نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٦

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار13%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 423

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 423 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 180077 / تحميل: 6670
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٦

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

٦ - إذا تساويا في عدد الشهود سمعت دعوى من كانت شهوده أقوى عدالة مع يمينه.

أفتى بذلك فقهاء الطائفة بقولهم: (وهكذا، لو تساويا في العدد وتفاضلا في العدالة، رجح بالعدالة، وهو إذا كانت إحداهما أقوى عدالة)(١) .

وقال صاحب كتاب (الخلاف)(٢) إن الطائفة أجمعت على ذلك، وكذلك الروايات الواردة في هذا الصدد تثبت ما قال وقد ذكر هذه الرواية:

عن أبي بصير، قال سألت [الإمام] أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الرجل يأتي القوم فيدّعي داراً في أيديهم ويقيم الذي في يده الدار البينة أنّه ورثها عن أبيه لا يدري كيف كان أمرها، فقال: (أكثرهما بينة يستحلف ويدفع إليه) وذكر أن علياًعليه‌السلام أتاه قوم يختصمون في بغلة، فقامت البينة لهؤلاء أنّهم أنتجوها على مذودهم، ولم يبيعوا ولم يهبوا. وأقام هؤلاء البينة أنّهم أنتجوها على مذودهم، لم يبيعوا ولم يهبوا، فقضى بها لأكثرهم بينة واستحلفهم(٣) .

٧ - لا تسمع دعوى المدّعى عليه مع وجود الشاهدين للمدّعي.

أفتى بذلك صاحب كتاب (الخلاف) بقوله: ( مسألة ٦: إذا شهد شاهدان بما يدعيه المدّعي، فقال المشهود عليه احلفوه لي مع شاهديه، لم يحلف)(٤) .

____________________

(١) الخلاف للشيخ الطوسي ٦: ٣٣٣، مختلف الشيعة للعلامة الحلي ٨: ٣٦٧.

(٢) راجع الخلاف للشيخ الطوسي ٦: ٣٣٤.

(٣) الكافي للشيخ الكليني ٧: ٤١٨ ب الرجلين يدعيان فيقيم كل واحد منهما البينة ح١، من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ٦٤ - ٦٥ ب حكم المدعيين في حق يقيم كل واحد منهما البينة على أنه له ح٣٣٤٤، الإستبصار للشيخ الطوسي ٣: ٤٠ ب ٢١ الشاهدين يشهدان على رجل بطلاق امرأته وهو غائب فيحضر الرجل وينكر الطلاق ح٦، وكذلك تهذيب الأحكام ٦: ٢٣٤ ب ٩٠ البينتين يتقابلان أو يترجح بعضها على بعض وحكم القرعة ح٦، وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٧: ٢٤٩ ب ١٢ حكم تعارض البينتين، وما ترجح به أحدهما، وما يحكم به عند فقد الترجيح ح١.

(٤) الخلاف للشيخ الطوسي ٦: ٣٣٥.

٤١

مستدلاً بذلك بأنه لا دليل شرعي يثبت طلب المدّعى عليه والأصل براءة ذمة المدّعي من اليمين.

وكذلك للخبر الوارد عن ابن عباس: أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: (البينة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه) فمن جعل البينة واليمين في جانب واحد من طرفي الدّعوى - إما المدّعي أو المدّعى عليه - فقد ترك الخبر.

٨ - إذا كان المدّعى به في يد المدّعى عليه وأقام المدّعي البينة على أنه له وأقام المدّعى عليه شاهدان فالحكم أن ينتزع الشيء من يد المدّعى عليه ويسلم للمدّعي لأن البينة عليه.

ذكر ذلك فقهاء الطائفة بقولهم: (إذا ادعى رجل على رجل عقاراً أو حيواناً أو غيره، وأقام بذلك البينة، وأقام الذي في يده شاهدين، فإن الحكم فيه أن يخرج الشيء من يد مالكه إلى المدّعي لأن البينة عليه)(١) .

____________________

(١) فقه الرضا لابن بابويه: ٢٦١، المقنع للشيخ الصدوق: ٣٩٩، مختلف الشيعة للعلامة الحلي ٨: ٣٦٩، مستند الشيعة للمحقق النراقي ١٧: ٣٨٥، تكملة العروة الوثقى للسيد اليزدي ٢: ١٤٩، جامع المدارك للسيد الخوانساري ٦: ٨٨، من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ٦٦. مستدرك الوسائل للميرزا النوري ١٧: ٣٧٢ ح٣، بحار الأنوار للعلامة المجلسي ١٠١: ٢٩١ ح ٥ مع اختلاف يسير.

٤٢

النقطة الثانية: أسباب عدم سماع الدّعوى

١ - لا تسمع دعوى المدّعى عليه عند قيام دعوى عليه حتى تنتهي دعوى المدّعي بصدور الحكم.

جاء ذلك في كتاب (شرائع الإسلام)(١) بما نصه: (السادسة: إذا قطع المدّعى عليه دعوى المدّعي بدعوى لم تسمع حتى يجيب عن الدّعوى وينتهي الحكومة، ثم يستأنف هو).

٢ - لا تسمع الدّعوى إذا فقد أحد أركانها الثلاثة وهم المدّعي والمدّعى عليه والمدّعى به.

أفتى بذلك فقهاء الطائفة حيث اشترط بعضهم بقوله: (أن يكون المدّعى به معلوماً بوجه، فلا تسمع دعوى المجهول المطلق …إلى آخره)، وقال: (أن يكون للمدّعي طرف يدعي عليه، فلو ادعى أمراً من دون أن تكون على شخص ينازعه فلا تسمع، كما لو أراد إصدار حكم من فقيه يكون قاطعاً للدّعوى المحتملة…إلى آخره)(٢) .

٣ - لا تسمع الدّعوى في الحدود بدون بينة لأنه ليس فيها يمين على المنكر.

فأفتى بذلك بعض الفقهاء(٣) بقوله: (الثالثة: لا تسمع الدّعوى في الحدود مجردة عن البينة، ولا يتوجه اليمين على المنكر).

٤ - لا تسمع الدّعوى لو تحقق كذب البينة.

قال ذلك صاحب كتاب شرائع الإسلام)(٤) بقوله: (الأولى: لو شهد للمدّعي أن الدابة ملكه منذ مدة، فدلت سنها على أقل من ذلك قطعاً أو أكثر سقطت البينة لتحقق كذبها).

٥ - إذا شهد للمدّعي شاهدان وطلب المدّعى عليه يمينه لم يُصْغَ له.

أفتى بذلك صاحب كتاب (الخلاف) بقوله: ( مسألة ٦: إذا شهد شاهدان بما يدعيه المدّعي، فقال المشهود عليه احلفوه لي مع شاهديه، لم يحلف)(٥) .

مستدلاً بذلك بأنه لا دليل شرعي يثبت طلب المدّعى عليه والأصل براءة ذمة المدّعي من اليمين.

____________________

(١) شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٤: ٨٧١.

(٢) تحرير الوسيلة للسيد الخميني ٢: ٤١١ - ٤١٢.

(٣) رياض المسائل لسيد علي الطباطبائي٢: ٤٠٥، قواعد الأحكام للعلامة الحلي ٣: ٤٤٥، شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٤: ٨٧٩، كشف الرموز للفاضل الآبي ٢: ٥٠٣، مسالك الإفهام للشهيد الثاني ١٣: ٤٩٦، كفاية الأحكام للمحقق السبزواري: ٢٧١

(٤) جواهر الكلام للشيخ الجواهري ٤٠: ٤٧٤، تحرير الأحكام للعلامة الحلي ٢: ١٩٦، شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٤: ٩٠١ - ٩٠٢، مسالك الإفهام للشهيد الثاني ١٤: ١١٦، كتاب القضاء للسيد الگبايگاني ٢: ٢٢.

(٥) الخلاف للشيخ الطوسي ٦: ٣٣٥.

٤٣

وكذلك للخبر الوارد عن ابن عباس: أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: (البينة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه) فمن جعل البينة واليمين في جانب واحد من طرفي الدّعوى - إما المدّعي أو المدّعى عليه - فقد ترك الخبر.

٦- تسقط الدّعوى إذا رد المدّعى عليه اليمين، ولم يكن للمدّعي شاهدان، ولم يحلف، لعدم ترتب الأثر على دعواه.

دليلنا في ذلك ما ذكره الفقهاء(١) بقولهم: (فإن رد المدّعى عليه اليمين على المدّعي إذا لم يكن للمدّعي شاهدان فلم يحلف فلا حق له).

