نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٦

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار13%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 423

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 423 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 179999 / تحميل: 6667
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٦

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

( إيهاب ـ مصر ـ ١٥ سنة ـ طالب )

القائلون بحرمتها من أهل السنّة :

س : أنا لاعب شطرنج ، أصلّي وأصوم ، وأحبّ زملائي في اللعبة ، هل لعب أحدكم الشطرنج ليعرف مدى رقي تلك اللعبة؟ وأنّها لا يمكن أن تكون الرجز من الأوثان.

ج : إنّ الأحكام الشرعية لا يمكن إدراك العلل الواقعية لها ، وإنّ أغلبها تأتي غير معلّلة ، فلذلك لا يستطيع أحد أن يعترض على تلك الأحكام ، بل عليه التسليم لها.

والذي يمكن البحث فيه والنقاش هو : متابعة دليل الفقيه في استنباط الحكم الشرعي ، فإذا كان دليله فقط الآية القرآنية نوقش فيها ، وإن كان هناك دليل آخر من السنّة ، نوقش فيه أيضاً ، فلابدّ إذاً من فهم الأدلّة التي أدّت بالفقهاء للقول بحرمة الشطرنج.

وكما ذكرنا سابقاً ، فإنّ الذي شرح مراد الآية القرآنية هي الروايات الواردة عن المعصومينعليهم‌السلام ، فالإمام المعصوم هو الذي يقول : أنّ من الميسر كُلّ ما يتقامر به ، ومنه الشطرنج ، وهذا القول قد قبله بعض علماء أهل السنّة وعمل به.

هذا وأنّ هناك روايات كثيرة تكفي لوحدها أن تكون دليلاً على حرمة الشطرنج ، حتّى لو لم نفهم المراد من الآية القرآنية ، ومن تلك الروايات ما ورد عن أبي بصير عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : «بيع الشطرنج حرام ، وأكل ثمنه سحت ، واتخاذها كفر ، واللعب بها شرك ، والسلام على اللاهي بها معصية ، وكبيرة وموبقة »(١) .

____________

١ ـ السرائر ٣ / ٥٧٧.

٤١

ولسنا الوحيدين القائلين بحرمة الشطرنج ، فقد ورد في فقه السنّة : « فمن حرّمه : أبو حنيفة ومالك وأحمد ، وقال الشافعي وبعض التابعين : يكره ولا يحرم »(١) .

وأمّا قولك : أنّ اللعبة فيها رقي ، فنحن لا ننكر أنّ في اللعبة منافع ، بل إنّ هذا هو لسان القرآن ، إذ قال :( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ) (٢) .

فإذا قال لك أحد : إنّ في الخمر منافعاً ، وأنّه شراب لذيذ مثلاً ، وإنّي أشرب منه مقدار لا يضرّ بعقلي ، فهل يحقّ له أن يعترض على حرمة الخمر؟ فإذا لم تقبل منه اعتراضه ، فكذلك الحال في الشطرنج ، فوجود المنافع فيها لا يزيل عنها الحرمة.

____________

٢ ـ أُنظر : فقه السنّة ٣ / ٥١٣.

١ ـ البقرة : ٢١٩.

٤٢

الشفاعة :

( أُمّ زهراء ـ السعودية ـ )

لا يستحقّها الظالم لأهل البيت :

س : ما حكم من يعتقد بأنّ شفاعة المعصومين عليهم‌السلام ربّما قد تشمل ظالميهم ، ومن أغتصب حقّهم ، وظلم شيعتهم ، أو أنّ رحمة الله فوق كُلّ هذا ، أم يستحيل أصلاً ورود الرحمة والشفاعة في مثل هذا المورد بالخصوص؟ مثل قتل الإمام الحسين عليه‌السلام ، وكسر ضلع الزهراء عليها‌السلام ، وغصب الخلافة؟

ج : وردت نصوص تفيد بأنّ الظالمين لآل محمّدعليهم‌السلام آيسون من رحمة الله تعالى ، ومن هذا يظهر عدم شمول الشفاعة لمن ظلمهم.

وأمّا من ظلم شيعتهم ، فتارة ظلم شيعتهم لأنّهم شيعة لأهل البيتعليهم‌السلام ، فهذا بحكم الناصبي ، والناصبي لا شفاعة له ولا نجاة.

وتارة أُخرى ظلم شيعتهم بعنوان شخصي ، فهذا يدخل ضمن مظالم العباد ، ومظالم العباد فيما بينهم ـ حسب ما في الروايات ـ معلّق على أداء الحقّ إلى أصحابه ، فإذا أدّى هذا الإنسان الظالم الحقّ إلى أصحابه ، أو ابرأ ذمّتهم ، فحينئذ يمكن أن تعمّه الشفاعة.

وأمّا إذا لم يعد الحقّ إلى صاحبه ولم يستبرئ ذمّته ، فمقتضى الروايات الواردة : أنّ الشفاعة موقوفة على رضا صاحب الحقّ ، ولكن قد يستفاد من بعض الروايات بأنّه من الممكن أنّ الله تعالى لبعض الأعمال الصالحة لهذا

٤٣

الإنسان الظالم يرضي عنه خصومه يوم القيامة ، ثمّ ينجّيه ، ويظهر من هذا توقّف النجاة على الرضا ، فهنا يمكن أن تتناول الشفاعة هذا القسم.

فالخلاصة : من ظلمهمعليهم‌السلام لا تشمله الشفاعة ، وأمّا من ظلم شيعتهم لتشيّعهم فهو ناصبي فلا تشمله أيضاً ، وإن لم يكن لتشيّعهم فيدخل في مظالم العباد ، فإن أدّى الحقّ أو ابرأ الذمّة فتشمله الشفاعة ، وإلاّ فلا تشمله الشفاعة إلاّ أن يرضي الله خصومه.

أمّا كيف يرضي الله خصومه؟ فيمكن أن يكون بسبب الأعمال الصالحة ـ من قبيل الاستغفار والصدقة على الطرف المعتدى عليه ـ وهذه مسألة متروكة إلى الله تعالى.

ثمّ إنّ المتبادر من ظالميهم من ظلم مقامهم وولايتهم ، وأنكر مودّتهم أو ما شاكل ذلك ، فمن اعتقد أنّ الشفاعة تشمل هكذا ظالم ، فهو منحرف الاعتقاد.

وأمّا لو أنّ شخصاً يحبّ الإمام الحسينعليه‌السلام مثلاً ، ويعتقد بإمامته ، ولكن دخل معه في معاملة فظلمه بدينار مثلاً ، فهنا يمكن للإمامعليه‌السلام أن يعفو عنه ويصفح عنه ، لأنّها مظلمة شخصية مادّية ، فتناله الشفاعة ، لأنّ ظلمه هذا لم يكن ناتج عن بغض لهمعليهم‌السلام وإنكار لمقامهم.

( نضال ـ قطر ـ )

رواياتها في كتب العامّة :

س : ما هي حقيقة الشفاعة؟ وما هي البراهين عليها من كتب السنّة؟

ج : إنّ الشفاعة التي وقع الخلاف فيها هي نوع من الوساطة إلى الله تعالى ، من وليّ مقرّب عنده ، ليغفر لمذنب ويسامحه ، وقد أثبتها المسلمون قاطبة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ من شذّ منهم.

٤٤

والأدلّة على ثبوتها كثيرة جدّاً ، ومتضافرة على حصول الشفاعة في يوم القيامة ، من قبل الصالحين والأولياء إلى المذنبين والعاصين ، واستجابة لطلبك سوف نقتصر على بعض الروايات المثبتة للشفاعة عند أهل السنّة :

١ ـ عن ابن عمر قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من قضى لأخيه حاجة ، كنت واقفاً عند ميزانه ، فإن رجح ، وإلاّ شفعت له »(١) .

٢ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من صلّى على محمّد وقال : اللهم أنزله المقعد المقرّب عندك يوم القيامة ، وجبت له شفاعتي »(٢) .

٣ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من قال حين يسمع النداء : اللهم ربَّ هذه الدعوة التامّة والصلاة القائمة ، آت محمّداً الوسيلة والفضيلة ، وأبعثه مقاماً محموداً الذي وعدته ، حلّت له شفاعتي يوم القيامة »(٣) .

٤ ـ عن أبي أُمامة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « صنفان من أمّتي لن تنالهما شفاعتي ، ولن أشفع لهما ، ولن يدخلا شفاعتي : سلطان ظلوم غشوم عسوف ، وغال مارق عن الدين »(٤) .

وهذا الحديث يدلّ بالمفهوم على ثبوت الشفاعة ، وإمكانها لطوائف آخرين في أمّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٥ ـ عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أعطيت خمساً لم يعطهّن أحد قبلي وأعطيت الشفاعة ، ولم يعط نبيٌّ قبلي »(٥) .

____________

١ ـ الدرّ المنثور ٣ / ٧١.

٢ ـ مسند أحمد ٤ / ١٠٨ ، كتاب السنّة : ٣٨١ ، المعجم الأوسط ٣ / ٣٢١ ، المعجم الكبير ٥ / ٢٦.

٣ ـ صحيح البخاري ١ / ١٥٢ و ٥ / ٢٢٨ ، سنن النسائي ٢ / ٢٧ ، السنن الكبرى للبيهقي ١ / ٤١٠ ، المعجم الصغير ١ / ٢٤٠ ، مسند الشاميين ٤ / ١٤٩.

٤ ـ المعجم الكبير ٨ / ٢٨١ و ٢٠ / ٢١٤ ، كنز العمال ٦ / ٢١ و ٣٠ ، مجمع الزوائد ٥ / ٢٣٥ ، كتاب السنّة : ١٨٤.

٥ ـ صحيح البخاري ١ / ١١٣ ، صحيح مسلم ٢ / ٦٣ ، سنن النسائي ١ / ٢١١.

٤٥

ولنقتصر على هذا القدر من الروايات.

( شهيناز ـ البحرين ـ سنّية ـ ٢٠ سنة ـ طالبة جامعة )

في الكتاب والسنّة :

س : ما الدليل من الكتاب والسنّة على الشفاعة؟

ج : إنّ القول بالشفاعة لم يختصّ بالشيعة وحدهم ، بل اشترك في ذلك جميع المسلمين ، ودليلهم القرآن الكريم والسنّة الشريفة :

أمّا من القرآن الكريم ، فقوله تعالى :( وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى ) (١) ، إلى غيرها من الآيات الكريمة التي تؤكّد شفاعة المقرّبين عند الله تعالى ، ومن يرتضيهم من شفعاء.

أمّا السنّة الشريفة : فعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تلا قول الله عزّ وجلّ :( وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى ) ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي »(٢) .

