نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٦

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار13%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 423

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 423 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 180038 / تحميل: 6669
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٦

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

ج : إنّ المعاني التي ذكرتها يطلق عليها أُمّ الكتاب على بعض الأقوال ، فالنذكر المعاني مع الأقوال :

١ ـ الإمام المبين ، ورد في تفسير الصافي ما نصّه : « في المجمع أنّ بني سلمة كانوا في ناحية من المدينة ، فشكوا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بُعد منازلهم من المسجد والصلاة معه ، فنزلت الآية( وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ) (١) ، قيل : يعني اللوح المحفوظ ، والقمّي يعني في كتاب مبين »(٢) .

فعلى هذا القول الذي نقله الفيض الكاشاني ، أنّ الإمام المبين هو اللوح المحفوظ ، وقد ذكر في معنى اللوح المحفوظ أنّه أُمّ الكتاب ، إذاً فالإمام المبين هو أُمّ الكتاب.

وورد في تفسير الميزان ما نصّه : « والمراد بكتابة ما قدّموا وآثارهم ، ثبتها في صحائف أعمالهم وضبطها فيها ، بواسطة كتبة الأعمال من الملائكة ، وهذه الكتابة غير كتابة الأعمال وإحصائها في الإمام المبين ، الذي هو اللوح المحفوظ »(٣) .

فيرى السيّد الطباطبائي : أنّ الإمام المبين هو اللوح المحفوظ ، والنتيجة كسابقه أي : أنّ الإمام المبين هو أُمّ الكتاب.

٢ ـ الكتاب المكنون ، قال العلاّمة الطباطبائي ما نصّه : « ثمّ إنّه تعالى قال :( إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ * لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) (٤) ، ولا شبهة في ظهور الآيات في أنّ المطّهرين من عباد الله هم يمسّون القرآن الكريم الذي في الكتاب المكنون ، والمحفوظ من التغيّر ، ومن التغيّر تصرف الأذهان بالورود عليه والصدور منه ، وليس هذا المس إلاّ نيل الفهم والعلم ، ومن المعلوم أيضاً أنّ الكتاب المكنون هذا هو أُمّ الكتاب المدلول عليه بقوله :( يَمْحُو اللهُ

__________________

١ ـ يس : ١٢.

٢ ـ تفسير الصافي ٤ / ٢٤٦.

٣ ـ الميزان في تفسير القرآن ١٧ / ٦٦.

٤ ـ الواقعة : ٧٧ ـ ٧٩.

٤١

مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) (١) ، وهو المذكور في قوله :( وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ) (٢) »(٣) .

فيرى السيّد الطباطبائي أنّ الكتاب المكنون هو أُمّ الكتاب.

٣ ـ اللوح المحفوظ ، ورد في تفسير مجمع البيان في تفسير هذه الآية ما نصّه : «( وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ ) من القرآن( تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ ) أي : لمعرفتهم بأنّ المتلوّ عليهم كلام الله ، وأنّه حقّ( يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا ) أي : صدّقنا بأنّه كلامك أنزلته على نبيّك( فَاكْتُبْنَا ) أي : فاجعلنا بمنزلة من قد كتب ودوّن.

وقيل : فاكتبنا في أُمّ الكتاب ، وهو اللوح المحفوظ( مَعَ الشَّاهِدِينَ ) أي : مع محمّد وأُمّته الذين يشهدون بالحقّ ، عن ابن عباس(٤) »(٥) .

فعلى هذا القول الذي نقله الشيخ الطبرسي ، أنّ أُمّ الكتاب هو اللوح المحفوظ.

٤ ـ الكتاب المبين ، ورد في تفسير نور الثقلين ما نصّه : « عن يعقوب بن جعفر ابن إبراهيم قال : كنت عند أبي الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام ، إذ أتاه رجل نصراني فقال : إنّي أسألك أصلحك الله ، فقال : « سل » ، فقال : أخبرني عن كتاب الله الذي أُنزل على محمّد ، ونطق به ، ثمّ وصفه بما وصفه ، فقال :( حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ) (٦) ، ما تفسيرها في الباطن؟

__________________

١ ـ الرعد : ٣٩.

٢ ـ الزخرف : ٤.

٣ ـ الميزان في تفسير القرآن ٣ / ٥٤.

٤ ـ المائدة : ٨٣.

٥ ـ مجمع البيان ٣ / ٤٠٢.

٦ ـ الزخرف : ١ ـ ٣.

٤٢

فقال : « أمّا حم فهو محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو في كتاب هود الذي أُنزل عليه ، وهو منقوص الحروف ، وأمّا الكتاب المبين فهو أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، وأمّا الليلة ففاطمةعليها‌السلام »(١) .

فالكتاب المبين هو أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، وعلي هو أُمّ الكتاب ، إذاً يمكن أن يقال : أنّ الكتاب المبين هو أُمّ الكتاب.

قال العلاّمة الطباطبائي : « ولا مانع من أن يرزق الله عبداً وحده ، وأخلص العبودية له العلم بما في الكتاب المبين ، وهوعليه‌السلام سيّد الموحّدين بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله »(٢) .

٥ ـ محكمات القرآن أو الآيات المحكمات ، أطلق عليها المولى عزّ وجلّ أنّها أُمّ الكتاب في قوله :( هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ) (٣) .

٦ ـ الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام والأئمّة من ولده ، ذكر ابن عباس عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنّه قال : « أنا والله الإمام المبين ، أُبيّن الحقّ من الباطل ، وورثته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله »(٤) .

فعليعليه‌السلام إمام مبين ، والإمام المبين هو أُمّ الكتاب ، إذاً يمكن أن يقال : أنّ علياًعليه‌السلام هو أُمّ الكتاب.

وفي أُصول الكافي : « عن عبد الرحمن بن كثير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله تعالى :( هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ ) قال : أمير المؤمنين والأئمّةعليهم‌السلام ،( وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ) قال : فلان وفلان ،( فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ ) أصحابهم وأهل ولايتهم ،( فَيَتَّبِعُونَ مَا

__________________

١ ـ تفسير نور الثقلين ٤ / ٦٢٣.

٢ ـ الميزان في تفسير القرآن ١٧ / ٧٠.

٣ ـ آل عمران : ٧.

٤ ـ تفسير القمّي ٢ / ٢١٢.

٤٣

تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) أمير المؤمنين والأئمّةعليهم‌السلام »(١) .

( أبو مهدي ـ السعودية ـ )

بحث في القراءات :

س : من فوائد إثبات عدم تحريف القرآن هي القدرة على استنباط الأحكام والمفاهيم من القرآن الكريم ، مع اليقين بأنّها صادرة عن الله تعالى ، وبالتالي نستطيع الاعتماد على القرآن الكريم في جميع أُمورنا الدينية.

لكنّ مع وجود قراءات مختلفة للقرآن الكريم ـ سبع قراءات ـ فذلك قد ينفي الفائدة المذكورة أعلاه ، أو يقلّل من شأنها ، بسبب عدم يقيننا بالنصّ الوارد في القرآن الكريم.

كمثال واضح : قال تعالى :( فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا ) (٢) ، وبحسب إحدى القراءات ، كما سمعت في إحدى المحاضرات( وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتْكاً ) وهو نوع من الفاكهة ، فالمعنى يتراوح بين المتّكَأ والفاكهة.

فتغيّر القراءات بغير المعاني ، وبالتالي قد تتغيّر المفاهيم والأحكام تبعاً لذلك ، فكيف نوفّق بين القراءات وبين حفظ القرآن الكريم؟ وبالخصوص في المثال الذي ذكرت ، شاكرين لكم جهودكم ، ونسألكم الدعاء.

ج : إنّ ثبوت القرآن واتصاف كلام بكونه كذلك ـ أي قراناً ـ ينحصر طريقه بالتواتر ، كما أطبق عليه المسلمون بجميع نحلهم المختلفة ومذاهبهم المتفرّقة.

والمعروف عن الشيعة الإمامية : أنّ القراءات غير متواترة ، بل هي بين ما هو اجتهاد من القارئ ، وبين ما هو منقول بخبر الواحد ، واختار هذا القول جماعة

__________________

١ ـ الكافي ١ / ٤١٤.

٢ ـ يوسف : ٣١.

٤٤

من المحققّين من العامّة ، ولا يبعد دعوى كونه هو المشهور بينهم ، وهناك أدلّة كثيرة يُستدل بها على عدم تواتر القراءات.

ومن ضمن الأخبار الوارد في ذلك ، خبر الفضيل بن يسار قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : إنّ الناس يقولون : إنّ القرآن على سبعة أحرف ، فقال : «كذبوا أعداء الله ، ولكنّه نزل على حرف واحد من عند واحد »(١) ، ويؤيّده خبر زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : «إنّ القرآن واحد نزل من عند واحد ، ولكن الاختلاف يجيء من قبل الرواة »(٢) .

وبعد معرفة عدم تواتر القراءات ، لا يبقى مجال للاستدلال بتلك القراءات ، إلاّ أن يقال : إنّها أخبار آحاد ، وتشملها الأدلّة القطعية الدالّة على حجّية خبر الواحد ، ولكنّ هذا غير ظاهر ، لعدم ثبوت كونها رواية ، بل يحتمل أن تكون اجتهادات من القرّاء واستنباطات منهم ، وقد صرّح بعض الأعلام بذلك.

وعلى فرض كونها رواية ، إلاّ أنّه لم يحرز كونها مستوفية لشرائط الحجّية ، ومع جمعها للشرائط يبقى أنّه مع العلم الإجمالي بعدم صدور بعضها عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقع بينها التعارض ، ولابدّ من إعمال قواعد التعارض من الترجيح أو التخيير ، فلا يبقى مجال لدعوى الحجّية ، وجواز الاستدلال بكُلّ واحدة منها ، كما هو الظاهر.

