.

فتصحيح هؤلاء جميعاً يفيد بطلان ما زعمه ابن الجوزي من أنه حديث لا يصح.

١٥ - الحديث في صحيح ابن خزيمة

لقد خرج الحافظ ابن خزيمة هذا الحديث في ( صحيحه ) كما نقل عنه السخاوي في ( استجلاب ارتقاء الغرف )، فهو صحيح لدى ابن خزيمة والسخاوي معاً، لان نقله تقرير لتصحيحه.

قال السيوطي: « ثم ان الزيادة في الصحيح عليها تعرف من كتب السنن المعتمدة كسنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن خزيمة والدارقطني

__________________

(١). تذكرة الحفاظ ٢ / ٥٥٧.

٣٣

والحاكم والبيهقي وغيرها، منصوصاً على صحته فيها، ولا يكفي وجوده فيها، الا في كتاب من شرط الاقتصار على الصحيح، فيكفي وجوده فيها كابن خزيمة وأصحاب المستخرجات »(١) .

وقال فيه أيضاً: « صحيح ابن خزيمة أعلى مرتبة من صحيح ابن حبان، لشدة تحريه حتى أنه يتوقف في التصحيح لأدنى كلام في الاسناد، فيقول ان صح الخبر، وان ثبت كذا، ونحو ذلك »(٢) .

وقال فيه أيضاً: « قد علم مما تقدم [ تقرر ] أن أصح من صنف في الصحيح ابن خزيمة، ثم ابن حبان ثم الحاكم، فينبغي أن يقال: أصحها بعد مسلم ما اتفق عليه الثلاثة، ثم ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، ثم ابن حبان والحاكم ثم ابن خزيمة فقط، ثم ابن حبان فقط، ثم الحاكم فقط، ان لم يكن الحديث على شرط الشيخين، ولم أرمن تعرض لذلك، فليتأمل »(٣) .

هذا، فلما علم وجود حديث الثقلين في ( صحيح ) ابن خزيمة وهو بهذه المثابة من الصحة والتقديم على غيره من الصحاح، فانه لا قيمة لطعن ابن الجوزي فيه.

١٦ - الحديث في صحيح أبى عوانة

لقد أخرج الحافظ أبو عوانة الأسفراييني هذا الحديث في ( المسند الصحيح ) المستخرج من ( صحيح ) مسلم كما علمت في محله.

أقوال العلماء في صحيح أبى عوانة

قال السمعاني في ( الانساب ) بترجمته: « صنف المسند الصحيح على

__________________

(١). تدريب الراوي ١ / ١٠٤ - ١٠٥.

(٢). نفس المصدر ١ / ١٠٩.

(٣). تدريب الراوي ١ / ١٢٤.

٣٤

صحيح مسلم بن الحجاج القشيري وأحسن ».

وقال ابن خلكان في ( وفيات الأعيان ) والذهبي في ( التذكرة ) والسبكي في ( طبقات الشافعية ) والأسدي في ( طبقات الشافعية ) قالوا جميعاً بترجمته: « صاحب الصحيح المخرج على صحيح مسلم ».

وقال اليافعي في ( مرآة الجنان ) بترجمته: « صاحب المسند الصحيح ».

وقال السخاوي في مرويات نفسه: « واجتمع له من المرويات بالسماع والقراءة ما يفوق الوصف، وهي تتنوع أنواعاً: أحدها ما رتب على الأبواب الفقهية ونحوها، وهي كثيرة جداً، منها ما تقيد فيه بالصحيح، كالصحيحين للبخاري ولمسلم، ولابن خزيمة - ولم يوجد بتمامه -، ولابي عوانة الاسفراييني وهو وان كان مستخرجاً على ثاني الصحيحين فقد أتى فيه بزيادات طرق، بل وأحاديث كثيرة »(١) .

وقال الثعالبي في ( مقاليد الأسانيد ): « صحيح أبي عوانة الأسفراييني وهو مستخرج على صحيح مسلم، وزاد فيه طرقاً في الاشارة وقليلا من المتون ».

وقال الدهلوي في ( بستان المحدثين ): « صحيح أبي عوانة وهو مستخرج على صحيح مسلم، ويقال المستخرج في اصطلاح المحدثين على الكتاب الذي صنف لاثبات كتاب آخر، على ترتيبه ومتونه وطرق اسناده، ويذكر سنده بحيث يتصل بمصنف ذلك الكتاب ثم شيخه ثم شيخ شيخه وهلم جرا، واذا ثبت بطرق أخرى كثر الاعتماد عليه والوثوق به، ولكن هذا المستخرج انما يسمى صحيحاً لإتيانه فيه بزيادة طرق وقليل من المتون، ولهذا قد يقال انه كتاب مستقل، ولقد كتب المذهبي منه منتخباً اشتهر كثيراً، سماه ( منتقى الذهبي )، وفيه ثلاثون ومائة حديث ».

__________________

(١). الضوء اللامع ٨ / ١٠.

٣٥

١٧ - الحديث في كتب الاخبار الصحيحة

وأخرجه كبار الحفاظ المصنفين في أحاديث الصحيحين أو الصحاح الست:

كالحاكم في ( المستدرك على الصحيحين ) بأسانيد على شرط الشيخين.

والحميدي في ( الجمع بين الصحيحين ).

ورزين في ( تجريد الصحاح ).

والمجد ابن الأثير في ( جامع الأصول ).

١٨ - تصحيح المحاملي

وأخرجه المحاملي في ( الامالي ) مصححاً اياه.

١٩ - الحديث في غرر الاخبار للفرغانى

وأخرجه سراج الدين الفرغاني في كتابه ( نصاب الاخبار ) الذي ذكره ( كاشف الظنون ) قائلا: « وقد اختصره من كتاب غرر الاخبار ودرر الاشعار، وهذا الذي وعد بجمعه مقتصراً على ايراد ألف حديث صحيح، وهو كثير الابواب ».

فرواية هؤلاء لحديث الثقلين وتصحيحهم اياه دليل ظاهر على بطلان ما ادعاه ابن الجوزي.

٢٠ - تصحيح البغوي

وأخرجه البغوي في ( المصابيح ) عن مسلم والترمذي.

٢١ - الحديث في المختارة

وأخرج ضياء الدين المقدسي هذا الحديث في ( المختارة ) كما ذكر ذلك

٣٦

السخاوي في كتاب ( استجلاب ارتقاء الغرف ) والسمهودي في ( جواهر العقدين ) وأحمد بن فضل بن محمد با كثير المكي في ( وسيلة المآل ) والمناوي في ( فيض القدير ) وحسن زمان في ( القول المستحسن ).

ولقد التزم المقدسي في كتابه هذا بالصحة كما يظهر من كلمات العلماء.

