نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٦

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار13%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 423

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 423 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 180100 / تحميل: 6671
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٦

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

تواتر حديث الغدير

١٠١

١٠٢

هذا، ولبلوغ طرق حديث الغدير حدّ التواتر القطعي، الذي قلّ أن يتحقّق مثله لحديثٍ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - لم يجد أكابر محققي أهل السنّة بدّاً من الاعتراف بتواتره، مصرّحين باعتقادهم الجازم بذلك وقطعهم بصدوره عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإليك ذلك بالتفصيل:

ذكر من نص على ذلك

١. الحافظ الذهبي

وتوجد ترجمته في كثير من المعاجم مثل: ( طبقات الأسنوي ١ / ٥٥٨ ) و ( فوات الوفيات ٢ / ٣٧٠ )، وقد عبّر عنه ابن الوزير الصنعاني في ( الروض الباسم ) بـ « شيخ الاسلام » ورثاه تلميذه الشيخ تاج الدين عبد الوهاب بقصيدةٍ بليغة مفصلة، وقال السبط ابن العجمي في مقدمة ( الكشف الحثيث ) الذي انتخبه من ( الميزان ) في وصفه: « حافظ جهبذ ومؤرخ الإسلام وشيخ جماعة من الشيوخ » كما عبّر عنه ( الدهلوي ) بـ « إمام أهل الحديث »(١) * فقد قال الحافظ ابن كثير ما نصّه:

___________________

(١). وتوجد ترجمته في: الوافي بالوفيات ٢ / ١٦٣، وطبقات القراء ٢ / ٧١، وطبقات الشافعية للسبكي ٥ / ٢١٦، والنجوم الزاهرة ١٠ / ١٨٢، وغيرها.

١٠٣

« فأما الحديث الذي رواه ضمرة، عن أبي شوذب، عن مطر الورّاق، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة، قال: لمّا أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيد علي قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فأنزل الله عزّ وجلّ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) (١) . قال أبو هريرة: وهو يوم غدير خم، من صام يوم ثماني عشر من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً.

فإنه حديث منكر جداً بل كذب، لمخالفته ما ثبت في الصحيحين عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: أن هذه الآية نزلت في يوم الجمعة يوم عرفة ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - واقف بها كما قدمنا. وكذا قوله: إن صيام يوم الثامن عشر من ذي الحجة وهو يوم غدير خم يعدل صيام ستين شهراً، لا يصح، لأنه قد ثبت ما معناه في الصحيح: أن شهر رمضان بعشر أشهر، فكيف يكون صيام يوم واحد يعادل ستين شهراً؟ هذا باطل.

وقد قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي - بعد إيراد هذا الحديث -: هذا حديث منكر جدّاً، ورواه خيشون الخلّال وأحمد بن عبد الله بن أحمد الدّيري - وهما صدوقان - عن علي بن سعيد الرّملي، عن ضمرة، قال: ويروى هذا الحديث من حديث عمر بن الخطاب ومالك بن الحويرث وأنس بن مالك وأبي سعيد وغيرهم بأسانيد واهية.

قال: وصدر الحديث متواتر أتيقّن أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - قاله وأما: اللهمَّ وال من والاه، فزيادة قوية الإِسناد. وأما هذا الصوم فليس بصحيح، وو الله نزلت الآية يوم عرفة قبل غدير خم بأيام، والله أعلم »(٢) .

٢. الحافظ ابن الجزري

« أخبرنا أبو حفص عمر بن الحسن المراغي فيما شافهني به، عن أبي الفتح

___________________

(١). سورة المائدة: ٣.

(٢). التاريخ لابن كثير ٥ / ٢١٣ - ٢١٤.

١٠٤

يوسف بن يعقوب الشيباني، أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي، أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا الامام أبو بكر ابن ثابت الحافظ، أخبرنا محمد بن عمر بن بكير أبو عمر الأخباري، حدثنا أبو جعفر أحمد بن محمد الضبعي، حدثنا الأشج، حدثنا العلاء بن سالم، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: سمعت علياً - رضي‌الله‌عنه - بالرحبة ينشد الناس: من سمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه؟ فقام اثنا عشر بدريا فشهدوا أنّهم سمعوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - يقول ذلك.

هذا حديث حسن من هذا الوجه، صحيح عن وجوه كثيرة، متواتر عن أمير المؤمنين علي -رضي‌الله‌عنه - وهو متواتر أيضاً عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

رواه الجم الغفير عن الجم الغفير، ولا عبرة بمن حاول تضعيفه ممّن لا اطلاع له في هذا العلم.

فقد ورد مرفوعاً عن: أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقّاص، وعبد الرحمن بن عوف والعباس بن عبد المطلب، وزيد بن أرقم، والبراء بن عازب، وبريدة بن الحصيب، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن عباس، وحبشي بن جنادة، وعبد الله بن مسعود، وعمران بن حصين، وعبد الله ابن عمر، وعمار بن ياسر، وأبي ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، وسعد بن زرارة، وخزيمة بن ثابت، وأبي أيّوب الأنصاري، وسهل بن حنيف، وحذيفة بن اليمان، وسمرة بن جندب، وزيد بن ثابت، وأنس بن مالك وغيرهم من الصحابة، رضوان الله عليهم.

وصحّ عن جماعة ممن يحصل القطع بخبرهم. وثبت أيضاً أن هذا القول كان منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - يوم غدير خم »(١) .

___________________

(١). أسنى المطالب في مناقب علي بن أبي طالب: ٣ - ٤.

١٠٥

ترجمة ابن الجزري

وقد ترجم الحافظ السيوطي لابن الجزري بقوله: « ابن الجزري الحافظ المقري شيخ الاقراء في زمانه شمس الدين أبو الخير محمد بن محمد الدمشقي الشافعي، ولد سنة أحدى وخمسين وسبعمائة وسمع من أصحاب الفخر ابن البخاري وبرع في القراءات، ودخل الروم فاتصل بملكها [ أبي ] يزيد بن عثمان، فأكرمه وانتفع به أهل الروم، فلمّا دخل تيمور لنك إلى الروم وقتل ملكها، اتصل ابن الجزري بتيمور ودخل [ معه ] بلاد العجم، وولّي قضاء شيراز وانتفع به أهلها في القراءات والحديث، وكان إماماً في القراءات لا نظير له في عصره في الدنيا، حافظاً للحديث، وغيره أتقن منه، ولم يكن له في الفقه معرفة.

ألف: النشر في القراءات العشر، لم يصنف مثله، وله أشياء أخر وتخاريج في الحديث وعمل [ وقد ] وصفه ابن حجر بالحفظ في مواضع عديدة من الدرر الكامنة، مات سنة ٨٣٣ »(١) .

وفي ( مفتاح كنز دراية المجموع ) بعد رواية كتاب عقود اللآلي في الأحاديث المسلسلة والعوالي عن مؤلفه ابن الجزري ما نصه:

« إعلام - قال العلامة أبو القاسم عمر بن فهد في معجم شيوخ والده الحافظ تقي الدين ابن فهد: هو الامام العلامة أستاذ القراء أبو الخير قاضي القضاة شمس الدين كان والده تاجراً وبقي مدة من العمر لم يرزق ولداً، فلما حج شرب ماء زمزم وسأل الله أن يرزقه ولداً عالماً، فولد له شيخنا هذا بعد صلاة التراويح، من ليلة السبت الخامس والعشرين من رمضان سنة إحدى وخمسين وسبعمائة بدمشق، ونشأ بها وتفقه بها على العماد ابن كثير، ولع بطلب الحديث والقراءات فسمع من ابن الرميلة الصلاح ابن أبي عمرو وابن كثير في

___________________

(١). طبقات الحفاظ ٥٤٣ - ٥٤٤.

١٠٦

آخرين وله المؤلفات العديدة الجامعة المفيدة، من عيونها: النشر في القراءات العشر وأسنى المطالب في مناقب علي بن أبي طالب ».

وممن ترجم له هو ( الدهلوي ) نفسه، فقد ترجم له وأثنى عليه في ( بستان المحدثين ) الذي انتحله من ( مفتاح كنز الدراية )، فعبارته عين العبارات المتقدمة، فلا حاجة الى تكرارها(١) .

إعتماد العلماء عليه

ومما يدل على جلالة الحافظ ابن الجزري ووثاقته: إعتماد كبار علمائهم على كتبه، ونقلهم لأقواله وآرائه مذعنين بها، فمن ذلك: نقل السيوطي في كتابه ( حسن المقصد بعمل المولد ) عن « التعريف بالمولد الشريف » لابن الجزري، معبّراً عنه بـ « إمام القراء الحافظ ». وأيضاً: نقله في ( ميزان المعدلة في شأن البسملة ) عن كتاب ( النشر ) لابن الجزري معبّرا عنه بـ « أستاذ القراء الامام ».

كما قال السيوطي في كتاب ( الإتقان في علوم القرآن ) في تقسيم القراءات: « وأحسن من تكلم في هذا النوع: إمام القرّاء في زمانه، شيخ شيوخنا، أبو الخير ابن الجزري » ثم قال: بعد كلام له -: « قلت: أتقن الامام ابن الجزري هذا الفصل جداً »(٢) .

بل إنّ جماعة من كبار علمائهم، كابن حجر المكي والبرزنجي والسهارنفوري وغيرهم اعتمدوا على روايته لحديث الغدير وهم بصدد ردّه معبرين عنه بـ « الحافظ ».

