نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٤

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار16%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 347

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 347 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 286530 / تحميل: 6652
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

وقال: (إن العمامة حاجزة بين الكفر والإيمان)(1) .

وعن ابن شاذان في مشيخته عن علي (عليه‌السلام ): أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) عممه بيده، فذنب العمامة من ورائه، ومن بين يديه، ثم قال له النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): أدبر.

فأدبر.

ثم قال له: أقبل.

فأقبل.

وأقبل على أصحابه، فقال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): هكذا تكون تيجان الملائكة(2) .

____________

1- مسند أبي داود ص23 وكنز العمال ج15 ص306 و 482 و 483 والسمط المجيد ص99 ومناقب الإمام أمير المؤمنين "عليه‌السلام " للكوفي ج2 ص42 وفرائد السمطين ج1 ص75 و 76 وعن ابن أبي شيبة، ومعرفة الصحابة لأبي نعيم ج1 ص301 والسنن الكبرى للبيهقي ج10 ص14 والرياض النضرة ج3 ص170 والغدير ج1 ص291 وخلاصة عبقات الأنوار ج9 ص234 وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج5 ص10 وشرح الأخبار ج1 ص321 والفصول المهمة لابن الصباغ ص41 وعن الصراط السوي.

2- الغدير ج1 ص291 وفرائد السمطين ج1 ص76 ونظم درر السمطين ص112 وكنز العمال ج15 ص484 وراجع: وسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج5 ص56 و (ط دار الإسلامية) ج3 ص377. =

= وراجع: كشف اللثام (ط.ج) ج3 ص263 والحدائق الناضرة ج7 ص127 والكافي ج6 ص461 وجواهر الكلام ج8 ص247 وغنائم الأيام ج2 ص353 وبحار الأنوار ج42 ص69 وج80 ص198 وجامع أحاديث الشيعة ج16 ص747 ومكارم الأخلاق للطبرسي ص120 ورياض المسائل ج3 ص213.

٢٠١

والعمامة التي عممه بها تسمى السحاب(1) .

وقال ابن الأثير: (كان اسم عمامة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) السحاب)(2) .

قال الملطي: (قولهم ـ يعني الروافض ـ: علي في السحاب. فإنما ذلك قول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لعلي: أقبل، وهو معتم بعمامة للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) كانت تدعى (السحاب).

فقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): قد أقبل علي في السحاب، يعني في تلك العمامة التي تسمى (السحاب)، فتأولوه هؤلاء على غير تأويله)(3) .

وقال الغزالي والحلبي والشعراني: (وكانت له عمامة تسمى السحاب،

____________

1- الفردوس ج3 ص87 وفرائد السمطين ج1 ص76 وخلاصة عبقات الأنوار ج9 ص236 والغدير ج1 ص290 و 291.

2- النهاية في اللغة ج2 ص345 وراجع: بحار الأنوار ج10 ص5 وج16 ص97 و 121 و 126 وج30 ص94 وشرح السير الكبير للسرخسي ج1 ص71 ونهج الإيمان لابن جبر ص497 وسبل الهدى والرشاد ج7 ص271 ولسان العرب ج1 ص461 وتاج العروس ج2 ص68.

3- التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع ص19 والغدير ج1 ص292.

٢٠٢

فوهبها من علي، فربما طلع علي فيها، فيقول (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): طلع علي في السحاب)(1) .

قال الزبيدي: (ومن المجاز: عُمِّمَ ـ بالضم ـ أي سُوِّد، لأن تيجان العرب العمائم، فكلما قيل في العجم: توج، من التاج قيل في العرب: عمم.. وكانوا إذا سودوا رجلاً عمموه عمامة حمراء، وكانت الفُرْسُ تتوج ملوكها، فيقال له: المتوج..)(2) .

وقال: (والعرب تسمي العمائم التاج، وفي الحديث: (العمائم تيجان العرب) جمع تاج، وهو ما يصاغ للملوك من الذهب والجوهر، أراد أن العمائم للعرب بمنزلة التيجان للملوك؛ لأنهم أكثر ما يكونون في البوادي مكشوفي الرؤوس أو بالقلانس، والعمائم فيهم قليلة.. والأكاليل: تيجان

____________

1- إحياء علوم الدين ج2 ص345 والبحر الزخار ج1 ص215 والسيرة الحلبية ج3 ص341 و (ط دار المعرفة) ج3 ص452 والغدير ج1 ص292 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج6 ص563 و 564 والإمام علي بن أبي طالب "عليه‌السلام " للهمداني ص 283 وراجع: مناقب آل أبي طالب ج2 ص59 وبحار الأنوار ج16 ص250 وج38 ص297 ومستدرك سفينة البحار ج4 ص499 وج7 ص380 وسنن النبي للطباطبائي ص174 وتفسير الميزان ج6 ص319.

2- تاج العروس ج8 ص410 و (ط دار الفكر) ج17 ص506 والغدير ج1 ص290 وراجع: لسان العرب ج17 ص506.

٢٠٣

ملوك العجم. وتوّجه: أي سوّده، وعممه)(1) .

وعن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): (العمائم تيجان العرب)(2) .

ونقول:

1 ـ إنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) مازج بين حركة الواقع، وبين رمزه المشير إليه، الأمر الذي يجعل الإنسان يعيش الشعور التمثلي الرابط بين الواقع وبين الرمز بصورة واقعية..

2 ـ من أجل ذلك نلاحظ: أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) اسبغ على علي (عليه‌السلام ) مقام الرئاسة والسيادة بإعلانه إمامته من بعده، ثم عممه بيده، ولم يطلب منه أن يلبس العمامة، وذلك لتتوافق هذه الحركة العملية الواقعية مع مضمون الموقف النبوي القاضي بنصبه (عليه‌السلام ) من قبل الله تعالى..

وكأنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يريد للناس أن يربطوا بأنفسهم بين هذه الحركة

____________

1- تاج العروس ج2 ص12 و (ط دار الفكر) ج3 ص305 والغدير ج1 ص290 ولسان العرب ج2 ص219.

2- راجع بالإضافة إلى تاج العروس ج2 ص12: الجامع الصغير ج2 ص193 والنهاية في غريب الحديث ج1 ص199 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج5 ص56 و 57 و (ط دار الإسلامية) ج3 ص378 ومكارم الأخلاق للطبرسي ص119 وأدب الإملاء والإستملاء للسمعاني ص39 ومسند الشهاب لابن سلامة ج1 ص75 والغدير ج1 ص290 وجامع أحاديث الشيعة ج16 ص746 ونور الأبصار ص58 والفردوس للديلمي ج3 ص87 حديث رقم 4246.

٢٠٤

الرمز ـ وهي أنه عممه بيده ـ وبين إنشاء الحاكمية له، لتصبح هذه الحركة بمثابة إنشاء عملي آخر منه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).. والعمائم تيجان العرب..

3 ـ إنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لم يتوِّجه (عليه‌السلام ) بأية عمامة كانت، بل توجه بعمامة تميزت عما سواها، ولها إسم خاص بها، فعرَّف الناس أن العمامة لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وذلك ليشير بذلك: أنه إنما يعطيه موقع خلافته، بما له من خصوصية امتاز بها عن كل ما سواه ـ وليفهمهم أنه يريده امتداداً له فيما يمثّله وفيما يوكل إليه من مهام، وبما هو مبلغ لرسالات الله تبارك، وتعالى.

كما أن اسم هذه العمامة (السحاب) ربما يشير إلى رفعة المقام، وصعوبة الوصول إليه من سائر الناس.

4 ـ ثم هو يتجاوز هذا الفعل التعبيري إلى التصريح القولي، بأنه يقصد بهذا التتويج معنى السيادة والحاكمية، فإن العمائم تيجان..

5 ـ ثم انتقل إلى ما هو أوضح وأدل، حين أعطى تصرفه هذا مضموناً دينياً عميقاً ومثيراً بإعلانه أن ما فعله بعلي من تتويجه بعمامته لا يشبه لبس غيره من الحكام والأسياد لعمائم السادة، بل هي سيادة خاصة ومقدسة، تمتد قداستها بعمقها الروحي، وبمضمونها الإيماني لترتبط بالسماء.. من حيث أن الملائكة فقط هم الذين يعتمون بهذه العمامة..