كلمات العلماء في المختارة للضياء

قال الحافظ الزين العراقي: « وممن صحح أيضاً من المعاصرين له الحافظ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي، جمع كتاباً سماه ( المختارة ) والتزم فيه الصحة، وذكر فيه أحاديث لم يسبق الى تصحيحها فيما أعلم »(١) .

ونقل السيوطي كلام العراقي هذا(٢) .

وقال السخاوي مترجماً نفسه عند ذكر أقسام مروياته: « نعم مما رتب فيه على الحروف من المسانيد مع تقييده بالمحتج به ( المختارة ) للضياء المقدسي »(٣) .

وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي في مقدمة ( شرح المشكاة ) الفارسي بعد أن ذكر المستدرك: « ولقد صنف سائر الائمة أيضاً في الصحاح مثل صحيح ابن خزيمة والمختارة للحافظ ضياء الدين المقدسي: وهو أيضاً جمع الصحاح التي لم توجد في الصحيحين، قيل انه احسن من المستدرك ».

٢٢ - تنصيص العلماء على صحته

ونقل حديث الثقلين جماعة من كبار الحفاظ وأئمة الحديث، معتمدين

__________________

(١). التقييد والايضاح: ٢٤.

(٢). تدريب الراوي ١ / ١٤٤.

(٣). الضوء اللامع ٨ / ١١.

٣٧

عليه، مصرحين بصحته، وموثقين رجاله.

فقد رواه المحب ابن النجار بسنده عن مسلم.

والرضي الصغاني في ( مشارق الانوار ) عن صحيح مسلم، وقد صرح في مقدمة كتابه ( المشارق ) بأنه جمع فيه الصحاح وجعله حجة بينه وبين الله.

وابن طلحة في ( مطالب السؤل ) عن صحيح مسلم.

والحافظ الكنجي في ( كفاية الطالب ) عن مسلم.

والنووي في ( تهذيب الاسماء ).

والمحب الطبري في ( ذخائر العقبى ) عنه أيضاً.

والخازن في ( تفسيره ) عن مسلم.

والمزي في ( تحفة الاشراف ) عن مسلم والترمذي والنسائي.

وولي الدين الخطيب عن مسلم والترمذي في ( مشكاة المصابيح ).

والطيبي في ( الكاشف ) عن مسلم.

والخلخالي في ( المفاتيح في شرح المفاتيح ).

وصحّح الذهبي لفظ أبي عوانة كما مر في ( الصراط السوي ).

وأثبته الكازروني في ( المنتقى في سيرة المصطفى ) وأضاف: ان من تفوه بما يخالف حديث الثقلين - وهو في بلاد علماء الدين - كاد أن يكون كافراً.

وصححه ابن كثير في ( التفسير ) كما نقله أيضاً عن مسلم.

ووثق الهيثمي في ( مجمع الزوائد ) رجال سنده كما مر عن ( فيض القدير ) للمناوي.

ونقله الخواجة بارسا عن ( جامع الاصول ) برواية مسلم في ( فصل الخطاب ).

ورواه الدولت آبادي ملك العلماء في ( هداية السعداء ) عن عدة من الكتب منها ( المصابيح ) برواية مسلم، وأضاف في شرح الحديث وذكر نكاته: قول « أمر ان يجمع رحال الابل كي يسمعه كل الصحابة ويكون

٣٨

مجمعاً عليه، ولئلا يختلف فيه أحد، لانه أمر عظيم للهداية ». وقال في كتابه ( شرح سنت ): « اتفق على صحته المحدثون السلف والخلف ».

وقد نقل حديث الثقلين السخاوي في ( استجلاب ارتقاء الغرف ) عن صحيح مسلم، وصحيح ابن خزيمة، والمستدرك للحاكم والمختارة.

والسيوطي في ( الجامع الصغير ) و ( الأساس ) و ( احياء الميت ) و ( نهاية الإفضال ) عن صحيح مسلم، والمستدرك للحاكم.

والسمهودي في ( جواهر العقدين ) عن مسلم والحاكم بطرقه والمختارة.

وابن روزبهان في ( شرح رسالة عقائده ).

والقسطلاني عن صحيح مسلم في ( المواهب اللدنية ).

والعلقمي في ( الكوكب المنير ) عن صحيح مسلم.

وابن حجر في مواضع من ( الصواعق ) عن مسلم وغيره.

والمرزا مخدوم الجرجاني في ( النواقض ) عن مسلم.

والقاري في ( شرح الشفاء ) و ( المرقاة ) عن صحيح مسلم.

والمناوي في ( فيض القدير ) عن مسلم وغيره، وفي ( التيسير ) أيضاً، وجزم فيه بوثوق رجاله، كما نقل في فيض القدير توثيق الهيثمي رجال سنده.

وأحمد بن باكثير في ( وسيلة المآل ).

والقادري في ( الصراط السوي ) ناصا على صحته، كما نقله أيضا عن صحيح مسلم.

والشيخ عبد الحق الدهلوي في ( اللمعات ) عن صحيح مسلم.

والخفاجي في ( نسيم الرياض ) عن مسلم.

والعزيزي عن مسلم في ( السراج المنير ).

وأثبته المقبلى في ( ملحقات الأبحاث المسددة ).

والزرقاني في ( شرح المواهب اللدنية ).

ونقله السهارنپوري في ( المرافض ) عن صحيح مسلم والطبراني.

والبدخشاني في ( مفتاح النجا ) عن صحيح مسلم والحاكم والطبراني،

٣٩

وكذا في ( نزل الابرار ) عنهم وعن الترمذي، ثم أوضح صحته.

وأثبته محمد صدر عالم في ( معارج العلى ) عن الحاكم والترمذي والطبراني بسند صحيح.

وولي الله الدهلوي في ( ازالة الخفا ) عن صحيح مسلم، ونص على أن لفظه أصح ألفاظ هذا الحديث، وعن الحاكم.

ونقل محمد أمين السندي في ( دراسات اللبيب ) ومحمد بن اسماعيل في ( الروضة الندية ) عن صحيح مسلم وغيره، والصبان في ( اسعاف الراغبين ) عنه وعن غيره.

وصرح العجيلي في ( ذخيرة المآل ) بصحة حديث الثقلين.

ونقل المولوي مبين السهالي الحديث عن صحيح مسلم والمستدرك.

والجمال المحدث في ( تفريح الأحباب ) عن صحيح مسلم.

وولي الدين السهالي في ( مرآة المؤمنين ) عن صحيح مسلم والصواعق.

والفاضل الرشيد الدهلوي في ( الحق المبين ) عن صحيح مسلم والصواعق.

والحمزاوي في ( مشارق الانوار ) عن مسلم والنسائي وأحمد.

والقندوزي في ( ينابيع المودة ) عن صحيح مسلم والمستدرك والمعجم الكبير للطبراني والصواعق، ونقل تصريح ابن حجر بصحة الحديث.

ونقل الحديث حسن زمان في ( القول المستحسن ).