كما تمسك ( الدهلوي ) في رد حديث « أنا مدينة العلم » بحكم ابن الجزري

___________________

(١). وتوجد ترجمة ابن الجزري في الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل ٢ / ١٠٩ والبدر الطالع ٢ / ٢٥٧ والضوء اللامع ٩ / ٢٥٥ وطبقات الداودي ٢ / ٥٩ وشذرات الذهب ٧ / ٤٠٢ وطبقات القراء ٢ / ٢٤٧.

(٢). الاتقان في علوم القرآن ١ / ٧٧.

١٠٧

بوضعه - حسب زعم الدهلوي -.

روايتهم لكتبه

ولقد اعتنى علماؤهم بمؤلفات الحافظ ابن الجزري فرووها بأسانيدهم، ويتجلى ذلك بمراجعة رسالة ( أصول الحديث ) و ( كفاية المتطلع ) و ( حصر الشارد ) وغيرها وقد عبروا عنه في أسانيدهم وطرقهم بـ « الحافظ ».

وقال الكاتب الجلبي - حيث ذكر الحصن الحصين لابن الجزري -: « وهو من الكتب الجامعة للأدعية والأوراد والأذكار الواردة في الأحاديث والآثار، ذكر فيه أنه أخرجه من الأحاديث الصحيحة، وأبرزه عدة عند كل شدّة. ولما أكمل ترتيبه طلبه عدوّه وهو تيمور، فهرب منه مختفياً تحصن بهذا الحصن، فرأى سيد المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - جالساً على يمينه وكأنّه - عليه الصلاة والسلام - يقول له: ما تريد؟ فقال: يا رسول الله! أدع لي وللمسلمين، فرفع يديه ثم مسح بهما وجهه الكريم، وكان ذلك ليلة الخميس فهرب العدو ليلة الأحد، وفرّج الله سبحانه وتعالى عنه وعن المسلمين، ببركة ما في هذا الكتاب »(١) .

٣. الحافظ السيوطي

* الذي بالغ الشعراني في ( لواقح الانوار ) في تعظيمه، ووصفه المناوي بـ « الحافظ الكبير والامام الشهير » والعزيزي بـ « الإِمام العلامة مجتهد عصره وشيخ الحديث » والشامي صاحب السيرة بـ « شيخنا حافظ الاسلام بقية المجتهدين الأعلام »، وهو ممن يفتخر شاه ولي الله باتصال أسانيده إليه، وبذلك يتباهى ( الدهلوي ) أيضاً ويثني عليه في رسالة ( أصول الحديث ) * فإنّه قال ما هذا لفظه:

« حديث « من كنت مولاه فعلي مولاه » أخرجه الترمذي عن زيد بن أرقم،

___________________

(١). كشف الظنون ١ / ٦٦٩.

١٠٨

وأحمد عن علي وأبي أيوب الأنصاري، والبزّار عن أبي هريرة وطلحة وعمارة وابن عباس وبريدة، والطبراني عن ابن عمر ومالك بن الحويرث وحبشي بن جنادة وحوشب وسعد بن أبي وقّاص وأبي سعيد الخدري وأنس، وأبو نعيم عن خديج الأنصاري.

وأخرجه ابن عساكر عن عمر بن عبد العزيز، قال: حدثني عدة أنهم سمعوا رسول الله يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه.

واخرج ابن عقدة في « كتاب الموالاة » عن ابن حبيش، قال: قال علي: من هاهنا من أصحاب محمد؟ فقام اثنا عشر رجلاً منهم قيس بن ثابت وحبيب بن بديل بن ورقاء، فشهدوا أنهم سمعوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - يقول: من كنت مولاه فعليّ مولاه.

وأخرجه أيضاً عن يعلى بن مرة قال: لما قدم علي الكوفة، نشد الناس: من سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه؟ فانتدب بضعة عشر رجلاً، منهم يزيد أو زيد بن شرحبيل الأنصاري »(١) .

أقول: واقتصار الحافظ السيوطي في كتابه هذا، على الاحاديث المتواترة والتزامه بعدم إيراد غيرها فيه، ظاهر من اسمه، ولا بأس بنقل خطبة الكتاب لمزيد الوضوح: « وبعد، فإنّي جمعت كتاباً سميته ( الفوائد المتكاثرة في الأخبار المتواترة )، أوردنا فيه ما رواه من الصحابة عشرة فصاعداً مستوعباً طرق كل حديث وألفاظه، فجاء كتاباً حافلاً لم أسبق إلى مثله، إلّا أنه لكثرة ما فيه من الأسانيد إنما يرغب فيه من له عناية بعلم الحديث، واهتمام عال، وقليل ما هم. فرأيت تجريد مقاصده في هذه الكراسة ليعم نفعه، بأن أذكر الحديث وعدة من الصحابة مقرونا بالعزو إلى من خرّجه من الأئمة المشهورين، وفي ذلك مقنع للمستفيدين، وسميته: الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة ».

___________________

(١). الأزهار المتناثرة: ١.

١٠٩

أقول: فالحافظ السيوطي قد حكم بتواتر هذا الحديث وأدرجه في اثنين من مؤلفاته أعدهما لهذا الموضوع، وهما: ( الفوائد المتكاثرة في الأخبار المتواترة ) و ( الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة )، وسيأتي حكمه بذلك في كتاب ثالث له وهو: ( قطف الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة ).

ذكر كتب السيوطي في الأحاديث المتواترة

هذا، ولا ريب في ثبوت هذه الكتب للحافظ السيوطي، وهي من مؤلفاته المشهورة، وقد أورد الكتابين المذكورين في كشف الظنون، حيث قال: « الفوائد المتكاثرة في الأخبار المتواترة للسيوطي، وهو كتاب أورد فيه ما رواه من الصحابة عشرة فصاعداً مستوعباً فيه، فجاء كتاباً حافلاً، ثمّ جرّد مقاصده وسماه: الأزهار المتناثرة »(١) .

وقال: « الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة، رسالة للسيوطي المذكور، جرّدها من كتابه المسمّى بالفوائد المتكاثرة »(٢) .

كما ذكره السيوطي الكتاب الثاني في قائمة مؤلفاته، وقد علمت تصريحه في خطبته بأنه مختصر من الفوائد المتكاثرة.

وأما كتابه الثالث، فقد ذكره العلامة المتقي، وسيأتي نص كلامه قريباً.

نقل حكمه بتواتر الحديث

وقد نقل حكم الحافظ السيوطي بتواتر حديث الغدير بعض العلماء مرتضين له، منهم:

العلامة المناوي * وستأتي ترجمته * حيث قال بشرح الحديث: « قال:

___________________

(١). كشف الظنون ٢ / ١٣٠١.

(٢). المصدر نفسه ١ / ٧٣.

١١٠

حديث متواتر »(١) .

والعلامة العزيزي، حيث قال بشرحه كذلك: « قال المؤلف: حديث متواتر »(٢) .

٤. الشيخ علي المتقي

* توجد ترجمته في ( أخبار الأخيار ) لعبد الحق الدهلوي، وقد جاء فيه: « قال الشيخ أبو الحسن البكري: للسيوطي منّة على العالمين وللمتقي منّة عليه ».

وفي ( سبحة المرجان في تراجم علماء هندوستان ) بترجمته: « وكان الشيخ ابن حجر المكي أستاذ المتقي، وقد صار أخيراً تلميذه ». وتوجد ترجمته أيضاً في: ( النور السافر في أخبار القرن العاشر / ٣١٥ ) و ( لواقح الأنوار في طبقات الأخيار، للشعراني ) و ( شذرات الذهب ٨ / ٣٧٩ ) وغيرها * إذ أورد حديث الغدير مع حديث المنزلة في كتاب ( مختصر قطف الأزهار )، وقد قال في خطبة هذا الكتاب:

« هذه أحاديث متواترة نحو اثنين وثمانين حديثاً التي جمعها العلامة السيوطي - رحمة الله تعالى عليه - وسمّاها ( قطف الأزهار المتناثرة ) وذكر فيها رواتها من الصحابة عشرة فصاعداً، لكني حذفت الرواة وذكرت متن الأحاديث ليسهل حفظها ».

٥. الميرزا مخدوم

* صاحب كتاب النواقض على الروافض، وهو حفيد الشريف الجرجاني وقد ذكره البرزنجي في نواقض الروافض واصفاً إيّاه بـ « السيد العلامة القاضي بالحرمين المحترمين معين الدين أشرف، الشهير بميرزا مخدوم الحسيني الحسني حفيد السيد السند المحقق العلامة نور الدين علي الجرجاني شارح المواقف وغيرها

___________________

(١). التيسير في شرح الجامع الصغير ٢ / ٤٤٢.

(٢). السراج المنير في شرح الجامع الصغير ٣ / ٣٦٠.

