نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٤

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار16%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 347

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 347 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 286588 / تحميل: 6654
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

والشافعي في أحد أقواله(١) - لأنّ سفره لأجل المال ، فكانت نفقته منه ، كأجر الحمّال ، ولأنّه في السفر قد سلّم نفسه وجرّدها لهذا الشغل ، فأشبه الزوجة تستحقّ النفقة إذا سلّمت نفسها ، ولا تستحقّ إذا لم تُسلّمْ.

ولما رواه عليّ بن جعفر عن أخيه موسى الكاظمعليه‌السلام قال في المضاربة : « ما أنفق في سفره فهو من جميع المال ، وإذا قدم بلده فما أنفق فمن نصيبه »(٢) .

وظاهر مذهب الشافعي أنّه لا نفقة للعامل بحالٍ - وبه قال ابن سيرين وحمّاد بن أبي سليمان وأحمد - كما في الحضر ؛ لأنّ نفقته تخصّه ، فكانت عليه ، كما في الحضر وأجر الطبيب وثمن الطيب ، ولأنّه دخل على أنّه يستحقّ من الربح الجزء المسمّى ، فلا يكون له غيره ، ولأنّه لو استحقّ النفقة أفضى إلى أن يختصّ بالربح إذا لم يربح سوى ما أنفقه ، فيخلّ بمقصود العقد(٣) .

____________________

(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٧ ، المغني ٥ : ١٥٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٤ ، المدوّنة الكبرى ٥ : ٩٧ ، الاستذكار ٢١ : ١٧٠ / ٣٠٩٢٤ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٦ / ١١٢٦ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٤٠ ، التفريع ٢ : ١٩٤ ، التلقين : ٤٠٨ ، الذخيرة ٦ : ٥٩ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٨٦ / ١٢٥١ ، المعونة ٢ : ١١٢٣ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٣ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٣٤ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٢ : ٦٢ - ٦٣ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٤٣ / ١٧١٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢١١ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣١٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٤ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٩ و ٢٠٠ ، الوجيز ١ : ٢٢٤ ، الوسيط ٤ : ١٢٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٦ ، البيان ٧ : ١٨٤ و ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٦.

(٢) الكافي ٥ : ٢٤١ / ٥ ، التهذيب ٧ : ١٩١ / ٨٤٧.

(٣) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٧ ، المغني ٥ : ١٥٢ ، الشرح الكبير ٥ : =

١٠١

والقول الثالث للشافعي : إنّه يُنفق في السفر من ماله قدر نفقة الحضر ، والزائد من مال القراض ؛ لأنّ الزيادة إنّما حصلت بواسطته ، وهو الأصحّ عندهم ، وهو منقول عن مالك أيضاً(١) .

مسألة ٢٥٩ : ولو شرط له النفقة في الحضر ، لزم الشرط ، ووجب له ما يحتاج فيه إليه من المأكول والمشروب والمركوب والملبوس.

وكذا لو شرطها في السفر على قول مَنْ لا يوجبها على المال إجماعاً ؛ عملاً بالشرط.

وينبغي أن يعيّن قدر النفقة وجنسها ، فلا يجوز له التخطّي.

ولو أطلق ، رجع إلى العادة ، وكان صحيحاً.

وبعض الشافعيّة اشترط تعيين النفقة(٢) .

وليس شيئاً ؛ لأنّ الأسعار قد تختلف وتقلّ وتكثر.

وقال أحمد : لا كسوة له مع الإطلاق إذا شرط له النفقة(٣) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ الكسوة يستحقّها للاستمتاع بها على جهة الملك‌

____________________

= ١٦٤ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣١٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٤ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٩ و ٢٠٠ ، الوسيط ٤ : ١٢١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٦ ، البيان ٧ : ١٨٤ - ١٨٥ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٤٤ / ١٧١٢ ، الاستذكار ٢١ : ١٧٠ / ٣٠٩٢٧ و ٣٠٩٣٠ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٤٠ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٨٦ / ١٢٥١.

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٤ ، بحر المذهب ٩ : ٢٠٠ ، الوسيط ٤ : ١٢١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٠ ، البيان ٧ : ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣١٩ ، بحر المذهب ٩ : ٢٠٠ ، البيان ٧ : ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٥.

(٣) المغني ٥ : ١٥٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٤.

١٠٢

الصريح ، فلو رجع إلى البلد من سفره وعليه كسوة أو دابّة ركوبٍ كانت مردودةً إلى القراض.

وإذا قلنا : له النفقة في السفر ولم يعيّن المالك واختلفا في قدرها ، رجع إلى الإطعام في الكفّارة ، وفي الكسوة إلى أقلّ ملبوسٍ مثله.

وهذا كلّه في السفر المباح ، أمّا لو خالف المالك فسافر إلى غير البلد الذي أمره بالسفر إليه ، فإنّه لا يستحقّ النفقة ، سواء قلّ الربح أو كثر عن البلد المأمور به.

ولو احتاج في السفر إلى خُفٍّ وإداوة وقِرْبة وشبهها ، أخرج من أصل المال ؛ لأنّه من جملة المؤونة ، ثمّ يردّه بعد رجوعه إلى مال القراض.

مسألة ٢٦٠ : لو استردّ المالك ماله وقد نضّ إمّا في الطريق أو في البلد الذي سافر إليه ، فأراد العامل أن يرجع إلى بلده ، لم يستحق نفقة الرجوع ، كما لو مات العامل لم يكن على المالك تكفينه ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة ، كما لو خالع زوجته في السفر ، والثاني : إنّ له ذلك ، قاله الشافعي ، ثمّ تردّد فقال : قولان(١) .

ولا فرق بين الذهاب والعود.

وعن أحمد رواية كالثاني ؛ لأنّه بإطلاقه كأنّه قد شرط له نفقة ذهابه وعوده ، وغرّه بتنفيذه إلى الموضع الذي أذن له فيه ، معتقداً أنّه يستحقّ النفقة ذاهباً وراجعاً ، فإذا قطع عنه النفقة تضرّر بذلك(٢) .

والصحيح ما قلناه.

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٠٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٧ ، البيان ٧ : ١٨٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.

(٢) المغني ٥ : ١٥٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٥.

١٠٣

وإذا رجع العامل وبقي معه فضل زاد وآلات أعدّها للسفر كالمطهرة والقِرْبة وغير ذلك ، ردّها إلى مال القراض ؛ لأنّها من عينه ، وإنّما ساغ له التصرّف فيها للحاجة ؛ قضاءً للعادة ، وقد زالت الحاجة ، وهو أحد قولَي الشافعيّة.

والثاني : إنّها تكون للعامل(١) .

وليس شيئاً.

مسألة ٢٦١ : لو كان مع العامل مال(٢) لنفسه للتجارة واستصحبه معه في السفر ليعمل فيه وفي مال القراض ، قُسّطت النفقة على قدر المالين ؛ لأنّ السفر إنّما كان لماله ومال القراض ، فالنفقة اللازمة بالسفر تكون مقسومةً على قدر المال(٣) ، وهو قول بعض الشافعيّة(٤) .

ويحتمل النظر إلى مقدار العمل على المالين وتوزيع النفقة على أُجرة مثلهما ، وهو قول بعض الشافعيّة(٥) .

وقال بعضهم : إنّما تُوزّع إذا كان ماله قدراً يقصد السفر له ، فإن كان لا يقصد ، فهو كما لو لم يكن معه مال سوى مال القراض(٦) .

أمّا لو كان معه قراض لغير صاحب الأوّل ، فإنّ النفقة تُقسّط عليهما على قدر رأس المالين ، أو قدر العمل فيهما ، والأخير أقرب.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.

(٢) في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « مالاً ». وهو خطأ.

(٣) الظاهر : « المالين ».

(٤) الحاوي الكبير ٧ : ٣٢٠ ، الوسيط ٤ : ١٢١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٧ ، البيان ٧ : ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.

(٦) البيان ٧ : ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.

١٠٤

مسألة ٢٦٢ : كلّ موضعٍ يثبت له النفقة فإنّ المالك إن عيّن له قدراً ، لم يجز له التجاوز ولو احتاج إلى أزيد منه ، ولو نهاه عن الإنفاق من مال القراض في السفر ، لم يجز له الإنفاق ، سواء احتاج أو لا ، بل يُنفق من خاصّ ماله.

وإذا أطلق القراض ، كان له الإنفاق في السفر بالمعروف من غير إسرافٍ ولا تقتير ، والقدر المأخوذ في النفقة يُحسب من الربح ، فإن لم يكن هناك ربح فهو خسران لحق المال.

ولو أقام في طريقه فوق مدّة المسافرين في بلدٍ للحاجة ، كجباية المال أو انتظار الرفقة ، أو لغير ذلك من المصالح لمال القراض ، كانت النفقة على مال القراض أيضاً ؛ لأنّه في مصلحة القراض(١) ، أمّا لو أقام للاستراحة أو للتفرّج أو لتحصيل مالٍ له أو لغير مال القراض فإنّه لا يستحقّ عن تلك المدّة شيئاً من مال القراض في النفقة.

مسألة ٢٦٣ : قد بيّنّا أنّ العامل يستحقّ النفقة بالمعروف في السفر وإن لم يشترط ، فلو شرطها في عقد القراض فهو تأكيد وزيادة توثّقٍ ، وبه قال الشافعي على تقدير الوجوب(٢) .

أمّا على تقدير عدم استحقاقه للنفقة فله وجهان :

أحدهما : إنّ القراض يفسد ، كما لو شرط نفقة الحضر.