وقد صرّح السيّد الخوئي بعدم الحجّية بقوله : « ولكنّ الحقّ عدم حجّية هذه القراءات ، فلا يستدلّ بها على الحكم الشرعي ، والدليل على ذلك أنّ كُلّ واحد من هؤلاء القرّاء يحتمل فيه الغلط والاشتباه ، ولم يرد دليل من العقل ، ولا من الشرع على وجوب إتباع قارئ منهم بالخصوص ، وقد استقلّ العقل ، وحكم الشرع بالمنع عن إتباع غير العلم »(٣) .

__________________

١ ـ الكافي ٢ / ٦٣٠.

٢ ـ نفس المصدر السابق.

٣ ـ البيان في تفسير القرآن : ١٦٤.

٤٥

أمّا ما يتعلّق بجواز القراءة بتلك القراءات ، فقد ورد عنهمعليهم‌السلام إمضاء القراءات المعروفة في زمانهمعليهم‌السلام ، بقولهم : «اقرأ كما يقرأ الناس »(١) .

وبعد كُلّ هذا ، وما عرفت من عدم الاعتماد على تلك القراءات في استنباط الحكم الشرعي ، ينحلّ ما أشكل عليك في الآية القرآنية التي استشهدت بها ، إضافة إلى أنّ صاحب مجمع البيان نقل عن الطبري قوله : « وروي في الشواذ قراءة مجاهد متكاً خفيفة ساكنة التاء »(٢) .

( ـ ـ )

معنى نزوله على سبعة أحرف :

س : السادة الأعزاء ، أودّ الاستفسار عن موضوع نزول القرآن على سبعة أحرف ، كما يقول أبناء المذاهب الأُخرى ، فهل هذا الشيء يقول به الشيعة؟ وكيف ذلك ، أرجو الإفادة عنه ، مشكورين ومقدّرين.

ج : حديث نزول القرآن على سبعة أحرف ، جاء في مصادر أهل السنّة ، وقد أُدّعي تواتره عندهم ، وكيف ما كان فلا أثر لهذا الحديث في مجامعنا الحديثية ، إلاّ ما جاء في الخصال للشيخ الصدوق ، وتفسير العيّاشي بصورة روايتين غير نقيتي السند(٣) ، ومنهما قد انتقل الحديث إلى بعض المصادر الأُخرى ـ كالبحار وبعض التفاسير : كمجمع البيان ، والصافي وغيرهما ـ وعليه فيلاحظ في المقام :

أوّلاً : إنّ الحديث عنها غير ثابت سنداً بشكل قطعي ، فلا يكون حجّة علينا.

__________________

١ ـ الكافي ٢ / ٦٣٣.

٢ ـ مجمع البيان ٥ / ٣٩٢.

٣ ـ أُنظر : الخصال : ٣٥٨ ، تفسير العيّاشي ١ / ١٢.

٤٦

ثانياً : إنّ هذا الحديث على فرض وروده ، يتعارض مع روايات أُخرى ، تصرّح بكذب مضمونه ، منها : «إنّ القرآن واحد نزل من عند واحد ، ولكن الاختلاف يجيء من قبل الرواة »(١) .

ومنها : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : إنّ الناس يقولون : إنّ القرآن على سبعة أحرف ، فقال : «كذبوا أعداء الله ، ولكنّه نزل على حرف واحد من عند واحد »(٢) .

ثالثاً : الطريقة الصحيحة هنا لحلّ التعارض هي : أن نلتزم بحكومة هذه الروايات على ذلك الحديث ، أي أنّ هذه الروايات تأخذ في منظارها ذلك الحديث وتردّه وتكذّبه ، ولكن ذلك الحديث لم ينظر إلى هذه الروايات تأييداً أو ردّاً ، فبناءً على القاعدة المقرّرة في علم الأُصول ، تقدّم هذه الروايات دلالة على ذلك الحديث.

ثمّ هناك طريقة أُخرى لحلّ التعارض وهي : تساقط الروايات والحديث من حيث الدلالة ، والرجوع إلى ثبوت شكل واحد في النزول ، كما هو ظاهر القرآن الكريم الفعلي.

وأيضاً لدينا طريق آخر لرفع التعارض في المقام وهو : ترجيح جانب الروايات لاحتمال صدور الحديث ـ في مصادر الشيعة ـ تقية موافقاً للعامّة.

رابعاً : أختلف علماء العامّة في معنى سبعة أحرف على خمسة وثلاثين قولاً ، أو أربعين(٣) ؛ وهذا إن دلّ على شي? ، فإنّما يدلّ على عدم الوثوق بأيّ معنى من تلك المعاني ، فتبقى الدلالة مجملة وغير واضحة ، فلا حجّية للحديث من حيث الدلالة ، حتّى لو فرضنا صحّة صدوره سنداً.

خامساً : إنّ مضمون هذا الحديث يأباه العقل ، إذ كيف يتصوّر نزول قرآن واحد على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بسبعة صور؟ وهل هذا كان ينسجم مع الاحتفاظ على هذا

__________________

١ ـ الكافي ٢ / ٦٣٠.

٢ ـ نفس المصدر السابق.

٣ ـ أُنظر : البرهان في علوم القرآن ١ / ٢١٢.

٤٧

الكتاب المقدّس لدى المسلمين؟ أليس فرض هذا الحديث كان يفتح الباب على تعويم النصّ القرآني وبالتالي تحريفه؟ ومن أجل هذه المحاذير ترى أنّ هذا الحديث يجب أن يردّ علمه إلى الله تعالى ، ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأهل البيتعليهم‌السلام .

( ـ ـ )

حصل جمعه في زمن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله :

س : ما هي الانتقادات الموجّهة لعملية جمع القرآن الكريم من طرف عثمان؟

ج : إنّ إسناد جمع القرآن الكريم إلى الخلفاء أمر موهوم مخالف للكتاب والسنّة والإجماع والعقل ، بل إنّ جمعه وتأليفه قد حصل في زمن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ أنّ القرآن كان معروفاً بسوره وآياته حتّى عند المشركين وأهل الكتاب ، لما ثبت من تحدّي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله على الإتيان به أو بسورة منه ، ومعناه إنّ سور القرآن كانت في متناول أيدي الناس ، وأيضاً وردت مجموعة كثيرة من الروايات بهذا المضمون حتّى عند أهل السنّة ، تصرّح بجمعه وتأليفه في زمن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) .

ومن جانب آخر لا يعقل أن يكون القرآن ـ مع اهتمام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله والمسلمين به ـ عرضة للضياع في عهد الرسالة ، بل كان مورد تعظيمهم وتبجيلهم وحفظهم له ، مضافاً إلى إجماع المسلمين قاطبة : بأنّ القرآن لا طريق لإثباته إلاّ التواتر ، والحال أنّ الروايات المزعومة في جمع الخلفاء تعتمد في إثباته على شهادة شاهدين ، بل وشهادة رجل واحد في بعض الأحيان ، خصوصاً أنّ هذه الروايات مختلفة فيما بينها في مسألة الجمع ، فلم يعلم أنّ عملية الجمع كانت في زمن أبي بكر أو عمر أو عثمان؟ ومن كانوا العاملين عليها؟

__________________

١ ـ أُنظر : صحيح البخاري ٤ / ٢٢٩ و ٦ / ١٠٣ ، صحيح مسلم ٧ / ١٤٩ ، الجامع الكبير ٥ / ٣٣١ ، مسند أحمد ٣ / ٢٣٣ و ٢٧٧ ، السنن الكبرى للبيهقي ٦ / ٢١١ ، مسند أبي داود : ٢٧٠ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ / ٩ ، مسند أبي يعلى ٥ / ٢٥٨ و ٤٦٧ و ٦ / ٢٢ ، صحيح ابن حبّان ١٦ / ٧٢.

٤٨

فبالجملة : لا دليل على جمع القرآن أو تدوينه في زمن الخلفاء الثلاثة ، نعم قد ثبت أنّ عثمان جمع الناس على قراءة واحدة ، وحذف القرائات الأُخر ، وهذا ممّا لا كلام فيه ، ولكن الأمر الذي يؤخذ عليه هو إحراقه لمجموعة كبيرة من المصاحف ، وأمره بإحراقها في مختلف الأمصار في سبيل توحيد القراءة ، وهو كما ترى لا وجه لعمله هذا ، وقد اعترض جماعة من المسلمين في ذلك عليه ، حتّى أنّهم سمّوه بحرّاق المصاحف(١) .

( العلام غزوي ـ المغرب ـ ٤٠ سنة ـ أولى ماجستير )

منهج التفسير عند السيّد الطباطبائي :

س : أودّ من سيادتكم تسليط الضوء على منهج التفسير عند السيّد الطباطبائي.

ج : إنّ منهج السيّد الطباطبائي ـ كما يوضّحه في كتابه الميزان ـ هو تفسير القرآن بالقرآن ، واستيضاح معنى الآية من نظيرتها بالتدبّر المندوب إليه في نفس القرآن ، وتشخيص المصاديق والتعرّف عليها بالخواص التي تعطيها الآيات ، ويستشهد بقوله تعالى :( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ ) (٢) ، وحاشا أن يكون القرآن تبياناً لكُلّ شيء ولا يكون تبياناً لنفسه ، وقوله تعالى :( هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ) (٣) ، وقوله تعالى :( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا ) (٤) .

وكيف يكون القرآن هدى وبيّنة وفرقاناً ونوراً مُبيناً للناس في جميع ما يحتاجون ، ولا يكفيهم في احتياجهم إليه وهو أشدّ الاحتياج ، وقوله تعالى :

__________________

١ ـ أُنظر : الجامع لأحكام القرآن ١ / ٥٤ ، تاريخ المدينة ٣ / ٩٩٥.

٢ ـ النحل : ٨٢.

٣ ـ البقرة : ١٨٥.

٤ ـ النساء : ١٧٤.

