نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٦

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار18%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 423

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 423 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 180039 / تحميل: 6669
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٦

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

ج : إنّ المعاني التي ذكرتها يطلق عليها أُمّ الكتاب على بعض الأقوال ، فالنذكر المعاني مع الأقوال :

١ ـ الإمام المبين ، ورد في تفسير الصافي ما نصّه : « في المجمع أنّ بني سلمة كانوا في ناحية من المدينة ، فشكوا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بُعد منازلهم من المسجد والصلاة معه ، فنزلت الآية( وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ) (١) ، قيل : يعني اللوح المحفوظ ، والقمّي يعني في كتاب مبين »(٢) .

فعلى هذا القول الذي نقله الفيض الكاشاني ، أنّ الإمام المبين هو اللوح المحفوظ ، وقد ذكر في معنى اللوح المحفوظ أنّه أُمّ الكتاب ، إذاً فالإمام المبين هو أُمّ الكتاب.

وورد في تفسير الميزان ما نصّه : « والمراد بكتابة ما قدّموا وآثارهم ، ثبتها في صحائف أعمالهم وضبطها فيها ، بواسطة كتبة الأعمال من الملائكة ، وهذه الكتابة غير كتابة الأعمال وإحصائها في الإمام المبين ، الذي هو اللوح المحفوظ »(٣) .

فيرى السيّد الطباطبائي : أنّ الإمام المبين هو اللوح المحفوظ ، والنتيجة كسابقه أي : أنّ الإمام المبين هو أُمّ الكتاب.

٢ ـ الكتاب المكنون ، قال العلاّمة الطباطبائي ما نصّه : « ثمّ إنّه تعالى قال :( إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ * لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) (٤) ، ولا شبهة في ظهور الآيات في أنّ المطّهرين من عباد الله هم يمسّون القرآن الكريم الذي في الكتاب المكنون ، والمحفوظ من التغيّر ، ومن التغيّر تصرف الأذهان بالورود عليه والصدور منه ، وليس هذا المس إلاّ نيل الفهم والعلم ، ومن المعلوم أيضاً أنّ الكتاب المكنون هذا هو أُمّ الكتاب المدلول عليه بقوله :( يَمْحُو اللهُ

__________________

١ ـ يس : ١٢.

٢ ـ تفسير الصافي ٤ / ٢٤٦.

٣ ـ الميزان في تفسير القرآن ١٧ / ٦٦.

٤ ـ الواقعة : ٧٧ ـ ٧٩.

٤١

مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) (١) ، وهو المذكور في قوله :( وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ) (٢) »(٣) .

فيرى السيّد الطباطبائي أنّ الكتاب المكنون هو أُمّ الكتاب.

٣ ـ اللوح المحفوظ ، ورد في تفسير مجمع البيان في تفسير هذه الآية ما نصّه : «( وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ ) من القرآن( تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ ) أي : لمعرفتهم بأنّ المتلوّ عليهم كلام الله ، وأنّه حقّ( يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا ) أي : صدّقنا بأنّه كلامك أنزلته على نبيّك( فَاكْتُبْنَا ) أي : فاجعلنا بمنزلة من قد كتب ودوّن.

وقيل : فاكتبنا في أُمّ الكتاب ، وهو اللوح المحفوظ( مَعَ الشَّاهِدِينَ ) أي : مع محمّد وأُمّته الذين يشهدون بالحقّ ، عن ابن عباس(٤) »(٥) .

فعلى هذا القول الذي نقله الشيخ الطبرسي ، أنّ أُمّ الكتاب هو اللوح المحفوظ.

٤ ـ الكتاب المبين ، ورد في تفسير نور الثقلين ما نصّه : « عن يعقوب بن جعفر ابن إبراهيم قال : كنت عند أبي الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام ، إذ أتاه رجل نصراني فقال : إنّي أسألك أصلحك الله ، فقال : « سل » ، فقال : أخبرني عن كتاب الله الذي أُنزل على محمّد ، ونطق به ، ثمّ وصفه بما وصفه ، فقال :( حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ) (٦) ، ما تفسيرها في الباطن؟

__________________

١ ـ الرعد : ٣٩.

٢ ـ الزخرف : ٤.

٣ ـ الميزان في تفسير القرآن ٣ / ٥٤.

٤ ـ المائدة : ٨٣.

٥ ـ مجمع البيان ٣ / ٤٠٢.

٦ ـ الزخرف : ١ ـ ٣.

٤٢

فقال : « أمّا حم فهو محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو في كتاب هود الذي أُنزل عليه ، وهو منقوص الحروف ، وأمّا الكتاب المبين فهو أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، وأمّا الليلة ففاطمةعليها‌السلام »(١) .

فالكتاب المبين هو أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، وعلي هو أُمّ الكتاب ، إذاً يمكن أن يقال : أنّ الكتاب المبين هو أُمّ الكتاب.

قال العلاّمة الطباطبائي : « ولا مانع من أن يرزق الله عبداً وحده ، وأخلص العبودية له العلم بما في الكتاب المبين ، وهوعليه‌السلام سيّد الموحّدين بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله »(٢) .

٥ ـ محكمات القرآن أو الآيات المحكمات ، أطلق عليها المولى عزّ وجلّ أنّها أُمّ الكتاب في قوله :( هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ) (٣) .

٦ ـ الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام والأئمّة من ولده ، ذكر ابن عباس عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنّه قال : « أنا والله الإمام المبين ، أُبيّن الحقّ من الباطل ، وورثته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله »(٤) .

فعليعليه‌السلام إمام مبين ، والإمام المبين هو أُمّ الكتاب ، إذاً يمكن أن يقال : أنّ علياًعليه‌السلام هو أُمّ الكتاب.

وفي أُصول الكافي : « عن عبد الرحمن بن كثير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله تعالى :( هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ ) قال : أمير المؤمنين والأئمّةعليهم‌السلام ،( وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ) قال : فلان وفلان ،( فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ ) أصحابهم وأهل ولايتهم ،( فَيَتَّبِعُونَ مَا

__________________

١ ـ تفسير نور الثقلين ٤ / ٦٢٣.

٢ ـ الميزان في تفسير القرآن ١٧ / ٧٠.

٣ ـ آل عمران : ٧.

٤ ـ تفسير القمّي ٢ / ٢١٢.

٤٣

تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) أمير المؤمنين والأئمّةعليهم‌السلام »(١) .

( أبو مهدي ـ السعودية ـ )

بحث في القراءات :

س : من فوائد إثبات عدم تحريف القرآن هي القدرة على استنباط الأحكام والمفاهيم من القرآن الكريم ، مع اليقين بأنّها صادرة عن الله تعالى ، وبالتالي نستطيع الاعتماد على القرآن الكريم في جميع أُمورنا الدينية.

لكنّ مع وجود قراءات مختلفة للقرآن الكريم ـ سبع قراءات ـ فذلك قد ينفي الفائدة المذكورة أعلاه ، أو يقلّل من شأنها ، بسبب عدم يقيننا بالنصّ الوارد في القرآن الكريم.

كمثال واضح : قال تعالى :( فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا ) (٢) ، وبحسب إحدى القراءات ، كما سمعت في إحدى المحاضرات( وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتْكاً ) وهو نوع من الفاكهة ، فالمعنى يتراوح بين المتّكَأ والفاكهة.

فتغيّر القراءات بغير المعاني ، وبالتالي قد تتغيّر المفاهيم والأحكام تبعاً لذلك ، فكيف نوفّق بين القراءات وبين حفظ القرآن الكريم؟ وبالخصوص في المثال الذي ذكرت ، شاكرين لكم جهودكم ، ونسألكم الدعاء.

ج : إنّ ثبوت القرآن واتصاف كلام بكونه كذلك ـ أي قراناً ـ ينحصر طريقه بالتواتر ، كما أطبق عليه المسلمون بجميع نحلهم المختلفة ومذاهبهم المتفرّقة.

والمعروف عن الشيعة الإمامية : أنّ القراءات غير متواترة ، بل هي بين ما هو اجتهاد من القارئ ، وبين ما هو منقول بخبر الواحد ، واختار هذا القول جماعة

__________________

١ ـ الكافي ١ / ٤١٤.

٢ ـ يوسف : ٣١.

٤٤

من المحققّين من العامّة ، ولا يبعد دعوى كونه هو المشهور بينهم ، وهناك أدلّة كثيرة يُستدل بها على عدم تواتر القراءات.

ومن ضمن الأخبار الوارد في ذلك ، خبر الفضيل بن يسار قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : إنّ الناس يقولون : إنّ القرآن على سبعة أحرف ، فقال : «كذبوا أعداء الله ، ولكنّه نزل على حرف واحد من عند واحد »(١) ، ويؤيّده خبر زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : «إنّ القرآن واحد نزل من عند واحد ، ولكن الاختلاف يجيء من قبل الرواة »(٢) .

