نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٤

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار22%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 347

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 347 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 286594 / تحميل: 6654
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

(١٥)

رواية الثعالبي

رواه في كتابه ( ثمار القلوب ) حيث قال: « سفينة نوح » قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن عترتي كسفينة نوح، من ركب فيها نجا، ومن تأخر عنها هلك.

وقد أخذ هذا المعنى أبو عثمان الخالدي، فقال من قصيدة:

« أعاذل إن كساء التقى

كسانيه حبي لأهل الكساء

سفينة نوح فمن يعتلق

بحبلهم يعتلق بالنجا »(١)

ترجمته:

والثعالبي هو: أبو منصور عبد الملك بن محمد النيسابوري، المتوفى سنة ٤٢٠، من مشاهير أئمة اللغة والأدب، له: يتيمة الدهر، وفقه اللغة وغيرهما من الكتب الكثيرة وتوجد في المصادر، ومنها:

١ - وفيات الأعيان ١ / ٢٩٠

٢ - شذرات الذهب ٣ / ٢٤٦.

(١٦)

رواية أبي نعيم الاصفهاني

رواه بألفاظ مختلفة عن جماعةٍ من الصحابة، فقد رواه بسنده: « عن أبي

___________________

(١). ثمار القلوب في المضاف والمنسوب: ٢٩.

٤١

ذر قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق، ومن قاتلنا في آخر الزمان فكأنما قاتل مع الدجال ».

وبسنده: « عن ابن عباس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، من ركب فيها نجا، ومن تخلّف عنها غرق ».

وبسنده: « عن أبي سعيد الخدري، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق.

إنما مثل أهل بيتي مثل باب حطة من دخله غفر له ».

وبسنده: « عن حنش بن المعتمر، قال: رأيت أباذر آخذاً بعضادتي باب الكعبة وهو يقول: من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أبوذر الغفاري، سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : - مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح في قوم نوح، من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها هلك، ومثل باب حطة في بني إسرائيل »(١) .

ترجمته:

وأبو نعيم هو الحافظ: أحمد بن عبد الله الاصبهاني، المتوفى سنة ٤٣٠، صاحب حلية الأولياء، وأخبار إصبهان وقد أوردنا ترجمته في ما تقدم(٢) عن:

١ - تذكرة الحفاظ ٣ / ١٠٩١.

٢ - الوافي بالوفيات ٧ / ٨١.

٣ - التاج المكلل ٣١.

قالالذهبي : « لم يكن في أفق من الآفاق أحد أحفظ منه ولا أسند منه ».

___________________

(١). منقبة المطهرين - مخطوط.

(٢). راجع ج ١ / ٣٤٩

٤٢

(١٧)

رواية ابن عبد البر

لقد روى حديث السفينة حيث قال: « وذكر ابن سنجر في مسنده، حدثنا القاسم بن محمد، قال: حدثنا خالد بن سعد، قال: ثنا أحمد بن عمرو بن منصور، قال: ثنا محمد بن عبد الله بن سنجر، قال: ثنا مسلم بن إبراهيم، قال ثنا الحسن بن علي أبي جعفر، قال: حدثنا أبو الصهباء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، من ركب فيها نجا ومن تخلّف هلك »(١) .

ترجمته:

وابن عبد البر هو: أبو عمر يوسف بن عبد الله النمري القرطبي، المتوفى سنة ٤٦٣، صاحب الاستيعاب في معرفة الأصحاب وغيره.

قالالذهبي : « كان فقيهاً عابداً متهجداً. قال الحميدي: أبو عمر فقيه حافظ مكثر، عالم بالقراءات وبالخلاف وبعلوم الحديث والرجال، قديم السماع قلت: كان إماماً ديناً ثقة علّامة متبحّراً صاحب سنّة واتباع »(٢) .

وقد ترجم له أيضاً في:

١ - الأنساب - القرطبي.

٢ - وفيات الأعيان ٢ / ٣٤٨.

٣ - تذكرة الحفاظ ٣ / ١١٢٨.

___________________

(١). الإنباه على قبائل الرواة ٦٧.

(٢). سير أعلام النبلاء ١٨ / ١٥٣.

٤٣

٤ - طبقات الحفاظ ٤٣٦.

(١٨)

رواية الخطيب البغدادي

روى حديث السفينة حيث قال: « علي بن محمد بن شدّاد بن محمد بن عبيد الله النجار، أخبرنا النجار، حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن شداد المطرّز، حدثنا محمد بن محمد بن سليمان الباغندي، حدثنا أبو سهيل القطيعي، حدثنا حمّاد بن يزيد بمكة وعيسى بن واقد، عن أبان بن أبي عياش عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنما مثل أهل بيتي كسفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق »(١) .

ترجمته:

والخطيب البغدادي: أبوبكر أحمد بن علي بن ثابت، المتوفى سنة ٤٦٣، من أشهر حفّاظ أهل السنّة وأئمة الحديث، له: تاريخ بغداد وغيره من الكتب المعتمدة، أثنى عليه ووثّقه كبار العلماء كالذهبي والسمعاني وابن خلكان والسبكي، وكلّ من ترجم له. أنظر:

١ - تذكرة الحفاظ ٣ / ١١٣٥.

٢ - الأنساب - الخطيب.

٣ - وفيات الأعيان ١ / ٢٧.

٤ - مرآة الجنان ٣ / ٨٧.

٥ - طبقات الشافعية للسبكي ٤ / ٢٩.

___________________

(١). تاريخ بغداد ١٢ / ٩١.

٤٤

(١٩)

رواية الواحدي

رواه عن الحاكم قائلاً: « روى الحاكم في صحيحه عن أحمد بن جعفر بن حمدان، عن عباس بن إبراهيم القراطيسي، عن محمد بن إسماعيل الأحمسي، عن المفضل بن صالح، عن أبي إسحاق عن حنش الكناني، قال: سمعت أباذر - وهو آخذ بباب الكعبة -: من عرفني فأنا من عرفني، ومن أنكرني فأنا أبوذر: سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح في قومه، من ركبها نجا: ومن تخلّف عنها غرق، ومثل باب حطة لبني إسرائيل »(١) .

كما يعلم روايته الحديث عن أبي ذر بطريق آخر من عبارة ( فرائد السمطين ).

ترجمته:

والواحدي هو: أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن متويه الواحدي المتوفى سنة ٤٦٨، صاحب التفسير وأسباب النزول، من أئمة علم التفسير والفقه والحديث عند أهل السنة، ومن مشاهير علم الأدب، وقد أوردنا ترجمته في بعض مجلدات الكتاب. ومن مصادرها:

١ - وفيات الأعيان ١ / ٣٣٣.

٢ - طبقات الشافعية للسبكي ٣ / ٢٨٩.

٣ - إنباه الرواة ٢ / ٢٢٣.

___________________

(١). التفسير الوسيط. مخطوط.

٤٥

٤ - النجوم الزاهرة ٥ / ١٠٤.

(٢٠)

رواية ابن المغازلي

روى حديث السفينة بأسانيد عديدة عن جماعة من الأصحاب، حيث قال ما لفظه: « قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح:

أخبرنا أبو الحسن أحمد بن المظفر بن أحمد العطار الفقيه الشافعي -رحمه‌الله - ثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عثمان الملقب بابن السقاء الحافظ الواسطي قال: حدثني أبوبكر محمد بن يحيى الصّولي النحوي، ثنا محمد بن زكريا الغلّابي ناجهم ابن السّباق [ أبو السباق ] الرياحي، حدثني بشر بن المفضّل، قال: سمعت الرشيد يقول: سمعت المهدي يقول: سمعت المنصور يقول: حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك.

أخبرنا محمد بن أحمد بن عثمان، ثنا أبو الحسين محمد بن المظفر بن موسى ابن عيسى الحافظ إذناً، ثنا محمد بن محمد بن سليمان الباغندي، ثنا سويد ثنا عمر بن ثابت عن موسى بن عبيدة عن أياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: قال رسول الله: مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا.

أخبرنا محمد بن أحمد بن عثمان، ثنا أبو الحسين محمد بن المظفر بن موسى ابن عيسى الحافظ إذنا، ثنا محمد بن محمد بن سليمان، ثنا سويد، ثنا المفضّل بن عبد الله عن أبي إسحاق عن ابن المعتمر عن أبي ذر قال: قال رسول الله: إنما مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركب فيها نجا، ومن تخلف عنها غرق.

أخبرنا أبو غالب محمد بن أحمد بن سهل النحويرحمه‌الله ، ثنا أبو عبد الله

٤٦

محمد بن علي السقطي إملاءاً، ثنا أبو يوسف بن سهل [ ثنا ] الحضرمي، ثنا محمد ابن عبد العزيز عن أبي زرقة [ رزمة ] ثنا سليمان بن إبراهيم، ثنا الحسن ابن أبي جعفر، ثنا أبو الصهباء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله: مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركب فيها نجا، ومن تخلف عنها هلك [ غرق ].