٤٩

( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ) (١) ، وأيّ جهاد أعظم من بذل الجهد في فهم كتابه؟ وأيّ سبيل أهدى إليه من القرآن؟

ثمّ لا يخفى تأثير الجنبة الفلسفية للسيّد الطباطبائي على تفسيره ، وذلك العمق العقلي الدقيق ، والتشقيق للمطالب.

ولاحظ أنّ السيّد يبحث الموضوع المشار إليه في الآية ، مورد البحث كاملاً ، ويأتي بالآيات الأُخرى المتفرّقة الدالّة على الموضوع ، ويصبّها في صميم البحث ، مع مراعاة عدم الغفلة عن الروايات الخاصّة به ، وهي نفس الطريقة والمحاولة التي حاولها صدر المتألّهين الشيرازي في مزاوجة وموافق العقل مع النقل.

( الموالي ـ السعودية ـ ٢٢ سنة ـ طالب حوزة )

الآراء المطروحة في نزوله :

س : كيف نجمع بين نزول القرآن في شهر رمضان ـ كما في سورة القدر( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ـ وبين لقاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بجبرائيل للمرّة الأُولى في غار حراء ، وقراءة خمس آيات من سورة العلق؟

أتمنّى التوضيح ، ولكم جزيل الشكر.

ج : هنالك آراء كثيرة حول هذا الموضوع ، ولكن الرأي المشهور هو :

إنّ للقرآن نزولين ، الأوّل : دفعي ويسمّى أيضاً إجمالي ، والثاني : تدريجي أو تنجيمي ، وهو الذي استمر خلال فترة البعثة النبوية قرابة ( ٢٣ ) سنة ، وعلى هذا الرأي فلا إشكال في أنّ أوّل ما نزل من القرآن كانت الآيات الخمس الأوّل من سورة العلق إلى آخر ما نزل كسورة تامّة وهي النصر.

أمّا في النزول الإجمالي أو الدفعي وهو المتحقّق في ليلة القدر ، فكان النازل لا هذا القرآن بسوره وآياته ، وأسباب نزوله المختلفة والمتفرّقة ، لأنّها تابعة

__________________

١ ـ العنكبوت : ٦٩.

٥٠

لحوادث شخصية وزمانية ومكانية لا تصدق عليها إلاّ بحصولها ـ أي حصول مواردها ـ وحسب التعابير اللفظية من ماضي ومضارع أو الحال ، التي جميعها تستدعي النزول المتفرّق ، بل النازل هو حقيقة القرآن بعلومه ومعارفه الإلهية ، ليتنوّر قلب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بالمعارف القرآنية.

وهذا الرأي ذهب إليه العلاّمة الطباطبائي في الميزان ، والسيّد محمّد باقر الصدر في المدرسة القرآنية ، والسيّد محمّد باقر الحكيم في علوم القرآن ، والشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير الأمثل ، والشيخ هاشم البحراني في البرهان ، والشيخ جواد مغنية في الكاشف.

وإليك الآراء الأُخرى غير المشهورة :

١ ـ المراد بنزوله في ليلة القدر افتتاح نزوله التدريجي ، حيث إنّ أوّل سورة ـ وهي الحمد ـ نزلت في ليلة القدر ، وهو خلاف ظاهر الآيات والأخبار.

٢ ـ إنّه نزل جملة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ، ثمّ نزل نجوماً إلى الأرض.

٣ ـ معظم القرآن نزل في شهر رمضان ، فصحّ نسبة الجميع إليه.

٤ ـ كان ينزل في كُلّ ليلة قدر من كُلّ عام ما يحتاج إليه الناس في تلك السنّة من القرآن.

٥ ـ شهر رمضان الذي نزل في فضله القرآن ، أي فرضَ صيامه.

٦ ـ إنّ بدء نزول القرآن في ليلة القدر ، ولكنّه يختلف عن القول الأوّل ، بأنّ القرآن الذي نزل في ليلة القدر هو هذا القرآن بسوره واسمه قرآن ، والسور المتقدّمة على ليلة القدر ، مثل سورة العلق ـ أوائل ـ وغيرها لم تجمع بما يسمّى قرآن.

هذا ملخّص الآراء المطروحة ، والتي تردّ من قبل أصحاب هذا الفن.

٥١

( علي ـ البحرين ـ ٢٥ سنة ـ طالب )

المخاطب في قوله( فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً ) الزوجان لا آدم وحوّاء :

س : قال تعالى : ( فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا ) (١) ، المعروف أنّ النبيّ آدم وحوّاء معصومان عن الخطأ ، فعن مجاهد : كان لا يعيش لآدم عليه‌السلام ولد ، فقال الشيطان : إذا ولد لكما ولد فسمّياه عبد الحارث ـ وكان الشيطان يسمّى بالحارث ـ فأطاعاه في الاسم ، فذلك قوله تعالى : ( فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا ) ما تعليقكم على هذا التفسير؟ نرجو الجواب الكافي.

ج : هذه الرواية واضحة الكذب والبطلان ، فإنّ الله سبحانه وهب العقل للإنسان ليفكّر به ، وليميّز الحقّ عن الباطل من خلاله ، فلماذا نعطّل عقولنا إلى هذا الحدِّ؟!

إنّ مضمون القصّة المذكورة نرفض نسبته إلى الإنسان العادي ، فكيف بآدمعليه‌السلام ؟! وكيف نحتمل في حقّه أن يتابع الشيطان إلى هذا الحدِّ ، ويجعل لله شريكاً؟!

إنّه أمر مرفوض ، فآدمعليه‌السلام حتّى إذا لم نقل بعصمته ، ولكن لا نحتمل أن يكون مستواه بالغاً إلى هذا الحدِّ الذي هو دون مستوى الإنسان العادي.

فلماذا هذا مع خليفة الله في الأرض؟! ولماذا هذا مع مَنْ علّمهُ الله سبحانه الأسماء؟! ولماذا هذا مع أنبياء الله تعالى؟! إنّنا نأسف أن تدخل أساطير الإسرائيليات ، وتشقّ طريقها إلى كتبنا بهذا الشكل ، ويأخذ بتناقلها هذا عن ذاك.

إنّ المقصود من الآية الكريمة واضح ، فهي تشير إلى نوع الإنسان ـ وليس إلى آدم وحوّاء ـ وتقول : إنّ أمر الإنسان غريب ، فعندما يتحقّق الحمل يطلب الزوجان من الله سبحانه أن يكون ذلك الحمل ولداً صالحاً ، ويكونان بذلك من

__________________

١ ـ الأعراف : ١٩٠.

٥٢

الشاكرين له ، ولكن حينما يرزقهما ذلك يأخذ كلامهما بالتغيّر ، فيقولان : إنّ ولدنا كان من عطاء الشيطان ، أو أنّه كان كاملاً ، لأنّ غذاءه وظروفه الصحّية كانت جيّدة ، أو ما شاكل ذلك.

( علي ـ الكويت ـ ٣٠ سنة ـ دبلوم )

معنى( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) :

س : أُريد تفسير الآية الكريمة : ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) (١) ؟

ج : إنّ الدعوة إلى النار ، هي الدعوة إلى ما يستوجب النار ، من الكفر والمعاصي ، لكونها هي التي تتصوّر لهم يوم القيامة ناراً يعذّبون فيها ، أو المراد بالنار ما يستوجبها مجازاً من باب إطلاق المسبّب وإرادة سببه.

ومعنى جعلهم أئمّة يدعون إلى النار ، تصيرهم سابقين في الضلال يقتدى بهم اللاحقون ، ولا ضير فيه لكونه بعنوان المجازاة على سبقهم في الكفر والجمود ، وليس من الإضلال الابتدائي في شيء.

وفي الكافي عن الإمام الصادقعليه‌السلام :( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) : «يقدّمون أمرهم قبل أمر الله ، وحكمهم قبل حكم الله ، ويأخذون بأهوائهم خلاف ما في كتاب الله عزّ وجلّ »(٢) .

__________________

١ ـ القصص : ٤١.

٢ ـ الكافي ١ / ٢١٦.

٥٣

( فادي نجدي ـ لبنان ـ ٢٧ سنة )

ترتيب آيتي البلاغ والإكمال :

س : بالنسبة إلى موضوع ترتيب الآيات في القرآن أرى يستحقّ النظر : إنّ الترتيب الزمني يستوجب أنّ آية البلاغ تأتي بعد آية الإكمال ، بالرغم أنّهما في القرآن موجودتان في سورة واحدة بالترتيب المعكوس.

وقد ألزمتم أنفسكم بأنّ الترتيب للسور والآيات كان منذ عهد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكيف تردّون على هذه الشبهة التي تجعل من دلالة الآيات منافية لما ندّعيه من نزولها في شأن ولاية علي عليه‌السلام ؟

ج : لا يخفى أنّ القرآن الكريم رتّبت آياته من قبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأمر الوحي عن الله تعالى ، ولا علاقة لذلك بترتيب السابق واللاحق في النزول ، وهذا ما يسمّى بالنظم ، أي : نظم آيات السورة بحسب أغراض ومصالح معيّنة ، تظهر أسبابها عندنا ، وقد تخفى أسباب بعضها كذلك.

واعلم إنّ آية( بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) (١) إذا أخذنا ترتيب الآيات ـ وهو ما نسمّيه بسياق الآيات ـ بنظر الاعتبار ، فإنّ سياق الآيات لا تساعد على قولنا أنّها نزلت في الإمام عليعليه‌السلام ، بل إنّ الآيات التي قبلها والتي بعدها تتحدّث عن أهل الكتاب ، فالآية التي قبلها هي قوله تعالى :( وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ ) (٢) ، والآية التي بعدها هي قوله تعالى :( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ ) (٣) ، مع أنّ اليهود والنصارى في ذلك العهد النبوي لم يكن لهم شأنٌ وخطر ، فهم ليس بأهل قوّةٍ ولا شوكةٍ ، ولا سطوة حتّى يخشى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منهم إنّ هو بلّغ الإسلام.