١١١

- صاحب المؤلفات العديدة والتحقيقات المفيدة » وذكر كتابه ( النواقض ) في ( كشف الظنون ) واعتمد عليه: رشيد الدين الدهلوي، وحيدر علي الفيض آبادي، والسهارنبوري، في ردودهم على الامامية * فانه قال في كتابه المذكور الذي تفوح منه رائحة التعصب الشديد. ما نصه:

« ومن هفواتهم القول بوجوب عصمة الأنبياء والأئمة، بمعنى أنه يجب على الله تعالى حفظهم من جميع الصغائر والكبائر وخلاف المروءة عمداً وسهواً وخطاً، من المهد إلى اللحد، مع أنّ القرآن وكتب الأحاديث والتواريخ مشحونة بخلاف ذلك

أفلا تنظرون إلى هذه الجماعة التي تأوّل أمثال هذه النصوص الجلية بما لا يقبله عقل عاقل، بل لا يحسّنه طبع جاهل؟! ومع ذلك يشنّعون علينا تجويزنا عدم دلالة حديث الغدير على نفي خلافة أبي بكر وثبوت خلافة علي بلا فصل، بل يقولون: إنه نص جلي منكره كافر، فإنْ تسألني عن حديث الغدير المتواتر أذكر لك الملخص الذي ذكره مفيدهم »(١) .

ألا تراه بينما يطعن في الاعتقاد بعصمة الأنبياء والأئمةعليهم‌السلام يعترف بتواتر حديث الغدير ولقد أجاد صاحب ( مصائب النواصب في الرد على النواقض على الروافض ) حيث قال في جوابه: « وأما رابعاً: فلأن قوله: فإنْ تسألني عن حديث الغدير أذكر لك متضمن الاعتراف بنقيض ما هو بصدده من تضييع الحق وترويج المحال، حيث أجرى الله تعالى على لسان قلمه ما هو الحق، فوصف حديث الغدير بالتواتر من غير أن يكون سياق كلامه مقتضياً لذكر هذا الوصف بوجه من الوجوه »(٢) .

___________________

(١). النواقض على الروافض - مخطوط.

(٢). مصائب النواصب للسيد التستري.

١١٢

٦. جمال الدين المحدث

* وهو من مشايخ إجازة ( الدهلوي ) ووالده. وفي ( المرقاة في شرح المشكاة ): إن « المحدث » من المشايخ الكبار. ولقد اعتمد المؤرخون والمحدثون على سيرته ( روضة الأحباب ) معتبرين إيّاه من التواريخ المعتبرة * فإنّه قال: « الحديث الثالث عشر من جعفر بن محمد، عن آبائه الكرامعليهم‌السلام أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - لما كان بغدير خم، نادى الناس فاجتمعوا، فأخذ بيد علي وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار. وفي رواية: اللهمَّ أعنه وأعن به وارحمه وارحم به وانصره وانصر به.

فشاع ذلك وطار في البلاد، فبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري، فأتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - على ناقة له، فنزل بالأبطح عن ناقته وأناخها، فقال: يا محمد! أمرتنا أن نشهد أن لا إله إلّا الله، وأنك رسول الله فقبلناه منك، وأمرتنا أن نصلّي خمساً فقبلناه منك، وأمرتنا بالزكاة فقبلناه منك وأمرتنا أن نصوم فقبلناه منك، ثم أمرتنا بالحج فقبلناه منك، ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك تفضله علينا وقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه، فهذا شيء منك أم من الله عز وجلّ؟ فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : والذي لا إله إلّا الله إنّ هذا من الله.

فولّى الحارث بن النعمان وهو يريد راحلته وهو يقول: اللهم إنْ كان ما يقوله محمد حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فما وصل الى راحلته حتى رماه الله عز وجلّ بحجر، فسقط على هامته وخرج من دبره فقتله، وأنزل الله عز وجلّ:( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ ) .

أقول: أصل هذا الحديث سوى قصة الحارث، تواتر عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وهو متواتر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أيضاً رواه جمع كثير وجم

١١٣

غفير من الصحابة »(١) .

٧. الملّا علي القاري

* توجد ترجمته في ( خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر ٣ / ١٨٥ ) وغيره، وقد اثنوا عليه واعتمدوا على تصانيفه لا سيّما ( المرقاة في شرح المشكاة ) * قال بشرح قول صاحب المشكاة: « وعن زيد بن أرقم: أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، رواه أحمد والترمذي ». قال: « وفي الجامع: رواه أحمد وابن ماجة عن البراء، وأحمد بن بريدة، والترمذي والنسائي والضياء عن زيد بن أرقم، ففي إسناد المصنف الحديث عن زيد بن أرقم إلى أحمد والترمذي مسامحة لا تخفى.

وفي رواية لأحمد والنسائي والحاكم عن بريدة، بلفظ: من كنت وليّه فعلي وليّه.

وروى المحاملي في أماليه عن ابن عباس ولفظه: علي بن أبي طالب مولى من كنت مولاه.

والحاصل: إنّ هذا حديث صحيح لا مرية فيه، بل بعض الحفّاظ عدّه متواتراً، إذْ في رواية لأحمد: أنه سمعه من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - ثلاثون صحابياً، وشهدوا به لعلي لما نوزع أيام خلافته. وسيأتي زيادة تحقيق في الفصل الثالث عند حديث البراء »(٢) .

٨. ضياء الدين المقبلي

* المترجم له في ( البدر الطالع ١ / ٢٨٨ ) و ( التاج المكلّل: ٣٧٦ ) وغيرهما، ووصفه الشيخ محمد بن إسماعيل الأمير في ذيل الأبحاث المسددة بقوله: فإنّ

___________________

(١). الأربعين - مخطوط.

(٢). المرقاة في شرح المشكاة ٥ / ٥٦٨.

١١٤

الأبحاث المسددة في الفنون المتعددة، تأليف العلامة التقي صالح بن مهدي - رحم الله مثواه وبلّ بوابل رحمته ثراه - قد رزقت القبول، وهي به حقيقة، وكاد أن لا يخلو عنها بيت عالم، لما اشتملت عليه من فوائد أنيقة، إلّا أنّها تدقُّ عبارته عن الايضاح وتكثر إشارته إلى مسائل طال فيها اللجاج والكفاح، فرأيت إيضاح معانيها وشرح المشار إليه في غصون مبانيها، بذيل سميته ( ذيل الابحاث المسدّدة وحل مسائلها المعقّدة ) كما عدّه السندي في ( حصر الشارد ) والشوكاني في ( اتحاف الاكابر ) من الكتب المعتبرة، وذكرا طريقهما إلى مؤلفه في رواية الكتاب * فإنّه قال في ذكر الأحاديث النبوية الواردة في فضل أهل البيت عليهم الصلاة والسلام: « ومن شواهد ذلك ما ورد في حق علي - كرم الله وجهه في الجنة - وهو على حدته متواتر معنى، ومن أوضحه معنى وأشهره روايةحديث: من كنت مولاه فعلي مولاه، وفي بعض رواياته زيادة: اللهمَّ وال من والاه وعاد من عاداه. وفي بعض زيادة: وانصر من نصره واخذل من خذله.

وطرقه كثيرة جداً، ولذا ذهب بعضهم إلى أنه متواتر لفظاً فضلاً عن المعنى، وعزاه السيوطي في الجامع الكبير الى أحمد بن حنبل والحاكم وابن أبي شيبة والطبراني وابن ماجة والترمذي والنسائي وابن أبي عاصم والشيرازي وأبي نعيم وابن عقدة وابن حبان، بعضهم من رواية صحابي، وبعضهم من رواية اثنين، وبعضهم من رواية أكثر من ذلك.

وذلك من حديث: ابن عباس، وبريدة بن الحصيب، والبراء بن عازب، وجرير البجلي، وجندب الانصاري، وحبشي بن الجنادة، وأبي الطفيل، وزيد بن أرقم، وزيد بن ثابت، وحذيفة بن أسيد الغفاري، وأبي أيوب الأنصاري، وزيد ابن شراحيل الانصاري، وعلي بن أبي طالب، وابن عمر، وأبي هريرة، وطلحة، وأنس بن مالك، وعمرو بن مرة. وفي بعض روايات أحمد: عن علي وثلاثة عشر رجلاً، وفي رواية له وللضياء المقدسي، عن أبي أيوب وجمع من الصحابة. و في رواية لابن أبي شيبة وفيها: اللهمَّ وال من والاه الخ، عن أبي هريرة واثني

١١٥

عشر من الصحابة. وفي رواية أحمد والطبراني والمقدسي: عن علي وزيد ابن أرقم وثلاثين رجلاً من الصحابة.

نعم، فإنْ كان مثل هذا معلوماً وإلّا فما في الدنيا معلوم »(١) .

٩. محمد بن إسماعيل الأمير

* وهو من شيوخ القاضي الشوكاني كما في ( اتحاف الأكابر ) وقد ترجم له وأثنى عليه في ( البدر الطالع ٢ / ١٣٣ ) * قال: « وحديث الغدير متواتر عند أكثر أئمة الحديث، قال الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ في ترجمة من كنت مولاه: ألّف محمد بن جرير فيه كتاباً - قال الذهبي: - وقفت عليه فاندهشت لكثرة طرقه. إنتهى.

وقال الذهبي في ترجمة الحاكم أبي عبد الله بن البيّع: فأما حديث من كنت مولاه فعلي مولاه فله طرق جيّدة أفردتها بمصنّف.

قلت: عدّه الشيخ المجتهد نزيل حرم الله ضياء الدين صالح بن مهدي المقبلي في الأحاديث المتواترة التي جمعها في أبحاث عن لفظ: من كنت مولاه فعلي مولاه، وهو من أئمة العلم والتقوى والانصاف.

