نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٦

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار13%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 423

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 423 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 180037 / تحميل: 6669
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٦

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

ج : إنّ المعاني التي ذكرتها يطلق عليها أُمّ الكتاب على بعض الأقوال ، فالنذكر المعاني مع الأقوال :

١ ـ الإمام المبين ، ورد في تفسير الصافي ما نصّه : « في المجمع أنّ بني سلمة كانوا في ناحية من المدينة ، فشكوا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بُعد منازلهم من المسجد والصلاة معه ، فنزلت الآية( وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ) (١) ، قيل : يعني اللوح المحفوظ ، والقمّي يعني في كتاب مبين »(٢) .

فعلى هذا القول الذي نقله الفيض الكاشاني ، أنّ الإمام المبين هو اللوح المحفوظ ، وقد ذكر في معنى اللوح المحفوظ أنّه أُمّ الكتاب ، إذاً فالإمام المبين هو أُمّ الكتاب.

وورد في تفسير الميزان ما نصّه : « والمراد بكتابة ما قدّموا وآثارهم ، ثبتها في صحائف أعمالهم وضبطها فيها ، بواسطة كتبة الأعمال من الملائكة ، وهذه الكتابة غير كتابة الأعمال وإحصائها في الإمام المبين ، الذي هو اللوح المحفوظ »(٣) .

فيرى السيّد الطباطبائي : أنّ الإمام المبين هو اللوح المحفوظ ، والنتيجة كسابقه أي : أنّ الإمام المبين هو أُمّ الكتاب.

٢ ـ الكتاب المكنون ، قال العلاّمة الطباطبائي ما نصّه : « ثمّ إنّه تعالى قال :( إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ * لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) (٤) ، ولا شبهة في ظهور الآيات في أنّ المطّهرين من عباد الله هم يمسّون القرآن الكريم الذي في الكتاب المكنون ، والمحفوظ من التغيّر ، ومن التغيّر تصرف الأذهان بالورود عليه والصدور منه ، وليس هذا المس إلاّ نيل الفهم والعلم ، ومن المعلوم أيضاً أنّ الكتاب المكنون هذا هو أُمّ الكتاب المدلول عليه بقوله :( يَمْحُو اللهُ

__________________

١ ـ يس : ١٢.

٢ ـ تفسير الصافي ٤ / ٢٤٦.

٣ ـ الميزان في تفسير القرآن ١٧ / ٦٦.

٤ ـ الواقعة : ٧٧ ـ ٧٩.

٤١

مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) (١) ، وهو المذكور في قوله :( وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ) (٢) »(٣) .

فيرى السيّد الطباطبائي أنّ الكتاب المكنون هو أُمّ الكتاب.

٣ ـ اللوح المحفوظ ، ورد في تفسير مجمع البيان في تفسير هذه الآية ما نصّه : «( وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ ) من القرآن( تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ ) أي : لمعرفتهم بأنّ المتلوّ عليهم كلام الله ، وأنّه حقّ( يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا ) أي : صدّقنا بأنّه كلامك أنزلته على نبيّك( فَاكْتُبْنَا ) أي : فاجعلنا بمنزلة من قد كتب ودوّن.

وقيل : فاكتبنا في أُمّ الكتاب ، وهو اللوح المحفوظ( مَعَ الشَّاهِدِينَ ) أي : مع محمّد وأُمّته الذين يشهدون بالحقّ ، عن ابن عباس(٤) »(٥) .

فعلى هذا القول الذي نقله الشيخ الطبرسي ، أنّ أُمّ الكتاب هو اللوح المحفوظ.

٤ ـ الكتاب المبين ، ورد في تفسير نور الثقلين ما نصّه : « عن يعقوب بن جعفر ابن إبراهيم قال : كنت عند أبي الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام ، إذ أتاه رجل نصراني فقال : إنّي أسألك أصلحك الله ، فقال : « سل » ، فقال : أخبرني عن كتاب الله الذي أُنزل على محمّد ، ونطق به ، ثمّ وصفه بما وصفه ، فقال :( حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ) (٦) ، ما تفسيرها في الباطن؟

__________________

١ ـ الرعد : ٣٩.

٢ ـ الزخرف : ٤.

٣ ـ الميزان في تفسير القرآن ٣ / ٥٤.

٤ ـ المائدة : ٨٣.

٥ ـ مجمع البيان ٣ / ٤٠٢.

٦ ـ الزخرف : ١ ـ ٣.

٤٢

فقال : « أمّا حم فهو محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو في كتاب هود الذي أُنزل عليه ، وهو منقوص الحروف ، وأمّا الكتاب المبين فهو أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، وأمّا الليلة ففاطمةعليها‌السلام »(١) .

فالكتاب المبين هو أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، وعلي هو أُمّ الكتاب ، إذاً يمكن أن يقال : أنّ الكتاب المبين هو أُمّ الكتاب.

قال العلاّمة الطباطبائي : « ولا مانع من أن يرزق الله عبداً وحده ، وأخلص العبودية له العلم بما في الكتاب المبين ، وهوعليه‌السلام سيّد الموحّدين بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله »(٢) .

٥ ـ محكمات القرآن أو الآيات المحكمات ، أطلق عليها المولى عزّ وجلّ أنّها أُمّ الكتاب في قوله :( هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ) (٣) .

٦ ـ الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام والأئمّة من ولده ، ذكر ابن عباس عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنّه قال : « أنا والله الإمام المبين ، أُبيّن الحقّ من الباطل ، وورثته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله »(٤) .

فعليعليه‌السلام إمام مبين ، والإمام المبين هو أُمّ الكتاب ، إذاً يمكن أن يقال : أنّ علياًعليه‌السلام هو أُمّ الكتاب.

وفي أُصول الكافي : « عن عبد الرحمن بن كثير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله تعالى :( هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ ) قال : أمير المؤمنين والأئمّةعليهم‌السلام ،( وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ) قال : فلان وفلان ،( فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ ) أصحابهم وأهل ولايتهم ،( فَيَتَّبِعُونَ مَا

__________________

١ ـ تفسير نور الثقلين ٤ / ٦٢٣.

٢ ـ الميزان في تفسير القرآن ١٧ / ٧٠.

٣ ـ آل عمران : ٧.

٤ ـ تفسير القمّي ٢ / ٢١٢.

٤٣

تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) أمير المؤمنين والأئمّةعليهم‌السلام »(١) .

( أبو مهدي ـ السعودية ـ )

بحث في القراءات :

س : من فوائد إثبات عدم تحريف القرآن هي القدرة على استنباط الأحكام والمفاهيم من القرآن الكريم ، مع اليقين بأنّها صادرة عن الله تعالى ، وبالتالي نستطيع الاعتماد على القرآن الكريم في جميع أُمورنا الدينية.

لكنّ مع وجود قراءات مختلفة للقرآن الكريم ـ سبع قراءات ـ فذلك قد ينفي الفائدة المذكورة أعلاه ، أو يقلّل من شأنها ، بسبب عدم يقيننا بالنصّ الوارد في القرآن الكريم.

كمثال واضح : قال تعالى :( فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا ) (٢) ، وبحسب إحدى القراءات ، كما سمعت في إحدى المحاضرات( وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتْكاً ) وهو نوع من الفاكهة ، فالمعنى يتراوح بين المتّكَأ والفاكهة.

فتغيّر القراءات بغير المعاني ، وبالتالي قد تتغيّر المفاهيم والأحكام تبعاً لذلك ، فكيف نوفّق بين القراءات وبين حفظ القرآن الكريم؟ وبالخصوص في المثال الذي ذكرت ، شاكرين لكم جهودكم ، ونسألكم الدعاء.

ج : إنّ ثبوت القرآن واتصاف كلام بكونه كذلك ـ أي قراناً ـ ينحصر طريقه بالتواتر ، كما أطبق عليه المسلمون بجميع نحلهم المختلفة ومذاهبهم المتفرّقة.

والمعروف عن الشيعة الإمامية : أنّ القراءات غير متواترة ، بل هي بين ما هو اجتهاد من القارئ ، وبين ما هو منقول بخبر الواحد ، واختار هذا القول جماعة

__________________

١ ـ الكافي ١ / ٤١٤.

٢ ـ يوسف : ٣١.

٤٤

من المحققّين من العامّة ، ولا يبعد دعوى كونه هو المشهور بينهم ، وهناك أدلّة كثيرة يُستدل بها على عدم تواتر القراءات.

ومن ضمن الأخبار الوارد في ذلك ، خبر الفضيل بن يسار قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : إنّ الناس يقولون : إنّ القرآن على سبعة أحرف ، فقال : «كذبوا أعداء الله ، ولكنّه نزل على حرف واحد من عند واحد »(١) ، ويؤيّده خبر زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : «إنّ القرآن واحد نزل من عند واحد ، ولكن الاختلاف يجيء من قبل الرواة »(٢) .

وبعد معرفة عدم تواتر القراءات ، لا يبقى مجال للاستدلال بتلك القراءات ، إلاّ أن يقال : إنّها أخبار آحاد ، وتشملها الأدلّة القطعية الدالّة على حجّية خبر الواحد ، ولكنّ هذا غير ظاهر ، لعدم ثبوت كونها رواية ، بل يحتمل أن تكون اجتهادات من القرّاء واستنباطات منهم ، وقد صرّح بعض الأعلام بذلك.

وعلى فرض كونها رواية ، إلاّ أنّه لم يحرز كونها مستوفية لشرائط الحجّية ، ومع جمعها للشرائط يبقى أنّه مع العلم الإجمالي بعدم صدور بعضها عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقع بينها التعارض ، ولابدّ من إعمال قواعد التعارض من الترجيح أو التخيير ، فلا يبقى مجال لدعوى الحجّية ، وجواز الاستدلال بكُلّ واحدة منها ، كما هو الظاهر.

وقد صرّح السيّد الخوئي بعدم الحجّية بقوله : « ولكنّ الحقّ عدم حجّية هذه القراءات ، فلا يستدلّ بها على الحكم الشرعي ، والدليل على ذلك أنّ كُلّ واحد من هؤلاء القرّاء يحتمل فيه الغلط والاشتباه ، ولم يرد دليل من العقل ، ولا من الشرع على وجوب إتباع قارئ منهم بالخصوص ، وقد استقلّ العقل ، وحكم الشرع بالمنع عن إتباع غير العلم »(٣) .

__________________

١ ـ الكافي ٢ / ٦٣٠.

٢ ـ نفس المصدر السابق.

٣ ـ البيان في تفسير القرآن : ١٦٤.

٤٥

أمّا ما يتعلّق بجواز القراءة بتلك القراءات ، فقد ورد عنهمعليهم‌السلام إمضاء القراءات المعروفة في زمانهمعليهم‌السلام ، بقولهم : «اقرأ كما يقرأ الناس »(١) .