٧ - إذا رضي المدّعي بيمين المدّعى عليه سقط حقه بذلك وإن أقام البينة بعد ذلك.

ذكر ذلك فقهاء الطائفة بقوله: (إن حلف المنكر (المدّعى عليه) سقطت الدّعوى)(٢) .

والظاهر أنهم استدلوا على هذه الفتوى بهذه الروايات وهي:

أ - عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: (إذا رضي صاحب الحق بيمين المنكر لحقه فاستحلفه فحلف أن لا حق له قبله، ذهبت اليمين بحق المدّعي فلا دعوى له، قلت له: وإن كان عليه بينة عادلة؟ قال: نعم، وإن أقام بعد ما استحلفه بالله خمسين قسامة ما كان له، وكان اليمين قد أبطلت كل ما ادعاه قبله مما قد استحلفه عليه)(٣) .

ب - عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في الرجل يكون له على الرجل مال فيجحده قال: (إن استحلفه فليس له أن يأخذ منه بعد اليمين شيئاً وإن تركه ولم يستحلفه فهو على حقه)(٤) .

____________________

(١) فقه الرضا لابن بابويه: ٢٦٠، من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ٦٦، مستدرك الوسائل للميرزا النوري ١٧: ٣٧٠، بحار الأنوار للعلامة المجلسي ١٠١: ٢٦٨ ح٢٥، المقنع للشيخ الصدوق: ٣٩٦، وكذلك الهداية: ٢٨٥، المبسوط للشيخ الطوسي ٨: ٢١٥.

(٢) الخلاف للشيخ الطوسي ٦: ٢٩٤، مختلف الشيعة للعلامة الحلي ٨: ٣٩٦ - ٣٩٧، المهذب البارع لابن فهد الحلي ٤: ٤٧٢، مستمسك العروة للسيد الحكيم ١٢: ١٨٦ - ١٨٧، شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٤: ٨٧٣، جواهر الكلام للشيخ الجواهري ٤٠: ١٧١، الحدائق الناضرة للمحقق البحراني ١٨: ٤١١، مستند الشيعة للمحقق النراقي ١٧: ٢٠٦، كتاب القضاء للشيخ الآشتياني: ١١٢، جامع المدارك للسيد الخوانساري ٦: ٣١ مع اختلاف الألفاظ.

(٣) الكافي للشيخ الكليني ٧: ٤١٧ ب من رضي باليمين فحلف له فلا دعوى له بعد اليمين وإن كانت له بينة ح ١، التهذيب للشيخ الطوسي ٦: ٢٣١ ب ٨٩ كيفية الحكم والقضاء ح١٦، من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ٦١ ب بطلان حق المدّعي بالتحليف وإن كان له بينة ح ٣٣٤٠.

(٤) الكافي للشيخ الكليني ٥: ١٠١ ب آداب اقتضاء الدين ح ٣، من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ١٨٥ ح٣٦٩٥ زاد في ذلك بقوله (وإن حبسه فليس له أن يأخذ منه شيئاً وإن تركه … إلى آخر الحديث )، وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٣: ٢٨٦ ب ٤٨ ح ١.

٤٤

وقد قيّدت هذه الروايات سقوط الدّعوى في هذا الفرض بشرطين وهما: الأول: طلب المدّعي اليمين من المدّعى عليه، والآخر: حلف المدّعى عليه، وإلاّ فلا تسقط الدّعوى، وله حق المطالبة بما يدّعي به.

وهناك روايات أخرى تدل على المطلوب، ولكن بمضامين أخرى مثل: (إن خانك فلا تخنه، ولا تدخل فيما عبته فيه)(١) ، أو (ليس له أن يطلب منه)(٢) ، أو (إن كان قد ظلمك فلا تظلمه)(٣) تركناها مخافة التطويل.

النقطة الثالثة: أدلّة مشروعية الدعوى

أولاً: الكتاب الكريم

جاءت مشروعية الدّعوى في طريق القرآن الكريم بقوله تعالى في الآيات الكريمة الآتية:

١- قوله تعالى:( وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ ) (٤) . أي يمتنعون عن ذلك ويرفضون، لأنهم يعلمون أن الحق سوف يكون عليهم.

____________________

(١) الكافي للشيخ الكليني ٥: ٩٨ ب قصاص الدين ح ١، من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ١٨٥ ح٣٦٩٦، الاستبصار للشيخ الطوسي٣: ٥٢ ب ٢٧ ح ٥، وكذلك تهذيب الأحكام ٦: ١٩٧ ح ٦٢ وص٣٤٨ ح ١٠١.

(٢) الكافي للشيخ الكليني ٧: ٤١٨ ب من رضي باليمين فحلف له فلا دعوى له بعد اليمن وإن كان له بينة ح ٣، تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي ٦: ٢٣٢ ح ٥٦٧ و٨: ٢٩٤ ح١٠٨٦.

(٣) الكافي للشيخ الكليني ٧: ٤٣٠ - ٤٣١ ح١٤، الاستبصار للشيخ الطوسي ٣: ٥٣ - ٥٤ ح ١٧٥، وكذلك تهذيب الأحكام ٦: ٢٨٩ ح ٨٠٢، و٨: ٢٩٣ ح ١٠٨٤، وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٧: ٢٤٦ - ٢٤٧ ب ١٠ ح ٢.

(٤) سورة النور: آية ٤٨.

٤٥

وهذه صفة المنافقين حيث يقول صاحب كتاب (التبيان) في حقهم: (إذا دعوا إلى رسول الله ليحكم بينهم في شيء اختلفوا فيه وامتنعوا ظلماً لأنفسهم، وكفروا بنبيهم، وأما إذا كان الحكم لصالحهم يأتوا إليه مذعنين أي منقادين من غير إكراه)(١) .

من خلال فهمنا لمنطوق الآية الكريم يظهر أن هناك دعوى قائمة بين من دعتهم هذه الآية إلى حكم الله ورسوله، وهذا يثبت لنا مشروعية الدّعوى فيها من خلال الأمر الصادر الذي مفاده الرجوع عند المخاصمة إلى الله تعالى ورسوله ليحكم بينهم فيما هم فيه مختلفون، والرجوع إلى الله تعالى أي إلى ما جاء في كتابه الكريم من سن القوانين بعد أن يفسره رسوله الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٢ - قوله تعالى:( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ ) (٢) .

يقول صاحب كتاب (التبيان)، وكذلك صاحب كتاب (مجمع البيان)(٣) أن الحكم الذي دعوا فيه إلى الكتاب يحتمل ثلاثة أشياء:

أحدهما: أن يكون نبوة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

الثاني: أن يكون أمر إبراهيم فإن دينه الإسلام.

الثالث: أن يكون حداً من الحدود (الرجم) لأنهم نازعوا في ذلك.

____________________

(١) التبيان للشيخ الطوسي ٧: ٤٥٠، مجمع البيان للشيخ الطبرسي ٧: ٢٦٣ بتصرف.

(٢) سورة آل عمران: آية ٢٣.

(٣) التبيان للشيخ الطوسي ٢: ٤٢٥، مجمع البيان للشيخ الطبرسي ٢: ٢٦٥.

٤٦

ونحن لا يهمنا هذا التفصيل، لأنه ليس غرضنا التفسير، بل يهمنا ثبوت مشروعية الدّعوى في هذه الآية الكريمة، وقد ثبت بأمر الأفراد المتنازعة بالرجوع إلى كتاب الله تعالى ليكون حكماً بينهم، ومعنى هذا أن هناك دعوى قائمة مشروعة.

٣ - قوله تعالى:( إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (١) . أي الفائزون برضا الله لطاعتهم لرسوله وانقيادهم لأوامره ونواهيه وهي مختصة بأمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام كما جاء ذلك في تفسير (التبيان)(٢) .

وهذه الآية الثالثة التي تدل على ثبوت مشروعية الدّعوى لما تحمله من تشويق وترغيب على أن من يقبل أن يتحاكم إلى الله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما هو إلاّ دليل على صحة إيمانه بالله تعالى وبرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنه سوف يكون من الفائزين في الآخرة.

٤ - قوله تعالى:( وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ ) (٣) . أي إصابة الحكم الحق وذلك بالطلب من المدّعي البينة ومن المدّعى عليه اليمين(٤) .

إن الله تعالى أمر نبيه داودعليه‌السلام أن يحكم بين المتخاصمين وأن يثبت على المدّعي البينة واليمين على المدّعى عليه لدليل على صحة مشروعية الدّعوى وثبوتها.

____________________

(١) سورة النور: آية ٥١.