والثاني : لا يفسد ؛ لأنّه من مصالح العقد من حيث إنّه يدعوه إلى السفر ، وهو مظنّة الربح غالباً(٣) .

____________________

(١) في « ج » : « مال القراض ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤ - ٢١٥.

١٠٥

وعلى هذا فهل يشترط تقديره؟ فيه للشافعيّة وجهان(١) .

وهذا القول يشعر بأنّه ليس له أن يشترط النفقة في الحضر.

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّه سائغ تدعو الحاجة إليه ، فجاز اشتراطه ولزم ؛ لقولهعليه‌السلام : « المسلمون عند شروطهم »(٢) .

مسألة ٢٦٤ : لو كان معه مال قراضٍ لغير المالك الأوّل ، فقد قلنا : إنّ النفقة تُقسّط إمّا على المالين أو على العملين.

فإن شرط صاحب المال الأوّل النفقةَ من مال القراض مع علمه بالقراض الثاني ، جاز ، وكانت نفقته على الأوّل.

ولو لم يعلم بالقراض الثاني ، بُسطت النفقة وإن كان قد شرطها الأوّل ؛ لأنّه إنّما أطلق له النفقة بناءً على اختصاص عمله به ؛ لأنّه الظاهر.

ولو كان معه مالٌ لنفسه يعمل به أو بضاعة لغيره ، فالحكم كما تقدّم.

ولو شرط الأوّل له النفقةَ ، وشرطها الثاني أيضاً ، لم يحصل له بذلك زيادة الترخّص في الإسراف في النفقة ولا تعدّدها ، بل له نفقة واحدة عليهما على قدر المالين أو العملين.

مسألة ٢٦٥ : لو احتاج في السفر إلى زيادة نفقةٍ ، فهي من مال القراض أيضاً.

ولو مرض فافتقر إلى الدواء ، فإنّه محسوب عليه.

وكذا لو مات كُفّن من ماله خاصّةً ؛ لأنّ النفقة وجبت للقراض ، وقد بطل بموته ، فلا يُكفَّن من مال القراض.

وكذا لو أبطل القراض وفسخه هو أو المالك ، فلا نفقة ، كما لو أخذ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٥.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٣٥ ، الهامش (٣)

١٠٦

المالك ماله ؛ لأنّه إنّما استحقّ النفقة ما داما في القراض ، وقد زال فزالت النفقة.

ولو قتّر على نفسه في الإنفاق ، لم يكن له أخذ الفاضل ممّا لا يزيد على المعروف ؛ لأنّ هذه النفقة مواساة.

وكذا لو أسرف في النفقة ، حُسب عليه الزائد على قدر المعروف.

البحث الرابع : في وقت ملك الربح.

مسألة ٢٦٦ : العامل يملك حصّته المشروطة له من الربح بظهور الربح قبل القسمة - وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد القولين ، وأحمد في إحدى الروايتين(١) - لأنّ الشرط صحيح ، فيثبت مقتضاه ، وهو أن يكون له جزء من الربح ، فإذا حصل وجب أن يملكه بحكم الشرط ، كما يملك عامل المساقاة حصّته من الثمرة بظهورها ، وقياساً على كلّ شرطٍ صحيحٍ في عقدٍ.

ولأنّ هذا الربح مملوك ، فلا بدّ له من مالكٍ ، وربّ المال لا يملكه اتّفاقاً ، ولا تثبت أحكام الملك في حقّه ، فيلزم أن يكون للعامل ؛ إذ لا مالك غيرهما إجماعاً.

ولأنّ العامل يملك المطالبة بالقسمة ، فكان مالكاً ، كأحد شريكي العنان ، ولو لم يكن مالكاً لم يكن له مطالبة ربّ المال بالقسمة.

____________________

(١) الوسيط ٤ : ١٢١ - ١٢٢ ، الوجيز ١ : ٢٢٤ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٩ ، البيان ٧ : ١٨٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٣١٥ ، المغني ٥ : ١٦٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٦ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٥ / ١١٢٥.

١٠٧

ولأنّه لو لم يملك بالظهور ، لم يعتق عليه نصيبه من أبيه لو اشتراه ، والتالي باطل ؛ لحديث محمّد بن قيس عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت له : رجل دفع إلى رجلٍ ألف درهم مضاربةً فاشترى أباه وهو لا يعلم ، قال : « يُقوّم فإن زاد درهماً واحداً أُعتق واستسعى في مال الرجل »(١) والشرطيّة ظاهرة ؛ إذ المقتضي للإعتاق دخوله في ملكه.

وقال مالك : إنّما يملك العامل حصّته من الربح بالقسمة - وهو القول الثاني للشافعي ، والرواية الثانية عن أحمد - لأنّه لو مَلَك بالظهور لكان شريكاً في المال ، ولو كان شريكاً لكان النقصان الحادث بعد ذلك شائعاً في المال ، فلـمّا انحصر في الربح دلّ على عدم الملك.

ولأنّه لو مَلَكه لاختصّ بربحه.

ولأنّه لم يسلّم إلى ربّ المال رأس ماله ، فلا يملك العامل شيئاً من الربح ، كما لو كان رأس المال ألفاً فاشترى به عبدين كلّ عبدٍ يساوي ألفاً ، فإنّ أبا حنيفة قال : لا يملك العامل شيئاً منهما(٢) ، وإذا أعتقهما ربّ المال ، عُتقا ، ولا يضمن للعامل شيئاً ، قال المزني : لو مَلَك العامل حصّته بالظهور ، لكانا شريكين في المال ، وإذا تلف منه شي‌ء ، كان بينهما كالشريكين شركة العنان ، ولأنّ القراض معاملة جائزة ، والعمل فيها غير مضبوطٍ ، فوجب أن لا يستحقّ العوض فيها إلّا بتمام العمل ، كما في الجعالة(٣) .

____________________

(١) الفقيه ٣ : ١٤٤ / ٦٣٣ ، التهذيب ٧ : ١٩٠ / ٨٤١.

(٢) بدائع الصنائع ٦ : ٩٣.

(٣) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٥ / ١١٢٥ ، المغني ٥ : ١٦٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٦ ، الوسيط ٤ : ١٢٢ ، الوجيز ١ : ٢٢٤ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٩ ، البيان ٧ : ١٨٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٥.

١٠٨

والجواب : لا امتناع في أن يملك العامل ، ويكون ما يملكه وقايةً لرأس المال ، كما أنّ المالك يملك حصّته من الربح ، ومع ذلك فإنّها وقاية لرأس المال أيضاً ، ومن هنا امتنع اختصاصه بربحه ، ولأنّه لو اختصّ بربح نصيبه لاستحقّ من الربح أكثر ممّا شرط له ، ولا يثبت بالشرط ما يخالف مقتضاه ، ومع ظهور الربح يحصل تمام العمل.

وكذا لو أوصى لرجلٍ بألفٍ من ثلث ماله ، ولآخَر بما يبقى من الثلث ومات وله أربعة آلاف ، فقد مَلَك كلّ واحدٍ منهما حصّته ، وإذا تلف من ذلك شي‌ء كان من نصيب الموصى له بالباقي.

مسألة ٢٦٧ : ليس لأحدٍ من العامل ولا المالك استحقاق شي‌ءٍ من الربح استحقاقاً تامّاً حتى يستوفي المالك جميع رأس ماله.

وإن كان في المال خسران وربح ، جُبرت الوضيعة من الربح ، سواء كان الخسران والربح في مرّةٍ واحدة ، أو الخسران في صفقةٍ والربح في أُخرى ، أو الخسران في سفرةٍ والربح في سفرةٍ أُخرى ؛ لأنّ معنى الربح هو الفاضل عن رأس المال ، وإذا لم يفضل شي‌ء فلا ربح ، ولا نعلم في هذا خلافاً.

مسألة ٢٦٨ : ملكُ كلّ واحدٍ من العامل والمالك حصّتَه من الربح بالظهور غير مستقرٍّ ، فليس للعامل أن يتسلّط عليه ، ولا يتصرّف فيه ؛ لأنّ الربح وقاية لرأس المال عن الخسران ما دامت المعاملة باقية ، حتى لو اتّفق خسران كان محسوباً من الربح دون رأس المال ما أمكن ، ولهذا نقول : ليس لأحد المتعاملين قسمة الربح قبل فسخ القراض قسمة إجبارٍ ، بل يتوقّف على رضاهما معاً ، فلا يُجبر أحدهما لو امتنع.

أمّا العامل : فإنّه لا يُجبر لو طلب المالك القسمة ؛ لأنّه لا يأمن أن‌

١٠٩

يخسر المال بعد ذلك ، ويكون قد أخرجه ، فيحتاج إلى غُرْم ما حصل له بالقسمة ، وفي ذلك ضرر عليه ، فلا تلزمه الإجابة إلى ما فيه ضرر عليه.

وأمّا المالك : فلا يُجبر على القسمة لو طلبها العامل ؛ لأنّ الربح وقاية لرأس ماله ، فله أن يقول : لا أدفع إليك شيئاً من الربح حتى تسلّم إلَيَّ رأس المال.

أمّا إذا ارتفع القراض والمال ناضّ واقتسماه ، حصل الاستقرار ، ومَلَك كلّ واحدٍ منهما ما حصل له بالقسمة ملكاً مستقرّاً عليه.

وكذا لو كان قدر رأس المال ناضّاً فأخذه المالك واقتسما الباقي.