وعن قتادة قال : وذكر لنا أنّ نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « إنّ في أمّتي رجلاً ليدخلن الله الجنّة بشفاعته أكثر من بني تميم »(٣) .

وعن أنس بن مالك قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أنا أوّل شفيعٍ يوم القيامة ، وأنا أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة ، إنّ من الأنبياء لمن يأتي يوم القيامة ما معه مصدّق غير واحد »(٤) .

وعن جابر بن عبد الله قال : قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أنا قائد المرسلين ولا فخر ، وأنا خاتم النبيين ولا فخر ، وأنا أوّل شافع ومشفع ولا فخر »(٥) .

____________

١ ـ الأنبياء : ٢٨.

٢ ـ المستدرك ٢ / ٣٨٢.

٣ ـ المصدر السابق ٦ / ٢٨٥.

٤ ـ السنن الكبرى للبيهقي ٩ / ٤ ، تاريخ بغداد ١٢ / ٣٩٨.

٥ ـ المعجم الأوسط ١ / ٦١ ، الجامع الصغير ١ / ٤١٣ ، كنز العمّال ١١ / ٤٣٦ ، التاريخ الكبير ٤ / ٢٨٦.

٤٦

فهذه الآيات والروايات تؤكّد أصل وجود الشفاعة ، وهي خاصّة بمن ارتضاهم الله وفضّلهم وأكرمهم.

( محمّد ـ السعودية ـ ١٦ سنة ـ طالب ثانوية )

لا تنال شفاعتنا من استخف بصلاته :

س : أسأل الله العلي القدير أن يمنّ عليكم بنعمة نشر المعارف الحقّة المستقاة من منبع الطهر والعصمة محمّد وآله الطاهرين.

السؤال حول الحديث المروي عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي يقول : « ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي يوم القيامة »(١) ، وهناك رواية تنقل عن الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام تقول : « إنّه لا ينال شفاعتنا من استخفّ بالصلاة »(٢) .

والسؤال هو : إذا كان الاستخفاف بالصلاة من الكبائر ، والتي وعد صاحبها بعدم نيل الشفاعة ، فهل ينال صاحبها شفاعة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ وكيف؟ وهل هناك بين الروايتين تناقض؟ إذ لا ينال الشفاعة من استخفّ بالصلاة لأنّه عمل كبيرة ، وينال الشفاعة من جهة أُخرى لأنّ شفاعة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لأهل الكبائر قد ادخرت؟ فعلى كلا الوجهين سينال الشفاعة ممّن سيشفع لمن يستحقّ الشفاعة ، إذ إنّهم عليهم‌السلام لا يشفعون إلاّ لمن ارتضى ، وهم من خشيته مشفقون ، أم إنّ الذي يأتي بما تقدّم لا ينال الرضى ليستحقّ الشفاعة؟ أم ماذا؟ أفيدونا مأجورين.

ج : يمكن أن نتصوّر عدّة أجوبة للجمع بين الحديثين :

١ ـ إنّ قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عام يشمل جميع أهل الكبائر ، وأمّا قول الإمام الصادقعليه‌السلام فهو خاص ينحصر بالمستخف بالصلاة ـ أي المتهاون بها ـ ، فيحمل العام على الخاصّ ، كما هو متعارف عليه عند الأُصوليين في مثل هذه الحالة ، وتسمى بالتعارض غير المستقرّ ، وتجمع جمعاً عرفياً ، ذُكر بشكل مفصّل في بحوث أُصول الفقه ، مبحث التعارض والتراجيح.

____________

١ ـ التبيان ١ / ٢١٣ ، المعجم الأوسط ٦ / ١٠٦ ، البداية والنهاية ١٠ / ٢٥٤.

٢ ـ الكافي ٣ / ٢٧٠ و ٦ / ٤٠١ ، تهذيب الأحكام ٩ / ١٠٧.

٤٧

٢ ـ إنّ شفاعة أهل البيتعليهم‌السلام لها منازل متعدّدة ، فيمكن حمل قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على منزل منها ، كأن يكون آخر المراحل في يوم القيامة ، ويحمل قول الإمام الصادقعليه‌السلام على عدم نيل الشفاعة في منزل آخر ، كأن يكون في البرزخ مثلاً أو غيره.

وهنالك ما يؤيّد ما ذكرناه ، وهو قول النبيّ : « ادخرت » ، إٍذ إنّ الادخار يفيد معنى عدم الإعطاء في أوّل أزمنة الحاجة ، والحفاظ عليها إلى الأزمنة المهمّة جدّاً.

٣ ـ يمكن أن يكون الفرق هو : إنّ الإمام الصادقعليه‌السلام ينفي الشفاعة عن المستخفّ بالصلاة على النحو الفعلي وواقعاً ، وهذا لا تعارض له مع قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ إنّ النبيّ لم يقل إنّي اشفع فعلاً لأهل الكبائر ، بل قال : إنّي أدّخر شفاعتي لهم ، ومعنى الادخار هو الحفاظ عليها إلى وقت الشدّة ، والحفاظ لا يعني إعطاؤه بشكل قطعي ، فربما يعطي الشفاعة وربما لا يعطيها.

وهذا كما نجده في قوله تعالى :( قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ) (١) ، فليس معنى السعة لكُلّ شيء هو حصول الرحمة ووقوعها للجميع فعلاً ، وإلاّ لتعارض مع عقاب أيّ مخلوق ـ الكفرة وغيرهم ـ بل المقصود أنّ الرحمة من الله تعالى لها قابلية الشمول للجميع ، لكن البعض ليست له القابلية على نيلها ، وكما يقال : العجز في القابل لا في الفاعل.

وهنالك أوجه أُخرى يمكن تصوّرها لا داعي لذكرها.

( منير ـ السعودية ـ )

تكون للأنبياء والأئمّة والشهداء و... :

س : من هم الذين يسمح الله لهم بالشفاعة يوم القيامة؟ هل هم الأنبياء فقط؟ أم هناك غيرهم أيضاً؟ وهل هناك أدلّة تؤيّد ذلك؟

____________

١ ـ الأعراف : ١٥٦.

٤٨

ج : الظاهر من روايات كثيرة واردة في كتب الفريقين : إنّ الشفاعة يوم القيامة تكون للأنبياء وللأئمّة والعلماء والشهداء وغيرهم ، ومن تلك الروايات :

١ ـ عن ابن عباس قال : أوّل من يشفع يوم القيامة في أمّته رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأوّل من يشفع في أهل بيته وولده أمير المؤمنين ، وأوّل من يشفع في الروم المسلمين صهيب ، وأوّل من يشفع في مؤمني الحبشة بلال(١) .

٢ ـ عن عثمان بن عفّان عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « أوّل من يشفع يوم القيامة الأنبياء ، ثمّ الشهداء ، ثمّ المؤذّنون »(٢) .

٣ ـ عن عثمان بن عفّان قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أوّل من يشفع يوم القيامة الأنبياء ، ثمّ العلماء ، ثمّ الشهداء »(٣) .

( جعفر سلمان ـ البحرين ـ )

شفاعة المعصوم تحقق إرادة الله :

س : هل شفاعة المعصوم عليه‌السلام متأخّرة رتبة على إرادة الله؟ وليس دورها إلاّ مطابقتها لهذه الإرادة ، ويكون هدفها فقط بيان مقام هؤلاء المعصومين؟ أو أنّ الأمر أبعد من ذلك ، حيث تكون شفاعة المعصوم من مقتضيات تحقّق إرادة الله تعالى ، وبالتالي تكون جزء علّة لفعل الله ، أو أنّ هناك شيء آخر؟

ج : لا يخفى أنّ كُلّ شيء وجودي في الكون مسبوق بعلم الله تعالى أزلاً ، ومقيّد بتعلّق إرادة الله الفعلية به في الوجود تكويناً.

هذا ، وإنّ مقام الشفاعة بتفاصيلها يدخل ضمن المخطّط الإلهي في الوجود ، فلا يخرج عن علمه تعالى أوّلاً ، وعن إرادته سبحانه في الوجود ثانياً.

____________

١ ـ مناقب آل أبي طالب ٢ / ١٤.

٢ ـ مجمع الزوائد ١٠ / ٣٨١.

٣ ـ الجامع الصغير ١ / ٤٣٤ ، كنز العمّال ١٠ / ١٥١ ، تاريخ بغداد ١١ / ١٧٨ ، تهذيب الكمال ٢٢ / ٥٥١.

٤٩

على ضوء ما ذكرنا ، يظهر أنّ مقام الشفاعة قد أعطي للمعصومعليه‌السلام من قبل الله تعالى ، ثمّ إنّ المعصومعليه‌السلام واستناداً إلى هذه المرتبة الممنوحة له يشفع في العباد.

فالنتيجة : إنّ مقام الشفاعة وإن أعطيت أصالةً من قبل الله تعالى ، ولكن تنفيذه وتطبيقه بيد المعصومعليه‌السلام ، فلا يكون دوره شكلياً بل حقيقياً ، وإن كنّا نعلم ـ بمقتضى صفة العصمة ـ أنّهعليه‌السلام لا يخرج في شفاعته عن رضوان الله تعالى.

ومجمل الكلام : إنّنا إن نظرنا إلى المسألة من زاوية الإرادة الإلهية التكوينية ، فالشفاعة وثمراتها سوف تكون مسبوقة بإرادة الله تعالى ، ومتأخّرة من حيث الشأن والرتبة والوجود ، وإن نظرنا إليها من ناحية الإرادة الإلهية التشريعية ، فسوف تعتبر الشفاعة حينئذٍ أصيلة وغير منوطة بأيّ شيء ، ويكون المعصومعليه‌السلام فيها مختاراً مستقلاً ، وبالنتيجة يكونعليه‌السلام من أجزاء تحقّق إرادة الله تعالى.

( الحائر ـ السعودية ـ )

تشمل أهل المعاصي لا النواصب :

س : إلى الإخوان العاملين في مركز الأبحاث ، تحية طيّبة ، أشكركم على الإجابة السابقة ، وإن تأخّرت بعض الشيء.

سؤالي لكم كالتالي : هل الشفاعة تشمل أهل المعاصي الذين ماتوا عليها غير تائبين؟ وهل تشمل كُلّ موحّد وإن كان من الذين نصبوا العداء لأهل البيتعليهم‌السلام ؟

ج : إنّ بحث الشفاعة بحث علمي ودقيق ، وللوقوف على أصلها وحدودها نحتاج إلى تفصيل وإطناب في الكلام ، فلا يسعنا تصوير البحث بنحو تامّ ، ولكن نجيب على سؤالك بالإجمال.