وبعد كُلّ هذا ، وما عرفت من عدم الاعتماد على تلك القراءات في استنباط الحكم الشرعي ، ينحلّ ما أشكل عليك في الآية القرآنية التي استشهدت بها ، إضافة إلى أنّ صاحب مجمع البيان نقل عن الطبري قوله : « وروي في الشواذ قراءة مجاهد متكاً خفيفة ساكنة التاء »(٢) .

( ـ ـ )

معنى نزوله على سبعة أحرف :

س : السادة الأعزاء ، أودّ الاستفسار عن موضوع نزول القرآن على سبعة أحرف ، كما يقول أبناء المذاهب الأُخرى ، فهل هذا الشيء يقول به الشيعة؟ وكيف ذلك ، أرجو الإفادة عنه ، مشكورين ومقدّرين.

ج : حديث نزول القرآن على سبعة أحرف ، جاء في مصادر أهل السنّة ، وقد أُدّعي تواتره عندهم ، وكيف ما كان فلا أثر لهذا الحديث في مجامعنا الحديثية ، إلاّ ما جاء في الخصال للشيخ الصدوق ، وتفسير العيّاشي بصورة روايتين غير نقيتي السند(٣) ، ومنهما قد انتقل الحديث إلى بعض المصادر الأُخرى ـ كالبحار وبعض التفاسير : كمجمع البيان ، والصافي وغيرهما ـ وعليه فيلاحظ في المقام :

أوّلاً : إنّ الحديث عنها غير ثابت سنداً بشكل قطعي ، فلا يكون حجّة علينا.

__________________

١ ـ الكافي ٢ / ٦٣٣.

٢ ـ مجمع البيان ٥ / ٣٩٢.

٣ ـ أُنظر : الخصال : ٣٥٨ ، تفسير العيّاشي ١ / ١٢.

٤٦

ثانياً : إنّ هذا الحديث على فرض وروده ، يتعارض مع روايات أُخرى ، تصرّح بكذب مضمونه ، منها : «إنّ القرآن واحد نزل من عند واحد ، ولكن الاختلاف يجيء من قبل الرواة »(١) .

ومنها : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : إنّ الناس يقولون : إنّ القرآن على سبعة أحرف ، فقال : «كذبوا أعداء الله ، ولكنّه نزل على حرف واحد من عند واحد »(٢) .

ثالثاً : الطريقة الصحيحة هنا لحلّ التعارض هي : أن نلتزم بحكومة هذه الروايات على ذلك الحديث ، أي أنّ هذه الروايات تأخذ في منظارها ذلك الحديث وتردّه وتكذّبه ، ولكن ذلك الحديث لم ينظر إلى هذه الروايات تأييداً أو ردّاً ، فبناءً على القاعدة المقرّرة في علم الأُصول ، تقدّم هذه الروايات دلالة على ذلك الحديث.

ثمّ هناك طريقة أُخرى لحلّ التعارض وهي : تساقط الروايات والحديث من حيث الدلالة ، والرجوع إلى ثبوت شكل واحد في النزول ، كما هو ظاهر القرآن الكريم الفعلي.

وأيضاً لدينا طريق آخر لرفع التعارض في المقام وهو : ترجيح جانب الروايات لاحتمال صدور الحديث ـ في مصادر الشيعة ـ تقية موافقاً للعامّة.

رابعاً : أختلف علماء العامّة في معنى سبعة أحرف على خمسة وثلاثين قولاً ، أو أربعين(٣) ؛ وهذا إن دلّ على شي? ، فإنّما يدلّ على عدم الوثوق بأيّ معنى من تلك المعاني ، فتبقى الدلالة مجملة وغير واضحة ، فلا حجّية للحديث من حيث الدلالة ، حتّى لو فرضنا صحّة صدوره سنداً.

خامساً : إنّ مضمون هذا الحديث يأباه العقل ، إذ كيف يتصوّر نزول قرآن واحد على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بسبعة صور؟ وهل هذا كان ينسجم مع الاحتفاظ على هذا

__________________

١ ـ الكافي ٢ / ٦٣٠.

٢ ـ نفس المصدر السابق.

٣ ـ أُنظر : البرهان في علوم القرآن ١ / ٢١٢.

٤٧

الكتاب المقدّس لدى المسلمين؟ أليس فرض هذا الحديث كان يفتح الباب على تعويم النصّ القرآني وبالتالي تحريفه؟ ومن أجل هذه المحاذير ترى أنّ هذا الحديث يجب أن يردّ علمه إلى الله تعالى ، ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأهل البيتعليهم‌السلام .

( ـ ـ )

حصل جمعه في زمن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله :

س : ما هي الانتقادات الموجّهة لعملية جمع القرآن الكريم من طرف عثمان؟

ج : إنّ إسناد جمع القرآن الكريم إلى الخلفاء أمر موهوم مخالف للكتاب والسنّة والإجماع والعقل ، بل إنّ جمعه وتأليفه قد حصل في زمن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ أنّ القرآن كان معروفاً بسوره وآياته حتّى عند المشركين وأهل الكتاب ، لما ثبت من تحدّي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله على الإتيان به أو بسورة منه ، ومعناه إنّ سور القرآن كانت في متناول أيدي الناس ، وأيضاً وردت مجموعة كثيرة من الروايات بهذا المضمون حتّى عند أهل السنّة ، تصرّح بجمعه وتأليفه في زمن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) .

ومن جانب آخر لا يعقل أن يكون القرآن ـ مع اهتمام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله والمسلمين به ـ عرضة للضياع في عهد الرسالة ، بل كان مورد تعظيمهم وتبجيلهم وحفظهم له ، مضافاً إلى إجماع المسلمين قاطبة : بأنّ القرآن لا طريق لإثباته إلاّ التواتر ، والحال أنّ الروايات المزعومة في جمع الخلفاء تعتمد في إثباته على شهادة شاهدين ، بل وشهادة رجل واحد في بعض الأحيان ، خصوصاً أنّ هذه الروايات مختلفة فيما بينها في مسألة الجمع ، فلم يعلم أنّ عملية الجمع كانت في زمن أبي بكر أو عمر أو عثمان؟ ومن كانوا العاملين عليها؟

__________________

١ ـ أُنظر : صحيح البخاري ٤ / ٢٢٩ و ٦ / ١٠٣ ، صحيح مسلم ٧ / ١٤٩ ، الجامع الكبير ٥ / ٣٣١ ، مسند أحمد ٣ / ٢٣٣ و ٢٧٧ ، السنن الكبرى للبيهقي ٦ / ٢١١ ، مسند أبي داود : ٢٧٠ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ / ٩ ، مسند أبي يعلى ٥ / ٢٥٨ و ٤٦٧ و ٦ / ٢٢ ، صحيح ابن حبّان ١٦ / ٧٢.

٤٨

فبالجملة : لا دليل على جمع القرآن أو تدوينه في زمن الخلفاء الثلاثة ، نعم قد ثبت أنّ عثمان جمع الناس على قراءة واحدة ، وحذف القرائات الأُخر ، وهذا ممّا لا كلام فيه ، ولكن الأمر الذي يؤخذ عليه هو إحراقه لمجموعة كبيرة من المصاحف ، وأمره بإحراقها في مختلف الأمصار في سبيل توحيد القراءة ، وهو كما ترى لا وجه لعمله هذا ، وقد اعترض جماعة من المسلمين في ذلك عليه ، حتّى أنّهم سمّوه بحرّاق المصاحف(١) .

( العلام غزوي ـ المغرب ـ ٤٠ سنة ـ أولى ماجستير )

منهج التفسير عند السيّد الطباطبائي :

س : أودّ من سيادتكم تسليط الضوء على منهج التفسير عند السيّد الطباطبائي.

ج : إنّ منهج السيّد الطباطبائي ـ كما يوضّحه في كتابه الميزان ـ هو تفسير القرآن بالقرآن ، واستيضاح معنى الآية من نظيرتها بالتدبّر المندوب إليه في نفس القرآن ، وتشخيص المصاديق والتعرّف عليها بالخواص التي تعطيها الآيات ، ويستشهد بقوله تعالى :( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ ) (٢) ، وحاشا أن يكون القرآن تبياناً لكُلّ شيء ولا يكون تبياناً لنفسه ، وقوله تعالى :( هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ) (٣) ، وقوله تعالى :( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا ) (٤) .

وكيف يكون القرآن هدى وبيّنة وفرقاناً ونوراً مُبيناً للناس في جميع ما يحتاجون ، ولا يكفيهم في احتياجهم إليه وهو أشدّ الاحتياج ، وقوله تعالى :

__________________

١ ـ أُنظر : الجامع لأحكام القرآن ١ / ٥٤ ، تاريخ المدينة ٣ / ٩٩٥.

٢ ـ النحل : ٨٢.

٣ ـ البقرة : ١٨٥.

٤ ـ النساء : ١٧٤.

٤٩

( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ) (١) ، وأيّ جهاد أعظم من بذل الجهد في فهم كتابه؟ وأيّ سبيل أهدى إليه من القرآن؟

ثمّ لا يخفى تأثير الجنبة الفلسفية للسيّد الطباطبائي على تفسيره ، وذلك العمق العقلي الدقيق ، والتشقيق للمطالب.

ولاحظ أنّ السيّد يبحث الموضوع المشار إليه في الآية ، مورد البحث كاملاً ، ويأتي بالآيات الأُخرى المتفرّقة الدالّة على الموضوع ، ويصبّها في صميم البحث ، مع مراعاة عدم الغفلة عن الروايات الخاصّة به ، وهي نفس الطريقة والمحاولة التي حاولها صدر المتألّهين الشيرازي في مزاوجة وموافق العقل مع النقل.

( الموالي ـ السعودية ـ ٢٢ سنة ـ طالب حوزة )

الآراء المطروحة في نزوله :

س : كيف نجمع بين نزول القرآن في شهر رمضان ـ كما في سورة القدر( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ـ وبين لقاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بجبرائيل للمرّة الأُولى في غار حراء ، وقراءة خمس آيات من سورة العلق؟

أتمنّى التوضيح ، ولكم جزيل الشكر.

ج : هنالك آراء كثيرة حول هذا الموضوع ، ولكن الرأي المشهور هو :

إنّ للقرآن نزولين ، الأوّل : دفعي ويسمّى أيضاً إجمالي ، والثاني : تدريجي أو تنجيمي ، وهو الذي استمر خلال فترة البعثة النبوية قرابة ( ٢٣ ) سنة ، وعلى هذا الرأي فلا إشكال في أنّ أوّل ما نزل من القرآن كانت الآيات الخمس الأوّل من سورة العلق إلى آخر ما نزل كسورة تامّة وهي النصر.

أمّا في النزول الإجمالي أو الدفعي وهو المتحقّق في ليلة القدر ، فكان النازل لا هذا القرآن بسوره وآياته ، وأسباب نزوله المختلفة والمتفرّقة ، لأنّها تابعة

__________________

١ ـ العنكبوت : ٦٩.