وهل يحصل الاستقرار بارتفاع العقد وإنضاض المال من غير قسمةٍ؟

الأقرب عندي ذلك ؛ لأنّ العقد قد ارتفع ، والوثوق بحصول رأس المال قد حصل ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة.

وفي الثاني : لا يستقرّ إلّا بالقسمة ؛ لأنّ القسمة الباقية من تتمّة عمل العامل(١) .

وليس شيئاً.

ولو كان بالمال عروض ، فإن قلنا : إنّ العامل يُجبر على البيع والإنضاض ، فلا استقرار ؛ لأنّ العمل لم يتم ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة.

وإن قلنا بعدم الإجبار ، فلهم وجهان ، كما لو كان المال ناضّاً(٢) .

مسألة ٢٦٩ : لو اقتسما الربح بالتراضي قبل فسخ العقد ، لم يحصل الاستقرار ، بل لو حصل خسران بعده ، كان على العامل جَبْره بما أخذ.

ولو قلنا : إنّه لا يملك إلّا بالقسمة ، فإنّ له فيه حقّاً مؤكّداً ، حتى لو‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤ - ٣٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٥.

١١٠

مات وهناك ربح ظاهر ، انتقل إلى ورثته ؛ لأنّه وإن لم يثبت له الملك لكن قد ثبت له حقّ التملّك ، ويتقدّم على الغرماء ؛ لتعلّق حقّه بالعين.

وله أن يمتنع عن العمل بعد ظهور الربح ، ويسعى في إنضاض المال ليأخذ حقّه منه.

ولو أتلف المالك المالَ ، غرم حصّة العامل ، وكان الإتلاف بمنزلة ما لو استردّ جميع المال ، فإنّه يغرم حصّة العامل ، فكذا إذا أتلفه.

ولو أتلف الأجنبيّ مالَ القراض ، ضمن بدله ، وبقي القراض في بدله كما كان.

مسألة ٢٧٠ : إذا اشترى العامل جاريةً للقراض ، لم يجز له وطؤها ؛ لأنّها ملكٌ لربّ المال إن لم يكن هناك ربح ، وإن كان هناك ربح فهي مشتركة على أحد القولين ؛ إذ له حقٌّ فيه.

وليس لأحد الشريكين وطؤ الجارية المشتركة.

فإن وطئها العامل ولا ربح فيها وكان عالماً ، حُدّ ، ويؤخذ منه المهر بأسره ، ويجعل في مال القراض ؛ لأنّه ربما وقع خسران فيحتاج إلى الجبر.

ولو كان هناك ربح ( يُحطّ منه بقدر حقّه ، ويؤخذ )(١) بقدر نصيب المالك مع يساره ، وقُوّمت عليه إن حملت منه ، وثبت لها حكم الاستيلاد ، ودفع إلى المالك نصيبه منها ومن الولد.

ولو كان جاهلاً ، فلا حدّ عليه.

هذا إن قلنا : يملك بالظهور ، وإن قلنا : لا يملك إلّا بالقسمة ، لم تصر أُمَّ ولدٍ لو استولدها ، فإن أذن له المالك في وطئها جاز.

____________________

(١) بدل ما بين القوسين في النُّسَخ الخطّيّة : « حُدّ ».

١١١

ولا يجوز للمالك أن يطأها أيضاً ، سواء كان هناك ربح أو لا ؛ لأنّ حقّ العامل قد تعلّق بها ، والوطؤ يُنقّصها إن كانت بكراً ، أو يُعرّضها للخروج من المضاربة والتلف ؛ لأنّه ربما يؤدّي إلى إحبالها.

ولو ظهر فيها ربح ، كانت مشتركةً على أحد القولين ، فليس لأحدهما الوطؤ.

ولو لم يكن فيها ربح ، لم يكن أيضاً للمالك وطؤها ؛ لأنّ انتفاء الربح في المتقوّمات غير معلومٍ ، وإنّما يتيقّن الحال بالتنضيض للمال ، أمّا لو تيقّن عدم الربح ، فالأقرب : إنّه يجوز له الوطؤ.

قال بعض الشافعيّة : إذا تيقّن عدم الربح ، أمكن تخريجه على أنّ العامل لو طلب بيعها وأباه المالك ، فهل له ذلك؟ وفيه خلاف بينهم يأتي ، فإن أجبناه فقد ثبت له علقة فيها ، فيحرم الوطؤ بها(١) .

وإذا قلنا بالتحريم ووطئ ، فالأقرب : إنّه لا يكون فسخاً للقراض ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة(٢) .

وعلى كلّ تقديرٍ لا يلزمه الحدّ ، سواء ظهر ربح أو لا.

أمّا مع عدم ظهور الربح : فلأنّها ملك له خاصّةً.

وأمّا مع ظهوره : فلأنّ الشبهة حاصلة ؛ إذ جماعة يقولون بأنّه ليس للعامل فيها شي‌ء إلّا بعد البيع وظهور الربح والقسمة.

ولو وطئها وحملت ، صارت أُمَّ ولدٍ ؛ لأنّه وطئ جاريةً في ملكه فصارت أُمَّ ولده ، والولد حُرٌّ ، وتخرج من المضاربة ، وتُحتسب قيمتها ، ويضاف إليه بقيّة المال ، فإن كان فيه ربح فللعامل أخذ نصيبه منه.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٥.

١١٢

تذنيب : ليس للمالك ولا للعامل تزويج جارية القراض مستقلّاً عن صاحبه ؛ لأنّ القراض لا يرتفع بالتزويج ، وهو ينقّص قيمتها ، فيتضرّر به كلّ واحدٍ منهما ، فإن اتّفقا عليه جاز ؛ لأنّ الحقّ لهما لا يعدوهما ، وذلك بخلاف أمة المأذون له في التجارة إذا أراد السيّد تزويجها ، فإنّه إن لم يكن عليه دَيْنٌ جاز ؛ لأنّ العبد لا حقّ له مع سيّده ، فإن كان عليه دَيْنٌ لم يجز وإن وافقه العبد ؛ لأنّ حقوق الغرماء تعلّقت بما في يده ، والمضاربة لا حقّ فيها لغيرهما.

ولو أراد السيّد أن يكاتب عبده للقراض ، لم يكن له إلّا برضا العامل.

البحث الخامس : في الزيادة والنقصان.

مسألة ٢٧١ : إذا دفع إلى غيره مالَ قراضٍ ثمّ حصل فيه زيادة متّصلة ، كما لو سمنت دابّة القراض ، فإنّ الزيادة تُعدّ من مال القراض قطعاً.

وأمّا إن كانت منفصلةً ، كثمرة الشجرة المشتراة للقراض ، ونتاج البهيمة ، وكسب العبد والجارية ، وولد الأمة ومهرها إذا وُطئت للشبهة ، فإنّها مال القراض أيضاً ؛ لأنّها من فوائده.

وكذا بدل منافع الدوابّ والأراضي ، سواء وجبت بتعدّي المتعدّي باستعمالها ، أو وجبت بإجارةٍ تصدر من العامل ، فإنّ للعامل الإجارة إذا رأى فيها المصلحة ، وهو المشهور عند الشافعيّة(١) .

وقال بعضهم بالتفصيل ، فإن كان في المال ربح وملّكنا العامل حصّتَه بالظهور ، كان الأمر كما سبق من أنّها من مال القراض ، وإن لم يكن فيها‌

____________________

(١) الوسيط ٤ : ١٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

١١٣

ربح أو لم نملّكه ، فقد اختلفوا.

فقال بعضهم : إنّها تُعدّ من مال القراض ، كالزيادات المتّصلة.

وأكثرهم قال : إنّها للمالك خاصّةً ؛ لأنّها ليست من فوائد التجارة(١) .

ولا بأس به.

ثمّ اختلفوا ، فقال بعضهم : إنّها محسوبة من الربح(٢) .

وقال بعضهم : إنّها لا تُعدّ من الربح خاصّةً ولا من رأس المال ، بل هي شائعة(٣) .

ولو وطئ المالكُ السيّدُ ، كان مستردّاً مقدار العُقْر حتى يستقرّ نصيب العامل فيه.

ولهم وجهٌ آخَر : إنّه إن كان في المال ربح وقلنا : إنّ العامل يملك نصيبه بالظهور ، وجب نصيب العامل من الربح ، وإلّا لم يجب(٤) .

واستيلاد المالك جارية القراض كإعتاقها.

وإذا أوجبنا المهر بالوطي الخالي عن الإحبال ، فالظاهر الجمع بينه وبين القيمة.

مسألة ٢٧٢ : لو حصل في المال نقصٌ بانخفاض السوق ، فهو خسران مجبور بالربح.

وكذا إن نقص المال بمرضٍ حادث أو بعيبٍ متجدّد.

وأمّا إن حصل نقصٌ في العين بأن يتلف بعضه ، فإن حصل بعد‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦ - ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

(٢) الوسيط ٤ : ١٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

١١٤

التصرّف في المال بالبيع والشراء ، فالأقرب : إنّه كذلك.

وأكثر الشافعيّة [ ذكروا ](١) أنّ الاحتراق وغيره من الآفات السماويّة خسران مجبور بالربح أيضاً(٢) ، وأمّا التلف بالسرقة والغصب ففيه لهم وجهان(٣) .

وفرّقوا بينهما بأنّ في الغصب والسرقة يحصل الضمان على الغاصب والسارق ، وهو يجبر النقص ، فلا حاجة إلى جبره بمال القراض(٤) .