٥٠

أوّلاً : الظهور الأوّلي المتبادر من مفهوم الشفاعة ، هو شمولها لأهل المعاصي غير التائبين ، إذ إنّ التائب حقيقةً لا ذنب له ، فلا يحتاج إلى شفاعة في ذلك المورد.

مضافاً إلى أنّ بعض الروايات الواردة في المقام تصرّح بهذا المعنى ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي »(١) .

ثانياً : إنّ شمول الشفاعة للعاصين يختلف باختلاف المعاصي والعصاة في كيفية صدور المعصية عنهم وكمّيتها ؛ فمنهم من تناله الشفاعة في بادئ الأمر ، ومنهم من لا يليق لهذه المكرمة إلاّ بعد مسّه النار وتطهيره ، ومنهم بين ذلك.

ثالثاً : بحسب الأدلّة النقلية فإنّ الشفاعة بمراتبها المختلفة مشروطة بوجود مؤهّلات ومواصفات في المشفوع لهم ، منها : التوحيد وعدم الشرك.

ومنها : الإسلام والإيمان.

ومنها : محبّة أهل البيتعليهم‌السلام وعدم العداء لهم.

ومنها : عدم الاستخفاف بالصلاة.

ويدلّ على ذلك كُلّه الأخبار الواردة في المقام ، نذكر بعضها :

قال الإمام الصادقعليه‌السلام : « إنّ المؤمن ليشفع لحميمه ، إلاّ أن يكون ناصباً ، ولو أنّ ناصباً شفع له كُلّ نبي مرسل وملك مقرّب ما شفعوا »(٢) .

وقال الإمام الصادقعليه‌السلام أيضاً : «لا ينال شفاعتنا من استخفّ بالصلاة »(٣) .

____________

١ ـ المستدرك ٢ / ٣٨٢.

٢ ـ المحاسن ١ / ١٨٦.

٣ ـ الكافي ٣ / ٢٧٠ و ٦ / ٤٠١ ، تهذيب الأحكام ٩ / ١٠٧.

٥١
٥٢

الشهادة الثالثة في الأذان :

( السيّد علي رضا ـ ـ )

الأدلّة على جوازها :

س : ما هي حقيقة الشهادة الثالثة؟ وهل وصّى بها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أم أنّها أضيفت بعد فترة؟

ج : قد اتفق علماء الشيعة على جواز الشهادة الثالثة في الأذان ، ثمّ ذهب بعضهم إلى أنّها جزء مستحبّ من أجزاء الأذان ، كما هو الحال في القنوت بالنسبة إلى الصلاة.

وذهب أكثر علمائنا إلى أنّها مستحبّة لا بقصد الجزئية ـ أي ليست جزءً ، ولا فصلاً من فصول الأذان ـ مستفيدين الاستحباب من بعض العمومات والإطلاقات في الروايات المؤكّدة على المقارنة بين اسم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله واسم الإمام عليعليه‌السلام ، كما هو الحال في الصلاة على محمّد وآل محمّد بعد الشهادة الثانية.

من تلك العمومات والإطلاقات :

١ ـ عن القاسم بن معاوية ، عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : «فإذا قال أحدكم : لا اله إلاّ الله ، محمّد رسول الله ، فليقل : علي أمير المؤمنين »(١) ، والحديث لم يتقيّد بزمان ولا مكان ، ولا في فعل خاصّ ، فهو عام يشمل الأذان وغيره.

____________

١ ـ الاحتجاج ١ / ٢٣١.

٥٣

٢ ـ عن أبي الحمراء عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « لمّا أسري بي إلى السماء نظرت إلى العرش ، فإذا عليه مكتوب : لا إله إلا الله ، محمّد رسول الله أيّدته بعلي ونصرته به »(١) .

٣ ـ عن عبد الله بن مسعود عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « يا عبد الله أتاني ملك فقال : يا محمّد ، سل من أرسلنا من قبلك من رسلنا على ما بعثوا؟ قال : قلت : على ما بعثوا؟ قال : على ولايتك وولاية علي بن أبي طالب »(٢) .

٤ ـ عن حذيفة بن اليمان عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « لو علم الناس متى سمّي علي أمير المؤمنين ما أنكروا فضله ، سمّي أميراً وآدم بين الروح والجسد ، قال الله تعالى :( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ) (٣) قالت الملائكة : بلى ، فقال تبارك وتعالى : أنا ربّكم ومحمّد نبيّكم وعلي أميركم »(٤) .

ففي كُلّ مورد يذكر رسول الله يذكر علي معه ، والأذان من جملة الموارد ، ومن شواهدها من كتب أهل السنّة قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي : «ما سألت ربّي شيئاً في صلاتي إلاّ أعطاني ، وما سألت لنفسي شيئاً إلاّ سألت لك »(٥) .

____________

١ ـ مناقب أمير المؤمنين ١ / ٢٤٤ ، شرح الأخبار ١ / ٢١٠ ، المعجم الكبير ٢٢ / ٢٠٠ ، شواهد التنزيل ١ / ٢٩٨ ، جواهر المطالب ١ / ٩٢ ، ينابيع المودّة ١ / ٦٩ و ٢ / ١٦٠ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٣٦ ، تهذيب الكمال ٣٣ / ٢٦٠ ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى ١ / ١٧٤.

٢ ـ شواهد التنزيل ٢ / ٢٢٣ ، كشف الغمّة ١ / ٣١٨.

٣ ـ الأعراف : ١٧٢.

٤ ـ فردوس الأخبار ٢ / ١٩٧.

٥ ـ السنن الكبرى للنسائي ٥ / ١٥١ ، خصائص أمير المؤمنين : ١٢٥ ، ذخائر العقبى : ٦١ ، مجمع الزوائد ٩ / ١١٠ ، كتاب السنّة : ٥٨٢ ، أمالي المحاملي : ٢٠٣ و ٣٦٧ ، المعجم الأوسط ٨ / ٤٧ ، نظم درر السمطين : ١١٩ ، كنز العمّال ١١ / ٦٢٥ و ١٣ / ١٥١ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣١٠ ، المناقب : ١١٠ ، جواهر المطالب ١ / ٢٣٩ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ٢٩٨ ، ينابيع المودّة ٢ / ١٤٩.

٥٤

والخلاصة : إنّ الشهادة لعليعليه‌السلام بالولاية في الأذان ـ عند أكثر علمائنا ـ مكمّلة للشهادة الثانية بالرسالة ، ومستحبّة في نفسها ، وإن لم تكن جزءً من الأذان.

ونلفت انتباهكم إلى أنّ ما قد يفهم من ظاهر كلمات بعض الأعلام من منعها في الأذان ، فهو وقوعها على نحو الجزئية ، لا على نحو أنّها مستحبّة في نفسها.

جعلنا الله وإيّاكم من المتمسّكين بولاية أمير المؤمنينعليه‌السلام .

( طلال ـ الكويت ـ سنّي )

أذان الشيعة من مصادر أهل السنّة :

س : لله الحمد أنّنا مسلمون ، ومنّ الله علينا بالإسلام.

سؤالي : أُريد دليلاً على أنّ الأذان الحالي عندكم هو ما كان عليه في صدر الإسلام ، وعهد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ج : إنّ الأذان الموجود عند الشيعة ـ بحسب الأحاديث التي وصلتهم ـ هو ما كان في عهد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، مضافاً إلى تأييد هذه الصورة من الأذان في كتب أهل السنّة ، فنذكر لك فيما يلي مواضع الاختلاف بين فصول أذان الشيعة وأذان السنّة ، وما يدلّ عليها من مصادركم :

١ ـ التكبير في أوّل الأذان بنظر الشيعة أربع مرّات ، ويوافقنا في ذلك الشافعي وأبو حنيفة وأحمد والثوري(١) .

مضافاً إلى ورود رواية من طرق السنّة تصرّح بهذا الحكم ، فعن محمّد بن عبد الملك بن أبي محذورة عن أبيه عن جدّه قال : قلت : يا رسول الله علّمني سنّة

____________

١ ـ أُنظر : المجموع ٣ / ٩٠ ، فتح العزيز ٣ / ١٦٠ ، مختصر المزني : ١٢ ، مغني المحتاج ١ / ١٣٥ ، المغني لابن قدامة ١ / ٤١٥ ، بداية المجتهد ١ / ٨٨.

٥٥

الأذان ، فمسح مقدّم رأسه ، وقال : « تقول : الله أكبر »(١) فذكر التكبير أربع مرّات.

وأيضاً أنّ الحديث الذي هو المستند في تثنية التكبير لا دلالة له أصلاً ، بل هو إخبار عن المنام ، فهو كما ترى!!(٢) .

٢ ـ أطبقت الشيعة الإمامية على تثنية التهليل في آخر الأذان ، ويدلّ عليه من كتب أهل السنّة ، ما ورد من أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بلالاً أن يشفّع الأذان(٣) .

٣ ـ التثويب بدعة عند الشيعة في الصبح وغيره ، ويوافقنا في ذلك الشافعي في أحد قوليه(٤) .

ويؤيّد هذا الرأي بما روي في الصحيح عن أذان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله خالٍ عن التثويب(٥) .

وروى ابن أبي شيبة : أنّ الأسود بن يزيد كان يعترض لزيادة هذه الفقرة في الأذان(٦) .

وروى الترمذي : إنكار ابن عمر على من زادها في الأذان ، باعتبارها بدعة(٧) .

وعن الإمام عليعليه‌السلام أنّه قال حين سمعها : « لا تزيدوا في الأذان ما ليس منه »(٨) .

____________

١ ـ سنن أبي داود ١ / ١٢١ ، تحفة الأحوذي ١ / ٤٨٦ ، صحيح ابن حبّان ٤ / ٥٧٨ ، المعجم الكبير ٧ / ١٧٤ ، تهذيب الكمال ٢٦ / ٢٣ ، السنن الكبرى للبيهقي ١ / ٣٩٤.

٢ ـ أُنظر : الجامع الكبير ١ / ١٢٢ ، صحيح ابن خزيمة ١ / ١٨٩ ، أُسد الغابة ٣ / ١٦٦.

٣ ـ صحيح البخاري ١ / ١٥٠ ، صحيح مسلم ٢ / ٢ ، سنن ابن ماجة ١ / ٢٤١ ، الجامع الكبير ١ / ١٢٤ ، سنن الدارمي ١ / ٢٧٠ ، سنن أبي داود ١ / ١٢٥ ، سنن النسائي ٢ / ٣.

٤ ـ الأُم ١ / ١٠٤ ، المجموع ٣ / ٩٢ ، فتح العزيز ٣ / ١٦٩ ، مختصر المزني : ١٢ ، بدائع الصنائع ١ / ١٤٨.