6 ـ ولم يكن فعل الملائكة هذا مجرد ممارسة لأمر يخصهم، ولا كان يريد لعلي أن يتشبه بهم في ذلك، أو أن يكون له شبه بهم، بل هو فعل له امتداداته الواقعية التي ترتبط بفعل جهادي وإيماني تجعل الملائكة يستمدون هذه

٢٠٥

الخصوصية من علي نفسه، وذلك حين ذكر أن الملائكة تعتم بهذه العمامة في خصوص بدر وحنين، المتشابهتين في كثير من خصوصياتهما.

وهاتان الواقعتان هما لخصوص علي (عليه‌السلام )، لأنه هو الذي جاء بالنصر فيهما.. أما غير علي (عليه‌السلام )، فقد فر في إحداهما، ولم يظهر له أثر إيجابي جهادي في الأخرى..

7 ـ ثم جاء التصريح بعد التلميح، بأن هذه العمامة هي الحد الفاصل بين تلويثات الشرك، وبين الإيمان الخالص من دنس الشرك، مهما كان خفيفاً وضئيلاً، ولو كان أخفى من دبيب النمل، فإنه مرفوض بمختلف مظاهره وحالاته، ولو بمستوى أن يراود الخاطر، أو يلوث الوجدان أية استجابة لأي نوع من أنواع إيثار شيء من متاع الدنيا.

8 ـ أما ما نسبه الملطي للروافض، من أنهم قد تأولوا قول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): (طلع علي في السحاب)، فلعله لا يقصد بالروافض الإمامية الاثني عشرية أعزهم الله تعالى.. فإننا لا نشعر أن لديهم أي تأويل يعاني من أية شائبة تذكر..

أما غيرهم، فإن كان الملطي صادقاً فيما ينسبه لهم، فلسنا مسؤولين عن أفعال وأقوال أهل الزيغ، بل سنكون مع من يناوئهم، ويدفع كيدهم، ويسقط أباطيلهم.

أكثر من خطبة:

ويبدو: أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قد خطب الناس في أيام إقامته في غدير خم أكثر من مرة، فإن النصوص تارة تذكر أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله )

٢٠٦

خطبهم في حر الهاجرة، بعد صلاة الظهر.. كما تقدم عن قريب، وتارة تقول: إنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) خطبهم عشية بعد الصلاة(1) .

ويؤيد ذلك أمران:

أحدهما: أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بقي في ذلك المكان ثلاثة أيام، واختلاف أوقات الخطب.. في حر الهاجرة بعد صلاة الظهر تارة، وبعد صلاة العشاء أخرى يصبح أمراً طبيعياً..

والثاني: اختلاف نصوص الخطب المنقولة..

وتصرح بعض النصوص: بأنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) كان ينادي بأعلى صوته(2) .

____________

1- المستدرك للحاكم ج3 ص109 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج4 ص437 وج9 ص321 وج18 ص272 وج21 ص41 وج24 ص189 وخلاصة عبقات الأنوار ج1 ص153 وج7 ص105 و 261 و 339 وجامع أحاديث الشيعة ج1 ص24 والغدير ج1 ص31 والإكمال في أسماء الرجال ص119.

2- راجع: المناقب للخوارزمي ص94 والغدير ج1 ص277 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج6 ص235 وكتاب الولاية لابن عقدة ص198 وغاية المرام ج2 ص108 و 244 و 256 وج3 ص336 وكتاب الغيبة للنعماني ص75 وبحار الأنوار ج33 ص47 وراجع ج28 ص98 وكشف الغمة ج1 ص237 وراجع: الكافي ج8 ص27 ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ج1 ص185 وج2 ص42 والدرجات الرفيعة ص297 وتفسير نور الثقلين ج1 ص588.

٢٠٧

هذا وقد تضمنت خطبته (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في ذلك المقام أموراً كثيرة، نود أن نشير إلى بعضها، ضمن ما يلي من عناوين..

الضلال والهدى:

استهل (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) خطبته يوم الغدير بالحديث عن الهدى والضلال، وكل الناس يحبون ـ ويعتزون بالهدى، وبانتسابهم إليه، حتى لو لم تكن النسبة واقعية، ويربأون بأنفسهم عن الوصف بالضلال حتى لو كانوا من أهل الضلال بالفعل..

فإذا كان المتحدث نبياً، فالكل يحب أن يجد نفسه في عداد الفريق الذي يحبه ذلك النبي..

ولعل الكثيرين منهم قد أشعرتهم هذه البداية بأنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يريد أن يبين لهم أمراً له مساس بموضوع الهدى والضلال.. وذلك يعني أن كل شخص منهم سيكون معنياً بما سيقوله..

يوشك أن أدعى فأجيب:

وأكد لهم على لزوم التنبه الشديد لما سيقوله لهم، حين ساق كلامه باتجاه مثيرٍ لمشاعر الخوف من المستقبل، الذي لا سبيل إلى معرفته، والرهبة من فقدان ما يرونه ضماناً لهم من كل شر وسوء، وما يشعرون معه بالسكينة والأمان في كل حركة وموقف، حيث قال لهم: (يوشك أن ادعى فأجيب..).

وهذا معناه: أن عليهم أن يهتموا بما سيقوله لهم، لأنه سيكون مفيداً في هدايتهم، وفي حفظهم في خصوص تلك المرحلة المخيفة، وأعني بها مرحلة

٢٠٨

ما بعد موته (صلى‌الله‌عليه‌وآله )..

كما أن ذلك يثير لديهم مشاعر الحب والحنان متمازجة مع الشعور بالحزن لموت الحبيب والطبيب.. ألا وهو رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )..

إني مسؤول، وأنتم مسؤولون:

ثم أكد لهم (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) شدة حساسية هذا الأمر، الذي يريد أن يثيره أمامهم حين قال: إني مسؤول، وأنتم مسؤولون..، فما أنتم قائلون؟!..

فساوى نفسه بهم في المسؤولية عن هذا الأمر، مما دل على أنه أمر بالغ الخطورة، وأن المسؤولية عنه تلاحقهم، والمطالبة به تنتظرهم، ولا سيما في الآخرة..

ثم أفهمهم (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أنه لا يريد أن يفرض عليهم أمراً بعينه، بل ترك الخيار لهم، في أن يقبلوا وأن يرفضوا، ولذلك قال: فما أنتم قائلون؟!..

أي أن المطلوب هنا هو إعطاء العهد والإلتزام، والإستجابة إلى الحق.. فمن نكث بعد ذلك، فإنما ينكث على نفسه..

التذكير بالمنطلقات العقائدية:

ثم إنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ذكرهم بالركائز العقائدية، والإيمانية، ووضعهم أمام العقل والضمير لكي يكونا هما الحافز لهم لتقبل القرار الرباني، الذي سيثقل عليهم، بسبب هيمنة الأهواء والعصبيات عليهم، لكي تحميهم

٢٠٩

تلك الركائز الإعتقادية، وحياة الضمير من طغيان الهوى، وجذبات الغرائز.. وارتكاس الجاهلية.. وحدد لهم الثقلين: كتاب الله، وأهل بيته مرجعاً لهم في ظلمات الجهالة، وعند حيرة الضلالة..

بماذا.. ولماذا قررهم؟!:

ثم واجههم (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بأسئلة تقريرية تفرض عليه التنبه التام، والوعي لكل كلمة ينطق بها، فالسؤال يتطلب الإجابة، والإجابة مسؤولية وقرار، والتزام يحتاج منهم إلى استنطاق كل حرف ينطق به الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، والتعامل معه بجدية تامة وبمسؤولية بالغة.

وستأتي النتيجة بعد ذلك كله في غاية الوضوح، وذات نتائج دقيقة وصادقة بالنسبة لبراءة ذمة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) مما هو مسؤول عنه، وهو البلاغ التام لما أنزل عليه من ربه..

وبأسلوب التقرير الذي انتهجه معهم، منع أي تأويل، أو ادعاء لوجوهٍ اجتهادية في المعنى، أو اللجوء إلى التنصل بحجة عدم السماع، أو عدم الفهم، أو عدم الإلتفات أو غير ذلك مما يمكِّن ذوي الأغراض من تمييع القضية، أو الإنتقاص من حيويتها، أو من الشعور بأهميتها وخطورتها..