وأورد الصديق حسن القنوجي عن المناوي تصريح الهيثمي بوثوق رجال سنده، وأثبت في ( السراج الوهاج ) صحة الحديث

وروايات هؤلاء دليل قوى على صحة الحديث، وبطلان دعوى ابن الجوزي.

٢٣ - جواب طعن ابن الجوزي في عطية

ان قدح ابن الجوزي في « عطية » الراوي لهذا الحديث الذي أورده

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

مسألة ١٤ : إذا صارت الوديعة مضمونةً على المستودع‌ إمّا بنقل الوديعة أو إخراجها من الحرز أو باستعمالها كركوب الدابّة ولُبْس الثوب أو بغيرها من أسباب الضمان ثمّ إنّه ترك الخيانة وردّ الوديعة إلى مكانها وخلع الثوب ، لم يبرأ بذلك عند علمائنا أجمع ، ولم يزل عنه الضمان ، ولم تَعُدْ أمانته - وبه قال الشافعي(١) - لأنّه ضمن الوديعة بعدوان ، فوجب أن يبطل الاستئمان ، كما لو جحد الوديعة ثمّ أقرّ بها.

وقال أبو حنيفة : يزول عنه الضمان ؛ لأنّه إذا ردّها فهو ماسك لها بأمر صاحبها ، فلم يكن عليه ضمانها ، كما لو لم يخرجها(٢) .

والفرق ظاهر ؛ فإنّه إذا لم يخرجها لم يضمنها بعدوان ، بخلاف صورة النزاع.

ثمّ يُنقض على أبي حنيفة بما سلّمه من أنّه إذا جحد الوديعة وضمنها بالجحود ثمّ أقرّ بها ، فإنّه لا يبرأ ، وبالقياس على السارق ، فإنّه لو ردّ المسروق إلى موضعه ، لم يبرأ(٣) ، فكذا هنا.

فروع :

أ - لو ردّ الوديعة - بعد أن تعلّق ضمانها به إمّا بالإخراج من الحرز أو بالتصرّف أو بغيرهما من الأسباب‌ - إلى المالك وأعادها عليه ثمّ إنّ المالك‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٨ : ٣٦٣ ، التهذيب - للبغوي - ٥ : ١٢٥ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٥ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٨ ، المغني ٧ : ٢٩٦ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٠٥ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢١٦.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢١٦ ، الحاوي الكبير ٨ : ٣٦٣ ، التهذيب - للبغوي - ٥ : ١٢٥ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٥ ، المغني ٧ : ٢٩٦ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٠٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٥.

١٦١

أودعه إيّاها ثانياً ، فإنّه يعود أميناً إجماعاً ، ويبرأ من الضمان.

ب - لو لم يسلّمها إلى المالك ولكن أحدث المالك له استئماناً‌ ، فقال : أذنتُ لك في حفظها ، أو أودعتُكها ، أو استأمنتُك ، أو أبرأتُك عن الضمان ، فالأقرب : سقوط الضمان عنه ، وعوده أميناً ؛ لأنّ التضمين لحقّ المالك ، وقد رضي بسقوطه ، وهو أصحّ قولَي الشافعيّة.

والثاني : إنّه لا يزول الضمان ولا يعود أميناً - وهو قول ابن سريج - لظاهر قولهعليه‌السلام : « على اليد ما أخذت حتى تؤدّي »(١) (٢) .

وكذا الخلاف فيما لو حفر بئراً في ملك غيره عدواناً ثمّ أبرأه المالك عن ضمان الحفر(٣) .

ج - لو قال المالك : أودعتُك كذا - ابتداءً - فإن خُنتَ ثمّ تركتَ الخيانة عُدْتَ أميناً لي‌ ، فخان وضمن ثمّ ترك الخيانة ، لم تزل الخيانة ، ولم يَعُدْ أميناً - وبه قال الشافعي(٤) - لأنّه لا ضمان حينئذٍ حتى يسقط ، وهناك الضمان ثابت فيصحّ إسقاطه ، ولأنّ الاستئمان الثاني معلّق.

د : لو قال : خُذْ هذا وديعةً يوماً وغير وديعةٍ يوماً ، فهو وديعة أبداً. ولو قال : خُذْه وديعةً يوماً وعاريةً يوماً ، فهو وديعة في اليوم الأوّل ، وعارية في اليوم الثاني.

وهل يعود وديعةً؟ مَنَع الشافعيّة منه ، وقالوا : لا يعود وديعةً أبداً(٥) .

____________________

(١) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٩٦ / ٣٥٦١ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٦٦ / ١٢٦٦ ، مسند أحمد ٥ : ٦٣٨ / ١٩٦٢٠ ، المعجم الكبير - للطبراني - ٧ : ٢٥٢ / ٦٨٦٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٥ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٨.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٥.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٥ - ٣٠٦ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٨.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٦ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٨.

١٦٢

مسألة ١٥ : إذا مزج المستودع الوديعة بماله مزجاً لا يتميّز أحدهما عن صاحبه‌ ، كدراهم مزجها بمثلها ، أو دنانير مزجها بمثلها بحيث لا مائز بين الوديعة وبين مال المستودع ، أو مزج الحنطة بمثلها ، كان ضامناً ، سواء كان المخلوط بها دونها أو مثلها أو أزيد منها - وبه قال الشافعي(١) - لأنّه قد تصرّف في الوديعة تصرّفاً غير مشروعٍ ، وعيّبها بالمزج ، فإنّ الشركة عيب ، فكان عليه الضمان ، ولأنّه خلطها بماله خلطاً لا يتميّزا ، فوجب أن يضمنها ، كما لو خلطها بدونه.

وقال مالك : إن خلطها بمثلها أو الأجود منها لم يضمن ، وإن خلطها بدونها ضمن ؛ لأنّه لا يمكنه ردّها إلّا ناقصةً(٢) .

وهو آتٍ في المساوي والأزيد ؛ فإنّ الشركة عيب ، والوقوف على عين الوديعة غير ممكنٍ ، فاشتمل ذلك على المعاوضة ، وإنّما تصحّ برضا المالك.

ولو مزجها بمال مالكها بأن كان له عنده كيسان وديعةً ، فمزج أحدهما بالآخَر بحيث لا يتميّز ، ضمن أيضاً ؛ لأنّه تصرّف تصرّفاً غير مشروعٍ في الوديعة ، وربما ميّز بينهما لغرضٍ دعا إليه ، فالخلط خيانة.

وكذا لو أودعه كيساً وكان في يده له كيسٌ آخَر أمانة مجرّدة بأن وقع عليه اتّفاقاً فمزج أحدهما بالآخَر ، كان ضامناً أيضاً.

وكذا لو كان الكيس الآخَر في يده على سبيل الغصب من مالك‌

____________________

(١) البيان ٦ : ٤٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٦ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٨ ، المغني ٧ : ٢٨١ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٠٦ - ٣٠٧.

(٢) البيان ٦ : ٤٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٦ ، المغني ٧ : ٢٨١ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٠٧.