وأكثرهم لم يفرّقوا بينهما ، وسوّوا بين التلف بالآفة السماويّة وغيرها ، فجعلوا الوجهين في النوعين ، أحدهما : المنع ؛ لأنّه نقصان لا تعلّق له بتصرّف العامل وتجارته ، بخلاف النقصان الحاصل بانخفاض السوق ، وليس هو بناشئ من نفس المال الذي اشتراه العامل ، بخلاف المرض والعيب ، فلا يجب على العامل جَبْره(٥) .

وكيفما كان فالأصحّ عندهم : إنّه مجبور بالربح(٦) .

وإن حصل نقص العين بتلف بعضه قبل التصرّف فيه بالبيع والشراء ، كما لو دفع إليه مائةً قراضاً فتلف منها قبل الاشتغال خمسون ، فالأقرب : إنّه من الربح أيضاً يُجبر به التالف ؛ لأنّه تعيّن للقراض بالدفع وقبض العامل له ، فحينئذٍ يكون رأس المال مائةً كما كان ، وهو أحد قولَي الشافعي ، وبه قال المزني(٧) .

____________________

(١) ما بين المعقوفين أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

(٣ و ٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.

١١٥

والأظهر عندهم : إنّه يتلف من رأس المال ، ويكون رأس المال الخمسين الباقية ؛ لأنّ العقد لم يتأكّد بالعمل(١) .

وليس بجيّدٍ ؛ إذ العمل فرع كون المال مالَ القراض.

مسألة ٢٧٣ : لو تلف المال بأسره في يد العامل قبل دورانه في التجارة إمّا بآفةٍ سماويّة أو بإتلاف المالك له ، انفسخت المضاربة ؛ لزوال المال الذي تعلّق العقد به.

فإن اشترى بعد ذلك للمضاربة ، كان لازماً له ، والثمن عليه ، سواء علم بتلف المال قبل نقد الثمن أو جهل ذلك ، إلّا أن يجيز المالك الشراءَ ، فإن أجاز احتُمل أن يكون قراضاً ، كما لو لم يتلف المال ، وعدمه ، كما لو لم يأخذ شيئاً من المال.

أمّا لو أتلفه أجنبيٌّ قبل دورانه في التجارة وقبل تصرّف العامل فيه ، فإنّ العامل يأخذ بدله ، ويكون القراض باقياً فيه ؛ لأنّ القراض كما يتناول عين المال الذي دفعه المالك ، كذا يتناول بدله ، كأثمان السِّلَع التي يبيعها العامل ، والمأخوذ من الأجنبيّ عوضاً بدله.

وكذا لو أتلف بعضه.

ولو تعذّر أخذ البدل من الأجنبيّ ، فالأقرب : إنّه يُجبر بالربح ، وهو أحد قولَي الشافعيّة(٢) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ للعامل النزاعَ مع الأجنبيّ والمخاصمة له والمطالبة بالبدل والمحاكمة عليه - وهو أحد وجهي الشافعيّة(٣) - لأنّ حفظ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.

١١٦

المال يقتضي ذلك ، ولا يتمّ إلّا بالخصومة والمطالبة خصوصاً مع غيبة ربّ المال ، فإنّه لو لم يطالبه العامل ، ضاع المال ، وتلف على المالك.

وفي الوجه الثاني : ليس له ذلك ؛ لأنّ المضاربة عقد على التجارة ، فلا يندرج تحته الحكومة(١) .

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّه من توابعها.

فعلى هذا لو ترك الخصومة والطلب مع غيبة المالك ضمن ؛ لأنّه فرّط في تحصيله ، وإن كان حاضراً وعلم الحال لم يلزم العامل طلبه ولا يضمنه إذا تركه ؛ لأنّ ربّ المال أولى بذلك من وكيله.

وفصّل بعضهم ، فقال : الخصمُ المالكُ إن لم يكن في المال ربح ، وهُما جميعاً إن كان فيه ربح(٢) .

مسألة ٢٧٤ : لو أتلف العاملُ مالَ القراض قبل التصرّف فيه للتجارة ، احتُمل ارتفاعُ القراض ؛ لأنّه وإن وجب بدله عليه فإنّه لا يدخل في ملك المالك إلّا بقبضٍ منه ، فحينئذٍ يحتاج إلى استئناف القراض ، وبه قال الجويني(٣) ، وبقاءُ القراض في البدل ، كبقائه في أثمان المبيعات ، وفي بدله لو أتلفه الأجنبيّ ، وعلى هذا التقدير يكون حكم البدل في كونه قراضاً حكم البدل المأخوذ من الأجنبيّ الـمُتلف.

ولو كان مال القراض مائتين فاشترى بهما عبدين أو ثوبين بكلّ مائةٍ منهما عبداً أو ثوباً فتلف أحدهما ، فإنّه يُجبر التالف بالربح ، فيحسب المغروم من الربح ؛ لأنّ العامل تصرّف في رأس المال ، وليس له أن يأخذ شيئاً من جهة الربح حتى يردّ ما تصرّف فيه إلى المالك ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة.

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.

١١٧

والثاني : البناء على تلف بعض العين قبل التصرّف بأن نقول : لو تلفت إحدى المائتين قبل التصرّف جبرناها بالربح ، فهنا أولى ، وإن قلنا بتلف رأس المال فهنا كذلك ؛ لأنّ العبدين بدل المائتين ، ولا عبرة بمجرّد الشراء ، فإنّه تهيئة محلّ التصرّف ، والركن الأعظم في التجارة البيع ؛ لأنّ ظهور الربح منه يحصل(١) .

والمعتمد ما قلناه.

مسألة ٢٧٥ : لو اشترى عبداً للقراض فقتله قاتلٌ ، فإن كان هناك ربح فالمالك والعامل غريمان مشتركان في طلب القصاص أو الدية ، وليس لأحدهما التفرّد بالجميع ، بل الحقّ لهما ، فإن تراضيا على العفو على مالٍ أو على القصاص جاز ، وإن عفا أحدهما على غير شي‌ءٍ سقط حقّه خاصّةً من القصاص والدية ، وكان للآخَر المطالبة بحقّه منهما معاً ، فإن أخذ الدية فذاك ، وإن طلب القصاص دفع الفاضل من المقتصّ منه واقتصّ.

وعند الشافعي يسقط حقّ القصاص بعفو البعض دون الدية(٢) .

وليس بشي‌ءٍ ، وسيأتي.

وهذا بناءً على ما اخترناه من أنّ العامل يملك بالظهور ، وإن لم يكن هناك ربح ، فللمالك القصاص والعفو على غير مالٍ.

وكذا لو أوجبت الجناية المالَ ولا ربح ، كان له العفو عنه مجّاناً ، ويرتفع القراض.

ولو أخذ المال أو صالح عن القصاص على مالٍ ، بقي القراض فيه ؛

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ - ٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣٥١ ، بحر المذهب ٩ : ٢٣٣ ، البيان ٧ : ١٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.

١١٨

لأنّه بدل مال القراض ، فإن كان بقدر رأس المال أو دونه كان لربّ المال ، وإن كان أكثر كان الفضل بينهما.

ولو كان هناك ربح وقلنا : إنّ العامل لا يملك إلّا بالقسمة ، لم يكن للسيّد القصاص بغير رضا العامل ؛ لأنّه وإن لم يكن مالكاً للربح فإنّ حقّه قد تعلّق به ، فإن اتّفقا على القصاص كان لهما.

مسألة ٢٧٦ : إذا اشترى العامل شيئاً للقراض فتلف الثمن قبل دفعه إلى البائع ، فإن كان بتفريطٍ من العامل إمّا في عدم الحفظ أو في التأخير للدفع ، كان ضامناً ، ويكون القراض باقياً ، ويجب عليه الدفع إلى البائع ، فإن تعذّر كان حكمه بالنسبة إلى صاحب المال ما سيأتي في عدم التفريط.

فنقول : إذا تلف المال بغير تفريطٍ من العامل ، فلا يخلو إمّا أن يكون الشراء بالعين أو في الذمّة ، فإن كان قد اشترى بالعين بطل البيع ، ووجب دفع المبيع إلى بائعه ، وارتفع القراض.

وإن كان الشراء في الذمّة للقراض ، فإن كان بغير إذن المالك بطل الشراء إن أضاف إلى المالك أو إلى القراض ؛ لأنّه تصرّفٌ غير مأذونٍ فيه ، ولا يلزم الثمن أحدهما ، بل يردّ المبيع إلى بائعه ، وإن لم يُضف الشراء إلى المالك ولا إلى القراض ، بل أطلق ظاهراً ، حُكم بالشراء للعامل ، وكان الثمن لازماً له.

وإن كان بإذن المالك ، وقع الشراء للقراض ، ووجب على المالك دفع عوض الثمن التالف ، ويكون العقد باقياً.

وهل يكون رأس المال مجموع التالف والمدفوع ثانياً ، أم الثاني خاصّةً؟ الأقوى : إنّ المجموع رأس المال ، وبه قال أبو حنيفة ومحمّد ، وهو أحد قولَي الشافعيّة ، والثاني : إنّ رأس المال هو الثاني خاصّةً ؛ لأنّ‌

١١٩

التالف قد تلف قبل التصرّف فيه ، فلم يكن من رأس المال ، كما لو تلف قبل الشراء(١) .

وقال مالك : إنّ المالك يتخيّر بين أن يدفع ألفاً أُخرى ، ويكون هو رأس المال ، دون الأوّل ، وبين أن لا يدفع ، فيكون الشراء للعامل(٢) .