٥ ـ صحيح مسلم ٢ / ٣.

٦ ـ المصنّف لابن أبي شيبة ١ / ٢٣٧.

٧ ـ الجامع الكبير ١ / ١٢٨ ، السيرة الحلبية ٢ / ١٣٥.

٨ ـ نيل الأوطار ٢ / ١٨.

٥٦

٤ ـ أجمعت الشيعة على ذكر فقرة « حيّ على خير العمل » في الأذان ، وممّا يدلّ عليها : أنّ عمر نهى عنها ـ وهو على المنبر ـ إذ قال : أيّها الناس ثلاث كنّ على عهد رسول الله ، أنا أنهى عنهنّ ، وأُحرمهنّ وأُعاقب عليهنّ وهي : متعة النساء ، ومتعة الحجّ ، وحيّ على خير العمل(١) ، وهذا الكلام منه دليل ورود هذه الفقرة « حيّ على خير العمل » في أذان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وورد أيضاً أنّ الإمام زين العابدينعليه‌السلام وابن عمر كانا يقولان في الأذان بعد حيّ على الفلاح ، حيّ على خير العمل(٢) .

وأيضاً جاء عن بلال أنّه كان يؤذّن بالصبح فيقول : حيّ على خير العمل(٣) .

٥ ـ المستحبّات الواردة قبل البدء في الأذان وبين فقراتها كثيرة ، كقول بعض المؤذّنين في الابتداء : «وقل الحمد لله الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولداً » ، أو الصلاة بعد ذكر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ثمّ إنّ من المستحبّات الشهادة لأمير المؤمنينعليه‌السلام بالولاية بعد الشهادتين.

فالشيعة لا ترى هذه الفقرة جزءً أو فصلاً من الأذان ، بل هي ذكر مستحبّ ، لورود أحاديث كثيرة في مصادر أهل السنّة ، قرنت بين اسم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وبين اسم عليعليه‌السلام (٤) .

أضف إلى ذلك ، فقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «هو وليّ كُلّ مؤمن من بعدي »(٥) .

____________

١ ـ شرح تجريد العقائد : ٣٧٤.

٢ ـ السيرة الحلبية ٢ / ١٣٧ ، السنن الكبرى للبيهقي ١ / ٤٢٤ ، المصنّف للصنعاني ١ / ٤٦٤ ، المصنّف لابن أبي شيبة ١ / ٢٤٤ ، مسند زيد بن علي : ٩٣.

٣ ـ السنن الكبرى للبيهقي ١ / ٤٢٥ ، المعجم الكبير ١ / ٣٥٢ ، كنز العمّال ٨ / ٣٤٢.

٤ ـ مناقب أمير المؤمنين ١ / ٢٤٤ ، شرح الأخبار ١ / ٢١٠ ، المعجم الكبير ٢٢ / ٢٠٠ ، شواهد التنزيل ١ / ٢٩٨ ، جواهر المطالب ١ / ٩٢ ، ينابيع المودّة ١ / ٦٩ و ٢ / ١٦٠ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٣٦ ، تهذيب الكمال ٣٣ / ٢٦٠ ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى ١ / ١٧٤.

٥ ـ فضائل الصحابة : ١٥ ، المستدرك ٣ / ١٣٤ ، مسند أبي داود : ١١١ و ٣٦٠ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٧ / ٥٠٤ ، الآحاد والمثاني ٤ / ٢٧٩ ، كتاب السنّة : ٥٥٠ ، السنن الكبرى للنسائي

٥٧

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً : « أنا وهذا حجّة على أمّتي يوم القيامة »(١) .

وأخيراً :( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الحقّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (٢) .

( ـ لبنان ـ )

تعقيب على الجواب السابق :

أودّ إضافة شيء على الجواب الجيّد ، وهو أنّه لنا التمسّك بعموم الخبر الصحيح الوارد في الاحتجاج لإثبات أرجحية ذكر الشهادة بالولاية عقب الشهادة بالرسالة ، انقل مضمونه : من قال لا اله إلاّ الله محمّد رسول الله ، فليقل : علي أمير المؤمنين

____________

٥ / ٤٥ و ١٢٦ و ١٣٢ ، خصائص أمير المؤمنين : ٦٤ و ٩٧ ، مسند أبي يعلى ١ / ٢٩٣ ، صحيح ابن حبّان ١٥ / ٣٧٤ ، المعجم الكبير ١٢ / ٧٨ و ١٨ / ١٢٩ ، نظم درر السمطين : ٧٩ و ٩٨ ، موارد الظمآن : ٥٤٣ ، كنز العمّال ١١ / ٥٩٩ و ٦٠٧ و ١٣ / ١٤٢ ، فيض القدير ٤ / ٤٧١ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ١٠٠ و ١٩٨ ، أُسد الغابة ٤ / ٢٧ ، سير أعلام النبلاء ٨ / ١٩٩ ، الإصابة ٤ / ٤٦٧ ، الجوهرة : ٦٤ ، البداية والنهاية ٧ / ٣٨١ ، المناقب : ١٢٧ و ١٥٣ ، جواهر المطالب ١ / ٢١٢ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ٢٩١ ، ينابيع المودّة ١ / ١١٢ و ٢ / ٧٨ و ٨٦ و ١٥٩ و ٢٣٦ و ٣٩٨ و ٤٩٠ و ٣ / ٣٦٤.

١ ـ كنز العمّال ١١ / ٦٢٠ ، تاريخ بغداد ٢ / ٨٦ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٠٩ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ٢٩٢.

٢ ـ يونس : ٣٥.

٥٨

الشورى :

( علي ـ البحرين ـ )

معنى( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) :

س : ما معنى قوله تعالى : ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) ؟

ج : جاء في تفسير مجمع البيان : « وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ(١) أي : استخرج آراءهم ، واعلم ما عندهم.

واختلفوا في فائدة مشاورتهصلى‌الله‌عليه‌وآله إيّاهم ـ مع استغنائه بالوحي عن تعرّف صواب الرأي من العباد ـ على أقوال :

أحدها : إنّ ذلك على وجه التطييب لنفوسهم ، والتآلف لهم ، والرفع من أقدارهم ، ليبيّن أنّهم ممّن يوثق بأقوالهم ، ويرجع إلى آرائهم ، عن قتادة والربيع وابن إسحاق.

وثانيها : إنّ ذلك لتقتدي به أمّته في المشاورة ، ولم يروها نقيصة ، كما مدحوا بأنّ أمرهم شورى بينهم ، عن سفيان بن عيينة.

وثالثها : إنّ ذلك ليمتحنهم بالمشاورة ، ليتميّز الناصح من الغاش.

ورابعها : إنّ ذلك في أُمور الدنيا ، ومكائد الحرب ، ولقاء العدو ، وفي مثل ذلك يجوز أن يستعين بآرائهم ، عن أبي علي الجبائي »(٢) .

____________

١ ـ آل عمران : ١٥٩.

٢ ـ مجمع البيان ٢ / ٤٢٨.

٥٩

وعن ابن عباس بسند حسن : لمّا نزلت :( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( أما أنّ الله ورسوله لغنيان عنها ، ولكن جعلها الله رحمة لأمّتي ، فمن استشار منهم لم يعدم رشداً ، ومن تركها لم يعدم غيّاً ) (١) .

إنّ هذه الرواية تفيد : أنّ استشارتهصلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابه لا قيمة لها على صعيد اتخاذ القرار ، لأنّ الله ورسوله غنيان عنها ، لأنّهما يعرفان صواب الآراء من خطئها ، فلا تزيدهما الاستشارة علماً ، ولا ترفع جهلاً ، وإنّما هي أمر تعليمي أخلاقي للأُمّة ، وإذا كانت الاستشارة أمراً تعليمياً أخلاقياً ، فلا محذور على الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله فيها(٢) .

( أحمد ـ السعودية ـ )

ليست مشروعة في تعيين الخليفة :

س : هل يمكن أن تكون الشورى بديلاً عن النصوص الواردة في تحديد الخلافة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

ج : لاشكّ أنّ الشورى لا تصلح أن تكون بديلاً عن النصوص القاطعة في خصوص إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك لأنّ ترك النصوص واللجوء إلى الشورى يعدّ رأياً واجتهاداً في مقابل النصّ ، وهو بلاشكّ غير صحيح لقوله تعالى :( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينًا ) (٣) .

فالموقف النهائي والقول الفصل يعود إلى الله تعالى ورسوله لا إلى من سواهما ، وليس لأحد الامتناع أو المخالفة في ذلك ، إلاّ أن يخرج عن دائرة

____________

١ ـ الدرّ المنثور ٢ / ٩٠ ، فيض القدير ٥ / ٥٦٥ ، فتح القدير ١ / ٣٩٥.

٢ ـ الصحيح من سيرة النبيّ ٦ / ٩٠.

٣ ـ الأحزاب : ٣٦.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

وقد أشار شيخ الاسلام سيد المتأخرين، تقي الدين ابن دقيق العيد، في كتابه الاقتراح إلى هذا وقال: أعراض المسلمين حفرة من حفر النار، وقف على شفيرها طائفتان من الناس: المحدّثون والحكام.

قلت: ومن أمثلته قول بعضهم في البخاري: تركه أبو زرعة وأو حاتم من أجل مسألة اللفظ، فيا لله والمسلمين أيجوز لأحد أن يقول: البخاري متروك وهو حامل لواء الصناعة ومقدم أهل السنّة والجماعة؟ يا لله والمسلمين أيجعل ممادحه مذام؟ فإن الحق في مسألة اللفظ معه، إذْ لا يستريب عاقل من المخلوقين في أن تلفّظه من الأفعال الحادثة التي هي مخلوقة لله تعالى، وإنما أنكرها الامام أحمد وابن صالح لبشاعة لفظها ».

والظاهر أنه يقصد من « بعضهم » الحافظ الذهبي وهو شيخه، ولذلك آثر عدم التصريح باسمه.

وقال الشيخ عبد الرءوف المناوي بترجمة البخاري: « زين الأئمة صاحب أصح الكتب بعد القرآن، ساحب ذيل الفضل على ممر الزمان، الذي قال فيه إمام الأئمّة ابن خزيمة: ما تحت أديم السماء أعلم منه. وقال بعضهم: إنه آية من آيات الله يمشي على وجه الأرض. قال الذهبي: كان من أفراد العالم مع الدين والورع والمتانة. هذا كلامه في الكاشف.

ومع ذلك غلب عليه الغرض من أهل السنة، فقال في كتاب الضعفاء والمتروكين: ما سلم من الكلام لأجل مسألة اللفظ، تركه لأجلها الرّازيان.