__________________

١ ـ المائدة : ٦٧.

٢ ـ المائدة : ٦٦.

٣ ـ المائدة : ٦٨.

٥٤

فإنّ الإسلام عند نزول الآية قد أعزّه الله تعالى بقوّته وتمكّنت سطوته ، فلا معنى لخوف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من النصارى في تبليغ الإسلام ، وإذا كان الأمر كذلك ، فإنّ الآية تشير إلى تبليغ أعظم ، وأمر أخطر لم يألفه المسلمون ، وسيرتاب منه المنافقون ، ويتزعّزع لعظم خطره أهل الجاه والدنيا ، وهذا الأمر هو تبليغ ولاية عليعليه‌السلام الذي لا يطيقه المنافقون ، والذين في قلوبهم مرض ، فإنّهم سيحاولون إلى التصدّي لجهودهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لذا أخبره تعالى إنّ الله سيعصمك من خطر هؤلاء ومن مؤامراتهم.

مع أنّ الروايات من قبل الفريقين تؤكّد أنّ آية( بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) قد نزلت في تبليغ ولاية علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، ممّا يعني أنّ ترتيب الآيات وسياقها لا علاقة له بمعنى الآية وسبب نزولها ، لذا فلا عليك أن ترى تقدّم آية( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ) (١) ، على آية( بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) ؟ فإنّ روايات السنّة والشيعة كُلّها متّفقة على نزولهما في تبليغ ولاية عليعليه‌السلام .

( ـ ـ )

المقصود بالفؤاد :

س : قال تعالى : ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) (٢) ، ما المقصود بالفؤاد؟ وما معنى مسؤولية الفؤاد؟ نرجو منكم الإجابة الوافية ، ولكم جزيل الشكر والتحية الطيّبة.

ج : قال العلاّمة الطباطبائيقدس‌سره ما نصّه : « قوله تعالى :( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) والآية تنهى عن اتباع ما لا علم به ، وهي لإطلاقها تشمل الاتباع اعتقاداً وعملاً ،

__________________

١ ـ المائدة : ٣.

٢ ـ الإسراء : ٣٦.

٥٥

وتتحصّل في مثل قولنا : لا تعتقد ما لا علم لك به ، ولا تقل ما لا علم لك به ، ولا تفعل ما لا علم لك به ، لأنّ في ذلك كُلّه اتباعاً

وقوله :( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) تعليل للنهي السابق في قوله :( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) .

والظاهر المتبادر إلى الذهن ، أنّ الضميرين في (كَانَ عَنْهُ ) راجعان إلى( كُلُّ ) ، فيكون( عَنْهُ ) نائب فاعل لقوله :( مَسْؤُولاً ) مقدّماً عليه ، كما ذكره الزمخشري في الكشّاف ، أو مغنياً عن نائب الفاعل ، وقوله :( أُولئِكَ ) إشارة إلى السمع والبصر والفؤاد

والمعنى : لا تتبع ما ليس لك به علم ، لأنّ الله سبحانه سيسأل عن السمع والبصر والفؤاد ، وهي الوسائل التي يستعملها الإنسان لتحصيل العلم ، والمحصّل من التعليل بحسب انطباقه على المورد ، أنّ السمع والبصر والفؤاد إنّما هي نعم آتاها الله الإنسان ، ليشخّص بها الحقّ ، ويحصّل بها على الواقع ، فيعتقد به ويبني عليه عمله ، وسيسأل عن كُلّ منها ، هل أدرك ما استعمل فيه إدراكاً علمياً؟

وهل اتبع الإنسان ما حصلته تلك الوسيلة من العلم؟ فيسأل السمع هل كان ما سمعه معلوماً مقطوعاً به؟ وعن البصر هل كان ما رآه ظاهراً بيّنا؟ وعن الفؤاد هل كان ما فكّره ، وقضى به يقينياً لاشكّ فيه؟ وهي لا محالة تجيب بالحقّ ، وتشهد على ما هو الواقع ، فمن الواجب على الإنسان أن يتحرّز عن اتباع ما ليس له به علم ، فإنّ الأعضاء ووسائل العلم التي معه ستسأل ، فتشهد عليه فيما اتبعه ممّا حصلته ، ولم يكن له به علم ، ولا يقبل حينئذ له عذر.

وما له إلى نحو من قولنا : لا تقف ما ليس لك به علم ، فإنّه محفوظ عليك في سمعك وبصرك وفؤادك ، والله سائلها عن عملك لا محالة ، فتكون الآية في معنى قوله تعالى :( حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ـ إلى أن قال ـ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ

٥٦

سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ) (١) ، وغيرها من آيات شهادة الأعضاء.

غير أنّ الآية تزيد عليها بعد الفؤاد من الشهداء على الإنسان ، وهو الذي به يشعر الإنسان ما يشعر ، ويدرك ما يدرك ، وهو من أعجب ما يستفاد من آيات الحشر ، أن يوقف الله النفس الإنسانية ، فيسألها عمّا أدركت ، فتشهد على الإنسان نفسه.

وقد تبيّن : أنّ الآية تنهى عن الإقدام على أمر مع الجهل به ، سواء كان اعتقاداً مع الجهل ، أو عملاً مع الجهل بجوازه ووجه الصواب فيه ، أو ترتيب أثر لأمر مع الجهل به ، وذيلها يعلّل ذلك بسؤاله تعالى السمع والبصر والفؤاد ، ولا ضير في كون العلّة أعم ممّا عللتها ، فإنّ الأعضاء مسؤولة حتّى عما إذا أقدم الإنسان مع العلم بعدم جواز الإقدام ، قال تعالى :( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) الآية(٢) .

قال في المجمع في معنى قوله :( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) : معناه لا تقل : سمعت ولم تسمع ، ولا رأيت ولم تر ، ولا علمت ولم تعلم ، عن ابن عباس وقتادة ، وقيل : معناه لا تقل في قفا غيرك كلاماً ، أي إذا مرّ بك فلا تغتبه عن الحسن ، وقيل : هو شهادة الزور ، عن محمّد بن الحنفية.

والأصل أنّه عام في كُلّ قول أو فعل أو عزم يكون على غير علم ، فكأنّه سبحانه قال : لا تقل إلاّ ما تعلم أنّه يجوز أن يقال ، ولا تفعل إلاّ ما تعلم أنّه يجوز أن يفعل ، ولا تعتقد إلاّ ما تعلم أنّه ممّا يجوز أن يعتقد انتهى »(٣) .

__________________

١ ـ فصّلت : ٢٠ ـ ٢٣.

٢ ـ يس : ٦٥.

٣ ـ الميزان في تفسير القرآن ١٣ / ٩٢.

٥٧

وقال الشيخ الطبرسيقدس‌سره ما نصّه : «( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) معناه : إنّ السمع يسأل عمّا سمع ، والبصر عمّا رأى ، والقلب عمّا عزم عليه.

ذكر سبحانه السمع والبصر والفؤاد ، والمراد أنّ أصحابها هم المسؤولون ، ولذلك قال :( كُلُّ أُولئِكَ ) وقيل : المعنى كُلّ أُولئك الجوارح يسأل عمّا فعل بها.

قال الوالبي عن ابن عباس : يسأل الله العباد فيما استعملوها »(١) .

( عبد الماجد ـ فرنسا ـ ٣٤ سنة ـ ليسانس )

ثواب سورة الواقعة :

س : هل صحيح أنّ من قرأ سورة الواقعة كُلّ ليلة يحفظه الله من الفقر؟

ج : مصدر هذا الخبر رواية وردت عن أهل العامّة ، نقلها الكثير منهم عن عبد الله بن مسعود في محاورة مع عثمان بن عفّان ، يقول عبد الله بن مسعود في آخرها : فإنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : « من قرأ سورة الواقعة كُلّ ليلة لم يصبه فاقة أبداً »(٢) .

وقد نقلها من علمائنا الشيخ الطبرسي في تفسيره(٣) ، ويبدو أنّه نقله عنهم ، وإن لم يصرّح بذلك.

ومن يعمل بها من أصحابنا فهو استناداً على قاعدة التسامح في أدلّة السنن ، والتي تعني أنّ المستحبّات التي ترد في الشريعة المستندة إلى روايات تدلّ على ذلك ، لا ينظر إلى سند تلك الروايات ومدى صحّته وعدمه ، لأنّ الرواية أكثر

__________________

١ ـ مجمع البيان ٦ / ٢٥١.

٢ ـ معالم التنزيل ٤ / ٢٩٢ ، الجامع لأحكام القرآن ١٧ / ١٩٤ ، تفسير القرآن العظيم ٤ / ٣٠٢.

٣ ـ أُنظر : مجمع البيان ٩ / ٣٥٤.

٥٨

ما تدلّ على الاستحباب ، وليس هناك محذور في الفعل أو الترك ، بل يعمل بالرواية رجاء صحّة صدورها ، فإنّ المرء يثاب على ذلك العمل.

وقد ورد خبر آخر في سورة الواقعة ، نقله الشيخ الصدوق عن الإمام الصادقعليه‌السلام قوله : «من قرأ في كُلّ ليلة جمعة الواقعة أحبّه الله ، وأحبّه إلى الناس أجمعين ، ولم ير في الدنيا بؤساً أبداً ولا فقراً ولا فاقة ، ولا آفة من آفات الدنيا ، وكان من رفقاء أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وهذه السورة لأمير المؤمنين عليه‌السلام خاصّة لم يشركه فيها أحد »(١) ، وبضمّ هذا الخبر إلى ذاك يقوى احتمال صحّة الأثر المترتّب على قراءة تلك السورة ، ويقوى أكثر بضمّهما إلى الخبر الوارد عن الإمام الصادقعليه‌السلام حيث قال : « من سمع شيئاً من الثواب على شيء فصنعه ، كان له ، وإن لم يكن على ما بلغه »(٢) .