ويتخرّج هذا القول وجهاً للشافعيّة على ما قالوه في مداينة العبد فيما إذا سلّم إلى عبده ألفاً ليتّجر فيه فاشترى في الذمّة شيئاً ليصرفه إلى الثمن فتلف : إنّه يتخيّر السيّد بين أن يدفع إليه ألفاً أُخرى فيمضي العقد ، أو لا يدفع فيفسخ البائع العقد ، إلّا أنّ الفرق أنّ هنا يمكن صَرف العقد إلى المباشر إذا لم يخرج المعقود له ألفاً أُخرى ، وهناك لا يمكن فيصار إلى الفسخ(٣) .

واعلم أنّ الشافعي قال : لو قارض رجلاً ، فاشترى ثوباً وقبض الثوب ثمّ جاء ليدفع المال فوجد المال قد سُرق ، فليس على صاحب المال شي‌ء ، والسلعة للعامل ، وعليه ثمنها.

واختلف أصحابه هنا على طريقين :

منهم مَنْ قال : إنّما أراد الشافعي إذا كانت الألف تلفت قبل الشراء ، فأمّا إذا تلفت بعد الشراء ، كانت السلعة لربّ المال ، ووجب عليه ثمنها.

والفرق بينهما : إنّها إذا تلفت قبل الشراء فقد انفسخ القراض ، فإذا‌

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٣٠ ، الوسيط ٤ : ١٢٤ - ١٢٥ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٢ - ٣٤٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٤ ، البيان ٧ : ١٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٨ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٤ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢١٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٣ / ١٧٣٦ ، المغني ٥ : ١٨٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٩.

(٢) بحر المذهب ٩ : ٢٣٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

والثانية: التقية، فكلما أرادوا شيئاً يتكلّمون به، فإذا قيل لهم هذا خطأ وظهر بطلانه قالوا: إنما قلناه تقية »(١) .

وقد أورد الشهرستاني كلام سليمان بن جرير وهذا نصه: « ثم إنه طعن في الرافضة فقال: إن أئمة الرافضة قد وضعوا مقالتين لشيعتهم لا يظهر أحد قط بهما عليهم، إحداهما: القول بالبداء، فإذا أظهروا قولاً أنه سيكون لهم قوة وشوكة وظهور. ثم لا يكون الأمر على ما أخبروه قالوا: بدا الله تعالى في ذلك، والثانية: التقية، وكل ما أرادوا تكلّموا به، فإذا قيل لهم: ذلك ليس بحق وظهر لهم البطلان قالوا: إنما قلناه تقية وفعلناه تقية »(٢) .

تحريف الدهلوي الكلام المذكور

ومن غرائب الأعمال الفاضحة تحريف ( الدهلوي ) كلام الشهرستاني هذا وإقحامه فيه عبارات من عنده، فقد جاء في حاشية المكيدة السابعة بعد المائة من باب المكايد من ( التحفة ) ما نصه: « قد نقل صاحب الملل والنحل عن سليمان بن جرير من الزيدية أنه قال: إن أئمة الرفض وضعوا مقالتين لشيعتهم لا يظهر أحد قط بهما عليهم.

إحداهما: القول بالبداء، فإذا تليت عليهم الآيات الدالة على مدح الصحابة والثناء الحسن عليهم أولوها بالبداء وقالوا: بدا لله تعالى في حالهم، وكذا إذا أخبروا أتباعهم بأنه سيكون لهم شوكة وقوة ثم لا يكون الأمر على وفق ما وعدوا به قالوا: بد الله في ذلك.

والثانية: التقية، فكلما رويت عندهم عن أمير المؤمنين والأئمة ما يدل على الثناء في حق الصحابة والألفة معهم والمؤانسة بهم والمصاهرة والمؤاكلة والمشاربة والصلاة خلف الخلفاء ورواية الحديث عنهم ولهم قالوا: هذا كله محمول على

___________________

(١). المحصل للرازي ١٨٢.

(٢). الملل والنحل ١ / ١٦٠.

٢٦١

التقية، بل بعض فضلائهم إذا تكلم بكلام باطل فقيل له: هذا باطل عندك وعلى وفق قواعدك وقواعد أصحابك وروايات أئمتك قال: إنما قلناه تقية وتلبيساً للأمر.

أقول: هاهنا مقالة ثالثة هي حصنهم الحصين وحرزهم الحريز وهي الرجعة، فإن الآيات الدالة على غلبة الحق وأهله، وكذا الأحاديث المبشرة بحصول الأمن والغنى والجاه والثروة إذا أوردت عليهم قالوا: هذه المواعيد كلها يكون عند الرجعة ».

أقول: قد أضاف ( الدهلوي ) على كلام الشهرستاني جملة: « فإذا تليت عليهم » وجملة « فكلما ». وأسقط جملة: « وكلما أرادوا تكلّموا » ووضع في مكانها: « بل بعض فضلائهم ».

ثم إنه أضاف قضية الرجعة مصدرة بكلمة « أقول » ليوهم الناظر في كتابه أنه من كلام الشهرستاني، وأن ما ذكره قبل « أقول » كلام سليمان بن جرير وهل هذا إلّا خيانة وتدليس؟!

كلام الدواني

ومما يدل على انحراف أهل السنة عن أهل البيتعليهم‌السلام قول الدواني - حيث زعم العضدي أن الفرقة الناجية التي يعنيها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث افتراق الأمة هم الأشاعرة دون غيرهم -: « فإن قلت: كيف حكم بأن الفرقة الناجية هم الأشاعرة وكلّ فرقة تزعم أنها الناجية؟

قلت: سياق الحديث مشعر بأنهم مقتدون بما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه، وذلك إنما ينطبق على الأشاعرة، فإنهم يتمسكون في عقائدهم بالأحاديث الصحيحة المروية عنهعليه‌السلام وعن أصحابه رضي الله عنهم لا يتجاوزون عن ظواهرها إلّا بضرورة، ولا يسترسلون مع عقولهم كالمعتزلة ومن يحذو حذوهم، ولا مع النقل عن غيرهم كالشيعة المتشبثين بما روي عن

٢٦٢

أئمتهم لاعتقادهم العصمة فيهم »(١) .

وقد أفرط الخلخالي في العناد والانحراف فقال في ( حاشيته على شرح العقائد ) معلقاً على عبارة الدواني: « لأجل اعتقادهم العصمة في أئمتهم وعدم صدور الكذب والافتراء منهم ».

أي: أن الاعتقاد بمعصمة أئمة أهل البيتعليهم‌السلام وعدم صدور الكذب والافتراء هو مما يختص بالشيعة الامامية، وأما أهل السنة فيخالفونهم في ذلك ويرونه اعتقاداً باطلاً ومذهباً منكراً.

فهذه عقيدة أهل السنة في أئمة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، لا ما زعمه ( الدهلوي )

قوله: وإذا كان الشيعة لا يعتبرون كتب أهل السنة فبما ذا يجيبون عن الأحاديث الواردة عن الشيعة، سواء في العقائد الإلهية والفروع الفقهية الموافقة لأهل السنة، كما سيأتي في هذا الكتاب؟

أقول:

لقد أجاب علماؤنا الأعلام عن استدلالات ( الدهلوي ) بروايات الشيعة في الأصول والفروع في ردودهم على أبواب ( التحفة )، وقد أتموا الحجة على أولياء ( الدهلوي ) وأوضحوا المحجة لهم، وبرهنوا على تخلّفهم عن سفينة أهل البيت -عليهم‌السلام - التي من ركبها نجا ومن تخلّف عنها هلك وغوى، والحمد لله رب العالمين.

لا دلالة للحديث إلّا على نجاة الإثني عشرية فحسب

قوله:

ولبعض علماء الشيعة في هذا المقام تأويل خدّاع لا بدّ من ذكره وتنفيده،

___________________

(١). شرح العقائد بحاشية الشيخ محمد عبده ( الشيخ محمد عبده بين الفلاسفة والمتكلمين ) ١ / ٢٨.

٢٦٣

حيث يقول: إن تشبيه أهل البيت بالسفينة في هذا الحديث يقتضي أن لا يكون حب جميع أهل البيت واتّباعهم ضرورياً في النجاة والفلاح، فإنّ من يستقر في زاوية واحدة من السفينة ينجو من الغرق بلا ريب، بل إن التنقل من مكان إلى آخر فيها ليس أمراً مألوفاً، فالشيعة لتمسكهم ببعض أهل البيت ناجون، ولا يرد عليهم طعن أهل السنة في ذلك.

أقول:

ليس هذا التقرير البارد لأحدٍ من علماء الشيعة، والذي أظنه - وظن الحرّ يقين - أنه من صنع يد ( الدهلوي ) نفسه وقد نسبه إلى الشيعة تهجيناً لهم وتمهيداً للردّ عليهم، وإلّا فليذكر أولياؤه قائله!!

وإذا كان جميع المناظرات على هذا المنوال لا نسد باب البحث والتحقيق

ومن العجيب: أن ( الدهلوي ) لا يسمح له عناده لأن ينقل تقريراً لأحد أعلام الشيعة ثم يتصدى لردّه بجواب صحيح أو باطل، لكنه يأتي بما لا يرضاه الحمقى - فضلاً عن العقلاء فالعلماء - ناسباً إياه إلى الشيعة

وعلى أيّ حال فإنّا لا نسلم أبداً أن يكون هذا الوجه المذكور لأحد من أهل الحق، فإنه لا يصدر من عوامهم فضلاً عن علمائهم ومحقيهم، وإنْ هو إلّا كذب مفترى.