ومع إنصاف الأئمة بتواتره فلا نميل بإيراد طرقه بل نتبرك ببعض منها »(٢) .

١٠. محمد صدر العالم

* وهو من أكابر علماء الهند ترجم له وأثنى عليه اللكنهوي في ( نزهة الخواطر ٦ / ١١٣ ) * قال: « ثم اعلم أن حديث الموالاة متواتر عند السيوطي -رحمه‌الله - كما ذكره في قطف الأزهار، فأردت أن أسوق طرقه ليتضح التواترْ، فأقول:

___________________

(١). الأبحاث المسددة في الفنون المتعددة: ١٢٢ في ذكر الأحاديث النبوية.

(٢). الروضة الندية - شرح التحفة العلوية: ٦٧.

١١٦

أخرج أحمد والحاكم عن ابن عباس، وابن أبي شيبة وأحمد عنه عن بريدة، وأحمد وابن ماجة عن البراء، والطبراني عن جرير، وأبو نعيم عن جندب الأنصاري، وابن قانع عن حبشي بن جنادة، والترمذي - وقال: حسن غريب - والنسائي والطبراني والضياء المقدسي عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم، وحذيفة بن أسيد الغفاري، وابن أبي شيبة والطبراني، عن أبي أيوب، وابن أبي شيبة وابن أبي عاصم، والضياء، عن سعد بن أبي وقاص، والشيرازي في الألقاب عن عمر، والطبراني عن مالك بن الحويرث، وأبو نعيم في فضائل الصحابة. عن يحيى بن جعدة، عن زيد بن أرقم، وابن عقدة في كتاب الموالاة عن حبيب بن بديل بن ورقاء، وقيس بن ثابت وزيد بن شراحيل الأنصاري، وأحمد عن علي وثلاثة عشر رجلاً، وابن أبي شيبة عن جابر، قالوا:

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه. إلى آخر ما أفادوا وأجادوا »(١) .

١١. باني بتي

* وهو القاضي ثناء الله باني بتي، من كبار علماء الهند ترجم له البغدادي في ( ايضاح المكنون ١ / ٣١٠ ) وغيره وتوفي سنة ١٢١٦. * قال ما هذا تعريبه: « الأول - ما رواه بريدة بن حصيب وجماعة غيره من الصحابة: أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - قال في غدير خم - وهو موضع بين مكة والمدينة -: يا أيها الناس إنّ الله مولاي وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا مولاه، اللهمَّ وال من والاه وعاد من عاداه - يعني عليّاً -.

وهذا حديث صحيح بل متواتر، رواه ثلاثون صحابياً. منهم: علي بن أبي طالب وأبو أيوب وزيد بن أرقم والبراء بن عازب وعمرو بن مرة وابو هريرة وابن

___________________

(١). معارج العلى في مناقب المرتضى - مخطوط.

١١٧

عباس وعمارة بن بريدة وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وأنس وجرير بن عبد الله البجلي ومالك بن الحويرث وأبو سعيد الخدري وطلحة وأبو الطفيل وحذيفة بن أسيد وغيرهم.

وذكره جمهور المحدثين في الصحاح والسنن والمسانيد.

وجاء في بعض الروايات: من كنت أولى الناس به من نفسه فعلي وليّه، أللهمَّ وال من والاه وعاد من عاداه.

وتمسّك به الروافض على أنه نص جلي على استخلاف علي ويزعمون أن « مولى » بمعنى « الأولى بالتصرف » فهو الإِمام، ويزيدون على ألفاظ هذا الحديث المتواتر: « وهو الخليفة من بعدي وهو وليكم بعدي » وهي زيادة موضوعة »(١) .

١٢. محمد مبين اللكهنوي

* وهو من أكابر علماء أهل السنة في بلاد الهند ترجم له في ( نزهة الخواطر ٧ / ٤٠٣ ) وأرّخ وفاته بسنة ١٢٢٥ * قال بعد ذكر بعض طرقه في فضائل الإِمامعليه‌السلام : « وأكثر الأحاديث المذكورة في هذا الباب من المتواترات، كحديث « أنت مني بمنزلة هارون من موسى » و حديث « أنا من علي وعلي مني، اللهمَّ وال من والاه وعاد من عاداه » و حديث « لاعطينّ الراية رجلاً يحب الله ورسوله » وغيرها »(٢) .

___________________

(١). السيف المسلول: ١٠٨.

(٢). وسيلة النجاة في فضائل السادات: ١٠٤.

١١٨

خلاصة البحث

وخلاصة هذا البحث الطويل هو: أن حديث الغدير حديث متواتر ثابت لدى كبار علماء أهل السنة من حفاظهم ومفسريهم وعلمائهم في الكلام والأصول متواتر عند أعاظم أساطينهم وأعيان علمائهم الفطاحل، من المتقدمين والمتأخرين.

وقد ظهر ذلك جلياً بتصريح جماعة منهم

ولنذكر هنا كلاماً للشّريف المرتضى -رحمه‌الله - نختم به هذا الفصل من البحث، قال:

« أما الدلالة على صحة الخبر فيما يطالب بها إلّا متعنّت، لظهوره وانتشاره وحصول العلم لكلّ من سمع الاخبار به، وما المطالب بتصحيح خبر الغدير والدلالة عليه، إلّا كالمطالب بتصحيح غزوات النبي الظاهرة المنشورة وأحواله المعروفة وحجّة الوداع نفسها، لأن ظهور الجميع وعموم العلم به بمنزلة واحدة.

وبعد، فان الشيعة قاطبة تنقله وتتواتر به، وأكثر رواة أصحاب الحديث ترويه بالأسانيد المتصلة وأصحاب السير ينقلونه عن أسلافهم خلفاً عن سلف، نقلاً بغير إسناد مخصوص، كما نقلوا الوقائع والحوادث الظاهرة.

وقد أورده مصنفوا الحديث في جملة الصحيح، وقد استبد هذا الخبر بما لا

١١٩

يشركه فيه سائر الاخبار، لأن الأخبار على ضربين: أحدهما: لا يعتبر في نقله الأسانيد المتصلة كالخبر عن وقعة بدر وخيبر والجمل وصفين وما جرى مجرى ذلك من الامور الظاهرة، التي يعلمها الناس قرناً بعد قرن بغير إسناد وطريق مخصوص، والضرب الآخر: يعتبر فيه إتصال الأسانيد، كأخبار الشريعة.

وقد اجتمع في خبر الغدير الطريقان مع تفريقهما في غيره من الأخبار، على أن ما اعتبر في نقله في أخبار الشريعة إتصال الاسانيد لو فتشت عن جميعه لم تجد رواته إلّا آحاداً، وخبر الغدير قد رواه بالأسانيد الكثيرة المتصلة الجمع الكثير فمزيّته ظاهرة »(١) .

___________________

(١). الشافي في الامامة: ١٣٢ ط القديم.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

( موسى ـ السعودية ـ )

تعقيب على الجواب السابق :

أشكركم على هذا الردّ الوافي ، وأتمنّى لكم دوام الصحّة والعافية ، وأن ينفع الله بعلمكم الأُمّة الإسلامية.

( عبد الله ـ ـ )

اعتراضاته :

س : تحية طيّبة وبعد ، أنا من الذين يتعرّضون لبعض المواجهات مع بعض الأشخاص من العامّة والوهّابية ، وحيث إنّه يوجّهون بعض الإشكالات على مذهب الحقّ ، ورغبتنا منّا في الحصول على الردّ المناسب وعدم الرد المتسرّع ، أوجّه لكم هذه الرسالة من أحد أهل السنّة ، والتي سوف أكون شاكراً لكم ، لو حصلت على الردّ المناسب على هذه الرسالة.

أمّا أنّ عمر ابن الخطّاب اعترض على أمر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في حياته ، فاعلم أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله له أمران : أمر في شؤون الدين والتشريع ، فلا يسع أحداً أن يشاور فيها ، ولا يقدّم بين يدي الله ورسوله ، وأمر في شؤون الحياة ، وهو الذي تطبّق فيه الشورى.

في غزوة بدر نزل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بالصحابة في مكان ، وأشار الحباب بن المنذر بمكان أخر فاختير مكان الحباب.

في غزوة أُحد كان رأي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله المكوث في المدينة ، وكان رأي شباب الصحابة الخروج ، وكان الخروج

هنا يقول : أنّه لم يصدر أيّ حديث بذمّ عمر بن الخطّاب من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا أيّ قول أثر عن علي بن أبي طالب يذمّ فيه عمراً ، إذا كان لديك قول ممّا سبق فإلينا به.

ثالثاً : إذا حكمت بعدم عدالة عمر ، فهذا يعني أنّه ليس بكفؤ للزواج من بنت علي بن أبي طالب ، فلماذا زوجّه إذن؟ إن قلت : بسبب التهديد ، فهذا قول

٤٠١

مردود ، لأنّه لا اعتقد أنّ الفارس يرضخ لتهديد عمر ، الذي ذكرتم في جبنه الأقاويل.

وإن قلت : بسبب التهديد ، فكيف يحلّ لمعصوم أن يتنازل عن أمر فاضل إلى مفضول تحت التهديد ، وهو المعصوم من الله عصمتين ، عصمة من الخطأ في أمر الدين ، وعصمة من أن يقتله أحد من البشر ، قال تعالى :( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ) (١) ، وقال تعالى :( وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (٢) .