(٢) راجع التبيان للشيخ الطوسي ٧: ٤٥٢، مجمع البيان للشيخ الطبرسي ٧: ٢٦٣.

(٣) سورة ص: آية ٢٠.

(٤) راجع التبيان للشيخ الطوسي ٨: ٥٥٠، مجمع البيان للشيخ الطبرسي ٨: ٣٤٩.

٤٧

ثانياً: السنّة الشريفة

وردت أحاديث كثيرة بصدد مشروعية الدّعوى نقتصر على بعض منها:

١ - ما جاء في الكافي(١) : عن أبي بصير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: حكم في دمائكم بغير ما حكم به في أموالكم حكم في أموالكم أن(إن الله البينة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه، وحكم في دمائكم أن البينة على من ادعي عليه واليمين على من ادعى لكيلا يبطل دم امرئ مسلم).

٢ - وأيضاً في الكافي(٢) : عن بريد بن معاوية عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سألته عن القسامة فقال: (الحقوق كلها البينة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه إلاّ في الدم خاصة، فإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بينما هو بخيبر إذ فقدت الأنصار رجلاً منهم فوجدوه قتيلاً فقالت الأنصار: إن فلان اليهودي قتل صاحبنا، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للطالبين: أقيموا رجلين عدلين من غيركم أقيدوه برمته فإن لم تجدوا شاهدين فأقيموا قسامة خمسين رجلاً أقيدوه برمته، فقالوا: يا رسول الله ما عندنا شاهدان من غيرنا وإنا لنكره أن نقسم على ما لم نره فوداه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من عنده وقال: إنما حقن دماء المسلمين بالقسامة لكي إذ رأى الفاجر الفاسق فرصة من عدوه حجزه مخافة القسامة أن يقتل به فكف عن قتله وإلاّ حلف المدّعى عليه قسام خمسين رجلاً ما قتلنا ولا علمنا قاتلاً وإلاّ أغرموا الدية إذا وجدوا قتيلاً بين أظهرهم إذا لم يقسم المدعون).

٣ - ما جاء في مَنْ لا يحضره الفقيه(٣) : عن أبي خديجة سالم بن مكرم الجمّال قال: قال أبو عبدالله جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام : (إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا فاجعلوه بينكم، فإنّي قد جعلته قاضياً فتحاكموا إليه).

____________________

(١) الكافي للشيخ الكليني ٧: ٣٦١ - ٣٦٢ ح٦.

(٢) ن. م ٧: ٣٦١ ح ٤.

(٣) من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ٢ - ٣ ب من يجوز التحاكم إليه ومن لا يجوز ح ٣٢١٦.

٤٨

٤ - وفي مَن لا يحضره الفقيه أيضاً(١) : عن أبي بصير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه قال: (أيّما رجل كان بينه وبين أخ له مماراة في حقٍّ فدعاه إلى رجل من إخوانكم ليحكم بينه وبينه فأبى إلاّ أن يرافعه إلى هؤلاء كان بمنزلة الذين :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا قال الله بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ… الآية ) (٢) ).

ثالثاً: الإجماع

لقد انعقد الإجماع منذ بداية الإسلام وإلى يومنا هذا - بل منذ نشأت الاختلافات بين أفراد النوع البشري وإلى أن تنتهي الدنيا - على مشروعية الدّعوى وجوازها، وذلك لضرورتها في الحياة.

حيث من خلالها يتم قطع الخصومات وانتهاء المنازعات بين الأطراف لكي يسود العالم الأمن والأمان والسعادة.

وهذه كتب الفقهاء ومؤلفاتهم تثبت ذلك، فهي لا تخلوا من كتاب يسمى ب- (كتاب القضاء) الذي يثبتون فيه معنى القضاء وما يتعلق به من مسائل لا مجال لذكرها فمن أراد فليراجع الكافي، والوسائل، وكتب العلامة، والمحقق، والجواهري، وغيرهم.

رابعاً: العقل

لقد ثبت عقلاً أن حل النزاعات بين الناس وحسم أمر الدّعوى حسن، وكل أمر حسن مرغوب فيه عند العقل، ويحكم بلزوم فعله. وبهذا نثبت صحة مشروعية الدّعوى.

____________________

(١) ن .م: ٤ ب من يجوز التحاكم إليه ومن لا يجوز ح ٣٢٢٠.

(٢) سورة النساء: آية ٦٠.

٤٩

المطلب الثالث: ترجيح أحد المدّعيين وجعله مدعياً

هناك جملة من المرجحات التي يمكن أن تجعل أحد المدّعيين مدّعياً والآخر مدّعى عليه، وهي كالآتي:

١ - الترجيح بالأسبقية:

إذا قدم الخصمان دعوى على بعضهما البعض، قدمت دعوى الأسبق.

أفتى بذلك فقهاء الطائفة حيث قالوا: (إذا تحاكم خصمان فادعى كل واحد منهما على صاحبه دعوى، فالذي يدعي بالدّعوى أولاً أحق من صاحبه أن يسمع منه)(١) .

٢ - الترجيح بالجلوس على يمين المدّعي الآخر:

إذا تشاح الخصمان في الابتداء سمعت دعوى من كان على يمين خصمه.

ذكر ذلك الفقهاء بقولهم: (أن الخصمين إذا ابتدرا الدّعوى بين يدي الحاكم، وتشاحا في الابتداء بها وجب على الحاكم أن يسمع من الذي عن يمين خصمه)(٢) .

الدليل على ذلك: هو إطباق الطائفة عليه، كما عبّر الشريف المرتضى بذلك(٣) .

ثم قال الشريف الرضي معللاً ذلك بقوله: (لأن مّنْ خالف ما ذكرناه إنما اعتمد على الرأي والاجتهاد دون النص والتوقيف، ومثل ذلك الرجوع فيه إلى التوقيف أولى وأحرى)(٤) .

____________________

(١) فقه الرضا لابن بابويه: ٢٦٠، المقنعة للشيخ المفيد: ٧٢٥، الوسيلة لابن حمزة الطوسي: ٢١١، شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٤: ٨٧١، مستند الشيعة للمحقق النراقي ١٧: ١٢٣ - ١٢٤ مع اختلاف بالألفاظ.

(٢) فقه الرضا لابن بابويه: ٢٦٠، المقنعة للشيخ المفيد: ٧٢٥، الانتصار للشريف المرتضى: ٤٩٥، السرائر لابن إدريس ٢: ١٥٧، مختلف الشيعة للعلامة الحلي ٨: ٣٩٤، مسالك الإفهام للشهيد الثاني ١٣: ٤٣٤، مستند الشيعة للمحقق النراقي ١٧: ١٢٣، الوسيلة لابن حمزة الطوسي: ٢١١، شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٤: ٨٧١ مع اختلاف بالألفاظ.

(٣) الانتصار للشريف الرضي: ٤٩٥.

(٤) الانتصار للشريف المرتضى: ٤٩٥.

٥٠

وبعدها اعترض على ابن الجنيد - عندما فسّر رواية ابن محبوب، التي رواها عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، والتي نصها: (قضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يقدّم صاحب اليمين في المجلس بالكلام)(١) - قائلاً: (قال ابن الجنيد: يحتمل أن يكون أراد بذلك المدّعي، لأن اليمين مردودة إليه، قال ابن الجنيد: إلاّ أن ابن محبوب فسّر ذلك في حديث رواه عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبداللهعليه‌السلام أنه قال: (إذا تقدمت مع خصم إلى والٍ أو قاضٍ فكن عن يمينه - يعني عن يمين الخصم -)(٢) ، وهذا تخليط من ابن الجنيد، لأن التأويلات إنما تدخل بحيث تشكل الأمور، ولا خلاف بين القوم أنه إنما أراد يمين الخصم دون اليمين التي هي القسم)(٣) .

ونحن نرى ما يراه الشريف المرتضى لأنه هو الأرجح والأصح، لما للرواية من وضوح في هذه المسألة.

٣ - تقديم من له بيّنة وإلاّ فالترجيح بالقرعة:

إذا ادعى كلاهما أنه أحضر صاحبه للدّعوى فإن كان لأحدهما بينة سمع منه، وإلاّ أقرع بينهما.

أفتى بذلك صاحب كتاب (الوسيلة) بقوله: (وإذا حضر خصمان للتداعي لم يخل حالهما من أربعة أوجه: … أو ادعى كلاهما أنه قد أحضره للدّعوى، … والثاني: إن كان لأحدهما بينة حكم عليها، وإن لم يكن أقرع بينهما)(٤) .

____________________

(١) من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ١٤ ب آداب القضاء ح ٣٢٤٠.