أما مضمون أسئلته التقريرية، فكان هوالأهم، من حيث أنه يدفع بوضوح القضية، وسلامة وصحة الإلتزام منهم أمام الله، وأمام ضمائرهم إلى أقصى مداه، فقد سألهم أولاً ـ بما هم جماعة ـ ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم سألهم عن أولويته بكل فردٍ منهم من نفسه.. ليدلهم بذلك على أن الأمر يعنيهم بما هم جماعة لها شؤونها العامة.. ويعنيهم أيضاً بما هم أفراد

٢١٠

فرداً فرداً، بلحمه ودمه، وبكل وجوده..

ثم سألهم ثالثاً: عن حدود سلطتهم على أنفسهم، ويريد أن يسمع إقرارهم له بأن سلطته وولايته عليهم، وموقعه منهم فوق سلطة وموقعية وولاية حتى أمهاتهم وآبائهم، وحتى أنفسهم على أنفسهم.

وهذا يؤكد لهم: أن القرار الذي يريد أن يتخذه يعنيهم في صميم وجودهم، وينالهم في أخص شؤونهم وحالاتهم.

ولا بد أن يزيد ذلك من اهتمامهم بمعرفة هذا الأمر الخطير، والتعامل معه بإيجابية متناهية.

ثم إنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لم يكتف بسؤالهم عن ذلك لمرة واحدة، بل كرر السؤال عن هذه الأمور الأساسية والحساسة عليهم ثلاث مرات، على سبيل التعميم أولاً، ثم على سبيل التحديد والتشخيص بفرد بعينه أخرى، فقد روي أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قال: أيها الناس، من أولى الناس بالمؤمنين.

قالوا: الله ورسوله أعلم.

قال: أولى الناس بالمؤمنين أهل بيتي. يقول ذلك ثلاث مرات.

ثم قال في الرابعة، وأخذ بيد علي: اللهم من كنت مولاه، فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ـ يقولها ثلاث مرات ـ ألا فليبلغ الشاهد الغائب(1) .

____________

1- الفصول المهمة لابن الصباغ ج1 ص237 ـ 241 وكشف الغمة ج1 ص49 ـ 50 عن الزهري، وينابيع المودة ج1 ص118 ـ 119 وخلاصة عبقات الأنـوار ج7 = = ص229 وج9 ص109 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج6 ص234 و 301 وج21 ص93 والروضة في فضائل أمير المؤمنين ص118 وسعد السعود لابن طاووس ص71 وبحار الأنوار ج42 ص156 والغدير ج1 ص11 و 33 و 176 وحياة الإمام الحسين "عليه‌السلام " للقرشي ج1 ص199 وغاية المرام ج1 ص298 وقاموس الرجال للتستري ج11 ص215 وتنبيه الغافلين لابن كرامة ص66 وراجع: الإصابة لابن حجر (ط دار الكتب العلمية) ج1 ص34.

٢١١

وفي نص آخر: كرر ذلك أربع مرات(1) .

وعن البراء بن عازب: أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) نزل بعد حجته في بعض الطريق، وأمر بالصلاة جامعة، فأخذ بيد علي، فقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟!

قالوا: بلى.

قال: ألست أولى بكل مؤمن من نفسه؟!

قالوا: بلى.

____________

1- مشكاة المصابيح ج3 ص360 وتذكرة الخواص ص29 وفضائل الصحابة لأحمد بن حنبل ج2 ص586 وعن مسند أحمد ج5 ص494 وكفاية الطالب ص285 وعن ابن عقدة، والغدير ج1 ص11 و 33 وخلاصة عبقات الأنوار ج1 ص258 ونظرة إلى الغدير للمروج الخراساني ص54 وكتاب الأربعين للماحوزي ص143 و 144 و 145.

٢١٢

قال: فهذا ولي من أنا مولاه. اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه(1) .

وفي نص آخر عن البراء: خرجنا مع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) حتى نزلنا غدير خم، بعث منادياً ينادي.

فلما اجتمعنا قال: ألست أولى بكم من أنفسكم؟!

قلنا: بلى يا رسول الله.

قال: ألست أولى بكم من أمهاتكم؟!

قلنا: بلى يا رسول الله.

____________

1- الطرائف ص149 وكتاب الأربعين للشيرازي ص116 والعمدة لابن البطريق ص96 و 100 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص236 وبحار الأنوار ج37 ص159 ومسند أحمد ج4 ص281 وسنن ابن ماجة ج1 ص43 ومناقب الإمام أمير المؤمنين "عليه‌السلام " للكوفي ج1 ص442 وج2 ص370 وخلاصة عبقات الأنوار ج7 ص80 و 86 و 115 و 122 و 147 و 294 و 301 و 335 وج8 ص117 و 218 و 247 وج9 ص261 والغدير ج1 ص220 و 272 و 274 و 277 و 279 ونظم درر السمطين ص109 وخصائص الوحي المبين لابن البطريق ص89 وتفسير الثعلبي ج4 ص92 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص221 وتاريخ الإسلام للذهبي ج3 ص632 وبشارة المصطفى ص284 والمناقب للخوارزمي ص155 ونهج الإيمان لابن جبر ص120 وينابيع المودة ج1 ص102 وج2 ص284 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج6 ص235 و 238 وج14 ص34 وج20 ص173 و 357 وج21 ص34 و 38 و 39 وج23 ص325 و 554 وج30 ص418 و 419.

٢١٣

قال: ألست أولى بكم من آبائكم؟!

قلنا: بلى يا رسول الله.

قال: ألست؟! ألست؟! ألست؟!

قلنا: بلى يا رسول الله.

قال: (من كنت مولاه فعلي مولاه. اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه).

فقال عمر بن الخطاب: هنيئاً لك يا بن أبي طالب، أصبحت اليوم ولي كل مؤمن(1) .

التزيين الشيطاني:

وقد بدأ (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) خطبته بالإستعاذة بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا.. باعتبار أن الإنسان قد لا يبادر إلى بعض المعاصي إلا إذا زينها له الشيطان، وأظهرها له على غير واقعها، وقلب له الحقائق، فجعل له

____________

1- تاريخ مدينة دمشق ج42 ص220 ومناقب الإمام أمير المؤمنين "عليه‌السلام " للكوفي ج2 ص368 و 441 وخلاصة عبقات الأنوار ج7 ص29 و 146 وج9 ص93 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج7 ص386 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج6 ص361 و 376 والغدير (ط مركز الغدير) ج1 ص50 ـ 53 و (ط دار الكتاب العربي) ج1 ص19 و 20 متناً وهامشاً عن مصادر كثيرة جداً.

٢١٤

القبيح حسناً، والعكس، ولو بإيهامه أن هذا من مصاديق ذلك العمل الحسن مثلاً قال تعالى: ( وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ المُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ ) ..(1) .

وقال تعالى: ( زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ ) (2) .

وهناك أمور تكون زينتها ظاهرة فيها، من حيث أنها تلاءم نوازع النفس الأمارة، فيتلهي بزينتها عن التدبر في واقعها السيء، ومثال هذا جميع ما يندفع إليه الإنسان بغرائزه وشهواته، ومنها الإمارة والحكم..

فإن الإندفاع إلى الإمارة لا يحتاج إلى تزيين، بل النفس تشتهيها وتميل إليها، وربما يرتكب الإنسان من أجلها العظائم، والجرائم.

ولأجل ذلك استعاذ (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من شرور النفس وسيئات الأعمال..

ولعله يريد بذلك الإلماح إلى ما سيكون بعده من منازعة الأمر أهله، والتحذير منه، لا سيما وأن بوادر ذلك قد ظهرت في عرفة، كما أوضحناه..

الله يعيذهم:

وقد أفهمهم (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): أن الله تعالى هو الذي يعيذهم من شرور أنفسهم، وسيئات أعمالهم، من حيث إنه المالك الحقيقي للتصرف،

____________

1- الآية 137 من سورة الأنعام.

2- الآية 37 من سورة التوبة.

٢١٥

فإذا كانوا صادقين في لجوئهم إليه تعالى، بقطعهم أية علاقة أو أمل بغيره، فسيجدون أنفسهم في حصن حصين، وسيعني هذا اللجوء الصادق استحقاقهم أن يعود تعالى عليهم بالفضل، ويفتح لهم أبواب الرحمة.. لتكون استقامتهم على طريق الحق ضماناً للكون في أمانه الدائم..

كما أنه حين يكون الإنسان نفسه هو السبب في أن توصد أبواب الرحمة في وجهه، فلن يستطيع أحد أن يفتحها له، إلا أن يصلح الإنسان نفسه ما أفسده، فإن الله وحده المالك الحقيقي لذلك، ولأجل ذلك قال (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): لا هادي لمن أضل إلخ..