فإن أسقطت هاتين العصمتين على الإمام علي بن أبي طالب ، فهذا يتنافى تماماً مع رضوخه للتهديد ، وإن لم تسقطها عليه ، فهذا يناقض عقيدة العصمة عندكم ، وإن قلت بالأُولى دون الثانية ، فهذا يعني أنّ كلام الإمام هو وحي من الله ، فهل أنت تقول بهذا القول؟ وإن قلت بالثانية دون الأُولى ، فالإمام علي مات شهيداً مقتولاً.

إن قلت : إنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله زوّج ابنته بأحد المشركين قبل الهجرة ، فأقول لك : إنّ ذلك قبل اكتمال شرائع الدين ، ولكن بعد اكتمال شرائع الدين لا يحلّ ذلك ، وإن قلت : إنّ الإمام زوّج عمر عن رضى منه ، فهذا يعني كفاءة وعدالة عمر ، وهو عكس ما أنت عليه الآن.

وإن قلت بالقول الشائع ، إنّه هناك ملابسات خاصّة ، فعليك بذكر تلك الملابسات.

وإن قلت : إنّ الإمام زوّجها خطأً ، فذلك ينافي العصمة ، وهل صحيح أنّه هناك من اجتهد مقابل قول الرسول في حياته ، ولم يصدر من الرسول أيّ شيء حيال هذا الاجتهاد؟

انتظر الردّ بفارغ الصبر ، وأرجو أن يكون سريعاً.

ج : يمكنكم أن تبعثوا بهذه الرسالة إلى من ذكر لكم هذه الإشكالات لتكون جواباً على استفساراته :

____________

١ ـ النجم : ٣.

٢ ـ المائدة : ٦٧.

٤٠٢

أودّ في البداية أن الفت انتباهكم إلى أنّ المشكلة تكمن في أنّكم في مقام الاستشهاد والاستدلال تحاولون التمسّك بالأخبار والتاريخ الوارد في كتبكم ، وتجعلون ذلك حجّة علينا ، أمّا حينما تصل النوبة إلينا فلا حقَّ لنا أن نستشهد بما ورد في كتبنا ، فلماذا باؤكم تجرُّ دون بائنا؟ وهل هذا من العدل والإنصاف؟!

وعلى أيّ حال ما أشرتم إليه أوّلاً من انقسام الأمر إلى قسمين فهذا وجيه ، ولكن ماذا نفعل إذا كانت المخالفة في شؤون الدين ، فتعال واقرأ :

١ ـ عن ابن عباس : لما حضر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطّاب ، قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «هلمَّ اكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده » ، قال عمر : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قد غلب عليه الوجع ، وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله.

فاختلف أهل البيت فاختصموا ، فمنهم من يقول : قربّوا يكتب لكم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كتاباً لن تضلّوا بعده ، ومنهم من يقول ما قال عمر ، فلمّا اكثروا اللغو والاختلاف عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال رسول الله : «قوموا »(١) .

وينقل البخاري نفسه أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «آتوني بكتاب اكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً » ، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبيّ تنازع ، فقالوا : هجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) .

إنّه ما أعظمه من اعتراض! وهل يوجد اعتراض أكبر من هذا يوجّه إلى النبيّ؟ ويقابل به بهذا الشكل من الوقاحة؟ إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله يطلب أن يكتب لهم كتاباً لن يضلّوا بعده أبداً ، وهل يوجد كتاب أعظم من هذا الكتاب الذي لا يضلّ بعده المسلمون؟ ويأتي الاعتراض والردّ على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّه غلبه الوجع أو هجر ، وهل تعلم ما معنى ذلك؟ أي أنّه يتكلّم بلا شعور ولا إدراك ، في الوقت الذي

____________

١ ـ صحيح البخاري ٧ / ٩ و ٨ / ١٦١ ، صحيح مسلم ٥ / ٧٦ ، المصنّف للصنعاني ٥ / ٤٣٨ ، مسند أحمد ١ / ٣٢٤.

٢ ـ صحيح البخاري ٤ / ٣١.

٤٠٣

يقول عنه تعالى :( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ) (١) ، ماذا يتصوّر من جريمة أعظم من هذه الجريمة؟

واقبح من هذا أن يأتي المرقّع فيقول : إنّ المقصود الاستفهام ، أي أهَجَر ، وهل الاستفهام أقلّ قبحاً من نسبة الهجر إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من دون الاستفهام.

٢ ـ عن أبي وائل قال : « قام سهل بن حنيف يوم صفّين فقال : أيّها الناس اتهموا أنفسكم ، لقد كنّا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الحديبية ، ولو نرى قتالاً لقاتلنا ، وذلك في الصلح الذي كان بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبين المشركين ، فجاء عمر بن الخطّاب ، فأتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله ألسنا على حقّ وهم على باطل؟

قال : « بلى » ، قال : أليس قتلانا في الجنّة وقتلاهم في النار؟ قال : « بلى » ، قال : ففيم نعطي الدنية في ديننا ونرجع ، ولمّا يحكم الله بيننا وبينهم؟ فقال : «يا بن الخطّاب إنّي رسول الله ، ولن يضيعني الله أبداً ».

قال : فانطلق عمر فلم يصبر متغيّظاً ، فأتى أبا بكر ، فقال : يا أبا بكر ألسنا على حقّ وهم على باطل؟ قال : بلى ، قال : أليس قتلانا في الجنّة وقتلاهم في النار؟ قال : بلى ، قال : فعلامَ نعطي الدنية في ديننا ونرجع ، ولمّا يحكم الله بيننا وبينهم؟

فقال : يا بن الخطّاب إنّه رسول الله ، ولن يضيعه الله أبداً ، قال : فنزل القرآن على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالفتح ، فأرسل إلى عمر فأقرأه إيّاه ، فقال : يا رسول الله أو فتح هو؟ قال : «نعم » فطابت نفسه ورجع »(٢) .

ولا ندري ما هو الاعتراض إذا لم تكن مواجهة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بهذه الشدّة اعتراضاً.

____________

١ ـ النجم : ٣ ـ ٤.

٢ ـ صحيح مسلم ٥ / ١٧٥ ، صحيح البخاري ٤ / ٧٠ و ٦ / ٤٥ ، مسند أحمد ٣ / ٤٨٦.

٤٠٤

وقد يقول قائل : هل في المشورة بأس؟ وهل من القبيح أن يدلي بعض الصحابة برأيه في موضوع معيّن؟ ولماذا لا نحمل هذين الخبرين على ذلك؟

والجواب واضح ، فإنّ التشاور يعني إبداء الرأي من دون رفض ومعارضة بخلاف الاعتراض ، فإنّه يعني الرفض والإنكار دون مجرد إبداء الرأي ، وواضح أنّه في هذين الحديثين نجد الرفض والإنكار بأعلى درجاته ، إنّه إلى حدِّ نسبة الهجر إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإلى حدٍّ لا يكتفي عمر بجواب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى يذهب إلى أبي بكر ، وينزل القرآن بعد ذلك ، وتطيب آنذاك نفس الخليفة ، إنّه إلى حدٍّ يتغيّض على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وأمّا ما أشرتم إليه من أنّه هل هناك ذمّ من الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام ؟ فجوابه : إنّ الشخص الذي تصدر منه مثل هذه المواجهة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ الذي هو أعظم شخصية إسلامية ـ ويسكت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله خوفاً على الإسلام من أن يصاب بثلمة بسبب الاختلاف ، فكيف بالإمام عليعليه‌السلام ؟

هل تتوقّعون منه الاعتراض والذمّ؟ وقد صدر أكبر ذمّ منهعليه‌السلام للخليفة الثاني ، وذلك بعد موت الخليفة في الخطبة الشقشقية المعروفة ، التي من أجلها أنكرتم وأنكر أصحابكم نسبة نهج البلاغة إلى الإمام عليعليه‌السلام ، ولكن ليس وراء الحقّ إلاّ الضلال.

وأمّا ما أشرتم إليه من أنّه إذا حكمت بعدم عدالة عمر فكيف زوجّه الإمامعليه‌السلام بابنته ، بعد عدم كونه كفؤاً ، فهو مضحك حقّاً ، حيث ليس لكم اطلاع على أنّ المسلم كفؤ المسلمة ، وليس العادل كفؤ العادلة ، إنّ التكافؤ لابدّ أن يكون بالإسلام وليس بالعدالة ، وبهذا تبطل جميع المقدّمات والشقوق المنطقية أو العقلية ، التي سوّدتم صحيفتكم بها.

نسأله تبارك وتعالى الهداية والتوفيق.

٤٠٥
٤٠٦

العولمة والحداثة :

( خليفة الرحمن ـ السعودية ـ )

موقف الإسلام منهما :

س : ما مفهوم كُلّ من المصطلحين التاليين : الحداثة؟ العولمة؟ وما موقف الإسلام منهما؟ وما دور الشباب المسلم تجاه ما يعنيانه؟ وفّقكم الله وسدّد خطاكم.

ج : تارة نتكلّم عن الحداثة في مفهومها اللغوي ، وتارة في مفهومها العلماني.

فالحداثة بمفهومها اللغوي هي بمعنى الأكثر جدّة ، فهذا الجديد أو الأجد إذا كان ينسجم مع أحكام الإسلام وقوانينه ولا يعارضه ، فموقف الإسلام منه موقف إيجابي لا سلبي ، فالإسلام لا يحارب الجدّة والحداثة ، نعم هو يحارب كُلّ ما يتعارض مع أحكامه وقوانينه.