هذه عبارته وأستغفر الله تعالى، نسأل الله السلامة ونعوذ به من الخذلان »(١) .

« والرازيان » هما: أبو زرعة وأبو حاتم.

ثم اعلم أن الحافظ الذهبي وإنْ اكتفى بنقل طعن هذين الإمامين في كتابيه

___________________

(١). فيض القدير في شرح الجامع الصغير ١ / ٢٤.

١٦١

( الميزان ) و ( المغني )، إلّا أنه ذكر في سائر كتبه قدح الذهلي وابن أعين وغيرهما كذلك، والظاهر أن السبكي والمناوي لم يقفا على ذلك وإلّا لزاد تألمهما وعويلهما

ترجمة أبي زرعة الرازي

وترجم الذهبي لأبي زرعة ترجمة حافلة نذكر منها جملا، قال: « أبو زرعة الرازي الامام سيد الحفاظ محدّث الري.

وقال أبو بكر الخطيب: كان إماماً، ربّانياً، حافظاً متقناً مكثراً، جالس أحمد ابن حنبل وذاكره، وحدّث عنه أهل بغداد.

قال أبو عبد الله ابن بطة: سمعت النجار سمعت عبد الله بن أحمد يقول:

لما ورد علينا أبو زرعة نزل عندنا فقال لي أبي: يا بنيّ قد اعتضت بنوافلي مذاكرة هذا الشيخ.

وقال ابن أبي شيبة: ما رأيت أحفظ من أبي زرعة.

ابن المقري: أنبأ عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني، سمعت محمد بن إسحاق الصّاغاني يقول: أبو زرعة يشبَّه بأحمد بن حنبل.

وقال علي بن الحسين بن الجنيد: ما رأيت أحداً أعلم بحديث مالك من أبي زرعة وكذلك سائر العلوم.

قال ابن أبي حاتم: سئل أبي عن أبي زرعة، فقال: إمام.

قال عمر بن محمد بن إسحاق القطان: سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل سمعت أبي يقول: ما جاوز الجسر أحد أفقه من إسحاق بن راهويه ولا أحفظ من أبي زرعة.

إبن عدي: سمعت أبا يعلى الموصلي يقول ما سمعنا يذكر أحد في الحفاظ إلّا كان اسمه أكبر من رؤيته، إلّا أبو زرعة الرازي فإنّ مشاهدته كانت أعظم من اسمه، وكان قد جمع حفظ الأبواب والشيوخ والتفسير، كتبنا بإملائه بواسطة ستة

١٦٢

آلاف حديث.

ابن عدي: سمعت الحسن بن عثمان، سمعت ابن رواه، سمعت إسحاق ابن راهويه، يقول: كلّ حديث لا يعرفه أبو زرعة الرازي، فليس له أصل.

قال ابن أبي حاتم: سمعت يونس بن عبد الأعلى، يقول: ما رأيت أكثر تواضعاً من أبي زرعة، هو وأبو حاتم إماما خراسان.

وقال يوسف الميانجي: سمعت عبد الله بن محمد القزويني القاضي، يقول: حدثنا يونس بن عبد الأعلى يوماً فقال: حدثني أبو زرعة، فقيل له: من هذا؟ فقال: إنّ أبا زرعة أشهر في الدنيا من ابن أبي حاتم، ثنا الحسن بن أحمد سمعت أحمد بن حنبل يدعو الله لأبي زرعة، وسمعت عبد الواحد بن غياث يقول: ما رأى أبو زرعة مثل نفسه.

قال النسائي: أبو زرعة الرازي ثقة.

وقال إسحاق بن إبراهيم بن عبد الحميد القرشي: سمعت عبد الله بن أحمد يقول: ذاكرت أبي ليلةً الحفاظ فقال: يا بني! قد كان الحفظ عندنا، ثم تحوّل إلى خراسان إلى هؤلاء الشباب الأربعة، قلت: من هم؟ قال: أبو زرعة ذاك الرازي، ومحمد بن إسماعيل ذاك البخاري، وعبد الله بن عبد الرحمن ذاك السمرقندي، والحسن بن شجاع ذاك البلخي.

قلت: يعجبني كثيرا كلام أبي زرعة في الجرح والتعديل، يبين عليه الورع والخبرة، بخلاف رفيقه أبي حاتم فإنّه جرّاح »(١) .

وترجم له الحافظ ابن حجر ترجمةً مفصلة أيضاً، نقل فيها الكلمات الواردة في حق أبي زرعة من كبار الأئمّة والحفاظ، هذا ملخصها:

« أبو زرعة الرازي أحد الأئمّة الحفّاظ، قال النسائي ثقة، وقال أبو حاتم حدثني أبو زرعة - وما خلّف بعده مثله علماً وفقهاً وصيانةً وصدقاً، ولا أعلم في

___________________

(١). سير أعلام النبلاء ١٣ / ٦٥.

١٦٣

المشرق والمغرب من كان يفهم هذا الشأن مثله، قال: وإذا رأيت الرازي ينتقص أبا زرعة فاعلم أنه مبتدع. وقال ابن حبان في الثقات: كان أحد أئمة الدنيا في الحديث مع الدين والورع والمواظبة على الحفظ والمذاكرة، وترك الدنيا وما فيه الناس »(١) .

وقال الذهبي أيضاً: « أبو زرعة الحافظ، أحد الأعلام »(٢) .

وقال أيضاً: « عبيد الله بن عبد الكريم أبو زرعة الرازي، الحافظ أحد الأعلام، عن أبي نعيم والقعنبي وقبيصة وطبقتهم في الآفاق.

عنه: م ت س ق وأبو عوانة ومحمد بن الحسين والقطّان وأمم.

قال ابن راهويه: كلّ حديث لا يعرفه أبو زرعة فليس له أصل. مناقبه تطول. ولد سنة ١٩٠. ومات سنة ٢٦٤ في آخر يوم من السنة »(٣) .

وقال الحافظ: « إمام حافظ ثقة مشهور، من الحادية عشر »(٤) .

وقال اليافعي: « أبو زرعة الرازي الحافظ أحد الأئمّة الأعلام »(٥) .

وقال السمعاني: « كان إماماً ربّانياً، حافظاً مكثراً صادقاً، وقدم بغداد غير مرة، وجالس أحمد بن حنبل وذاكره وكثرت الفوائد في مجلسهما »(٦) .

وقال السيوطي: « أحد أئمّة الأعلام وحفاظ الإسلام »(٧) .

وقال عبد الغني المقدسي: « الامام، أحد حفاظ الإسلام »(٨) .

___________________

(١). تهذيب التهذيب ٧ / ٣٠.

(٢). العبر - حوادث ٢٦٤.

(٣). الكاشف ٢ / ٢٣٠.

(٤). تقريب التهذيب ١ / ٥٣٦.

(٥). مرآة الجنان، حوادث ٢٦٤.

(٦). الأنساب - الرازي.

(٧) طبقات الحفاظ: ٢٤٩.

(٨) الكمال في معرفة الرجال - مخطوط، لعبد الغني بن عبد الواحد المقدسي الحنبلي الحافظ المتوفى سنة ٦٠٠. توجد ترجمته في العبر ومرآة الجنان في حوادث السنة المذكورة.

١٦٤

وروى النووي عن أحمد قوله: « إنتهى الحفظ إلى الأربعة من أهل خراسان: أبو زرعة الرازي، ومحمد بن إسماعيل البخاري، وعبد الله بن الرحمن السمرقندي - يعني الدارمي - والحسين بن الشجاع البلخي ».

ثم روى عن الحافظ أبي علي صالح بن محمد بن جزرة قوله: « أعلمهم بالحديث البخاري، وأحفظهم أبو زرعة وهو أكثرهم حديثاً ».

وعن محمد بن بشار شيخ البخاري ومسلم قوله: « حفّاظ الدنيا أربعة: أبو زرعة بالري، ومسلم بن الحجاج بنيسابور، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي بسمرقند، ومحمد بن إسماعيل ببخارى »(١) .

وروى أبوبكر الخطيب عن أبي جعفر الطّحاوي قوله: « ثلاثة من علماء الزمان بالحديث إتفقوا بالري، لم يكن في الأرض في وقتهم أمثالهم، فذكر أبا زرعة ومحمد بن مسلم بن وارة وأبا حاتم الرازي »(٢) .

هذا، ولقد وصف ( الدهلوي ) أبا زرعة بـ « رئيس المحدثين » وترجم له ترجمة حافلة(٣) ، لكنه زعم في فصل الكلام على المتعة: أن كتاب مسلم بن الحجاج أصح الكتب(٤) ، مع علمه برأي « رئيس المحدثين » في مسلم وكتابه

٥ ) أبو حاتم الرازي

لقد ترك الامام أبو حاتم الرازي البخاري كرفيقه أبي زرعة الرازي كما علم من الكلمات المتقدمة.

ترجمة أبي حاتم

وتدل جملة من الكلمات المتقدمة في ترجمة أبي زرعة الرازي، على عظمة

___________________

(١). تهذيب الأسماء واللغات ١ / ٦٨. بترجمة البخاري.

(٢). تاريخ بغداد ٣ / ٢٥٦ بترجمة محمد بن مسلم بن وارة.

(٣). بستان المحدثين: ٩.

(٤). التحفة الاثنا عشرية، باب المطاعن: ٣٠٢.

١٦٥

شأن أبي حاتم وجلالة قدره، وقد أفادت أنه من أمثال البخاري وأبي زرعة

٦ ) ابن أبي حاتم

وابن أبي حاتم ذكر البخاري في كتاب ( الجرح والتعديل )، فقد قال الحافظ الذهبي: « قال عبد الرحمن بن أبي حاتم في الجرح والتعديل: قدم محمد بن إسماعيل الري سنة خمسين ومائتين، وسمع منه أبي وأبو زرعة، وتركا حديثه عند ما كتب إليهما محمد بن يحيى أنه أظهر عندهم بنيسابور أن لفظه بالقرآن مخلوق »(١) .

ترجمة ابن أبي حاتم

ترجم له الحافظ الذهبي بما هذا ملخصه: « عبد الرحمن العلّامة الحافظ قال أبو الحسن علي بن إبراهيم الرازي الخطيب في ترجمة عملها لابن أبي حاتم: كان -رحمه‌الله - قد كساه الله نوراً وبهاءً يسّر من نظر اليه.

قلت: وكان بحراً لا تدركه الدّلاء، روى عنه ابن عدي وحسن بن علي التميمي، والقاضي يوسف الميانجي، وأبو الشيخ ابن حيان، وابو أحمد الحاكم، وعلي بن عبد العزيز بن مردك، وأحمد بن محمد البصير الرازي، وعبد الله بن محمد ابن يزداد، وأخواه أحمد وإبراهيم بن محمد النصرآبادي، وأبو سعيد عبد الوهاب الرازي، وعلي بن محمد القصار وخلق سواهم.