وقد قال تعالى:( مَا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) (1) .

الإعلان بالشهادتين:

وقد شهد (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لله بالوحدانية، ولنفسه بالعبودية لله وبالرسولية، لينال ثواب الجهر بالشهادة، وليتلذذ بهذه العبارة، ولتكون موطئة لإقرار ذلك الحشد العظيم بمثل ذلك، وتسهيلاً لذلك عليهم، ورفعاً لاستهجانهم، وإبعاداً لأي احتمال قد يراود ذهن بعضهم حول مستوى ثقته (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بصدق إيمانهم، وحقيقة إسلامهم..

كل ذلك لأنه يريد أن يأخذ منهم عهداً، ويريد أن يغلظ عليهم فيه، ليكون ذلك أدعى لإلزامهم بما ألزموا به أنفسهم، وأقوى وأشد في تعظيم

____________

1- الآية 2 من سورة فاطر.

٢١٦

أمر النكث وتهجينه، واستقباح صدوره منهم، إن لم يكن تديناً، وخوفاً من العقوبة الأخروية، فالتزاماً بالإعتبارات التي يلزمون أنفسهم بها في الحياة الدنيا.

ولصاحب الحق أن يضيق الخناق على الباطل، وأن يؤكد وضوح الحق بكل وسيلة مشروعة، (أي لا تتضمن تمرداً على أمر الله تعالى)، فهو نظير ما فعله من إثارة معاني الغيرة، والحياء في الناس، لأجل ضبط حركة النساء في محيط الرجال، الذي استفاد منه أمير المؤمنين في قوله: أما تستحيون، ولا تغارون؟! نساؤكم يخرجن إلى الأسواق ويزاحمن العلوج(1) .

وهكذا فعل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فإنه ذكرهم بأصل التوحيد، فشهدوا لله تعالى بالوحدانية، وبأصل النبوة، فشهدوا له (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بأنه رسول من الله إليهم، مما يعني أن ما يأتيهم به هو من عند الله؟!

وذكَّرهم بالنار التي يعاقب بها المتمردون على الله، المخالفون لرسوله، وبالجنة التي يثاب بها المطيعون لهما، وبأن الموت حق، والبعث والحساب

____________

1- الكافي ج5 ص537 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج20 ص236 و (ط دار الإسلامية) ج14 ص174 ومشكاة الأنوار ص417 وجامع أحاديث الشيعة ج20 ص271 وموسوعة أحاديث أهل البيت للنجفي ج8 ص243 ومسند أحمد ج1 ص133 والشرح الكبير لابن قدامة ج8 ص144 وكنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) ج3 ص780.

٢١٧

حق، فلماذا يتعلقون بالدنيا، ويفسدون آخرتهم من أجلها؟!

ثم ذكَّرهم بالإمامة، وبما يحفظ من الهداية والضلال، وبميزان الأعمال من خلال التأكيد على حديث الثقلين.

كل ذلك توطئة لنصب أمير المؤمنين (عليه الصلاة السلام) ولياً وهادياً، ومرجعاً وإماماً.

فليبلغ الشاهد الغائب:

ثم إنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لم يتكل على ما يعرفه من رغبة الناس بنقل ما يصادفونه في أسفارهم، إلى زوارهم بعد عودتهم، فلعل أحداً يكتفي بذكر ذلك مرة واحدة فور عودته، ثم لا يعود لديه دافع إلى ذكره في الفترات اللاحقة، فجاء أمر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لهم ليلزمهم بإبلاغ كل من غاب عن هذا المشهد، مهما تطاول الزمن، وجعل ذلك مسؤولية شرعية في أعناقهم، فقال: (فليبلغ الشاهد الغائب)(1) .

____________

1- الفصول المهمة لابن الصباغ ج1 ص238 وكتاب الأربعين للماحوزي ص144 وكشف الغمة ج1 ص49 ـ 50 عن الزهري، وخلاصة عبقات الأنوار ج1 ص258 وج7 ص229 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج6 ص234 و 301 وج21 ص93 والروضة في فضائل أمير المؤمنين ص118 وسعد السعود لابن طاووس ص71 وبحار الأنوار ج42 ص156 والغدير ج1 ص11 و 33 و 176 ونظرة إلى الغدير للمروج الخراساني ص55 وحياة الإمام الحسين "عليه‌السلام " للقـرشي ج1 ص199 وغـايـة المـرام ج1 ص299 وكشف المهم في = = طريق خبر غدير خم ص147 وراجع: الإصابة لابن حجر (ط دار الكتب العلمية) ج1 ص34.

٢١٨

وبذلك يكون قد سد باب التعلل من أي كان من الناس بادعاء أن أحداً لم يبلغه هذا الأمر، وأنه إنما كان قضية في واقعة، وقد لا ينشط الكثيرون لذكرها، إن لم يكن ثمة ما يلزمهم بذلك.. ولعلهم قد كانت لديهم اهتمامات أخرى شغلتهم عنها..

الحب والبغض إختياريان:

وإثبات العقوبة الإلهية على الحب والبغض، والعداء والموالاة، يدل على أنهما من الأمور الاختيارية المقدورة للإنسان، ولو بواسطة قدرته على أسبابهما، فإن القدرة على السبب قدرة على المسبب..

وأكثر الأمور لا يقدر الإنسان عليها إلا بعد الإتيان بمقدماتها، فإن من يريد زيارة كربلاء مثلاً، يحتاج إلى قطع المسافة أولاً..

ولأجل ذلك دعا (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في غدير خم، فقال: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحب من أحبه، وأبغض من أبغضه..

وأدر الحق معه حيث دار:

وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): (وأدر الحق معه حيث دار) يدل على أن المولوية المجعولة لعلي (عليه‌السلام ) تختزن معنى الحق، والمسؤولية عنه، علماً، أو عملاً، أو كليهما.. ولولا ذلك لم يحتج إلى هذا الدعاء.

٢١٩

أي مولى الخلق لا بد أن يعرف الحق، وأن يلتزم به، وأن يفرضه في كل الواقع الذي يتحمل مسؤوليته.. ولذلك جاء هذا الدعاء: (وأدر الحق معه حيث دار).

حديث الثقلين:

وهذه المسؤولية عن الحق هي التي فرضت أن يقرن (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بين القرآن والعترة لحفظ الأمة من الضلال، وأن يجعل استمرار هذا الاقتران بينهما من مسؤولية الأمة أيضاً.

ولا بد أن يكون اقتراناً متناسباً مع شمولية القرآن، ومع ما تضمنه من حقائق، وما يتوخى من موقف للأمة تجاهه.. ومتناسباً مع مسؤولية العترة تجاه القرآن في مجال العلم والعمل، والتربية، وما يترتب على ذلك من لزوم الطاعة والنصرة، وما إلى ذلك.. ولا يكون ذلك إلا بالتمسك به، وبالعترة، في العلم، وفي العمل والممارسة.. سواء في الأحكام أو في القضاء بين الناس، أو في السياسات، أو الإعتقادات، أو الأخلاق، و في كل ما عدا ذلك من حقائق، لهج وصرح بها القرآن الكريم. وهذا يختزن معنى الإمامة بكل أبعادها وشؤونها..

وانصر من نصره:

ويؤكد هذا المعنى، ويزيده رسوخاً قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): (وانصر من نصره، واخذل من خذله..)، فإن إيجاب النصر له على الناس، وتحريم الخذلان إنما هو في صورة التعرض للتحدي، والمواجهة بالمكروه، من أي

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

الله جرت، وإذا أراد أن ترسو قال بسم الله رست »(١) .

وقال الرازي: « قال ابن عباس: تجري بسم الله وقدرته، وترسو بسم الله وقدرته وقيل: كان إذا أراد أن تجري بهم قال بسم الله مجريها فتجري، وإذا أراد أن ترسو قال بسم الله مرسها فترسو »(٢) .

وقال النيسابوري: « يروى أن كان إذا أراد أن تجري قال بسم الله فجرت، وإذا أراد أن ترسو قال بسم الله فرست »(٣) .

وقال علاء الدين الخازن البغدادي « يعني بسم الله إجراؤها قال الضحاك: كان نوح إذا أراد أن تجري السفينة قال: بسم الله فتجري، وكان إذا أراد أن ترسو يعني تقف قال بسم الله فترسو أي تقف »(٤) .