بل إنه يتناسب مع عقيدة أهل السنة، فإنهم - بالرغم من زعمهم محبّة أهل البيتعليهم‌السلام وموالاتهم - يهتدون بهدى أعدائهم ومخالفيهم، ويتفوّهون في حقهمعليهم‌السلام بكلماتٍ قاسية - تقدّم ذكر بعضها، ولا يرون إجماعهم حجة، ويقدّمون عليهم من لا يدانوهم علماً وفقهاً وزهداً...

وهذا الذي ذكرناه يغني عن التعرّض لما ذكره في جواب هذا التقرير المزعوم، إلّا أنّا نورد ذلك ونشير بالإِجمال إلى فساده.

٢٦٤

قوله:

أما الجواب على هذا الكلام فيكون على نحوين: الأول: بطريق النقض، فالإِمامية في هذه الصورة يجب ألّا يعتبروا الزيدية والكيسانية والناووسية والفطحية منحرفين، بل مهتدون، لأن كلاً منهم قد استقر في زاوية من هذه السفينة الكبيرة، ويكفى الاستقرار في زاوية منها للنجاة من الغرق.

أقول:

لقد علم مما سبق - والحمد لله - أن مصداق حديث السفينة ليس إلّا الأئمة الهداة من أهل البيتعليهم‌السلام ، ومن ركب سفينتهم معتقداً عصمتهم وطهارتهم نجا من الهلاك.

وبما أن الزيدية والكيسانية والناووسية وأمثالهم لا يذهبون إلى هذا الاعتقاد فإنهم - كأهل السنة - متخلفون في السفينة الناجية المنجية، وهم هالكون بلا ريب.

قوله:

بل إن النص على الأئمة الاثني عشر يبطل على هذا أيضاً، لأن كل زاوية من السفينة كافية في الإِنجاء من أمواج البحر، ومعنى الإِمام هو أن أتّباعه يوجب النجاة في الآخرة، فبهذا يبطل مذهب الاثني عشرية بل الامامية بأسرها.

أقول:

لقد ثبت من النصوص النبوية وكلمات الأئمة الطاهرين وسائر الأدلة والبراهين: أن مصداق الحديث هم الأئمة الاثنا عشر، فكيف يضعف هذا المذهب بهذه الشبهات الواهية؟

ومن الواضح: أنه إذا كان ركوب السفينة المنجية متوقفاً على الاعتقاد بإمامة الاثني عشر وعصمتهم وطهارتهم، كان ركوب غير الاثني عشرية فيها من المحالات، ولما كان سبب النجاة منحصرا بهذه السفينة كان من المحتم هلاك من

٢٦٥

عدا الاثني عشرية من الفرق مطلقاً

فبطلان مذهب الاثني عشرية - بعد وضوح معنى حديث السفينة - محال.

قوله:

وإذا ادعى الزيدية ذلك أجيبوا بنفس الجواب.

أقول:

إن الزيدية - وإن كانوا من الهالكين عندنا - يترفعون عن الاستدلال بهكذا دليل فاسد بارد، ومن وقف على كلماتهم حول حديث السفينة في كتاب ( ذخيرة المآل ) علم أنهم - وإنْ خلطوا فيها بين الحق والباطل - لا يستدلون بمثله أبداً.

قوله:

فلا يصح لأي فرقة من فرق الشيعة التقيد بمذهب معين، ولازمه اعتبار جميع المذاهب على صواب.

أقول:

لقد ذكرنا أن هذا التقرير ليس للشيعة مطلقاً، فما بنى عليه ( الدهلوي ) إنما هو من بناء الفاسد على الفاسد.

قوله:

في حين أن التناقض قائم بين هذه المذاهب، وأن اعتبار كلا الجانبين المتناقضين حقاً يؤدي إلى اجتماع النقيضين في غير الاجتهاديات، وهو مستحيل قطعاً.

أقول:

كأن ( الدهلوي ) في غفلة عن الاختلافات والتناقضات الموجودة بين مذاهب أهل السنة؟!

بل لقد جوّز بعضهم تعدّد المذاهب بعدد الصحابة وهذا من عجائب الأمور، قال العجيلي ما نصه: « وقد وضع الشيخ الرباني وإمام أهل الكشف عبد الوهاب الشعراني قدس الله روحه في ميزانه لاختلاف المذاهب تمثالاً كالشجرة

٢٦٦

وكتب عليه: فانظر يا أخي إلى العين التي في أسفل الشجرة وإلى الفروع والأغصان والثمار، تجدها كلّها متفرعة من أصل الشجرة وهي الشريعة، والفروع الكبار مثال أقوال أئمة المذاهب، والفروع الصغار مثال أقوال المقلدين، والأغصان المتفرعة من جوانب الفروع مثال أقوال الطلبة المقلدين، والنقط الحمر التي في أعلى الأغصان مثال المسائل المستخرجة من أقوال العلماء، فلم يخرج أحد من عين شريعة وشجرة علمه، وما من قول من أقوال هؤلاء الأئمة إلّا وهو متفرع من هذه الشجرة وفروعها وأغصانها.

ثم وضع مثالاً آخر لاتصال سائر المذاهب بعين الشريعة، وخط خطوطاً كثيرة تشرع إلى العين الوسطى من سائر الجوانب، ولم يحصرها في أربعة ولا خمسة بل ذكر نحو ثمانية عشر مذهباً، كما جعلها غيره مائة ألف وأربعة عشر ألفاً على عدد الصحابة رضي الله عنهم وبأيّهم اقتديتم اهتديتم!! »(١) .

بل نسبوا إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال: « إن شريعتي جاءت على ثلاثمائة وستين طريقة » فقد جاء في ( ذخيرة المآل ) أيضاً عن الشعراني: « وقد روى الطبراني مرفوعاً: أن شريعتي جاءت على ثلاثمائة وستين طريقة ما سلك أحد منها طريقة إلّا ونجا ، ويؤيده حديث أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم. انتهى كلام الشعراني نفع الله به »(٢) .

قوله:

الثاني بطريق الحل، فإن الاستقرار في زاوية من السفينة يضمن النجاة من الغرق في البحر، بشرط أن لا يثقب الزاوية الأخرى منها، فإذا اقترن الجلوس في زاوية مع الإِثقاب في الزاوية الأخرى فإن ذلك سوف يؤدي إلى الغرق حتماً، وما من فرقة من فرق الشيعة إلّا وهي مستقرة في زاوية وتثقب الزاوية الأخرى.

___________________

(١). ذخيرة المآل - مخطوط.

(٢). المصدر نفسه.

٢٦٧

أقول:

جوابه الحلي أوهن من جوابه النقضي، لما ذكرنا مرة بعد أُخرى من أن المراد من أهل البيت الذين شبههم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسفينة نوح هم المراد منهم في حديث الثقلين، وهم الأئمة الإِثنا عشرعليهم‌السلام ، وهل يتسنى لغير الاثني عشري ركوب هذه السفينة كي يخرقها من الجانب الآخر؟ كلّا إنه من المغرقين

وأما الاثنا عشرية فإنهم يقتدون بجميع أجزاء السفينة وينظرون إليها بعين الاكرام والتعظيم، فهم إذن ركّابها والناجون بها من الغرق.

هذا، والغريب أن ( الدهلوي ) يقيس سفينة أهل البيتعليهم‌السلام بالسفينة الخشبية التي يصنعها الناس، فيجيز ثقبها وخرقها، مع أن الأمر ليس كذلك، فإن السفينة - هذه - من صنع الله سبحانه، ولو اجتمع الانس والجن على أن يخرقوها لما أمكنهم ذلك، ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً.

قوله:

أجل فإن أهل السنة مهما تنقلوا في الزوايا المختلفة فإن سفينتهم عامرة، وأنّهم لم يثقبوا أية زاوية منها أصلاً ليتسرب الموج من ذلك الجانب ويؤدي بهم إلى الغرق، والحمد لله.

أقول:

يبطل هذا ما تقدّم نقله من كلمات أهل السنة في أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ، وهو بالعكس من ذلك عند الامامية، فإن من راجع كلماتهم وجدهم يعتقدون في الأئمةعليهم‌السلام بما هم أهله من العصمة والطهارة والامامة، ويتمسكون بأقوالهم في الأصول والفروع، فهم ركاب سفينتهم لا الذين يقتدون بغيرهم ويقتفون أثر المتقدمين عليهم، فإن هؤلاء هم المتخلّفون عن السفينة، الهالكون في بحار الغي والضلالة، الذين صدق عليهم قوله تبارك وتعالى:( مِمَّا

٢٦٨

خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصاراً ) (١) .

قوله:

وبهذا يتم لأهل السنة إلزام النواصب في إنكارهم لهذين الحديثين حيث ناقشوا في صحتهما بالدليل العقلي، فقالوا: إن مفاد هذين الحديثين هو التكليف بما يمتنع عقلاً وهو محال بالبداهة، ذلك أنه إذا وجب التمسك بأهل البيت جميعهم مع ما هم عليه من الاختلاف في العقائد والفروع، فذلك يستلزم التكليف بالجمع بين النقيضين وهو محال.

وإذا وجب التمسك ببعضهم فإما أن يكون ذلك مع التعيين أو بدونه، فعلى الأولى يلزم الترجيح بلا مرجح، خصوصاً مع وجود الاختلاف بين القائلين بذلك في تأكيد النص لصالحهم، وعلى الثاني يلزم تجويز العقائد المختلفة والشرائع المتفاوتة في الدين الواحد من الشارع، في حين أن آية:( لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً ) صريحة في خلاف ذلك، مضافاً إلى استحالته بضروريات الدين.

