نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٤

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار16%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 347

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 347 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 286579 / تحميل: 6654
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

وفيه عنه « أبوذر وهو آخذ باب الكعبة ويقول: أيها الناس من عرفني عرفني ومن لم يعرفني فأنا أعرفهم، أنا أبوذر سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن رغب عنها غرق ».

وفيه نقلاً عن الصواعق: « وجاء من طرق عديدة يقوّي بعضها بعضاً: إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق. و في رواية: وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له ».

وفيه عنه أيضاً: ووجه تشبيههم بالسفينة أن من أحبّهم وعظّمهم وأخذ بهدي علمائهم نجا من ظلمة المخالفات، ومن تخلّف عن ذلك غرق في بحر كفران النعم وهلك في مفاوز الطغيان ».

وفيه عنه: « الثاني: أخرج أحمد والحاكم عن أبي ذر أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: إن مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها هلك. و في روايةٍ للبزار عن ابن عباس وعن ابن الزبير، وللحاكم عن أبي ذر أيضاً: مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق ».

ترجمته:

وهو: الشيخ سليمان بن إبراهيم المعروف بخواجه كلان الحسيني القندوزي البلخي، ولد سنة ١٢٢٠ وسافر إلى البلاد في طلب العلم، فكان من أعلام الفقهاء الحنفية ومن أساطين الطريقة النقشبندية، له مؤلفات، وتوفي سنة ١٢٩٤ كما في معجم المؤلفين أو ١٢٩٣ كما في الغدير أو ١٢٧٠ كما في الأعلام.

١٢١

(٩٢)

رواية حسن زمان

رواه في كتاب ( القول المستحسن ) حيث قال بعد كلام:

« وإليه الاشارة في الآية الكريمة:( إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ ) مع حديث: ألا أن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها هلك، وفي لفظ: غرق. رواه أحمد وابن جرير والحاكم عن أبي ذر الغفاري، والصّولي من جهة الرشيد عن آبائه عن ابن عباس، والبزار عنه وعن ابن الزبير والدولابي في الكنى عن أبي الطفيل قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول فذكره. و لا بن أبي شيبة بسند صحيح عن علي قال: إنما مثلنا في هذه الأُمة كسفينة نوح وكباب حطة في بني إسرائيل. و لأبي سهل القطّان في أماليه وابن مردويه في تفسيره عن عباد بن عبد الله الأسدي عن علي: والله إن مثلنا في هذه الأمة كمثل سفينة نوح في قوم نوح وإن مثلنا في هذه الأُمة كمثل باب حطة في بني إسرائيل. و حديث: سألت الله أن يجعلها أُذنك يا علي، فقال علي: ما سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيئاً فنسيته. و حديث: يا علي إن الله أمرني أن أدنيك وأعلمك لتعي »(١) .

ترجمته:

وهذا الرجل من معاصري السيد صاحب العبقات، وقد وصفه السيد « بالجهبذ المبجل في عصره وأوانه، حسن الزمان، نادرة دهره وحسنة زمانه ».

___________________

(١). القول المستحسن في فخر الحسن ص ٣٤٢.

١٢٢

ملحق

سند حديث السفينة

١٢٣

١٢٤

بسم الله الرحمن الرحيم

لم يكن السيد صاحب العبقات بصدد استقراء رواة الأحاديث التي بحث عنها واستيعابهم في مجلّدات ( عبقات الأنوار في إمامة الأئمة الأطهار ) وإنما اكتفى بذكر طائفةٍ من رواة كلّ حديث بقدر الضرورة

وأما ( حديث السفينة ) فحيث أن صاحب ( التحفة ) لم يناقش في سنده، فقد تعرّض للبحث عن ذلك قبل الخوض في الرد على مناقشات ( الدهلوي ) باختصار، فأورد نصوص روايات ثلّة من الأئمة وكبار علماء أهل السنة، ليردّ على ابن تيمية الطاعن في سند هذا الحديث الشريف، ومن هنا لم يترجم لأولئك الرواة حسب عادته لكني أضفت إلى الكتاب في متنه تراجم الرواة، إتماماً للفائدة ولأن يكون البحث في جميع أجزاء الكتاب على نمط واحد.

ثم أضفت إلى هؤلاء الرواة ما تيسّر لي من الوقوف عليه من خلال مراجعة مصادر الكتاب وغيرها، إكمالاً للبحث ومزيداً للفائدة، وترجمت لهم باختصار كذلك تنويهاً بجلالتهم - وإنْ لزم التكرار في بعض الأحيان - لاستقلال كل مجلّد من مجلدات الكتاب عن غيره كما هو دأب السيد صاحب العقبات، والله الموفق.

علي الحسيني الميلاني

١٢٥

١٢٦

رواة حديث السفينة

رواته من الصحابة:

لقد روى حديث السفينة ثمانية من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حسب الأحاديث الواردة في الكتاب وهم:

١ - أمير المؤمنين عليعليه‌السلام .

٢ - أبوذر الغفاري.

٣ - عبد الله بن عباس.

٤ - أبو سعيد الخدري.

٥ - أبو الطفيل عامر بن واثلة.

٦ - سلمة بن الأكوع.

٧ - أنس بن مالك.

٨ - عبد الله بن الزبير.

رواته من التابعين

وأمّا رواته من التابعين فكثيرون، يمكن الوقوف على أسمائهم بمراجعة أسانيد الحديث، ومن أشهرهم:

١٢٧

١ - زين العابدين علي بن الحسينعليه‌السلام .

٢ - سعيد بن جبير.

٣ - حنش بن المعتمر.

٤ - سعيد بن المسيب.

٥ - عطية بن سعيد العوفي.

٦ - عامر بن عبد الله بن الزبير.

٧ - أياس بن سلمة بن الأكوع.

٨ - رافع مولى أبي ذر.

رواته من الحفاظ والعلماء

وأما رواته الحديث من أعلام القوم وكبار حفاظهم وعلمائهم - عدا من ذكر في الأصل - فإليك أسماء من وقفنا عليهم على هذه العجالة حسب سنّي وفياتهم:

القرن الثاني

١ - أبو إسحاق السبيعي ١٢٧.

٢ - سليمان بن مهران الأعمش ١٤٨.

٣ - إسرائيل بن يونس السبيعي ١٦٢.

القرن الثالث

٤ - الجراح بن مخلد العجلي ٢٠٥.

٥ - يحيى بن سليمان أبو سعيد الكوفي ٢٣٨.

٦ - سويد بن سعيد الهروي الحدثاني ٢٤٠.

١٢٨

٧ - عمرو بن علي أبو حفص الفلّاس ٢٤٩.

٨ - محمد بن معمر القيسي المتوفى بعد سنة ٢٥٠.

٩ - أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني ٢٧٥.

١٠ - يعقوب بن سفيان الفسوي ٢٧٧.

١١ - روح بن الفرج القطان ٢٨٢.

القرن الرابع

١٢ - أبو أحمد داود بن سليمان الغازي القزويني.

١٣ - أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي ٣٠٣.

١٤ - أبوبكر محمد بن محمد الباغندي ٣١٢، ٣١٣.

١٥ - أبو بشر محمد بن أحمد الدولابي ٣٢٠.

١٦ - أبو القاسم الحسن بن محمد بن بشر الكوفي البجلي.

١٧ - أبو الحسن علي بن محمد بن مهرويه القزويني ٣٣٥.