( نسمة ـ الإمارات ـ ٢٠ سنة ـ طالبة جامعة )

معنى الحجّة البالغة :

س : وفّقكم الله تعالى لكُلّ خير ، عندي استفسار حول الآية الكريمة ، ( فَللهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ) (٣) ، كيف نربط بين هذه الآية وبين من لم يصل لهم الإسلام ، بمعنى أنّ الحجّة بالغة علينا نحن المسلمين ، ممّن ولد في بيئة مسلمة ، ولكن كيف تكون الحجّة بالغة على ممّن ولد في بيئة كافرة ، لا يعرف عن الإسلام شيئاً؟ وشكراً.

ج : إنّ فهمك للآية القرآنية بما ذكرت غير صحيح ، بل إنّ مراد الآية الردّ على المشركين ، الذين أرادوا أن يثبتوا شركهم بحجّتهم التي ما هي إلاّ إتباع

__________________

١ ـ ثواب الأعمال وعقابها : ١١٧.

٢ ـ الكافي ٢ / ٨٧.

٣ ـ الأنعام : ١٤٩.

٥٩

الظنّ ، فجاءت هذه الآية تفريعاً على تلك الآية السابقة ، وفاء التفريع الموجودة في أوّل الآية تدلّ على ذلك.

وقال العلاّمة الطباطبائي حول الآية ما نصّه : « والمعنى : أنّ نتيجة الحجّة قد التبست عليكم بجهلكم وإتباعكم الظنّ ، وتخرّصكم في المعارف الإلهية ، فحجّتكم تدلّ على أنّ لا حجّة لكم في دعوته إيّاكم إلى رفض الشرك ، وترك الافتراء عليه ، وأنّ الحجّة إنّما هي لله عليكم ، فإنّه لو شاء لهداكم أجمعين ، وأجبركم على الإيمان وترك الشرك والتحريم »(١) .

وقال الشيخ الطوسي حول الآية ما نصّه : « ومعنى البالغة : التي تبلغ قطع عذر المحجوج ، وتزيل كُلّ لبس وشبهة عمّن نظر فيها ، واستدلّ أيضاً بها »(٢) ، لأنّ معناها أنّها تبلغ إلى جميع أفراد البشر كما فهمت.

وعلى هذا فليس هناك أيّ تعارض بين الآية القرآنية وبين عدم وصول الدين الحقّ إلى مجموعة من الأفراد ، بل أنّ القرآن يوضّح أنّ مجموعة من الناس سوف لا يصل إليهم الحقّ ، ويسمّيهم بالمستضعفين ، وهم معذورون في عدم وصول الدين الحقّ إليهم ، يقول تعالى :( إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً ) (٣) .

قال صاحب الميزان : « يتبيّن بالآية أنّ الجهل بمعارف الدين إذا كان عن قصور وضعف ليس فيه صنع للإنسان الجاهل كان عذراً عند الله سبحانه »(٤) .

__________________

١ ـ الميزان في تفسير القرآن ٧ / ٣٦٦.

٢ ـ التبيان ٤ / ٣١١.

٣ ـ النساء : ٩٨.

٤ ـ الميزان في تفسير القرآن ٥ / ٥١.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

مروياتهما على مرويّات الأئمّة الآخرين، قول لا يعتد به ولا يقتدى، بل هو من تحكّماتهم الصرفة، كيف لا وأن الأصحيّة من تلقاء عدالة الرواة وقوة ضبطهم، وإذا كان رواة غيرهم عادلين ضابطين، فهما وغيرهما على السواء، لا سبيل للحكم بمزيتهما على غيرهما، إلّا تحكماً، والتحكّم لا يلتفت اليه. فافهم »(١) .

___________________

(١). فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت ٢ / ١٢٣ هامش المس؟؟؟.

١٨١

أحاديث من الصحيحين في الميزان

هذا، وإنّ في كتابي البخاري ومسلم، أحاديث كثيرة تكلّم فيها أئمّة الحديث وكبار الحفّاظ الثقات ونحن ننقل هنا نصوص طائفة من تلك الأحاديث بأسانيدها، وكلمات أعلام الحديث المحقّقين حولها، على سبيل التمثيل لا الحصر لنقف على حقيقة ما اشتهر بينهم من تلقيّ أهل السنّة أحاديث الكتابين بالقبول، وما قيل من تقديم مرويّاتهما على مرويّات غيرهما ونرى أن ذلك - في الحقيقة - ليس إلّا تحكّما صرفاً، وبهتاً واضحاً، ودعوى فارغة

الحديث الأول

أخرج البخاري في كتاب الطب قائلاً: « حدثنا سيدان بن مضارب أبو محمد الباهلي قال: حدثنا أبو معشر يوسف بن يزيد البراء، قال: حدثني عبيد الله ابن الأخنس أبو مالك، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس: إنّ نفراً من أصحاب رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - مرّوا بماء [ و ] فيهم لديغ أو سليم فعرض لهم رجل من أهل السماء، فقال: هل فيكم من راق؟ إن في الماء رجلاً لديغاً أو سليماً.

١٨٢

فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء فبرأ، فجاء بالشاء إلى أصحابه، فكرهوا ذلك [ و ] قالوا: أخذت على كتاب الله أجرا، حتى قدموا المدينة، فقالوا: يا رسول الله! أخذ على كتاب الله أجراً، فقال رسول الله - صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -: إنّ أحقّ ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله » (١) .

ابن الجوزي وهذا الحديث

و قد أورده الحافظ ابن الجوزي في الموضوعات قائلاً: « قال ابن عدي: روى عمرو بن المحرم البصري، عن ثابت الحفار، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، قالت: سألت رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - عن كسب المعلّمين فقال: إنّ أحقّ ما أخذ عليه الأجر كتاب الله.

قال ابن عدي: لعمرو أحاديث مناكير، وثابت لا يعرف، والحديث منكر »(٢) .

ترجمة ابن الجوزي

وقد ترجم ابن خلكان لابن الجوزي بقوله: « الفقيه الحنبلي الواعظ، الملقب جمال الدين الحافظ، كان علامة عصره وإمام وقته في الحديث وصناعة الحفظ، صنّف في فنون عديدة، منها: زاد المسير في علم التفسير، أربعة أجزاء أتى فيه بأشياء غريبة، وله في الحديث تصانيف كثيرة، وله المنتظم في التاريخ وهو كبير، وله الموضوعات في أربعة أجزاء ذكر فيها كل حديث موضوع، وله تلقيح فهوم الأثر على وضع كتاب المعارف لابن قتيبة »(٣) .

وترجم له الحافظ الذهبي بقوله: « وابو الفرج ابن الجوزي، الحافظ الكبير

___________________

(١). صحيح البخاري ٧ / ١٧٠.

(٢). الموضوعات ١ / ٢٢٩.

(٣). وفيات الأعيان ٢ / ٣٢١.

١٨٣

جمال الدين الحنبلي الواعظ المتقن، صاحب التصانيف الكبيرة الشهيرة في أنواع العلم من التفسير والحديث والفقه والزهد والوعظ والأخبار والتاريخ والطب وغير ذلك »(١) .

وقال الحافظ السيوطي ما ملخّصه: « إبن الجوزي الامام العلاّمة الحافظ عالم العراق وواعظ الآفاق، صاحب التصانيف السائرة في فنون، قال الذهبي في التاريخ الكبير: لا يوصف ابن الجوزي بالحفظ عندنا باعتبار الصنعة بل باعتبار كثرة اطّلاعه وجمعه »(٢) .

ووصفه الخوارزمي بـ: « إمام أئمة التحقيق »(٣) .

واليافعي عند الذب عن أحمد بن حنبل بـ « الإمام »(٤) .

كما اعتمده كبار علمائهم في الحديث والكلام، فقد اعتمده ابن تيمية في مواضع في كتابه، منها في ردّ حديث ردّ الشمس، و حديث: أنت أخي ووصيّي وخليفتي من بعدي وقاضي ديني.

وابن روزبهان في ردّ حديث النور.

وابن حجر المكي في تكلّمه على حديث: أنا مدينة العلم وعلي بابها.

و ( الدهلوي ) في رد حديث: أنا مدينة العلم وعلي بابها.

والمولوي حيدر علي في ( إزالة الغين ) معبّراً عنه بـ « سند المحدثين والمنقدين ».

الحديث الثاني

وهو الحديث الذي أورده الحافظ ابن حزم عن البخاري، وأبطله سنداً

___________________

(١). العبر - حوادث سنة ٥٩٧.

(٢). طبقات الحفاظ / ٤٧٧.

(٣). جامع مسانيد أبي حنيفة: ٢٨.

(٤). مرآة الجنان، حوادث سنة ٥٩٧.

١٨٤

ودلالة، وهذا نص كلامه في كتابه ( المحلى ):

« ومن طريق البخاري: قال هشام بن عمار، نا صدقة بن خالد نا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، نا عطية بن قيس الكابلي، نا عبد الرحمن بن غنم الأشعري، حدثني أبو عامر وأبو مالك الأشعري - والله ما كذبني - أنه سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - يقول: ليكونن من أمتي قوم يستحلّون الخزّ والخنزير والخمر والمعازف.

وهذا منقطع، لم يتصل ما بين البخاري وصدقة بن خالد، ولا يصح في هذا الباب شيء أبداً، وكل ما فيه موضوع ».

ترجمة الحافظ ابن حزم

والحافظ ابن حزم - وإنْ كان ممقوتاً لدى كثير من علمائهم ولا سيّما المعاصرين له منهم - مذكور في معاجم التراجم وكتب الرجال مع التعظيم والإجلال فقد ذكره الحافظ الذهبي بقوله:

« وأبو محمد ابن حزم، العلامة، صاحب المصنفات، مات مشرّدا عن بلده من قبل الدولة، ببادية بقرية له، ليومين بقيا من شعبان عن اثنتين وسبعين سنة.