٥٠

لحوادث شخصية وزمانية ومكانية لا تصدق عليها إلاّ بحصولها ـ أي حصول مواردها ـ وحسب التعابير اللفظية من ماضي ومضارع أو الحال ، التي جميعها تستدعي النزول المتفرّق ، بل النازل هو حقيقة القرآن بعلومه ومعارفه الإلهية ، ليتنوّر قلب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بالمعارف القرآنية.

وهذا الرأي ذهب إليه العلاّمة الطباطبائي في الميزان ، والسيّد محمّد باقر الصدر في المدرسة القرآنية ، والسيّد محمّد باقر الحكيم في علوم القرآن ، والشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير الأمثل ، والشيخ هاشم البحراني في البرهان ، والشيخ جواد مغنية في الكاشف.

وإليك الآراء الأُخرى غير المشهورة :

١ ـ المراد بنزوله في ليلة القدر افتتاح نزوله التدريجي ، حيث إنّ أوّل سورة ـ وهي الحمد ـ نزلت في ليلة القدر ، وهو خلاف ظاهر الآيات والأخبار.

٢ ـ إنّه نزل جملة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ، ثمّ نزل نجوماً إلى الأرض.

٣ ـ معظم القرآن نزل في شهر رمضان ، فصحّ نسبة الجميع إليه.

٤ ـ كان ينزل في كُلّ ليلة قدر من كُلّ عام ما يحتاج إليه الناس في تلك السنّة من القرآن.

٥ ـ شهر رمضان الذي نزل في فضله القرآن ، أي فرضَ صيامه.

٦ ـ إنّ بدء نزول القرآن في ليلة القدر ، ولكنّه يختلف عن القول الأوّل ، بأنّ القرآن الذي نزل في ليلة القدر هو هذا القرآن بسوره واسمه قرآن ، والسور المتقدّمة على ليلة القدر ، مثل سورة العلق ـ أوائل ـ وغيرها لم تجمع بما يسمّى قرآن.

هذا ملخّص الآراء المطروحة ، والتي تردّ من قبل أصحاب هذا الفن.

٥١

( علي ـ البحرين ـ ٢٥ سنة ـ طالب )

المخاطب في قوله( فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً ) الزوجان لا آدم وحوّاء :

س : قال تعالى : ( فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا ) (١) ، المعروف أنّ النبيّ آدم وحوّاء معصومان عن الخطأ ، فعن مجاهد : كان لا يعيش لآدم عليه‌السلام ولد ، فقال الشيطان : إذا ولد لكما ولد فسمّياه عبد الحارث ـ وكان الشيطان يسمّى بالحارث ـ فأطاعاه في الاسم ، فذلك قوله تعالى : ( فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا ) ما تعليقكم على هذا التفسير؟ نرجو الجواب الكافي.

ج : هذه الرواية واضحة الكذب والبطلان ، فإنّ الله سبحانه وهب العقل للإنسان ليفكّر به ، وليميّز الحقّ عن الباطل من خلاله ، فلماذا نعطّل عقولنا إلى هذا الحدِّ؟!

إنّ مضمون القصّة المذكورة نرفض نسبته إلى الإنسان العادي ، فكيف بآدمعليه‌السلام ؟! وكيف نحتمل في حقّه أن يتابع الشيطان إلى هذا الحدِّ ، ويجعل لله شريكاً؟!

إنّه أمر مرفوض ، فآدمعليه‌السلام حتّى إذا لم نقل بعصمته ، ولكن لا نحتمل أن يكون مستواه بالغاً إلى هذا الحدِّ الذي هو دون مستوى الإنسان العادي.

فلماذا هذا مع خليفة الله في الأرض؟! ولماذا هذا مع مَنْ علّمهُ الله سبحانه الأسماء؟! ولماذا هذا مع أنبياء الله تعالى؟! إنّنا نأسف أن تدخل أساطير الإسرائيليات ، وتشقّ طريقها إلى كتبنا بهذا الشكل ، ويأخذ بتناقلها هذا عن ذاك.

إنّ المقصود من الآية الكريمة واضح ، فهي تشير إلى نوع الإنسان ـ وليس إلى آدم وحوّاء ـ وتقول : إنّ أمر الإنسان غريب ، فعندما يتحقّق الحمل يطلب الزوجان من الله سبحانه أن يكون ذلك الحمل ولداً صالحاً ، ويكونان بذلك من

__________________

١ ـ الأعراف : ١٩٠.

٥٢

الشاكرين له ، ولكن حينما يرزقهما ذلك يأخذ كلامهما بالتغيّر ، فيقولان : إنّ ولدنا كان من عطاء الشيطان ، أو أنّه كان كاملاً ، لأنّ غذاءه وظروفه الصحّية كانت جيّدة ، أو ما شاكل ذلك.

( علي ـ الكويت ـ ٣٠ سنة ـ دبلوم )

معنى( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) :

س : أُريد تفسير الآية الكريمة : ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) (١) ؟

ج : إنّ الدعوة إلى النار ، هي الدعوة إلى ما يستوجب النار ، من الكفر والمعاصي ، لكونها هي التي تتصوّر لهم يوم القيامة ناراً يعذّبون فيها ، أو المراد بالنار ما يستوجبها مجازاً من باب إطلاق المسبّب وإرادة سببه.

ومعنى جعلهم أئمّة يدعون إلى النار ، تصيرهم سابقين في الضلال يقتدى بهم اللاحقون ، ولا ضير فيه لكونه بعنوان المجازاة على سبقهم في الكفر والجمود ، وليس من الإضلال الابتدائي في شيء.

وفي الكافي عن الإمام الصادقعليه‌السلام :( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) : «يقدّمون أمرهم قبل أمر الله ، وحكمهم قبل حكم الله ، ويأخذون بأهوائهم خلاف ما في كتاب الله عزّ وجلّ »(٢) .

__________________

١ ـ القصص : ٤١.

٢ ـ الكافي ١ / ٢١٦.

٥٣

( فادي نجدي ـ لبنان ـ ٢٧ سنة )

ترتيب آيتي البلاغ والإكمال :

س : بالنسبة إلى موضوع ترتيب الآيات في القرآن أرى يستحقّ النظر : إنّ الترتيب الزمني يستوجب أنّ آية البلاغ تأتي بعد آية الإكمال ، بالرغم أنّهما في القرآن موجودتان في سورة واحدة بالترتيب المعكوس.

وقد ألزمتم أنفسكم بأنّ الترتيب للسور والآيات كان منذ عهد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكيف تردّون على هذه الشبهة التي تجعل من دلالة الآيات منافية لما ندّعيه من نزولها في شأن ولاية علي عليه‌السلام ؟

ج : لا يخفى أنّ القرآن الكريم رتّبت آياته من قبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأمر الوحي عن الله تعالى ، ولا علاقة لذلك بترتيب السابق واللاحق في النزول ، وهذا ما يسمّى بالنظم ، أي : نظم آيات السورة بحسب أغراض ومصالح معيّنة ، تظهر أسبابها عندنا ، وقد تخفى أسباب بعضها كذلك.

واعلم إنّ آية( بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) (١) إذا أخذنا ترتيب الآيات ـ وهو ما نسمّيه بسياق الآيات ـ بنظر الاعتبار ، فإنّ سياق الآيات لا تساعد على قولنا أنّها نزلت في الإمام عليعليه‌السلام ، بل إنّ الآيات التي قبلها والتي بعدها تتحدّث عن أهل الكتاب ، فالآية التي قبلها هي قوله تعالى :( وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ ) (٢) ، والآية التي بعدها هي قوله تعالى :( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ ) (٣) ، مع أنّ اليهود والنصارى في ذلك العهد النبوي لم يكن لهم شأنٌ وخطر ، فهم ليس بأهل قوّةٍ ولا شوكةٍ ، ولا سطوة حتّى يخشى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منهم إنّ هو بلّغ الإسلام.

__________________

١ ـ المائدة : ٦٧.

٢ ـ المائدة : ٦٦.

٣ ـ المائدة : ٦٨.

٥٤

فإنّ الإسلام عند نزول الآية قد أعزّه الله تعالى بقوّته وتمكّنت سطوته ، فلا معنى لخوف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من النصارى في تبليغ الإسلام ، وإذا كان الأمر كذلك ، فإنّ الآية تشير إلى تبليغ أعظم ، وأمر أخطر لم يألفه المسلمون ، وسيرتاب منه المنافقون ، ويتزعّزع لعظم خطره أهل الجاه والدنيا ، وهذا الأمر هو تبليغ ولاية عليعليه‌السلام الذي لا يطيقه المنافقون ، والذين في قلوبهم مرض ، فإنّهم سيحاولون إلى التصدّي لجهودهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لذا أخبره تعالى إنّ الله سيعصمك من خطر هؤلاء ومن مؤامراتهم.

مع أنّ الروايات من قبل الفريقين تؤكّد أنّ آية( بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) قد نزلت في تبليغ ولاية علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، ممّا يعني أنّ ترتيب الآيات وسياقها لا علاقة له بمعنى الآية وسبب نزولها ، لذا فلا عليك أن ترى تقدّم آية( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ) (١) ، على آية( بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) ؟ فإنّ روايات السنّة والشيعة كُلّها متّفقة على نزولهما في تبليغ ولاية عليعليه‌السلام .

( ـ ـ )

المقصود بالفؤاد :

س : قال تعالى : ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) (٢) ، ما المقصود بالفؤاد؟ وما معنى مسؤولية الفؤاد؟ نرجو منكم الإجابة الوافية ، ولكم جزيل الشكر والتحية الطيّبة.

ج : قال العلاّمة الطباطبائيقدس‌سره ما نصّه : « قوله تعالى :( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) والآية تنهى عن اتباع ما لا علم به ، وهي لإطلاقها تشمل الاتباع اعتقاداً وعملاً ،

__________________

١ ـ المائدة : ٣.

٢ ـ الإسراء : ٣٦.

٥٥

وتتحصّل في مثل قولنا : لا تعتقد ما لا علم لك به ، ولا تقل ما لا علم لك به ، ولا تفعل ما لا علم لك به ، لأنّ في ذلك كُلّه اتباعاً

وقوله :( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) تعليل للنهي السابق في قوله :( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) .