أخبرنا أبو نصر [ ابن ] الطحان إجازة، عن القاضي أبي الفرج الحنوطي [ الخيوطي ] ثنا أبو الطيب بن فرج، ثنا إبراهيم، ثنا إسحاق بن سنان، ثنا مسلم ابن إبراهيم، ثنا الحسن بن أبي جعفر، ثنا علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب عن أبي ذر، قال: قال رسول الله: مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، من ركب فيها نجا، ومن تخلف عنها غرق، ومن قاتلنا في آخر الزمان فكأنما قاتل مع الدجال »(١)

ترجمته:

وابن المغازلي هو: أبو الحسن علي بن محمد بن الطيب الجلّابي، المعروف بابن المغازلي الواسطي المتوفى سنة ٤٨٣، قال السمعاني في الأنساب: « كان فاضلاً عارفاً برجالات واسط وحديثهم، وكان حريصاً على سماع الحديث وطلبه رأيت له: ذيل التاريخ لواسط وطالعته وانتخبت منه. سمع أبا الحسن علي بن عبد الصمد الهاشمي وأبا بكر أحمد بن محمد الخطيب وأبا الحسن أحمد بن المظفر العطار وغيرهم.

روى عنه ابنه بواسط وأبو القاسم علي بن طراد الوزير ببغداد، وغرق ببغداد في دجلة في صفر سنة ٤٨٣، وحمل ميتاً إلى واسط ودفن بها ».

___________________

(١). المناقب ١٣٢ - ١٣٣.

٤٧

(٢١)

رواية أبي المظفر السمعاني

روى حديث السفينة بقوله: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق »(١) .

وتعلم روايته له من ( ينابيع المودة ٢٨ ) أيضاً.

ترجمته:

وهو: أبو المظفر منصور بن محمد السمعاني المتوفى سنة ٤٨٩، وهو جد صاحب الأنساب:

قالابن خلكان بترجمة حفيدة: « وكان جدّه المنصور إمام عصره بلا مدافعة، أقرّ له بذلك الموافق والمخالف »(٢) .

ومن مصادر ترجمته:

١ - طبقات المفسرين ٢ / ٣٣٩.

٢ - العبر في خبر من غبر ٣ / ٣٢٦.

٣ - طبقات الشافعية للسبكي ٥ / ٢٣٥.

٤ - النجوم الزاهرة ٥ / ١٦٠.

٥ - الأنساب - السمعاني.

___________________

(١). الرسالة القوامية في فضائل الصحابة - مخطوط.

(٢). وفيات الأعيان ٢ / ٣٨٠.

٤٨

(٢٢)

رواية شهردار الديلمي

رواه في كتابه ( مسند الفردوس ) عن أبي سعيد الخدري كما سيأتي.

ترجمته:

وهو: أبو منصور شهردار بن شيرويه الديلمي المتوفى سنة ٥٥٨، من مشاهير محدثي أهل السنة، وكتابه مسند فردوس الأخبار لوالده الحافظ أبي شجاع شيرويه بن شهردار الديلمي، وتوجد ترجمته في عدة من المصادر ومنها:

١ - طبقات الشافعية للسبكي ٤ / ٢٢٩.

٢ - شذرات الذهب في أخبار من ذهب ٤ / ١٨٢.

(٢٣)

رواية عمر الملّا

رواه في سيرته ( وسيلة المتعبدين ) عن ابن عباس، كما ستعلم من عبارة ( ذخائر العقبى ) الآتية.

وجاء في ( وسيلة المتعبدين ) باب فصيح كلامه وبديع حكمه وما كان يقوله مسترسلاً متمثلاً: « وقوله: أهل بيتي كسفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها هلك »(١) .

___________________

(١). وسيلة المتعبدين في متابعة سيد المرسلين ٢ / ٢٣٤.

٤٩

ترجمته:

وهو: عمر بن محمد بن خضر الموصلي، المعروف بالملّا المتوفى سنة ٥٧٠، المترجم له مع الاطراء والثناء البالغ في:

١ - المنتظم ١٠ / ٢٤٩.

٢ - مرآة الزمان ٨ / ٣١٠.

٣ - تاريخ ابن كثير ٢ / ٢٨٢.

٤ - النجوم الزاهرة ٦ / ٦٧.

(٢٤)

رواية ابن السري

رواه في كتابه ( السنة ) عن سيدنا أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام. كما ستعلم من ( ذخائر العقبى ) للحافظ الطبري.

ترجمته:

وهو: أبو الحسين محمد بن حامد بن السّري، نقل عنه واعتمد عليه الحافظ محب الدين الطبري في ( ذخائر العقبى ). وذكر كتابه في كشف الظنون ٢ / ١٤٢٦.

٥٠

(٢٥)

رواية العاصمي

رواه في بيان وجه الشّبه بين أمير المؤمنين ونوحعليهما‌السلام حيث قال: « وأما السفينة فقوله تعالى:( وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا ) إلى قوله تعالى( ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْريها وَمُرْسيها ) فمن ركب سفينة نوح نوح نجا من الغرق ومن تخلف عنها صار من المغربين، قوله تعالى:( وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ ) إلى قوله:( وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ ) .

فكذلك المرتضى رضوان الله عليه وأهل بيته، كانوا سفينة نوح من ركبها نجا، وذلك قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح.

أخبرني شيخي الامام رحمة الله عليه قال: أخبرنا الشيخ أبو إسحاق إبراهيم ابن جعفر الشورميني رحمة الله عليه قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن يونس بن الهياج الأنصاري قال: حدثنا الحسن بن عبد الله وعمران بن عبد الله وعيسى بن علي و [ أبو ] عبد الرحمن النسائي قالوا: حدثنا عبد الرحمن بن صالح قال: حدثنا علي بن عباس عن أبي إسحاق عن نش قال: رأيت أباذر متعلقاً بباب الكعبة وهو يقول: من يعرفني فليعرفني ومن لم يعرفني فأنا أباذر. قال حنش: فحدّثني بعض أصحابي أنه سمعه يقول قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إني تارك فيكم الثقلين كتب الله وعترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، ألا وإنّ أهل بيتي فيكم مثل باب بني إسرائيل ومثل سفينة نوح.

وأخبرني شيخي الامام رحمة الله عليه قال: أخبرنا الشيخ إبراهيم بن جعفر الشورمينيرحمه‌الله قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن يونس الأنصاري قال: حدثنا

٥١

الحسن بن عبد الله وعمران بن عبد الله وعيسى بن علي و [ أبو ] عبد الرحمن قالوا: حدثنا مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا الحسن - يعني ابن أبي جعفر - قال حدثنا علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن أي ذر قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنما مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلّف عنها غرق ومن قاتلنا في آخر الزمان كمن قاتلنا مع الدجال.

وأخبرني شيخي محمد بن أحمدرحمه‌الله قال: حدثنا أبو سعيد الرازي الصوفي قال: حدّثنا محمد بن أيوب الرازي قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا حسن بن أبي جعفر قال: حدثنا أبو الصهباء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها غرق.

وأخبرني شيخي محمد بن أحمدرحمه‌الله قال: حدثنا علي بن إبراهيم قال: حدثنا أحمد بن محمد بن بالويه قال: حدثنا جعفر بن محمد قال: أخبرنا محمد بن يحيى قال: حدثنا مسلم بن ابراهيم قال: حدثنا الحسن بن أبي جعفر قال: حدثنا علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن أبي ذر قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذكر الحديث بنحو الحديث الأول.

وأخبرني شيخي محمد بن أحمدرحمه‌الله قال: حدثنا أبو سعيد الرازي الصوفي قال: قرئ على أبي الحسن علي بن محمد بن مهرويه القزويني بها في الجامع وأنا أسمع قال حدثنا أبو أحمد داود بن سليمان الفراء(١) قال: حدثنا علي بن موسى الرضا قال: حدثني أبي موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي بن الحسين عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب - كرم الله وجوههم - قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها زج في النار.

___________________

(١) كذا والظاهر أنه مصحف القزويني أو الغازي فهو الراوي عن الامام الرضاعليه‌السلام كما سيأتي في الملحق في محله.

٥٢

قلت: والمرتضى رضوان الله عليه لا يشك موحد ولا ملحد أنه من أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) .

(٢٦)

رواية ابن أبي الفوارس

روى حديث السفينة حيث روى حديث الثقلين قائلاً:

« وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إني تارك فيكم كتاب الله وعترتي أهل بيتي فهما خليفتاي بعدي، أحدهما أكبر من الآخر: سبب موصول من السماء إلى الأرض، فإن استمسكتم بهما لن تضلوا، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض يوم القيامة، فلا تسبقوا أهل بيتي بالقول فتهلكوا، ولا تقصّروا عنهم فتذهبوا.