وكان إليه المنتهى في الذّكاء وحدّة الذهن، وسعة العلم بالكتاب والسنة والمذاهب والملل والنحل والعربية والآداب والمنطق والشعر، مع الصدق والأمانة والديانة والحشمة والسؤدد والرئاسة والثروة وكثرة الكتب. قال الغزالي: وجدت في أسماء الله تعالى كتاباً لابي محمد بن حزم، يدل على عظم حفظه وسيلان ذهنه. وقال ابن صاعد في تاريخه: كان ابن حزم أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام وأوسعهم معرفة، مع توسّعه في علم اللّسان والبلاغة والشعر والسّير والأخبار، أخبرني ابنه الفضل أنّه اجتمع عنده من تأليفه نحو أربعمائة مجلد »(١) .

وقال السيوطي: « ابن حزم، الامامة العلامة، الحافظ الفقيه، أبو محمد،

___________________

(١). العبر في خبر من غبر، حوادث سنة ٤٥٦.

١٨٥

كان أولاً شافعياً، ثم تحوّل ظاهرياً، وكان صاحب فنون وورع وزهد، وإليه المنتهى في الذكاء والحفظ وسعة الدائرة في العلوم، أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام وأوسعهم معرفة، مع توسّعه في علوم اللسان والبلاغة والشعر والسير والأخبار »(١) .

وقال الشيخ محي الدين ابن عربي: « رأيت النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وقد عانق أبا محمد ابن حزم المحدّث، فغاب الواحد في الآخر، فلم يزالا واحداً هو ورسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -، فهذا غاية الوصلة وهو المعبَّر عنه بالاتحاد »(٢) .

وقد وصفه الأدفوي بـ « الحافظ » واعتمده في مسألة ضرب العود(٣) .

وذكر ( الدهلوي ): ان ابن حزم من علماء أهل السنة الذين يدفعون المطاعن عن أمير المؤمنين -عليه‌السلام -(٤) .

وسيأتي: أن ابن تيمية يعتمد على كلام ابن حزم في حصر فضائل الامام -عليه‌السلام - في الأحاديث التالية:

أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى.

و: سأعطين الرّاية غداً رجلاً

و: إنّ عليّاً لا يحبّه إلّا مؤمن ولا يبغضه إلّا منافق.

وسيأتي أيضاً: أن ابن حزم يذهب إلى القول بوضع سائر الأحاديث التي يتمسك بها الامامية في إثبات إمامة علي -عليه‌السلام -، كما نقل عنه ابن تيمية القدح في حديث الغدير.

فابن حزم عندهم، من كبار الحفّاظ الذين يعتمدون على كلامهم في

___________________

(١). طبقات الحفّاظ / ٤٣٦.

(٢). الفتوحات، الباب ٢٢٣: ٢ / ٥١٩.

(٣). الإِمتاع في أحكام السماع، في مسألة ضرب العود.

(٤). التحفة الاثنا عشرية، باب الامامة: ١٧٣.

١٨٦

كتبهم، إلّا أن كثيراً منهم مقتوه لآراء له بعيدة عن الصواب ومخالفة للمشهور بين جمهور العلماء، ولذلك نهوا الناس عن اتباعه وتقليده والأخذ بأقواله

الحديث الثالث

ما أخرجه البخاري قائلاً: « حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا الليث، عن يزيد، عن عراك، عن عروة: أن النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - خطب عائشة إلى أبي بكر، فقال له أبو بكر: إنما أنا أخوك. فقال: أنت أخي في دين الله وكتابه، وهي لي حلال »(١) .

مغلطاي وهذا الحديث

وقد تكلّم الحافظ مغلطاي بن قليج في صحة هذا الحديث، قال الحافظ ابن حجر ما نصه:

« وقال مغلطاي: في صحة هذا الحديث نظر، لأن الخلة لأبي بكر إنما كانت بالمدينة، وخطبة عائشة كانت بمكة، فكيف يلتئم قول: إنما أنا أخوك؟

وأيضاً: فالنبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - ما باشر الخطبة بنفسه، كما أخرجه ابن أبي عاصم من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن عائشة أن النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أرسل خولة بنت حكيم إلى أبي بكر يخطب عائشة، فقال لها أبو بكر: هل تصلح له، إنما هي بنت أخيه؟ فرجعت فذكرت ذلك للنبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فقال: ارجعي فقولي له: أنت أخي في الإسلام، وابنتك تصلح لي، فأتت أبا بكر فذكرت ذلك له، فقال: ادعي رسول الله، فجاء فأنكحه »(٢) .

___________________

(١). صحيح البخاري ٧ / ٦.

(٢). فتح الباري في شرح صحيح البخاري ١١ / ٢٦.

١٨٧

ترجمة الحافظ مغلطاي

وقد ذكر الحافظ السيوطي الحافظ مغلطاي وترجم له قائلاً: « مغلطاي بن قليج بن عبد الله، الحنفي الامام الحافظ علاء الدين، ولد سنة ٦٨٩، وسمع من الدبوسي والختني [ وخلائق ]، ووليّ تدريس الحديث بالظّاهرية بعد ابن سيد الناس وغيرها، وله مآخذ على المحدّثين وأهل اللغة. قال العراقي: كان عارفاً بالأنساب معرفة جيّدة، وأما غيرها من متعلّقات الحديث فله بها خبرة متوسّطة.

وتصانيفه أكثر من مائة، منها شرح البخاري وشرح ابن ماجة لم يكمل، وقد شرعت في إتمامه، وشرح ابن أبي داود لم يتم، وجمع أوهام التهذيب وأوهام الأطراف، وذيل على التهذيب، وذيل على المؤتلف والمختلف لابن نقطة، والزّهر الباسم في السّيرة، ورتّب المبهمات على الأبواب، ورتّب بيان الواهي [ الوهم ] لابن القطان، وخرّج رواية [ زوائد ] ابن حبّان على الصحيحين. مات في رابع عشر في شعبان سنة ٧٦٢ »(١) .

وقال أيضاً: « مغلطاي بن قليج الحنفي الامام الحافظ علاء الدّين، ولد سنة ٦٨٩، وكان حافظاً عارفاً بفنون الحديث علّامة في الأنساب، وله أكثر من مائة تصنيف »(٢) .

وكذا قال الزرقاني المالكي حيث ذكره(٣) .

وقال ابن قطلوبغا بترجمته: « مغلطاي بن قليج علاء الدين البكحري، إمام وقته وحافظ عصره »(٤) .

أقول: وردُّ الحافظ ابن حجر كلام الحافظ مغلطاي بقوله: « قلت:

___________________

(١). طبقات الحفاظ: ٥٣٤.

(٢). حسن المحاضرة ١ / ٣٥٩.

(٣). شرح المواهب اللدنية ١ / ١٢٧.

(٤). طبقات الحنفية - تاج التراجم: ٧٧.

١٨٨

اعتراضه الثاني يردّ اعتراضه الأول » لو سلّم لا يضرّ بما نحن بصدده، كما لا يخفى.

الحديث الرابع

ما أخرجه البخاري حول شفاعة الخليل ابراهيم -عليه‌السلام - لأبيه من كتاب التفسير، قائلاً:

« حدّثنا إسماعيل، قال: حدّثنا أخي، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة عن النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - قال: يلقى إبراهيم أباه فيقول: يا رب إنك وعدتني ألّا تخزيني يوم يبعثون، فيقول الله: إنّي حرّمت الجنة على الكافرين »(١) .

الحافظ الاسماعيلي وهذا الحديث

وقد طعن الحافظ الاسماعيلي في صحة هذا الحديث قال الحافظ ابن حجر العسقلاني بشرحه: « وقد استشكل الاسماعيلي هذا الحديث من أصله وطعن في صحته، فقال بعد أن أخرجه: هذا خبر في صحته نظر، من جهة أنّ ابراهيم عالم [ علم ] أن الله لا يخلف الميعاد، فكيف يجعل ما يأتيه [ صار لأبيه ] خزياً [ له ] مع علمه بذلك؟

وقال غيره: هذا الحديث مخالف لظاهر قوله تعالى:( وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ) .

ثم جعل ابن حجر يرد على هذا الاشكال مصححاً الحديث(٢) ، ولكن ذلك

___________________

(١). صحيح البخاري ٦ / ١٣٩.

(٢). فتح الباري - شرح صحيح البخاري ٨ / ٤٠٦.

١٨٩

لا ينافي ما نحن بصدده، كما تقدم.

ترجمة الحافظ الاسماعيلي

وقد ترجم السمعاني للحافظ الاسماعيلي، فقال ما ملخصه: « إمام أهل جرجان والمرجوع اليه في الحديث والفقه، رحل إلى العراق والحجاز وصنّف التّصانيف، وهو أشهر من أن يذكر، وكذلك أولاده وأحفاده، وله وجوه في المذهب مذكورة منظورة، وروى عنه الأئمّة والحفّاظ.

ذكره الحاكم أبو عبد الله الحافظ في تاريخ نيسابور فقال: الامام أبو بكر الاسماعيلي، واحد عصره، وشيخ الفقهاء والمحدّثين، وأجلّهم في الرئاسة والمروءة والسّخاء، بلا خلاف بين عقلاء الفريقين من أهل العلم فيه، وقد كان أقام بنيسابور لسماع الحديث غير مرّة، وقدمها وهو رئيس جرجان.

وحكى حمزة بن يوسف السهمي، عن أبي الحسن الدارقطني، قال: كنت عزمت غير مرة أن أرحل إلى أبي بكر الاسماعيلي فلم أرزق، وكان الحسن بن علي الحافظ المعروف بابن غلام الزهري بالبصرة يقول: كان الواجب للشيخ أبي بكر أن يصنّف سنناً ويختار على حسب اجتهاده، فإنّه كان يقدر عليه، لكثرة ما كان كتبه ولغزارة علمه وفهمه وجلالته، وما كان له أن يتبع كتاب البخاري، فإنّه كان أجل من أن يتّبع غيره.