والظاهر المتبادر إلى الذهن ، أنّ الضميرين في (كَانَ عَنْهُ ) راجعان إلى( كُلُّ ) ، فيكون( عَنْهُ ) نائب فاعل لقوله :( مَسْؤُولاً ) مقدّماً عليه ، كما ذكره الزمخشري في الكشّاف ، أو مغنياً عن نائب الفاعل ، وقوله :( أُولئِكَ ) إشارة إلى السمع والبصر والفؤاد

والمعنى : لا تتبع ما ليس لك به علم ، لأنّ الله سبحانه سيسأل عن السمع والبصر والفؤاد ، وهي الوسائل التي يستعملها الإنسان لتحصيل العلم ، والمحصّل من التعليل بحسب انطباقه على المورد ، أنّ السمع والبصر والفؤاد إنّما هي نعم آتاها الله الإنسان ، ليشخّص بها الحقّ ، ويحصّل بها على الواقع ، فيعتقد به ويبني عليه عمله ، وسيسأل عن كُلّ منها ، هل أدرك ما استعمل فيه إدراكاً علمياً؟

وهل اتبع الإنسان ما حصلته تلك الوسيلة من العلم؟ فيسأل السمع هل كان ما سمعه معلوماً مقطوعاً به؟ وعن البصر هل كان ما رآه ظاهراً بيّنا؟ وعن الفؤاد هل كان ما فكّره ، وقضى به يقينياً لاشكّ فيه؟ وهي لا محالة تجيب بالحقّ ، وتشهد على ما هو الواقع ، فمن الواجب على الإنسان أن يتحرّز عن اتباع ما ليس له به علم ، فإنّ الأعضاء ووسائل العلم التي معه ستسأل ، فتشهد عليه فيما اتبعه ممّا حصلته ، ولم يكن له به علم ، ولا يقبل حينئذ له عذر.

وما له إلى نحو من قولنا : لا تقف ما ليس لك به علم ، فإنّه محفوظ عليك في سمعك وبصرك وفؤادك ، والله سائلها عن عملك لا محالة ، فتكون الآية في معنى قوله تعالى :( حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ـ إلى أن قال ـ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ

٥٦

سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ) (١) ، وغيرها من آيات شهادة الأعضاء.

غير أنّ الآية تزيد عليها بعد الفؤاد من الشهداء على الإنسان ، وهو الذي به يشعر الإنسان ما يشعر ، ويدرك ما يدرك ، وهو من أعجب ما يستفاد من آيات الحشر ، أن يوقف الله النفس الإنسانية ، فيسألها عمّا أدركت ، فتشهد على الإنسان نفسه.

وقد تبيّن : أنّ الآية تنهى عن الإقدام على أمر مع الجهل به ، سواء كان اعتقاداً مع الجهل ، أو عملاً مع الجهل بجوازه ووجه الصواب فيه ، أو ترتيب أثر لأمر مع الجهل به ، وذيلها يعلّل ذلك بسؤاله تعالى السمع والبصر والفؤاد ، ولا ضير في كون العلّة أعم ممّا عللتها ، فإنّ الأعضاء مسؤولة حتّى عما إذا أقدم الإنسان مع العلم بعدم جواز الإقدام ، قال تعالى :( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) الآية(٢) .

قال في المجمع في معنى قوله :( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) : معناه لا تقل : سمعت ولم تسمع ، ولا رأيت ولم تر ، ولا علمت ولم تعلم ، عن ابن عباس وقتادة ، وقيل : معناه لا تقل في قفا غيرك كلاماً ، أي إذا مرّ بك فلا تغتبه عن الحسن ، وقيل : هو شهادة الزور ، عن محمّد بن الحنفية.

والأصل أنّه عام في كُلّ قول أو فعل أو عزم يكون على غير علم ، فكأنّه سبحانه قال : لا تقل إلاّ ما تعلم أنّه يجوز أن يقال ، ولا تفعل إلاّ ما تعلم أنّه يجوز أن يفعل ، ولا تعتقد إلاّ ما تعلم أنّه ممّا يجوز أن يعتقد انتهى »(٣) .

__________________

١ ـ فصّلت : ٢٠ ـ ٢٣.

٢ ـ يس : ٦٥.

٣ ـ الميزان في تفسير القرآن ١٣ / ٩٢.

٥٧

وقال الشيخ الطبرسيقدس‌سره ما نصّه : «( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) معناه : إنّ السمع يسأل عمّا سمع ، والبصر عمّا رأى ، والقلب عمّا عزم عليه.

ذكر سبحانه السمع والبصر والفؤاد ، والمراد أنّ أصحابها هم المسؤولون ، ولذلك قال :( كُلُّ أُولئِكَ ) وقيل : المعنى كُلّ أُولئك الجوارح يسأل عمّا فعل بها.

قال الوالبي عن ابن عباس : يسأل الله العباد فيما استعملوها »(١) .

( عبد الماجد ـ فرنسا ـ ٣٤ سنة ـ ليسانس )

ثواب سورة الواقعة :

س : هل صحيح أنّ من قرأ سورة الواقعة كُلّ ليلة يحفظه الله من الفقر؟

ج : مصدر هذا الخبر رواية وردت عن أهل العامّة ، نقلها الكثير منهم عن عبد الله بن مسعود في محاورة مع عثمان بن عفّان ، يقول عبد الله بن مسعود في آخرها : فإنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : « من قرأ سورة الواقعة كُلّ ليلة لم يصبه فاقة أبداً »(٢) .

وقد نقلها من علمائنا الشيخ الطبرسي في تفسيره(٣) ، ويبدو أنّه نقله عنهم ، وإن لم يصرّح بذلك.

ومن يعمل بها من أصحابنا فهو استناداً على قاعدة التسامح في أدلّة السنن ، والتي تعني أنّ المستحبّات التي ترد في الشريعة المستندة إلى روايات تدلّ على ذلك ، لا ينظر إلى سند تلك الروايات ومدى صحّته وعدمه ، لأنّ الرواية أكثر

__________________

١ ـ مجمع البيان ٦ / ٢٥١.

٢ ـ معالم التنزيل ٤ / ٢٩٢ ، الجامع لأحكام القرآن ١٧ / ١٩٤ ، تفسير القرآن العظيم ٤ / ٣٠٢.

٣ ـ أُنظر : مجمع البيان ٩ / ٣٥٤.

٥٨

ما تدلّ على الاستحباب ، وليس هناك محذور في الفعل أو الترك ، بل يعمل بالرواية رجاء صحّة صدورها ، فإنّ المرء يثاب على ذلك العمل.

وقد ورد خبر آخر في سورة الواقعة ، نقله الشيخ الصدوق عن الإمام الصادقعليه‌السلام قوله : «من قرأ في كُلّ ليلة جمعة الواقعة أحبّه الله ، وأحبّه إلى الناس أجمعين ، ولم ير في الدنيا بؤساً أبداً ولا فقراً ولا فاقة ، ولا آفة من آفات الدنيا ، وكان من رفقاء أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وهذه السورة لأمير المؤمنين عليه‌السلام خاصّة لم يشركه فيها أحد »(١) ، وبضمّ هذا الخبر إلى ذاك يقوى احتمال صحّة الأثر المترتّب على قراءة تلك السورة ، ويقوى أكثر بضمّهما إلى الخبر الوارد عن الإمام الصادقعليه‌السلام حيث قال : « من سمع شيئاً من الثواب على شيء فصنعه ، كان له ، وإن لم يكن على ما بلغه »(٢) .

( نسمة ـ الإمارات ـ ٢٠ سنة ـ طالبة جامعة )

معنى الحجّة البالغة :

س : وفّقكم الله تعالى لكُلّ خير ، عندي استفسار حول الآية الكريمة ، ( فَللهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ) (٣) ، كيف نربط بين هذه الآية وبين من لم يصل لهم الإسلام ، بمعنى أنّ الحجّة بالغة علينا نحن المسلمين ، ممّن ولد في بيئة مسلمة ، ولكن كيف تكون الحجّة بالغة على ممّن ولد في بيئة كافرة ، لا يعرف عن الإسلام شيئاً؟ وشكراً.

ج : إنّ فهمك للآية القرآنية بما ذكرت غير صحيح ، بل إنّ مراد الآية الردّ على المشركين ، الذين أرادوا أن يثبتوا شركهم بحجّتهم التي ما هي إلاّ إتباع

__________________

١ ـ ثواب الأعمال وعقابها : ١١٧.

٢ ـ الكافي ٢ / ٨٧.

٣ ـ الأنعام : ١٤٩.

٥٩

الظنّ ، فجاءت هذه الآية تفريعاً على تلك الآية السابقة ، وفاء التفريع الموجودة في أوّل الآية تدلّ على ذلك.

وقال العلاّمة الطباطبائي حول الآية ما نصّه : « والمعنى : أنّ نتيجة الحجّة قد التبست عليكم بجهلكم وإتباعكم الظنّ ، وتخرّصكم في المعارف الإلهية ، فحجّتكم تدلّ على أنّ لا حجّة لكم في دعوته إيّاكم إلى رفض الشرك ، وترك الافتراء عليه ، وأنّ الحجّة إنّما هي لله عليكم ، فإنّه لو شاء لهداكم أجمعين ، وأجبركم على الإيمان وترك الشرك والتحريم »(١) .

وقال الشيخ الطوسي حول الآية ما نصّه : « ومعنى البالغة : التي تبلغ قطع عذر المحجوج ، وتزيل كُلّ لبس وشبهة عمّن نظر فيها ، واستدلّ أيضاً بها »(٢) ، لأنّ معناها أنّها تبلغ إلى جميع أفراد البشر كما فهمت.

وعلى هذا فليس هناك أيّ تعارض بين الآية القرآنية وبين عدم وصول الدين الحقّ إلى مجموعة من الأفراد ، بل أنّ القرآن يوضّح أنّ مجموعة من الناس سوف لا يصل إليهم الحقّ ، ويسمّيهم بالمستضعفين ، وهم معذورون في عدم وصول الدين الحقّ إليهم ، يقول تعالى :( إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً ) (٣) .

قال صاحب الميزان : « يتبيّن بالآية أنّ الجهل بمعارف الدين إذا كان عن قصور وضعف ليس فيه صنع للإنسان الجاهل كان عذراً عند الله سبحانه »(٤) .

__________________

١ ـ الميزان في تفسير القرآن ٧ / ٣٦٦.

٢ ـ التبيان ٤ / ٣١١.

٣ ـ النساء : ٩٨.

٤ ـ الميزان في تفسير القرآن ٥ / ٥١.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

عبد الله بن محمد بن بشر العبدي، ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم قال: قالت عائشة - رضي الله عنها - وكانت تحدث نفسها أن تدفن في بيتها مع رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وأبي بكر، فقالت: إنّي أحدثت بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - حدثاً إدفنوني مع أزواجه، فدفنت بالبقيع.

هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه »(١) .

٦. لو أخرجاه لأنكره المتعنتون

ولو أن البخاري ومسلما قد أخرجا حديث الغدير في كتابيهما، لأنكر المتعصّبون المتعنّتون الحديث ونفوا صحته وقدحوا فيه وأبطلوه:

نماذج مما أخرجاه وأنكروه

أليس قد أبطل أبو الحسن الآمدي حديث المنزلة(٢) وهو من أحاديث الكتابين وتبعه في ذلك: ابن حجر المكي، وعضد الدين الإِيجي، وأبو الثناء الاصفهاني شارح المطالع، وأشعر بذلك علاء الدين القوشجي، وأسقطه سعد الدين التفتازاني من درجة الاعتبار؟!

أليس قد أبطل السهارنفوري في مرافضه، و ( الدهلوي ) في تحفته حديث هجر فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليهما وآلهما وسلّم - أبا بكر بن أبي قحافة حتى توفيت، مع أنه في الصحيحين؟! و هذا نصه عند البخاري في باب فرض الخمس: « حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح، عن

___________________

(١). المستدرك على الصحيحين ٤ / ٦.