١٨ - أبو محمد ميمون بن إسحاق الصواف ٣٥١.

١٩ - مطهر بن طاهر المقدسي ٣٥٥.

٢٠ - أبو أحمد عبد الله بن عدي القطان الجرجاني ٣٦٥.

٢١ - أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي ٣٦٨.

٢٢ - عبد الله بن محمد بن السقا الواسطي ٣٧٣.

٢٣ - أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني ٣٨٥.

٢٤ - أبو الحسين محمد بن المظفر البغدادي ٣٩٧.

٢٥ - أبو مليل محمد بن عبد العزيز الكلابي شيخ الطبراني.

٢٦ - الحسين بن أحمد سجادة البغدادي شيخ الطبراني.

١٢٩

القرن الخامس

٢٧ - أبوذر عبد الله بن أحمد بن محمد الأنصاري الهروي ٤٣٤.

٢٨ - أبو محمد الحسن بن علي الجوهري ٤٥٤.

٢٩ - أبو عبد الله محمد بن سلامة القضاعي المتوفى سنة ٤٥٤.

٣٠ - أبو غالب محمد بن أحمد النحوي ٤٦٢.

٣١ - أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي القرطبي ٤٧٤.

٣٢ - أبو العباس أحمد بن عمر بن أنس العذري المعروف بالدلائي ٤٧٨.

القرن السادس

٣٣ - أبو شجاع شيرويه بن شهردار الديلمي ٥٠٩.

٣٤ - أبو علي حسين بن محمد المعروف بابن سكرة الصدفي ٥١٤.

٣٥ - زاهر بن طاهر الشحامي ٥٣٣.

٣٦ - أبو العباس أحمد بن عبد الملك بن أبي جمرة المرسي ٥٣٣.

٣٧ - محمد بن عبد الباقي القاضي الأنصاري ٥٣٥.

٣٨ - أبو عمرو الخضر بن عبد الرحمن المعروف بابن القزاز ٥٤٠.

٣٩ - الموفق بن أحمد المكي الخوارزمي ٥٦٨.

٤٠ - أبو العلاء الحسن بن أحمد الهمداني ٥٦٩.

٤١ - أبوبكر محمد بن خير اللمتوني الإِشبيلي ٥٧٥.

٤٢ - محمد بن أحمد بن عبد الملك بن أبي جمرة ٥٩٩.

١٣٠

القرن السابع

٤٣ - أبو عبد الله محمد بن أحمد الحاكم المعروف بابن اليتيم ٦٢١.

٤٤ - أبو الحجاج يوسف بن خليل الدمشقي ٦٤٨.

٤٥ - أبو عبد الله محمد بن عبد الله المعروف بابن الأبار ٦٥٨.

القرن الثامن

٤٦ - محمد بن أحمد شمس الدين الذهبي ٧٤٨.

القرن التاسع

٤٧ - أحمد بن أبي بكر البوصيري ٨٤٠.

٤٨ - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ٨٥٢.

القرن العاشر

٤٩ - أحمد بن سليمان بن كمال باشا ٩٤٠.

٥٠ - عبد النبي القدوسي الحنفي ٩٩٠.

القرن الحادي عشر

٥١ - شهاب الدين أحمد بن محمد الخفاجي ١٠٦٩.

١٣١

القرن الثالث عشر

٥٢ - أحمد بن محمد بن علي الشرواني ١٢٥٣.

٥٣ - شهاب الدين محمود الآلوسي ١٢٧٠.

القرن الرابع عشر

٥٤ - أحمد بن مصطفى الكمشخانوي ١٣١١.

٥٥ - أبوبكر بن عبد الرحمن الحضرمي ١٣٤١.

٥٦ - يوسف بن إسماعيل النبهاني ١٣٥٠.

٥٧ - محمد بن يوسف التونسي الكافي ١٣٧٩.

٥٨ - عبيد الله الأمرتسري الشافعي صاحب أرجح المطالب - معاصر.

٥٩ - حسين المصري - معاصر.

٦٠ - أحمد بن محمد بن داود - معاصر.

(١)

رواية أبي إسحاق

هو من رواة حديث السفينة كما ورد اسمه في كثير من طرق لدى مشاهير أئمة الحديث، كما لا يخفى على من نظر فيها.

١٣٢

ترجمته:

هو: أبو إسحاق عمرو بن عبد الله الكوفي الهمداني المتوفى سنة ١٢٧(١) : قال الذهبي « ع - عمرو بن عبد الله أبو إسحاق الهمداني السبيعي أحد الأعلام - وهو كالزهري في الكثرة، غزا مرّات، وكان صوّاماً قوّاماً، عاش خمساً وتسعين سنة، مات سنة ١٢٧ »(٢) .

وقال ابن حجر: « قال عبد الله بن أحمد: قلت لأبي: أيّما أحب إليك أبو إسحاق أو السدي؟ فقال: أبو اسحاق ثقة وقال ابن معين والنسائي: ثقة وقال العجلي: كوي تابعي ثقة. وقال أبو حاتم: ثقة »(٣) .

وقال أيضاً: « مكثر، عابد، من الثالثة، إختلط بآخره »(٤) .

(٢)

رواية الأعمش

علم روايته لحديث السفينة من بعض أسانيد الحديث.

ترجمته:

هو: سليمان بن مهران المعروف بالأعمش المتوفى سنة ١٤٨:

قال ابن خلكان: « أبو محمد سليمان بن مهران الأعمش مولى بني كاهل من

___________________

(١). وقيل غير ذلك.

(٢). الكاشف ٢ / ٣٣٤.

(٣). تهذيب التهذيب ٨ / ٦٣ - ٦٧.

(٤). تقريب التهذيب ٢ / ٧٣.

١٣٣

ولد أسد، المعروف بالأعمش الكوفي الإِمام المشهور كان ثقة عالماً فاضلاً روى عنه سفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج، وحفص بن غياث، وخلق كثير من جلة العلماء »(١) .

وقال الذهبي: « الأعمش الحافظ الثقة شيخ الاسلام قال ابن المديني: له نحو من ألف وثلاثمائة حديث، وقال ابن عيينة: كان الأعمش أقرأهم الكتاب الله وأحفظهم للحديث وأعلمهم بالفرائض. وقال الفلاس: كان الأعمش يسمّى المصحف من صدقه. وقال يحيى القطان: الأعمش علّامة الاسلام. وقال الحربي: ما خلّف الأعمش أعبد لله منه »(٢) .

وقال الذهبي أيضاً: « سليمان بن مهران أبو محمد الكاهلي الأعمش، أحد الأعلام »(٣) .

وقال ابن حجر: « قال شعبة: ما شفاني أحد في الحديث ما شفاني الأعمش وقال العجلي: كان ثقة ثبتاً في الحديث وكان محدّث أهل الكوفة في زمانه ولم يكن له كتاب وقال ابن معين: ثقة، وقال النسائي: ثقة ثبت »(٤) .

وقال اليافعي: « الامام المحدث الكوفة وعالمها أبو محمد سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي مولاهم الأعمش كان ثقة عالماً فاضلاً، وقال السمعاني: كان يقارن بالزهري في الحجاز ...»(٥) .

وذكره ابن حبان في الثقات(٦) .

والمقدسي ابن القيسراني في رجال الصحيحين(٧) .

___________________

(١). وفيات الأعيان ٢ / ١٣٦.

(٢). تذكرة الحفاظ ١ / ١٥٤.