قال السّهمي: وكان أبو الحسين محمد بن المظفر الحافظ يحكي جودة قراءته وقال: كان مقدّماً في جميع المجالس، وكان إذا حضر مجلساً لا يقرأ غيره. وكان أبو القاسم البغوي يقول: ما رأيت أقرأ من أبي بكر الجرجاني »(١) .

وقال اليافعي: « وفيها الامام الجامع الحبر النافع، ذو التصانيف الكبار في الفقه والأخبار، أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الجرجاني، الحافظ الفقيه

___________________

(١). الأنساب - الاسماعيلي.

١٩٠

الشافعي المعروف بالجرجاني. وكان حجة كثير العلم حسن الدين »(١) .

وبمثله قال الحافظ الذهبي(٢) .

الحديث الخامس

وهو ما أخرجه البخاري في كتاب الصلح، حيث قال: « حدثنا مسدد، ثنا معتمر، قال: سمعت أبي أنّ أنساً قال: قيل للنبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - لو أتيت عبد الله بن أبي، فانطلق إليه النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وركب حماراً، فانطلق المسلمون يمشون معه وهي أرض سبخة، فلما أتاه النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - قال: إليك عني، والله لقد آذاني نتن حمارك.

فقال رجل من الأنصار منهم: والله لحمار رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أطيب ريحاً منك. فغضب لعبد الله رجل من قومه فشتما، فغضب لكلّ واحدٍ منهما أصحابه، فكان بينهما ضرب بالجريد والأيدي والنعال، فبلغنا أنها نزلت:( وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما ) .

[ قال أبو عبد الله: هذا مما انتخبت من مسدد قبل أن يجلس ويحدث ] »(٣) .

ابن بطال وهذا الحديث

وقد أبطل الامام ابن بطال هذا الحديث، فقد قال البدر الزركشي ما نصه: « فبلغنا أنها نزلت: وانْ طائفتان. قال ابن بطال: يستحيل نزولها في قصة عبد الله بن أبي والصحابة، لأن أصحاب عبد الله ليسوا بمؤمنين وقد تعصّبوا بعد الاسلام في قصة الافك، وقد رواه البخاري في كتاب الاستيذان عن أسامة بن

___________________

(١). مرآة الجنان، حوادث سنة ٣٧١.

(٢). العبر، حوادث سنة ٣٧١.

(٣). صحيح البخاري ٣ / ٢٣٩.

١٩١

زيد - رضي الله عنهما -: أن النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - مر في مجلس فيه أخلاط من المشركين والمسلمين، وعبدة الأوثان واليهود، وفيهم عبد الله بن أبي، وذكر الحديث.

فدلّ على أن الآية لم تنزل فيه، وإنّما نزلت في قوم من الأوس والخزرج اختلفوا في حق فاقتتلوا بالعصي والنعال »(١) .

ترجمة الزركشي

وقد ترجم الحافظ ابن حجر للبدر الزركشي بقوله: « هو محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي، ولد سنة خمس وأربعين وسبعمائة، بتقديم المهملة على الموحدة كما رأيت بخطه في الحديث. وقرأ على جمال الدين الأسنوي وتخرّج به في الفقه، وسمع من ابن كثير، وأخذ عن الأذرعي وغيره، وأقبل على التصنيف، فكتب بخطه ما لا يحصى لنفسه ولغيره.

ومن تصانيفه: تخريج أحاديث الرافعي في خمس مجلدات، وخادم الرافعي في عشرين مجلداً، والتنقيح، وشرع في شرح كبير على البخاري لخصه من شرح ابن الملقن وزاد فيه كثيراً، وشرح جمع الجوامع في مجلّدين، وشرح المنهاج في عشرة، ومختصره في مجلدين، والتجريد في أصول الفقه في ثلاث مجلدات، وغير ذلك. وتخرّج به جماعة. وكان مقبلا على شأنه، منجمعا عن الناس، وكان يقول الشعر الوسط.

مات في ثلاث رجب سنة أربعين وتسعين بتقديم المثناة الفوقية وسبعمائة، رحمة الله تعالى عليه. انتهى »(٢) .

وهكذا ترجم له مخاطبنا ( الدهلوي )(٣) .

___________________

(١). التنقيح لألفاظ الجامع الصحيح: ١٣٣.

(٢). أنباء الغمر ٣ / ١٣٨.

(٣). بستان المحدثين: ٩٩.

١٩٢

الحديث السادس

و هو ما أخرجه البخاري في كتاب التفسير، حيث قال:

« حدثنا عبيد بن اسماعيل، عن أبي أسامة، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: لـمّا توفّي عبد الله بن أبي، جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فسأله أن يعطيه قميصه يكفّن فيه أباه فأعطاه ثم سأله أن يصلّي عليه. فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله، فقال: يا رسول الله تصلّي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه، فقال رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - إنّما خيّرني الله فقال:( إسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً ) وسأزيده على السبعين. قال: إنّه منافق.

قال: فصلّى عليه رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - [ قال: ] فأنزل الله:( وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ ) (١) .

فأخرجه البخاري في الباب مرة أخرى عن ابن عباس(٢) .

و أخرجه في باب ما يكره من الصلاة على المنافقين والاستغفار للمشركين بإسناد آخر، عن عبيد الله، عن ابن عباس، عن عمر(٣) .

كبار الأئمّة وهذا الحديث

ولقد طعن في صحة هذا الحديث، جماعة من أئمّة علماء أهل السنة، وهم:

___________________

(١). صحيح البخاري ٦ / ٨٥.

(٢). نفس المصدر ٦ / ٨٥.

(٣). نفس المصدر ٢ / ١٢١.

١٩٣

الامام أبوبكر الباقلاني.

الامام إمام الحرمين الجويني.

الامام أبو حامد الغزالي الطوسي.

الامام الداودي.

وقد ذكر طعن هؤلاء الأئمّة - في صحة هذا الحديث المخرج في البخاري ثلاث مرّات - الحافظ ابن حجر في شرحه، حيث قال ما نصه:

« واستشكل فهم التخيير من الآية، حتى أقدم جماعة من الأكابر على الطعن في صحة هذا الحديث، مع كثرة طرقه واتفاق الشيخين وسائر الذين خرّجوا الصحيح على تصحيحه، وذلك ينادي على منكري صحته بعدم معرفة الحديث وقلّة الاطلاع على طرقه.

قال ابن المنير: مفهوم الآية زلّت فيه الأقدام، حتى أنكر القاضي أبو بكر صحة الحديث وقال: لا يجوز أن يقبل هذا ولا يصلح أن الرسول قاله. انتهى.

ولفظ القاضي أبي بكر الباقلاني في التقريب: هذا الحديث من أخبار الآحاد التي لا يعلم ثبوتها.

وقال إمام الحرمين في مختصره: هذا الحديث غير مخرّج في صحيح. وقال في البرهان: لا يصحّحه أهل الحديث.

وقال الغزالي في المستصفى: الأظهر أن هذا الحديث غير صحيح.

وقال الداودي الشارح: هذا الحديث غير محفوظ.

والسبب في إنكارهم صحته، ما تقرر عندهم ممّا قدّمناه، وهو الذي فهمه عمر -رضي‌الله‌عنه - من حمل « أو » على التسوية لما يقتضيه سياق القصة وحمل السبعين على المبالغة »(١) .

وقال شهاب الدين القسطلاني، بعد أن نقل كلمات الأئمّة المذكورين:

___________________

(١). فتح الباري في شرح صحيح البخاري ٨ / ٢٧١.

١٩٤

« وهذا عجيب من هؤلاء الأئمّة، كيف باحوا بذلك وطعنوا فيه مع كثرة طرقه واتفاق الشيخين على تصحيحه، بل وسائر الذين خرّجوا في الصحيح وأخرجه النسائي وابن ماجة »(١) .

أقول: وقد صرّح الغزالي في مبحث المفهوم بعد كلامٍ طويل، بأن هذا الحديث كذب قطعا، وإليك نصّ ما قال: « وأما الشافعي فلم ير التخصيص باللّقب مفهوماً، ولكنّه قال بمفهوم التخصيص بالصّفة والزّمان والمكان والعدد، وأمثلته لا تخفى، وضبط القاضي مذهبه بالتخصيص بالصّفة وادّعى اندراج جميع الأقسام تحته، إذ الفعل لا يناسب المكان والزمان إلّا لوقوعه فيه وهو كالصفة له. وتمسّك أصحابنا في نصرة مذهب الشافعي بطريقتين مزيّفتين الثانية: قولهم: لا بعد في اقتباس العلم من أمور توافرت الصّور فيها على التطابق، وان كان نقلة الصّور آحادا انحطّوا عن مبلغ التواتر، كالقطع بشجاعة علي وسماحة حاتم، وآحاد وقائعها لم ينقلها إلينا إلّا آحاد الرجال، وادّعوا مثل ذلك من الصّحابة في المفهوم، وعدّوا وقائع و قوله -عليه‌السلام - في قوله تعالى:( إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً ) ، لأزيدنَّ على السبعين.

وهذا مزيّف على أنّ ما نقل في آية الاستغفار كذب قطعاً، إذ الغرض منه التناهي في تحقيق اليأس من المغفرة، فلا يظنّ برسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذهول عنه »(٢) .

الحديث السابع

و هو ما رواه البخاري بعد حديثٍ عن ابن مسعود، وهذا نصّه:

« حدّثنا محمد بن كثير، عن سفيان، قال حدثنا منصور والأعمش، عن ابن

___________________

(١). إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري ٧ / ١٤٨.

(٢). المنخول في علم الأصول ٢٠٩ - ٢١٢.