وقال السيوطي: « وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال: كان إذا أراد أن ترسي قال بسم الله فأرست وإذا أراد أن تجري قال بسم الله فجرت »(٥) .

٥ - ( تجري بأعيننا )

وقال الله عز وجل فيها:( وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ ) (٦) .

قال الطبري: « وقوله: تجري بأعيننا، يقول جل ثناؤه تجري السفينة التي حملنا نوحاً فيها بمرأى منا ومنظر، وذكر عن سفيان في تأويل ذلك ما حدثنا ابن حميد قال: ثنا مهران عن سفيان في قوله تجري بأعيننا يقول: بأمرنا »(٧) .

___________________

(١). تفسير البغوي ٣ / ١٩٠.

(٢). تفسير الرازي ١٧ / ٢٢٩.

(٣). تفسير النيسابوري ١٢ / ٢٨.

(٤). تفسير الخازن ٣ / ١٩٠.

(٥).. الدر المنثور ٣ / ٣٣٣.

(٦). سورة القمر: ١٤.

(٧). تفسير الطبري ٢٧ / ٩٤.

٢٨١

وقال الثعلبي: « قوله عز وجل تجري بأعيننا، أي بمرأى منا. مقاتل بن حيان: بحفظنا، ومنه قول الناس للمودع: عين الله عليك. مقاتل بن سليمان: لوحينا. سفيان: بأمرنا »(١) .

وقال البغوي: « تجري بأعيننا أي بمرأى منا. وقال مقاتل بن حيان: بحفظنا ومنه قولهم للمودع: عين الله عليك، وقال سفيان بأمرنا »(٢) .

وقال الخازن البغدادي: « تجري يعني السفينة بأعيننا يعني بمرأى منا، وقيل: بحفظنا، وقيل بأمرنا»(٣) .

وقال ابن كثير الشامي: « وقوله: تجري بأعيننا أي بأمرنا بمرأى منا وتحت حفظنا وكلائتنا »(٤) .

٦ - وحي الله إلى السفينة

ولقد كانت السفينة تجري بوحي من الله تعالى إليها، وكانت تحدّث نوحاً في مسيرتها وطوافها في الأرض، قال محمد بن عبد الله الكسائي:

« وقال: وأوحى الله إلى السفينة أن تطوف أقطار الأرض. فعند ذلك أطبق نوح أبوابها. وجعل يتلو صحف شيث وإدريس، وكانوا لا يعرفون الليل والنهار في السفينة إلّا بخردة بيضاء كانت مركبة في السفينة إذا نقص ضوءها علموا أنه ليل، وإذا زاد ضوءها علموا أنه نهار، وكان الديك يصقع عند الصباح فيعلمون أنّه قد طلع الفجر.

قال وهب: إذا صقع الديك يقول: سبحان الملك القدوس، سبحان من أذهب الليل وجاء بالنهار، يا نوح الصلاة يرحمك الله.

___________________

(١). الكشف والبيان - مخطوط.

(٢). تفسير البغوي ٣ / ١٨٨.

(٣). تفسير الخازن ٣ / ١٨٨.

(٤). تفسير ابن كثير ٤ / ٢٦٤.

٢٨٢

قال: والدنيا كلها أطبقت بالماء ولا يرى فيها جبل ولا حجر ولا شجر، وكان الماء قد علا أعلى الجبال أربعين ذراعاً، وسارت السفينة حتى وقعت ببيت المقدس ثم وقفت وقالت: يا نوح هذا البيت المقدس الذي يسكنه الأنبياء من ولدكعليهم‌السلام . ثم كرّت راجعة حتى صارت موضع الكعبة، وطافت سبعا، ونطقت بالتلبية فلبّى نوح ومن معه في السفينة، وكانت لا تقف في موضع إلّا تناديه وتقول: يا نوح هذه بقعة كذا، وهذا جبل كذا وكذا، حتى طافت بنوح الشرق والغرب، ثم كرّت راجعة إلى ديار قومه وقالت: يا نوح يا نبي الله، ألا تسمع صلصلة السلاسل في أعناق قومك( مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصاراً ) (١) .

قال: « ولم تزل السفينة كذا ستة أشهر أوّلها رجب وآخرها ذي الحجة »(٢) .

٧ - لولا أهل البيت ما سارت

ولقد كان أهل بيت نبيّنا عليه وعليهم الصلاة والسلام السبب الحقيقي لحركة سفينة نوح ونجاة أهلها من الغرق والهلاك، كما جاء في حديثٍ رواه الحافظ محب الدين محمد بن محمود بن النجار البغدادي * المترجم له ببالغ الثناء والتعظيم في تذكرة الحفاظ ٤ / ٢١٢ والعبر ٥ / ١٨٠ وفوات الوفيات ٢ / ٥٢٢ والوافي بالوفيات ٥ / ٩ ومرآة الجنان ٤ / ١١١ وطبقات السبكي ٥ / ٤١ وطبقات الأسنوي ٢ / ٥٠٢

___________________

(١). سورة نوح: ٢٥.

(٢). قصص الانبياء للكسائي - مخطوط، ومحمد بن عبد الله الكسائي من علماء القرن الخامس الهجري وكتاب « بدء الدنيا وقصص الانبياء لمحمد بن عبد الله الكسائي منه نسخة في دار الكتب الظاهرية بدمشق أولها: هذا كتاب فيه قصص الأنبياء قال الامام محمد بن عبد الله الكسائي: هذا كتاب جمعته في خلق السموات والأرض وخلق الجن والانس وأحوال الانبياء على قدر ما وقع لي من أخبارهم واتصل لي من ابتدائهم واجتهدت وتخيرت ما اقترب منها وألقيت ما بعد » انظر فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية التاريخ وملحقاته ١٢٣ فما في كشف الظنون من نسبته الى علي بن حمزة الكسائي المشهور سهو.

٢٨٣

وغيرها * بترجمة الحسن بن أحمد المحمدي بسنده:

« عن أنس بن مالك عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال: لما أراد الله عز وجل أن يهلك قوم نوحعليه‌السلام أوحى الله إليه أن شق ألواح الساج، فلما شقّها لم يدر ما صنع، فهبط جبرائيلعليه‌السلام فاراه هيئة السفينة ومعه تابوت فيه مائة ألف مسمار وتسعة وعشرون ألف مسمار، فسمر المسامير كلّها في السفينة إلى أن بقيت خمسة مسامير، فضرب بيده الى مسمار منها فأشرق في يده وأضاء كما يضيء الكوكب الدري في أفق السماء، فتحير من ذلك نوح فأطلق الله ذلك المسمار بلسان طلق ذلق فقال: أنا على اسم خير الأنبياء محمد بن عبد الله، فهبط جبرائيل فقال له: يا جبرائيل ما هذا المسمار الذي ما رأيت مثله، قال: هذا بسم خير الأولين والآخرين محمد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسمره في أولها على جانب السفينة الأيمن، ثم ضرب بيده على مسمار ثان فأشرق وأنار، فقال نوحعليه‌السلام وما هذا المسمار؟ قال: مسمار أخيه وابن عمه علي بن أبي طالب فأسمره على جانب السفينة اليسار في أولها، ثم ضرب بيده إلى مسمار ثالث فزهر وأشرق وأنار فقال له جبرائيلعليه‌السلام : هذا مسمار فاطمةعليها‌السلام فأسمره إلى جانب مسمار أبيهاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ ضرب بيده إلى مسمار رابع فزهر وأنار فقال له: هذا مسمار الحسن فأسمره إلى جانب مسمار أبيه، ثم ضرب بيده إلى مسمار خامس فأشرق وأنار وبكى وأظهر النداوة فقال: يا جبرائيل ما هذه النداوة؟ فقال: هذا مسمار الحسين بن علي سيد الشهداء فأسمره إلى جانب مسمار أخيه.

ثم قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال الله تعالى:( وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ ) قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الألواح خشب السفينة ونحن الدسر ولولانا ما سارت السفينة بأهلها »(١) .

___________________

(١). ذيل تاريخ بغداد - مخطوط.