(٣). الكاشف ١ / ٤٠١.

(٤). تهذيب التهذيب ٤ / ٢٢٢.

(٥).. مرآة الجنان ١ / ٣٠٥.

(٦). الثقات ٤ / ٣٠٢.

(٧). الجمع بين رجال الصحيحين ١ / ١٧٩.

١٣٤

(٣)

رواية إسرائيل السبيعي

تعلم روايته لحديث السفينة من ملاحظة بعض طرقه الواردة في الكتاب

ترجمته:

هو: إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي المتوفى سنة ١٦٢، ١٦١:

قال الذهبي: « كان حافظاً صالحاً خاشعاً من أوعية العلم، ولا عبرة بقول من ليّنه فقد احتج به الشيخان قال يحيى بن معين: إسرائيل ثقة »(١) .

وترجم له ابن حجر فأورد توثيقه عن: أحمد بن حنبل وأبي حاتم والعجلي وابن حبان وغيرهم(٢) .

وقال ابن حجر: « ثقة تكلّم فيه بلا حجة »(٣) .

وذكره ابن القيسراني في رجال الصحيحين(٤) .

(٤)

رواية الجرّاح بن مخلّد

علم روايته لحديث السفينة من عبارة مسند البزار المتقدمة في الكتاب في

___________________

(١). تذكرة الحفاظ ١ / ٢١٤.

(٢). تهذيب التهذيب ١ / ٢٦١.

(٣). تقريب التهذيب ١ / ٦٤.

(٤). الجمع بين رجال الصحيحين ١ / ٤٢.

١٣٥

محلّها.

ترجمته:

هو: الجراح بن مخلد العجلي البصري المتوفى نحو سنة ٢٠٥:

قال ابن حجر العسقلاني: « ثقة من العاشرة »(١) .

وقال أيضاً: « روى عن: ابن عيينة، وروح بن عبادة، وأبي داود الطيالسي، ومعاذ بن هشام، وسليمان بن حرب، وأبي عاصم النبيل، ومحمد بن عمرو الرومي وخلق.

وعنه: أبو داود في كتاب القدر، والترمذي، وابن أبي عاصم، وأبو عروبة، وعبدان وأبوبكر بن أبي داود، وابن صاعد وجماعة. ذكره ابن حبان في الثقات، مات قريباً من سنة ٢٥٠.

قلت: حدّث عنه أبو داود أيضاً في بدء الوحي له، وقال البزار في مسنده:

حدثنا الجراح بن مخلد وكان من خيار الناس، وأخرج ابن حبان والحاكم حديثه في صحيحهما»(٢) .

وقال الذهبي: « الجراح بن مخلد العجلي القزاز، عن معاذ بن هشام وروح.

وعنه: ت وأبو عروبة وابن أبي داود، ثقة »(٣) .

(٥)

رواية يحيى بن سليمان

ستعلم روايته من حديث أبي بشر الدولابي الآتي.

___________________

(١). تقريب التهذيب ١ / ١٢٦.

(٢). تهذيب التهذيب ٢ / ٦٦.

(٣). الكاشف ١ / ١٨١.

١٣٦

ترجمته:

هو: يحيى بن سليمان بن يحيى الجعفي أبو سعيد الكوفي المقري، المتوفى سنة ٢٣٧، أو ٢٣٨:

قال ابن حجر العسقلاني: « روى عنه: البخاري والترمذي وأبو زرعة وابو حاتم وغيرهم »(١) .

وقال الذهبي: « خ ت - يحيى بن سليمان الجعفي الكوفي أبو سعيد بمصر، عن الدراوردي والمحاربي، وعنه خ والحسن بن سفيان، صويلح، مات سنة ٣٢٧. قال س: ليس بثقة، وقال أبو حاتم: شيخ »(٢) .

وقال الخزرجي: « يحيى بن سليمان بن يحيى بن سعيد الجعفي أبو سعيد الكوفي المقرئ، عن الدراوردي والمحاربي وابن وهب، وعنه خ وأحمد ابن الحسن الترمذي، وثقة ابن حبان وقال. ربما أغرب. قال ابن يونس: مات سنة ٢٣٧ »(٣) .

(٦)

رواية سويد بن سعيد

تعلم روايته لهذا الحديث الشريف بملاحظة بعض طرقه الواردة في الكتاب

___________________

(١). تهذيب التهذيب ١١ / ٢٢٧.

(٢). الكاشف ٣ / ٢٥٧.

(٣). خلاصة التهذيب ص ٤٢٤.

١٣٧

ترجمته:

هو: سويد بن سعيد أبو محمد الهروي الحدثاني المتوفى سنة ٢٤٠، روى عنه من أصحاب الصحاح مسلم بن الحجاج وابن ماجة القزويني:

قال الذهبي: « الحافظ الرّحال المعمّر حدّث عن مالك بالموطأ وعنه: م ق ومطين وابن ناجية وعبد الله بن أحمد والباغندي والبغوي وخلق كثير، وقال البغوي، كان من الحفاظ، كان أحمد بن حنبل ينتفي عليه لولديه. وقال أبو حاتم: صدوق كثير التدليس، وقال أبو زرعه: أما كتبه فصحاح وأما إذا حدّث من حفظه فلا »(١) .

وقال ابن حجر -: « صدوق في نفسه، إلّا أنّه عمي فصار يتلقّن ما ليس من حديثه، وأفحش فيه ابن معين القول(٢) . من قدماء العاشرة، مات سنة أربعين وله مائة سنة. م ق »(٣) .

وذكر ابن حجر في تهذيب التهذيب الأقوال فيه ونقل توثيقه عن العجلي أيضاً، ثم قال في آخر ترجمته: « وقال سلمة في تاريخه: سويد ثقة ثقة، روى عنه أبو داود.

وقال إبراهيم بن أبي طالب: قلت: لمسلم: كيف استجزت الرواية عن سويد في الصحيح؟ فقال: ومن أين كنت آتي بنسخة حفص بن ميسرة! »(٤) .

___________________

(١). تذكرة الحفاظ ٢ / ٤٥٤.

(٢). أي: فكذبه. انظر خلاصة التهذيب.

(٣). تقريب التهذيب ١ / ٣٤٠.

(٤). تهذيب التهذيب ٤ / ٢٧٢ - ٢٧٥.

١٣٨

(٧)

رواية عمرو بن علي

علم روايته من عبارة مسند البزار التي ذكرناها في الكتاب سابقاً.

ترجمته:

هو: عمرو بن علي أبو حفص البصري الصير في الفلّاس المتوفى سنة ٢٤٩:

قال ابن حجر العسقلاني: « روى عنه الجماعة، وروى النسائي عن زكريا السجزي عنه، أبو زرعة، وأبو حاتم، وعبد الله بن أحمد، وابن أبي الدنيا، ومحمد ابن يحيى بن مندة، وجعفر الفريابي، وإسحاق بن إبراهيم البستي

قال أبو حاتم: كان أرشق من علي بن المديني وهو بصري صدوق. وقال النسائي: ثقة صاحب حديث حافظ. وقال أبو زرعة: كان من فرسان الحديث. وقال الدار قطني: كان من الحفاظ وبعض أصحاب الحديث يفضلونه على ابن المديني ويتعصّبون له، وقد صنف المسند والعلل والتاريخ وهو إمام متقن. وذكره ابن حبان في الثقات

وفي الزهرة: روى عنه خ سبعة وأربعين حديثاً ومسلم حديثين »(١) .