وبعد معرفة عدم تواتر القراءات ، لا يبقى مجال للاستدلال بتلك القراءات ، إلاّ أن يقال : إنّها أخبار آحاد ، وتشملها الأدلّة القطعية الدالّة على حجّية خبر الواحد ، ولكنّ هذا غير ظاهر ، لعدم ثبوت كونها رواية ، بل يحتمل أن تكون اجتهادات من القرّاء واستنباطات منهم ، وقد صرّح بعض الأعلام بذلك.

وعلى فرض كونها رواية ، إلاّ أنّه لم يحرز كونها مستوفية لشرائط الحجّية ، ومع جمعها للشرائط يبقى أنّه مع العلم الإجمالي بعدم صدور بعضها عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقع بينها التعارض ، ولابدّ من إعمال قواعد التعارض من الترجيح أو التخيير ، فلا يبقى مجال لدعوى الحجّية ، وجواز الاستدلال بكُلّ واحدة منها ، كما هو الظاهر.

وقد صرّح السيّد الخوئي بعدم الحجّية بقوله : « ولكنّ الحقّ عدم حجّية هذه القراءات ، فلا يستدلّ بها على الحكم الشرعي ، والدليل على ذلك أنّ كُلّ واحد من هؤلاء القرّاء يحتمل فيه الغلط والاشتباه ، ولم يرد دليل من العقل ، ولا من الشرع على وجوب إتباع قارئ منهم بالخصوص ، وقد استقلّ العقل ، وحكم الشرع بالمنع عن إتباع غير العلم »(٣) .

__________________

١ ـ الكافي ٢ / ٦٣٠.

٢ ـ نفس المصدر السابق.

٣ ـ البيان في تفسير القرآن : ١٦٤.

٤٥

أمّا ما يتعلّق بجواز القراءة بتلك القراءات ، فقد ورد عنهمعليهم‌السلام إمضاء القراءات المعروفة في زمانهمعليهم‌السلام ، بقولهم : «اقرأ كما يقرأ الناس »(١) .

وبعد كُلّ هذا ، وما عرفت من عدم الاعتماد على تلك القراءات في استنباط الحكم الشرعي ، ينحلّ ما أشكل عليك في الآية القرآنية التي استشهدت بها ، إضافة إلى أنّ صاحب مجمع البيان نقل عن الطبري قوله : « وروي في الشواذ قراءة مجاهد متكاً خفيفة ساكنة التاء »(٢) .

( ـ ـ )

معنى نزوله على سبعة أحرف :

س : السادة الأعزاء ، أودّ الاستفسار عن موضوع نزول القرآن على سبعة أحرف ، كما يقول أبناء المذاهب الأُخرى ، فهل هذا الشيء يقول به الشيعة؟ وكيف ذلك ، أرجو الإفادة عنه ، مشكورين ومقدّرين.

ج : حديث نزول القرآن على سبعة أحرف ، جاء في مصادر أهل السنّة ، وقد أُدّعي تواتره عندهم ، وكيف ما كان فلا أثر لهذا الحديث في مجامعنا الحديثية ، إلاّ ما جاء في الخصال للشيخ الصدوق ، وتفسير العيّاشي بصورة روايتين غير نقيتي السند(٣) ، ومنهما قد انتقل الحديث إلى بعض المصادر الأُخرى ـ كالبحار وبعض التفاسير : كمجمع البيان ، والصافي وغيرهما ـ وعليه فيلاحظ في المقام :

أوّلاً : إنّ الحديث عنها غير ثابت سنداً بشكل قطعي ، فلا يكون حجّة علينا.

__________________

١ ـ الكافي ٢ / ٦٣٣.

٢ ـ مجمع البيان ٥ / ٣٩٢.

٣ ـ أُنظر : الخصال : ٣٥٨ ، تفسير العيّاشي ١ / ١٢.

٤٦

ثانياً : إنّ هذا الحديث على فرض وروده ، يتعارض مع روايات أُخرى ، تصرّح بكذب مضمونه ، منها : «إنّ القرآن واحد نزل من عند واحد ، ولكن الاختلاف يجيء من قبل الرواة »(١) .

ومنها : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : إنّ الناس يقولون : إنّ القرآن على سبعة أحرف ، فقال : «كذبوا أعداء الله ، ولكنّه نزل على حرف واحد من عند واحد »(٢) .

ثالثاً : الطريقة الصحيحة هنا لحلّ التعارض هي : أن نلتزم بحكومة هذه الروايات على ذلك الحديث ، أي أنّ هذه الروايات تأخذ في منظارها ذلك الحديث وتردّه وتكذّبه ، ولكن ذلك الحديث لم ينظر إلى هذه الروايات تأييداً أو ردّاً ، فبناءً على القاعدة المقرّرة في علم الأُصول ، تقدّم هذه الروايات دلالة على ذلك الحديث.

ثمّ هناك طريقة أُخرى لحلّ التعارض وهي : تساقط الروايات والحديث من حيث الدلالة ، والرجوع إلى ثبوت شكل واحد في النزول ، كما هو ظاهر القرآن الكريم الفعلي.

وأيضاً لدينا طريق آخر لرفع التعارض في المقام وهو : ترجيح جانب الروايات لاحتمال صدور الحديث ـ في مصادر الشيعة ـ تقية موافقاً للعامّة.

رابعاً : أختلف علماء العامّة في معنى سبعة أحرف على خمسة وثلاثين قولاً ، أو أربعين(٣) ؛ وهذا إن دلّ على شي? ، فإنّما يدلّ على عدم الوثوق بأيّ معنى من تلك المعاني ، فتبقى الدلالة مجملة وغير واضحة ، فلا حجّية للحديث من حيث الدلالة ، حتّى لو فرضنا صحّة صدوره سنداً.

خامساً : إنّ مضمون هذا الحديث يأباه العقل ، إذ كيف يتصوّر نزول قرآن واحد على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بسبعة صور؟ وهل هذا كان ينسجم مع الاحتفاظ على هذا

__________________

١ ـ الكافي ٢ / ٦٣٠.

٢ ـ نفس المصدر السابق.

٣ ـ أُنظر : البرهان في علوم القرآن ١ / ٢١٢.

٤٧

الكتاب المقدّس لدى المسلمين؟ أليس فرض هذا الحديث كان يفتح الباب على تعويم النصّ القرآني وبالتالي تحريفه؟ ومن أجل هذه المحاذير ترى أنّ هذا الحديث يجب أن يردّ علمه إلى الله تعالى ، ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأهل البيتعليهم‌السلام .

( ـ ـ )

حصل جمعه في زمن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله :

س : ما هي الانتقادات الموجّهة لعملية جمع القرآن الكريم من طرف عثمان؟

ج : إنّ إسناد جمع القرآن الكريم إلى الخلفاء أمر موهوم مخالف للكتاب والسنّة والإجماع والعقل ، بل إنّ جمعه وتأليفه قد حصل في زمن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ أنّ القرآن كان معروفاً بسوره وآياته حتّى عند المشركين وأهل الكتاب ، لما ثبت من تحدّي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله على الإتيان به أو بسورة منه ، ومعناه إنّ سور القرآن كانت في متناول أيدي الناس ، وأيضاً وردت مجموعة كثيرة من الروايات بهذا المضمون حتّى عند أهل السنّة ، تصرّح بجمعه وتأليفه في زمن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) .

ومن جانب آخر لا يعقل أن يكون القرآن ـ مع اهتمام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله والمسلمين به ـ عرضة للضياع في عهد الرسالة ، بل كان مورد تعظيمهم وتبجيلهم وحفظهم له ، مضافاً إلى إجماع المسلمين قاطبة : بأنّ القرآن لا طريق لإثباته إلاّ التواتر ، والحال أنّ الروايات المزعومة في جمع الخلفاء تعتمد في إثباته على شهادة شاهدين ، بل وشهادة رجل واحد في بعض الأحيان ، خصوصاً أنّ هذه الروايات مختلفة فيما بينها في مسألة الجمع ، فلم يعلم أنّ عملية الجمع كانت في زمن أبي بكر أو عمر أو عثمان؟ ومن كانوا العاملين عليها؟

__________________

١ ـ أُنظر : صحيح البخاري ٤ / ٢٢٩ و ٦ / ١٠٣ ، صحيح مسلم ٧ / ١٤٩ ، الجامع الكبير ٥ / ٣٣١ ، مسند أحمد ٣ / ٢٣٣ و ٢٧٧ ، السنن الكبرى للبيهقي ٦ / ٢١١ ، مسند أبي داود : ٢٧٠ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ / ٩ ، مسند أبي يعلى ٥ / ٢٥٨ و ٤٦٧ و ٦ / ٢٢ ، صحيح ابن حبّان ١٦ / ٧٢.

٤٨

فبالجملة : لا دليل على جمع القرآن أو تدوينه في زمن الخلفاء الثلاثة ، نعم قد ثبت أنّ عثمان جمع الناس على قراءة واحدة ، وحذف القرائات الأُخر ، وهذا ممّا لا كلام فيه ، ولكن الأمر الذي يؤخذ عليه هو إحراقه لمجموعة كبيرة من المصاحف ، وأمره بإحراقها في مختلف الأمصار في سبيل توحيد القراءة ، وهو كما ترى لا وجه لعمله هذا ، وقد اعترض جماعة من المسلمين في ذلك عليه ، حتّى أنّهم سمّوه بحرّاق المصاحف(١) .