١٩٥

أبي الضحى، عن مسروق، قال: أتيت ابن مسعود فقال: إنّ قريشاً أبطئوا عن الإسلام، فدعا عليهم النبي - صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فأخذتهم سنة حتى هلكوا فيها وأكلوا الميتة والعظام، فجاءه أبو سفيان فقال: يا محمد جئت تأمر بصلة الرحم، إنّ قومك قد هلكوا فادع الله، فقرأ: ( فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ ) . الآية. ثم عادوا إلى كفرهم، فذلك قوله تعالى: ( يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ ) الآية. ثم عادوا إلى كفرهم فذلك قوله تعالى: ( يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى ) يوم بدر.

قال: « وزاد أسباط عن منصور: فدعا رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فسقوا الغيث، فأطبقت عليهم سبعاً، وشكا الناس كثرة المطر. فقال: اللهم حوالينا ولا علينا، فانحدرت السحابة عن رأسه، فسقوا الناس حولهم »(١) .

كبار الأئمّة وهذا الحديث

وقد أبطل وغلّط جماعة من كبار أئمّتهم هذه الزيادة عن أسباط وهم:

الامام العلامة قاضي القضاة بدر الدين العيني شارح البخاري.

والامام الداودي.

والامام أبو عبد الملك والامام الدمياطي.

والامام الكرماني.

فقد قال العيني بشرح هذا الحديث: « هذا تعليق - يعني زاد أسباط بن نصر، عن ابن أبي الضحى، عن مسروق، عن ابن مسعود - قد وصله البيهقي من رواية علي بن ثابت، عن أسباط بن نصر، عن ابن أبي الضحى، عن مسروق عن ابن مسعود، قال: لـمّا رأى رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - من الناس

___________________

(١). صحيح البخاري ٢ / ١٣٧.

١٩٦

إدباراً، فذكر نحو الذي قبله، وزاد: فجاءه أبو سفيان وأناس من أهل مكّة، فقالوا: يا محمد إنّك تزعم أنك بعثت رحمة، وإنّ قومك قد هلكوا، فادع الله لهم. فدعا رسول الله -عليه‌السلام - فسقوا الغيث. الحديث.

وأسباط - بفتح الهمزة وسكون السّين المهملة بعدها الباء الموحّدة وفي آخره الطاء المهملة - قال صاحب التّوضيح: أسباط هذا هو: ابن محمد بن عبد الرحمن القاصّ أبو محمد القرشي مولاهم الكوفي، ضعّفه الكوفيون، وقال النّسائي، ليس به بأس، وثقّه ابن معين.

وقيل: هو ابن نصر وهو الصحيح، وهو أسباط بن نصر الهمداني أبو يوسف، ويقال: أبو نصر الكوفي، وثقّه ابن معين، وتوقّف فيه أحمد، وقال النّسائي: ليس بالقوي.

واعترض على البخاري زيادة أسباط هذا، فقال الداودي: أدخل قصة المدينة في قصة قريش وهو غلط.

وقال أبو عبد الملك: الذي زاده أسباط وهم واختلاط، لأنّه ركّب سند عبد الله بن مسعود على متن حديث أنس بن مالك وهو قوله: فدعا رسول الله -عليه‌السلام - فسقوا الغيث إلى آخره.

وكذا قال الحافظ شرف الدّين الدّمياطي وقال: هذا حديث عبد الله بن مسعود وكان بمكة، وليس فيه هذا.

والعجب من البخاري كيف أورد هذا وكان مخالفاً لما رواه الثقات.

وقد ساعد بعضهم البخاري بقوله: لا مانع أن يقع ذلك مرّتين. وفيه نظر لا يخفى.

وقال الكرماني: قلت: قصة قريش والتماس أبي سفيان كان في مكة، لا في المدينة. قلت: القصة مكيّة إلاّ القدر الذي زاد أسباط، فإنه وقع في المدينة »(١) .

___________________

(١). عمدة القاري - شرح صحيح البخاري ٧ / ٤٦.

١٩٧

ترجمة العيني

ونكتفي بترجمة الحافظ جلال الدين السيوطي للبدر العيني، حيث قال:

« محمود بن أحمد بن حسين بن يوسف بن محمود الغسّاني، الحنفيّ العلامة، قاضي القضاة بدر الدين العيني، ولد في رمضان سنة ثلاثين وستّين وسبعمائة بعين تاب، ونشأ بها وتفقّه واشتغل بالفنون وبرع ومهر وانتفع في النحو وأصول الفقه والمعاني وغيرها بالعلامة جبريل بن صالح البغدادي، وأخذ عن الجمال يوسف الملطي والعلاء السّيرافي، ودخل معه القاهرة، وسمع مسند أبي حنيفة للحارثي على الشرف بن الكويك، ووليّ نظر الحسبة بالقاهرة مراراً، ثم نظر الأحباس، ثم قضاء الحنفيّة، ودرّس الحديث بالمؤيّدية، وتقدّم عند السلطان الأشرف برسياي.

وكان إماماً عالماً علامة، عارفاً بالعربية والتصريف، وغيرهما، حافظاً للّغة كثير الاستعمال لحواشيها، سريع الكتابة، عمّر مدرسةً بقرب الجامع الأزهر ووقف بها كتبه »(١) .

عمدة القاري

وذكر الكاتب الجلبي كتابه بقوله: « ومن الشروح المشهورة أيضاً: شرح العلامة بدر الدين أبي محمد محمود بن أحمد العيني الحنفيّ المتوفى سنة خمس وخمسين وثمانمائة، وهو شرح كبير أيضاً في عشرة أجزاء وأزيد، وسمّاه عمدة القاري

وقد استمدّ فيه من فتح الباري بحيث ينقل منه الورقة بكمالها، وكان يستعيره من البرهان ابن خضر بإذن مصنّفه له، وتعقّبه في مواضع وطوّله بما تعمّد

___________________

(١). بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة ٢ / ٢٧٥. وتوجد ترجمته في: الضوء اللامع ١٠ / ١٣١ - ١٣٥، البدر الطالع ٢ / ٢٩٤، حسن المحاضرة ١ / ٧٧٠، شذرات الذهب ٧ / ٢٨٧، نظم العقيان / ١٧٤ - ١٧٥، وغيرها، توفي سنة ٨٥٥.

١٩٨

الحافظ ابن حجر حذفه من سياق الحديث بتمامه، وإفراد كلّ من تراجم الرواة بكلام وتباين الأنساب واللّغات والاعراب والمعاني والبيان، واستنباط الفوائد من الحديث والأسئلة والأجوبة.

وحكى أنّ بعض الفضلاء ذكر لابن حجر ترجيح شرح العيني بما اشتمل عليه من البديع وغيره، فقال بديهة: هذا شيء نقله من شرح ركن الدين، وقد كنت وقفت عليه قبله، ولكن تركت النقل منه لكونه لم يتمّ

وبالجملة، فإنّ شرحه حافل كامل في معناه، لكن لم ينتشر كانتشار فتح الباري في حياة مؤلّفه وهلمّ جرّاً »(١) .

الحافظ ابن حجر وهذا الحديث

أقول: وبالرغم من كثرة محاولة الحافظ ابن حجر العسقلاني الدّفاع عن مرويات صحيح البخاري ومساعدة مؤلّفه، فإنه لم يجد بدّاً هنا من الاعتراف بأنّ هذا الحديث منكر، وإنكار الحديث يساوق القدح فيه كما ذكر ( الدّهلوي ) في كلامه على حديث: « أنا مدينة العلم وعلي بابها »

أمّا إنكار الحافظ ابن حجر هذه الزّيادة، فقد جاء بترجمة أسباط بن نصر الهمداني:

« أسباط بن نصر الهمداني أبو يوسف قال حرب: قلت لأحمد كيف حديثه؟ قال: ما أدري، وكأنّه ضعّفه. وقال أبو حاتم: سمعت أبا نعيم يضعّفه وقال: أحاديثه عامّتها سقط مقلوب الأسانيد، وقال النّسائي: ليس بالقوي.

قلت: علّق له البخاري حديثاً في الاستسقاء، وقد وصله الإِمام أحمد والبيهقي في السنن الكبير، وهو حديث منكر أوضحته في التعليق.

وقال البخاري في تاريخه الأوسط: صدوق. وذكره ابن حبّان في الثقات.

___________________

(١). كشف الظنون ١ / ٥٤٨.

١٩٩

وسيأتي في ترجمة مسلم بن الحجاج إنكار أبي زرعة عليه إخراجه لحديث أسباط هذا. وقال الساجي في الضعفاء: روى أحاديث لا يتابع عليها عن سماك بن حرب. وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال مرّة: ثقة. وقال موسى بن هارون: لم يكن به بأس »(١) .

الحديث الثامن

وهو حديث « تكثر لكم الأحاديث من بعدي، فإذا روي لكم حديث فأعرضوه على كتاب الله تعالى، فما وافقه فاقبلوه، وما خالفه فردّوه ».

وقد أخرجه البخاري في صحيحه.

التفتازاني وهذا الحديث

قال التفتازاني « بأنه خبر واحد » وأضاف بأنه « قد طعن فيه المحدثون » وهذا نصّ كلامه:

« قوله: وإنما يرد خبر الواحد في معارضة الكتاب، لأنّه مقدّم لكونه قطعياً متواتر النظم، لا شبهة في متنه ولا في سنده، لكنَّ الخلاف إنما هو في عمومات الكتاب وظواهره، فمن يجعلها ظنيّة يعتبر بخبر الواحد إذا كان على شرائط عملاً بالدليلين، ومن يجعل العامّ قطعياً، فلا يعمل بخبر الواحد في معارضته، ضرورة أنّ الظنّي يضمحلّ بالقطعي، فلا ينسخ الكتاب به ولا يزاد عليه أيضاً، لأنه بمنزلة النسخ.

واستدل على ذلك بقوله -عليه‌السلام - تكثر لكم الأحاديث من بعدي فإذا روي لكم حديث فأعرضوه على كتاب الله تعالى فما وافقه فاقبلوه وما خالفه

___________________

(١). تهذيب التهذيب ١ / ٢١٢.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423