وقالالخطيب بعد أن ذكر شيوخه ومن روى عنه وغير ذلك:

« قال أبو زرعة، لم نر بالبصرة أحفظ من هؤلاء الثلاثة: علي بن المديني وابن الشاذكوني وعمرو بن علي أخبرني القاضي أبو العلاء الواسطي، أخبرنا أبو

___________________

(١). تهذيب التهذيب ٨ / ٨٠ - ٨٢ باختصار.

١٣٩

مسلم بن مهران، أخبرنا عبد المؤمن بن خلف النسفي قال: سألت أبا علي صالح ابن محمد عن خليفة بن خياط: فقال: ما رأيت أحداً بالبصرة أكيس منه ومن أبي حفص الفلّاس، وجميعاً كانوا متهمين، وما رأيت بالبصرة مثل علي وابن عرعرة، وأبو حفص كان عندي أرجح منهما.

... سمعت يحيى بن معين يقول: أبو حفص الصير في صدوق »(١) .

وقال الخزرجي: « أبو حفص الصيرفي الفلّاس الحافظ أحد الاعلام، عن معتمر بن سليمان وابن عيينة ويحيى القطان وخلق. وعنه ع. قال عباس العنبري: ما تعلّمت الحديث إلّا من عمرو بن علي، وقال النسائي: ثقة حافظ. مات بالعسكر سنة ٢٤٩ »(٢) .

وقال الذهبي: « ع - عمرو بن علي أبو حفص الفلّاس الصيرفي، أحد الأعلام »(٣) .

(٨)

رواية محمد بن معمر

علم روايته للحديث من عبارة مسند البزار المذكورة سابقاً.

ترجمته:

هو: محمد بن معمر بن ربعي القيس أبو عبد الله البصري، المعروف بالبحراني، المتوفى بعد سنة ٢٥٠:

___________________

(١). تاريخ بغداد ١٢ / ٢٠٧.

(٢). خلاصة تذهيب الكمال ص ٢٩١.

(٣). الكاشف عمن له رواية في الكتب السنة ٢ / ٣٣٧.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

- ٥ -

عصمة موسىعليه‌السلام وقتل القبطي ومشاجرته أخاه

إنّ الكليم موسى بن عمران أحد الأنبياء العظام، وصفه سبحانه بأتم الأوصاف وأكملها، قال عزّ من قائل:( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً * وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأيمن وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً * وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً ) (١) .

وقال سبحانه:( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ ) (٢) .

ووصف كتابه بقوله:( وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً ) (٣) .

ومع ذلك كلّه: فقد استدلّ المخالف بعدم عصمته بأمرين:

أحدهما: قتله القبطي وتوصيفه بأنّه من عمل الشيطان.

ثانيهما: مشاجرته أخاه مع عدم كونه مقصّ-راً، وإليك البحث عن كل واحد منهما.

____________________

١ - مريم: ٥١ - ٥٣.

٢ - الأنبياء: ٤٨.

٣ - الأحقاف: ١٢.

١٦١

ألف: عصمة موسىعليه‌السلام وقتل القبطي

قال عزّ من قائل:( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُليْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذا مِنْ عَدُوِّه فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوّ مُضِلّ مُبِينٌ * قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمتُ نَفْسِي فَاغْفِر لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ ) (١) .

ويذكر القرآن تلك القصّة في سورة الشعراء بصورة موجزة ويقول سبحانه:( أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُركَ سِنينَ * وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الكَافِرينَ * قَالَ فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ ) (٢) .

وتدلّ الآيات على أنّ موسىعليه‌السلام ورد المدينة عندما كان أهلها غافلين عنه، إمّا لأنّه ورد نصف النهار والناس قائلون، أو ورد في أوائل الليل، وإمّا لغير ذلك، فوجد فيها رجلين كان أحدهما إسرائيلياً والآخر قبطياً يقتتلان، فاستنصره الذي من شيعته على الآخر، فنصره، فضربه بجمع كفه في صدره فقتله، وبعدما فرغ من أمره ندم ووصف عمله بما يلي:

١ -( هذا من عمل الشيطان ) .

٢ -( ربّ إنّي ظلمت نفسي ) .

٣ -( فاغفر لي فغفر له ) .

٤ -( فعلتها إذاً وأنا من الضّالّين ) .

____________________

١ - القصص: ١٤ - ١٧.

٢ - الشعراء: ١٨ - ٢٠.

١٦٢

وهذه الجمل الأربع تعرب عن كون القتل أمراً غير مشروع؛ ولأجل ذلك وصفه تارة بأنّه من عمل الشيطان، وأُخرى بأنّه كان ظالماً لنفسه، واعترف عند فرعون بأنّه فعل ما فعل وكان عند ذاك من الضالّين ثالثاً، وطلب المغفرة رابعاً.

أقول: قبل توضيح هذه النقاط الأربع نلفت نظر القارئ الكريم إلى بعض ما كانت الفراعنة عليه من الأعمال الإجرامية، ويكفي في ذلك قوله سبحانه:( إِنَّ فِرْعَونَ عَلا فِي الأرضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ ويَسْتَحْي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدينَ ) (١) ، ولم يكن فرعون قائماً بهذه الأعمال إلاّ بعمالة القبطيين الذين كانوا أعضاده وأنصاره، وفي ظل هذه المناصرة ملكت الفراعنة بني إسرائيل رجالاً ونساءً، فاستعبدوهم كما يعرب عن ذلك قوله سبحانه:( وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ ) (٢) ولمّا قال فرعون لموسى:( ألَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً ) (٣) واستعلى عليه بأنّه ربّاه وليداً منذ أن ولد إلى أن كبر أجابه موسى بأنّه هل تمن عليّ بهذا وقد عبدت بني إسرائيل ؟

وعلى ذلك فقتل واحد من أنصار الطغمة الأثيمة التي ذبحت مئات بل آلاف الأطفال من بني إسرائيل واستحيوا نساءهم، لا يعد في محكمة العقل والوجدان عملاً قبيحاً غير صحيح، أضف إلى ذلك أنّ القبطي المقتول كان بصدد قتل الإسرائيلي لو لم يناصره موسى كما يحكي عنه قوله:( يقتتلان ) ، ولو قتله القبطي لم يكن لفعله أيّ ردّ فعل؛ لأنّه كان منتمياً للنظام السائد الذي لم يزل يستأصل بني إسرائيل ويريق دماءهم طوال سنين، فكان قتله في نظره من قبيل قتل الإنسان الشريف أحد عبيده لأجل تخلّفه عن أمره.

إذا وقفت على ذلك، فلنرجع إلى توضيح الجمل التي توهم المستدل بها

____________________

١ - القصص: ٤.

٢ - الشعراء: ٢٢.

٣ - الشعراء: ١٨.

١٦٣

دلالتها على عدم العصمة فنقول:

١ - إن قوله:( هذا من عمل الشيطان ) يحتمل وجهين:

الأوّل: أن يكون لفظ ( هذا ) إشارة إلى المناقشة التي دارت بين القبطي والإسرائيلي وانتهت إلى قتل الأوّل، وعلى هذا الوجه ليست فيه أيّة دلالة على شيء ممّا يتوخّاه المستدل وقد رواه ابن الجهم عن الإمام الرضاعليه‌السلام عندما سأله المأمون عن قوله:( هذا من عمل الشيطان ) فقال: الاقتتال الذي كان وقع بين الرجلين لا ما فعله موسى من قتله(١) .