فإنّ مثلهم فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك.

ومثلهم فيكم كمثل باب حطة في باب بني إسرائيل من دخله غفر له.

ألا وإنّ أهل بيتي أمان أمتي، فإذا ذهب أهل بيتي جاء أمتي ما يوعدون.

ألا وإن الله عصمهم من الضلالة وطهّرهم من الفواحش واصطفاهم على العالمين.

ألا وإنّ الله أوجب محبّتهم وأمر بمودتهم »(٢) .

وستعرف ذلك مما سيأتي أيضاً.

___________________

(١). زين الفتى في تفسير سورة هل أتى - مخطوط.

(٢). الأربعين في فضائل أمير المؤمنين - مخطوط.

٥٣

(٢٧)

رواية أبي الفرج الاصفهاني

ورواه أبو الفرج يحيى بن محمود الثقفي الاصفهاني في كتابه ( مرج البحرين ) عن سيدنا أبي ذر، كما ستعرف من كلام الحافظ سبط ابن الجوزي.

ترجمته:

وأبو الفرج - هذا - حافظ معتمد، وفد الشام مفيداً فروى عنه كبار حفّاظها كابن عبد الهادي وابن عبد الواحد المقدسي، وهو يروي عن الحافظ أبي علي الحدّاد الاصفهاني المتوفى سنة ٥١٥ الرواية عن الحافظ أبي نعيم.

وقد أكثر من النقل عن أبي الفرج الحافظ الكنجي بواسطة مشايخه، كما روى عنه الحافظ سبط ابن الجوزي وذكر له كتاب ( مرج البحرين ).

(٢٨)

رواية ابن الأثير الجزري

رواه في كتابه ( النهاية ) قائلاً: « زخ. فيه: مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من تخلف عنها زخ به في النار. أي: دفع ورمي: يقال: زخه يزخه زخاً »(١) .

___________________

(١). النهاية في غريب الحديث - زخ.

٥٤

ترجمته:

وهو: مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد، المعروف بابن الاثير الجزري المتوفى سنة ٦٠٦، كان محدّثاً فقيهاً أصولياً لغوياً، له من الكتب المعتمدة المفيدة: النهاية في غريب الحديث، جامع الأصول، والإٍنصاف في الجمع بين الكشف والكشاف وغير ذلك. توجد ترجمته في:

١ - وفيات الأعيان ١ / ٤٤١.

٢ - بغية الوعاة ٣٨٥.

٣ - معجم الأدباء ٦ / ٢٣٨.

٤ - طبقات الشافعية ٥ / ١٥٣.

٥ - الكامل في التاريخ ١٢ / ١١٣.

(٢٩)

رواية الفخر الرازي

رواه في ( تفسيره ) بتفسير قوله تعالى:( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) كما ستعرف.

ترجمته:

وهو: فخر الدين محمد بن عمر التيمي البكري، المعروف بالإمام الرازي المتوفى سنة ٦٠٦:

قالابن خلكان : « فريد عصره ونسيج وحده، فاق أهل زمانه في علم الكلام والمعقولات وعلم الأوائل وكان العلماء يقصدونه من البلاد وتشد إليه الرحال

٥٥

من الأقطار »(١) .

وتوجد ترجمته في:

١ - الوافي بالوفيات ٤ / ٢٤٨.

٢ - طبقات المفسرين ٢ / ٢١٣.

٣ - طبقات الشافعية ٥ / ٣٣.

٤ - تاريخ ابن كثير ١٣ / ٥٥.

٥ - تتمة المختصر ٢ / ١٢٧.

(٣٠)

رواية ابن طلحة الشافعي

لقد أثبته ضمن أبيات له في مدح أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، وهي هذه:

يا رب بالخمسة أهل العبا

ذوي الهدى والعمل الصالح

ومن هم سفن نجاة ومن

وليهم ذو متجر رابح

ومن لهم مقعد صدق إذا

قام الورى في الموقف الفاضح

لا تخزني واغفر ذنوبي عسى

أسلم من حر لظى اللافح

فإنني أرجو بحبي لهم

تجاوزاً عن ذنبي الفادح

فهم لمن والاهم جنة

تنجيه من طائره البارح

وقد توسّلت بهم راجياً

نجح سؤال المذنب الطالح

لعله يحظى بتوفيقه

فيهتدي بالمنهج الواضح(٢)

___________________

(١). وفيات الأعيان ٣ / ٣٨١.

(٢). مطالب السئول في مناقب آل الرسول: ٢٠.

٥٦

ترجمته:

وهو: أبو سالم محمد بن طلحة القرشي النصيبي الشافعي، المتوفى سنة ٦٥٢ المترجم له ببالغ الثناء في:

١ - مرآة الجنان ٤ / ١٢٨.

٢ - العبر ٥ / ٢١٣.

٣ - طبقات الأسنوي ٢ / ٥٠٣.

٤ - طبقات السبكي ٥ / ٢٦.

٥ - طبقاتابن قاضي شهبة: ٢ / ١٥٣ - قال: « أحد الصدور والرؤساء المعظمين، ولد سنة ٥٨٢، وتفقه وشارك في العلوم، وكان فقيهاً بارعاً عارفاً بالمذهب والأصول والخلاف، ترسل عن الملوك وساد وتقدّم وسمع الحديث وحدث ببلاد كثيرة قال السيد عز الدين: أفتى وصنف، وكان أحد العلماء المشهورين والرؤساء المذكورين ومضى على سداد وأمر جميل، توفي بحلب في رجب سنة ٦٥٢ ».

(٣١)

رواية سبط ابن الجوزي

وأورده سبط ابن الجوزي عن أبي الفرج الاصبهاني عن أبي ذر قال:

« وذكر أبو الفرج الاصفهاني في كتاب مرج البحرين، باسناده إلى أبي ذر قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها غرق »(١) .

___________________

(١). تذكرة خواص الأمة ٣٢٣.

٥٧

قلت: تجد روايته مسندةً في رواية الكنجي.

ترجمته:

وسبط ابن الجوزي المتوفى سنة ٦٥٤ من مشاهير علماء الحديث والتاريخ، ومن أئمة الفقه والتفسير والوعظ، ذكرنا مصادر ترجمته في قسم ( حديث الثقلين )، وسنترجم له بالتفصيل في قسم ( حديث النور ).

(٣٢)

رواية الكنجي الشافعي

رواه باسناده عن أبي ذر وأبي سعيد الخدري عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا نصّ كلامه: « أخبرنا نقيب النقباء أبو الحسن علي بن محمد بن إبراهيم الحسيني وغيره بدمشق، وأخبرنا الحافظ يوسف بن خليل الدمشقي بحلب، قالوا: أخبرنا أبو الفرج يحيى بن محمود الثقفي، أخبرنا أبو عدنان وفاطمة بنت عبد الله قالوا: أخبرنا أبوبكر بن ريذة أخبرنا الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني، حدثنا الحسن بن أحمد بن منصور سجادة، حدثنا عبد الله ابن عبد القدوس عن الأعمش عن حنش بن المعتمر أنه سمع أباذر الغفاري يقول: سمعت سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنه هلك. ومثل باب حطة في بني إسرائيل. أخرجه إمام الحديث في معجم شيوخه كما أخرجناه سواء.

ورواه عن أبي سعيد بسند آخر كما أخبرنا الحافظ، أبو الحجاج يوسف بن خليل الدمشقي بحلب، قال أخبرنا الأمين أبو علي داود بن سليمان بن أحمد ومولانا وزير وزراء الشرق والغرب محيي الشريعة نظام الملك أبو علي الحسن بن

٥٨

إسحاق، قال أخبرتنا فاطمة الجوزدانية وخجستة الصالحية [ جحشة الصالحانية ] قالتا: أخبرنا أبوبكر بن ريذة أخبرنا الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، حدثنا محمد بن عبد العزيز بن محمد بن ربيعة، حدثنا أبي حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد المقري، عن أبي سلمة الصائغ عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها فرق، وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له. قلت: هو في هذه الترجمة في كتابه، وأما الكلام على لفظه فظاهر عند أهل النقل »(١) .

ترجمته:

وسنترجم أبا عبد الله محمد بن يوسف الكنجي الشافعي المتوفى سنة ٦٥٨، مع بيان قيمة كتابه ( كفاية الطالب ) واعتباره في ( قسم حيث النور ) ان شاء الله تعالى.

(٣٣)

رواية المحب الطبري

روى حديث السفينة تحت عنوان: « ذكر أنهم كسفينة نوحعليه‌السلام من ركبها نجا » قال:

« عن ابن عباسرضي‌الله‌عنه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا [ ومن تعلق بها فاز ] ومن تخلف عنها غرق. أخرجه الملّا في سيرته.

___________________

(١). كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب ٣٧٨.

٥٩

وعن عليرضي‌الله‌عنه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تعلق بها فاز، ومن تخلف عنها زج في النار. أخرجه ابن السري »(١) .