( العلام غزوي ـ المغرب ـ ٤٠ سنة ـ أولى ماجستير )

منهج التفسير عند السيّد الطباطبائي :

س : أودّ من سيادتكم تسليط الضوء على منهج التفسير عند السيّد الطباطبائي.

ج : إنّ منهج السيّد الطباطبائي ـ كما يوضّحه في كتابه الميزان ـ هو تفسير القرآن بالقرآن ، واستيضاح معنى الآية من نظيرتها بالتدبّر المندوب إليه في نفس القرآن ، وتشخيص المصاديق والتعرّف عليها بالخواص التي تعطيها الآيات ، ويستشهد بقوله تعالى :( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ ) (٢) ، وحاشا أن يكون القرآن تبياناً لكُلّ شيء ولا يكون تبياناً لنفسه ، وقوله تعالى :( هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ) (٣) ، وقوله تعالى :( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا ) (٤) .

وكيف يكون القرآن هدى وبيّنة وفرقاناً ونوراً مُبيناً للناس في جميع ما يحتاجون ، ولا يكفيهم في احتياجهم إليه وهو أشدّ الاحتياج ، وقوله تعالى :

__________________

١ ـ أُنظر : الجامع لأحكام القرآن ١ / ٥٤ ، تاريخ المدينة ٣ / ٩٩٥.

٢ ـ النحل : ٨٢.

٣ ـ البقرة : ١٨٥.

٤ ـ النساء : ١٧٤.

٤٩

( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ) (١) ، وأيّ جهاد أعظم من بذل الجهد في فهم كتابه؟ وأيّ سبيل أهدى إليه من القرآن؟

ثمّ لا يخفى تأثير الجنبة الفلسفية للسيّد الطباطبائي على تفسيره ، وذلك العمق العقلي الدقيق ، والتشقيق للمطالب.

ولاحظ أنّ السيّد يبحث الموضوع المشار إليه في الآية ، مورد البحث كاملاً ، ويأتي بالآيات الأُخرى المتفرّقة الدالّة على الموضوع ، ويصبّها في صميم البحث ، مع مراعاة عدم الغفلة عن الروايات الخاصّة به ، وهي نفس الطريقة والمحاولة التي حاولها صدر المتألّهين الشيرازي في مزاوجة وموافق العقل مع النقل.

( الموالي ـ السعودية ـ ٢٢ سنة ـ طالب حوزة )

الآراء المطروحة في نزوله :

س : كيف نجمع بين نزول القرآن في شهر رمضان ـ كما في سورة القدر( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ـ وبين لقاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بجبرائيل للمرّة الأُولى في غار حراء ، وقراءة خمس آيات من سورة العلق؟

أتمنّى التوضيح ، ولكم جزيل الشكر.

ج : هنالك آراء كثيرة حول هذا الموضوع ، ولكن الرأي المشهور هو :

إنّ للقرآن نزولين ، الأوّل : دفعي ويسمّى أيضاً إجمالي ، والثاني : تدريجي أو تنجيمي ، وهو الذي استمر خلال فترة البعثة النبوية قرابة ( ٢٣ ) سنة ، وعلى هذا الرأي فلا إشكال في أنّ أوّل ما نزل من القرآن كانت الآيات الخمس الأوّل من سورة العلق إلى آخر ما نزل كسورة تامّة وهي النصر.

أمّا في النزول الإجمالي أو الدفعي وهو المتحقّق في ليلة القدر ، فكان النازل لا هذا القرآن بسوره وآياته ، وأسباب نزوله المختلفة والمتفرّقة ، لأنّها تابعة

__________________

١ ـ العنكبوت : ٦٩.

٥٠

لحوادث شخصية وزمانية ومكانية لا تصدق عليها إلاّ بحصولها ـ أي حصول مواردها ـ وحسب التعابير اللفظية من ماضي ومضارع أو الحال ، التي جميعها تستدعي النزول المتفرّق ، بل النازل هو حقيقة القرآن بعلومه ومعارفه الإلهية ، ليتنوّر قلب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بالمعارف القرآنية.

وهذا الرأي ذهب إليه العلاّمة الطباطبائي في الميزان ، والسيّد محمّد باقر الصدر في المدرسة القرآنية ، والسيّد محمّد باقر الحكيم في علوم القرآن ، والشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير الأمثل ، والشيخ هاشم البحراني في البرهان ، والشيخ جواد مغنية في الكاشف.

وإليك الآراء الأُخرى غير المشهورة :

١ ـ المراد بنزوله في ليلة القدر افتتاح نزوله التدريجي ، حيث إنّ أوّل سورة ـ وهي الحمد ـ نزلت في ليلة القدر ، وهو خلاف ظاهر الآيات والأخبار.

٢ ـ إنّه نزل جملة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ، ثمّ نزل نجوماً إلى الأرض.

٣ ـ معظم القرآن نزل في شهر رمضان ، فصحّ نسبة الجميع إليه.

٤ ـ كان ينزل في كُلّ ليلة قدر من كُلّ عام ما يحتاج إليه الناس في تلك السنّة من القرآن.

٥ ـ شهر رمضان الذي نزل في فضله القرآن ، أي فرضَ صيامه.

٦ ـ إنّ بدء نزول القرآن في ليلة القدر ، ولكنّه يختلف عن القول الأوّل ، بأنّ القرآن الذي نزل في ليلة القدر هو هذا القرآن بسوره واسمه قرآن ، والسور المتقدّمة على ليلة القدر ، مثل سورة العلق ـ أوائل ـ وغيرها لم تجمع بما يسمّى قرآن.

هذا ملخّص الآراء المطروحة ، والتي تردّ من قبل أصحاب هذا الفن.

٥١

( علي ـ البحرين ـ ٢٥ سنة ـ طالب )

المخاطب في قوله( فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً ) الزوجان لا آدم وحوّاء :

س : قال تعالى : ( فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا ) (١) ، المعروف أنّ النبيّ آدم وحوّاء معصومان عن الخطأ ، فعن مجاهد : كان لا يعيش لآدم عليه‌السلام ولد ، فقال الشيطان : إذا ولد لكما ولد فسمّياه عبد الحارث ـ وكان الشيطان يسمّى بالحارث ـ فأطاعاه في الاسم ، فذلك قوله تعالى : ( فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا ) ما تعليقكم على هذا التفسير؟ نرجو الجواب الكافي.

ج : هذه الرواية واضحة الكذب والبطلان ، فإنّ الله سبحانه وهب العقل للإنسان ليفكّر به ، وليميّز الحقّ عن الباطل من خلاله ، فلماذا نعطّل عقولنا إلى هذا الحدِّ؟!

إنّ مضمون القصّة المذكورة نرفض نسبته إلى الإنسان العادي ، فكيف بآدمعليه‌السلام ؟! وكيف نحتمل في حقّه أن يتابع الشيطان إلى هذا الحدِّ ، ويجعل لله شريكاً؟!

إنّه أمر مرفوض ، فآدمعليه‌السلام حتّى إذا لم نقل بعصمته ، ولكن لا نحتمل أن يكون مستواه بالغاً إلى هذا الحدِّ الذي هو دون مستوى الإنسان العادي.

فلماذا هذا مع خليفة الله في الأرض؟! ولماذا هذا مع مَنْ علّمهُ الله سبحانه الأسماء؟! ولماذا هذا مع أنبياء الله تعالى؟! إنّنا نأسف أن تدخل أساطير الإسرائيليات ، وتشقّ طريقها إلى كتبنا بهذا الشكل ، ويأخذ بتناقلها هذا عن ذاك.

إنّ المقصود من الآية الكريمة واضح ، فهي تشير إلى نوع الإنسان ـ وليس إلى آدم وحوّاء ـ وتقول : إنّ أمر الإنسان غريب ، فعندما يتحقّق الحمل يطلب الزوجان من الله سبحانه أن يكون ذلك الحمل ولداً صالحاً ، ويكونان بذلك من

__________________

١ ـ الأعراف : ١٩٠.

٥٢

الشاكرين له ، ولكن حينما يرزقهما ذلك يأخذ كلامهما بالتغيّر ، فيقولان : إنّ ولدنا كان من عطاء الشيطان ، أو أنّه كان كاملاً ، لأنّ غذاءه وظروفه الصحّية كانت جيّدة ، أو ما شاكل ذلك.

( علي ـ الكويت ـ ٣٠ سنة ـ دبلوم )

معنى( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) :

س : أُريد تفسير الآية الكريمة : ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) (١) ؟

ج : إنّ الدعوة إلى النار ، هي الدعوة إلى ما يستوجب النار ، من الكفر والمعاصي ، لكونها هي التي تتصوّر لهم يوم القيامة ناراً يعذّبون فيها ، أو المراد بالنار ما يستوجبها مجازاً من باب إطلاق المسبّب وإرادة سببه.

ومعنى جعلهم أئمّة يدعون إلى النار ، تصيرهم سابقين في الضلال يقتدى بهم اللاحقون ، ولا ضير فيه لكونه بعنوان المجازاة على سبقهم في الكفر والجمود ، وليس من الإضلال الابتدائي في شيء.