قال أبو يعلي الخليلي: أخذ أبو محمد علم أبيه وأبي زرعة، وكان بحراً في العلوم ومعرفة الرجال، صنف في الفقه وفي اختلاف الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار، قال: وكان زاهداً يعدّ من الأبدال.

قلت: له كتاب نفيس في الجرح والتعديل أربع مجلدات، وكتاب الردّ على

___________________

(١). سير أعلام النبلاء ١٢ / ٣٩١.

١٦٦

الجهمية مجلد ضخم انتخبت منه، وله تفسير كبير في عدة مجلدات عامّته آثار بأسانيد، من أحسن التفاسير.

وقال الرازي المذكور في ترجمة عبد الرحمن: سمعت علي بن محمد المصري - ونحن في حارة ابن أبي حاتم - يقول: قلنسوة عبد الرحمن من السماء وما هو بعجب، رجل منذ ثمانين سنة على وتيرة واحدة لم ينحرف عن الطريق. وسمعت علي بن أحمد الفرضي يقول: ما رأيت أحداً ممن عرف عبد الرحمن ذكر عنه جهالة قط.

قال الامام إبو الوليد الباجي: عبد الرحمن بن أبي حاتم ثقة حافظ »(١) .

وقال صلاح الدين الكتبي: « الإِمام ابن الإِمام الحافظ ابن الحافظ، سمع أباه وغيره، قال ابن مندة له الجرح والتعديل في عدة مجلدات تدل على سعة حفظه وإمامته قال أبو يعلى الخليلي: كان يعدّ من الأبدال.

وقد أثنى عليه جماعة بالزهد والورع التام، والعلم والعمل، وتوفي في المحرم سنة سبع وعشرين وثلاثمائة،رحمه‌الله تعالى »(٢) .

ووصفه الذهبي بـ « الحافظ الجامع »(٣) ، واليافعي بـ « الحافظ العالم »(٤) .

ونقلا كلمة الخليلي المتقدمة.

٧ ) محمد بن يحيى الذهلي

وأما تكلّم محمد بن يحيى الذهلي في البخاري فمصرح به في عبارات الحفاظ، قال الذهبي: « قال أبو حامد ابن الشرقي: سمعت محمد بن يحيى الذهلي، يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق من جميع جهاته وحيث يصرف، فمن

___________________

(١). سير أعلام النبلاء ١٣ / ٢٦٣.

(٢). فوات الوفيات ٢ / ٢٨٧.

(٣). العبر - حوادث ٣٢٧.

(٤). مرآة الجنان - حوادث ٣٢٧.

١٦٧

لزم هذا استغنى عن اللفظ وعمّا سواه من الكلام في القرآن. ومن زعم أن القرآن مخلوق فقد كفر وخرج عن الايمان، وبانت منه امرأته، يستتاب فإنْ تاب وإلّا ضربت عنقه وجعل ماله فيئاً بين المسلمين، لم يدفن في مقابرهم. ومن وقف فقال: لا أقول مخلوق ولا غير مخلوق، فقد ضاهى الكفر. ومن زعم: أن لفظي بالقرآن مخلوق فهذا مبتدع لا يجالس ولا يكلّم.

ومن ذهب بعد هذا إلى محمد بن إسماعيل البخاري، فاتّهموه فإنه لا يحضر مجلسه إلّا من كان على مثل مذهبه »(١) .

ولقد أورد الحافظ ابن حجر هذا الكلام في مقدمة شرح البخاري(٢) .

وقال الذهبي: « قال الحاكم: ثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الأخرم سمعت ابن علي المخلدي، سمعت محمد بن يحيى، يقول: قد أظهر هذا البخاري قول اللفظية، واللفظية عندي شرّ من الجهمية »(٣) .

كفر الجهمية

وقد نصّ أئمّة أهل السنة وكبار حفّاظهم على كفر الجهميّة وهلاكهم وضلالهم، فقد قال الذهبيّ بترجمة علي بن المديني: « قال ابن عمار الموصلي في تاريخه: قال لي علي بن المديني: ما يمنعك أن تكفّر الجهمية؟ وكنت أنا أوّلاً لا أكفّرهم. فلمّا أجاب عليّ إلى المحنة، كتبت إليه أذكّره ما قال لي وأذكّره الله، فأخبرني رجل عنه أنه بكى حين قرأ كتابي، ثم رأيته بعد، فقال لي: ما في قلبي ممّا قلت وأجبت من شيء، ولكنّي خفت أن أقتل وتعلم ضعفي أني لو ضربت سوطاً واحداً لمتّ، أو نحو هذا »(٤) .

___________________

(١). سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٥٥.

(٢). هدي الساري ٢ / ٢٦٣.

(٣). سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٥٥.

(٤). سير أعلام النبلاء ١١ / ٤١.

١٦٨

وقال الذّهبي أيضاً: « جهم بن صفوان أبو محمد السّمرقندي، الضّال المبتدع، رأس الجهميّة، هالك في زمان صغار التابعين، وعلمته روى شيئاً، لكنه زرع شرّاً عظيماً »(١) .

بين الذهلي والشيخين

وقال الحافظ الذّهبي: « قال - يعني الحاكم -: وسمعت محمد بن يعقوب الحافظ يقول: لما استوطن البخاري نيسابور أكثر مسلم بن الحجّاج الاختلاف إليه. فلمّا وقع بين الذّهلي وبين البخاري ما وقع في مسألة اللّفظ، ونادى عليه ومنع النّاس عنه، انقطع عنه أكثر الناس غير مسلم، فقال الذهلي يوماً: ألا من قال باللفظ، فلا يحلّ له أن يحضر مجلسنا، فأخذ مسلم ردائه فوق عمامته وقام على رءوس الناس، وبعث إلى الذّهلي ما كتب عنه على ظهر حمّال، وكان مسلم يظهر القول باللفظ ولا يكتمه.

قال: وسمعت محمد بن يوسف المؤذّن، سمعت أبا حامد بن الشّرقي يقول: حضرت مجلس محمد بن يحيى، فقال: ألا من قال لفظي بالقرآن مخلوق، فلا يحضر مجلسنا، فقام مسلم بن الحجاج عن المجلس، رواها أحمد بن منصور الشيرازي، عن محمد بن يعقوب، فزاد: وتبعه أحمد بن سلمة.

قال أحمد بن منصور الشيرازي: سمعت محمد بن يعقوب الأخرم، سمعت أصحابنا يقولون لـمّا قام مسلم وأحمد بن سلمة من مجلس الذهلي، قال: لا يساكنني هذا الرجل في البلد، فخشي البخاري وسافر »(٢) .

وقال الحافظ ابن حجر: « وقال الحاكم أيضاً عن الحافظ أبي عبد الله ابن الأخرم، قال: لـمّا قام مسلم بن الحجاج وأحمد بن سلمة من مجلس محمد بن يحيى بسبب البخاري، قال الذهلي: لا يساكنني هذا الرجل في البلد. فخشي البخاري

___________________

(١). ميزان الاعتدال ١ / ٤٢٦.

(٢). سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٥٦.

١٦٩

وسافر »(١) .

ترجمة محمد بن يحيى الذهلي

ترجم له الحافظ أبوبكر الخطيب ترجمةً ضافية جدّاً، هذا ملخصها:

« وكان أحد الأئمّة العارفين والحفاظ المتقنين والثقات المأمونين، صنّف حديث الزهري وجوّده، وقدم بغداد وجالس شيوخها، وحدّث بها.

وكان الامام أحمد بن حنبل يثني عليه وينشر فضله.

وقد حدّث عنه جماعة من الكبراء، كسعيد بن أبي مريم المصري وأبي صالح كاتب الليث بن سعد ومحمد بن إسماعيل البخاري وأبي زرعة وأبي حاتم الرازيين وأبي داود السجستاني.

أخبرنا أبو نعيم الحافظ، أخبرني محمد بن عبد الله الضبّي في كتابه: قال: سمعت يحيى بن منصور القاضي يقول: سمعت خالي عبد الله بن علي بن الجارود يقول: سمعت محمد بن سهل بن عسكر يقول: كنا عند الامام أحمد بن حنبل، فدخل محمد بن يحيى - يعني الدهلي - فقام إليه أحمد وتعجّب منه الناس. ثم قال لبنيه وأصحابه: إذهبوا إلى أبي عبد الله فاكتبوا منه.

وأخبرنا ابن زرق، أخبرنا دعلج بن أحمد، حدثنا أبو محمد ابن الجارود قال: سمعت أبا عبد الرحيم محمد بن أحمد بن الجرّاح الجوزجاني يقول: دخلت على الامام أحمد بن حنبل. فقال لي: تريد البصرة؟ قلت: نعم، قال: فإذا أتيتها فالزم محمد بن يحيى وليكن سماعك منه، فإنّي ما رأيت خراسانيّاً - أو قال: ما رأيت أحداً - أعلم بحديث الزهري منه ولا أصح كتاباً منه.

أخبرني محمد بن أحمد بن يعقوب، أخبرنا محمد بن نعيم الضبيّ، قال: سمعت أبا علي الحسين بن علي الحافظ - وسأله أبو عمر الاصبهاني عن محمد بن يحيى وعباس بن عبد العظيم العنبري، أيهما أحفظ؟ قال أبو علي: عباس بن

___________________

(١). هدي الساري ٢ / ٢٦٤.

١٧٠

عبد العظيم حافظ إلّا أنّ محمد بن يحيى أجلّ، حدثني فضلك الرازي أنه قال: حدثني من لم يخطئ في حديث قط محمد بن يحيى الذهلي النيسابوري.

وقال أبو علي بن المديني: كفانا محمد بن يحيى جمع حديث الزهري.

أخبرنا هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري، قال: سمعت العلاء بن محمد الروياني ومحمد بن الحسين الرازي، يقولان: سمعنا عبد الرحمن بن أبي حاتم يقول: سمعت أبي يقول: محمد بن يحيى الذهلي إمام أهل زمانه.

أخبرني محمد بن أبي الحسن، أخبرنا عبيد الله بن القاسم الهمداني بطرابلس، أخبرنا أبو عيسى عبد الرحمن بن إسماعيل العروضي بمصر، حدثنا أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي إملاء قال: محمد بن يحيى بن عبد الله النيسابوري ثقة مأمون.

أخبرنا محمد بن علي المقري قال: قرأنا على الحسين بن هارون، عن أبي سعيد، قال: سمعت عبد الرحمن بن يوسف - يعني ابن خراش - يقول: كان محمد بن يحيى من أئمّة أهل العلم.