ولا تستطيع أية فرقة من فرق الشيعة أن تخدش في دليل هؤلاء الأشقياء إلّا باتباع مذهب أهل السنة ».

أقول:

لا يخفى على الخبير أن ( الدهلوي ) كثيراً ما يدافع عن النواصب في هذا الكتاب، ويضع - من قبلهم - براهين وأدلة على ما ذهبوا إليه، وقد نسب إليهم في المقام هذا الكلام مع أنا لم نجده في كتاب أحد منهم.

الأصل في مناقشة الدهلوي

والواقع: إنه قد أخذ هذا من بعض أسلافه، فقد قال الشيخ إبراهيم بن حسن الكردي - وهو الذي أثنى عليه ( الدهلوي ) واحتج ببعض هفواته في مبحث

___________________

(١). سورة نوح: ٢٥.

٢٦٩

آية الولاية، كما أنه من مشايخ والده(١) - في الجواب عن الحديثين في كتابه ( النبراس ) ما نصه:

« وأما خبر السفينة وإني تارك فيكم، فلا دلالة فيهما إلّا على أن التمسك بهم غير ضال، ولا دلالة فيهما على أن تقليدهم أولى، كما لا دلالة فيهما على أن المتمسك بغيرهم من التابعين للكتاب والسنة ليس على هدى. وأقرب ما يتبين به أنه لا دلالة في ذلك على الأولوية، إنّ الأولوية لا تثبت بهذه الأحاديث إلّا إذا دلت على أنهم لا يخطئون أبداً، ولا دلالة فيها على ذلك كما يشهد به الواقع، لما مرّ أنهم قد اختلفوا باعترافكم ونقلكم في المسائل الأصولية - وقد اعترفتم بأن الحق في الأصول واحد، وإذا كان الحق واحداً - وهم قد اختلفوا اختلافاً متناقضاً - دل ذلك على تطرق الخطأ الاجتهادي إليهم قطعاً ولا محيص لإِنكاره، وكلّما تطرق إليهم كانوا كسائر المجتهدين من الأمة، فلا أولوية بهذه الأحاديث أصلاً ».

وقد تقدم سابقاً عن ( الدهلوي ) نفسه قوله: « والحاصل أن المراد بالعترة إما جميع أهل بيت السكنى، أو جميع بني هاشم، أو جميع أولاد فاطمة وعلي، وعلى كل تقدير فالتمسك المأمور به إمّا بكلٍ منهم أو بكلّهم أو بالبعض المبهم أو بالبعض المعين. والشقوق كلها باطلة.

أما الأول فلأنه يستلزم التمسك بالنقيضين في الواقع، لاختلاف العترة فيما بينهم في أصول الدين كما مرّ مفصلاً، وعلى الثاني يلغو الكلام، لأن التمسك بما أجمع عليه كلهم بحيث لا يشذ عنه فرقة لا يجدي نفعاً، إذ البحث في المسائل الخلافية. وعلى الثالث يلزم تصويب الطرفين المتخالفين، ويلزم على الامامية تصويب الزيدية والكيسانية وبالعكس. وعلى الرابع يلزم التجهيل والتلبيس في التبليغ، إذ البعض المراد غير مذكور في الكلام، فيفضي إلى النزاع في تعيينه كما

___________________

(١). وقال الشوكاني في ( البدر الطالع ١ / ١١ ) ما ملخصه: « الامام المجتهد الكبير ولد سنة ١٠٢٥ وبرع في جميع الفنون وانتفع به الناس ورحلوا اليه وأخذوا عنه في كلّ فن حتى مات سنة ١١٠١ ».

٢٧٠

هو الواقع ».

فظهر - إذن - أن ما ذكره من قبل النواصب هو من هفواته وهفوات أهل السنة، وقد ذكرنا سابقاً بطلانه بما لا مزيد عليه، ونقول هنا باختصار: بما أن الأئمة الاثني عشرعليهم‌السلام هم مصداق « أهل البيت » في حديث الثقلين وحديث السفينة، وهم متفقون في أصول الدين وفروعه وغير ذلك - فلا وجه لهذه الشقوق الباطلة أبداً.

ثم إنّ هؤلاءعليهم‌السلام معصومون من الخطأ ومبرؤن من الزلل، وأن اجتماعهم على عقيدة واحدة ومذهب واحد من أظهر الأمور، حتى اعترف بذلك جماعة من علماء أهل السنة، كالعلامة السندي صاحب ( دراسات اللبيب ).

وإذ قد عرف « أهل البيت » بالتحقيق، وعلم أنهم معصومون ومتفقون فيما بينهم في الأصول والفروع، ظهر بطلان كلام ( الدهلوي ) الذي زعم أنه للنواصب، ولو تم ذلك للزم القدح في الاسلام. قال بعض علمائنا الأعلام هذا المقام:

« أما ما ذكره هذا الناصبي عن النواصب، فإنه في الحقيقة قدح في الاسلام، إذ بناءاً عليه يجوز للكفار أن يقولوا بوجود التناقض والاختلاف في آيات الكتاب، وان التكليف بالعمل بالمتناقضين محال، وأما أحدهما فإن كان معيناً لزم الترجيح بلا مرجح - وأيضاً فالوجوه المرجحة مختلفة كذلك، وحينئذٍ يتمسك كل بما يرجح عقيدته - وإنْ لم يكن معيناً لزم تجويز الشرائع المتفاوتة في دين واحد.

وأيضاً، فإن هذا التقرير الذي ارتكبه ( الدهلوي ) من قبل النواصب يبطل حديث النجوم - الذي طالما اغتر به هو وأصحابه - إذ يمكن القول بأن الذي أمرت الامة بالاقتداء به إما جميع الأصحاب وإما بعضهم، فإنْ كان الأول لزم اجتماع النقيضين - للاختلاف الكثير فيما بينهم - وإنْ كان الثاني فإما أن يكون معيناً وإمّا أن يكون مبهماً، فعلى الأول يلزم الترجيح بلا مرجح - على أن حديث الاقتداء معارض بأحاديث ارتداد الاصحاب على الأعقاب، فيأتي هنا عين ما ذكره

٢٧١

( الدهلوي ) هناك، وأيضاً، فإن الشيعة الذين يقتدون بافضل الصحابة غير ملومين - وعلى الثاني يلزم تجويز التناقضات ».

فتلخص: بطلان مناقضات ( الدهلوي ) في دلالة حديث السفينة.

٢٧٢

تفنيد كلام الدهلوي

في حاشية التحفة

٢٧٣

٢٧٤

مناقشة أخرى

وقد نقل ( الدهلوي ) في هذا المقام في حاشية كتابه كلاماً لبعض علماء طائفته هو أكثر سخافة مما تقدم منه، فقال:

قال الملّا يعقوب الملتاني من علماء أهل السنة: إن تشبيه أهل البيت بالسفينة والصحابة بالنجوم يشير إلى وجوب أخذ الشريعة من الصحابة والطريقة من أهل البيت، إذ يستحيل الخوض في بحار الحقيقة والمعرفة من غير إعمال قواعد الطريقة وتطبيق تكاليف الشريعة، كما يستحيل ركوب البحر من غير الاهتداء بالنجوم، والسفينة - وإنْ كانت تنجي من الغرق - إلّا أن الوصول إلى المقصود من دون ملاحظة النجوم محال، كما أن ملاحظة النجوم من غير ركوب السفينة لا أثر لها. وعليك بالتأمّل في هذه النقطة فإنها عميقة.

وجوه الجواب عن المناقشة

أقول:

وهذا الوجه - الذي ذكره الفخر الرازي عن بعض المذكّرين(١) - موهون

___________________

(١). جاء في التفسير الكبير تحت آية المودة « والحاصل أن هذه الآية تدل على وجوب حب آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحب أصحابه، وهذا المنصب لا يسلم الا على قول أصحابنا أهل السنة =

٢٧٥

___________________

= والجماعة الذين جمعوا بين حب العترة والصحابة، وسمعت بعض المذكرين قال: انهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركب فيها نجا وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم، ونحن الآن في بحر التكليف وتضربنا أمواج الشبهات والشهوات، وراكب البحر يحتاج إلى أمرين:

« أحدهما » السفينة الخالية عن العيوب والثقب.

و « الثاني » الكواكب الظاهرة الطالعة النيرة، فاذا ركب تلك السفينة ووقع نظره على تلك الكواكب الظاهرة كان رجاء السلامة غالباً، فكذلك ركب أصحابنا أهل السنة سفينة حب آل محمد ووضعوا أبصارهم على نجوم الصحابة، فرجوا من الله تعالى أن يفوزوا بالسلامة والسعادة في الدنيا والآخرة ».

ومن الغريب استحسان بعضهم هذا الكلام حتى نسبوه إلى الرازي، قال الطيبي في ( الكاشف ):

« شبه الدنيا لما فيها من الكفر والضلالات والبدع والاهواء الزائغة ببحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض، وقد أحاط بأكنافه وأطرافه الارض كلها وليس فيه خلاص ومناص الا تلك السفينة وهي محبة أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما أحسن انضمامه معقوله مثل أصحابي مثل النجوم من اقتدى بشيء منها اهتدى! قال الامام فخر الدين الرازي في تفسيره: نحن معاشر أهل السنة بحمد الله ركبنا سفينة محبة أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واهتدينا بنجم هدى أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونرجو النجاة من أهوال القيامة ودركات الجحيم والهداية الى ما يزلفنا الى درجات الجنان والنعيم المقيم ».