١٦٣

الوديعة ، وبالجملة على أيّ وجهٍ كان.

مسألة ١٦ : لو أودعه عشرة دراهم - مثلاً - في كيسٍ‌ ، فإن كان مشدوداً مختوماً فكسر الختم وحلّ الشدّ أو فَعَل واحداً منهما ، ضمن ؛ لأنّه هتك الحرز على ما تقدّم.

وإن لم يكن الكيس مشدوداً ولا مختوماً فأخرج منه درهماً لنفقته ، ضمنه خاصّةً ؛ لأنّه لم يتعدّ في غيره ، فإن ردّه لم يزل عنه الضمان ، فإن لم يختلط بالباقي لم يضمن الباقي ؛ لأنّه لم يتصرّف فيه.

وكذا إن اختلط وكان متميّزاً لم يلتبس بغيره.

وإن امتزج بالباقي مزجاً ارتفع معه الامتياز ، فالوجه : إنّه كذلك لا يضمن الباقي ، بل الدرهم خاصّةً ؛ لأنّ هذا الاختلاط كان حاصلاً قبل الأخذ ، وهو أصحّ قولَي الشافعيّة ، والثاني : إنّ عليه ضمان الباقي ؛ لخلطه المضمون بغير المضمون(١) .

فعلى ما اخترناه لو تلفت العشرة لم يلزمه إلّا درهم واحد ، ولو تلفت منها خمسة لم يلزمه إلّا نصف درهمٍ.

ولو أنفق الدرهم الذي أخذه ثمّ ردّ مثله إلى موضعه ، لم يبرأ من الضمان ، ولا يملكه صاحب الوديعة إلّا بالقبض والدفع إليه.

ثمّ إن كان المردود لا يتميّز عن الباقي ، صار الكلّ مضموناً عليه ؛ لخلطه الوديعةَ بمال نفسه ، وإن كان يتميّز فالباقي غير مضمونٍ عليه.

مسألة ١٧ : لو أتلف بعضَ الوديعة ، فإن كان ذلك البعض منفصلاً عن الباقي‌ - كالثوبين إذا أتلف أحدهما - لم يضمن إلّا الـمُتْلَف ؛ لأنّ العدوان‌

____________________

(١) البيان ٦ : ٤٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٦ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٨.

١٦٤

إنّما وقع فيه ، فلا يتعدّى الضمان إلى غيره وإن كان الإيداع واحداً.

وإن كان متّصلاً ، كالثوب الواحد يخرقه ، أو يقطع طرف العبد أو البهيمة ، فإن كان عامداً في الإتلاف فهو جانٍ على الجميع ، فيضمن الكلّ.

وإن كان مخطئاً ، ضمن ما أتلفه خاصّةً ، ولم يضمن الباقي - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(١) - لأنّه لم يتعدّ في الوديعة ، ولا خان فيها ، وإنّما ضمن الـمُتْلَف ؛ لفواته وصدور الهلاك منه فيه مخطئاً.

وفي الثاني لهم : إنّه يضمنه أيضاً ، ويستوي العمد والخطأ فيه ، كما استويا في القدر التالف(٢) .

البحث الثاني : في الإيداع.

مسألة ١٨ : إذا أودع المستودعُ الوديعةَ غيرَه ، فإن كان بإذن المالك فلا ضمان عليه إجماعاً ؛ لانتفاء العدوان.

وإن لم يكن بإذن المالك ، فلا يخلو إمّا أن يودع من غير عذرٍ أو لعذرٍ ، فإن أودع من غير عذرٍ ضمن إجماعاً ؛ لأنّ المالك لم يرض بيد غيره وأمانته.

ولا فرق بين أن يكون ذلك الغير عبدَه أو جاريتَه(٣) أو زوجتَه أو ولدَه أو أجنبيّاً عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي(٤) - وذلك لعموم الدليل‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٦ - ٣٠٧ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٩.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٧ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٩.

(٣) « أو جاريته » لم ترد في النسخ الخطّيّة المعتمدة لدينا.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦٨ ، الوجيز ١ : ٢٨٤ ، الوسيط ٤ : ٥٠٠ ، حلية العلماء ٥ : ١٧٣ و ١٧٦ ، التهذيب - للبغوي - ٥ : ١١٧ ، البيان ٦ : ٤٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٢ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٨٩ ، المغني ٧ : ٢٨٢ و ٢٨٣ ، الشرح =

١٦٥

في الجميع.

وقال مالك : إنّ له أن يودع زوجته(١) .

وقال أبو العباس ابن سريج من الشافعيّة : إذا استعان بزوجته أو خادمه في خباء الوديعة ولم تغب عن نظره جاز ، ولا ضمان عليه(٢) .

وقال أبو حنيفة وأحمد : له أن يودع مَنْ عليه نفقته من ولدٍ ووالدٍ وزوجةٍ وعبدٍ ، ولا ضمان عليه بكلّ حال ؛ لأنّه حفظ الوديعة بمن يحفظ به ماله ، فلم يلزمه الضمان ، كما لو حفظها بنفسه(٣) .

وهو غلط ؛ لأنّه سلّم الوديعةَ إلى مَنْ لم يرض به صاحبها مع قدرته على صاحبها ، فضمنها ، كما لو سلّمها إلى الأجنبيّ.

والقياس عليه باطل ؛ لأنّه إذا حفظ ماله بخادمه أو زوجته فقد رضي المالك بذلك ، بخلاف صورة النزاع.

مسألة ١٩ : إذا أودع من غير إذن المالك ولا عذر ، ضمن‌ ، وكان لصاحبها أن يرجع على مَنْ شاء منهما إذا تلفت ، فإن رجع على المستودع‌

____________________

= الكبير ٧ : ٢٩٩ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ١٩ ، روضة القُضاة ٢ : ٦١٨ / ٣٥٦٠٤.

(١) بداية المجتهد ٢ : ٣١٢ ، الذخيرة ٩ : ١٦٢ ، البيان ٦ : ٤٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٢ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ١٩.

(٢) البيان ٦ : ٤٣٥ - ٤٣٦ ، حلية العلماء ٥ : ١٧٦.

(٣) تحفة الفقهاء ٣ : ١٧١ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٠٧ - ٢٠٨ ، روضة القُضاة ٢ : ٦١٨ / ٣٥٦٠٣ ، المبسوط - للسرخسي - ١١ : ١٠٩ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢١٨ ، الفقه النافع ٣ : ٩٣٩ / ٦٦١ ، المحيط البرهاني ٥ : ٥٢٨ ، المغني ٧ : ٢٨٣ ، الشرح الكبير ٧ : ٢٩٩ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٢٥ / ١٠٦٨ ، بداية المجتهد ٢ : ٣١٢ ، الذخيرة ٩ : ١٦٢ ، حلية العلماء ٥ : ١٧٦ ، التهذيب - للبغوي - ٥ : ١١٧ ، البيان ٦ : ٤٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٢ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ١٩.