(٢) من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ١٤ ب آداب القضاء ح ٣٢٤١، تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي ٦: ٢٢٧ ب ٨٨ آداب الحكام ح ٨، وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٧: ٢١٨ ب ٥ يستحب للإنسان أن يقوم عن يمين خصمه ح ١.

(٣) الانتصار للشريف المرتضى: ٤٩٥ - ٤٩٦.

(٤) الوسيلة لابن حمزة الطوسي: ٢١١.

٥١

٤ - تقديم من له شاهدان على من له شاهد ويمين:

إذا كان لأحد المدّعيين شاهدان وللآخر شاهد وامرأتان تساويا في الدّعوى، وأما إذا كان لأحدهما شاهدان والآخر شاهد ويمينه فلا.

أفتى بذلك الشيخ الطوسي والقمي(١) بقولهما: (إذا كان مع أحدهما شاهدان، ومع الآخر شاهد وامرأتان، تقابلتا بلا خلاف بيننا وبين الشافعي. فأما إن كان مع أحدهما شاهدان، ومع الآخر شاهد واحد، وقال: أحلف مع شاهدي، فإنهما لا يتقابلان).

واستدلا على ذلك بالإجماع على تقابلهما، وبأن التهمة تلحق من حلف لنفسه، ولا تلحق الشاهدين لأنهما يحلفان لغيرهما.

٥ - الترجيح بالقرعة عند تعارض البينتان:

إذا تساوت البينتان ولا مرجّح لأحدهما أقرع بينهما، فمن خرج اسمه حلف وأعطي الحق له، لأن القرعة لكل أمر مشكل، وهذا منه.

ذكر ذلك الفقهاء(٢) بقولهم: ( إذا تعارضت البينتان على وجه لا ترجيح لإحداهما على الأخرى، أقرع بينهما، فمن خرج اسمه حلف وأعطي الحق).

مستدلين عليه بالإجماع على أن القرعة لكل أمر مشكل، وهذا منه، مضافاً إلى ذلك الروايات الكثيرة التي ذكرنا بعضها في بحث القرعة فلا داع للإعادة.

____________________

(١) الخلاف للشيخ الطوسي ٦: ٣٣٤ وكذلك المبسوط ٨: ٢٥٨ - ٢٥٩، جامع الخلاف والوفاق للقمي: ٦١٦.

(٢) الخلاف للشيخ الطوسي ٦: ٣٣٧ وكذلك المبسوط ٨: ٢٤١، الجامع للشرايع ليحيى بن سعيد الحلي: ٥٣٥، جامع الخلاف والوفاق للقمّي: ٦١٣، مختلف الشيعة للعلامة الحلي ٨: ٣٦٨، مسالك الإفهام للشهيد الثاني ١٢: ٥٥٤، تحرير الوسيلة للسيد الخميني ٢: ٢٦١.

٥٢

المبحث الثاني: أنواع الدّعوى

لربما يتساءل البعض عن مورد هذا البحث وما هو ربطه بالبحث ؟

إنا لسنا بصدد ذكر أنواع الدّعوى، بل الهدف من هذا البحث هو ذكر بعض أنواع الدعاوى التي يمكن قبولها من المدّعي لصحتها والفرق بينها وبين التي لا يمكن قبولها لفسادها.

ونحن لو تتبعنا كلمات الفقهاء بما كتبوه في الدعاوى لوجدناهم يقسمون الدّعوى من

ناحية الصحة والفساد إلى قسمين وهما:

القسم الأول: الدّعوى الصحيحة

وهي التي استوفت الشروط بحيث يمكن سماعها.

القسم الثاني: الدّعوى الفاسدة

وهي التي لم تستوف الشروط كلها أو بعضها بحيث لا يمكن سماعها.

ونحن نكتفي بذكر نماذج من الدعوى الصحيحة، ومن خلالها تتضح لنا الدعوى الفاسدة لأنه كل ما ترتب على الدعوى الصحيحة من شروط ترتب عكسه للدعوى الفاسدة.

٥٣

نماذج من الدعوى الصحيحة

أولاً: دعوى البيعان

هناك مسائل خلافية تحدث بين البائع والمشتري حول المبيع وما يرتبط به، ونحن هنا نذكر بعضاً من هذه المسائل وهي:

١ - إذا كان الخلاف بين البائع والمشتري في مقدار ثمن المبيع أو جنسه فهنا فرعان:

أ - إذا كان المثمن تالفاً فالقول قول المشتري مع يمينه.

ب - إذا كان المثمن سالماً فالقول قول البائع مع يمينه.

ذكر ذلك فقهاء الطائفة بقولهم: (إذا اختلف المتبايعان في قدر الثمن أو جنسه، فالقول قول المشتري مع يمينه إن كانت السلعة تالفة، وإن كانت سالمة فالقول قول البائع مع يمينه)(١) .

وقد استدل بعضهم على ذلك بعدة أدلة منها:

أولاً - إجماع الفرقة على ذلك.

ثانياً - هناك عدة روايات في هذا الصدد نذكر منها:

الرواية الأولى: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: (البينة على مّنْ ادّعى واليمين على مّنْ أنكر)(٢) ، وفي غيرها (واليمين على مَنْ ادّعي عليه)(٣) .

____________________

(١) الخلاف للشيخ الطوسي ٣: ١٤٧، جواهر الفقه لابن البراج: ٥٧ - ٥٨، غنية النزوع لابن زهرة الحلبي: ٢٣١، السرائر لابن إدريس الحلي ٢: ٣١٨ - ٣١٩، شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٢: ٢٨٧، المختصر النافع للمحقق الحلي: ١٢٠، الجامع للشرايع ليحيى بن سعيد الحلي: ٢٧١، كشف الرموز للفاضل الآبي ١: ٤٥٢، جامع الخلاف والوفاق للقمي: ٢٧٨، مختلف الشيعة للعلامة الحلي ٥: ٢٩٦، المهذب البارع لابن فهد الحلي ٢: ٣٦٢، كفاية الأحكام للمحقق السبزواري: ٩٧، جواهر الكلام للشيخ الجواهري ٢٣: ١٨٤ بتصرف.

(٢) وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٧: ٢٩٣ ب ٢٥ وجوب الحكم بملكية صاحب اليد حتى يثبت خلافه وجواز الشهادة لصاحب اليد بالملك وأنه لا يجب على القاضي تتبع أحكام من قبله وحكم اختلاف الزوجين في متاع البيت ح٣.

(٣) الكافي للشيخ الكليني ٧: ٤١٥ ب أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه ح١، دعائم الإسلام للقاضي النعمان المغربي ٢: ٥٢٠ - ٥٢١ ح١٨٥٩، تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي ٦: ٢٢٩ ب ٨٩ كيفية الحكم والقضاء ح٤، وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٧: ٢٣٣ ب٣ أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه في المال وحكم دعوى القتل والجرح وأن بينة المدعى عليه لا تقبل مع التعارض وغيره ح١.

٥٤

والمشتري مدّعى عليه وهو المنكر، لأنهما - أي البائع والمشتري - اتفقا على العقد وانتقال الملك، والمشتري معترف بذلك، والبائع يدّعي عليه الزيادة وهو ينكرها، فوجب أن يكون القول قول المشتري، ولا يلزمنا ذلك مع بقاء السلعة أن القول قول البائع، لأنا لو خلينا وظاهر الخبر لقلنا بذلك.

ولكن روي عن أئمتناعليهم‌السلام أنهم قالوا: (القول قول البائع) فحملنا على أنه مع بقاء السلعة(١) .

الرواية الثانية - مضافاً إلى ما ذكره المستدلون على هذه المسألة فهناك رواية لأحمد بن محمد بن أبي نصر، ومع أنها مرسلة لكن منجبرة بعمل الأصحاب بها، كما يذكر ذلك بعض الفقهاء(٢) ، وهي كالآتي:

عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام : في رجل يبيع الشيء فيقول المشتري: هو بكذا وكذا، بأقل ما قال البائع ؟ قال: (القول قول البائع مع يمينه إذا كان الشيء قائماً بعينه)(٣) .

وقد ردّ العلامة الحلي هذه الرواية بكتابه ( مختلف الشيعة) قائلاً: (إنه منقطع السند فلا حجة فيه)(٤) ، وهو مردود بانجبارها بعمل الأصحاب كما ذكرنا ذلك.

وتردد في أصل المسألة بكتابه (تحرير الأحكام) قائلاً: (وعندي في ذلك تردد)(٥) .