الثاني: إنّ لفظ ( هذا ) إشارة إلى قتله القبطي، وإنّما وصفه بأنّه من عمل الشيطان، لوجهين:

ألف: إنّ العمل كان عملاً خطأً محضاً ساقه إلى عاقبة وخيمة، فاضطر إلى ترك الدار والوطن بعد ما انتشر سرّه ووقف بلاط فرعون على أنّ موسى قتل أحد أنصار الفراعنة، وأتمروا عليه ليقتلوه، ولولا أنّ مؤمن آل فرعون أوقفه على حقيقة الحال، لأخذته الجلاوزة وقضوا على حياته، كما قال سبحانه:( وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فاخْرُجْ إِنّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ) (٢) ، فلم تكن لهذا العمل أيّة فائدة فردية أو اجتماعية سوى إلجائه إلى ترك الديار وإلقاء الرحل في دار الغربة ( مدين )، والاشتغال برعي الغنم أجيراً لشعيبعليه‌السلام .

فكما أنّ المعاصي تنسب إلى الشيطان، قال سبحانه:( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ والأنصابُ والأزلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (٣) ،

____________________

١ - البرهان: ٣/٢٢٤؛ عيون أخبار الرضا: ١/١٩٩.

٢ - القصص: ٢٠.

٣ - المائدة: ٩٠.

١٦٤

فكذلك الأعمال الخاطئة الناجمة من سوء التدبير وضلال السعي، السائقة للإنسان إلى العواقب المرّة، تنسب إليه أيضاً.

فالمعاصي والأعمال الخاطئة كلاهما تصح نسبتهما إلى الشيطان بملاك أنّه عدو مضل للإنسان، والعدو لا يرضى بصلاحه وفلاحه بل يدفعه إلى ما فيه ضرره في الآجل والعاجل، ولأجل ذلك قال بعدما قضى عليه:( هذا من عمل الشيطان أنّه عدو مضل مبين ) .

ب - إنّ قتل القبطي كان عملاً ناجماً عن العجلة في محاولة تدمير العدو، ولو أنّه كان يصبر على مضض الحياة قليلاً لنبذ القبطي مع جميع زملائه في اليم من دون أن توجد عاقبة وخيمة، كما قال سبحانه:( فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمينَ ) (١) .

٢ - وبذلك يعلم مفاد الجملة الثانية التي هي من إحدى مستمسكات المستدل أعني قوله:( ربِّ إنّي ظلمت نفسي ) ، فإنّ الكلام ليس مساوقاً للمعصية ومخالفة المولى، بل هو كما صرّح به أئمّة اللغة وقدمنا نصوصهم عند البحث عن عصمة آدم عبارة عن وضع الشيء في غير موضعه، وقد عرفت أنّ عمل موسى كان عملاً واقعاً في غير موقعه، وخاطئاً من جهتين: من جهة أنّه ساقه إلى عاقبة مرة، حيث اضطر إلى ترك الأهل والدار والديار، ومن جهة أُخرى أنّه كان عملاً ناشئاً من الاستعجال في إهلاك العدو بلا موجب، ولأجل تينك الجهتين كان عملاً واقعاً في غير محلّه، فصحّ أن يوصف العمل بالظلم، والعامل بالظالم، والذي يعرب عن ذلك أنّه جعله ظلماً لنفسه لا للمولى، ولو كان معصية لكان ظلماً لمولاه وتعدّياً على حقوقه، كما هو الحال في الشرك فإنّه ظلم للمولى وتعدّ

____________________

١ - القصص: ٤٠.

١٦٥

عليه، قال سبحانه:( لا تُشْرِكْ بِاللهِ إنَّ الْشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) (١) .

٣ - وأمّا الجملة الثالثة، أعني قوله:( فاغفر لي فغفر له إنّه هو الغفور الرحيم ) ، فليس طلب المغفرة دليلاً على صدور المعصية؛ لأنّه بمعنى الستر، والمراد منه إلغاء تبعة فعله وإنجاؤه من الغم وتخليصه من شر فرعون وملئه، وقد عبّر عنه سبحانه:( وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً ) (٢) ، وقد نجّاه سبحانه بإخبار رجل من آل فرعون عن المؤامرة عليه، فخرج من مصر خائفاً يترقّب إلى أن وصل أرض مدين، فنزل دار شعيب، وقصّ عليه القصص، وقال له شعيب:( لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ القَوْمِ الظالِمِين ) (٣) .

وبذلك غفر وستر عمله ونجّاه سبحانه من أعين الفراعنة، ومكّن له الورود إلى ماء مدين والنزول في دار أحد أنبيائهعليهم‌السلام .

أضف إلى ذلك: أنّ قتل القبطي وإن لم يكن معصية ولكن كان المترقّب من موسى تركه وعدم اقترافه، فصدور مثله من موسى يناسب طلب المغفرة، فإنّ حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين، إذ ربّ عمل مباح لا يؤاخذ به الإنسان العادي ولكنّه يؤاخذ به الإنسان العارف، فضلاً عن شخصية إلهيّة سوف تبعث لمناضلة طاغية العصر، فكان المناسب لساحتها هو الصبر والاستقامة في حوادث الحياة، حلوها ومرّها، والفصل بين المتخاصمين بكلام ليّ-ن، وقد أمر به عندما بعث إلى فرعون فأمره سبحانه أن يقول له قولاً ليّناً(٤) ، وقد أوضحنا مفاد هذه الكلمة عند

____________________

١ - لقمان: ١٣.

٢ - طه: ٤٠.

٣ - القصص: ٢٥.

٤ - طه: ٤٤.

١٦٦

البحث عن آدم وحواء إذ:( قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرينَ ) (١) .

٤ - وأمّا قوله سبحانه:( فعلتها إذاً وأنا من الضالين ) ، فالمراد من الضلال هو الغفلة عمّا يترتّب على العمل من العاقبة الوخيمة، ونسيانها، وليس ذلك أمراً غريباً، فقد استعمل في هذين المعنيين في الذكر الحكيم، قال سبحانه:( مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأخرى ) (٢) ، فالمراد نسيان أحد الشاهدين وغفلته عمّا شهد به، وقال سبحانه:( ءَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الأرض ءَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ) (٣) أي إذا غبنا فيها.

قال في لسان العرب: الضلال: النسيان وفي التنزيل:( مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخرى ) أي يغيب عن حفظها، ومنه قوله تعالى:( فعلتها إذاً وأنا من الضالين ) وضللت الشيء: أنسيته وأصل الضلال: الغيبوبة يقال ضلّ الماء في اللبن إذا غاب، ومنه قوله تعالى:( ءَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الأرض ءَإِنَّا لفي خَلْقٍ جَدِيدٍ ) (٤) .

وعلى الجملة: إنّ كليم الله يعترف بتلك الجملة عندما اعترض عليه فرعون بقوله:( وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين ) ويعتذر عنها بقوله:( فعلتها إذاً وأنا من الضالين ) ، والمناسب لمقام الاعتذار هو تفسير الضلال بالغفلة عمّا يترتّب على العمل من النتائج ونسيانها.

____________________

١ - الأعراف: ٢٣.

٢ - البقرة: ٢٨٢.

٣ - السجدة: ١٠.

٤ - لسان العرب: ١١/٣٩٢- ٣٩٣، مادة ( ضل ).