ترجمته:

وهو: محب الدين أبو العباس أحمد بن عبد الله الطبري المكي الشافعي المتوفى سنة ٦٩٤، كان حافظاً محدثاً ذا فنون، وكان شيخ الحرم في مكة المكرمة، له تصانيف أشهرها: الرياض النضرة في مناقب العشرة، ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى وقد أثنى عليه كلّ من ترجم له. أنظر:

١ - تذكرة الحفاظ ٤ / ١٤٧٤.

٢ - الوافي بالوفيات ٧ / ١٣٥.

٣ - البداية والنهاية ١٣ / ٣٤٠.

٤ - النجوم الزاهرة ٨ / ٧٤.

٥ - طبقات السبكي ٥ / ٨.

وغير ذلك مما ذكرناه في قسم ( حديث الثقلين ).

(٣٤)

رواية ابن منظور

ذكر في ( لسان العرب ): « وفي الحديث، مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، من تخلف عنها زخ في النار ، أي دفع ورمي. يقال: زخه يزخه زخاً »(٢) .

___________________

(١). ذخائر العقبى ٢٠.

(٢). لسان العرب: زخ.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

أحدهما أنهم كانوا يقولون: إن الملائكة بنات الله، فألحقوا البنات بالله، فهو أحق بها منّا.

والأمر الآخر أنهم كانوا يقتلونهنّ خشية الإملاق، قال الله تعالى:( وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ) ؛ [الأنعام: ١٥١].

قال سيدنا أدام الله علوّه: ووجدت أبا عليّ الجبائي وغيره يقول: إنما قيل لها موءودة؛ لأنها ثقّلت بالتراب الّذي طرح عليها حتى ماتت. وفي هذا بعض النظر؛ لأنهم يقولون من الموءودة: وأدت أئد وأدا، والفاعل وائد، والفاعلة وائدة، ومن الثّقل يقولون: آدني الشيء يئودني؛ إذا أثقلني، أودا.

وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه سئل عن العزل فقال: (ذاك الوأد الخفي).

وقد روي عن جماعة من الصحابة كراهية ذلك، وقال قوم في الخبر الّذي ذكرناه: إنه منسوخ بما روي عنه عليه السلام أنه قيل له: إن اليهود يقولون في العزل هي الموءودة الصغرى، فقال: (كذبت يهود، لو أراد الله تعالى أن يخلقه لم يستطع أن يصرفه).

وقد يجوز أن يكون قوله عليه السلام: (ذاك الوأد الخفي) على طريق تأكيد الترغيب في طلب النسل وكراهية العزل؛ لا على أنه محظور محرّم.

***

وصعصعة بن ناجية بن عقال، جدّ الفرزدق بن غالب؛ كان ممن فدى الموءودات في الجاهلية، ونهى عن قتلهن. ويقال: إنه أحيا ألف موءودة، وقيل دون ذلك.

وقد افتخر الفرزدق بهذا في قوله:

ومنّا الّذي منع الوائدات

وأحيا الوئيد فلم توءد(١)

وفي قوله:

ومنّا الّذي أحيا الوئيد وغالب

وعمرو، ومنّا حاجب والأقارع(٢)

____________________

(١) ديوانه: ٢٠٣.

(٢) ديوانه: ٥١٧.

٢٨١

وفي ذلك يقول أيضا:

أنا ابن عقال وابن ليلى وغالب

وفكّاك أغلال الأسير المكفّر(١)

ليلى: أم غالب، وعقال: هو محمد(٢) بن سفيان بن مجاشع، وفكّاك الأغلال: ناجية ابن عقال، والمكفّر: هو الّذي كفّر وكبّل بالحديد -

وكان لنا شيخان ذو القبر منهما

وشيخ أجار النّاس من كلّ مقبر(٣)

ذو القبر، غالب وكان يستجار بقبره، والّذي أجار الناس من المقبر وأحيا الوئيدة صعصعة(٤)   -

على حين لا تحيا البنات وإذ هم

عكوف على الأصنام حول المدوّر(٥)

أنا ابن الّذي ردّ المنيّة فضله

وما حسب دافعت عنه بمعور(٦)

أبي أحد العينين(٧) صعصعة الّذي

متى تخلف الجوزاء والنّجم يمطر

أجار بنات الوائدين ومن يجر

على القبر(٨) يعلم أنّه غير مخفر

وفارق ليل من نساء أتت به(٩)

تعالج ريحا ليلها غير مقمر

فارق، يعني امرأة ماخضا؛ شبهها بالفارق من الإبل، وهي الناقة يضربها المخاض فتفارق الإبل، وتمضي على وجهها حتى تضع -

____________________

(١) ديوانه: ٤٧٦ - ٤٧٧.

(٢) حاشية الأصل: (هذا في نسخة ابن الشجري)، وفيها (من نسخة): (هو عقال بن محمد ابن سفيان بن مجاشع).

(٣) حاشية الأصل: (من كل مقبر، أي الّذي يدفن البنات أحياء ويجعلهم في القبر).

(٤) حاشية الأصل: (في نسخة الشجري: حقه: والّذي أجار الناس وأحيا الناس من المقبر وأحيا الوليد صعصعة).

(٥) المدور: صنم يدورون حوله.

(٦) حاشية الأصل: (المعور: ذو العورة؛ وهو من قوله تعالى:( إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ ) ؛ أراد أنه حصن لا يتمكن منه أحد).

(٧) من نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (الغيثين)، وهي رواية الديوان.

(٨) حاشية الأصل (من نسخة): (على الفقر).

(٩) حاشية الأصل (من نسخة): (أبي) وهي رواية الديوان.

٢٨٢

فقالت: أجر لي ما ولدت فإنني

أتيتك من هزلي الحمولة مقتر(١)

رأى الأرض منها راحة فرمى بها

إلى جدد(٢) منها وفي شرّ محفر

فقال لها: يامي إني بذمّتي

لبنتك جار من أبيها القنوّر

القنوّر: السيئ الخلق –

***

وأخبرنا المرزباني قال أخبرنا محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا محمد بن زكريا الغلابي عن العباس بن بكار الضبي عن أبي بكر الهذلي. قال الصولي وحدثنا القاسم بن إسماعيل عن أبي عثمان المازني عن أبي عبيدة بطرف منه قال: وفد صعصعة بن ناجية جدّ الفرزدق على رسول الله صلى الله عليه وآله في وفد بني تميم(٣) ؛ وكان صعصعة منع الوئيد في الجاهلية؛ فلم يدع تميما تئد(٤) وهو يقدر على ذلك؛ فجاء الإسلام وقد فدى في بعض الروايات أربعمائة جارية، وفي الرواية الأخرى ثلاثمائة، فقال للنبي صلى الله عليه وآله: بأبي أنت وأمي أوصني! قال: (أوصيك بأمك وأبيك وأختك وأخيك وأدانيك أدنانيك)، فقال: زدني يارسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (احفظ ما بين لحييك ورجليك) ؛ ثم قال صلى الله عليه وآله: (ما شيء بلغني عنك فعلته) ؟

فقال: يارسول الله؛ رأيت الناس يموجون على غير وجه، ولم أدر أين الصواب، غير أنّي علمت أنهم ليسوا عليه، فرأيتهم يئدون بناتهم؛ فعرفت أنّ ربهم عز وجل لم يأمرهم بذلك، فلم أتركهم يئدون، وفديت ما قدرت عليه.

وفي رواية أخرى إن صعصعة لما وفد على النبي صلى الله عليه وآله، سمع قوله تعالى:( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) ؛ [الزلزلة: ٧، ٨].

قال: حسبي، ما أبالي ألاّ أسمع من القرآن غير هذا!

ويقال: إنه اجتمع جرير والفرزدق يوما عند سليمان بن عبد الملك فافتخرا، فقال الفرزدق:

____________________

(١) مقتر: قليل المال؛ تعني زوجها.

(٢) د، ومن نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (خدد) ؛ وهي رواية الديوان.

(٣) ف: (في وفد من بني تميم).

(٤) حاشية الأصل (من نسخة): (فلم يدع تميما يئد).

٢٨٣

أنا ابن محيي الموتى، فقال له سليمان: أنت ابن محيي الموتى! فقال: إن جدي أحيا الموءودة وقد قال الله تعالى:( وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ) ؛ [المائدة: ٣٢]؛ وقد أحيا، جدي اثنتين وتسعين موءودة. فتبسم سليمان وقال: إنك مع شعرك لفقيه.

تأويل خبر [أنه نهى أن يصلّي الرجل وهو زناء]

إن سأل سائل عن معنى الخبر الّذي يروى(١) عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه نهى أن يصلّي الرجل وهو زناء.