وفي الكافي عن الإمام الصادقعليه‌السلام :( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) : «يقدّمون أمرهم قبل أمر الله ، وحكمهم قبل حكم الله ، ويأخذون بأهوائهم خلاف ما في كتاب الله عزّ وجلّ »(٢) .

__________________

١ ـ القصص : ٤١.

٢ ـ الكافي ١ / ٢١٦.

٥٣

( فادي نجدي ـ لبنان ـ ٢٧ سنة )

ترتيب آيتي البلاغ والإكمال :

س : بالنسبة إلى موضوع ترتيب الآيات في القرآن أرى يستحقّ النظر : إنّ الترتيب الزمني يستوجب أنّ آية البلاغ تأتي بعد آية الإكمال ، بالرغم أنّهما في القرآن موجودتان في سورة واحدة بالترتيب المعكوس.

وقد ألزمتم أنفسكم بأنّ الترتيب للسور والآيات كان منذ عهد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكيف تردّون على هذه الشبهة التي تجعل من دلالة الآيات منافية لما ندّعيه من نزولها في شأن ولاية علي عليه‌السلام ؟

ج : لا يخفى أنّ القرآن الكريم رتّبت آياته من قبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأمر الوحي عن الله تعالى ، ولا علاقة لذلك بترتيب السابق واللاحق في النزول ، وهذا ما يسمّى بالنظم ، أي : نظم آيات السورة بحسب أغراض ومصالح معيّنة ، تظهر أسبابها عندنا ، وقد تخفى أسباب بعضها كذلك.

واعلم إنّ آية( بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) (١) إذا أخذنا ترتيب الآيات ـ وهو ما نسمّيه بسياق الآيات ـ بنظر الاعتبار ، فإنّ سياق الآيات لا تساعد على قولنا أنّها نزلت في الإمام عليعليه‌السلام ، بل إنّ الآيات التي قبلها والتي بعدها تتحدّث عن أهل الكتاب ، فالآية التي قبلها هي قوله تعالى :( وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ ) (٢) ، والآية التي بعدها هي قوله تعالى :( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ ) (٣) ، مع أنّ اليهود والنصارى في ذلك العهد النبوي لم يكن لهم شأنٌ وخطر ، فهم ليس بأهل قوّةٍ ولا شوكةٍ ، ولا سطوة حتّى يخشى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منهم إنّ هو بلّغ الإسلام.

__________________

١ ـ المائدة : ٦٧.

٢ ـ المائدة : ٦٦.

٣ ـ المائدة : ٦٨.

٥٤

فإنّ الإسلام عند نزول الآية قد أعزّه الله تعالى بقوّته وتمكّنت سطوته ، فلا معنى لخوف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من النصارى في تبليغ الإسلام ، وإذا كان الأمر كذلك ، فإنّ الآية تشير إلى تبليغ أعظم ، وأمر أخطر لم يألفه المسلمون ، وسيرتاب منه المنافقون ، ويتزعّزع لعظم خطره أهل الجاه والدنيا ، وهذا الأمر هو تبليغ ولاية عليعليه‌السلام الذي لا يطيقه المنافقون ، والذين في قلوبهم مرض ، فإنّهم سيحاولون إلى التصدّي لجهودهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لذا أخبره تعالى إنّ الله سيعصمك من خطر هؤلاء ومن مؤامراتهم.

مع أنّ الروايات من قبل الفريقين تؤكّد أنّ آية( بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) قد نزلت في تبليغ ولاية علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، ممّا يعني أنّ ترتيب الآيات وسياقها لا علاقة له بمعنى الآية وسبب نزولها ، لذا فلا عليك أن ترى تقدّم آية( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ) (١) ، على آية( بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) ؟ فإنّ روايات السنّة والشيعة كُلّها متّفقة على نزولهما في تبليغ ولاية عليعليه‌السلام .

( ـ ـ )

المقصود بالفؤاد :

س : قال تعالى : ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) (٢) ، ما المقصود بالفؤاد؟ وما معنى مسؤولية الفؤاد؟ نرجو منكم الإجابة الوافية ، ولكم جزيل الشكر والتحية الطيّبة.

ج : قال العلاّمة الطباطبائيقدس‌سره ما نصّه : « قوله تعالى :( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) والآية تنهى عن اتباع ما لا علم به ، وهي لإطلاقها تشمل الاتباع اعتقاداً وعملاً ،

__________________

١ ـ المائدة : ٣.

٢ ـ الإسراء : ٣٦.

٥٥

وتتحصّل في مثل قولنا : لا تعتقد ما لا علم لك به ، ولا تقل ما لا علم لك به ، ولا تفعل ما لا علم لك به ، لأنّ في ذلك كُلّه اتباعاً

وقوله :( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) تعليل للنهي السابق في قوله :( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) .

والظاهر المتبادر إلى الذهن ، أنّ الضميرين في (كَانَ عَنْهُ ) راجعان إلى( كُلُّ ) ، فيكون( عَنْهُ ) نائب فاعل لقوله :( مَسْؤُولاً ) مقدّماً عليه ، كما ذكره الزمخشري في الكشّاف ، أو مغنياً عن نائب الفاعل ، وقوله :( أُولئِكَ ) إشارة إلى السمع والبصر والفؤاد

والمعنى : لا تتبع ما ليس لك به علم ، لأنّ الله سبحانه سيسأل عن السمع والبصر والفؤاد ، وهي الوسائل التي يستعملها الإنسان لتحصيل العلم ، والمحصّل من التعليل بحسب انطباقه على المورد ، أنّ السمع والبصر والفؤاد إنّما هي نعم آتاها الله الإنسان ، ليشخّص بها الحقّ ، ويحصّل بها على الواقع ، فيعتقد به ويبني عليه عمله ، وسيسأل عن كُلّ منها ، هل أدرك ما استعمل فيه إدراكاً علمياً؟

وهل اتبع الإنسان ما حصلته تلك الوسيلة من العلم؟ فيسأل السمع هل كان ما سمعه معلوماً مقطوعاً به؟ وعن البصر هل كان ما رآه ظاهراً بيّنا؟ وعن الفؤاد هل كان ما فكّره ، وقضى به يقينياً لاشكّ فيه؟ وهي لا محالة تجيب بالحقّ ، وتشهد على ما هو الواقع ، فمن الواجب على الإنسان أن يتحرّز عن اتباع ما ليس له به علم ، فإنّ الأعضاء ووسائل العلم التي معه ستسأل ، فتشهد عليه فيما اتبعه ممّا حصلته ، ولم يكن له به علم ، ولا يقبل حينئذ له عذر.

وما له إلى نحو من قولنا : لا تقف ما ليس لك به علم ، فإنّه محفوظ عليك في سمعك وبصرك وفؤادك ، والله سائلها عن عملك لا محالة ، فتكون الآية في معنى قوله تعالى :( حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ـ إلى أن قال ـ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ

٥٦

سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ) (١) ، وغيرها من آيات شهادة الأعضاء.

غير أنّ الآية تزيد عليها بعد الفؤاد من الشهداء على الإنسان ، وهو الذي به يشعر الإنسان ما يشعر ، ويدرك ما يدرك ، وهو من أعجب ما يستفاد من آيات الحشر ، أن يوقف الله النفس الإنسانية ، فيسألها عمّا أدركت ، فتشهد على الإنسان نفسه.

وقد تبيّن : أنّ الآية تنهى عن الإقدام على أمر مع الجهل به ، سواء كان اعتقاداً مع الجهل ، أو عملاً مع الجهل بجوازه ووجه الصواب فيه ، أو ترتيب أثر لأمر مع الجهل به ، وذيلها يعلّل ذلك بسؤاله تعالى السمع والبصر والفؤاد ، ولا ضير في كون العلّة أعم ممّا عللتها ، فإنّ الأعضاء مسؤولة حتّى عما إذا أقدم الإنسان مع العلم بعدم جواز الإقدام ، قال تعالى :( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) الآية(٢) .

قال في المجمع في معنى قوله :( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) : معناه لا تقل : سمعت ولم تسمع ، ولا رأيت ولم تر ، ولا علمت ولم تعلم ، عن ابن عباس وقتادة ، وقيل : معناه لا تقل في قفا غيرك كلاماً ، أي إذا مرّ بك فلا تغتبه عن الحسن ، وقيل : هو شهادة الزور ، عن محمّد بن الحنفية.

والأصل أنّه عام في كُلّ قول أو فعل أو عزم يكون على غير علم ، فكأنّه سبحانه قال : لا تقل إلاّ ما تعلم أنّه يجوز أن يقال ، ولا تفعل إلاّ ما تعلم أنّه يجوز أن يفعل ، ولا تعتقد إلاّ ما تعلم أنّه ممّا يجوز أن يعتقد انتهى »(٣) .

__________________

١ ـ فصّلت : ٢٠ ـ ٢٣.

٢ ـ يس : ٦٥.

٣ ـ الميزان في تفسير القرآن ١٣ / ٩٢.