١٦٧

وحاصله: أنّه قد استولت علىّ الغفلة حين الاقتراف، وغاب عنّي ما يترتّب عليه من ردّ فعل ومر العاقبة، ففعلت ما فعلت.

ومن اللحن الواضح تفسير الضلالة بضد الهداية، كيف وإنّ الله سبحانه يصفه قبل أن يقترف القتل بقوله:( آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ) (١) ، كما أنّ نفس موسى بعد ما طلب المغفرة واستشعر إجابة دعائه قال:( رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ ) (٢) ، أفيصح بعد هذا تفسير الضلالة بالغواية ضد الهداية ؟! كلا و لا.

هذا كلّه حول المستمسك الأوّل، أعني: قتل القبطي، فهلمّ معي ندرس المستمسك الثاني للخصم من اتهام كليم الله الأعظم - عليه وعلى جميع رسل الله آلاف الثناء والتحيّة - بعدم العصمة.

ب - مشاجرته أخاه هارونعليه‌السلام

إنّ الله سبحانه واعد موسى - بعد أن أغرق فرعون - بأن يأتي جانب الطور الأيمن فيوفيه التوراة التي فيها بيان الشرائع والأحكام وما يحتاج إليه، وكانت المواعدة على أن يوافي الميعاد مع جماعة من وجوه قومه، فتعجّل موسى من بينهم شوقاً إلى ربّه وسبقهم على أن يلحقوا به، ولمّا خاطبه سبحانه بقوله:( وما أعجلك عن قومك يا موسى ) أجابه بأنّهم( على أثري ) وورائي يدركونني عن قريب، وعند ذلك أخبره سبحانه بأنّه امتحن قومه بعد فراقه( وأضلّهم السامري ) ، فرجع موسى من الميقات إلى بني إسرائيل حزيناً مغضباً، فرأى أنّ السامري

____________________

١ - القصص: ١٤.

٢ - القصص: ١٧.

١٦٨

( أخرج لهم عجلاً ) جسداً له صوت، وقال: إنّه إله بني إسرائيل عامة، وتبعه السفلة والعوام، واستقبل موسى هارون فألقى الألواح وأخذ يعاتب هارون ويناقشه، وهذا ما يحكيه سبحانه في سورتين ويقول:( وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الألواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوْا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأعداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (١) .

ويقول سبحانه:( فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفَاً قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيكُمْ غَضَبٌ مِن رَبِّكُمْ فَأَخَلَفْتُمْ مَوْعِدِي * قَالَ يَا هارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي * قَالَ يا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ) (٢) .

فهاهنا يطرح سؤالان:

١- لماذا ألقى الألواح ؟

٢- لماذا ناقش أخاه وقد قام بوظيفته ؟

وإليك تحليل السؤالين بعد بيان مقدّمة وهي:

إنّ موسى قد خلف هارون عندما ذهب إلى الميقات، وقد حكاه سبحانه بقوله:( وَقَالَ مُوسَى لأخيه هَارُونَ اخُلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ) (٣) وقام هارون بوظيفته في قومه، فعندما أضلّهم السامري ناظرهم بقوله:( يا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي ) (٤) واكتفى في ذلك بالبيان واللوم ولم يقم في وجههم بالضرب والتأديب وقد بيّنه

____________________

١ - الأعراف: ١٥٠.

٢ - طه: ٨٦، ٩٢ - ٩٤.

٣ - الأعراف: ١٤٢.

٤ - طه: ٩٠.

١٦٩

لأخيه بقوله:( إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ) .

هذا ما يخصّ هارون، وأمّا ما يرجع إلى موسى، فقد أخبره سبحانه عن إضلال السامري قومه بقوله:( فَإنَّا قَدْ فَتَنّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِريّ ) (١) ، ورجع إلى قومه غضبان أسفاً وخاطبهم بقوله:( بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجَلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكمْ ) وقال أيضاً :( أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمْ الْعَهْدُ ) وفي هذا الظرف العصيب أظهر كليم الله غضبه بإنجاز عملين:

١- إلقاء الألواح جانباً.

٢- مناقشته أخاه بقوله:( مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي ) ، فعند ذلك يطرح السؤالان نفسهما :

لماذا ألقى الألواح أوّلاً ؟ ولماذا ناقش أخاه وناظره وقد قام بوظيفته ثانياً ؟ فنقول:

لا شك أنّ ما اقترفه بنو إسرائيل من عبادة العجل كان من أقبح الأعمال وأفظعها كيف ؟! وقد أهلك الله عدوهم وأورثهم أرضهم، فكان المترقّب منهم هو الثبات على طريق التوحيد ومكافحة ألوان الشرك - ومع الأسف - فإنّهم كفروا بعظيم النعمة، وتركوا عبادته سبحانه، وانخرطوا في سلك الثنوية مع الجهل بقبح عملهم وفظاعة فعلهم.

إنّ أُمّة الكليم، وإن كانت غافلة عن مدى قبح عملهم، لكنّ سيّدهم ورسولهم كان واقفاً على خطورة الموقف وتعدّي الأُمّة، فاستشعر بأنّه لو لم يكافحهم بالعنف والشدّة ولم يقم في وجههم بالاستنكار مع إبراز التأسّف

____________________

١ - طه: ٨٥.

١٧٠

والغضب، فربّما تمادى القوم في غيّهم وضلالهم وحسبوا أنّهم لم يقترفوا إلاّ ذنباً خفيفاً أو مخالفة صغيرة ولم يعلموا أنّهم حتى ولو رجعوا إلى الطريق المهيع، واتّبعوا جادة التوحيد ربّما بقيت رواسب الشرك في أغوار أذهانهم، فلأجل إيقافهم على فظاعة العمل، قام في مجال الإصلاح مثل المدير الذي يواجه الفساد فجأة في مديريته ولا يعلم من أين تسرّب إليها.

فأوّل ما يبادر إليه هو مواجهة القائم مقامه الذي خلفه في مكانه، وأدلى إليه مفاتيح الأُمور، فإذا ثبتت براءته ونزاهته وأنّه قام بوظيفته خير قيام حسب تشخيصه ومدى طاقته، تركه حتى يقف على جذور الأمر والأسباب الواقعية التي أدّت إلى الفساد والانهيار.

وهكذا قام الكليم بمعالجة القضية، وعالج الواقعة المدهشة التي لو بقيت على حالها، لانتهت إلى تسرّب الشرك إلى عامّة بني إسرائيل وذهب جهده طوال السنين سدى، فأوّل رد فعل أبداه، أنّه واجه أخاه القائم مقامه في غيبته، بالشدّة والعنف حتى يقف الباقون على خطورة الموقف، فأخذ بلحيته ورأسه مهيمناً عليه متسائلاً بأنّه لماذا تسرّب الشرك إلى قومه مع كونه فيهم ؟! ولمّا تبيّنت براءته وأنّه أدّى وظيفته كما يحكيه عنه سبحانه بقوله:( إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بيَ الأعداءَ وَلا تجعلني مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) اندفع إليه بعطف وحنان ودعا له فقال:( رَبِّ اغْفِرْ لِي ولأخي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) (١) إنّ طلب المغفرة لنفسه وأخيه لا يدل على صدور أيّ خلاف منهما، فإنّ الأنبياء والأولياء لاستشعارهم بخطورة الموقف وعظمة المسؤولية، ما زالوا يطلبون غفران الله ورحمته لعلوّ درجاتهم، كما هو واضح لمَن تتبّع أحوالهم، وسيوافيك بيانه عند البحث عن عصمة النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

____________________

١ - الأعراف: ١٥١.