(٢). وهوقوله - صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -: « علي مني بمنزلة هارون من موسى، إلّا أنّه لا نبي بعدي ».

وهذا الحديث متواتر سنداً، ومن أقوى الأحاديث وأوضحها دلالة على إمامة أمير المؤمنين - عليه‌السلام - بعد رسول الله - صلّى الله عليهما وآلهما - بلا فصل. وهو من الأحاديث التي بحث عنها في هذه الموسوعة، وفقنا الله تعالى لنشره بمحمد وآله الطاهرين.

١٤١

ابن شهاب [ قال ]: أخبرني عروة بن الزبير: أن عائشة أم المؤمنين أخبرته أن فاطمة [ عليها‌السلام ] بنت رسول الله - صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - سألت أبا بكر الصديق بعد وفاة رسول الله - صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أن يقسّم لها ميراثها مما ترك رسول الله - صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - ممّا أفاء الله عليه، فقال لها أبو بكر: إنّ رسول الله - صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - قال: لا نوّرث ما تركناه صدقة. فغضبت فاطمة بنت رسول الله - صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهجرت أبا بكر، فلم تزل مهاجرته حتى توفيت » (١) .

وقال البخاري في باب قوله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا نورث عروة، عن عائشة: إنّ فاطمة والعباس [عليهما‌السلام ] أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وهما يومئذ [ حينئذٍ ] يطلبان أرضيهما من فدك وسهمه [ سهمهما ] من خيبر، فقال لها أبو بكر: سمعت رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - يقول: لا نوّرث ما تركناه صدقه، إنّما يأكل آل محمد من هذا المال، قال أبو بكر: والله لا أدع أمراً رأيت رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - يصنعه فيه إلّا صنعته.

قال: فهجرته فاطمة فلم تكلّمه حتى ماتت »(٢) .

وأخرج البخاري هذا الخبر بالتفصيل في باب غزوة خيبر من كتاب المغازي كما ستطّلع عليه. وأخرجه مسلم أيضاً في باب حكم الفيء من كتاب الجهاد.

فالعجب من أهل السنّة يسقطون أحاديث الكتابين الصريحة في غضب الصديقة الطاهرة عليها الصلاة والسلام على أبي بكر حتى وفاتها، متشبثين بروايات هذا وذاك، وهم مع ذلك يقدحون بحديث الغدير المتواتر بدليل عدم إخراج البخاري ومسلم إيّاه!!

وهكذا طعن بعضهم في حديث امتناع أمير المؤمنينعليه‌السلام عن بيعة أبي بكر مدة ستة أشهر، بالرغم من أنه من أحاديث الكتابين، وذلك لأنه حديث

___________________

(١). صحيح البخاري ٤ / ٩٦.

(٢). صحيح البخاري ٨ / ١٨٥.

١٤٢

يهدم أساس الخلافة التي يزعمون قيامها باجماع المسلمين ...؟؟؟ الفاضل حيدر علي الفيض آبادي كيف يحاول الحصول على مطعن في الحديث متناً وسنداً، وهو في نفس الوقت ممن يحترم الشيخين ويعظّم الصحيحين؟!

إنّه يقول: « نعم يمكن أن يفهم من ظاهر رواية الصحيحين قصة فدك - من حديث الصديقة أم المؤمنين - أنه قد أبى عن بيعة الصديق مدة حياة فاطمة الزهراء، فكما لا يكون هذا التباطؤ دليلاً واضحاً على عدم لياقة الصديق للخلافة، كذلك لا يكون دليلاً واضحاً على التخلّف عن البيعة، لما روى الفريقان من: أنه قد أقسم أن لا يرتدي بعد رسول الله حتى يجمع القرآن - سوره وآياته - حفظاً أو كتابة وقد روي الحديث في الاستيعاب والصواعق من كتب أصحابنا، وفي الاحتجاج للفاضل الطبرسي وغيره من كتب الامامية ».

ثم قال المولوي حيدر علي بعد ذكر وجوه في توجيه تخلّفهعليه‌السلام عن البيعة: « فقد علم أن هذا التباطؤ المخرّج في الصحيحين، غير قادح في الاجماع ».

قال: « بقي كلام يتعلق بسند هذه الاحاديث، فأقول - أسوة بالبيهقي وغيره، كما هو غير خفي على من نظر في شروح البخاري مثل إرشاد الساري - إن هذا الحديث الدال على التأخّر عن البيعة، يرويه أبو سعيد، وهو ضعيف وغير معتمد، لعدم إسناد الزهري، ورواية أبي سعيد التي مفادها بيعة أمير المؤمنين والزبير - رضي الله عنهما - في اليوم الأول مسندة وموصولة، فتكون هذه أصح ألبتة »(١) .

أقول: إذا أردنا محاسبة هذا الكلام ومناقشته من جميع جوانبه، لخرجنا عن المقصود، غير أنّا نكتفي بالقول بأن دعوى عدم إسناد الزهري الحديث كذب

___________________

(١). منتهى الكلام لحيدر علي الفيض آبادي الهندي: ١٢٧.

١٤٣

محض،ففي الكتابين أن الزهري يروي هذه الأحاديث عن عروة، عن عائشة، قال البخاري في باب غزوة خيبر من كتاب المغازي:

« حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة أن فاطمة [عليها‌السلام ] بنت النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرسلت الى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - مما أفاءه الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر: إنّ رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - قال: لا نورّث ما تركناه صدقة، إنّما يأكل آل محمد في هذا المال، وإنّي والله لا أغيّر شيئاً من صدقة رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - ولأعملنّ فيها بما عمل به رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً.

فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك، فهجرته فلم تكلّمه حتى توفيت، وعاشت بعد النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - ستة أشهر. فلمّا توفيت دفنها زوجها علي ليلاً، ولم يؤذن بها أبا بكر و - صلّى عليها، وكان لعلي في الناس وجه حياة فاطمة، فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ولم يكن يبايع تلك الأشهر، فأرسل إلى أبي بكر أن ائتنا ولا يأتنا أحد معك، كراهيّة أن يحضر [ المحضر ] عمر، فقال عمر: لا والله، لا تدخل عليهم وحدك، فقال أبو بكر: وما عسيتهم أن يفعلوا بي، والله لآتينّهم. فدخل عليهم أبو بكر فتشهّد علي فقال: إنّا قد عرفنا فضلك وما أعطاك الله، ولم ننفس عليك خيراً ساقه الله اليك، ولكنّك استبددت علينا بالأمر، وكنّا نرى لقرابتنا من رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نصيباً، حتى فاضت عينا أبي بكر.

فلمّا تكلم أبو بكر قال: والذي نفسي بيده، لقرابة رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أحبّ إليّ من أهل [ من أن أصل ] قرابتي، وأما الذي شجر بيني وبينكم في هذه الأموال، فإني لم آل فيها عن الخير، ولم أترك أمراً رأيت رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - يصنعه فيها إلّا صنعته، فقال عليّ لأبي بكر: موعدكم العشية للبيعة.

١٤٤

فلمّا صلى أبو بكر الظهر رقي على المنبر فتشهّد وذكر شأن علي وتخلّفه عن البيعة وعذره بالذي اعتذر إليه، ثم استغفر وتشهّد علي فعظّم حق أبي بكر، وحدّث أنه لم يحمله على الذي صنع نفاسة على أبي بكر ولا إنكاراً للذي فضّله الله به، ولكنا [ كنا ] نرى لنا في هذا الأمر نصيباً فاستبدّ علينا فوجدنا في أنفسنا.

فسرّ بذلك المسلمون وقالوا: أصبت. وكان المسلمون إلى عليّ قريباً حين راجع الأمر بالمعروف»(١) .

وفي مسلم: « حدّثني محمد بن رافع، قال: نا حجين، قال ليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة » الحديث(٢) .

فظهر أن رواية الزهري موصولة، وأن دعوى القطع وعدم الاسناد فيها كذب صريح.

وكذا نسبة هذه الرواية إلى أبي سعيد، فإنّه قد روى الشيخان الخبر عن عائشة لا عن أبي سعيد

ومن العجيب في المقام أن المولوي حيدر علي يعزو نسبة هذا الحديث إلى أبي سعيد، إلى كتاب ( إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري ) والحال أنّه لا أثر لذلك في الكتاب المذكور، وهذا نصّ كلام القسطلاني فيه:

« وقد صحح ابن حبان وغيره من حديث أبي سعيد الخدري -رضي‌الله‌عنه -: إن عليا بايع أبا بكر في أول الأمر، وأمّا ما في مسلم عن الزهري أنّ رجلاً قال له: لم يبايع علي أبا بكر حتى ماتت فاطمة -رضي‌الله‌عنه - قال: ولا أحد من بني هاشم، فقد ضعّفه البيهقي بأنّ الزهري لم يسنده وأنّ الرواية الموصولة عن أبي سعيد أصح »(٣) .

هذا نص ما جاء في هذا الكتاب، فأين هذا من ذاك؟

___________________

(١). صحيح البخاري ٥ / ١٧٧ - ١٧٨.

(٢). صحيح مسلم ٥ / ١٥٣ - ١٥٤.

(٣). إرشاد الساري لصحيح البخاري ٦ / ٣٦٣.

١٤٥

والظاهر أن المولوي الفيض آبادي وجد هذه النسبة في كلام ابن حجر المكي، فحسبها مطابقة للواقع ونقلها - من دون مراجعة كتاب مسلم وكلمات المحدثين - مع غزوها إلى القسطلاني، وهذا نص كلام ابن حجر المكي بعد نقل الحديث:

« ثمّ هذا الحديث فيه التصريح بتأخير بيعة علي إلى موت فاطمة - رضي الله عنها -، فينافي ما تقدم عن أبي سعيد أنّ عليّاً والزبير بايعا من أول الأمر، ولكن هذا الذي مرّ عن أبي سعيد هو الذي صححه ابن حبان وغيره.

وقال البيهقي: وأما ما وقع في صحيح مسلم عن أبي سعيد من تأخر بيعته هو وغيره من بني هاشم إلى موت فاطمة - رضي الله عنها - فضعيف، فإنّ الزهري لم يسنده. وأيضاً: فالرواية الأولى عن أبي سعيد هي الموصولة فتكون أصح. إنتهى.

وعليه فبينه وبين خبر البخاري المار عن عائشة - رضي الله عنها - تناف »(١) .

فعلم أنّ ابن حجر احتج برواية عائشة الواردة مسندة في كتابي البخاري ومسلم، لاثبات فضيلة لأبي بكر، ثمّ ناقض نفسه بترجيح رواية أبي سعيد الخدري عليها، متمسكاً بتصحيح ابن حبّان لها وناقلاً كلام البيهقي في تضعيف رواية مسلم، ولكن نسبة رواية مسلم إلى أبي سعيد الخدري خطأ فضيع، إمّا من البيهقي وإمّا من ابن حجر المكي نفسه.