٥٧

وقال الشيخ الطبرسيقدس‌سره ما نصّه : «( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) معناه : إنّ السمع يسأل عمّا سمع ، والبصر عمّا رأى ، والقلب عمّا عزم عليه.

ذكر سبحانه السمع والبصر والفؤاد ، والمراد أنّ أصحابها هم المسؤولون ، ولذلك قال :( كُلُّ أُولئِكَ ) وقيل : المعنى كُلّ أُولئك الجوارح يسأل عمّا فعل بها.

قال الوالبي عن ابن عباس : يسأل الله العباد فيما استعملوها »(١) .

( عبد الماجد ـ فرنسا ـ ٣٤ سنة ـ ليسانس )

ثواب سورة الواقعة :

س : هل صحيح أنّ من قرأ سورة الواقعة كُلّ ليلة يحفظه الله من الفقر؟

ج : مصدر هذا الخبر رواية وردت عن أهل العامّة ، نقلها الكثير منهم عن عبد الله بن مسعود في محاورة مع عثمان بن عفّان ، يقول عبد الله بن مسعود في آخرها : فإنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : « من قرأ سورة الواقعة كُلّ ليلة لم يصبه فاقة أبداً »(٢) .

وقد نقلها من علمائنا الشيخ الطبرسي في تفسيره(٣) ، ويبدو أنّه نقله عنهم ، وإن لم يصرّح بذلك.

ومن يعمل بها من أصحابنا فهو استناداً على قاعدة التسامح في أدلّة السنن ، والتي تعني أنّ المستحبّات التي ترد في الشريعة المستندة إلى روايات تدلّ على ذلك ، لا ينظر إلى سند تلك الروايات ومدى صحّته وعدمه ، لأنّ الرواية أكثر

__________________

١ ـ مجمع البيان ٦ / ٢٥١.

٢ ـ معالم التنزيل ٤ / ٢٩٢ ، الجامع لأحكام القرآن ١٧ / ١٩٤ ، تفسير القرآن العظيم ٤ / ٣٠٢.

٣ ـ أُنظر : مجمع البيان ٩ / ٣٥٤.

٥٨

ما تدلّ على الاستحباب ، وليس هناك محذور في الفعل أو الترك ، بل يعمل بالرواية رجاء صحّة صدورها ، فإنّ المرء يثاب على ذلك العمل.

وقد ورد خبر آخر في سورة الواقعة ، نقله الشيخ الصدوق عن الإمام الصادقعليه‌السلام قوله : «من قرأ في كُلّ ليلة جمعة الواقعة أحبّه الله ، وأحبّه إلى الناس أجمعين ، ولم ير في الدنيا بؤساً أبداً ولا فقراً ولا فاقة ، ولا آفة من آفات الدنيا ، وكان من رفقاء أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وهذه السورة لأمير المؤمنين عليه‌السلام خاصّة لم يشركه فيها أحد »(١) ، وبضمّ هذا الخبر إلى ذاك يقوى احتمال صحّة الأثر المترتّب على قراءة تلك السورة ، ويقوى أكثر بضمّهما إلى الخبر الوارد عن الإمام الصادقعليه‌السلام حيث قال : « من سمع شيئاً من الثواب على شيء فصنعه ، كان له ، وإن لم يكن على ما بلغه »(٢) .

( نسمة ـ الإمارات ـ ٢٠ سنة ـ طالبة جامعة )

معنى الحجّة البالغة :

س : وفّقكم الله تعالى لكُلّ خير ، عندي استفسار حول الآية الكريمة ، ( فَللهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ) (٣) ، كيف نربط بين هذه الآية وبين من لم يصل لهم الإسلام ، بمعنى أنّ الحجّة بالغة علينا نحن المسلمين ، ممّن ولد في بيئة مسلمة ، ولكن كيف تكون الحجّة بالغة على ممّن ولد في بيئة كافرة ، لا يعرف عن الإسلام شيئاً؟ وشكراً.

ج : إنّ فهمك للآية القرآنية بما ذكرت غير صحيح ، بل إنّ مراد الآية الردّ على المشركين ، الذين أرادوا أن يثبتوا شركهم بحجّتهم التي ما هي إلاّ إتباع

__________________

١ ـ ثواب الأعمال وعقابها : ١١٧.

٢ ـ الكافي ٢ / ٨٧.

٣ ـ الأنعام : ١٤٩.

٥٩

الظنّ ، فجاءت هذه الآية تفريعاً على تلك الآية السابقة ، وفاء التفريع الموجودة في أوّل الآية تدلّ على ذلك.

وقال العلاّمة الطباطبائي حول الآية ما نصّه : « والمعنى : أنّ نتيجة الحجّة قد التبست عليكم بجهلكم وإتباعكم الظنّ ، وتخرّصكم في المعارف الإلهية ، فحجّتكم تدلّ على أنّ لا حجّة لكم في دعوته إيّاكم إلى رفض الشرك ، وترك الافتراء عليه ، وأنّ الحجّة إنّما هي لله عليكم ، فإنّه لو شاء لهداكم أجمعين ، وأجبركم على الإيمان وترك الشرك والتحريم »(١) .

وقال الشيخ الطوسي حول الآية ما نصّه : « ومعنى البالغة : التي تبلغ قطع عذر المحجوج ، وتزيل كُلّ لبس وشبهة عمّن نظر فيها ، واستدلّ أيضاً بها »(٢) ، لأنّ معناها أنّها تبلغ إلى جميع أفراد البشر كما فهمت.

وعلى هذا فليس هناك أيّ تعارض بين الآية القرآنية وبين عدم وصول الدين الحقّ إلى مجموعة من الأفراد ، بل أنّ القرآن يوضّح أنّ مجموعة من الناس سوف لا يصل إليهم الحقّ ، ويسمّيهم بالمستضعفين ، وهم معذورون في عدم وصول الدين الحقّ إليهم ، يقول تعالى :( إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً ) (٣) .

قال صاحب الميزان : « يتبيّن بالآية أنّ الجهل بمعارف الدين إذا كان عن قصور وضعف ليس فيه صنع للإنسان الجاهل كان عذراً عند الله سبحانه »(٤) .

__________________

١ ـ الميزان في تفسير القرآن ٧ / ٣٦٦.

٢ ـ التبيان ٤ / ٣١١.

٣ ـ النساء : ٩٨.

٤ ـ الميزان في تفسير القرآن ٥ / ٥١.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

مع الرازي في كلامه

حول حديث الغدير وفقهه

١٢١

١٢٢

لقد أوقفك البحث المتقدم على أن جماعات من علماء أهل السنة رووا حديث الغدير حاكمين بصحته وتواتره، مصرّحين بطرقه الجمة وأسانيده الكثيرة، حتى أن جماعة من كبار حفاظهم أفردوا كتباً لجمع ألفاظه وطرقه المعتبرة.

ولكن العصبية المقيتة والانحياز عن أمير المؤمنينعليه‌السلام وحبّ الخلاف وإنكار الضروريات كل ذلك حدى بالفخر الرازي إلى دعوى عدم صحة الحديث وإنكار تواتره، معلّلا ذلك بأمور تافهة وأخرى كاذبة وهذا نص كلامه حول هذا الحديث الشريف في ( نهاية العقول ):

« لا نسلّم صحة الحديث، أما دعواهم العلم الضروري بصحته فهي مكابرة، لانا نعلم أنه ليس العلم بصحته كالعلم بوجود محمّدعليه‌السلام وغزواته مع الكفّار وفتح مكة وغير ذلك من المتواترات، بل العلم بصحة الأحاديث الواردة في فضائل الصّحابة أقوى من العلم بصحّة هذا الحديث، مع أنّهم يقدحون بها، وإذا كان كذلك فكيف يمكنهم القطع بصحة هذا الحديث؟

وأيضاً: فلأن كثيراً من أصحاب الحديث لم ينقلوا هذا الحديث، كالبخاري ومسلم والواقدي وابن اسحاق، بل الجاحظ وابن أبي داود السجستاني وأبو حاتم الرازي وغيرهم من أئمة الحديث قدحوا فيه.

١٢٣

واستدلوا على فساده بقولهعليه‌السلام : قريش والأنصار وجهينة ومزينة وأسلم وغفار مواليّ دون الناس كلّهم، ليس لهم موالي دون الله ورسوله.

والثاني - وهو أن الشيعة يزعمون أنّه -عليه‌السلام - إنّما قال هذا الكلام بغدير خم في منصرفه من الحج، ولم يكن علي مع النبي في ذلك الوقت، فإنه كان باليمن ».

هذا كلام الرازي الملقّب عندهم بـ « الامام » في رد حديث الغدير، وقد رأينا من الضروري إثباته، ثم الاشارة إلى ما فيه من أكاذيب وأغلاط وإنكار للحقائق الراهنة والقضايا الثابتة تاريخياً، ليتبين للملأ مدى سوءة نفس الرجل، وليكون ردّاً حاسماً لكلّ أولئك الذين تقودهم الأغراض إلى الافتراء، وتدعوهم الأهواء إلى الافتعال، وكأنهم نسوا قول الله عز وجلّ:( وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى ) !.