____________________

(١) راجع الخلاف للشيخ الطوسي ٣: ١٤٨، جواهر الفقه لابن البراج: ٥٧ - ٥٨، غنية النزوع لابن زهرة الحلبي: ٢٣١، رياض المسائل لسيد علي الطباطبائي ٨: ١٥٠ بتصرف.

(٢) راجع كشف الرموز للفاضل الآبي ١: ٤٥٢، جامع المقاصد للمحقق الكركي ٤: ٤٤١، مسالك الإفهام للشهيد الثاني ٣: ٢٥٨، كفاية الأحكام للمحقق السبزواري: ٩٧، رياض المسائل لسيد علي الطباطبائي ٨: ١٥٠، جواهر الكلام للشيخ الجواهري ٢٣: ١٨٤.

(٣) الكافي للشيخ الكليني ٥: ١٧٤ ب إذا اختلف البائع والمشتري ح ١، تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي ٧: ٢٦ ب٢ عقود البيع ح ٢٦ وص ٢٢٩- ٢٣٠ ب ٢١ من الزيادات ح٢١، وسائل الشيعة للحر العاملي ١٨: ٥٩ ب ١١ حكم اختلاف البائع والمشتري في قدر الثمن ح ١.

(٤) راجع مختلف الشيعة للعلامة الحلي ٥: ٢٩٦.

(٥) راجع تحرير الأحكام للعلامة الحلي ٢: ٣٦٢.

٥٥

٢ - إذا اختلف البائع والمشتري في نوع المبيع، وليس هناك بينة، فالقول قول البائع مع يمينه بأنه ما باع المشتري ما يدّعيه، والقول قول المشتري مع يمينه بأنه ما اشترى من البائع ما يدّعيه، ولا يجب عليهما في الحلف النفي والإثبات.

فإن حلف البائع إنه ما باع المشتري ما يدّعيه، بقي هذا المبيع على ملكه يتصرف به كيف يشاء. وإما المشتري، فإن حلف أنه ما اشترى من البائع ما يدّعيه، فإن كان ما يدّعيه البائع في يد المشتري، فلا يجوز للبائع مطالبته به لأنه يدّعيه، وإن كان ما يدّعيه البائع بيده فلا يحق له التصرف به، لأنه معترف بأنه للمشتري وأن ثمنه في ذمته، نعم يجوز له بيعه وأخذ مقدار ثمنه منه.

ذكر ذلك صاحب كتاب (الخلاف) بقوله:

(إذا اختلفا فقال: بعتك هذا العبد بألف درهم، وقال المشتري: بل بعتني هذه الجارية بألف ولم تبعني العبد، وليس هناك بينة، كان القول قول البائع مع يمينه أنه ما باع الجارية، والقول قول المشتري مع يمينه أنه ما اشترى العبد، ولا يجب على واحد منها الجمع بين النفي والإثبات، ولا يكون هذا تحالفاً، وإنما يحلف كل واحد منهما على النفي، فإذا حلف البائع أنه ما باع الجارية بقيت الجارية على ملكه كما كانت، وجاز له التصرف بها.

وأما المشتري، فإنه يحلف أنه ما اشترى العبد، فإذا حلف فإنه ينظر، فإن كان العبد في يد المشتري فإنه لا يجوز للبائع مطالبته به لأنه لا يدّعيه، وإن كان في يد البائع فإنه لا يجوز التصرف به، لأنه معترف بأنه للمشتري وأن ثمنه في ذمته، ويجوز له بيعه بقدر الثمن)(١) .

مستدلاً على ذلك بقوله: (إن ها هنا دعويين، يجب في كل واحد منهما البينة، فإذا عدمت كان في مقابلتها اليمين، فالبائع إذا ادّعى ابتياع العبد كان عليه البينة، فإذا عدمها على المشتري اليمين أنه ما اشتراه، وكذلك إذا ادّعى المشتري أنه اشترى الجارية، كان عليه البينة، فإذا عدمها كان على البائع اليمين)(٢) .

وقد ذكر صاحب كتاب (الجامع للشرايع): أنهما يتحالفان، كل واحد منها لدعوى صاحبه وينفسخ البيع، ولم يذكر التفصيل بأن العبد بيد المشتري أم لا(٣) .

____________________

(١) الخلاف للشيخ الطوسي ٣: ١٥٢.

(٢) م. س: ١٥٣.

(٣) راجع الجامع للشرايع ليحيى بن سعيد الحلي: ٢٧١ - ٢٧٢.

٥٦

٣ - إذا مات المتبايعان، واختلف ورثتهما في الثمن أوالمثمن، فالقول قول ورثة المشتري مع يمينهم في الثمن، لأصالة عدم الزيادة فيه، والقول قول ورثة البائع مع يمينهم في المثمن لأصالة عدم البيع.

أفتى بذلك بعض فقهاء الطائفة بقوله: (إذا مات المتبايعان، واختلف ورثتهما في مقدار الثمن أو المثمن، فالقول قول ورثة المشتري مع يمينهم في مقدار الثمن، وقول ورثة البائع في المثمن مع اليمين)(١) .

وقد استدل صاحب كتاب (الخلاف) على أن القول قول ورثة المشتري في مقدار الثمن، لأن ورثة المتبايعان قد اتفقا على البيع، ولكن ادّعى ورثة البائع أن الثمن أكثر مما يذكره ورثة المشتري، فعلى مدّعي الزيادة البينة، فإذا عدمت فعلى منكرها اليمين لأصالة عدم الزيادة.

واستدل على أن القول قول ورثة البائع في المثمن، لأن الأصل عدم البيع فمن ادّعاه فعليه البينة، وعلى منكره اليمين لأصالة بقاء ملك البائع على ورثته(٢) .

وقد ذكر صاحب كتاب (تحرير الأحكام) الشق الأول من المسألة (مقدار الثمن) قائلاً: (القول قول ورثة المشتري على كل حال، سواء كانت تالفة أو باقية)(٣) .

٤ - إذا اختلف المتبايعان في شرط يفسد البيع، فالقول قول مدّعي الصحة، وعلى مدّعي الفساد البينة، لأصالة الصحة في العقود.

قال بهذا بعض الفقهاء بقولهم: (إذا اختلفا في شرط يفسد البيع، كان القول قول مّنْ يدّعي الصحة، وعلى مّنْ ادّعى الفساد البينة)(٤) .

وقد استدل صاحب كتاب (الخلاف) على ذلك: بأن الأصل في العقد الصحة، فمن ادّعى الفساد فعليه الدلالة(٥) .

____________________

(١) الخلاف للشيخ الطوسي ٣: ١٥٣، شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٢: ٢٨٧.

(٢) الخلاف للشيخ الطوسي ٣: ١٥٣ - ١٥٤ بتصرف.

(٣) راجع تحرير الأحكام للعلامة الحلي ٢: ٣٦٢.

(٤) الخلاف للشيخ الطوسي ٣: ١٥٠، الجامع للشرايع ليحيى بن سعيد الحلي: ٢٧١ بتصرف.

(٥) الخلاف للشيخ الطوسي ٣: ١٥٠ بتصرف.

٥٧

٥ - إذا اختلفا في جودة الثمن وعدمه فالقول قول المشتري مع يمينه، لأن البائع مدّعٍ فعليه البينة والمشتري منكر فعليه اليمين، والأصل أن البائع قد قبضه جيداً.

أفتى بهذا صاحب كتاب (المبسوط) بقوله: (إذا قبض البائع الثمن، ثم ادّعى أن فيما قبضه زيفاً، وأنكر المشتري ذلك، فالقول قول المشتري مع يمينه، لأن البائع يدعي عليه أنه قبضه منه زيفاً فيحتاج إلى بينة، والأصل أنه قبضه جياداً)(١) .

ثانياً: دعوى الزوج والزوجة

يتعرض الزوج والزوجة في بعض الأحيان إلى بعض المشاكل العالقة في بيت الزوجية مثل: النفقة والتمكين وما إلى ذلك، وقد وضعت الشريعة الإسلامية لهذه المشاكل حلولاً وأحكاماً، نذكر ما يخص أمر الدّعوى والإنكار:

١ - إذا اختلفا في قبض المهر وعدمه، أو النفقة وعدمها، فالقول قول الزوج مع يمينه.

أفتى بهذا فقهاء الطائفة بقولهم: (إذا اختلف الزوجان بعد أن سلمت نفسها إليه في قبض المهر أو النفقة، فالذي رواه أصحابنا أن القول قول الزوج، وعليها البينة)(٢) .

مستدلين على ذلك بعدة أدلة منها:

١ - إجماع الفرقة على ذلك.

٢ - الأخبار الواردة في هذا الصدد.