الجواب؛ قلنا: الزناء هو الحاقن الّذي قد ضاق ذرعا ببوله؛ يقال: أزنأ الرجل بوله فهو يزنئه إزناء، وزنأ بوله يزنأ زنأ، قال الأخطل:

فإذا دفعت إلى زناء قعرها

غبراء مظلمة من الأحفار(٢)

يعني ضيق القبر، ويقال: لا تأت فلانا فإن منزله زناء، فيجوز أن يكون ضيّقا، ويجوز أن يكون عسر المرتقى؛ وكلاهما يئول إلى المعنى. ويقال: موضع زناء إذا كان ضيّقا صعبا، ومن ذلك قول أبي زبيد(٣) يصف أسدا:

أبنّ عرّيسة عنّابها أشب

ودون غايته مستورد شرع(٤)

____________________

(١) ف: (روي).

(٢) ديوانه: ٨١، واللسان (زنأ).

(٣) في حاشيتي الأصل، ف: (ذكر أبو سعيد الضرير، وهو أحمد بن خالد قال: هو أبو زبيد حرملة بن المنذر بن معديكرب بن حنظلة بن النعمان بن حبة بن سعد، وهو من بني هني). والبيتان في شعراء النصرانية بعد الإسلام ١: ٦٧ - ٦٨؛ من قصيدة أولها:

من مبلغ قومنا النائين إذ شخصوا

أنّ الفؤاد إليهم شيّق ولع

يصف فيها الأسد.

(٤) أبنّ: أقام، والعريسة: مأوى الأسد في الغياض، وعنابها أشب: أي شجر العناب فيها متداخل، والمستورد: موضع الورود. والشرع: الّذي يشرع فيه؛ يعني موارد الوحش، وفي ف: (دون غايتها) وفي حاشيتها (من نسخة): (دون غابتها).

٢٨٤

شأس الهبوط زناء الحاميين متى

يبشع بواردة يحدث لها فزع(١)

يعني (بزناء الحاميين) أنه ضيق جانبي الوادي. وقوله: (متى يبشع بواردة)، أي يضيق بجماعة ممن يرده؛ وإنما يحدث لها فزع من الأسد. والشأس: الغليظ؛ يقال: مكان شأس، إذا كان غليظا؛ ومن ذلك قولهم: زنأ فلان في الجبل إذا كابد الصعود فيه؛ وهو يزنأ في الجبل.

وروى أبو زيد:" أن(٢) قيس بن عاصم المنقري أخذ صبيّا له يرقّصه - وأمّ ذلك الصبي منفوسة، وهي بنت زيد الفوارس بن ضرار الضبي، فجعل قيس يقول له:

أشبه أبا أمّك أو أشبه عمل

ولا تكوننّ كهلّوف وكل(٣)

يريد عملي. الوكل: الجبان. والهلّوف: الهرم المسنّ، وهو أيضا الكبير اللحية؛ وإنما أراد به هاهنا الجبان -

* وارق إلى الخيرات زنأ في الجبل(٤) *

فأخذته أمه وجعلت ترقصه، وتقول:

أشبه أخي أو أشبهن أباكا

أمّا أبي فلن تنال ذاكا

* تقصر عن مناله(٥) يداكا*

____________________

(١) في حاشيتي الأصل، ف: (قبلهما:

هذا وقوم غضاب قد أبتّهم

على الكلاكل حوضي عندهم ترع

تبادروني كأنّي في أكفّهم

حتى إذا ما رأوني خاليا نزعوا

واستحدث القوم أمرا غير ما وهموا

وطار أبصارهم شتى وما وقعوا

كأنما يتفادى أهل أمرهم

من ذي زوائد في أرساغه فدع

ضرغامة أهرت الشّدقين ذي لبد

كأنه برنسا في الغاب مدرع

بالثّنى أسفل من حمّاء ليس له

إلا بنيه وإلا أهله شيع

قد أبتهم: أنمتهم وأشخصتهم على صدورهم. وقوله: (حوضي عندهم ترع) أي لم يصنعوا بي شيئا. وقوله: (في أكفهم) أي ظنوا أني في أيديهم فلما رأوني دهشوا ونزعوا عما طمعوا فيه).

(٢) النوادر ٩٢ - ٩٣

(٣) البيتان والخبر في اللسان (زنأ - عمل).

(٤) في اللسان قبل هذا البيت:

* يصبح في مضجعه قد انجدل*

(٥) في اللسان: (أن تناله).

٢٨٥

مجلس آخر

[٨٠]

تأويل آية :( وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ. فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ. وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ. فَكُّ رَقَبَةٍ. أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ. يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ. أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ. ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ. أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ. وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ. عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ )

إن سأل سائل عن قوله تعالى:( وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ. فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ. وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ. فَكُّ رَقَبَةٍ. أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ. يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ. أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ. ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ. أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ. وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ. عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ ) ؛ [البلد ١٠ - ٢٠].

فقال(١) : ما تأويل هذه الآية؟ وما معنى ما تضمنته(١) .

الجواب، أما ابتداء الآية فتذكير بنعم الله تعالى عليهم، وما أزاح به علتهم في تكاليفهم، وما تفضّل به عليهم من الآلات التي يتوصلون بها إلى منافعهم، ويستدفعون بها المضارّ عنهم؛ لأن الحاجة ماسّة في أكثر المنافع الدينية والدنيوية إلى العين للرؤية، واللسان للنطق، والشفتين لحبس الطعام والشراب ومسكهما في الفم والنطق أيضا.

فأما النّجد في لغة العرب فهو الموضع المرتفع من الأرض، والغور الهابط منها؛ وإنما سمّي الموضع المرتفع من أرض العرب نجدا لارتفاعه.

واختلف أهل التأويل في المراد بالنجدين، فذهب قوم إلى أنّ المراد بهما طريقا الخير والشرّ؛ وهذا الوجه يروى عن علي أمير المؤمنين عليه السلام، وابن مسعود، وعن الحسن وجماعة من المفسرين.

____________________

(١ - ١) ساقط من الأصل، وما أثبته عن ف.

٢٨٦

وروي أنه قيل لأمير المؤمنين عليّ عليه السلام: إن ناسا(١) يقولون في قوله:( وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ ) : إنهما الثديان، فقال عليه السلام: لا، إنهما الخير والشر.

وروي عن الحسن أنه قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: (أيها الناس، إنهما نجدان: نجد الخير ونجد الشر، فما جعل نجد الشرّ أحبّ إليكم من نجد الخير).

وروي عن قوم آخرين أنّ المراد بالنّجدين ثديا الأم.

فإن قيل: كيف يكون طريق الشر مرتفعا كطريق الخير، ومعلوم أنه لا شرف ولا رفعة في الشر؟

قلنا: يجوز أن يكون إنما سماه نجدا لظهوره وبروزه لمن كلّف اجتنابه؛ ومعلوم أن الطريقتين جميعا باديان ظاهران للمكلفين. ويجوز أيضا أن يكون سمّي طريق الشر نجدا من حيث يحصل في اجتناب سلوكه والعدول عنه الشرف والرفعة؛ كما يحصل مثل ذلك في سلوك طريق الخير؛ لأن الثواب الحاصل في اجتناب طريق الشر كالثواب في سلوك طريق الخير.

وقال قوم: إنما أراد بالنجدين أنا بصّرناه وعرفناه ماله وعليه، وهديناه إلى طريق استحقاق الثواب؛ وثني النجدين على عادة العرب في تثنية الأمرين إذا اتفقا في بعض الوجوه، وأجرى لفظة أحدهما على الآخر، كما قيل في الشمس والقمر: القمران، قال الفرزدق:

* لنا قمراها والنّجوم الطّوالع(٢) *

ولذلك نظائر كثيرة.

فأما قوله تعالى:( فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ) ؛ ففيه وجهان:

أحدهما أن يكون فَلَا بمعنى الجحد وبمنزلة (لم)، أي فلم يقتحم العقبة؛ وأكثر

____________________

(١) د، ومن نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (أناسا).

(٢) ديوانه: ٥١٩؛ صدره:

* أخذنا بآفاق السّماء عليكم*

٢٨٧

ما يستعمل هذا الوجه بتكرير لفظ (لا) ؛ كما قال سبحانه:( فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى ) ؛ [القيامة: ٣١] أي لم يصدّق ولم يصلّ، وكما قال الحطيئة:

وإن كانت النّعماء فيهم جزوا بها

وإن أنعموا، لا كدّروها ولا كدّوا(١)

وقلّما يستعمل هذا المعنى من غير تكرير لفظ؛ لأنهم لا يقولون: لا جئتني وزرتني؛ يريدون: ما جئتني؛ فإن قالوا: لا جئتني ولا زرتني صلح؛ إلا أن في الآية ما ينوب مناب التكرار ويغني عنه، وهو قوله تعالى:( ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا ) ؛ فكأنه قال:( فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ) ، ولا آمن؛ فمعنى التكرار حاصل.

والوجه الآخر: أن تكون (لا) جارية مجرى الدعاء؛ كقولك: لا نجا ولا سلم، ونحو ذلك.