وأمّا الحداثة بمفهومها العلماني هي عبارة عن الابتداع في كُلّ شيء من شؤون الحياة ، حتّى لو أدّى إلى ضرب الدين عرض الجدار ، وهذا ممّا لاشكّ فيه يتنافى مع روح الإسلام ، فالإسلام مع الحداثة التي تنسجم مع قوانينه الخالدة ، وضدّ الحداثة التي هي الدعوة إلى ضدّها ، ولكن بأسلوب جديد وحديث.

٤٠٧

وأمّا بالنسبة إلى العلمانية فهي بمفهومها الوضعي عبارة عن الرجوع إلى نتائج البحث العلمي البشري البحت بعيداً عن الدين ، فالعلمانية بهذا المفهوم تتنافى مع الدين.

ولاشكّ أنّ الدين قائم على أساس العلم ، والعلم قائم على الأسس العقلية المتينة ، والقواعد المنطقية الصحيحة ، ولا يوجد في الدين ما يتنافى مع ضرورات العقل ، والمقرّرات العقلية للعلم ، أمّا المقرّرات غير القطعية فبما أنّها عُرضة للتغيير فلا يمكن أن نربط الدين بها ، فيصبح الدين متغيّراً ، فليس من الصحيح أن نقول : أنّ الدين تبع للعلم.

إذاً ، العلمانية لا تعتقد بالثوابت الدينية ، وإنّما تعتمد على نتائج الفكر البشري المحدود.

وبتعبير آخر أوضح : إنّ العلمانية أُريد لها أن تكون شيئاً مضادّاً للدين ، يعني هناك أطروحتان لإدارة الحياة : أطروحة إلهية ، وأطروحة وضعية بشرية بعيدة عن قوانين الدين ، ولهذا حينما تقارن التشريعات يقال : هذا تشريع ديني إلهي ، وهذا تشريع وضعي بشري.

فالأطروحة العلمانية هي الأطروحة الوضعية التي تتقيّد بنتائج الفكر البشري ، بعيدة عن الدين عقائداً وأخلاقاً وأحكاماً ، وبهذا تتنافى مع الدين.

وليس المقصود من العلمانية في الاصطلاح معناها اللغوي المشتقّ من العلم ، لأنّ العلم في حدود القواعد المنطقية والأُسس العقلية السليمة يقرّ بالدين ، ولا يتنافى مع الدين في الحدود المسموح بها.

أمّا هناك أُمور غير مسموح بها لأنّها فوق طاقة العقل البشري ، ولهذا تجد المختبرات العلمية تكتشف اليوم أمراً ثمّ تنسفه غداً ، أمّا في الدين لا يوجد شيء من هذا القبيل إنّما حلال محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله حلال إلى يوم القيامة ، وحرامه حرام إلى يوم القيامة.

٤٠٨

فالتغيّر إنّما يكون في الموضوعات أو في المصاديق ، أمّا في أصل الأحكام فإنّها ثابتة لا تقبل التبديل والتعديل.

( ـ ـ )

المجتمع الحديث :

س : ما هو المقصود من المجتمع الحديث؟ وشكراً.

ج : المجتمع الحديث هو الذي يستخدم أفراده وحكومته أكثر المنجزات العلمية والتكنولوجية تطوّراً في إنجاز أعمالهم ونيل أهدافهم ، أي أنّهم في المجتمع الحديث ، إذا أرادوا إرسال نداء أو رسالة لا يرسلون قاصداً بل يستخدمون أفضل وسائل الاتصال في أسرع وقت ، وفي منتهى الدقّة ، كما أنّ الحكومة تمتلك أفضل المعلومات ، وتستخدم أرقى العلوم تطوّراً لتحليل قضاياها ، كما أنّها مسلّحة بآخر المنجزات الصناعية.

٤٠٩
٤١٠

الغدير :

( حميد ـ عمان ـ )

دلالة حديث الغدير على إمامة عليعليه‌السلام :

س : ما هو حديث الغدير؟ وكيف يدلّ على إمامة علي عليه‌السلام ؟

ج : حديث الغدير هو : قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حجّة الوداع بغدير خم ، حينما قام في الناس خطيباً ـ من خطبة طويلة ـ : « يا أيّها الناس إنّ الله مولاي ، وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم ، فمن كنت مولاه ، فهذا مولاه ـ يعني علياً ـ اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ».

وقد روى هذا الحديث كثير من الصحابة ، وأورده جمع كبير من علماء الفريقين في كتبهم ، وأرسلوه إرسال المسلّمات(١) .

ودلالة الحديث على خلافة وولاية عليعليه‌السلام واضحة ، فلا يمكن حمل الولاية على معنى المحبّ والصديق وغيرهما ، لمنافاته للمطلوب بالقرائن الحالية والمقالية.

أمّا المقالية : فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذكر ولاية علي بعد ولاية الله وولايته ، ثمّ جاء بقرينة واضحة على أنّ مراده من الولاية ليس هو الصديق والمحبّ وما

____________

١ ـ مسند أحمد ١ / ١١٨ و ١٥٢ و ٤ / ٢٨١ و ٣٧٠ و ٥ / ٣٤٧ و ٣٧٠ ، الجامع الكبير ٥ / ٢٩٧ ، سنن ابن ماجة ١ / ٤٥ ، المستدرك ٣ / ١٠٩ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٧ / ٤٩٥ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٠٤ ، المعجم الكبير ٤ / ١٧ و ٥ / ١٧٠ و ٥ / ١٩٢ و ٥ / ٢٠٤ ، شواهد التنزيل ٢ / ٣٨١ ، التاريخ الكبير ١ / ٣٧٥ ، الكامل في ضعفاء الرجال ٣ / ٢٥٦ ، ٦ / ٨٢ و ٣٥٠ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٢١٣ و ٢١٧ و ٢٣٠ ، تهذيب الكمال ٢٠ / ٤٨٤ ، تهذيب التهذيب ٧ / ٢٩٦ ، الجوهرة : ٦٧ ، البداية والنهاية ٥ / ٢٣١ ، السيرة النبوية لابن كثير ٤ / ٤٢١ ، ينابيع المودّة ٢ / ٢٤٩ و ٢٨٣ و ٣٩١.

٤١١

شاكل ، وذلك بقوله : « وأنا أولى بهم من أنفسهم » ، فهي قرينة تفيد أنّ معنى ولاية الرسول ، وولاية الله تعالى ، هو الولاية على النفس ، فما ثبت للرسول يثبت لعليعليه‌السلام ، وذلك لقوله : «من كنت مولاه فهذا مولاه ».

وأمّا الحالية : فإنّ أيّ إنسان عاقل إذا نعيت إليه نفسه وقرب أجله تراه يوصي بأهم الأُمور عنده ، وأعزّها عليه.

وهذا ما صنعه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حينما حج حجّة الوداع ، حيث جمع المسلمين وكانوا أكثر من مائة ألف في يوم الظهيرة في غدير خم ، ويخطبهم تلك الخطبة الطويلة ، بعد أن أمر بإرجاع من سبق ، وانتظار من تأخّر عن العير ، وبعد أمره لتبليغ الشاهد الغائب.

كُلّ هذا فعله الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ليقول للناس : إنّ علياً محبّ لكم صديق لكم ، فهل يليق بحكيم ذلك؟ وهل كان خافياً على أحد من المسلمين حبّ عليعليه‌السلام للإسلام والمسلمين؟ وهو الذي عرفه الإسلام بإخلاصه وشجاعته ، وعلمه وإيمانه.

أم أن ذلك يشكّل قرينة قطعية على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله جمعهم لينصب بعده خليفة بأمر الله تعالى :( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (١) .

نسأله تعالى أن يعرّفنا الحقّ حقّاً ويوفّقنا لاتباعه.

( عبد السلام ـ هولندا ـ سنّي )

عيد من الأعياد الإسلامية :

س : هل للمسلمين عيدين فقط ، كما يوجد في بعض الأحاديث أم لا؟ وهل هناك أحاديث بأنّ صيامه سنّة مؤكّدة؟ اذكروها إن أمكن ، ولكم جزيل الشكر.

ج : اتفق المسلمون على وجود عيدين في الإسلام ، عيد الأضحى ، وعيد الفطر ، وتترتّب عليه بعض الأحكام الفقهية ، مثل حرمة الصيام فيهما.

____________

١ ـ المائدة : ٦٧.

٤١٢

أمّا مسألة صومه ، فهناك أحاديث كثيرة في فضله ، رويت من طرق الشيعة وأهل السنّة على السواء.

وإليك بعض ما روي في كتب السنّة : عن أبي هريرة قال : من صام يوم ثمان عشرة من ذي الحجّة ، كتب الله له صيام ستين شهراً ، وهو يوم غدير خم ، لما أخذ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بيد علي بن أبي طالب فقال : « ألست ولي المؤمنين» ؟

قالوا : بلى يا رسول الله ، فقال : « من كنت مولاه فعلي مولاه ».

فقال عمر بن الخطّاب : بخ بخ لك يا بن أبي طالب ، أصبحت مولاي ومولى كُلّ مسلم ، فأنزل الله تعالى :( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ ) (١) .