٢٨٤

فهذه من خصائص سفينة نوح، وهل هي بحاجة إلى الاهتداء بالنجوم؟! كلّا والله ومثل أهل البيت مثل سفينة نوح

٢٨٥

٢٨٦

النظر في كلامٍ آخر للدهلوي

٢٨٧

٢٨٨

ولقد حاول ( الدهلوي ) أن يصرف - بأسلوب خدّاع - حديث السفينة عن مفاده الحقيقي ومعناه الواقعي، فقال في تفسيره ( فتح العزيز ) تبعاً للشيخ يعقوب الملتاني:

«( حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ ) أي حملناكم في السفينة الجارية على ماء الطوفان ولم تغرق، وبالرغم من اشتراك الجميع في العذاب فقد حفظناكم إذ كنتم في أصلاب المؤمنين، ولقد جرت سفينتكم على مادة العذاب تلك - وهي ماء الطوفان - بسلام، كما يجري المؤمنون من على الصراط المنصوب على جهنم يوم القيامة( لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً ) وهذا من فوائد ذلك، أي: لنجعل السفينة لكم تذكرة، فتصنعونها من الألواح الخشبية وتنتقلون بها من بلد إلى آخر، وتركبون فيها متى خفتم من الغرق، ويظهر لكم بالتأمل في ذلك أن الخلاص من ثقل الذنوب - التي تغرق صاحبها وترميه إلى قعر الهاوية - لا يمكن إلّا عن طريق التوسل بالأشخاص الذين وصلوا إلى مرتبة أصبحوا بها ظرف ألطف اللطفاء، نظير الظرف الخشبي الذي يملؤه الهواء اللطيف، فلا بدّ من السعي - كيفما كان - حتى نجعل أنفسنا في هذه الظروف لتشملنا بركة ذاك اللطيف - وهو مظروفها - ونتخلّص من ثقل الذنوب على أثر الاتحاد بين الظرف واللطيف المظروف.

ولما كانت الظروف اللطيفة نادرة الوجود في كلّ عصر، فلا بدّ من الطلب

٢٨٩

الحثيث لها والفحص عنها ثم متابعتها والانقياد لها بجميع الجوارح والأركان، وتلك الظروف في هذه الأمة هم أهل بيت المصطفىعليهم‌السلام ، فمن أحبهم واتبعهم أحبوه بقلوبهم المنورة العامرة بنور الله جل اسمه، وإذا كان كذلك حصل النجاة من الذنوب ومن هنا جاء في الحديث: مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق.

ووجه تخصيصهم بهذه المرتبة والفضيلة هو: إن سفينة نوح كانت الصورة العملية لكمال نوحعليه‌السلام ، وكان أهل البيتعليهم‌السلام الصورة العملية لكمال خاتم المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قبل الله تعالى وهي عبارة عن الطريقة، إذ لا يتصور وجودها في أحد إلّا إذا ناسبه في القوى الروحية: في العصمة والحفظ والفتوة والسماحة، وهذه المناسبة لا تحصل إلّا مع علاقة الأصلية والفرعية وجهة الولادة منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلذا جعل هذا الكمال - مع جميع شعبه وفروعه - فيهم، وهذا معنى الامامة التي يوصي بها الواحد منهم إلى الآخر عند وفاته، وهذا سر انتهاء سلاسل أولياء الامة إليهم، وأن من تمسك بحبل الله، يرجع إليهم لا محالة ويركب سفينتهم.

وهذا بخلاف الكمال العلمي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّه قد تجلى غالباً في أصحابه الكرام، إذ من اللازم والضروري - لانطباع ذلك الكمال - هو ملازمة التلميذ لاستاذه الزمن الطويل، وتفطنه لخصائصه وتعلمه لأساليبه في حل المشكلات واستخراج المجهولات، ولذا قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم.

وبما أن قطع بحر الحقيقة لا يكون إلّا بجناحي العلم والعمل، فإنّ من الضروري للمسلم أن يتمسك بهما معاً، كما أن قطع البحر لا يمكن من دون ركوب السفينة مع ملاحظة النجوم ليهتدي بها في سيره، ولذا قال( وَتَعِيَها ) أي: وتعي قصة السفينة ونجاة المؤمنين بها من الغرق( أُذُنٌ واعِيَةٌ ) : وفي الحديث: أنه لما نزلت هذه الآية قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي كرم الله وجهه: سألت الله

٢٩٠

أن يجعلها أذنك يا علي، ومن أجل هذا كانت هذه المرتبة وهذا الشرف خاصاً بأمير المؤمنين، إذ لا يتصور أن يكون أهل البيت سفينة النجاة إلّا بواسطة علي، وذلك لأن أهل بيته - المؤهلين للامامة - كانوا صغاراً حينذاك، وكان إحالة تربيتهم إلى غيره منافياً لشأنه وكماله، فلا جرم كان من الضروري جعل أمير المؤمنين سبباً للنجاة والخلاص من الذنوب وأن يكون إماماً للناس، ومصدراً لكمالات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العملية، كي ينقلها هو بدوره بحكم الابوة إلى أولاده، ولكي تبقى هذه السلسلة إلى يوم القيامة، ولهذا فقد خاطب أمير المؤمنين بـ « يعسوب المؤمنين ».

هذا، بالاضافة إلى أن الأمير تربى في حجر النبيعليه‌السلام ثم صار صهره وشاركه في كلّ الأمور حتى كأنّه ابنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وحصلت له - بفضل ذلك - مناسبة كلية معهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قواه الروحية، فأصبح الظل والصورة لكمالاته العملية التي هي عبارة عن الولاية والطريقة، وهكذا تضاعف - بفضل دعائهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حقه - استعداده وبلغ الكمال، كما تظهر آثاره في ظواهر الأولياء وبواطنهم في كلّ طريقة وسلسلة، والحمد لله ».

الرد على هذا الكلام

أقول:

وهذا الكلام فيه الحق والباطل ونحن نوضح ذلك في ما يلي:

١ - قوله: إن الخلاص من ثقل الذنوب مدح لأهل البيتعليهم‌السلام وهو في نفس الوقت ذم لغيرهم، لأنه يفهم عدم وجود من بلغ هذه المرتبة السامية في صحابة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٢ - قوله: فلا بدّ من السعي فيه تنقيص وذم الأصحاب الذين لم يكونوا بصدد ذلك في وقت الأوقات، بل كانوا على العكس منه كما يشهد بذلك تاريخهم.

٢٩١

٣ - قوله: ونتخلص من ثقل الذنوب على أثر الاتحاد فيه: إن الاتحاد بهذا المعنى مردود لدى المحققين من أهل العرفان، لأن دعوى هذا الاتحاد - ولو مجازاً - لا تخلو - عندهم - من الجسارة وسوء الأدب

٤ - لقد اعترف بأن: هذه الظروف نادرة الوجود في كل عصر وهذا يدل - بالنظر الدقيق - على حقية مذهب الامامية، لأن مراد ( الدهلوي ) من « الظروف » هم الذوات المقدسة من « أهل البيت » وهم الأئمة « الاثنا عشر » الذين تعتقد الامامية - بالاتفاق - بعصمتهم وطهارتهم.

فدعوى ( الدهلوي ) شمول « أهل البيت » لغير « الاثني عشر » ومناقشته دلالة « حديث الثقلين » و « حديث السفينة » من هذه الجهة باطلة من كلامه في هذا المقام.

٥ - قوله: فلا بدّ من الطلب الحثيث لها فيه طعن في الذين تركوا هذا الأمر، بل فعلوا بهم من القتل والظلم والتشريد، فويل لهم ولأتباعهم

٦ - لقد اعترف بأن: تلك الظروف في هذه الأمة هم أهل البيت وهذا يقتضي أنهمعليهم‌السلام أفضل من غيرهم، وأولى بالاتباع والانقياد لهم من سواهم، وبهذا تسقط مقالات ( الدهلوي ) ووالده وغيرهما في تفضيل غيرهم عليهم.

٧ - ما ذكره في وجه تخصيصهم بهذه المرتبة كلمة حق يراد بها باطل، لأنهمعليهم‌السلام ورثوا جميع كمالات أبيهم - العملية والعلمية - ولا كلام للمحققين في أنهم مصادر الشريعة وأئمة الأمة، ومن أراد التفصيل فعليه بمراجعة ( جواهر العقدين ) و ( ذخيرة المآل ).