١٦٦

الأوّل فلا رجوع له على الثاني ، وإن رجع على المستودع الثاني كان للمستودع الثاني أن يرجع على المستودع الأوّل ؛ لأنّه دخل معه على أن لا يضمن ، وبه قال الشافعي(١) .

وقال أبو حنيفة : ليس للمالك أن يضمن الثاني ؛ لأنّ قبض الثاني تعلّق به الضمان على الأوّل ، فلا يتعلّق به ضمان على الآخَر(٢) .

وهو ممنوع ؛ لأنّه قبض مال غيره ، ولم يكن له قبضه ، فإذا كان من أهل الضمان في حقّه ضمنه ، كما استودعه إيّاه الغاصب.

ودليله ضعيف ؛ لأنّ المستودع الأوّل ضمن بالتسليم ، والثاني بالتسلّم.

مسألة ٢٠ : ولا فرق عندنا بين أن يودع المستودع الوديعةَ عند القاضي أو عند غيره.

وللشافعيّة وجهان - حكاهما [ أبو ](٣) حامد فيما إذا وجد المالك وقدر على الردّ عليه ، وفيما إذا لم يجد - أحدهما : إنّه لا يضمن.

أمّا إذا كان المالك حاضراً : فلأنّ أمانة القاضي أظهر من أمانة المستودع ، فكأنّه جعل الوديعة في مكانٍ أحرز.

وأمّا إذا كان غائباً : فلأنّه لو كان حاضراً لألزمه المودع الردّ ، فإذا كان غائباً ناب عنه القاضي.

والأظهر عند أكثر الشافعيّة : إنّه يضمن.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٧٣ ، البيان ٦ : ٤٣٦ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٢١ ، المغني ٧ : ٢٨٢ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٠١.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ١٧١ - ١٧٢ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٠٨ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢١٨ ، المغني ٧ : ٢٨٢ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٠١ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٢١.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « ابن ». والصحيح ما أثبتناه.

١٦٧

أمّا إذا كان المالك حاضراً : فلأنّه لا ولاية للقاضي على الحاضر الرشيد ، فأشبه سائر الناس.

وأمّا إذا كان غائباً : فلأنّه لا ضرورة بالمودع إلى إخراجها من يده ، ولم يرض المالك بيد غيره ، فليحفظه إلى أن يجد المالك أو يتجدّد له عذر(١) .

وعلى تقدير تجويز الدفع إلى القاضي هل يجب على القاضي القبول إذا عرضها المستودع عليه؟

أمّا إذا كان المالك حاضراً والتسليم إليه متيسّراً ، فلا وجه لوجوبه عليه.

وأمّا إذا لم يكن كذلك ، ففي إيجاب القبول للشافعيّة وجهان :

أحدهما : المنع ؛ لأنّه التزم حفظه ، فيؤمر بالوفاء به.

وأظهرهما : الإيجاب ؛ لأنّه نائب عن الغائب ، ولو كان المالك حاضراً لألزم القبول(٢) .

ولو دفع الغاصبُ الغصبَ إلى القاضي ، ففي وجوب القبول عليه الوجهان(٣) .

لكن هذه الصورة أولى بعدم الوجوب ، ليبقى مضموناً للمالك.

والمديون إذا حمل الدَّيْن إلى القاضي ، فكلّ موضعٍ لا يجب على ربّ الدَّيْن القبول لو كان حاضراً ففي القاضي أولى ، وكلّ موضعٍ يجب على المالك قبوله ففي القاضي الوجهان(٤) .

وهذه الصورة أولى بعدم الوجوب - وهو الأظهر عندهم(٥) - لأنّ الدَّيْن‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٢ - ٢٩٣ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٨٩ - ٢٩٠.

(٢ - ٥) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٣ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٠.

١٦٨

ثابت في الذمّة لا يتعرّض للتلف ، وإذا تعيّن تعرّض له ، ولأنّ مَنْ في يده العين يثقل عليه حفظها.

وجميع ما ذكرناه فيما إذا استحفظ الغير وأزال يده ونظره على الوديعة ، أمّا إذا استعان به في حملها إلى الحرز فلا بأس ، كما لو استعان في سقي البهيمة وعلفها.

فروع :

أ - لو كانت له خزانة مشتركة بينه وبين أبيه فدفع الوديعة إلى أبيه ليضعها في الخزانة المشتركة ، فالأقرب : الضمان ، إلّا إذا علم المالك بالحال.

ب - لا يجوز أن يضع الوديعة في مكانٍ مشترك بينه وبين غيره‌ ، كدكّانٍ مشترك ودارٍ مشتركة ، فلو وضعها فيه ثمّ أراد الخروج لحاجاته فاستحفظ مَنْ يثق به من متّصليه وكان يلاحظ المحرز في عوداته ، فلا بأس ؛ لأنّه في الحقيقة إيداع مع الحاجة.

ولو فوّض الحفظ إلى بعضهم ولم يلاحظ الوديعة أصلاً ، فالأقرب : الضمان.

ج - لو كان المحرز خارجاً عن داره التي يأوي إليها وكان لا يلاحظه‌ ، فإن كان يشاركه غيره ضمن ، وإلّا فلا.

مسألة ٢١ : لو جعل الوديعة في دار جاره ، فإن كان الموضع محرزاً لا يدخله المالك وكان عاريةً أو مأذوناً فيه فلا ضمان‌ ، وإن لم يكن كذلك ضمن ؛ لأنّه فرّط حيث وضع الوديعة في غير حرزٍ أو في حرزٍ ممنوع منه شرعاً.

ولما رواه محمّد بن الحسن الصفّار قال : كتبت إلى أبي محمّد‌

١٦٩

العسكريعليه‌السلام : رجل دفع إلى رجلٍ وديعةً فوضعها في منزل جاره فضاعت هل تجب عليه إذا خالف أمره وأخرجها من ملكه؟ فوقّععليه‌السلام : « هو ضامن لها إن شاء الله »(١) .

مسألة ٢٢ : إذا أراد المستودع ردَّ الوديعة على صاحبها ، كان له ردّها عليه أو على وكيله في قبضها‌ ؛ لأنّ المستودع لا يلزمه إمساكها.

فإن دفعها إلى الحاكم أو إلى ثقةٍ مع وجود صاحبها أو وكيله ، ضمنها على ما قدّمناه ؛ لأنّ الحاكم والأمين لا ولاية له على الحاضر الرشيد.

وإن لم يقدر على صاحبها ولا وكيله فدفعها إلى الحاكم أو أمينٍ ، فإن كان لغير عذرٍ ضمن ؛ لأنّه لا حاجة به إلى ذلك ، ولا ينوب الحاكم في غير حال الحاجة.

وإن كان به حاجة إلى الإيداع - كأن يخاف حريقاً أو نهباً أو غير ذلك - فدفعها إلى الحاكم أو إلى ثقةٍ ليخلصها من ذلك جاز ، وإن تلفت لا ضمان عليه ؛ لأنّه موضع حاجةٍ ، وقد تقدّم.