وعليه فعيد الغدير من الأعياد الإسلامية الكبرى ، لأنّه المتمّم لمفاهيم عيدي الفطر والأضحى ، إذ بعيد الفطر يتميّز الصائمون من غيرهم ، وبعيد الأضحى يتميّز الحجّاج ، ومن يعظّمون الحجّ عن غيرهم ، وبعيد الغدير يتميّز من يقدّس هذين العيدين بأبعادهما الإسلامية كاملة.

( أحمد جعفر ـ البحرين ـ ١٩ سنة ـ طالب جامعة )

نزول آيتي البلاغ والإكمال في علي :

س : أودّ أن أسأل حضراتكم عن الآيتين :( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) ، و( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ) ؟

فالأُولى رقمها ( ٦٧ ) في سورة المائدة ، والثانية رقمها ثلاث في نفس السورة ، وكما نسمع في الروايات أنّ آية البلاغ نزلت قبل آية الإكمال ، لكن في القرآن نجدها بعد آية الإكمال ، كيف ذلك؟

ثمّ هل إنّ الروايات القائلة بنزول الآيتين في شأن الإمام عليعليه‌السلام متواترة؟

ج : إنّ القرآن الكريم رتّبت آياته من قبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بأمر الوحي عن الله تعالى ، ولا علاقة لذلك بترتيب السابق واللاحق في النزول ، وهذا ما يسمّى

____________

١ ـ المائدة : ٣ ، شواهد التنزيل ١ / ٢٠٠ و ٢٠٣ ، تاريخ بغداد ٨ / ٢٨٤ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٢٣٣ ، البداية والنهاية ٧ / ٣٨٦ ، المناقب : ١٥٦.

٤١٣

بالنظم ـ أي نظم آيات السورة بحسب أغراض ومصالح معينة ، قد تظهر أسبابها عندنا ، وقد تخفى أسباب بعضها كذلك ـ.

واعلم إنّ آية( بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) إذا أخذنا فيها ترتيب الآيات ـ وهو ما نسمّيه بسياق الآيات ـ بنظر الاعتبار ، فإنّ الآيات التي قبلها والتي بعدها تتحدّث عن أهل الكتاب ، فالآية التي قبلها هي :( وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ ) ، والآية التي بعدها هي :( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ ) ، مع أنّ اليهود والنصارى في ذلك العهد النبوي لم يكن لهم شأنٌ وخطر ، فهم ليس بأهل قوّةٍ ولا شوكةٍ ، ولا سطوة حتّى يخشى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منهم ، إن هو بلّغ الإسلام ، فإنّ الإسلام عند نزول الآية قد أعزّه الله تعالى بقوّته ، وتمكّنت سطوته ، فلا معنى لخوف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من النصارى في تبليغ الإسلام ، وإذا كان الأمر كذلك ، فإنّ الآية تشير إلى تبليغ أعظم ، وأمر أخطر لم يألفه المسلمون ، وسيرتاب منه المنافقون ، ويتزعزع لعظم خطره أهل الجاه والدنيا ، وهذا الأمر هو تبليغ ولاية عليعليه‌السلام الذي لا يطيقه المنافقون ، والذين في قلوبهم مرض ، فإنّهم سيحاولون إلى التصدّي لجهودهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

لذا أخبره تعالى أنّه سيعصمك من خطر هؤلاء ومن مؤامراتهم ، مضافاً إلى أنّ الروايات من قبل الفريقين تؤكّد أنّ آية( بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ) نزلت في تبليغ ولاية عليعليه‌السلام (١) ، ممّا يعني أنّ ترتيب الآيات وسياقها لا علاقة له بمعنى الآية وسبب نزولها.

لذا فلا عليك أن ترى تقدّم آية( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) على آية( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) ، فإنّ روايات أهل السنّة والشيعة كُلّها متّفقة على نزولهما في تبليغ ولاية عليعليه‌السلام .

____________

١ ـ أُنظر : أسباب نزول القرآن : ١٣٥ ، شواهد التنزيل ١ / ٢٣٩ و ٢٤٩ و ٢٥٦ و ٣٥٣ و ٤٠٢ و ٢ / ٣٩١ و ٤٥١ ، الدرّ المنثور ٢ / ٢٩٨ ، فتح القدير ٢ / ٦٠ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٢٣٧ ، المناقب : ٧ ، ينابيع المودّة ١ / ٣٥٩ و ٢ / ٢٤٩ و ٢٨٥.

٤١٤

( أبو مهدي ـ ـ )

أحد الأدلّة على إمامة علي :

س : لقد ناقشت أحد إخواننا السنّة حول قضية الغدير ، والتي صرّح فيها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بالولاية لعليعليه‌السلام ، فأجابني : بأنّ الموقف كان بيان من الرسول ليوضّح منزلة عليعليه‌السلام منه وحبّه ، والسبب الوحيد هو ليزيل ما في قلوب بعض الصحابة عليه ، ولو أراد خلافته فلم لم يصرّح بوضوح ، كأن يقول : يا أيّها الناس إنّ علياً إمامكم من بعدي ، وقد فرض الله طاعته عليكم.

فالرجاء إعطائي جواباً شافياً مع الشكر الجزيل.

ج : قد صرّح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بإمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام من بعده في عدّة أحاديث ، من بداية الدعوة الإسلامية وإلى يوم الغدير ، ومن تلك الأحاديث :

١ ـ حديث الدار : عن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، أنّه لمّا نزلت هذه الآية على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) (١) : « دعاني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال لي : يا علي ، إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوه »(٢) ، فهل تجد أصرح من هذه العبارة؟

٢ ـ حديث الولاية : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام : « أنت وليّ كُلّ مؤمن بعدي »(٣) ، أو : « أنت وليّ كُلّ مؤمن بعدي ومؤمنة »(٤) ، أو : « أنت وليّي في كُلّ مؤمن بعدي »(٥) .

____________

١ ـ الشعراء : ٢١٣.

٢ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٢ / ٦٣ ، كنز العمّال ١٣ / ١١٤ ، شرح نهج البلاغة ١٣ / ٢١١ ، جواهر المطالب ١ / ٨٠ ، جامع البيان ١٩ / ١٤٩ ، شواهد التنزيل ١ / ٤٨٦ ، تفسير القرآن العظيم ٣ / ٣٦٤ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٤٩ ، السيرة النبوية لابن كثير ١ / ٤٥٩.

٣ ـ ذخائر العقبى : ٨٧ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٢٠ ، مسند أبي داود : ٣٦٠ ، خصائص أمير المؤمنين : ٦٤ ، المعجم الكبير ١٢ / ٧٨ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ١٩٩ ، الجوهرة : ٦٤ ، البداية والنهاية ٧ / ٣٨١ ، جواهر المطالب ١ / ٢١٢ ، ينابيع المودّة ٢ / ٨٦.

٤ ـ المستدرك ٣ / ١٣٤.

٥ ـ مسند أحمد ١ / ٣٣١ ، كتاب السنّة : ٥٥٢ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ١٠٢.

٤١٥

أليس هذا الحديث يدلّ على ثبوت الأولوية بالتصرّف لعليعليه‌السلام ؟ وهذه الأولوية مستلزمة للإمامة.

٣ ـ حديث الغدير : أخرج أحمد بن حنبل بسند صحيح وغيره عن زيد بن أرقم قال : نزلنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بواد يقال له : وادي خم ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « فمن كنت مولاه فإنّ علياً مولاه ، اللهم عاد من عاداه ، ووال من والاه »(١) .

فأثبت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في هذا الحديث لعليعليه‌السلام ما ثبت له من الأولوية بالناس من الناس ، أي من أنفسهم ، ثمّ إنّهم ـ أي الصحابة ـ جميعاً بايعوه على هذا ، وسلّموا عليه بإمرة المؤمنين ، وهنّؤوه ، ونظمت فيه الأشعار.

( هاشم ـ الكويت ـ ١٨ سنة ـ طالب جامعة )

المولى بمعنى الإمام لا المحب والنصير :

س : نشكركم على إتاحة الفرصة لنا بالاستفادة منكم ، أدام الله توفيقكم.

سؤالي هو : لماذا لا تكون عبارة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من كنت مولاه فهذا مولاه » دليلاً وقرينة على أنّ معنى « المولى » هو المحبّ والنصير؟

ج : إنّ هذه الشبهة هي محاولة منسوخة من قبل البعض لتأويل معنى « المولى » في حديث الغدير(٢) ، ولكنّها مردودة لوجوه :

منها : إنّ صدر الحديث لا يحتمل فيه هذا التوجيه ، إذ لا يعقل أن يأمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الناس بالاجتماع والإصغاء إلى مجرّد معنى المحبّة والنصرة.

وبعبارة أُخرى : لدينا قرينة حالية صريحة بأنّ ذاك الاهتمام البالغ لا يتصوّر أن ينصب فقط لبيان كون عليعليه‌السلام محبّاً وناصراً ، لمن كان النبيّ محبّاً وناصراً له ، أو بمعنى : من أحبّني وتولاّني فليحبّ علياً وليتولّه.

____________

١ ـ مسند أحمد ٤ / ٣٧٢ ، البداية والنهاية ٧ / ٣٨٥.

٢ ـ شرح تجريد العقائد : ٣٦٨.

٤١٦

ومجمل الكلام : إنّ القرينة المقامية والحالية توجب رفع اليد عن معنى المحبّ والناصر للمولى في صدر الحديث ، بل وصرفه إلى معنى الأولوية على الأنفس التي هي الإمامة.