وقال القاري في ( المرقاة ) في شرح حديث السفينة نقلا عن الطيبي « شبه الدنيا بما فيها من الكفر والضلالات والبدع والجهالات والاهواء الزائغة ببحر لجي يغشاه موج من فوقه من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض، وقد أحاط بأكنافه وأطرافه الارض كلها وليس منه خلاص ولا مناص الا تلك السفينة وهي محبة أهل بيت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما أحسن انضمامه مع قوله مثل أصحابي مثل النجوم من اقتدى بشيء منه ( منها. ظ ) اهتدى ونعم ما قال الامام فخر الدين الرازي في تفسيره: نحن معاشر أهل السنة بحمد الله ركبنا سفينة محبة أهل البيت واهتدينا بنجم هدى أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فنرجو النجاة من أهوال القيمة ودركات الجحيم والهداية الى ما يوجب درجات الجنان والنعيم المقيم. انتهى.

وتوضيحه أن من لم يدخل السفينة كالخوارج من الهالكين في أول وهلة، ومن دخلها ولم يهتد بنجوم الصحابة كالروافض ضل ووقع في ظلمات ليس بخارج منها ».

٢٧٦

بوجوه:

الوجه الأول: إن حديث النجوم موضوع حسب اعتراف كبار أئمة أهل السنّة(١) .

الوجه الثاني: إن المراد من « الأصحاب » في هذا الحديث - لو صحّ - هم « أهل البيت »عليهم‌السلام ، كما حقق ذلك في ( استقصاء الافحام ) فيجب أخذ الشريعة منهم كذلك.

الوجه الثالث: لو لم يكن المراد « أهل البيت » فلا ريب في أن بعضهم من « الأصحاب »، فالاقتداء بهم يستلزم الهداية، ويجب أخذ الشريعة والطريقة منهم معاً.

الوجه الرابع: لما شمل حديث النجوم على فرض صحته أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ، وكان حديث السفينة مختصاً بهم - باعترافه - كانواعليهم‌السلام أولى وأقدم من غيرهم، لجمعهم بين الفضيلتين اللتين أشار إليهما.

الوجه الخامس: لقد دلّت الأدلة الوافرة من الكتاب والسنة على وجوب أخذ الشريعة من أهل بيت العصمة والطهارة.

الوجه السادس: دعوى دلالة حديث السفينة على الرجوع إليهمعليهم‌السلام في الطريقة فحسب، تردها تصريحات كبار علمائهم، فإن من راجعها ظهر له حكمهم بوجوب الرجوع إليهمعليهم‌السلام في الشريعة والطريقة معاً.

الوجه السابع: لقد بلغت دلالة حديث السفينة على أخذ الشريعة من أهل البيتعليهم‌السلام من الوضوح حدّاً حتى اعترف بها نصر الله الكابلي صاحب ( الصواقع ) فقال بعده « ولا شك أن الفلاح منوط بولائهم وهديهم والهلاك بالتخلف عنهم، ومن ثمة كان الخلفاء والصحابة يرجعون إلى أفضلهم فيما أشكل

___________________

(١). حديث « أصحابي كالنجوم فبأيهم اقتديتم اهتديتم » موضوع باطل سنداً ودلالة باعتراف أعلام القوم من المتقدمين والمتأخرين. وقد فصلنا فيه الكلام في قسم ( حديث الثقلين ) حيث ذكره الدهلوي معارضاً للحديث المذكور، كما أنا بحثنا عنه في رسالة مفردة مطبوعة.

٢٧٧

عليهم من المسائل، وذلك لأن ولاءهم واجب وهديهم هدي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

الوجه الثامن: لقد اعترف ( الدهلوي ) نفسه بهذا المعنى إذ قال « وكذلك حديث مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق، فإنه لا يدل إلّا على الفلاح والهداية الحاصلين من حبهم والناشئين من اتّباعهم، وأن التخلف عن حبهم موجب للهلاك ».

وقال في حاشية ( التحفة ) أيضاً « وهكذا الأمر في الاتباع والانقياد، فإن أهل السنة لا يخصون ذلك بطائفة دون أخرى، بل يروون أحاديث جميعهم ويتمسكون بها كما تشهد بذلك كتبهم في التفسير والحديث والفقه ».

الوجه التاسع: ما ذكره الملتاني يستلزم تضليل أهل البيتعليهم‌السلام - والعياذ بالله - والصحابة جميعاً، إذ من المعلوم أن أهل البيتعليهم‌السلام لم يأخذوا الشريعة من الأصحاب، كما أن الأصحاب لم يسلكوا طريق أهل البيت ولم يهتدوا بهداهم، بل كان أكثرهم قالين لهم منحرفين عنهم.

الوجه العاشر: كلامه يقتضي تضليل مذهب المتصوفة الذين يذهبون إلى وصول أوليائهم إلى أقصى مراتب الكمال ومدارج العرفان، مع مجانبتهم للشريعة وتركهم للواجبات الشرعية، بل وارتكابهم للمحرّمات الإِلهية كما لا يخفى على ناظر ( لواقع الأنوار ) و ( نفحات الأنس ) وغيرهما من كتب المتصوفين الأعلام، وقد ذكر شطر من أحوالهم في كتاب ( استقصاء الإِفحام ).

الوجه الحادي عشر: دعوى لزوم الاهتداء بالنجوم باطلة، لأن قوله تعالى( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ) (١) صريح في أن الاهتداء بها يكون في ظلمات البر والبحر، وأما في حال وضوح الطريق، ومعرفة الربان به، وجريان السفينة بإذن الله، فلا حاجة إلى ذلك، لأن من شأن هذه

___________________

(١). سورة الانعام: ٩٧.

٢٧٨

السفينة أن ترسو على شاطئ النجاة لا محالة، وأن تصل إلى هدفها المطلوب قطعاً، وهذا ظاهر.

الوجه الثاني عشر: قوله: إن الوصول إلى المقصود من دون ملاحظة النجوم محال باطل كذلك، لما ذكرنا في الوجه السابق، ونضيف هنا: إذا كان الهدف الأصلي من الركوب هو النجاة من الغرق، فإن مجرد الركوب كاف لحصول هذا الغرض، ولا حاجة إلى الاهتداء بالنجوم حينئذٍ أبداً، كما لا يخفى.

الوجه الثالث عشر: قوله كما أن اعتراف بالحق، إلّا أنّه يريد بهذا التأكيد على ورود حديث النجوم في حق أسلافه، وقد بيّنا بطلان ذلك.

الوجه الرابع عشر: إن هذا الكلام واضح البطلان والهوان، ولا ينطوي على فائدة، ولا يتضمن معنى وجيها، فلا وجه لأمره بالتأمل فيه.

من وجوه الشبه بين سفينة نوح وأهل البيت

لقد شبّه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهل البيت بسفينة نوحعليه‌السلام لا بسفينة أخرى، ومن المعلوم أن سفينة نوح لم تكن بحاجة إلى الاهتداء بالنجوم، فما ذكره الملتاني و ( الدهلوي ) باطل قطعاً.

ويدل على استغناء سفينة نوح عن ذلك وجوه:

١ - الغرض من الركوب هو النجاة

لقد كان الغرض الأصلي من ركوب سفينة نوحعليه‌السلام هو النجاة من الهلاك والغرق في الطوفان الذي جاء قوم نوح، أي: إن الله تعالى قد ضمن النجاة لركّابها، وفي هذه الحالة يكفي مجرد الركوب فيها لأجل النجاة من الهلاك والخلاص من الغرق، من غير توقف على الاهتداء بالنجوم.

ولقد كان هذا المعنى مقصوداً للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين قال: من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق

٢٧٩

٢ - وجود نوح فيها من أسباب النجاة

وإن وجود نوحعليه‌السلام - وهو نبي معصوم ومن أولي العزم - كان من أسباب نجاة السفينة وركابها واهتدائها إلى ساحل النجاة، من دون حاجة إلى شيء من الأسباب الظاهرية.

٣ – ( واصنع الفلك بأعيننا )

وإن السفينة التي صنعت بيد نوحعليه‌السلام وبعين الباري ووحيه لا بدّ وأنْ تصل إلى هدفها المقصود، وإلى ساحل الأمان والنجاة من الغرق وسائر الأخطار قال الله تعالى مخاطباً لنوحعليه‌السلام :( وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا ) (١) .

٤ – ( بسم الله مجريها )

ولقد قال الله تعالى في حق هذه السفينة( بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها ) (٢) .

وقد ذكر المفسرون في معنى هذه الآية: أن نوحاًعليه‌السلام إذا أراد أن ترسو قال بسم الله، فرست، وإذا أراد أن تجري قال: بسم الله، فجرت:

قال الطبري: « حدثنا أبو كريب، قال ثنا جابر بن نوح، قال ثنا: أبو روق عن الضحاك في قوله:( إرْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها ) قال: إذا أراد أن ترسي قال بسم الله فرست، وإذا اراد أن تجري قال بسم الله فجرت »(٣) .

وقال البغوي: « قال الضحاك: كان نوح إذ أراد أن تجري السفينة قال بسم

___________________

(١). سورة هود: ٣٧.

(٢). سورة هود: ٤١.

(٣). تفسير الطبري ١٢ / ٤٥.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347