١٢٤

الرد

مقدمة

إن الرازي لم يكتف بالقدح في هذا الحديث الصحيح المروي بالطرق العديدة بالتواتر عن أكثر من مائة نفس من الصحابة، بل زعم أن الأحاديث الواردة عندهم في فضائل الصحابة - مع العلم بأن كثيراً منها موضوع باعتراف أهل العلم والانصاف - أقوى من حديث الغدير!!

وتفيد عبارته - حيث جاء لفظ « الأحاديث » فيها معرفاً باللام - كون جميع تلك الأحاديث - في رأيه - أقوى من هذا الحديث. ولو تنزلنا عن ذلك فلا أقل من حمل « الأحاديث » على الأكثر، فكأنه قال: إن العلم بصحة أكثر الأحاديث الواردة في فضائل الصحابة أقوى من العلم بصحة حديث الغدير الوارد في فضل علي.

ولكن هذا الزعم على إطلاقه باطل، إذْ ليس في أحاديث فضائل الصحابة حديث واحد يجئ بمثابة حديث الغدير سنداً ودلالةً فضلاً عن تلك الكثرة من الخرافات الواهية الموضوعة! وعلى من ادعى مثل ذلك أن يورد أوّلاً بعض تلك الأحاديث المزعومة، مع تصحيح أسانيدها من كبار أئمة الحديث وعلماء الجرح والتعديل - كما هو الثابت والحاصل بالنسبة إلى حديث الغدير - عن جماعة من

١٢٥

الصحابة مطلقاً، ثم يبين مدى العلم الحاصل بصحتها، ومدى دلالتها على مطلوبهم

ثم إن ذلك إنما يتم فيما إذا جاءت تلك الأحاديث - كلها أو بعضها - عن طرق الشيعة الامامية متواترةً أو قويةً بأسانيد متكثرة، كما هو الشأن في حديث الغدير عند الفريقين.

بل إنّا نوسّع المجال للرازي ومن لفّ لفّه، فنتحدّاهم في إثبات مساواة أحاديث معدودة من أحاديث فضائل الصحابة لحديث الغدير، في قوة العلم بالصحة، فضلاً عن إثبات كونها أقوى من هذا الحديث الشريف.

وباختصار: إن قوله: « وأما دعواهم العلم الضروري بصحته فهي مكابرة ». مكابرة، إذ ما من شيء يدّعي أهل السنة التواتر فيه والعلم الضروري بصحّته إلّا وحديث الغدير أقوى منه وأعظم والمنع المحض غير مجد وغير مسموع في مثل هذا الامور، وإلّا لصحّ لمانعٍ أن يمنع وجود مكة والمدينة والنبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

اللهمَّ إلّا أن يذكروا فارقاً بين هذا الحديث الشريف وسائر المتواترات والضروريات وأنى لهم ذلك ولنعم ما أفاد الامام المولى السيد محمد قلي حيث قال: « لا شكّ في أن كلّ من تأمل وأنصف في كثرة طرق الحديث واشتهاره بين الخاصة والعامة، مع وفور الدواعي إلى الكتمان وكثرة الصوارف عن النقل، يحصل له العلم الضروري بصحة هذا الحديث، وكيف وقد يحصل للمسلمين القطع واليقين في كثير من الأمور الدينية التي هي أدون مرتبة في باب التواتر من هذا الحديث، كآيات التحدّي والتحدّي بها على رؤوس الاشهاد من الكفار وأعداء الدين، مع وجود الدواعي إلى المعارضة وعدم وجود موانع، وهكذا صدور المعجزات ونحو ذلك، مع ان الكفار كافة ينكرون ذلك كلّه، ويدّعون أن أهل الاسلام كلّهم تواطئوا على الكذب واختراع هذه الأخبار، لأن كلّهم من ارباب الأغراض والدواعي إلى وضع تلك الأخبار، كما أن أهل الإسلام يدّعون

١٢٦

كذلك في باب الأخبار المخصوصة بأهل المذاهب الفاسدة، من اليهود والنصارى والصابئين وعبدة النيران والأوثان وسائر المشركين، فكيف يسوغ لمسلم منصف أن ينكر التفاوت بين البديهيين، فإنه قد يكون أحدهما أجلى من الآخر، كيف، ولو لم يكن الأمر كذلك يلزم إهمال الكثير من المتواترات »(١) .

وبعد، فلننظر بما ذا تشبّث الرازي في ردّ هذا الحديث:

لقد زعم الرازي عدم نقل كثير من أصحاب الحديث لحديث الغدير، ولكن هذا مردود بما سننقله في الكتاب من أسماء مخرجي حديث الغدير ورواته وناقليه، بحيث يتجلى لمن يقف على تلك القائمة من أسماء أعاظم علماء أهل السنّة أن الكثير منهم يروون هذا الحديث مع التنويه بعظمته وصحته وتواتره، والتصريح بحصول العلم الضروري لهم بصدوره عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

والغريب من الرّازي حيث يقول: إنّ كثيراً من أصحاب الحديث لم ينقلوا هذا الحديث، ثمّ يعدّ من أسماء تلك الكثرة المزعومة أسماء أربعة فقط، وليته ذكر ثلاثين أو عشرين من أعيان المحدّثين حتى يناسب دعواه، لأن عدم نقل أربعة بل عشرة لا يعارض نقل هذا الجم الغفير والجمع الكبير لحديث الغدير

ولو سلّمنا أن كثيرا من أصحاب الحديث لم ينقلوه، فإنّ عدم نقلهم لحديث الغدير المشهور المتواتر إنما هو لانحيازهم عن أمير المؤمنينعليه‌السلام وكتمانهم فضائله الشريفة لأغراضهم الفاسدة، بدليل أنهم في نفس الوقت يروون الخرافات الغريبة في فضائل خلفائهم وأئمّتهم

ومتى كان النافي بصراحة لا يعبأ بقوله، لوجود المثبت، فالساكت والمعرض أولى بعدم الاعتناء

هذا، ولنتكلم على تشبّث الرّازي بعدم نقل البخاري ومسلم والواقدي وابن اسحاق.

___________________

(١). عماد الاسلام في الامامة ٤ / ٢١٧.

١٢٧

١٢٨

(١)

عدم رواية البخاري ومسلم حديث الغدير

١٢٩

١٣٠

لنا في ردّ تشبّث الرازي بعدم إخراج البخاري ومسلم حديث الغدير في كتابيهما وجوه:

١. إنه دليل التعصب

إنّ عدم إخراجهما حديث الغدير - على تواتره وشهرته - يدلّ على تعصّبهما المقيت وإعراضهما عن أهل البيت - عليهم الصّلاة والسلام -، ولو لم يكونا كذلك لما تمسّك الجاهلون بمجرّد ذلك بالنّسبة إلى حديث من الأحاديث ومن ذلك حديث الغدير

٢. المثبت مقدّم على النافي

إنّ من القواعد المسلّمة لدى جميع أهل العلم - ولا سيما علماء الأصول - هي القاعدة المعروفة بـ « تقدم المثبت على النافي »

وبناءاً على هذه القاعدة: لا يعبأ بنفي النافي صريحاً - مع وجود المثبت - فكيف يكون السّكوت المحض عن حديث قادحاً؟

ولقد كثر استناد كبار العلماء إلى هذه القاعدة وهذا الأصل المسلَّم، واستدلوا به في مختلف بحوثهم كما لا يخفى على الخبير، ولا بأس بذكر شواهد على ذلك:

١٣١

١ ) قال الحلبي في ذكر دخول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - الكعبة المشرفة بعد الفتح: « قال ابن عمر - رضي الله عنهما -: فلمّا فتحوا كنت أوّل من ولج، فلقيت بلالاً فسألته هل صلّى فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال: نعم، وذهب عني أن أسأله كم صلّى.

وهذا يدل على أن قول بلال -رضي‌الله‌عنه - أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أتى بالصّلاة المعهودة، لا الدعاء كما ادّعاه بعضهم. و في كلام السهيلي في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -: أنه صلى فيها ركعتين.

وعن ابن عبّاس - رضي الله عنهما - قال: أخبرني أسامة بن زيد: أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - لمـّا دخل البيت دعا في نواحيه كلّها، ولم يصلّ فيه حتى خرج، فلمّا خرج ركع في قبل البيت ركعتين، أي بين الباب والحجر الذي هو الملتزم وقال: هذه القبلة.

فبلال -رضي‌الله‌عنه - مثبت للصلاة في الكعبة، وأسامة -رضي‌الله‌عنه - ناف، والمثبت مقدَّم على النافي »(١) .

٢ ) قال ابن القيّم: « وذكر النسائي عن ابن عمر قال: من سنّة الصلاة أن ينصب القدم اليمنى واستقباله بأصابعها القبلة، والجلوس على اليسرى، ولم يحفظ عنه في هذا الموضوع جلسة غير هذه، وكان يضع يديه على فخذيه، ويجعل حدّ مرفقه على فخذه وطرف يده على ركبتيه، وقبض ثنتين من أصابعه وحلّق حلقه ثم رفع إصبعه يدعو بها ويحركها، هكذا قال وائل بن حجر عنه.