وأمّا تتمّة الحديث ، فلابدّ من لحاظها مع صدر الحديث لا بالاستقلال ، فيكون الدعاء الوارد في ذيل الحديث متوجّهاً إلى من قبل إمامة عليعليه‌السلام .

( أبو حسين ـ الكويت ـ )

بلّغ الرسول فيه لا في نفس الحجّ :

س : عندي سؤال حفظكم الله :

بالنسبة لواقعة غدير خم ، ما هو المغزى لتأخّر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بإبلاغ الناس عن ولاية الإمام علي عليه‌السلام ؟ لماذا لم يخطب بالناس في الحجّ؟ مع أنّ الناس هناك كانوا أكثر؟ أفيدوني.

ج : إنّ الوحي الإلهي لا يخضع في أصل وجوده وكيفية نزوله للعقل البشري ، لأنّ دوره هو هداية الإنسان ، فلا يقع تحت شمول القواعد والتحليلات العقلية.

وفي المقام ، لا يسعنا التكهّن بمصلحة مكان وزمان واقعة الغدير ، بل وحتّى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان قد تعبّد فيهما ، فعندما نزل الوحي وقرأ جبرائيلعليه‌السلام آية التبليغ ، انصدع الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لأمر السماء ، وبلّغ ما أمر به ، ولم يتقدّم أو يتأخّر في تنفيذه.

فالمهم في الموضوع : أن نرى تواتر حديث وواقعة الغدير ، فإنّها ـ بحمد الله تعالى ـ مسجّلة في أُمّهات مصادر الفريقين ، ولم ولن يستطيع المناوئون إخفاء فضائل أهل البيتعليهم‌السلام أو تضييعها ، فأصل الحادث أمر مسلّم ، وأمّا حكمة إبدائه في ذلك المقطع من الزمان والمكان فيه شيء آخر ، قد يذكر له وجوه استحسانية ، فلا يهمّنا معرفتها بعد أن تيقّنا أصل الواقعة.

٤١٧

ثمّ إنّ مدلول حديث الغدير هو إمامة أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، وهذا المعنى جاء في حديث الثقلين ، ثمّ إنّ حديث الثقلين قد ورد في عدّة أمكنة ، منها : في حجّة الوداع عند زمزم(١) ، وفي عرفات(٢) ، وفي مسجد الخيف(٣) .

فترى أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قد بلّغ في أزمنة وأمكنة متعدّدة ـ قبل وبعد الغدير ـ ولاية الإمام عليعليه‌السلام ، وأمّا خصوصية الغدير فتكمن في نزول آية التبليغ والإكمال فيها ، وبيعة المسلمين الذين حضروا المشهد بأجمعهم مع أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وهذه المسألة فريدة في نوعها في تثبيت إمامة الإمام عليعليه‌السلام والتأكيد عليها.

( سعد ـ الكويت ـ )

تحقيق حول معنى المولى :

س : أهل السنّة يقولون : إنّ كلمة مولاه لا تعني أولى بالشيء ، ويقولون : تعني النصرة والمحبّة ، ويستندون بآية( فَإِنَّ الله هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ) (٤) فكيف نردّ على هذه الآية؟

ثمّ هل هناك فرق بين كلمة مولى وكلمة والي وكلمة أُولي؟ ولماذا لم يقل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في الغدير أُولي؟ وشكراً.

ج : إنّ الولاية التي نؤمن بها هي : الإمامة والإمارة ، والسلطة الدينية والدنيوية ، وقيادة الأُمّة بعد نبيّهاصلى‌الله‌عليه‌وآله على الصراط المستقيم ، والمحجّة البيضاء ، والحفاظ على الإسلام والمسلمين.

____________

١ ـ تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٠٩.

٢ ـ الجامع الكبير ٥ / ٣٢٨ ، المعجم الأوسط ٥ / ٨٩ ، المعجم الكبير ٣ / ٦٦ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ٦ ، نظم درر السمطين : ٢٣٢ ، ينابيع المودّة ١ / ١٠٩ و ١٢٥.

٣ ـ ينابيع المودّة ١ / ١٠٩.

٤ ـ التحريم : ٤.

٤١٨

وقد عبَّر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن هذه الولاية بعدّة ألفاظ منها : « ولي ومولى » ، وهذين اللفظين قد صحّحهما أهل السنّة أيضاً ، ووردت بألفاظٍ أُخرى عند الفريقين ، ولكن أهل السنّة ضعّفوها ، مثل لفظ : « خليفة وأمير و... ».

وأمّا النقاش في اللفظين الصحيحين عند الفريقين ، فهما بالاتفاق بمعنى واحد ، وهو الولاية ، قال الفرّاء : والوليُّ والمولى واحدٌ في كلام العرب.

قال أبو منصور : من هذا قولُ سيّدنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أيُّما امرأة نكحتْ بغير إذن مولاها » ، ورواه بعضهم : «بغير إذن وليِّها » لأنّهما بمعنى واحد.

وروى ابن سلام عن يونس قال : ومنه قول سيّدنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من كنت مولاه فعلي مولاه » أي : مَنْ كنت وليُّه.

قال الزجاج : والولاية التي بمنزلة الإمارة مكسورة والوليُّ : ولي اليتيم الذي يلي أمره ، ويقوم بكفايته ، وولي المرأة : الذي يلي عقد النكاح عليها ، ولا يدعها تستبد بعقد النكاح دونه.

وقال ابن منظور : وليّ : في أسماء الله تعالى : الوليُّ هو الناصر ، وقيل : المتولّي لأُمور العالم والخلائق القائم بها ، ومن أسمائه عزّ وجلّ : الوالي ، وهو مالك الأشياء جميعها المتصرّف فيها.

وقال ابن الأثير : وكأنّ الولاية تُشعر بالتدبير والقدرة والفعل ، وما لم يجتمع ذلك فيها لم يطلق عليه اسم الوالي(١) .

ومن هذا القول الأخير لابن الأثير تعلم الردّ على أهمّ إشكالاتهم حول الولاية ، بأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يجب عليه أن يقول « والي» ، وليس ولي أو مولى.

فاشتراط الفعل والقدرة على الولي كي يسمّى والياً ، غير متوفّر في الإمام عليعليه‌السلام في زمان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهوصلى‌الله‌عليه‌وآله على قيد الحياة ، فهوعليه‌السلام لم يعمل ، ولم يباشر بالولاية في زمان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أبداً ، وهذا ما أشار إليه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في بعض الروايات بقوله : «بعدي ».

____________

١ ـ لسان العرب ١٥ / ٤٠٦.

٤١٩

وفي البعض الآخر قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « تركت فيكم » ، وفي حديث الغدير قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يوشك أن يأتيني رسول ربّي عزّ وجلّ فأُجيب ، وإنّي مخلّف فيكم الثقلين »(١) .

وروي عن أبي هريرة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « ما من مؤمن إلاّ وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة اقرؤا إن شئتم : النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ »(٢) .

فهذا البيان كُلّه قد قرَّره أهل اللغة ، وهو المرجع الذي سوف نفهم الآيات الكريمة ، والأحاديث الشريفة على أساسه ، ونرى ما إذا دلّت على ذلك.

فبعد أن رأينا أنّ لفظة « ولي أو مولى » تأتي في اللغة بمعان عديدة ، منها ما ندّعيه هنا في هذا المقام ، وكذلك تدلّ على معانٍ عدّة أُخرى ، فيشترط أهل اللغة والعقل والعلم الشرعي : بأنّ اللفظ المشترك بين معانٍ متعدّدة ، يسمّى مشتركاً لفظياً ، ولا يجوز استخدامه في أيّ معنى من المعاني ، حتّى تنصب له القرينة الدالّة ، والمحددة للمعنى الذي يريده المتكلّم.

ولدينا على إثبات مدّعانا قرائن عديدة ، منها حالية ، ومنها مقالية ، نذكر أهمها :

١ ـ القرائن الحالية : وهي اختيار النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله غدير خم ـ ذلك المكان الذي يعتبر مفترق الطرق بين مكّة والمدينة ـ وبعد الحجّ ، بل بعد حجّة الوداع التي دعا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله المسلمين كافّة للتشرّف بحضورها ، حتّى حضر معه مائة ألف مسلم أو أكثر ، وهذا المكان منه يفترق المسلمون للرجوع إلى ديارهم ، وهو أقرب نقطة على كلّ أحد من الجهات المختلفة للبلاد الإسلامية.

فهو آخر مكان يمكن فيه اجتماع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بأكثر المسلمين في ذلك الوقت ، قبل الافتراق والرحيل إلى الرفيق الأعلى.

____________

١ ـ مسند أحمد ٤ / ٣٦٧ ، صحيح مسلم ٧ / ١٢٢ ، السنن الكبرى للبيهقي ٢ / ١٤٨ ، الجامع الصغير ١ / ٢٤٤ ، كنز العمّال ١ / ١٧٨ ، دفع شبه التشبيه : ١٠٣.

٢ ـ صحيح البخاري ٦ / ٢٢ ، السنن الكبرى للبيهقي ٦ / ٢٣٨ ، جامع البيان ٢١ / ١٤٧ ، تفسير القرآن العظيم ٣ / ٤٧٦ ، الدرّ المنثور ٥ / ١٨٢.

٤٢٠

421

422

423