مسألة ٢٣ : لو عزم المستودع على السفر ، كان له ذلك‌ ، ولم يلزمه المقام لحفظ الوديعة ؛ لأنّه متبرّع بإمساكها ، ويلزمه ردّها إلى صاحبها أو وكيله في استردادها أو في عامّة أشغاله ، فإن لم يظفر بالمالك ؛ لغيبته ، أو تواريه ، أو حبسه وتعذّر الوصول إليه ، ولا ظفر بوكيله ، فإنّه يدفعها إلى الحاكم ، ويجب عليه قبولها ؛ لأنّه موضوع للمصالح ، فإن لم يجد دَفَعها إلى أمينٍ ، ولا يُكلّف تأخير السفر ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كانت عنده ودائع ، فلـمّا أراد الهجرة سلّمها إلى أُمّ أيمن ، وأمر عليّاًعليه‌السلام بردّها(٢) .

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١٨٠ / ٧٩١.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ١٤٢ ، الهامش (٣)

١٧٠

فإن ترك هذا الترتيب فدفعها إلى الحاكم أو إلى الأمين مع إمكان الدفع إلى المالك أو وكيله ، ضمن.

وللشافعيّة خلاف في الحاكم(١) سبق(٢) .

وإن دفع إلى أمينٍ وهو يجد الحاكم ، فللشافعي قولان :

أحدهما - وبه قال علماؤنا ، وأحمد بن حنبل وابن خيران من الشافعيّة والاصطخري منهم - : إنّه يضمنه ؛ لأنّ أمانة الحاكم ظاهرة متّفق عليها ، فلا يُعدل عنها ، كما لا يُعدل عن النصّ إلى الاجتهاد ، ولأنّ الحاكم نائب الغائبين ، فكان كالوكيل ، ولأنّ له ولايةً ، فهو يمسكها بالولاية والعدالة ، بخلاف غيره ، فإنّه ليس له الولاية.

والثاني : إنّه لا يضمن - وبه قال مالك - لأنّه أودع بالعذر أميناً ، فأشبه الحاكم ، ولأنّ مَنْ جاز له دفعها إليه مع عدم الحاكم جاز دفعها إليه مع وجوده ، كوكيل صاحبها(٣) .

وقد نقل أصحاب الشافعي عنه اضطراباً في القول ، فقالوا : هذان القولان للشافعي.

قال في باب الرهن فيما إذا أراد العَدْل ردّ الرهن أو الوديعة - يعني إلى عَدْلٍ - بغير أمر الحاكم : ضمن.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٤ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٠.

(٢) في ص ١٦٦ ، المسألة ٢٠.

(٣) الحاوي الكبير ٨ : ٣٥٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦٧ ، حلية العلماء ٥ : ١٧٣ ، التهذيب - للبغوي - ٥ : ١١٨ ، البيان ٦ : ٤٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٤ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٠ ، المغني ٧ : ٢٨٣ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٠٤ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٢٥ / ١٠٦٩ ، بداية المجتهد ٢ : ٣١٢ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ١٩ - ٢٠.

١٧١

وقال هنا في ردّ الوديعة : ولو لم يكن حاضراً - يعني ربّ الوديعة - فأودعها أميناً يودعه ماله، لم يضمن. فلم يفرّق بين أن يجد الحاكم أو لا يجد(١) .

ونقل عنه طريقة قاطعة بأنّه يضمن(٢) .

ونقل عنه أيضاً طريقة قاطعة أنّه لا يضمن(٣) .

وحكى بعض الشافعيّة وجهاً : إنّه يشترط أن يكون الأمين الذي يودعه بحيث يأتمنه ويودع ماله عنده(٤) .

لكنّ الظاهر عندهم خلافه ، وقول الشافعي : « يودعه ماله » على سبيل التأكيد والإيضاح(٥) .

مسألة ٢٤ : ولا يجوز للمستودع إذا عزم على السفر أن يسافر بالوديعة‌ ، بل يجب عليه دفعها إلى صاحبها أو وكيله الخاصّ في الاسترداد أو العامّ في الجميع ، فإن لم يوجد أحدهما دفعها إلى الحاكم ، فإن تعذّر الحاكم دفعها إلى أمينٍ ، ولا يسافر بها ، فإن سافر بها مع القدرة على صاحبها أو وكيله أو الحاكم أو الأمين ، ضمن عند علمائنا أجمع ، سواء كان السفر مخوفاً أو غير مخوفٍ - وبه قال الشافعي(٦) - لأنّه سافر بالوديعة من غير ضرورةٍ بغير إذن مالكها فضمن ، كما لو كان الطريق مخوفاً ، ولأنّ حرز‌

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٤ - ٢٩٥.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٥.

(٦) الحاوي الكبير ٨ : ٣٥٧ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦٨ ، الوسيط ٤ : ٥٠١ ، حلية العلماء ٥ : ١٧١ ، التهذيب - للبغوي - ٥ : ١١٨ ، البيان ٦ : ٤٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٥ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩١ ، المغني ٧ : ٢٨٤ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٠٢ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٢٠.

١٧٢

السفر دون حرز الحضر ، وفي الحديث : « إنّ المسافر ومتاعه لعلى قَلَتٍ(١) إلّا ما وقى الله »(٢) .

وقال أبو حنيفة : إذا كان السفر آمناً ، لم يضمن ؛ لأنّه نقل الوديعة إلى موضعٍ مأمون فلم يضمن ، كما لو نقلها في البلد من موضعٍ إلى موضعٍ(٣) .

وهو وجهٌ للشافعيّة ، وكذا إذا كان السفر في البحر إذا كان الغالب فيه السلامة(٤) .

والفرق ظاهر ؛ فإنّ البلد يؤمن أن يطرأ عليه الخوف ، والسفر لا يؤمن فيه مثل ذلك ، ولأنّ البلد في حكم المنزل الواحد وقد رضي مالك الوديعة به ، بخلاف السفر.

مسألة ٢٥ : لو اضطرّ المستودع إلى السفر بالوديعة بأن يضطرّ إلى السفر وليس في البلد حاكم‌ ولا ثقة ولم يجد المالك ولا وكيله ، أو اتّفق جلاءٌ لأهل البلد ، أو وقع حريق أو غارة ونهب ولم يجد المالك ولا وكيله ولا الحاكم ولا العَدْل ، سافر بها ، ولا ضمان عليه إجماعاً ؛ لأنّ حفظها حينئذٍ في السفر بها ، والحفظ واجب ، وإذا لم يتمّ إلّا بالسفر بها كان السفر بها واجباً ، ولا نعلم فيه خلافاً.

____________________

(١) القلت : الهلاك. راجع الهامش التالي.

(٢) غريب الحديث - لابن قتيبة - ٢ : ٥٦٤.