٣ - مضافاً إلى العادة الجارية بين الناس بأن الزوجة لا تمكن الزوج إلاّ بعد استلام المهر، ولا تقيم معه إلاّ إذا أنفق عليها، وخلاف هذا عليها البينة(٣) .

____________________

(١) المبسوط للشيخ الطوسي ٢: ١٥٥، جواهر الفقه لابن البراج: ٥٩.

(٢) الخلاف للشيخ الطوسي ٥: ١١٦.

(٣) ن. م: ١١٦.

٥٨

٢ - إذا اختلعا واختلفا في النقد أو القدر أو الجنس فالقول قول الزوجة مع يمينها، لقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (البينة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه)، والزوج هنا مدّعٍ، لأنه يدّعي ما تنكره الزوجة، فكانت عليه البينة، فإذا لم تكن، كان القول قول الزوجة(١) .

٣- إذا اختلفا في الإنفاق وعدمه مع اتفاقهما على استحقاق النفقة فالقول قول الزوجة مع يمينها.

أفتى بذلك صاحب كتاب (منهاج الصالحين) بقوله: (إذا اختلف الزوجان في الإنفاق وعدمه مع اتفاقهما على استحقاق النفقة، فالقول قول الزوجة مع يمنيها، إذا لم يكن للزوج بينة)(٢) .

وقد استظهر السيد الخوئي بأن القول قول الزوجة وذلك بقوله: ( فالظاهر أن القول قول الزوجة مع يمينها، بلا فرق بين أن يكون الزوج غائباً أو كانت الزوجة منعزلة عنه وغير ذلك)(٣) ولم يذكر: إذا لم يكن للزوج بينة.

٤ - إذا اختلفا في الإعسار واليسار، وادعى الزوج أنه غير قادر على الإنفاق، وادعت الزوجة القدرة فالقول قول الزوج مع يمينه.

نعم إذا كان موسراً وادعى تلف ماله وقد صار معسراً فالقول قول الزوجة مع يمينها.

ذكر ذلك فقهاء الطائفة بقوله: (إذا اختلفا في الإعسار واليسار، فادعى الزوج الإعسار، وأنه لا يقدر على الإنفاق، وادعت الزوجة يساره، كان القول قول الزوج مع يمينه، نعم إذا كان الزوج موسراً، وادعى تلف أمواله، وأنه صار معسراً، فأنكرته الزوجة، كان القول قولها مع يمينها)(٤) .

____________________

(١) جواهر الفقه للقاضي ابن البراج: ١٧٨ بتصرف.

(٢) منهاج الصالحين للسيد السيستاني ٣: ١٣٠.

(٣) منهاج الصالحين للسيد الخوئي ٢: ٢٩٠.

(٤) منهاج الصالحين للسيد الخوئي ٢: ٢٩١، منهاج الصالحين للسيد السيستاني ٣: ١٣٠.

٥٩

ثالثاً: دعوى الزوجة وورثة الزوج

كثيراً ما تقع مشاكل بين الزوجة وورثة الزوج في مسألة الإرث، وما إلى ذلك من المسائل، وقد جاء ديننا الحنيف بحلول لهذه المشكلات العالقة بينهما، وحل النزاعات، نذكر بعضاً منها:

١- إذا ادّعت الزوجة أن ما في يدها هو ملكها أو في مقابل مهرها أو دين كان عنده وما إلى ذلك، ولم يكن لها بينة، فالقول قول الوارث مع يمينه(١) .

٢- إذا أمر الرجل زوجته بالخروج إلى بعض الأمصار ثم مات، وادّعى الوارث بأن الزوج لم ينقلها، فالقول قولها، لأنها والوارث متساويان في عدم العلم بمراد الزوج، وأن ظاهر قوله موافق لدعواها، لأن قول الزوج: اخرجي إلى المصر الفلاني ظاهره النقل(٢) .

رابعاً: الدّعوى بحق الميت

نذكر بعض المسائل الخلافية بين ورثة الميت والمدّعي عليه ومنها:

١- إذا أوصى الميت لشخص أن له حظ أو نصيب أو شيء من ماله وما إلى ذلك، وادّعى الموصى له أن ورثته يعلمون مقداره، فالقول قول الورثة مع يمينهم بأنهم لا يعلمون.

ذكر ذلك الفقهاء بقولهم: (إذا قال لفلان حظ من مالي أو نصيب أو قليل فإنه يرجع إلى الورثة ويقال لهم أعطوه ما يقع عليه اسم ذلك، كما أنه إذا قال أعطوه شيئاً من مالي إلاّ أن يدّعي الموصى له أكثر من ذلك، وأن الورثة يعلمون ذلك، فإنه يكون القول قول الورثة مع يمينهم أنهم لا يعلمون، وكذلك في جزء وكثير سواء)(٣) .

____________________

(١) رسائل الكركي للمحقق الكركي ٢: ٣١٣، القضاء للسيد الكلبايكاني ٢: ٢٧٠ بتصرف.

(٢) جواهر الفقه للقاضي ابن البرّاج: ١٩٣ بتصرف.

(٣) المبسوط للشيخ الطوسي ٤: ٧ - ٨، تذكرة الفقهاء للعلامة الحلي ٢: ٤٩٩، وكذلك إرشاد الأذهان ١: ٤٦١ ، شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٢: ٤٧٥، إيضاح الفوائد لابن العلامة ٢: ٥٣٣، جامع المقاصد للمحقق الكركي١٠: ٢١٤، الوصايا والمواريث للشيخ الأنصاري: ٩٦، جواهر الكلام للشيخ الجواهري ٢٨: ٣٣٢.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

والجواب عن تشبث الرازي بعدم رواية الواقدي حديث الغدير من وجوه:

١. الواقدي من رواة مثالب الخلفاء

١ ) إن الواقدي من رواة مثالب الخلفاء والصحابة، فإنْ كان تركه رواية حديث الغدير، يوجب قدحاً في ثبوته وصدوره، كانت روايته لمطاعن الخلفاء أدل على القدح والطعن فيهم

فقد روى الواقدي حديث إحراق عمر بن الخطاب، بيت فاطمة الزهراء بضعة الرسول -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -، فقد ذكر شيخنا العلامة الحسن بن المطهر الحلي - رحمة الله عليه - في بحث مطاعن أبي بكر ما نصه:

« ومنها - أنه طلب هو وعمر بن الخطاب إحراق بيت أمير المؤمنين، وفيه أمير المؤمنين وفاطمة وابناهما وجماعة من بني هاشم، لأجل ترك مبايعة أبي بكر، ذكر الطبري في تاريخه قال: أتى عمر بن الخطاب منزل علي فقال: والله لأحرقنّ عليكم أو لتخرجنّ للبيعة.

وذكر الواقدي: أن عمر جاء إلى علي في عصابة، فيهم أسيد بن الحصين ومسلمة بن أسلم - فقال: أخرجوا، أو لنحرقنّها عليكم »(١) .

___________________

(١). نهج الحق وكشف الصدق: ٢٧١.

٢٤١

لكن الفضل ابن روزبهان الشيرازي كذّب الخبر وجميع رواته، حيث قال في كتابه ( الباطل ):

« أقول: من أسمج ما افتراه الروافض هذا الخبر، وهو إحراق عمر بيت فاطمة، وما ذكر أن الطبري ذكره في التاريخ، فالطبري من الروافض مشهور بالتشيع، حتى أن علماء بغداد هجروه لغلوّه في الرفض والتعصب، وهجروا كتبه ورواياته وأخباره.

وكل من نقل هذا الخبر لا يشك أنه رافضي متعصّب، يريد إبداء القدح والطعن على الأصحاب، لأن المؤمن الخبير بأخبار السلف، ظاهر عليه أن هذا الخبر كذب صراح وافتراء بيّن، لا يكون أقبح منه ولا أبعد من أطوار السّلف ».

٢ ) وروى الواقدي نفي عثمان بن عفان سيّدنا أبا ذر الغفاري -رضي‌الله‌عنه - إلى الربذة. وقد نقل العلامة الحلي المذكور روايته هذه، ردّاً على قاضي القضاة عبد الجبار المعتزلي، حيث زعم خروج أبي ذر إليها إختياراً.

ولكن الفضل ابن روزبهان، لما رأى أن هذه الرواية من مطاعن ثالث خلفائهم، جعل يدافع عنه مؤيداً كلام قاضي القضاة برواية الطبري وابن الجوزي ثم قال:

« ومخالفة الواقدي في بعض النقول، لا يقدح ما ذهب اليه العامة ».