وقال قوم:( فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ) أي فهلاّ اقتحم العقبة! أو أفلا اقتحم العقبة! قالوا:

ويدل على ذلك قوله تعالى:( ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ ) ، ولو كان أراد النفي لم يتصل الكلام.

وهذا الوجه ضعيف جدا، لأن قوله تعالى: فَلَا خال من لفظ الاستفهام، وقبيح حذف حرف الاستفهام في مثل هذا الموضع، وقد عيب على عمر بن أبي ربيعة قوله:

ثمّ قالوا: تحبّها؟ قلت: بهرا

عدد القطر والحصى والتراب(٢)

فأما الترجيح بأن الكلام لو أريد به النفي لم يتصل فقد بيّنا أنه متصل، مع أنّ المراد به النفي؛ لأن قوله تعالى:( ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا ) معطوف على قوله:( فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ) ، أي فلا اقتحم العقبة، ثم كان من الذين آمنوا. والمعنى أنه ما اقتحم العقبة ولا آمن؛ على ما بينا.

فأما المراد بالعقبة فاختلف فيه، فقال قوم: هي عقبة ملساء في جهنم، واقتحامها فكّ رقبة.

وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (إن أمامكم عقبة كئودا لا يجوزها المثقلون(٣) ، وأنا أريد أن أتخفف لتلك العقبة) : وروي عن ابن عباس أنه قال: هي عقبة كئود في

____________________

(١) ديوانه: ٢٠.

(٢) ديوانه: ٤٢٣ (مطبعة السعادة)، وفي حاشية الأصل (من نسخة): (عدد الرمل).

(٣) حاشية الأصل: (المثقلون [بالفتح] أي أثقلهم الذنوب، والمثقلون [بالكسر] أصحاب الأثقال).

٢٨٨

جهنم، وروي أيضا أنه قال: العقبة هي النّار نفسها؛ فعلى الوجه الأول يكون التفسير للعقبة بقوله:( فَكُّ رَقَبَةٍ ) على معنى ما يؤدّي إلى اقتحام هذه العقبة؛ ويكون سببا لجوازها والنجاة منها، لأن فكّ رقبة وما أتى بعد ذلك ليس هو النار نفسها ولا موضعا منها.

وقال آخرون: بل العقبة ما ورد مفسّرا لها من فكّ الرقبة والإطعام في يوم المسغبة؛ وإنما سمّي ذلك عقبة لصعوبته على النفوس ومشقته عليها.

وليس يليق بهذا الوجه الجواب الّذي ذكرناه في معنى قوله:( فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ) وأنه على وجه الدعاء؛ لأن الدعاء لا يحسن إلا بالمستحق له؛ ولا يجوز أن يدعى على أحد بأن لا يقع منه ما كلّف وقوعه، وفكّ الرقبة والإطعام المذكور من الطاعات؛ فكيف يدعى على أحد بأن لا يقع منه! فهذا الوجه يطابق أن تكون الْعَقَبَةَ هي النّار نفسها أو عقبة فيها.

وقد اختلف الناس في قراءة:( فَكُّ رَقَبَةٍ ) ، فقرأ أمير المؤمنين عليه السلام، ومجاهد، وأهل مكة، والحسن، وأبو رجاء العطاردي، وأبو عمرو، والكسائي:( فَكُّ رَقَبَةٍ ) بفتح الكاف ونصب الرقبة، وقرءوا أو أطعم على الفعل دون الاسم. وقرأ أهل المدينة، وأهل الشام، وعاصم، وحمزة، ويحيى بن وثاب، ويعقوب الحضرمي: فَكُ بضم الكاف وبخفض( رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعامٌ ) على المصدر وتنوين الميم وضمها.

فمن قرأ على الاسم ذهب إلى أن جواب الاسم بالاسم أكثر في كلام العرب، وأحسن من جوابه بالفعل؛ ألا ترى أن المعنى: ما أدراك ما اقتحام العقبة! هو فكّ رقبة، أو إطعام؛ وذلك هو أحسن من أن يقال: هو فكّ رقبة، أو أطعم.

ومال الفرّاء إلى القراءة بلفظ الفعل، ورجّحها بقوله تعالى:( ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا ) ، لأنه فعل؛ والأولى أن يتبع فعلا. وليس يمتنع أن يفسّر اقتحام العقبة - وإن كان اسما - بفعل؛ يدل على الاسم؛ وهذا مثل قول القائل: ما أدراك ما زيد؟ يقول - مفسرا -: يصنع الخير، ويفعل المعروف، وما أشبه ذلك، فيأتي بالأفعال.

والسغب: الجوع؛ وإنما أراد أنه يطعم في يوم مجاعة؛ لأن الإطعام فيه أفضل وأكرم.

٢٨٩

فأما (مقربة) فمعناه يتيما ذا قربى؛ من قرابة النسب والرّحم؛ وهذا حضّ على تقديم ذي النسب والقربى المحتاجين على الأجانب في الإفضال.

والمسكين: الفقير الشديد الفقر. والمتربة: مفعلة، من التراب، أي هو لاصق بالأرض من ضرّه وحاجته؛ ويجري مجرى قولهم في الفقير: مدقع؛ وهو مأخوذ من الدّقعاء؛ وهي الأرض التي لا شيء فيها.

وقال قوم: ذا مَتْرَبَةٍ أي ذا عيال. والمرحمة: مفعلة من الرحمة؛ وقيل إنه من الرّحم.

وقد يمكن في مَقْرَبَةٍ أن يكون غير مأخوذ من القرابة والقربى؛ بل هو من القرب، الّذي هو من الخاصرة، فكأن المعنى أنه يطعم من انطوت خاصرته ولصقت من شدة الجوع والضر؛ وهذا أعم في المعنى من الأول وأشبه بقوله ذا مَتْرَبَةٍ؛ لأن كل ذلك مبالغة في وصفه بالضّرّ؛ وليس من المبالغة في الوصف بالضرّ أن يكون قريب النّسب. والله أعلم بمراده.

***

قال سيدنا أدام الله علوّه: ومن طريف المدح ومليحه قول الشاعر:

وكأنّه من وفده عند القرى

لولا مقام المادح المتكلّم

وكأنّه أحد النّدى ببنائه(١)

لولا مقالته أطب للمؤدم(٢)

ويقارب ذلك في المعنى قول محمد بن خارجة:

سهل الفناء إذا حللت ببابه

طلق اليدين مؤدّب الخدّام

وإذا رأيت صديقه وشقيقه

لم تدر: أيّهما أخو الأرحام!(٣)

ومثله لأبي الهندي:

نزلت على آل المهلّب شاتيا

غريبا عن الأوطان في زمن المحل(٤)

فما زال بي إكرامهم وافتقادهم(٥)

وإنعامهم حتى حسبتهم أهلي

____________________

(١) حاشية الأصل: (نسخة س: (أحد الندي ببابه).

(٢) المؤدم: الآكل.

(٣) وفي حاشية الأصل (من نسخة): (سهل القياد).

(٤) أمالي القالي ١: ٤١؛ وفي حاشية الأصل (من نسخة): (في زمن محل).

(٥) ف، حاشية الأصل (من نسخة): (واقتفاؤهم).

٢٩٠

ولأثال بن الدقعاء يمدح عقبة بن سنان الحارثي:

ألم ترني شكرت أبا سعيد

بنعماه وقد كفر الموالي(١)

ولم أكفر سحائبه اللّواتي

مطرن عليّ واهية العزالي(٢)

فمن يك كافرا نعماه يوما

فإني شاكر أخرى اللّيالي

فتى لم تطلع الشّعرى من افق

ولم تعرض ليمن أو شمال(٣)

على ندّ له إن عدّ مجد

ومكرمة وإتلاف لمال

وأصبر في الحوادث إن ألمّت

وأسعى للمحامد والمعالي

فتى عمّ البريّة بالعطايا

فقد صاروا له أدنى العيال

قال: ولآخر(٤) :

لم أقض من صحبة زيد أربي

فتى إذا أغضبته لم يغضب

موكّل النّفس بحفظ الغيّب

أقصى الفريقين له كالأقرب

فإنه لم يرد أن الضعيف السبب كالقوي السبب، وإنما أراد أنه يرعى من غيب الرفيق البعيد الغائب وحقّه ما يرعاه من حق الشاهد الحاضر، وأنه يستوي عنده لكرمه وحسن حفاظه من بعدت داره وقربت معا؛ وهذا بخلاف ما عليه أكثر الناس؛ من مراعاة أمر الحاضر القريب وإهمال حق البعيد(٥) .

***

هذا آخر مجلس أملاه سيدنا أدام الله علوّه. ثم تشاغل بأمور الحج(٦) .

الحمد للّه رب العالمين وصلواته وسلامه على سيدنا نبيّه محمد وآله الطيبين الطاهرين وسلّم كثيرا.

____________________

(١) الموالي: الأقرباء.

(٢) العزالي: جمع عزلاء؛ وهي في الأصل مصب الماء من الراوية ونحوها.