أخبرني الحسين بن محمد الخلّال، حدثنا عمر بن أحمد الواعظ، حدثنا عبد الله بن سليمان، حدثنا محمد بن يحيى النيسابوري وكان أمير المؤمنين في الحديث »(١) .

وقال الحافظ الذهبي بترجمة الذّهلي: « الحافظ أحد الأعلام، عن أحمد بن حنبل قال: ما رأيت خراسانياً أعلم بحديث الزهري منه، ولا أصح كتاباً منه.

وقال سعيد بن منصور لابن معيلم، لم تجمع حديث الزهري؟ قال: قد كفانا محمد بن يحيى جمع حديث الزهري.

وقال أبو قريش الحافظ: كنت عند أبي زرعة فجاء مسلم، فجلس ساعة وتذاكرا، فلمّا أن قام قلت: هذا جمع أربعة آلاف حديث في الصحيح، قال: فَلِمَ ترك الباقي؟ ثم قال: ليس لهذا عقل، لو دارى محمد بن يحيى لصار رجلاً.

___________________

(١). تاريخ بغداد ٣ / ٤١٥ - ٤٢٠.

١٧١

قال أبو حاتم الرازي: محمد بن يحيى الذهلي إمام أهل عصره، أسكنه الله جنته مع جبّته.

وقال السلمي عن الدارقطني: قال: من أحبّ أن يعرف قصور علمه عن علم السلف، فلينظر في علم حديث الزهري لمحمد بن يحيى »(١) .

وقال الذهبي أيضاً بترجمته: « الامام العلّامة الحافظ البارع، شيخ الاسلام وعالم أهل المشرق وإمام الحديث بخراسان، وكان بحراً لا تدركه الدّلاء، جمع علم الزهري وصنّفه وجوّده، من أجل ذلك يقال له: الزهري، ويقال له: الذهلي، فانتهت إليه رئاسة العلم والعظمة والسؤدد ببلده، كانت له جلالة عجيبة بنيسابور من نوع جلالة الامام أحمد ببغداد ومالك بالمدينة.

روى عنه خلائق منهم: الأئمّة سعيد بن أبي مريم، وأبو جعفر النفيلي، وعبد الله بن صالح، وعمرو بن خالد - وهؤلاء من شيوخه - ومحمود بن غيلان، ومحمد بن سهل بن عسكر، ومحمد بن إسماعيل البخاري - ويدلّسه كثيراً، لا يقول محمد بن يحيى، بل يقول: محمد فقط، أو محمد بن خالد، أو محمد بن عبد الله، ينسبه إلى الجد ويعمّى اسمه لمكان الواقع بينهما - غفر الله لهما.

وممن روى عنه: سعيد بن منصور صاحب السنن - وهو أكبر منه -، ومحمد ابن إسحاق الصاغاني، وأبو زرعة، وأبو حاتم، ومحمد بن عوف الطائي، وأبو داود السجزي، وأبو عيسى الترمذي، وابن ماجة، والنسائي في سننهم، وإمام الأئمّة ابن خزيمة، وأبو عوانة، وأكثر عنه مسلم، ثم فسد ما بينهما فامتنع من الرواية عنه، فما ضره ذلك عند الله.

وقد سئل صالح بن جزرة عن محمد بن يحيى فقال: ما في الدنيا أحمق ممن يسأل عن محمد بن يحيى »(٢) .

___________________

(١). تذهيب التهذيب - مخطوط.

(٢). سير أعلام النبلاء ١٢ / ٢٧٣.

١٧٢

ووصفه في موضع آخر بـ « أحد الأئمّة الأعلام »(١) .

وفي آخر بـ « الحافظ »(٢) .

وقال السمعاني في « الزهري »: « أما الامام أبو عبد الله محمد بن يحيى بن خالد الذّهلي إمام أهل نيسابور في عصره ورئيس العلماء ومقدّمهم، لقب بالزهري لجمعه الزهريات، وهي أحاديث محمد بن مسلم بن شهاب الزهري »(٣) .

وقال البدخشاني: « وهو من كبار الحفاظ الثقات الأثبات، وأجلّة شيوخ البخاري وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة »(٤) .

وقال اليافعي: « الإمام الحافظ أحد الأعلام »(٥) .

وترجم له الحافظ السيوطي في طبقات الحفاظ(٦) .

٨ ) أبوبكر ابن الأعين والبخاري

قال الحافظ الذهبي بترجمة علي بن حجر:

« قال الحافظ أبوبكر ابن الأعين: مشايخ خراسان ثلاثة: قتيبة، وعلي بن حجر، ومحمد بن مهران الرازي. ورجالها أربعة: عبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي، ومحمد بن إسماعيل البخاري ( قبل أن يظهر )، ومحمد بن يحيى، وأبو زرعة »(٧) .

فقوله: « قبل أن يظهر » يفيد الطعن كما لا يخفى.

___________________

(١). العبر في خبر من غبر - حوادث سنة ٢٥٨.

(٢). الكاشف ٣ / ١٠٧.

(٣). الأنساب - الزهري.

(٤). تراجم الحفاظ - مخطوط.

(٥). مرآة الجنان - حوادث سنة ٢٥٨.

(٦). طبقات الحفاظ / ٢٣٤.

(٧) سير أعلام النبلاء ١١ / ٥٠٧.

١٧٣

الامام أحمد واللّفظية

ثم قال الحافظ الذهبي:

« قلت: هذه دقة من الأعين، الذي ظهر من « محمد » أمر خفيف من المسائل التي اختلف فيها الأئمّة في القول في القرآن، وتسمّى مسألة أفعال التالين. فجمهور الأئمّة والسلف والخلف على أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، وبهذا ندين الله تعالى وندعو من خالف ذلك.

وذهب الجهميّة والمعتزلة والمأمون وأحمد بن أبي داود القاضي وخلق من المتكلّمين والرافضة، إلى أنّ القرآن كلام الله المنزل مخلوق، وقالوا: الله خالق كلّ شيء، والقرآن شيء، وقالوا: الله تعالى أن يوصف بأنّه متكلّم، وجرت محنة القرآن وعظم البلاء، فضرب أحمد بن حنبل بالسّياط ليقول ذلك، نسأل الله تعالى السّلامة في الدين.

ثم نشأت طائفة فقالوا: كلام الله تعالى منزّل غير مخلوق ولكن ألفاظنا به مخلوقة، يعنون لفظهم وأصواتهم به، وكتابهم له ونحو ذلك، وهم حسين الكرابيسي ومن تبعه، فأنكر ذلك الامام أحمد وأئمّة الحديث.

وبالغ الامام أحمد في الحطّ عليهم وثبت عنه أنّه قال: اللفظية جهميّة، وقال: من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، وقال: من قال لفظي بالقرآن غير مخلوق فهو مبتدع، وسدّ باب الخوض في هذا.

وقال أيضاً: من قال لفظي بالقرآن مخلوق - يريد القرآن - فهو جهميّ.

وقالت طائفة: القرآن محدث، كداود الظاهري ومن تبعه، فبدّعهم الامام أحمد فأنكر ذلك واثبت علم الجزم بأنّ القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق وأنّه من علم الله تعالى، وكفّر من قال بخلقه، وبدّع من قال بحدوثه، وبدّع من قال: لفظي بالقرآن قديم، ولم يأت عنه ولا عن السّلف القول بأنّ القرآن قديم، ما تفوّه به أحد منهم بهذا، فقولنا قديم من العبارات المحدثة المبدعة، كما أنّ قولنا محدث

١٧٤

بدعة.

وأمّا البخاري فكان من كبار الأئمّة الأذكياء، فقال: ما قلت ألفاظنا بالقرآن مخلوقة وإنما حركاتهم وأصواتهم وأفعالهم مخلوقة، والقرآن المسموع المتلوّ المكتوب في المصاحف كلام الله تعالى غير مخلوق، وصنّف في ذلك أفعال العباد مجلّد، فأنكر عليه طائفة ما فهموا مرامه، كالذهلي وأبي زرعة وأبي حاتم وأبي بكر ابن الأعين وغيرهم.

ثم ظهر بعد ذلك مقالة الكلاميّة والأشعرية، وقالوا: القرآن معنى قائم بالنفس، وإنّما هذا المنزل حكايته وعبارته ودال عليه. وقالوا: هذا المتلو معدود متعاقب، وكلام الله تعالى لا يجوز عليه التعاقب والتعدّد، بل هو شيء واحد قائم بالذات المقدسة.

واتسع المقال في ذلك ولزم منه أمور وألوان، تركها - والله - من حسن الايمان، وبالله تعالى نتأيّد »(١) .

أقول: وإذا ثبت أنّ الامام أحمد قال: « اللفظية جهميّة » وأنّه أنكر على الكرابيسي ومن تبعه مقالتهم، وبالغ في الحطّ عليهم، وثبت أيضاً « أنّ البخاري كان من اللفظية » - كما علم من سير أعلام النبلاء في ما سبق - فإنا نستنتج من ذلك شمول طعن الامام أحمد وإنكاره للبخاري أيضاً، فهو من « الجهميّة » والجهميّة « كفرة » كما سبق.

بل في ( ميزان الاعتدال ) و ( سير أعلام النّبلاء )، بترجمة الحسين الكرابيسي: « انّ الامام أحمد أنكر عقيدته وعدّه متجهّماً ومقت النّاس الكرابيسي وتركوه »(٢) . ومقتضى الاتّحاد بين الكرابيسي والبخاري في العقيدة في هذه المسألة، كون البخاري كذلك عند أحمد. بل جاء بترجمة أحمد بن حنبل من ( سير أعلام النبلاء ) ما نصّه:

___________________

(١). سير أعلام النبلاء ١١ / ٥١٠.

(٢). ميزان الاعتدال ١ / ٥٤٤، سير أعلام النبلاء ١٢ / ٧٩.

١٧٥

« قال اسماعيل بن الحسن السرّاج: سألت أحمد عمن يقول: القرآن مخلوق، قال: كافر. وعمّن يقول: لفظي بالقرآن مخلوق فقال: فهو جهميّ »(١) .

فلابدّ لهم من الاعتراف بجهميّة البخاري وإنْ تجهّموا وتعبّسوا، ولا محيص لهم من الإذعان بضلاله وإنْ تغيّروا وتربّدوا.

الامام أحمد بن صالح واللفظية

وقال الامام الحافظ أحمد بن صالح: من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو كافر نقله الحافظ الذّهبي عنه بترجمته، حيث قال:

« قال محمد بن موسى المصري: سألت أحمد بن صالح، فقلت له: إنّ قوماً يقولون: إن لفظنا بالقرآن غير الملفوظ، فقال: لفظنا بالقرآن هو الملفوظ والحكاية هي المحكي، وهو كلام الله غير مخلوق. ومن قال: لفظي به مخلوق فهو كافر ».