(٣) المبسوط - للسرخسي - ١١ : ١٢٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢١٧ ، المحيط البرهاني ٥ : ٥٣١ ، الحاوي الكبير ٨ : ٣٥٧ ، الوسيط ٤ : ٥٠٢ ، حلية العلماء ٥ : ١٧١ ، البيان ٦ : ٤٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٥ - ٢٩٦ ، المغني ٧ : ٢٨٤ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٠٢ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٢٠.

(٤) حلية العلماء ٥ : ١٧١ ، البيان ٦ : ٤٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٥ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩ (١)

١٧٣

أمّا لو عزم على السفر من غير ضرورةٍ في وقت السلامة وأمن البلد وعجز عن المالك ووكيله وعن الحاكم والأمين فسافر بها ، فالأقرب : الضمان ؛ لأنّه التزم الحفظ في الحضر ، فليؤخّر السفر ، أو ليلتزم خطر الضمان ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : إنّه لا ضمان عليه ، وإلّا لزم أن ينقطع عن السفر ، وتتعطّل مصالحه ، وفيه تنفير عن قبول الودائع(١) .

وشرطوا لجواز السفر بها أمن الطريق ، وإلّا فيضمن(٢) .

أمّا عند وقوع الحريق ونحوه فإنّا نقول : إذا كان احتمال الهلاك في الحضر أقرب منه في السفر ، فله أن يسافر بها ، ولو كان الطريق آمناً فحدث خوفٌ أقام.

ولو هجم القطّاع فألقى المال في مضيعة إخفاءً له فضاع ، فعليه الضمان.

مسألة ٢٦ : لو عزم المستودع على السفر فدفن الوديعة ثمّ سافر ، ضمنها إن كان قد دفن في غير حرزٍ.

وإن دفنها في منزله في حرزٍ ولم يُعلمْ بها أحداً ، ضمنها أيضاً ؛ لأنّه غرّر بها ، لأنّه ربما هلك في سفره فلا يصل صاحبها إليها ، ولأنّه ربما يخرب المكان أو يغرق فلا يعلم أحد بمكانها لينقلها فتتلف.

وإن أعلم بها غيره ، فإن كان غير أمينٍ ضمن ؛ لأنّه قد زادها تضييعاً ، لأنّه قد يخون فيها ويطمع.

وإن كان أميناً فإن لم يكن ساكناً في الموضع ، ضمنها ؛ لأنّه لم يودعها‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٦ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٢.

١٧٤

عنده.

وإن كان ساكناً في الموضع ، فإن كان ذلك مع عدم صاحبها والحاكم جاز ؛ لأنّ الموضع وما فيه في يد الأمين ، فالإعلام كالإيداع ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة ، والثاني : إنّه يضمن ؛ لأنّه إعلام لا إيداع(١) .

وإن كان مع القدرة على صاحبها أو وكيله ضمن.

وإن كان مع القدرة على الحاكم ، فعلى الوجهين السابقين.

ولو جعلها في بيت المال ، ضمن ، قاله الشافعي في الأُمّ(٢) .

واختلف أصحابه في معناه.

فمنهم مَنْ قال : أراد بذلك إذا تركها في بيت المال مع القدرة على صاحبها.

ومنهم مَنْ قال : أراد إذا جعلها في بيت المال بنفسه ولم يسلّمها إلى الحاكم(٣) .

ولو خاف المعاجلة عليها فدفنها فلا ضمان.

فروع :

أ - لو راقبها من الجوانب أو من فوق مراقبة الحارس‌ ، فهو كالسكنى في الموضع الذي دُفنت فيه.

ب - قال بعض الشافعيّة : الإعلام كالإيداع‌ من غير فرقٍ بين أن يسكن الموضع أو لا يسكنه(٤) .

____________________

(١) البيان ٦ : ٤٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٥ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩١.

(٢) الأُمّ ٤ : ١٣٥ ، وعنه في البيان ٦ : ٤٣٤.

(٣) البيان ٦ : ٤٣٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٥ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩١.

١٧٥

وإذا دفن الوديعة في غير حرزٍ عند إرادة السفر ، ضمن على ما تقدّم ، إلّا أن يخاف عليها المعاجلة.

وكذا يضمن لو دفنها في حرزٍ ولم يُعلِمْ بها أميناً ، أو أعلم أميناً حيث لا يجوز الإيداع عند الأمين.

ج - هل سبيل هذا الإعلام الإشهاد أو الائتمان؟ إشكال.

وللشافعيّة وجهان(١) .

فعلى الأوّل لا بدّ من إعلام رجلين أو رجل وامرأتين. والظاهر الثاني.

د - كما يجوز إيداع الغير لعذر السفر كذا يجوز لسائر الأعذار‌ ، كما لو وقع في البقعة حريق أو غارة أو خاف الغرق.

وفي معناها ما إذا أشرف الحرز على الخراب ولم يجد حرزاً ينقلها إليه.

ه- لو أودعه حالة السفر فسافر بها أو كان المستودع منتجعاً(٢) فانتجع بها ، فلا ضمان‌ ، لأنّ المالك رضي به حيث أودعه ، فكان له إدامة السفر والسير بالوديعة.

مسألة ٢٧ : إذا مرض المستودع مرضاً مخوفاً أو حُبس ليُقتل ، وجب عليه الإيصاء بالوديعة‌ ، وإن تمكّن من صاحبها أو وكيله ، وجب عليه ردّها إليه ، وإن لم يقدر على صاحبها ولا على وكيله ، ردّها إلى الحاكم.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٨ : ٣٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٥ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩١.

(٢) النجعة : طلب الكلأ في موضعه. الصحاح ٣ : ١٢٨٨ « نجع ».

١٧٦

ولو أودعها عند ثقةٍ مع عدم الحاكم جاز ، وإن كان مع القدرة عليه ضمن.

وللشافعيّة وجهان(١) .

ولو لم يوص بها لكن سكت عنها وتركها بحالها حتى مات ، ضمن ؛ لأنّه غرّر بها وعرّضها للفوات ، فإنّ الورثة يقتسمونها ويعتمدون على ظاهر اليد ولا يحسبونها وديعةً ، ويدّعونها لأنفسهم ، فكان ذلك تقصيراً منه يوجب التضمين.

فروع :

أ - التقصير هنا إنّما يتحقّق بترك الوصاية إلى الموت‌ ، فلا يحصل التقصير إلّا إذا مات ، لكن نتبيّن عند الموت أنّه كان مقصّراً من أوّل ما مرض ، فضمّناه ، أو يلحق التلف إذا حصل بعد الموت بالتردّي بعد الموت في بئرٍ حفرها متعدٍّ.

ب - قد توهّم بعض الناس أنّ المراد من الوصيّة بها تسليمها إلى الوصي‌ ليدفعها إلى المالك ، وهو الإيداع بعينه(٢) .