وأمّا حديث أبي داود، عن عبد الله بن الزبير، أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يشير بإصبعه إذا دعا لا يحرّكها هكذا. فهذه الزيادة في صحتها نظر. و قد ذكر مسلم الحديث بطوله في صحيحه عنه ولم يذكر الزيادة، قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - إذ قعد في الصلاة، جعل قدمه اليسرى بين فخذيه وساقه،

___________________

(١). إنسان العيون في سيرة الامين والمأمون ٣ / ٣١.

١٣٢

وفرش قدمه اليمنى ووضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى وأشار بإصبعه. وأيضاً: فليس في حديث أبي داود أنّ هذا كان في الصلاة، فلو كان في الصلاة لكان نافياً وحديث وائل مثبتاً وهو مقدّم، وهو حديث ذكره أبو حاتم في صحيحه »(١) .

٣ ) قال المنيني: « المشورة - بضم الشين لا غير كذا صحّحه الحريري في درّة الغواص، قاله البجاتي. وفي المصباح المنير: وفيها لغتان: سكون الشين وفتح الواو، والثانية: ضم الشين وسكون الواو وزان معونة، والمثبت مقدّم على النافي، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ »(٢) .

ترجمة المنيني

وقد ترجم المرادي الشيخ أحمد المنيني المذكور بقوله: « أحمد بن علي، الشيخ العالم العلم العلامة الفهّامة، المفيد الكبير المحدّث الامام الحبر البحر، الفاضل المتقن المحرر المؤلّف المصنّف. كان ألمعياً لغوياً أديباً أريباً حاذقاً، لطيف الطّبع حسن الخلال عشوراً، متضلّعاً متطلّعاً متمكّناً خصوصاً في الأدب وفنونه، حسن النظم والنثر. ولد سنة ١٠٩٨، طلب العلم بعد أن تأهّل له، فقرأ على سادات أجلّاء ذكرهم في ثبته، ومن تآليفه: شرح تاريخ العتبي في نحو أربعين كراساً، ألّفه في رحلته الروميّة بطلب من مفتي الدولة العثمانية في ذلك الوقت، وهو كتاب مفيد.

تزاحمت عليه الأفاضل من الطّلاب وكثر نفعه واشتهر فضله وعقدت عليه خناصر الأنام. وكانت وفاته يوم السبت تاسع عشر جمادى الثانية سنة ١١٧٢ »(٣) .

___________________

(١). زاد المعاد ١ / ٦٠.

(٢). الفتح الوهبي - شرح تاريخ أبي نصر العتبي ١ / ٨.

(٣). سلك الدرر ١ / ١٣٣ - ١٤٥، ملخصاً بلفظه.

١٣٣

٤ ) قال ابن الوزير الصنعاني: « المضعّف للحديث، إذا لم يبيّن سبب التضعيف ناف، والمثبت أولى من النافي »(١) .

أقول - وبالإِضافة إلى ما تقدّم -: تفيد بعض الكلمات أنّ عدم سماع أحد من أصحاب الحديث حديثاً من الأحاديث وعدم تسليمه بصحته لا يكون قادحاً بذاك الحديث قال ابن القيّم: « قال أبو عمرو ابن عبد البرّ: روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أنه كان يسلّم تسليمةً واحدة من حديث عائشة ومن حديث أنس، إلّا أنها معلولة لا يصحّحها أهل العلم بالحديث، ثم ذكر علّة حديث سعد: إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - كان يسلّم في الصلاة تسليمة واحدة، وقال: هذا وهم وغلط، وإنما الحديث: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - يسلّم عن يمينه وعن يساره، ثمّ ساقه من طريق ابن المبارك عن معصب بن ثابت، وعن اسماعيل بن محمد بن سعد، عن عامر بن سعد، عن أبيه، قال: رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - يسلّم عن يمينه وعن شماله كأني أنظر إلى صفحة خدّه.

قال الزهري: ما سمعنا هذا من حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال له اسماعيل بن محمد: أكلّ حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - قد سمعته؟ قال: لا؟ قال: فنصفه؟ قال: لا، قال: فاجعل هذا في النّصف الّذي لم تسمع »(٢) .

أقول: وإذا كان إنكار الزهري غير وارد، فإعراض البخاري ومسلم - المجرّد عن كلّ إنكار - لحديث الغدير غير قادح بطريق أولى.

٣. الشهادة على النفي غير مسموعة

إنّ الشهادة على النفي غير مسموعة لدى أهل العلم، قال ( الدهلوي ) في

___________________

(١). الروض الباسم في الذب عن أبي القاسم ١ / ٧٩.

(٢). زاد المعاد ١ / ٦٦.

١٣٤

( تحفته ) ما هذا تعريبه: « فإنْ أنكر الزجاج جرّ ( جوار ) مع وجود العاطف فلا يعبأ بإنكاره، لأن أئمة علماء العربية ومهرة الفنّ يجوّزونه، ولأنّه واقع في القرآن الكريم وكلام البلغاء من العرب.

فشهادة الزّجاج سببها قصور التتبّع، وهي شهادة على النّفي، والشهادة على النفي غير مقبولة».

فإذا كان إنكار أحد العلماء - مهما كان جليلاً وإماماً في العلم - لا يقاوم إثبات المحققين، فإن الإِعراض المحض عن ذكر حديث وعدم إخراجه لا يكون قادحا في ثبوته وصحّته قطعاً.

٤. عدم النقل لا يدل على العدم

إن عدم النقل لا يدل على العدم، لا سيّما إذا كان العلم بالأمر ضرورياً بين الناس كافة.

ويشهد بما ذكرنا قول الفاضل حيدر علي الفيض آبادي في كلام له: « وقد ورد في الأحاديث الصحيحة أن الفاروق ونظرائه ناظروا الصّديق الأكبر حول عزمه الواقع بالإِلهام الالهي على قتال مانعي الزكاة، فقالوا: إنّ مفاد الحديث النبوي ومقتضاه هو: أن من قال لا إله إلّا الله فقد حقن دمه وماله، وأنت تريد قتال هؤلاء؟ فقال أبو بكر: هلّا حفظتم ذيل الحديث إذ قال: إلّا أنْ يكون القتال من أجل الكلمة؟ والزكاة من أركانها، والله لو فرق أحد بين الصلاة والزكاة لقاتلته. فقبل الأصحاب منه ذلك وهبّوا للقتال طائعين.

فلو فرضنا أنهم نصبوا قائداً لهم وأرسلوا - وغرضهم من ذلك ردع المرتدين - ثم لم يتذاكروا معهم على ذلك، وكفّوا عن القتال عند الأذان - عملاً بالسّنة - فإن ذلك لا يدل على أن أحداً من المرتدين لم ينكر أداء الزكاة، بشيء من الدلالات الثلاث، فإنّ عدم الذكر ليس دليل العدم، ولا سيّما عدم ذكر ما ثبت من قبل مكرراً وكان حصول العلم به عند الناس ضرورياً، بل إنّ اختفاء واستتار

١٣٥

أمثال هذه الامور المذكورة في مجاميع السنّة، والجارية على ألسن الأصاغر والأكابر، من المحالات العادية »(١) .

٥. عدم استيعاب الكتابين للصحاح

ومن القائل بانحصار الأحاديث الصحيحة في الكتابين؟ البخاري ومسلم أم غيرهما؟ ومتى ثبت ذلك؟ وكيف؟ وما الدليل عليه؟ وهل يصحّ القول بأن كان حديث لم يخرجاه فهو ضعيف؟

إنّا لا يسعنا إلّا أن ننقل بعض النصوص الصريحة في الموضوع:

١ ) قال النووي - بعد ذكر الزام الدارقطني وغيره الشيخين إخراج أحاديث تركا إخراجها، قائلين: إن جماعة من الصحابة رووا عن رسول الله، ورويت أحاديثهم من وجوه صحاح لا مطعن في ناقليها، ولم يخرجا من أحاديثهم شيئاً فيلزمهما إخراجها -:

« وصنّف الدارقطني وأبو ذر الهروي في هذا النوع الذي ألزموهما، وهذا الالزام ليس بلازم في الحقيقة، فإنهما لم يلتزما استيعاب الصحيح، بل صحّ عنهما تصريحهما بانّهما لم يستوعباه، وإنما قصدا جمع جملٍ من الصحيح كما يقصد [ المصنف ] في الفقه جمع جملة من مسائله »(٢) .

٢ ) قال القاضي الكتاني: « لم يستوعبا كلّ الصحيح في كتابيهما، وإلزام الدّارقطني وغيره لهما أحاديث على شرطيهما لم يخرجاها، ليس بلازم في الحقيقة، لأنّهما لم يلتزما استيعاب الصحيح بل جملة منه أو ما يسدّ مسده من غيره منه.

قال البخاري: ما أدخلت في كتاب الجامع إلّا ما صحّ وتركت من الصحاح لحال الطول.

وقال مسلم: ليس كلّ شيء عندي صحيح وضعته هاهنا، وإنّما وضعت ما

___________________

(١). منتهى الكلام / ٩٣ - ٩٤.