موجز ترجمة أحمد بن صالح

وقد عنون الحافظ الذهبي أحمد بن صالح المذكور بقوله: « أحمد بن صالح الامام الكبير حافظ زمانه بالدّيار المصرية، أبو جعفر المصري المعروف بابن الطبري، كان أبوه جنديّاً من أهل طبرستان، وكان أبو جعفر رأساً في هذا الشأن، قلّ أن ترى العيون مثله، مع الثقة والبراعة »(٢) .

مع الذهبي

ولنا هنا وقفة قصيرة مع الحافظ الذّهبي فإنّ الملاحظ أنّ الذهبي يتلوّن عند ما ينقل كلمات الأئمّة: الذهلي وأحمد بن حنبل وأحمد بن صالح وغيرهم في هذا المقام

___________________

(١). سير أعلام النبلاء ١١ / ١٧٧.

(٢). سير أعلام النبلاء ١٢ / ١٦٠.

١٧٦

فمرّة: يصوّب كلام أحمد بن حنبل في الكرابيسي ولا يستعظم تكفيره إيّاه

وأخرى: يؤيّد الكرابيسي ويحاول توجيه طعن الامام أحمد وتكفيره له، فيقول: « ولا ريب أن ما ابتدعه الكرابيسي وحرّره في مسألة اللفظ وأنه مخلوق هو حق، لكن أباه الامام أحمد، لئلّا يتذرّع به إلى القول بخلق القرآن، فسدّ الباب، لأنّك لا تقدر أن تفرز المتلفّظ من الملفوظ الذي هو كلام الله تعالى إلّا في ذهنك »(١) .

ولكن هذا العذر لا يكفي لتصحيح تكفير الرجل لا سيّما وأن الكرابيسي كان قد أوضح مقالته وحرر مرامه على أن المفهوم من كلام الذهبي هو أنّ الامام أحمد كان يوافق الكرابيسي في هذا الاعتقاد ويصوّبه، فهل يجوز دفع الباطل بإبطال الحق وإنكاره؟ ولو كانت الغاية في الواقع ما ذكره الذهبي، فلتجز التقية ومجاملة أهل الباطل مطلقاً

ومرّة ثالثة: يجوّز احتمالين في كلام الكرابيسي، فيؤيّده على معنى ويحمل إنكار الامام أحمد على المعنى الآخر، فيقول: « وكان يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق ولفظي به مخلوق، فإن عنى التلفظ، فهذا جيّد، فإنّ أفعالنا مخلوقة. وإن قصد الملفوظ وأنه مخلوق، فهذا الذي أنكره الامام أحمد والسلف، وعدوه تجهّما، ومقت الناس حسينا لكونه تكلّم في أحمد ».

وهذا ينافي ما تقدم من أنه « لا ريب أن ما ابتدعه الكرابيسي هو حقّ، لكن أباه الامام أحمد لئلّا ».

ثم لو سلّمنا تحمّل كلامه للاحتمالين، فما وجه تكفير الامام أحمد إيّاه، وحمله كلامه على المحمل الباطل فحسب؟!

وعلى أي حال فلا جدوى لاعتذار الذهبي، لوجود التنافي البيّن والتناقض

___________________

(١). سير أعلام النبلاء ١٢ / ٧٩.

١٧٧

الواضح في كلماته

وبهذا يندفع ما ذكره بترجمة أحمد بن صالح بعد كلامه المتقدم نقله: « قلت:

إنْ قال: لفظي، وعنى به القرآن، فنعم، وإنْ قال: لفظي وقصد به تلفظي وصوتي وفعلي أنه مخلوق، فهذا مصيب ».

وأما قول الذهبي بترجمة علي بن حجر في الدفاع عن البخاري: « وأمّا البخاري فكان من كبار الأئمّة الأذكياء » فغريب جدّاً، لأن معناه: أن البخاري لم يقل بأن ألفاظنا مخلوقة بالقرآن، بل قال: إنّ حركاتنا وأصواتنا وأفعالنا مخلوقة، والقرآن المسموع المتلوّ الملفوظ هو كلام الله تعالى وهو غير مخلوق، فالبخاري إذاً لا يقول بخلق القرآن.

والحال أنه يناقضه ما ذكره عن البخاري سابقاً، ومع غض النظر عن ذلك فإن هذا التفريق لا يتفوه به عاقل ذو فهم أبداً، وهذا من أوضح البراهين على جمود عقول هؤلاء، فإنّهم تارة يفرّقون بين اللفظ والملفوظ ويحكمون بكونه مخلوقاً، وأخرى يفرّقون بين الألفاظ وبين الأصوات والحركات

ولـمّا كان هذا التفريق باطلاً فإنّ الذهبي لـمّا تنبّه إلى فساده، أيّد الكرابيسي في قوله بخلق القرآن، من غير التفات إلى تأويل البخاري، فقال: « لا ريب أن ما ابتدعه الكرابيسي وحرّره في مسألة اللفظ وأنه مخلوق هو حق ».

فالعجب من الذهبي، لما ذا يضطرب هذا الاضطراب؟ ويتلوّن هذا التلوّن؟ وكيف يزعم أن الذهلي وأبا زرعة وأبا حاتم وابن الأعين وغيرهم لم يفهموا مغزى كلام البخاري؟

بل كلام الذهبي بترجمة هشام بن عمار صريح في اتّحاد حكم اللفظ والأصوات، وفي أنّهما مخلوقان، وهذا نص كلامه:

« قلت: كان الامام أحمد يسدّ الكلام في هذا الباب ولا يجوّزه، ولذلك كان يبدّع من يقول: لفظي بالقرآن غير مخلوق، ويضلّل من يقول: لفظي بالقرآن قديم، ويكفّر من يقول: القرآن مخلوق. بل يقول: القرآن كلام الله منزل غير

١٧٨

مخلوق، وينهى عن الخوض في مسألة اللفظ.

ولا ريب أن تلفظنا بالقرآن من كسبنا، والقرآن الملفوظ المتلوّ كلام الله تعالى غير مخلوق، والتلاوة واللفظ والكتابة والصوت من أفعالنا، وهي مخلوقة، والله سبحانه وتعالى أعلم »(١) .

هذا، وقد قال الذهبي بترجمة محمد بن يحيى الذهلي:

« كان الذهلي شديد التمسك بالسنّة، قام على محمد بن إسماعيل لكونه أشار في مسألة خلق أفعال العباد إلى أنّ تلفظ القارئ بالقرآن مخلوق، فلوّح وما صرّح والحق أوضح، ولكن أبى البحث في ذلك أحمد بن حنبل وابوزرعة والذّهلي، والتوسع في عبارات المتكلمين سدّ للذريعة، فأحسنوا أحسن الله تعالى جزاهم.

وسافر إبن اسماعيل مختفياً من نيسابور، وتألم من فعل محمد بن يحيى. وما زال كلام الكبار المتعاصرين بعضهم في بعض لا يلوى عليه بمفرده، وقد سبقت ذلك في ترجمة ابن اسماعيل، رحم الله تعالى الجميع وغفر لهم ولنا آمين »(٢) .

أقول: وإذا كانت شدة تمسك الذهلي بالسنّة هي السبب في قيامه علي البخاري، فإنّ قول الذهبي: « وما زال » غريب جدّاً، أفهل يقال: إن قيامه على البخاري كان حسداً منه له؟ أو عناداً؟ أم ماذا؟

وعلى كلّ حال نقول: إذا لم يكن تكلّم الذهلي وغيره من كبار الأئمّة وقيامهم على البخاري وتركهم له قادحاً في وثاقته، فإن إعراض البخاري ومسلم عن حديث الغدير وتركهم روايته غير قادح في صحّته وثبوته بالأولوية.

وأيضاً: لا يكون قدح أبي داود وأبي حاتم قابلاً للاعتماد بعد سقوط كلام شيخهما الذهلي عن درجة الاعتبار، كما لا يبقى بعد ذلك أيّ وزن واعتبار لقدح الجاحظ

فسقط تمسك الفخر الرازي بذلك كله والحمد لله.

___________________

(١). سير أعلام النبلاء ١١ / ٤٢٠.

(٢). المصدر نفسه ١٢ / ٢٧٣.

١٧٩

٩ ) عبد العلي الأنصاري الهندي

وممن تكلّم في الكتابين: المولوي عبد العلي الأنصاري السهالي * المعروف * في بلاد الهند بـ « بحر العلوم » وقد أثنى عليه واعتمد على تحقيقاته كبار العلماء * فانه قال:

« فرع - ابن الصلاح وطائفة من الملقّبين بأهل الحديث زعموا أن رواية الشيخين محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج صاحبي الصحيح، يفيد العلم النظري، للإجماع على أنّ للصحيحين مزيّة على غيرهما، وتلقّت الأمّة بقبولها، والإجماع قطعي.

وهذا بهت، فإنّ من راجع إلى وجدانه، يعلم بالضرورة أنّ مجرّد روايتهما لا يوجب اليقين البتّة، وقد روي فيهما أخبار متناقضة، فلو أفاد روايتهما علماً لزم تحقق النقيضين في الواقع، وهذا - أي ما ذهب اليه ابن الصلاح وأتباعه - يخالف ما قالت الجمهور من الفقهاء والمحدّثين، فإن انعقاد الاجماع على المزية على غيرهما من مرويّات ثقات آخرين ممنوع. والاجماع على مزيّتهما في أنفسهما لا يفيد، ولأنّ جلالة شأنهما وتلقّي الأمّة بكتابيهما لو سلّم لا يستلزم ذلك القطع والعلم، فانّ القدر المسلّم المتلقى بين الأمّة، ليس إلّا أن رجال مروياتهما جامعة للشروط التي اشترطها الجمهور لقبول روايتهم، وهذا لا يفيد إلّا الظنّ.

وأمّا أن مروياتهما ثابتة عن رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فلا اجماع عليه أصلاً، فكيف ولا اجماع على صحة جميع ما في كتابيهما، لأن رواتهما منهم قدريّون وغيرهم من أهل البدع، وقبول رواية أهل البدع مختلف فيه، فأين الإجماع على صحة مرويات القدريّة؟ غاية ما يلزم أن أحاديثهما أصح الصحيح، يعني أنها مشتملة على الشروط المعتبرة عند الجمهور على الكمال، وهذا لا يفيد إلّا الظنّ.

هذا هو الحق المتبع، ولنعم ما قال الشيخ ابن الهمام: إنّ قولهم بتقديم

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423