٨ - ذكر ( الدهلوي ) أنه لا يتصور وجود الصورة العملية في أحد إلّا إذا ناسب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في القوى الروحية: العصمة والحفظ والفتوة والسماحة، ولا تتحقق هذه المناسبة إلّا عند وجود علاقة الفرعية، ومن المعلوم أن ذلك كلّه لم يوجد إلّا في أهل البيتعليهم‌السلام . وأما مشايخ القوم فقد كانوا

٢٩٢

بمعزل من هذه الخصائص، بل لا يتصور وجودها فيهم فضلاً عن تحققها لديهم، وعلى هذا الأساس أيضا تثبت إمامة أهل البيت وخلافتهم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، دون أولئك الذين لم يكن لهم نصيب من كمالات الرسول وخصائصه الروحية.

٩ - ذكر: أن الكمال العملي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - بجميع شعبه وفروعه - انتقل إلى أهل البيت وكانوا هم أهله، وهذا معنى الامامة التي كان الواحد منهم يوصي بها إلى الآخر عند وفاته.

وهذا الكلام - وإنْ كان يثبت أفضلية أهل البيتعليهم‌السلام من هذه الناحية - تمهيد منه لتقديم غيرهم عليهم في الناحية العلمية، وهي دعوى باطلة مردودة بوجوه لا تحصى، لأن أعلميتهم من غيرهم أمر مقطوع به، ولو أردنا جمع الآيات والروايات الدالة على ذلك، ثم استقصاء القضايا التي رجع الخلفاء وغيرهم إليهم لصارت كتاباً ضخماً، وقد ذكرنا طرفاً وافياً منها في مجلد حديث « أنا مدينة العلم وعلي بابها » فليراجع.

ثم إنه حمل الامامة، على المعنى المصطلح عليه لدى « الصوفية » وهذا باطل أيضاً، بل المراد من « الامامة » - كما ذكر علماء أهل الحق، وأوضحناه في مجلّد حديث الثقلين وحديث السفينة - هو معناها المعروف الشائع، وهو « الخلافة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جميع الشئون »، كما أنّا أبطلنا في قسم « حديث التشبيه » دعوى انحصارها في « القطبية والإرشاد ».

١٠ - قوله: وهذا سر انتهاء سلاسل أولياء الأمة إليهم طعن صريح في ظالمي أهل البيتعليهم‌السلام وغاصبي حقوقهم، وردّ على من جحد هذه الفضيلة كابن تيمية في ( منهاج السنة ) ووالد ( الدهلوي ) في كتابيه ( قرة العينين ) و ( إزالة الخفاء ) وقد أوردنا كلماتهم في قسم « حديث التشبيه ».

٢٩٣

رجوع كبار الصحابة إلى علي في المعضلات

١١ - قوله: وهذا بخلاف الكمال العلمي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باطل، ويشهد ببطلانه كلّ مصنف، بل لا نسبة علوم أهل البيتعليهم‌السلام وعلوم الصحابة إلا كنسبة الذرة إلى عين الشمس والقطرة إلى البحر المحيط، وكيف لا يكون كذلك؟! وهم أبواب علم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومراجع الأصحاب وغيرهم في جميع العلوم، وقد أمروا بالأخذ منهم والانقياد لأوامرهم ونواهيهم:

قال الشافعي في حق أمير المؤمنين - فيما نقل عنه الفخر الرازي في مناقبه: « وأكثر ما أخذ عنه في زمان عمر وعثمان، لأنهما كانا يسألانه ويرجعان إلى قوله، وكان علي كرّم الله وجهه خص بعلم القرآن والفقه، لأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا له وأمره أن يفتي بين الناس، وكانت قضاياه ترفع إلى النبي فيمضيها ».

وقال النووي: « وسؤال كبار الصحابة ورجوعهم إلى فتاواه وأقواله في المواطن الكثيرة والمسائل المعضلات أيضاً مشهور »(١) .

وقال الكرماني: « وسؤال كبار الصحابة ورجوعهم إلى فتاواه وأقواله في المسائل المعضلات أيضاً مشهور »(٢) .

وقال ابن روزبهان: « رجوع الصحابة إليه في الفتوى غير بعيد، لأنه كان من مفتي الصحابة، والرجوع إلى المفتي من شأن المستفتين، وأن رجوع عمر إليه كرجوع الأئمة وولاة العدل إلى علماء الأُمة »(٣)

وقال القاري: « والمعضلات التي سأله كبار الصحابة ورجعوا إلى فتواه فيها

___________________

(١). تهذيب الأسماء واللغات ١ / ٣٤٦.

(٢). الكواكب الدراري في شرح البخاري ٢ / ١٠٩.

(٣). ابطال الباطل لابن روزبهان.

٢٩٤

فضائل كثيرة شهيرة، تحقق قولهعليه‌السلام : أنا مدينة العلم وعلي بابها و قولهعليه‌السلام ، أقضاكم علي»(١) .

وقال الحنفي: « قوله « عيبة علمي » أي: وعاء علمي الحافظ له، فإنه باب مدينة العلم، ولذا كانت الصحابة تحتاج إليه في فكّ المشكلات »(٢) .

وقال العجيلي: « ولم يكن يسأل منهم واحداً، وكلهم يسأله مسترشداً، وما ذلك إلّا لخمود نار السؤال تحت نور الاطّلاع »(٣) .

وفوق هذا كله: فقد أنطق الحق نصر الله الكابلي فقال في ( الصواقع ):

« ولا شك أن الفلاح منوط بولائهم وهديهم والهلاك بالتخلّف عنهم، ومن ثمة كان الخلفاء والصحابة يرجعون إلى أفضلهم فيما أشكل عليهم من المسائل، وذلك لأن ولاءهم واجب وهديهم هدي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

ومن أراد المزيد من هذه الكلمات فعليه بمراجعة قسم حديث ( مدينة العلم ) من كتابنا.

هذا، ومن العجيب: إستدلال ( الدهلوي ) لدعوى تجلى علوم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الصحابة بملازمتهم له وتفطنهم وتعلمهم، والحال أن هذه الأوصاف كلها كانت مجموعة لدى أهل البيتعليهم‌السلام والأصحاب بعيدون عنها غاية البعد، والشواهد على جهلهم بالقضايا والأحكام كثيرة جداً، وقد ذكر طرف منها في ( تشييد المطاعن ) ومجلّد حديث ( مدينة العلم ).

كلمات في حديث النجوم

١٢ - استشهاد ( الدهلوي ) بحديث النجوم لاثبات مرامه واضح البطلان، فإن هذا الحديث من الأحاديث الموضوعة الباطلة لدى الحفاظ

___________________

(١). شرح الفقه الاكبر ١١٣.

(٢). حاشية الجامع الصغير.

(٣). ذخيرة المآل - مخطوط.

٢٩٥

الأعيان، كما تقدم بالتفصيل في مجلَّد حديث الثقلين، وإليك بعض كلماتهم فيه:

قال السبكي: « وهذا حديث قال فيه احمد: لا يصح، ثم إنه منقطع »(١) .

وقال الشاطبي: « إنه مطعون في سنده »(٢) .

وقال ابن أمير الحاج: « له طرق بألفاظ مختلفة ولم يصح منها شي »(٣) .

وقال ابن حزم ما ملخّصه: « وأما الحديث المذكور فباطل مكذوب من توليد اهل الفسق لوجوه ضرورية: أحدها: إنه لم يصح من طريق [ النقل ] والثاني: أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يجز أن يأمر بها نهى عنه، وهوعليه‌السلام قد أخبر أن أبا بكر قد أخطأ في تفسيرٍ فسّره، وكذب عمر في تأويل تأوّله في الهجرة فمن المحال الممتنع الذي لا يجوز البتّة أن يكونعليه‌السلام يأمر باتباع ما قد أخبر أنه خطأ، فيكون حينئذٍ أمر بالخطأ، تعالى الله عن ذلك، وحاشا لهعليه‌السلام من هذه الصفة والثالث: أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يقول الباطل بل قوله الحق، وتشبيه المشبّه للمصيبين بالنجوم تشبيه فاسد وكذب ظاهر، لأنه من أراد جهة مطلع الجدي فأم جهة مطلع السرطان لم يهتد بل قد ضل ضلالاً بعيداً وأخطأ خطأ فاحشاً وخسر خسراناً مبيناً، وليس كلّ النجوم يهتدى بها في كل طريق. فبطل التشبيه المذكور، ووضح كذب ذلك الحديث وسقوطه وضوحاً ضرورياً »(٤) .

وقال أيضاً: « وأما الرواية أصحابي كالنجوم فرواية ساقطة »(٥) .