(٣) ف، ومن نسخة بحاشية الأصل:

فتى لم تطلع الشعرى بأفق

ولم تقرض ليمنى أو شمال

(٤) من نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (وقال آخر).

(٥) إلى هنا تنتهي النسخة المرموز لها بكلمة (الأصل).

(٦ - ٦) ف: (هذا آخر مجلس أملاه السيد المرتضى ذو المجدين قدس الله روحه ثم تشاغل بأمور الحج).

٢٩١

تكملة أمالي المرتضى

٢٩٢

بسم الله الرحمن الرحيم

ربّ يسّر(١)

مسألة

قال (*) الشريف الأجلّ المرتضى، علم الهدى، ذو المجدين أبو القاسم عليّ بن الحسين الموسوي رضي الله عنه:

إنّه لا يزال المتكلّمون يخالفون النحويّين في أنّ للفعل ثلاثة أحوال: ماض، وحاضر، ومستقبل. ويقول المتكلّمون: للفعل حالان بغير ثالث؛ لأنّ كلّ معلوم من الأفعال لا يخلو من أن يكون موجودا أو معدوما؛ وبالوجود قد صار ماضيا، والمعدوم هو المنتظر، ولا حال ثالثة.

فلا المتكلّمون يحسنون العبارة عما لحظوه وأرادوه، حتى يزول الخلاف في المعاني التي هي المهمّ - ولا اعتبار بالعبارات - ولا النحويون يفطنون لإفهام ما قصدوه بلفظ غير مشتبه ولا محتمل؛ فكم من معنى كاد يضيع بسوء العبارة عنه، وقصور الإشارة إليه!

واعلم أن المواضعات مختلفة، والعرف يختلف باختلاف أهله بحسب عاداتهم. وقولنا: (فعل) في عرف المتكلمين ليس هو الّذي يعرفه النحويون، لأنّ الفعل في عرف أهل الكلام هو الذات الحادثة بعد أن كانت معدومة بقادر، وهذا الحدّ يقتضي أن يكون كلّ موجود من الذوات غير الله تعالى وحده فعلا؛ فزيد فعل، والسماء كذلك، والحرف أيضا - الّذي فرق النحويون بينه وبين الاسم - فعل أيضا، والفعل أيضا على هذا الحدّ فعل؛ لأنّ الحرف صوت يقطّع على وجه مخصوص، والأصوات كلّها أفعال.

____________________

(*) هذه الزيادات لم ترد إلا في ف، ط من الأصول التي اعتمدت عليها؛ والمثبت هنا نص ف، كما أثبت الفروق والحواشي.

(١) ط: (رب يسر ولا تعسر).

٢٩٣

غير أنّ المحقّق من عرف القوم أنّ النحويين ما فصلوا بين الاسم والفعل والحرف؛ من حيث نفي الاشتراك في الحدوث والفعلية؛ بل فصلوا بينها مع اشتراكها في معنى الفعلية التي يذهب إليها المتكلّمون؛ لما بينها من الفصل في أحكام أخر؛ يختصّ بها بعضها دون بعض؛ فقالوا: الاسم ما دلّ على معنى لا يقترن بزمان، والفعل ما اقتضى معنى مقترنا بزمان غير مخصوص، والحرف ما خلا من هاتين العلامتين؛ فكأنهم قصدوا إلى ما هو فعل حادث على حدّ المتكلمين؛ فصنّفوه ونوّعوه، وسمّوا بعضه اسما، وبعضه فعلا، وبعضه حرفا؛ لاختلاف الأحكام التي عقلوها؛ فلا لوم في ذلك عليهم؛ ولا مناظرة فيه معهم، وبالمناظرة الصحيحة تزول الشّبهات، وتنحسم التّبعات.

والّذي يجب تحصيله، والتعويل عليه أنّ الفعل الحادث في أوّل أحوال وجوده يسمّى فعل الحال؛ فإن تقضّى وعدم صار ماضيا، والفعل المستقبل هو المنتظر المتوقّع الّذي هو الآن معدوم. فإن فرضنا أنّ الفعل الحادث - الّذي فرضنا أنّه متى تقضّى وعدم صار ماضيا - بقي ولم يتقضّ؛ إما على مذهب من يقطع على بقاء الأعراض، أو على مذهب من يتوقّف عن القطع فيها على بقاء أو فناء؛ فالواجب أن يكون استمراره(١) لا يخرجه من استحقاق الوصف بأنه فعل الحال؛ لأنّ من هو عليه لم يتغير الحال التي وجبت له عنه؛ ولا خرج عنها.

ألا ترى أنّا لو فرضنا أنه تقضّى وعدم، وخلفه مثل له لكان ذلك الخالف له يستحقّ الوصف بأنه للحال؛ وكذلك ما قام مقامه؛ وأوجب مثل ما يوجبه، لأنه لا فرق في التّسمية للجلوس بأنه فعل حال؛ بين أن يكون المفتتح بالحدوث من أجزاء الجلوس بقي واستمرّ؛ وبين أن يكون تجدّد أمثاله؛ والأول باق أو معدوم بعد أن تكون الحالة المخصوصة ما تغيّرت ولا تبدّلت؛ ولا فرق أيضا بين أن يكون ذلك الفعل يوجب حالا مخصوصة كالألوان، أو حكما مخصوصا كالاعتمادات وما أشبهها؛ في أن الّذي أتت فيه ولم تخرج عنه هو المنعوت بأنه فعل الحال، وما خرجت عنه فهو الماضي.

____________________

(١) حاشية ط: (قوله: استمراره، أي الحادث).

٢٩٤

فإن قيل: كيف قولكم فيما مضى وتقضّى من الأفعال ووصفتموه بأنه ماض لتقضّيه وعدمه؛ أيجوز أن يكون مستقبلا على وجه من الوجوه، أو لا يكون من الأفعال مستقبلا إلاّ ما لم يدخل في الوجود قطّ؟

قلنا: أمّا ما عدم وتقضّى من الأعراض المقطوع على أنها غير باقية في نفوسها، كالإرادات(١) والأصوات وما أشبه ذلك؛ فلا شبهة في أنّ الماضي منه لا يصحّ أن يكون مستقبلا من فعل قديم أو محدث.

فأما(٢) ما يبقى من أجناس الأعراض عند من قطع على بقائها، أو شكّ في حالها بين جواز البقاء عليها ونفيه فنحن لا نقدر على إعادته؛ والقديم تعالى قادر على إعادته إلى الوجود؛ فهذا الضّرب من فعله تعالى لا يمتنع تسميته بأنه مستقبل، لأنه متوقّع منتظر.

فأما الجواهر المعدومة فلا شبهة في أنّها ماضية من حيث عدمت، ومستقبلة من حيث كان وجودها مستأنفا متوقّعا؛ لأنّ الله تعالى لا بدّ من أن يعيد المكلّفين للثواب أو العقاب، والمكلّف إنما هو مؤلّف من الجواهر.

فإن قيل: هذا يقتضي أن يجتمع في الشيء الواحد أن يكون ماضيا مستقبلا؛ وهذا كالمتناقض.

قلنا: لا تناقض في ذلك؛ لأن الجوهر الماضي يستحق الوصف بأنه ماض إذا عدم، وكذلك العرض الماضي من أفعال الله تعالى إذا عدم؛ وإن جاز من حيث صحّ وجود ذلك مستأنفا أن يوصف بأنه مستقبل، لأن معنى المستقبل هو المعدوم الّذي يصح وجوده، فلا تنافي بين الأمرين.

ولو ثبت بينهما عرف في أنّهما لا يجتمعان - وذلك ليس بثابت - لجاز أن يجعل حدّ المستقبل هو المعدوم الّذي يصحّ وجوده مستقبلا؛ من غير أن يكون الوجود حصل(٣) له في حالة من الأحوال؛ فلا يلزم على ذلك أن يجتمع الوصفان في فعل واحد.

____________________

(١) ط: (كالإدراكات).

(٢) ط: (وأما).

(٣) ط. (مستحصل له).

٢٩٥

وقد كنّا قديما أملينا مسألة في تحقيق الفرق بين الفعل الحال والماضي والمستقبل؛ وهذا التلخيص الّذي ذكرناه هاهنا أشرح وأسبغ منها، وتكلمنا هناك على ما كان أبو عليّ الفارسي اعتمده وعوّل عليه؛ من قوله تعالى:( لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ ) [مريم: ٦٤]، وقول الشاعر:

وأعلم ما في اليوم والأمس قبله

ولكنّني عن علم ما في غد عم(١)

ومن طريقة أخرى في اعتبار تأثير الحروف في الأحوال المختلفة، واستوفينا الكلام على هذه الشبهة؛ فلا طائل في إعادة ذلك هاهنا؛ والجمع بين المسألتين يغني عنه، وما التوفيق إلا بالله تعالى.

____________________

(١) البيت لزهير بن ابي سلمى، ديوانه: ٢٩.