١٧١

وبعدما تبيّن أنّ السبب الواقعي لتسرّب الشرك إلى قومه هو السامري وتبعه السفلة والعوام، أخذ بتنبيههم بقوارع الخطاب وعواصف الكلام بما هو مذكور في سورتي الأعراف وطه، نكتفي ببعضها حيث خاطب عَبَدَة العجل بقوله:

( إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِن رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الْدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ ) (١) .

ولمّا واجه السامري خاطبه بقوله:( فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرىُّ * قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الْرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي * قَالَ فَاذْهَبْ فِإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفَاً * إِنَّمَا إِلهُكُمُ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شيءٍ عِلْماً ) (٢) .

وبما ذكرنا يعلم أنّه لماذا ألقى الألواح وتركها جانباً ؟ فلم يكن ذاك العمل إلاّ كردّ فعلٍ على عملهم القبيح وفعلهم الفظيع إلى حد استولى الغضب على موسى فألقى الألواح، التي ظل أربعين يوماً في الميقات لتلقّيها، حتى يحاسب القوم حسابهم ويقفوا على أنّهم أتوا بأعظم الجرائم وأكبر المعاصي.

____________________

١ - الأعراف: ١٥٢.

٢ - طه: ٩٥ - ٩٨.

١٧٢

- ٦ -

عصمة داودعليه‌السلام وقضاؤه في النعجة

قد وصف سبحانه داود النبيعليه‌السلام بأسمى ما توصف به الشخصية المثالية، قال سبحانه:( واذكر عَبدنا داود ذا الأيدِ إنّه أوّاب ) .

وقد ذكر ملكه وسلطنته على الجبال والطيور على وجه يمثّل أقوى طاقة نالها البشر طيلة استخلافه على الأرض.

قال سبحانه:( إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيّ وَ الإشراقِ * وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلّ لَهُ أَوَّابٌ * وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ ) (١) .

فقد أخبر في الآية الأخيرة بأنّه أُوتي الحكمة وفصل الخطاب، الذي يعد القضاء الصحيح بين المتخاصمين من فروعه وجزئياته.

ثمّ إنّه سبحانه ينقل بعده قضاءه في ( نبأ الخصم ) ويقول:

( وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ * إِذْ دَخَلُوْا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلاَ تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ * إِنَّ هَذَا أخي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ * قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ

____________________

١ - ص: ١٨ - ٢٠.

١٧٣

نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَليلٌ مَا هُمْ وَظَّنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ * فَغَفَرَنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ * يَا دَاوُدُ إنّا جَعَلْناكَ خَلِيَفَةً فِي الأرضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبيِلِ اللهِ ) (١) .

لقد تمسكت المخطّئة لعصمة الاَنبياء بقوله تعالى:( فاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ * فَغَفَرَنَا لَهُ ذَلِكَ ) حيث إنّ الاستغفار وغفرانه سبحانه له، آية صدور الذنب.

والإجابة عن هذا الاستدلال تحتاج إلى بيان مفردات الآية وإيضاح القصة فنقول:

إنّ تفسير الآية يتم ببيان عدّة أُمور:

١- توضيح مفرداتها.

٢- إيضاح القصة.

٣- هل الخصمان كانا من جنس البشر ؟

٤- لماذا استغفر داود، وهل كان استغفاره للذنب أو لأجل ترك الأولى ؟

وإليك بيان هذه الأمور:

١- توضيح المفردات

( الخصم ): مصدر ( الخصومة )، أُريد به الشخصان.

____________________

١ - ص: ٢١ - ٢٦.

١٧٤

( التسوّر ): الارتقاء إلى أعلى السور، وهو ما كان حائطاً، ( كالتسنّم ) بمعنى الارتقاء إلى سنام البعير، و ( التذرّي ) بمعنى الارتقاء إلى ذروة الجبال، والمراد من المحراب في الآية الغرفة.

( الفزع ): انقباض ونفار يعتري الإنسان من الشيء المخيف، وهو من جنس الجزع.

( الشطط ): الجور.

( النعجة ): الأُنثى من الضأن.

والمراد من قوله: ( اكفلنيها ): اجعلها في كفالتى وتحت سلطتى، ومن قوله ( عزّني في الخطاب): أنّه غلبنى فيه.

هذا كله راجع إلى توضيح مفردات الآية.

٢- إيضاح القصّة

كان داودعليه‌السلام جالساً في غرفته إذ دخل عليه شخصان بغير إذنه، وكانا أخوين يملك أحدهما تسعاً وتسعين نعجة ويملك الآخر نعجة واحدة، وطلب الأوّل من أخيه أن يعطيه النعجة التي تحت يده، مدّعياً كونه محقّاً فيما يقترحه على أخيه، وقد ألقى صاحب النعجة الواحدة كلامه على وجهٍ هيّج رحمة النبي داود وعطفه.

فقضىعليه‌السلام طبقاً لكلام المدّعي من دون الاستماع إلى كلام المدّعى عليه، وقال:( لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه ) .

ولما تنبّه أنّ ما صدر منه كان غير لائق بساحته، وأنّ رفع الشكوى إليه كان فتنة وامتحاناً منه سبحانه بالنسبة إليه( فاستغفر ربّه وخرّ راكعاً وأناب ) .

١٧٥

٣ - هل الخصمان كانا من جنس البشر ؟

إنّ القرائن الحافّة بالآية تشعر بأنّ الخصمين لم يكونا من جنس البشر، وهذه القرائن عبارة عن:

١ - تسوّرهم المحراب ودخولهم عليه دخولاً غير عادي، مع أنّ طبع الحال يقتضي أن يكون محرابه محفوفاً بالحرس، ولا أقل بمَن يطلعه على الأمر، فلو كان الدخول بإذنهم كان داودعليه‌السلام مطّلعاً عليه ولم يكن هناك أيّ فزع.

٢- خطاب الخصمين لداودعليه‌السلام بقولهم:( لا تخف ) مع أنّ هذا الخطاب لا يصح أن تخاطب به الرعية الراعي، وطبيعة الحال تقتضي أن يخاطب به الراعي الرعيّة.

٣ - إنّ خطابهما لداود بما جاء في الآية، أشبه بخطاب ضيف إبراهيم لهعليه‌السلام ، يقول سبحانه:( وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاماً قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ * قَالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ ) (١) ، ويقول سبحانه:( فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ ) (٢) .

٤ - تنبّههعليه‌السلام بأنّه كان فتنة من الله له وامتحاناً منه، وهي تشعر بأنّ الواقعة لم تكن عادية، وهذا يناسب كون الدعوى مطروحة من جانبه سبحانه عن طريق الملائكة.

٥ - إنّ الهدف من طرح تلك الواقعة كان لغاية تسديده في خلافته وحكمه بين الناس؛ حتى يمارس القضاء بالنحو اللائق بساحته، ولا يغفل عن التثبت

____________________

١ - الحجر: ٥١ - ٥٣.

٢ - الذاريات: ٢٨.

١٧٦

ولأجل ذلك خاطبه سبحانه بعد قضائه في ذلك المورد بقوله:( يا داود إنّا جعلناك خليفة في الأرضِ فاحكم بين الناس بالحق ) كل ذلك يؤيّد كون الخصمين من الملائكة تمثّلوا له بصورة رجلين من الإنس.