___________________

(١). الابهاج في شرح المنهاج ٢ / ٣٦٨.

(٢). الموافقات ٤ / ٨٠.

(٣). التقرير والتحبير ٣ / ٣١٢.

(٤). الاحكام في أصول الاحكام ٥ / ٦٤ - ٦٥.

(٥).. المصدر نفسه ٦ / ٨٢.

٢٩٦

١٣ - قوله: وبما أن قطع بحر الحقيقة مبني على ما ذكره سابقاً، وقد ثبت مما تقدم أن أهل البيتعليهم‌السلام قد حازوا الكمالات العلمية والعملية معاً، فما ذكره مبنى وبناءً باطل.

الأذن الواعية: علي عليه‌السلام

١٤ - لقد اعترف ( الدهلوي ) بأن « الأذن الواعية » في الآية الكريمة(١) هو « أمير المؤمنينعليه‌السلام » وقد صرّح بهذا كبار علماء أهل السنة أيضاً(٢) . وهو دليل واضح على أعلميته عليه الصلاة والسلام، فمن العجيب تقديمه غيره عليه من الناحية العلمية، والأعجب من ذلك: نفي خلافتهعليه‌السلام عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا فصل، لأن الأعلمية تستلزمها كما هو واضح.

١٥ - لم يكن كون « أهل البيت » سفينة النجاة متوقفاً على كون « علي »عليه‌السلام « الأذن الواعية » كما يدعي ( الدهلوي ) في قوله: من أجل هذا

بل لما كان عليعليه‌السلام المصداق الأتم لقوله تعالى:( قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ ) (٣) وكان باب مدينة علم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استحق أن يكون « الأذن الواعية».

١٦ - ولما كانعليه‌السلام سبب نجاة « سفينة نوح » - كما تقدم في حديث عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وكان مثله كمثل تلك السفينة في إنجاء الأمة من الهلاك، كان ذكرهعليه‌السلام - بهذا الصفة - في القرآن الكريم بعد بيان قصة سفينة نوحعليه‌السلام أولى وأحرى.

وأما أهل البيتعليهم‌السلام فإن كلّ واحد منهم بالاستقلال مثل كمثل سفينة نوح، وكانوا بأجمعهم - سواء كانوا كباراً أم صغاراً - كمثل سفينة نوح على

___________________

(١). سورة الحاقة - ١٢.

(٢). أنظر: الدر المنثور في تفسير الآية، وكنز العمال ٣ / ٣٩٨ وغيرهما.

(٣). سورة الرعد - ٤٣.

٢٩٧

عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذلك ظاهر كل الظهور، ولكن من لم يجعل الله له نوراً فما له من نور.

تنبيهات على مقاصد الدهلوي ومزاعمه

١٧ - قوله: وذلك لأن أهل بيته - المؤهلين للامامة - كانوا صغاراً حينذاك يشتمل على مكايد نشير إليها:

(١) حصر إمامة أهل البيت بالامامة في الطريقة ظلم صريح.

(٢) كون الحسنينعليهما‌السلام مؤهلين للامامة بالأصالة، وكون علىعليه‌السلام أماماً بالجعل نفاق عجيب.

(٣) دعوى عدم أهلية الحسنينعليهما‌السلام للامامة في الطريقة في العهد النبوي وخلّوهما من الكمال العملي بسبب الصغر، نصب صريح.

(٤) دعوى جهلهما في العهد النبوي بعلم قواعد النجاة من الذنوب، نصب صريح كذلك.

(٥) الاعتراف بأن إحالة تربيتهما إلى غيرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان ينافي مقامه، ثم الاعتقاد بصحة خلافة الثلاثة وكونهما من رعاياهم - كما هو مقتضى مذهبهم - غي وضلال، إذ كما أن تلك الإِحالة كانت تنافي شأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإن كون الحسنينعليهما‌السلام تحت حكومة أولئك ينافيه بالأولوية القطعيّة، فثبت بطلان خلافة الجماعة.

(٦) لم يكن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ملقياً قواعد النجاة من الذنوب إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام وناصباً إياه للامامة في الطريقة فحسب كما يزعم ( الدهلوي )، بل إنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علّمه جميع علومه كما في مجلّد ( حديث مدينة العلم ) وهكذا قد فوض إليه الامامة الكبرى والزعامة العظمى من بعده، وقد أتم الحجة على الأمة في ذلك مراراً عديدة وفي مواطن كثيرة، فهوعليه‌السلام المرآة العاكسة لجميع كمالات الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العلمية

٢٩٨

والعملية، وفضائله الذاتية والكسبية، وأوضح الادلة على ذلك قوله تعالى:( وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) (١) . و قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أنت مني وأنا منك » والله العاصم.

(٧) قوله: كي ينقلها دليل جهله وعدم معرفته بمراتب أهل البيت عموماً وعلي والحسنينعليهما‌السلام خصوصاً، إذ أنهم يملكون جميع الكمالات التي كانت لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى في صغرهم، على أن للحسنينعليهما‌السلام امتيازاً خاصاً في هذا المضمار، وقد برهن عليه في كتاب ( تشييد المطاعن ) فمن شاء فليرجع إليه.

لقد كانا حائزين لجميع الكمالات في حياة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، لكن علياً كان الامام حينذاك بسبب أفضليته منهما من وجوه عديدة، ومن هنا جاء في الحديث - فيما رواه ابن ماجة في ( السنن ) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال: « الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما »، و في حديث آخر ذكره البدخشي عن الحافظ ابن الاخضر صاحب ( معالم العترة ): « هما فاضلان في الدنيا وفاضلان في الآخرة وأبوهما خير منهما »(٢) .

بل إمامتهما ثابتة على عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن هنا قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا » رواه المولوي صديق حسن خان القنوجي(٣) . و قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحسينعليه‌السلام : « أنت إمام ابن إمام أخو امام » رواه الشيخ البلخي(٤) .

كما ثبت إمامتهما من الأحاديث الواردة في شأن الاثني عشرعليهم‌السلام ، وقد تقدم بعضها ويأتي طرف منها في الأجزاء الآتية إن شاء الله تعالى.

___________________

(١). سورة آل عمران: ٦١.

(٢). مفتاح النجا - مخطوط.

(٣). السراج الوهاج في شرح صحيح مسلم.

(٤). ينابيع المودة ص ٤٤٥.

٢٩٩

(٨) لم يكن ما نقله أمير المؤمنينعليه‌السلام إليهما بحكم الأبوة كما يقول ( الدهلوي )، بل كان بحكم النبوة، أي: بأمر من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

(٩) ولم يكن ذلك بقصد بقاء السلسلة، بل إنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اراد بقاء كمالاته العلمية والعملية في أهل بيته المعصومين إلى يوم القيامة، كما هو مفاد حديث الثقلين وحديث السفينة وغيرهما.

(١٠) لم يقصد ( الدهلوي ) من هذا الكلام الطويل إلّا صرف دلالة حديث السفينة على الامامة المطلقة والخلافة العامة إلى الامامة في الطريقة والولاية، ولكن، لا يحيق المكر السّيء إلّا بأهله.

١٨ - إعتراف ( الدهلوي ) بمخاطبة النبي لعليعليهما‌السلام بـ « يعسوب المؤمنين » يؤيد صحة اعتقاد أهل الحق، والحمد لله.

١٩ - اعترافه بأنه: تربى في حجر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دليل أيضاً على أفضليته وإمامته، لكن ( الدهلوي ) يقصد به معنى آخر وهو: جعل عليعليه‌السلام من مصاديق « أبنائنا » دون « أنفسنا » في آية المباهلة كما صرح بذلك في كتابه ( التحفة ) في الجواب عن الاستدلال بها، ولكن ذلك واضح البطلان، ويشهد ببطلانه كلمات العلماء الأعيان، وقد تبيّن ذلك في ( المنهج الأول ) من الكتاب.

٢٠ - إعترافه بأن علياًعليه‌السلام ناسب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في القوى الروحية والصفات الإِلهية يستلزم الطعن في من تقدم عليه في الامامة والخلافة كما لا يخفى.

والخلاصة: لقد ظهر أن ( الدهلوي ) لا يقصد من هذا الكلام الطويل إلّا إنكار فضل أهل البيتعليهم‌السلام ، وتقديم غيرهم عليهم بأساليب خداعة وتزويرات مكشوفة( يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ ) .

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347