٢٩٦

مسألة

قال رضي الله عنه: لا معنى لقوله تعالى:( وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ ) ؛ [يونس: ٦١] على ما قاله النحويون: إنه للتأكيد؛ لما بيّنا أن التأكيد إذا لم يفد غير ما يفيده المؤكّد لم يصحّ، وقد علمنا بقوله تعالى: مِنْ قُرْآنٍ أنّه من جملة القرآن، فأي معنى لقوله مِنْهُ وتكراره!

قال رضي الله عنه: والصحيح أن معنى مِنْهُ أي من أجل الشّأن والقصة، مِنْ قُرْآنٍ؛ فيحمل على الشأن والقصّة ليفيد معنى آخر.

وقال أيضا في قوله تعالى:( قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ) ؛ [يونس: ٥٨]؛ قال: لا يجوز أن يحمل قوله:( فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ) على ما تقدم من فضل الله ورحمته؛ ولا معنى له على ما يقوله النحويون إنّه للتأكيد؛ كما لا معنى لقول قائل:

زيد وعمرو لهما؛ يريد زيدا وعمرا؛ فالصحيح أن نقول في هذا: إن معناه: قل بفضل الله ومعونة الله ورحمته؛ لأنّ معونة الله وفضل الله ورحمته تؤثر في القول، ويقول: بفضل الله ومعونته يفرح، فيردّ قوله: بِفَضْلِ الله إلى القول، أي قل: بفضله ومعونته هذا القول؛ فإنّ بهذا القول ومعونته ورحمته يفرحون؛ فيكون قوله: فَبِذلِكَ راجعا إلى الفرح بالفضل والرحمة؛ حتى يكون قد أفاد كلّ واحد من اللفظين فائدة.

٢٩٧

مسألة

رسمت الحضرة العالية الوزيرية؛ أدام الله سلطانها، وأعلى أبدا شأنها ومكانها أن أذكر ما عندي في إدخال لفظة (كان) في كونه تعالى عالما في مواضع كثيرة من القرآن.

وقالت حرس الله عزّها: لفظة (كان) إذا كانت للماضي؛ فكيف دخلت على ما هو ثابت في الحال ومستمرّ دائم! وما الوجه في حسن ذلك؟

والجواب المزيل للشّبهة أنّ الكلام قد تدخله الحقيقة والمجاز؛ ويحذف بعضه وإن كان مرادا، ويختصر حتى يفسّر؛ ولو بسط لكان طويلا. وفي هذه الوجوه التي ذكرناها تظهر فصاحته، وتقوى بلاغته؛ وكلّ كلام خلا من مجاز وحذف واختصار واقتصار بعد عن الفصاحة، وخرج عن قانون البلاغة. والأدلّة لا يجوز فيها مجاز، ولا ما يخالف الحقيقة؛ وهي القاضية على الكلام، والتي يجب بناؤه عليها؛ والفروع أبدا تبنى على الأصول.

فإذا ورد عن الله تعالى كلام ظاهره يخالف ما دلّت عليه أدلّة العقول وجب صرفه عن ظاهره - إن كان له ظاهر - وحمله على ما يوافق الأدلة العقلية ويطابقها؛ ولهذا رجعنا في ظواهر كثيرة من كتاب الله تعالى اقتضى ظاهرها الإجبار أو التشبيه، أو ما لا يجوز عليه تعالى.

ولو سلّمنا تبرّعا وتطوّعا أن دخول (كان) على العلم أو القدرة يقتضي ظاهرها الماضي دون المستقبل لحملنا ذلك على أنّ المراد به الأحوال كلّها؛ لأنّ الأدلة العقلية تقضي على ما يطلق من الكلام، ولا يقضي الكلام على الأدلة.

غير أنّا نبيّن أنّ دخول (كان) على العلم أو القدرة لا يقتضي ظاهرها الاختصاص بالماضي دون المستقبل؛ فإنّ لأهل العربية في ذلك مذهبا معروفا مشهورا؛ لأن أحدهم يقول: كنت العالم؛ وما كنت إلا عالما، وعليما خبيرا؛ وما كنت إلا الشجاع، وإلا الجواد؛ ويريدون بذلك كلّه الإخبار عن الأحوال كلّها؛ ماضيها وحاضرها ومستقبلها؛ ولا يفهم من كلامهم سوى

٢٩٨

ذلك؛ وإذا كانت هذه عبارة عما ذكرناه فصيحة بليغة - والقرآن نزل بأفصح اللغات وأبلغها وأبرعها - وجب حمل لفظة (كان) إذا دخلت في كونه تعالى عالما وقادرا على ما ذكرنا.

ومما يستشهد به على ذلك قول زياد الأعجم يرثي المغيرة بن المهلّب بن أبي صفرة:

مات المغيرة بعد طول تعرّض

للقتل بين أسنّة وصفائح(١)

ألاّ ليالي فوقه بزّاته

يغشي الأسنة فوق نهد قارح!(٢)

فإذا مررت بقبره فاعقر به

كوم المطي وكلّ طرف سابح(٣)

وانضح جوانب قبره بدمائها

فلقد يكون أخا دم وذبائح

فقال في ميت قد مضى لسبيله: (فلقد يكون)، وإنما أراد: (فلقد كان)، فعبّر بيكون عن (كان) ؛ كذلك جاز أن يراد بلفظة (كان) الأحوال المستقبلة.

ووجه آخر وهو أنه تعالى لما أراد أن يخبر عن كونه عالما في الأحوال كلّها لم يجز أن يقول:

هو عالم في الحال أو في المستقبل؛ لأن ذلك لا ينبئ عن كونه عالما فيما مضى؛ فعدل عن ذلك إلى إدخال لفظة: (كان) الدالة على الأزمان الماضية كلها، ومن كان عالما فيما لم يزل من الأحوال فلا بدّ من كونه عالما لنفسه وذاته؛ لأن الصفات الواجبة فيما لم يزل لا تكون إلاّ نفسية، والصفات النفسية يجب ثبوتها في الأحوال كلّها: الماضية والحاضرة والمستقبلة؛ فصار دخول (كان) في العلم أو القدرة مطابقا للغرض، وموجبا لثبوت هذه الصفة في جميع هذه الأحوال، وليس كذلك لو علّق العلم بالحال أو المستقبل؛ وهذا وجه جليل الموقع.

ووجه آجر وهو أنا إذا سلّمنا أن لفظة (كان) تختص الماضي ولا تتعدّاه لم يكن في

____________________

(١) من قصيدة عدتها ٥٧ بيتا؛ وهي في أمالي اليزيدي ١ - ٧، وأمالي القالي ٣: ٨ - ١١؛ وأبيات منها في معجم الأدباء ١١: ١٧٠ - ١٧١، والشعراء ٣٩٧.

(٢) البزات: جمع بزة؛ وهي السلاح؛ والنهد من الخيل: الجسيم المشرف. والقارع: الفرس إذا استتم الخامسة ودخل في السادسة.

(٣) الكوم: جمع كوماء؛ وهي الناقة العظيمة السنام. والطرف: الكريم من الخيل والسابح:

الفرس الّذي يسبح بيديه في سيره.

٢٩٩

إدخالها في العلم إلا أنه تعالى عالم فيما مضى من الأحوال؛ وهو كذلك لا محالة؛ اللهم إلا أن يدّعي أن تعليقها بالماضي يقتضي نفي كونه تعالى عالما في المستقبل؛ وليس الأمر على ذلك؛ لأن هذا قول بدليل الخطاب؛ وهو غير صحيح على ما بيّنا في مواضع من كتبنا؛ لأن تعليق الحكم بصفة أو اسم لا يدل على انتفائه مع انتفاء تلك الصفة أو الاسم، وبيّنا أن قوله عليه السلام: (في سائمة(١) الإبل الزكاة) لا يدل على أن العاملة(٢) والمعلوفة(٣) لا زكاة فيهما.

وقد يقول القائل: كان زيد عندي بالأمس، وإن كان عنده في الحال؛ وضربت من غلماني فلانا، وإن كان قد ضرب سواه، فكأنه تعالى - إذا سلّمنا هذا الأصل الّذي قد بينا أنه غير صحيح - أراد أن يثبت بهذا القول كونه تعالى عالما، فيما لم يزل؛ ووكلنا في أنه عز وجل عالم في جميع الأحوال إلى الأدلة العقلية الدالة على ذلك؛ وإلى إخباره تعالى عن كونه عالما في سائر الأوقات بقوله عز وجل:( وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) [الأنعام: ١٠١]؛ وما شاكل ذلك من الألفاظ الدالة على الحال والاستقبال

____________________

(١) السائمة من الإبل: الراعية؛ يقال: سامت تسوم سوما، وأسمتها أنا.

(٢) العاملة: التي تعمل في الحرث والدياسة.

(٣) العلوفة والمعلوفة من الإبل: الناقة التي تعلف للسمن ولا ترسل للرعي.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347