وعلى كلّ حال فإن تضعيف البيهقي لا مساس له بأصل الحديث، بل إنّه متوجه إلى الفقرة التي جاءت مصرّحة بتخلّف جميع بني هاشم عن البيعة مع الإمامعليه‌السلام ، وقد انفرد مسلم بروايتها كما يظهر من كتاب ( جامع الأصول ).

فهو إذاً لا مساس له بأصل الحديث الوارد مسنداً عن عائشة في الكتابين، فإرجاعه اليه كما في كلام صاحب ( المنتهى ) باطل.

___________________

(١). الصواعق المحرقة: ٩٠.

١٤٦

وبما ذكرنا يتّضح أنّه متى كان الحديث مؤيّداً للامامية، وجّهوا إليه أنواع القدح، وتكلّفوا في ردّه حتى مع كونه من أحاديث الكتابين.

* * *

ولقد اضطرب المولوي حيدر علي، تجاه الحديث الذي أخرجه البخاري في كتاب المغازي، والذي تضمّن قصّة فدك وهجر الزهراءعليها‌السلام أبا بكر، وامتناع أمير المؤمنينعليه‌السلام عن البيعة مدة ستة أشهر، فجاء يقدّم رجلاً ويؤخّر أخرى حيران لا يدري ما يصنع لكنه بالتالي لم يجد بدّاً من إبطاله، فبالغ في ذلك، وكدّ كيده في ردّ هذا الحديث الصحيح، ونفي تلك الحقيقة الراهنة، فجعل يقول:

« وأنت إذا أحطت خبراً بما مر وما سيأتي من أقوال المخالفين علمت أن جميع تلك الاشكالات إنما تتوجه على تقدير صحة الحديث، لكن المستفاد من كتب المحدثين - بعد التمحيص والتحقيق - وقوع الشك في صحة أحاديث للبخاري ومسلم، إلّا أن تلك الأحاديث قليلة جداً، وهي في الكتاب الثاني أكثر منه في الأول.

وعلاوة على هذا، فإن لابن الاثير -رحمه‌الله - كلاماً في جامع الأصول، في الفرع الثالث المختص بطبقات المجروحين، يدل على إقرار بعض الوضاعين بوضع حديث فدك، وهذا نص كلامه:

« ومنهم قوم وضعوا الحديث لهوىً يدعون الناس إليه، فمنهم من تاب عنه وأقرّ على نفسه، قال شيخ من شيوخ الخوارج - بعد أن تاب -: إنّ هذه الأحاديث دين، فانظروا ممن تأخذون دينكم، فإنا كنا إذا هوينا أمرا صيّرناه حديثا. وقال أبو العينا: وضعت أنا والجاحظ حديث فدك، وأدخلناه على الشيوخ ببغداد، فقبلوه إلّا ابن شيبة العلوي، فانه قال: لا يشبه آخر هذا الحديث أوّله، وابى أن يقبله إلى آخره بلفظه.

١٤٧

ويمكن الوقوف بعد التتبع اليسير لكتب الحديث والكلام، من تصانيف أهل الحق والامامية، على مفتريات الشيعة ومطاعنهم في الخلفاء الراشدين، ولا سيما الأحاديث المتعلقة بقصة فدك، وذلك بوصف التسنّن والاعتزال، وقد سبق أن معرفة هؤلاء وإخراجهم من بين أهل السنّة أمر عسير »(١) .

فإذا كان هذا الحديث المخرج في مواضع من كتاب البخاري موضوعاً فأيّ قيمة تبقى لهذا الصحيح وللبخاري!؟ وبأيّ دليل يقال: إن كل حديث لم يخرجاه فهو غير صحيح؟

ثم إن المولوي حيدر علي عاد في كتابه مرة أخرى ليثبت بصراحة وجود أحاديث موضوعة في صحيح البخاري وغيره، قد دسها فيه الشيعة، فقال:

« وبما أن هذه الرواية تخالف الدراية والروايات الأخرى، فإنّه لا يمكن الاعتماد عليها، أفهل يصدّق عاقل ديّن بعدم مبايعة أمير كل أمير، المصداق لـ « علي مع الحق والحق مع علي » مدة ستة أشهر ليكون - والعياذ بالله - من مصاديق قوله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية » على ما سنحققه، إن شاء الله تعالى »(٢) .

* * *

وتصدى هذا الفاضل لردّ حديث القرطاس - المخرج في سبعة مواضع من البخاري، وبثلاثة طرق عند مسلم - زاعماً أنه من مفتعلات الشيعة نظير حديث فدك على حدّ زعمه فقال:

« كما نقل ناقضوا هفوات المشهدي عن الآمدي أنه قال في مسنده بأن قصة « ايتوني بقرطاس » لا أساس لها من الصحة، وأنهم نقلوا عن شيوخ المحدّثين أنه قد ظهر بعد التحقيق وجود مائتين وعشرة أحاديث ضعيفة في الصحيحين، تفرّد

___________________

(١). إزالة الغين لحيدر علي الفيض آبادي الهندي: ٥٨٢.

(٢). إزالة الغين لحيدر علي الفيض آبادي الهندي: ٥٨٩.

١٤٨

منها البخاري بثمانين، ويبلغ ما تفرد به مسلم المائة، وقد اشتركا في إخراج ثلاثين. إنتهى.

فحال حديث القرطاس عند أحقر الناس كحديث فدك »(١) .

أقول: وعلى هذا الأساس يسقط الاستدلال بعدم إخراجهما حديثاً من الأحاديث لغرض القدح فيه

* * *

وقال في الجواب على ما ألزم به من أن الحنفية يخالفون أحاديث البخاري: « المغالطة الأولى: إن أصحاب أبي حنيفة قد ذهبوا إلى الملازمة بين صحة حديث البخاري ووجوب العمل به، ثم وقعوا في ورطة فقالوا: إما أن تكون أعمال الحنفية مخالفة للاحكام الالهيّة، وإما أن يكون أكثر أحاديث البخاري غير صحيح.

ولكن هذا التقرير إنما جاء نتيجة غلبة الشهوة على العقل، وإلّا فكون العلم بكلّ حديث ورد في البخاري واجباً، يخالف صريح كلمات العلماء الأعلام، قال شيخ الاسلام أبو زكريا النووي في التقريب ما حاصله: ليس كلّ حديث صحيح يجوز العمل به فضلاً عن أن يكون العمل به واجباً، ويمكن الوقوف على أدلة هذه المسألة من شروحه كالتهذيب وغيره بالتفصيل، بل إن كلام قدوة المحدثين والفقهاء المتبحرين، كمال الدين ابن همام، يتلخص في: أنه لا يلزم قبول كلّ أحاديث البخاري ومسلم وأمثالهما، إذ أن هناك خلافاً في عدالة بعض الرواة، فيمكن أن يكون الراوي مجروحاً عند الامام أبي حنيفة وموثّقاً عند الشيخين، وهكذا أن يقول في حديث وصف بالضعف أو رمي بالوضع على الاطلاق: إنّه غير ضعيف أو غير موضوع عندنا. انتهى.

بل يتضح من كتب الثقات: أن علماء الشافعية ربما يرجّحون في بعض

___________________

(١). إزالة الغين لحيدر علي الفيض آبادي الهندي: ٥٩٣.

١٤٩

الموارد روايات الآخرين على روايات البخاري، بل ذكر علي الجيلاني الشيعي في فتح السبل - والعهدة عليه -: أن الامام فخر الدين الرازي قد طعن في بعض أحاديث البخاري في رسالته في تفضيل مذهب الشافعي. إنتهى.

ولكن ما ذكرناه كلّه لا ينافي القول بأصحيّة صحيح البخاري من حيث المجموع، وأنه يجوز عقلاً ونقلاً توفر صفة كمال في المفضول دون الفاضل، كما لا يخفى ».

قال: « إنّه يظهر من تتبع الكتب وتفحّص المقالات أنّ الشأن الذي خصّ به الصحيحان من قبل أهل الحديث، وتقديمهم الكتابين على غيرهما من الكتب، إنما هو اتّباع وتقليد لمجتهدين سبقوهم، إذ لم ينقل شيء هذا القبيل عن الأئمّة الأئمّة الأربعة، وكيف يتصور ذلك، وعلم الغيب يختص بالله، أو أنه من خصائص الامامة على زعم الشيعة »(١) .

٧. رأي الائمّة في الكتابين ومؤلفيهما

لقد رأينا كيف يطعن علماء أهل السنة في أحاديث الكتابين عند تحرّجهم أمام إلزام الشيعة. ولنذكر فيما يلي كلمات جماعة من كبار الأئمّة والحفاظ في الحطّ من شأن الكتابين ومؤلفيهما من غير اضطرار يلجئهم إلى ذلك، بل إنها الحقيقة التي تجري على ألسنتهم، فإليك بعض تلك الكلمات على سبيل التمثيل لا الحصر:

١ ) محي الدين عبد القادر القرشي الحنفي

قال الشيخ محي الدين عبد القادر بن محمد القرشي الحنفي ما نصه:

فائدة - حديث أبي حميد الساعدي في صفة صلاة رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - في مسلم وغيره، يشتمل على أنواع منها التورّك في الجلسة الثانية،

___________________

(١). منتهى الكلام / ٢٧.

١٥٠

ضعّفه الطحاوي لمجيئه في بعض الطرق عن رجل، عن أبي حميد، قال الطحاوي: فهذا منقطع على أصل مخالفينا وهم يروون الحديث بأقل من هذا.

قلت: ولا يحنّق علينا لمجيئه في مسلم، وقد وقع في مسلم أشياء لا تقوى عند الاصطلاح، فقد وضع الحافظ الرّشيد العطّار على الأحاديث المقطوعة المخرجة في مسلم كتاباً سماه بـ« غرر الفوائد المجموعة في بيان ما وقع في مسلم من الأحاديث المقطوعة » سمعته على شيخنا أبي إسحاق ابراهيم بن محمد بن عبد الله الطاهري سنة اثنتي عشر وسبعمائة، بسماعه من مصنفه الحافظ رشيد الدين، بقراءة الشيخ فخر الدين أبي عمرو عثمان المقاتلي، وبيّنها الشيخ محي الدين في أوّل شرح مسلم.

وما يقوله الناس: إن من روى له الشيخان فقد جاز القنطرة، هذا أيضاً من التحنّق ولا يقوى، فقد روى مسلم في كتابه عن ليث بن أبي مسلم وغيره من الضعفاء، فيقولون: إنما روى في كتابه للاعتبار والشواهد والمتابعات، وهذا لا يقوى، لأن الحفاظ قالوا: الاعتبار والشواهد والمتابعات والاعتبارات، أمور يتعرّفون بها حال الحديث، وكتاب مسلم التزم فيه الصحة، فكيف يتعرف حال الحديث الذي فيه بطرق ضعيفة.