أقول: والغريب من الفضل، اعتماده هنا على رواية الطبري وقد رماه بأنه « من الروافض مشهور بالتشيع، حتى أن علماء بغداد هجروه »، وقديماً قيل: من مدح وذم كذب مرتين.

وهذا أيضاً مما يشهد بما ذكرنا من عدم تمسّك القوم بقواعد البحث والمناظرة

٣ ) وروى الواقدي: أن عثمان بن عفان ردّ الحكم بن أبي العاص إلى المدينة المنورة، وهو طريد رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - منها قال العلّامة الحلي -رحمه‌الله -:

٢٤٢

« قال الواقدي من طرق مختلفة وغيره، أن الحكم بن أبي العاص لما قدم الى المدينة بعد الفتح، أخرجه النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - إلى الطائف وقال: لا يساكنني في بلد أبداً، لأنه كان يتظاهر بعداوة رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - والوقيعة فيه، حتى بلغ به الأمر إلى أنّه كان يعيب النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - في مشيه، فطرده النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وأبعده ولعنه، ولم يبق أحد يعرفه إلّا بأنه طريد رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -.

فجاء عثمان إلى النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وكلّمه فيه، فأبى. ثم جاء إلى أبي بكر وإلى عمر في ذلك، في زمان ولايتهما فكلّمهما فيه، فأغلظا عليه القول وزبراه، قال له عمر: يخرجه رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وتأمرني أن أدخله!؟ والله لو أدخلته لم آمن قول قائل غيّر عهد رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإياك يا ابن عفان أن تعاودني فيه بعد اليوم.

فكيف يحسن من القاضي هذا العذر؟ وهلّا اعتذر به عثمان عند أبي بكر وعمر وسلم من تهجينهما إيّاه وخلص من عتابهما عليه »(١) .

فقال الفضل ابن رزبهان:

« روى أصحاب الصحاح أن عثمان لما قيل له: لم أدخلت الحكم بن أبي العاص؟ قال: استأذنت رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - في إدخاله، فأذن لي.

وذكرت ذلك لأبي بكر وعمر، فلم يصدّقاني، فلمّا صرت والياً عملت بعلمي في إعادته إلى المدينة.

هذا مذكور في الصّحاح، وإنكار هذا النقل من قاضي القضاة إنكار باطل ».

٤ ) وروى الواقدي قضايا من استئثار عثمان أهله وبني أبيه بأموال المسلمين قال العلامة الحلي - رحمة الله تعالى عليه -:

___________________

(١). نهج الحق وكشف الصدق: ٢٩١.

٢٤٣

« ومنها - أنه كان يؤثر أهل بيته بالأموال العظيمة التي هي عنده للمسلمين، دفع إلى أربعة أنفس من قريش وزوّجهم ببناته أربعة آلاف دينار، وأعطى مروان ألف دينار.

وأجاب قاضي القضاة: بأنه ربّما كان من ماله.

واعترضه المرتضى: بأن المنقول خلاف ذلك، فقد روى الواقدي أن عثمان قال: إن أبا بكر وعمر كانا يناولان من هذا المال ذوي أرحامهما، وإني ناولت منه صلة رحمي، وروى الواقدي أيضاً أنه بعث إليه أبو موسى الأشعري بمال عظيم من البصرة، فقسّمه عثمان بين ولده وأهله بالصحاف. وروى الواقدي أيضاً، قال: قدمت إبل من إبل الصدقة إلى عثمان، فوهبها للحارث بن الحكم بن أبي العاص، وولّى الحكم بن أبي العاص صدقات قضاعة، فبلغت ثلاثمائة ألف فوهبها له، وأنكر الناس على عثمان إعطائه سعيد بن العاص مائة الف درهم »(١) .

وقد أجاب الفضل عن ذلك بأن هذه الأموال ربما كانت من أمواله الخاصة وبأن الأصل أن تحمل أعمال الخلفاء على الصواب

والحاصل: إنْ كان الواقدي رافضياً متعصّباً - كما يقول ابن روزبهان والبعض - سقط تشبث الفخر الرازي بتركه رواية حديث الغدير، وإنْ كان عدلاً ثقة صدوقاً فيما يرويه، فلتقبل رواياته الجمّة تلك التي يتمسك بها الامامية في مباحث مطاعن الخلفاء، وغيرها من المسائل الكلامية والتأريخية التي يرويها، وتسقط أجوبة قاضي القضاة وابن روزبهان وغيرهما من متكلّمي أهل السنة والجماعة.

وأما قبول روايته، أو الاعتماد على تركه رواية حديث، عند ما ينفعهم ذلك، وردّ روايته في كلّ موردٍ يثبت بها بطلان مذهبهم، فممّا لا يحسن بهم

___________________

(١). نهج الحق وكشف الصدق: ٢٩٢.

٢٤٤

٢. إعراض الرازي عن روايات الواقدي

إن الفخر الرازي نفسه لم يعبأ بروايات الواقدي، وأسقطها من الحساب وكأنها لم تكن، فقال في مبحث مطاعن عثمان بن عفان من كتابه ( نهاية العقول ):

« قوله: ثانياً - إنه رد الحكم بن أبي العاص وقد سيّره رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -.

قلنا: إنّه -رضي‌الله‌عنه - أجاب عن ذلك بنفسه فيما رواه سيف بن عمر في كتاب الفتوح: إنّي رددت الحكم وقد سيّره رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - من مكة إلى الطائف، ثمّ ردّه رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -، فرسول الله سيّره ورسول الله يردّه، أفكذلك؟

قالوا: اللهم نعم.

وقيل: إنه روى عثمان -رضي‌الله‌عنه - في زمن أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - عن رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أنّه أذن في ردّه، فقالا له: إنّك شاهد واحد، لأنّ ذلك لم يكن شهادة على شرع حتى تكفى رواية الواحد، بل كان حكماً في غيره، فلا بدّ من الشاهدين، فلما صار الأمر اليه حكم بعلمه.

قوله: ثالثاً - إنّه كان يعطي العطايا الجزيلة لأقاربه.

قلنا: لعلّه كان يعطيها من صلب ماله، لأنّه كان ذا ثروة عظيمة ».

أقول: فالعجب من الرازي، إنه حين يريد تضعيف حديث الغدير يقول: لم يخرجه الواقدي، مع أنّ عدم الإِخراج لا يفيد الردّ.

وحين يجيب عن مطاعن عثمان، لم ينظر بعين الاعتبار إلى روايات الواقدي المؤكّدة لتلك المطاعن.

وعلى هذا أيضاً: فإنّ لنا أن نقول: إنّ سكوت الواقدي عن رواية حديث الغدير غير قادح في تواتره وصحته.

٢٤٥

٣. الواقدي مجروح

ثم إنّ الواقدي - وإن تمسّك الرازي بعدم روايته حديث الغدير، وعدّه القوشجي والتفتازاني من الأئمّة المحققين وفي مرتبة البخاري ومسلم، ومدحه عبد الحق الدّهلوي وحسام الدين السهارنفوري ووصفاه بالحفظ والاتقان كالبخاري ومسلم، واستند إلى روايته الكابلي و ( الدهلوي )، وعبّر عنه جماعة بـ « أمير المؤمنين في الحديث » - مجروح من قبل جماعة من أكابر الأئمّة الحفّاظ وعلماء الجرح والتّعديل، كالبخاري وأحمد وابن معين وأبي حاتم والنسائي والدارقطني وابن عديّ وابن الجوزي وابن المديني وابن راهويه والذّهبي وغيرهم

وتجد كلمات هؤلاء وغيرهم في الحطّ عليه والطّعن فيه بترجمته في معاجم الرجال، أمثال:

١ - ميزان الاعتدال ٣ / ٦٦٢.

٢ - تذهيب التهذيب - مخطوط.

٣ - المغني في الضعفاء ٢ / ٦١٩.

٤ - العبر - حوادث سنة ٢٠٧.

٥ - الكاشف ٣ / ٨٢.

٦ - سير أعلام النّبلاء ٩ / ٤٥٤.

٧ - التاريخ الصغير للبخاري ٢ / ٣١١.

٨ - الأنساب - الواقدي.

٩ - مرآة الجنان - حوادث سنة ٢٠٧.

١٠ - تقريب التهذيب ٢ / ١٩٤.

١١ - طبقات الحفّاظ / ١٤٤.