وليس كذلك ، بل المراد الأمر بالردّ من غير أن يخرجها من يده ، فإنّه والحالة هذه مخيّر بين أن يودع للحاجة ، وبين أن يقتصر على الإعلام والأمر بالردّ ؛ لأنّ وقت الموت غير معلومٍ ، ويده مستمرّة على الوديعة ما دام حيّاً.

ج - الأقرب : الاكتفاء بالوصيّة وإن أمكنه الردّ إلى المالك‌ ؛ لأنّه‌

____________________

(١) البيان ٦ : ٤٣٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٦.

١٧٧

مستودع لا يدري متى يموت ، فيستصحب الحكم.

ويحتمل أنّه يجب عليه الردّ إلى المالك أو وكيله عند المرض ، فإن تعذّر أودع عند الحاكم أو أوصى إليه ، كما إذا عزم على السفر ، وهو قول أكثر الشافعيّة(١) .

د - يجب الإيصاء إلى الأمين‌ ، فإن أوصى إلى غير ثقةٍ ، فهو كما لو لم يوص ، ويجب عليه الضمان ؛ لأنّه غرّر بالوديعة.

ولا يجب أن يكون أجنبيّاً ، بل يجوز أن يوصي بها إلى وارثه ، ويُشهد عليه ؛ صوناً لها عن الإنكار.

وكذا الإيداع حيث يجوز أن يودع أميناً.

مسألة ٢٨ : إذا أوصى بالوديعة ، وجب عليه أن يبيّنها ويميّزها عن غيرها‌ بالإشارة إلى عينها أو بيان جنسها ووصفها ، فلو لم يبيّن الجنس ولا أشار إليها بل قال : عندي وديعة ، فهو كما لو لم يوص.

ولو ذكر الجنس فقال : عندي ثوب لفلان ، ولم يصفه ، فإن لم يوجد في تركته جنس الثوب ، فأكثر علمائنا على أنّ المالك يضارب ، فيضارب ربّ الوديعة الغرماء بقيمة الوديعة ؛ لتقصيره بترك البيان ، وهو قول بعض الشافعيّة ، وهو ظاهر مذهبهم(٢) أيضاً.

وقال بعضهم : لا يضمن ؛ لأنّها ربما تلفت قبل الموت ، والوديعة أمانة ، فلا تُضمن بالشكّ(٣) .

وإن وُجد في تركته جنس الثوب ، فإمّا أن يوجد أثواب أو ثوب واحد ، فإن وُجد أثواب ضمن ؛ لأنّه إذا لم يميّز كان بمنزلة ما لو خلط الوديعة‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٧ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٢.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٧ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٣.

١٧٨

بغيرها ، وذلك سبب موجب للضمان ، فكذا ما ساواه ، وهو عدم تنصيصه على التخصيص.

وإن وُجد ثوبٌ واحد ، ففي تنزيل كلامه عليه إشكال.

قال بعض الشافعيّة : إنّه ينزّل عليه ، ويدفع إليه(١) .

ومنهم مَنْ أطلق القول بأنّه إذا وجد جنس الثوب ضمن ، ولا يدفع إليه عين الموجود.

أمّا الضمان : فللتقصير بترك البيان.

وأمّا أنّه لا يدفع إليه عين الموجود : فلاحتمال أن تكون الوديعة قد تلفت ، والموجود غيرها(٢) . وهو جيّد.

ولهم وجهٌ آخَر : إنّه إنّما يضمن إذا قال : عندي ثوب لفلان ، وذكر معه ما يقتضي الضمان ، أمّا إذا اقتصر عليه فلا ضمان(٣) .

مسألة ٢٩ : لو مات ولم يذكر عنده وديعة ولكن وُجد في تركته كيس‌ مختوم أو غير مختومٍ مكتوب عليه : إنّه وديعة فلان ، أو وُجد في جريدته : إنّ لفلان عندي كذا وكذا وديعة ، لم يجب على الوارث التسليم بهذا القدر ؛ لأنّه ربما كتبه عبثاً ولهواً أو تلقّناً(٤) أو ربما اشترى الكيس بعد تلك الكتابة فلم يمحها ، أو ردّ الوديعة بعد ما أثبت في الجريدة ولم يمحه.

وبالجملة ، إنّما يثبت كونها وديعةً بأن يُقرّ أنّ هذه وديعة ، ثمّ يموت ، ولا يكون متّهماً في إقراره عندنا ومطلقاً عند جماعةٍ من علمائنا ، أو يُقرّ الورثة بأنّها وديعة ، أو تقوم البيّنة بذلك ، فإذا ثبتت الوديعة بأحد‌

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٧ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٣.

(٤) كذا قوله : « تلقّناً » ، وبدله في العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٨ ، وروضة الطالبين ٥ : ٢٩٤ : « تلبيساً ».

١٧٩

هذه الوجوه وجب على الورثة دفعها إلى مالكها ، فإن أخّروا الدفع مع الإمكان ضمنوا.

ولو لم يعلم صاحبها بموت المستودع ، وجب على الورثة إعلامه ذلك ، ولم يكن لهم إمساك الوديعة إلى أن يطلبها المالك منهم ؛ لأنّ المالك لم يأمنهم عليها ، وذلك كما لو أطارت الريح ثوباً إلى دار إنسانٍ وعلم صاحبها فإنّ عليه إعلامه ، فإن أخّر ذلك مع إمكانه ضمن.

تذنيب : لو لم يوص المستودع بالوديعة فادّعى ربّ الوديعة أنّه قصّر‌ ، وقال الورثة : لعلّها تلفت قبل أن ينسب إلى التقصير ، فالظاهر براءة الذمّة.

ويحتمل الضمان.

تذنيبٌ آخَر : جميع ما قلناه ثابت فيما إذا وجد فرصةً للإيداع أو الوصيّة‌ ، أمّا إذا لم يجد بأن مات فجأةً أو قُتل غيلةً ، فلا ضمان ؛ لأنّه لم يقصّر.

مسألة ٣٠ : قد بيّنّا الخلاف فيما إذا كان عنده وديعة ثمّ مات ولم توجد في تركته ، وأنّ الذي يقتضيه النظر عدم الضمان.

والذي عليه فتوى أكثر العلماء منّا ومن الشافعيّة(١) وجوب الضمان.

وقد قال الشافعي : إذا لم توجد بعينها حاصّ المالك الغرماء(٢) .

واختلف أصحابه في هذه المسألة على ثلاث طُرق :

منهم مَنْ قال : إنّما يحاصّ الغرماء بها إذا كان الميّت قد أقرّ قبل موته ، فقال : عندي أو علَيَّ وديعة لفلان ، فإذا لم تُوجد ، كان الظاهر أنّه أقرّ‌

____________________

(١) راجع الهامش (٢) من ص ١٧٧.

(٢) الأُم ٤ : ١٣٨ ، الحاوي الكبير ٨ : ٣٨٠ ، حلية العلماء ٥ : ١٧٦ - ١٧٧.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373