واعلم أن « عن » مقتضية للانقطاع عند أهل الحديث، ووقع في مسلم والبخاري من هذا النوع شيء كثير، فيقولون على سبيل التحنّق: ما كان من هذا النوع في غير الصحيحين فمنقطع، وما كان في الصحيحين فمحمول على الاتصال.

وروى مسلم في كتابه، عن أبي الزبير، عن جابر، أحاديث كثيرة بالعنعنة وقال الحافظ: أبو الزبير محمد بن مسلم بن مسلم بن تدرس المكي يدلّس في حديث جابر، فما كان يصفه بالعنعنة لا يقبل، وقد ذكر ابن حزم وعبد الحق عن الليث بن سعد أنه قال لأبي الزبير: علّم لي أحاديث سمعتها من جابر حتى أسمعها منك، فعلّم لي أحاديث أظن أنها سبعة عشر حديثاً فسمعتها منه، قال

١٥١

الحافظ: فما كان من طريق الليث عن أبي الزبير عن جابر، صحيح.

وقد روى مسلم في كتابه أيضاً، عن جابر وابن عمر، في حجة الوداع أن النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - توجّه إلى مكة يوم النحر، وطاف طواف الافاضة ثم رجع فصلّى الظهر بمنى، فيتحنّقون ويقولون: أعادها لبيان الجواز وغير ذلك من التأويلات، ولهذا قال ابن حزم في هاتين الروايتين: إحداهما كذب بلا شك.

وروى مسلم أيضاً حديث الاسراء وفيه: « وذلك قبل أن يوحى إليه » وقد تكلّم الحفّاظ في هذه اللفظة وبيّنوا ضعفها.

وروى مسلم أيضاً: « خلق الله التّربة يوم السبت » واتفق الناس على أنه يوم السبت لم يقع فيه خلق.

و روى مسلم عن أبي سفيان أنه قال للنبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - لمّا أسلم: « يا رسول الله! أعطني ثلاثا، تزوّج ابنتي أم حبيبة، وابني معاوية اجعله كاتباً وأمّرني أن أقاتل الكفّار كما قاتلت المسلمين، فأعطاه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » والحديث معروف مشهور، وفي هذا من الوهم مما لا يخفى، فأم حبيبة تزوّجها رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وهي بالحبشة وأصدقها النجاشي عن النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أربعمائة دينار، وحضر وخطب وأطعم، والقصة مشهورة، وأبو سفيان إنما أسلم عام الفتح وبين الهجرة والحبشة والفتح عدّة سنين، ومعاوية كان كاتباً للنبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - من قبل، وأما إمارة أبي سفيان فقد قال الحافظ:إنهم لا يعرفونها. فيجيبون على سبيل التحنّق بأجوبة غير طائلة، فيقولون في نكاح ابنته: إعتقد أنّ نكاحها بغير إذنه لا يجوز وهو حديث عهد بكفر، فأراد من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - تجديد النكاح، ويذكرون عن الزبير بن بكار بأسانيد ضعيفة، أن النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أمّره في بعض الغزوات، وهذا لا يعرف.

وما حملهم على هذا كلّه، إلّا بعض التعصّب، وقد قال الحافظ: إنّ مسلما لـمّا وضع كتابه الصحيح عرضه على أبي زرعة الرازي، فأنكر عليه وقال: سميته الصحيح فجعلت سلّماً لأهل البدع وغيرهم، فإذا روى لهم المخالف حديثاً

١٥٢

يقولون هذا ليس في صحيح مسلم. فرحم الله تعالى أبا زرعة فقد نطق بالصواب، فقد وقع هذا. وما ذكرت ذلك كله إلّا أنه وقع بيني وبين بعض المخالفين بحث في مسألة التورك فذكر لي حديث أبي حميد المذكور أوّلاً، فأجبته بتضعيف الطحاوي، فما تلفظ وقال: مسلم يصحح والطحاوي يضعّف، والله تعالى يغفر لنا وله، آمين »(١) .

ترجمة عبد القادر القرشي

ترجم له الحافظ السيوطي بقوله: « عبد القادر بن محمد بن محمد بن نصر الله بن سالم، محيي الدين أبو محمد بن أبي الوفا القرشي، درّس [ وأفتى ] وصنّف: شرح معاني الآثار، وطبقات الحنفية، وشرح الخلاصة، وتخريج أحاديث الهداية، وغير ذلك. ولد سنة ست وسبعين وستمائة، ومات في ربيع الأول سنة خمس وسبعين وسبعمائة »(٢) .

وقال محمود بن سليمان الكفوي بترجمته: « المولى الفاضل والنحرير الكامل عبد القادر، كان عالماً فاضلاً، جامعا للعلوم، له مجموعات وتصانيف وتواريخ ومحاضرات وتواليف »(٣) .

٢ ) علي القاري

وذكر الملّا علي بن سلطان القاري الفوائد التي ذكرها القرشي المذكور، وبالغ في هذا المرام بعبارات تشبه عباراته، فقد قال في كتاب الرجال على ما نقل صاحب النزهة - طاب ثراه -: « وقد وقع منه ( مسلم بن الحجاج ) أشياء لا تقوى

___________________

(١). الجواهر المضية في طبقات الحنفية ٢ / ٤٢٨ - ٤٣٠.

(٢). حسن المحاضرة في محاسن مصر والقاهرة ١ / ٤٧١.

(٣). كتائب أعلام الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار للكفوي، وله ترجمة الدرر الكامنة ٢ / ٣٩٢ وشذرات الذهب ٦ / ٢٣٨، وتاج التراجم / ٢٨، وغيرها.

١٥٣

عند المعارضة، وقد وضع الرّشيد العطّار كتاباً على الأحاديث المقطوعة وبيّنها الشيخ محي الدين في أوّل شرح مسلم، وما يقوله الناس: إن من روى له الشيخان فقد جاز القنطرة، هذا أيضاً من التجاهل والتساهل، فقد روى مسلم في كتابه عن الليث عن أبي مسلم وغيره من الضعفاء فيقولون: إنما روى عنهم في كتابه للاعتبار والشواهد والمتابعات، وهذه الاعتبارات لا تقوى، لأن الحفاظ قالوا: الاعتبار أمور يتعرفون بها حال الحديث. وكتاب مسلم التزم فيه الصحة فكيف يتعرف حال الحديث الذي فيه بطرق ضعيفة؟! وقال الحافظ: أبو الزبير محمد بن مسلم المكي يدلّس في حديث جابر فما يصف بالعنعنة لا يقبل. وقد ذكر ابن حزم وعبد الحق عن الليث بن سعد أنه قال لأبي الزبير: علّم لي على أحاديث سمعتها من جابر، حتى أسمعها منك، فعلّم لي أحاديث أظن أنها سبعة عشر حديثاً فسمعتها منه. قال الحافظ: فما كان من طريق الليث عن أبي الزبير عن جابر فصحيح.

وفي مسلم، عن غير طريق الليث، عن أبي الزبير، عن جابر، بالعنعنة أحاديث. وقد روى أيضاً في كتابه عن جابر، عن ابن عمر، في حجة الوداع أن النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - توجه الى مكة يوم النحر فطاف طواف الافاضة، ثم صلى الظهر بمكة ثم رجع إلى منى. وفي الرواية الأخرى: إنه طاف طواف الافاضة، ثم رجع فصلى الظهر بمنى، فيوجّهون ويقولون أعادها لبيان الجواز.

وغير ذلك من التأويلات، ولهذا قال ابن حزم في هاتين الروايتين: إحداهما كذب بلا شك.

وروى مسلم أيضاً حديث الاسراء. وفيه: « وذلك قبل أن يوحى اليه » وقد تكلم الحفاظ في هذه اللفظة وبيّنوا ضعفها.

و قد روى مسلم أيضاً: « خلق الله التربة يوم السبت » واتفق الناس على أن السبت لم يقع فيه خلق، وأن ابتداء الخلق يوم الأحد.

وقد روى مسلم عن أبي سفيان أنه قال للنبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - لما أسلم

١٥٤

« يا رسول الله! أعطني ثلاثاً: تزوّج ابنتي أم حبيبة، وابني معاوية أجعله كاتباً، وأمّرني أن أقاتل الكفار كما قاتلت المسلمين. فأعطاه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما سأله ». والحديث معروف مشهور، وفي هذا من الوهم ما لا يخفى، فأم حبيبة تزوّجها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وهي بالحبشة، وأصدقها النجاشي أربعمائة دينار وحضر وخطب وأطعم، والقصة مشهورة. وأبو سفيان وابنه معاوية إنما أسلما عام الفتح سنة ثمان من الهجرة. وأما إمارة أبي سفيان، فقد قال الحافظ: إنهم لا يعرفونها: فيجيبون بأجوبة غير طائلة، فيقولون في نكاح ابنته: اعتقد أن نكاحها بغير إذنه لا يجوز وهو حديث عهد بالكفر، فأراد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - تجديد النكاح، فيذكرون عن الزبير بن بكار بأسانيد ضعيفة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أمّره في بعض الغزوات، وهذا لا يعرفه الأثبات.

وقد قال الحافظ: إن مسلماً لما وضع كتابه الصحيح عرضه على أبي زرعة فأنكر عليه وتغيّظ وقال: سميته الصحيح وجعلته سلّماً لأهل البدع وغيرهم؟! ».

٣ ) الأدفوي الشافعي

ولأبي الفضل الأدفوي الشافعي تحقيق في هذا الباب، ذكره في رد كلامٍ لابن الصلاح ننقله بنصه: « ثمّ أقول: إن الأمة تلقّت كل حديث صحيح وحسن بالقبول وعملت به عند عدم المعارض، وحينئذ لا يختص بالصحيحين، وقد تلقت الأمّة الكتب الخمسة أو الستة بالقبول وأطلق عليها جماعة اسم « الصحيح » ورجّح بعضهم بعضها على كتاب مسلم وغيره، قال أبو سليمان أحمد الخطابي: كتاب السنن لأبي داود كتاب شريف لم يصنف في حكم الدين كتاب مثله، وقد رزق من الناس القبول كافة، فصار حكماً بين فرق العلماء وطبقات الفقهاء على اختلاف مذاهبهم، وكتاب السنن أحسن وضعاً وأكثر فقهاً من كتب البخاري ومسلم. وقال الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي: سمعت الامام أبا الفضل عبد الله بن محمد الأنصاري بهراة يقول - وقد جرى بين يديه ذكر أبي

١٥٥

عيسى الترمذي وكتابه - فقال: كتابه عندي أنفع من كتاب البخاري ومسلم. وقال الامام أبو القاسم سعيد بن علي الزنجاني: إن لأبي عبد الرحمن النسائي شرطاً في الرجال أشد من شرط البخاري ومسلم. وقال أبو زرعة الرازي لما عرض عليه ابن ماجة السنن كتابه: أظن إنْ وقع هذا في أيدي الناس تعطلت هذه الجوامع كلها، أو قال: أكثرها.