نعم كانت القصّة وطرح الشكوى عنده أمراً حقيقياً كقصّة ضيف إبراهيم (عليه الصلاة والسلام) لا بصورة الرؤيا وما أشبهها.

٤ - كون الاستغفار لأجل ترك الأولى

استدلت المخطّئة باستغفاره وإنابته إلى الله، على صدور ذنب منه ولكنّه لا يدل على ذلك:

أمّا أوّلاً : إنّ قضاءه لم يكن قضاء باتّاً خاتماً للشكوى، بل كان قضاءً على فرض السؤال، وإنّ مَن يملك تسعاً وتسعين نعجة ولا يقتنع بها ويريد ضمّ نعجة أخيه إليها، ظالم لأخيه، وكان المجال بعد ذلك بالنسبة إلى المعترض مفتوحاً وإن كان الأولى والأليق بساحته هو أنّه إذا سمع الدعوى من أحد الخصمين، أن يسأل الآخر عمّا عنده فيها ولا يتسرّع في القضاء ولو بالنحو التقديري.

وإنّما بادر إليه لأنّهعليه‌السلام فوجئ بالقضية ودخل عليه المتخاصمان بصورة غير عادية فلم يظهر منه التثبّت اللائق به.

ولمّا تنبّه إلى ذلك وعرف أنّ ما وقع، كان فتنة وامتحاناً من الله بالنسبة إليه( استغفر ربّه وخرّ راكعاً وأناب ) تداركاً لما صدر منه ممّا كان الأولى تركه أوّلاً، وشكراً وتعظيماً لنعمة التنبّه الذي نال به فوراً بعد الزلّة ثانياً.

وثانياً : إنّ من الممكن أن يكون قضاؤه قبل سماع كلام المدّعى عليه؛ لأجل انكشاف الواقع له بطريق من الطرق وأنّ الحق مع المدّعي، فقضى بلا استماع

١٧٧

لكلام المدّعى عليه، نعم الأولى له حتى في هذه الصورة ترك التسرّع في إصدار الحكم، والقضاء بعد الاستماع، ولمّا ترك ما هو الأولى بحاله استغفر لذلك، وقد تكرّر منّا، أنّ ترك الأولى من الأنبياء ذنب نسبي وإن لم يكن ذنباً على وجه الإطلاق.

وثالثاً: لمّا كانت الشكوى مرفوعة إليه من قبل الملائكة، ولم يكن ذلك الظرف ظرف التكليف، كانت خطيئة داود في ظرف لا تكليف هناك، كما أنّ خطيئة آدمعليه‌السلام كانت في الجنّة ولم تكن الجنّة دار تكليف، ومع ذلك كلّه لمّا كان التسرّع في القضاء بهذا الوجه أمراً مرغوباً عنه استغفر داود وأناب إلى الله استشعاراً بخطر المسؤولية بحيث يعد ترك الأولى منه ذنباً يحتاج إلى الاستغفار.

نعم قد وردت في التفاسير أحاديث في تفسير الآية - لا يشك ذو مسكة من العقل - أنّها إسرائيليات تسرّبت إلى الأُمّة الإسلامية عن طريق أحبار اليهود ورهبان المسيحية، فالأولى الضرب عنها صفحاً، وسياق الآيات يكشف عن أنّ زلّته لم تكن إلاّ في أمر القضاء فقط لا ما تدّعيه جهلة الأحبار من ابتلائه بما يخجل القلم عن ذكره؛ ولأجله يقول الإمام عليعليه‌السلام في حق مَن وضع هذه الترّهات أو نسبها إلى النبي داودعليه‌السلام : ( لا أُوتى برجل يزعم أنّ داود تزوج امرأة ( أُوريا ) إلاّ جلدته حدّين: حدّاً للنبوّة وحدّاً للإسلام )(١) .

____________________

١ - مجمع البيان: ٤/٤٧٢ ط المكتبة العلمية الإسلامية - طهران.

١٧٨

- ٧ -

عصمة سليمانعليه‌السلام

ومسألة عرض الصافنات الجياد وطلب الملك

إنّ سليمان النبيعليه‌السلام أحد الأنبياء وقد ملك من القدرة أروعها ومن السيطرة والسطوة أطولها، وآتاه الله الحكم والحلم والعلم، قال سبحانه:( وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً ) (١) ، وقال عز من قائل:( وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْمَاً وَعِلْمَاً ) (٢) ، وعلّمه منطق الطير قال سبحانه:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ ) (٣) ، ووصف الله قدرته بقوله:( وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ والإنسِ وَالطَّيْرِ ) (٤) ، إلى غير ذلك من الآيات الواردة في توصيف قدرته وسعة علمه وعلوّ درجاته.

روى أصحاب السِيَر: كان سليمان صلّى الصلاة الأُولى، وقعد على كرسيّه والخيل تعرض عليه حتى غابت الشمس فقال:( آثرت حبَّ الخيل على ذكر ربّي، وأنّ هذه الخيل شغلتني عن صلاة العصر ) فأمر بردّ الخيل فأخذ يضرب سوقها وأعناقها؛ لأنّها كانت سبب فوت صلاته(٥) .

____________________

١ - النمل: ١٥.

٢ - الأنبياء: ٧٩.

٣ - النمل: ١٦.

٤ - النمل: ١٧.

٥ - تفسير الطبري: ٢٣/٩٩ - ١٠٠؛ الدر المنثور: ٥/٣٠٩.

١٧٩

وفي بعض التفاسير أنّ المراد من ( ردّوها ) هو طلب ردّ الشمس عليه، فردّت فصلّى العصر(١) .

ويدّعي بعض هؤلاء أنّ ما ساقوه من القصّة تدل عليه الآيات التالية، أعني قوله سبحانه:( وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدِ إِنَّهُ أوَّابٌ * إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ * فَقَالَ إِنّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * رُدُّوهَا عَلَيّ فَطَفِقَ مَسْحَاً بِالسُّوقِ وَالأعْنَاقِ ) (٢) .

فهل لما ذكروه مسحة من الحق أو لمسة من الصدق، أو أنّ الآيات تهدف إلى أمرٍ آخر خفيٍّ على هؤلاء، وأنّهم أخذوا ما ذكروه من علماء أهل الكتاب، كما سيوافيك بيانه ؟

ونقد هذه القصّة المزعومة يتوقّف على توضيح مفاد الآيات حتى يقف القارئ على أنّ-ها من قبيل التفسير بالرأي، الممنوع، ومن تلفيقات علماء أهل الكتاب التي حمّلت على القرآن وهو بريء منها.

أقول:

١ -( الصافنات ) : جمع ( الصافنة )، وهي الخيل الواقفة على ثلاث قوائم، الواضعة طرف السنبك الرابع على الأرض حتى يكون على طرف الحافر.

٢ -( الجياد ) : جمع ( الجواد ) ،وهي السراع من الخيل، كأنّها تجود بالركض.

٣ -( الخير ) : ضد ( الشر )، وقد يُطلق على المال كما في قوله سبحانه:( إنْ تَرَكَ خَيراً ) (٣) ، والمراد منه هنا هي ( الخيل )، والعرب تسمّي الخيل خيراً، وسمّى

____________________

١ - مجمع البيان ناسباً إلى ( القيل ) : ٤/٤٧٥.

٢ - ص: ٣٠ - ٣٣.

٣ - البقرة: ١٨٠.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347