(٢). المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج ١ / ٣٧.

١٣٦

أجمعوا عليه. ولعلّ مراده ما فيه شرائط الصحيح المجمع عليه عنده، لا إجماعهم على وجودها في كل حديث منه، أو أراد ما أجمعوا عليه في علمه متناً أو اسناداً، وإن اختلفوا في توثيق بعض رواته، فإنّ فيه جملة أحاديث مختلف فيها متنا أو إسنادا، ثم قيل: لم يفتهما منه إلّا القليل. وقيل: بل فاتهما كثير منه، وإنّما لم يفت الأصول الخمسة: كتاب البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي. ويعرف الزائد عليهما بالنصّ على صحته من إمام معتمد في السنن المعتمدة، لا بمجرد وجوده فيها، إلّا إذا شرط فيها مؤلّفها الصحيح ككتاب ابن خزيمة وأبي بكر البرقاني ونحوهما ...»(١) .

٣ ) قال عبد الحقّ الدهلوي: « ليس الأحاديث الصحاح محصورة في كتابي البخاري ومسلم، فإنّما لم يستوعبا الصحيح، بل إنهما لم يخرجا كلّ الأحاديث الواجدة لشرائط الصحة عندهما فكيف بمطلق الصحّاح؟

قال البخاري: ما أدخلت في كتاب الجامع إلّا ما صحّ، وتركت من الصحاح لحال الطول. وقال مسلم: ليس كلّ شيء عندي صحيح وضعته هاهنا، وإنّما وضعت ما أجمعوا عليه »(٢) .

٤ ) قال الشمس العلقمي بشرح حديث: « ما من غازية » ردّا على من قدح فيه: « وأما قولهم: إنّه ليس في الصحيحين. فليس بلازم في صحة الحديث كونه في الصحيحين ولا في أحدهما»(٣) .

٥ ) قال ابن القيّم - حول حديث أبي الصهباء في باب الطلاق -: « فصل:وأما تلك المسالك الوعرة التي سلكتموها في حديث أبي الصهباء فلا يصحّ شيء منها:

أما المسلك الأول - وهو انفراد مسلم بروايته وإعراض البخاري عنه -

___________________

(١). المنهل الروي في علم أصول حديث النبي: ٦.

(٢). ترجمة المشكاة لعبد الحق الدهلوي.

(٣). الكوكب المنير في شرح الجامع الصغير. حرف الميم - مخطوط.

١٣٧

فتلك شكاة ظاهر عنك عارها، وما ضرّ ذلك الحديث انفراد مسلم به شيئاً، ثمّ هل تقبلون أنتم أو أحد مثل هذا في كلّ حديث ينفرد به مسلم عن البخاري؟ وهل قال البخاري قط: إنّ كلّ حديث لم أدخله في كتابي فهو باطل، أو ليس بحجة أو ضعيف؟ وكم قد احتج البخاري بأحاديث خارج الصحيح وليس لها ذكر في صحيحه؟ وكم صحّح من حديث خارج عن صحيحه؟ »(١) .

٦ ) قال حيدر علي الفيض آبادي: « وبالجملة فإنّي في حيرة من جهة الاعتراض على الحنيفة بما يخالف أصولهم المقرّرة - من تلقاء النفس الأمّارة والحكم بفساد مذهبهم، مع تصريح البخاري ومسلم بأنه لا ينبغي الاعتقاد بحصر الأحاديث الصحاح في كتابيهما ».

وبمثل هذا صرّح في موضع آخر من كتابه أيضاً(٢) .

نقد ورد

وإذا عرفت عدم التزام البخاري ومسلم إخراج كافة الصحاح في كتابيهما وعرفت عدم استيعابهما الصحيح في مصنّفيهما فهلمّ معي وتعجّب من أولئك الذي يقدحون في الأحاديث النبوية الشريفة بمجرد عدم وجودها في كتابي البخاري ومسلم

فهذا ابن تيميّة الحرّاني يردّ قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - في حق أبي ذر -رضي‌الله‌عنه -: « ما أقلّت الغبراء ولا أظلّت الخضراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر »، فيقول: « والحديث المذكور بهذا اللفظ الذي ذكره الرافضي ضعيف بل موضوع وليس له إسناده يقوم به »(٣) .

___________________

(١). زاد المعاد في هدي خير العباد ٤ / ٦٠.

(٢). منتهى الكلام / ٢٧.

(٣). منهاج السنة ٣ / ١٩٩.

١٣٨

ويرد قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة » بقوله: « الوجه الرابع أن يقال أوّلاً: أنتم قوم لا تحتجّون بمثل هذه الأحاديث، إنّما يروونه أهل السنّة بأسانيد أهل السنّة، والحديث نفسه ليس في الصحيحين، بل قد طعن فيه بعض أهل الحديث كابن حزم وغيره، ولكن قد أورده أهل السنن كأبي داود والترمذي وابن ماجة، ورواه أهل المسانيد كالامام أحمد وغيره ...»(١) .

وهذا شاه سلامة الله يطعن في الحديث المشهور وهو قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - في فضل أمير المؤمنينعليه‌السلام في حديث الراية: « كرّار غير فرّار »، فيقول: « إنّ هذه الزيادة غير مذكورة في الصحيحين»(٢) .

وهذا الفاضل حيدر علي يردّ على ما أخرجه الحافظ الزرندي عن عائشة: « إنّه قيل لها لمـّا حضرتها الوفاة: ندفنك مع رسول الله؟ فقالت: أدفنوني مع أخواتي بالبقيع، فإنّي قد أحدثت أموراً بعده »، فيقول: « لا نسلم صحّة لفظ « الاحداث » عن أم المؤمنين، وسند المنع رواية البخاري، فإنها عارية منه وهي هذه:

عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة - رضي الله عنها - إنها أوصت إلى عبد الله بن الزبير لا تدفنّي معهما وادفنّي مع صواحبي بالبقيع لا أزكى به أبداً.

فلا يدلّ الحديث على صدور الأحداث عن أمّ المؤمنين.

وأما رواية صاحب الأعلام في الباب الثالث عشر فهي مرسلة »(٣) .

أقول: يكفى لدفع توهمات ابن تيميّة وشاه سلامة الله وصاحب المنتهى ما قدّمنا نقله من كلمات كبار علماء الحديث، وقد كرر الفاضل حيدر علي نفسه القول بعد التزام البخاري ومسلم باستيعاب الصحاح في كتابيهما.

وأما زعم حيدر علي الفيض آبادي وإرسال رواية ( الاعلام ) فظاهر البطلان،

___________________

(١). منهاج السنة ٢ / ١٠١.

(٢). معركة الاراء لشاه سلامة الله الهندي: ٨٩.

(٣). منتهى الكلام لحيدر علي الفيض آبادي الهندي: ١٢٦.

١٣٩

لأنه صاحبه أخرجها بكل جزم وقطع، وهذا نص عبارته:

« ثمّ تزوّج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - بعد خديجة، عائشة بنت أبي بكر - رضي الله عنهما - وهي بنت ست سنين بمكة، في شوال قبل الهجرة بسنتين، وبنى بها وهي بنت تسع سنين بالمدينة بعد الهجرة بسبعة أشهر في شوال، ولم ينكح بكراً غيرها، ومكثت عنده تسع سنين، ومات عنهاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فقالت: إدفنوني مع أخواتي بالبقيع فإنّي قد أحدثت أموراً بعده، وأوصت إلى عبد الله بن الزبير ابن أختها - رضي الله عنهما - »(١) .

فالحافظ الزرندي، صاحب الإِعلام، إنما لم يذكر الحديث بسنده لكونه جازماً بصحّته مسلّماً بثبوته

ومن قبله ابن قتيبة، حيث قال ما نصه: « قال أبو محمد: ثمّ تزوّج [ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ] عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي‌الله‌عنه - بكراً ولم يتزوج بكراً غيرها، وكان تزوجه بها [ اياها ] بمكة وهي بنت ست سنين ودخل بها بالمدينة وهي بنت سبع سنين بعد سبعة أشهر من مقدمة المدينة، وقبض [ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ] وهي بنت ثماني عشرة سنة، وتكنى أم عبد الله قال ابن قتيبة: وحدّثني أبو الخطاب، قال: حدّثني مالك بن سعيد، قال: حدّثني الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة [ - رضي الله عنها - ] قالت: تزوّجني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وأنا بنت تسع سنين - تريد دخل بي - كنت عنده تسعاً، وبقيت إلى خلافة معاوية، وتوفّيت سنة ثمان وخمسين وقد قاربت السبعين، وقيل لها: ندفنك مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فقالت: إني قد أحدثت أموراً بعده، فادفنوني مع أخواتي، فدفنت بالبقيع وأوصت إلى عبد الله بن الزبير »(٢) .

وإنْ أبي الخصم إلّا الحديث المسند. فهذه رواية الحاكم أبي عبد الله على شرط البخاري ومسلم: « حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا أبو البختري

___________________

(١) الاعلام بسيرة النبيعليه‌السلام - مخطوط.

(٢). المعارف / ١٣٤.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423