ووراء هذا بحث آخر وهو: إن قول الشيخ أبي عمرو ابن الصلاح: إن الأمّة تلقت الكتابين بالقبول، إن أراد كل الأمة فلا يخفى فساد ذلك، إذ الكتابان إنما صنفا في المائة الثالثة بعد عصر الصحابة والتابعين وتابعي التابعين وأئمة المذاهب المتبعة، ورءوس حفاظ الأخبار ونقاد الآثار المتكلمين في الطرق والرجال المميزين بين الصحيح والسقيم، وإنْ أراد بالأمّة الذين وجدوا بعد الكتابين فهم بعض الأمّة، فلا يستقيم له دليله الذي قرره من تلقي الأمّة وثبوت العصمة لهم، والظاهرية إنما يعتنون بإجماع الصحابة خاصة، والشيعة لا تعتد بالكتابين وطعنت فيهما، وقد اختلف في اعتبار قولهم في الإجماع والانعقاد.

ثم إنْ أراد كل حديث فيهما تلقي بالقبول من الناس كافة فغير مستقيم، فقد تكلّم جماعة من الحفاظ في أحاديث فيهما، فتكلّم الدارقطني في أحاديث وعلّلها، وتكلّم ابن حزم في أحاديث كحديث شريك في الأسراء، قال: إنّه خلط. ووقع في الصحيحين أحاديث متعارضة لا يمكن الجمع بينها، والقطع لا يقطع التعارض فيه.

وقد اتفق البخاري ومسلم على إخراج حديث « محمد بن بشار بندار » وأكثرا من الاحتجاج بحديثه، وتكلّم فيه غير واحد من الحفاظ، أئمة الجرح والتعديل ونسب إلى الكذب، وحلف عمرو بن علي الفلاّس شيخ البخاري أن بندار يكذب في حديثه عن يحيى، وتكلّم فيه أبو موسى، وقال علي بن المديني في الحديث الذي رواه في السجود: هذا كذب، وكان يحيى لا يعبأ به ويستضعفه وكان القواريري لا يرضاه.

١٥٦

وأكثرا من حديث « عبد الرزاق » والاحتجاج به، وتكلم فيه ونسب إلى الكذب.

وأخرج مسلم عن « أسباط بن نصر » وتكلّم فيه أبو زرعة وغيره.

وأخرج أيضاً عن « سماك بن حرب » وأكثر عنه، وتكلّم فيه غير واحد، وقال الامام أحمد بن حنبل: هو مضطرب الحديث، وضعّفه أمير المؤمنين في الحديث شعبة، وسفيان الثوري، وقال يعقوب بن شعبة: لم يكن من المتثبتين وقال النسائي: في حديثه ضعف، قال شعبة: كان سماك يقول في التفسير عكرمة ولو شئت لقلت له ابن عباس لقاله، وقال ابن المبارك، سماك ضعيف في الحديث وضعّفه ابن حزم، قال: وكان يلقّن فيتلقّن.

وكان أبو زرعة يذمّ وضع كتاب مسلم ويقول: كيف تسمية الصحيح وفيه فلان وفلان؟ وذكر جماعة.

وأمثال ذلك يستغرق أوراقاً، فتلك الأحاديث عندهما ولم يتلقوها بالقبول.

وإنْ أراد: غالب ما فيهما سالم من ذلك، لم يبق له حجة »(١) .

ترجمة الأدفوي

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني بترجمة الادفوي: « جعفر بن ثعلب بن جعفر بن علي، أبو الفضل الأدفوي، الأديب الفقيه الشافعي، ولد بعد سنة ثمانين وستمائة وقرأت بخط الشيخ تقي الدين السبكي أنه كان يسمّى وعد الله. قال الصفدي: إشتغل في بلاده فمهر في الفنون، ولازم ابن دقيق العيد وتأدّب بجماعة منهم أبو حيان وحمل عنه كثيراً، وكان يقيم في بستان له ببلده، وصنف الإِمتاع في أحكام السماع، والطالع السعيد في تاريخ الصعيد، والبدر السافر في تحفة المسافر، وكل مجاميعه جيدة، وله النظم والنثر الحسن

___________________

(١). الإِمتاع في أحكام السماع لأبي الفضل الأدفوي: الفصل العاشر. مخطوط.

١٥٧

ومن خط البدر النابلسي: كان عالماً فاضلاً، متقلّلاً من الدنيا، ومع ذلك فكان لا يخلو من المآكل الطيبة. مات في أوائل سنة ٧٤٨ »(١) .

وقال جمال الدين الأسنوي بترجمته: « كان فاضلاً مشاركاً في علوم متعددة أديباً شاعراً، ذكياً كريماً، طارحاً للتكلّف، ذا مروّةٍ كبيرة، صنّف في أحكام السّماعٍ كتاباً نفيساً سماه بالإِمتاع، أنبأ فيه عن اطلاعٍ كثير، فإنه كان يميل إلى ذلك ميلاً كبيراً ويحضره، سمع وحدّث ودرّس قبل موته بأيام يسيرة بمدرس الحديث الذي أنشأه الأمير حبكلي بن البابا بمسجده، وأعاد بالمدرسة الصالحية من القاهرة وكان مقيماً به »(٢) .

وقال أبوبكر ابن قاضي شهبة الأسدي: « جعفر بن ثعلب بن علي، الامام العلامة، الأديب البارع، ذو الفنون، كمال الدين أبو الفضل الأدفوي وقال أبو الفضل العراقي: كان من فضلاء أهل العلم، صنف تاريخاً للصعيد، ومصنفاً في أحكام السماع سماه كشف القناع، وغير ذلك »(٣) .

٤ ) أبو زرعة الرازي

أ - أبو زرعة ومسلم.

لقد علمنا من كلام الأفودي وغيره: أن أبا زرعة الرازي كان يذم وضع كتاب مسلم ويعترض على مسلم صنعه ويقول له: كيف تسمّيه الصحيح وفيه فلان وفلان؟

وقد ذكر الذهبي بترجمة أحمد بن عيسى المصري: « قال: سعيد البرذعي:

___________________

(١). الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة ٢ / ٧٢.

(٢). طبقات الشافعية ١ / ١٧٠.

(٣). طبقات الشافعية ٣ / ١٧٢، وتوجد ترجمة الأدفوي في: النجوم الزاهرة ١٠ / ٢٣٧ حوادث سنة ٧٤٨، البدر الطالع ١ / ١٨٢، حسن الحاضرة ١ / ٣٢٠ شذرات الذهب ٦ / ١٥٣، حوادث سنة ٧٤٨.

١٥٨

شهدت أبا زرعة ذكر صحيح مسلم فقال: هؤلاء قوم أرادوا التقدّم قبل أوانه فعملوا شيئاً يتسوّقون به. وأتاه رجل - وأنا شاهد - بكتاب مسلم، فجعل ينظر فيه فإذا حديث عن أسباط بن نصر قال: ما أبعده هذا عن الصحيح، ثم رأى قطن ابن نسير فقال لي: وهذا أطم من الأول، قطن بن نسير يصل أحاديث عن ثابت جعلها عن أنس، ثم نظر فقال: يروي عن أحمد بن عيسى في الصحيح! ما رأيت أهل مصر يشكون في أنه - وأشار إلى لسانه -. »(١) .

وقال بترجمة محمد بن يحيى الذهلي: « قال أبو قريش الحافظ: كنت عند أبي زرعة فجاء مسلم بن الحجاج فسلّم عليه وجلس ساعه، وتذاكرا، فلمّا أن قام قلت له: هذا جمع أربعة آلاف حديث في الصحيح، قال: فلمن ترك الباقي؟ ثم قال: هذا ليس له عقل، لو داري محمد بن يحيى لصار رجلاً »(٢) .

ب - أبو زرعة والبخاري.

ولم يسكت أبو زرعة عن ممد بن إسماعيل البخاري وكتابه المعروف بـ ( الصحيح ) بل تناوله بالقدح والجرح كذلك، قال الذهبي: « علي بن عبد الله ابن جعفر بن الحسن الحافظ، أحد الأعلام الأثبات وحافظ العصر، ذكره العقيلي في كتاب الضعفاء فبئس ما صنع، فقال: جنح إلى ابن أبي داود والجهمية وحديثه مستقيم إنْ شاء الله، قال لي عبد الله بن أحمد: كان أبي حدثنا عنه ثم أمسك عن اسمه، وكان يقول: حدثنا رجل، ثم ترك حديثه بعد ذلك.

قلت: بل حديثه عنه في مسنده، وقد تركه إبراهيم الحربي وذلك لميله إلى أحمد بن أبي داود فقد كان محسناً اليه.

وكذا امتنع مسلم عن الرواية عنه في صحيحه لهذا المعنى، كما امتنع أبو زرعة وأبو حاتم من الرواية عن تلميذه « محمد » لأجل مسألة اللفظ. وقال

___________________

(١). تذهيب التهذيب، مخطوط. وانظر ميزان الاعتدال ١ / ١٢٥.

(٢). سير أعلام النبلاء ١٢ / ٧٠.

١٥٩

عبد الرحمن بن أبي حاتم: كان أبو زرعة ترك الرواية عنه من أجل ما كان منه في المحنة »(١) .

والمراد من « محمد » تلميذ « علي بن المديني » هو: « محمد بن إسماعيل البخاري ».

ومن طرائف الأمور: أن مسلم بن الحجاج - وهو تلميذ البخاري - قد امتنع من الرواية عن علي بن المديني لميله إلى أحمد بن أبي داود

فالاستدلال بإعراض البخاري ومسلم عن رواية حديث الغدير في غير محله لأنهما وشيخهما كلّهم مقدوحون مجروحون

وقال الذهبي: « محمد بن إسماعيل أبو عبد الله البخاري قدم بغداد طالب حديث على رأس الخمسمائة وكتب عن الموجودين. قال ابن الجوزي وغيره كان كذاباً.

فأمّا محمد بن إسماعيل مولى الجعفيين فحجة إمام، ولا عبرة بترك أبي زرعة وأبي حاتم له من أجل اللفظ »(٢) .

أقول: ولكن تركهما له نافع لنا على كلا التقديرين.

وقد نص آخرون على تركهما له مع استعظامه واستنكاره، فقال الشيخ عبد الوهاب السبكي في طبقاته: « ومما ينبغي أن يتفقد عند الجرح حال العقائد واختلافها بالنسبة إلى الجارح والمجروح، فربما خالف الجارح المجروح في العقيدة فجرحه بذلك، وإليه أشار الرافعي بقوله: وينبغي أن يكون المزكّون برآء من الشحناء والعصبية في المذهب، خوفاً من أن يحملهم ذلك على جرح عدل أو تزكية فاسق، وقد وقع هذا لكثير من الأئمّة جرحوا بناء على معتقدهم وهم المخطئون والمجروح مصيب.

___________________

(١). ميزان الاعتدال في نقد الرجال ٣ / ١٣٨.

(٢). المغني في الضعفاء ٢ / ٥٥٧.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423