ففي ( ميزان الاعتدال ): « أحد أوعية العلم على ضعفه، قال أحمد بن حنبل هو كذّاب يقلّب الأحاديث، وقال ابن معين: ليس بثقة، وقال مرّة: لا

٢٤٦

يكتب حديثه، وقال البخاري وأبو حاتم: متروك، وقال أبو حاتم أيضاً والنسائي: يضع الحديث، وقال الدارقطني: فيه ضعف، وقال ابن عديّ: أحاديثه غير محفوظة والبلاء منه، وقال ابن راهويه: هو عندي ممّن يضع الحديث ».

بل قال الذهبي في ( المغني ): « مجمع على تركه ».

وفي ( وفيات الأعيان ): « ضعّفوه في الحديث وتكلّموا فيه ».

وفي ( الأنساب ): « وقد تكلّموا فيه ».

وفي ( مرآة الجنان ): « لكن أئمّة الحديث ضعّفوه ».

وفي ( تقريب التهذيب ): « متروك ».

وفي ( تدريب الراوي في شرح تقريب النّواوي ): « قال النسائي: الكذّابون المعروفون بوضع الحديث أربعة: ابن أبي يحيى بالمدينة، والواقدي ببغداد، ومقاتل بخراسان، ومحمد بن سعيد المصلوب بالشام ».

وقد ترجم ابن سيد الناس في أول ( عيون الأثر ) الواقدي بإسهاب فذكر كلمات المادحين والقادحين كلّها بالتفصيل.

والذي نقوله نحن بعد ذلك كلّه: إنّه لا يجوز التمسكّ بعدم إخراج الواقدي لحديث الغدير، في مقابل الأماميّة، حتى لو كان مجمعاً على وثاقته والاعتماد عليه وذلك:

١ - لأنّه من أهل الخلاف.

٢ - لأنّ ترك إخراج الحديث لا يلتفت إليه.

٣ - لأنّ الرازي نفسه قد خالف رواياته.

٢٤٧

٢٤٨

(٣)

عدم رواية ابن إسحاق حديث الغدير

٢٤٩

٢٥٠

وأمّا الاستدلال الفخر الرازي بترك ابن اسحاق رواية حديث الغدير، فهو مردود بوجوه:

١. ابن اسحاق من رواة حديث الغدير

إنّ ابن اسحاق روى حديث الغدير، وروى قصة هذا الحديث، كما نقل عنه جماعة من كبار علماء القوم. فدعوى عدم روايته حديث الغدير كذب واضح وبهتان مبين

ذكر من نقل عن ابن اسحاق حديث الغدير

ومن المناسب أن نورد في هذا المقام كلمات جماعةٍ من الأعلام ونقلة حديث الغدير، عن ابن اسحاق:

فمنهم: الحافظ ابن كثير الدمشقي، فإنه قال في ذكر القصة:

« ولمـّا رجع -عليه‌السلام - من حجة الوداع، فكان بين مكة والمدينة بمكانٍ يقال له « غدير خمّ »، خطب الناس هنالك خطبته في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة، فقال في خطبته: من كنت مولاه فعليّ مولاه. وفي بعض الروايات: أللهمَّ

٢٥١

وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله . والمحفوظ الأول.

وإنّما كان سبب هذه الخطبة والتنبيه على فضل عليّ - ما ذكره ابن إسحاق - من أنّ علياً بعثه رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - إلى اليمن أميراً على خالد بن الوليد، فرجع عليّ فوافى حجة الوداع مع النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -، وقد كثرت فيه القالّة وتكلّم فيه بعض من كان معه، بسبب استرجاعه منهم خلعاً كان خلعها نائبه عليهم، لما تعجّل السّير إلى رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -، فلمّا فرغ رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - من حجة الوداع أحبّ أن يبرئ ساحته مما نسب إليه من القول فيه ».

ومنهم: ابن حجر المكي، حيث قال في الجواب عن الاستدلال بحديث الغدير ما نصّه.

« وأيضاً فسبب ذلك - كما نقله الحافظ شمس الدين الجزري عن ابن اسحاق - إنّ عليّاً تكلّم فيه بعض من كان معه في اليمن، فلمّا قضى -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - حجّه، خطبها تنبيهاً على قدره وردّاً على من تكلّم فيه كبريدة، لما في البخاري: أنه كان يبغضه، وسبب ذلك ما صحّحه الذهبي أنه خرج معه إلى اليمن، فرأى منه جفوه، فنقصّه للنبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -، فجعل يتغيّر وجهه ويقول: يا بريدة! ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قال: بلى يا رسول الله! قال: من كنت مولاه فعليّ مولاه»(١) .

ومنهم: محمد بن عبد الرسول البرزنجي، فقد قال في رد حديث الغدير:

« الوجه الثاني - وهو: أنّ السبب في هذه الوصيّة - كما رواه الحافظ شمس الدين ابن الجزري عن ابن اسحاق صاحب المغازي -: أنّ عليّاً -رضي‌الله‌عنه - لما رجع من اليمن، تكلّم فيه بعض من كان معه في اليمن. فلمّا قضى رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - حجّه، خطب هذه الخطبة تنبيها على قدره، وردّاً على من

___________________

(١). الصواعق المحرقة / ٢٥.

٢٥٢

تكلّم فيه كبريدة - رضي‌الله‌عنه -، لما في البخاري أنه كان يبغض علياً، حين رجع معه من اليمن، وسببه - كما صحّحه الذّهبي - أنه خرج معه إلى اليمن، فرأى منه جفوة فنقّصه للنبي - صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فجعل وجهه - صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - يتغيّر ويقول: يا بريدة! ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت: بلى يا رسول الله! قال: من كنت مولاه فعليّ مولاه » (١) .

ومنهم: المولوي حسام الدين السهارنبوري - الذي طالما نقل ( الدهلوي ) خرافاته، متى لم يجد بغيته في صواقع نصر الله الكابلي - فإنّه أورد كلام ابن حجر المكي المتقدم بنصه(٢) .

ومنهم: ( الدّهلوي ) نفسه، فقد ذكر في خاتمة كلامه في ردّ حديث الغدير، رواية ابن اسحاق لهذا الحديث الشريف(٣) .

وبعد:

فإنّ هذه التصريحات، تكذّب الفخر الرازي في دعواه ترك ابن إسحاق رواية حديث الغدير.

ولقد تنبّه إلى قبح هذه الدعوى وبطلانها، جماعة من علمائهم، كالسّعد التفتازاني في ( شرح المقاصد ) - بالرغم من تقليده الرازي في منع تواتر هذا الحديث والقوشجي في ( شرح التجريد )، وعبد الحق الدهلوي في ( ترجمة المشكاة )، وصاحب ( المرافض )، فلم يذكروا « ابن إسحاق » في جملة من سكت عن رواية حديث الغدير.

هذا، ومن الطريف: إسقاط كمال الدين الجهرمي اسم « ابن إسحاق » من عبارة ابن حجر صاحب الصواعق المتقدم نصها، في كتاب ( البراهين القاطعة في

___________________

(١). نواقض الروافض، في رد حديث الغدير.

(٢). مرافض الروافض، في رد حديث الغدير.

(٣). التحفة الاثنا عشرية: ٢١٠.

٢٥٣

ترجمة الصواعق المحرقة ) ليكتم بذلك فضيحة الفخر الرّازي هذه ولكنْ « لن يصلح العطار ما أفسده الدهر ».

٢. ذكر ابن إسحاق حضور علي في حجة الوداع

لقد علم ممّا تقدم رواية ابن إسحاق حديث الغدير، وقد عنون ابن إسحاق موافاة أمير المؤمنين رسول الله - صلّى الله عليهما وآلهما - في حجة الوداع أيضا فإن كان « ابن إسحاق » ثقة، فلم ينكر الرازي وجود الامام -عليه‌السلام - في تلك الحجة مع رواية ابن إسحاق ذلك كغيره!؟ وإن لم يكن ثقة فلم يتشبّث به في عدم رواية حديث الغدير فضلا عن بطلان أصل النسبة!؟

وأمّا رواية ابن إسحاق قفول الامام -عليه‌السلام - من اليمن وموافاته النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فهذا نصها في سيرته التي هذّبها ابن هشام فاشتهرت باسمه:

« موافاة علي -رضي‌الله‌عنه - في قفوله من اليمن رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - في الحج: قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي نجيح أن رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - كان بعث علياً -رضي‌الله‌عنه - إلى نجران، فلقيه بمكة وقد أحرم، فدخل على فاطمة بنت رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فوجدها قد حلّت وتهيّأت، فقال: مالك يا بنت رسول الله؟ قالت: أمرنا رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أن نحل بعمرة فحللنا. قال: ثم أتى رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فلما فرغ من الخبر عن سفره، قال له رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -: إنطلق فطف بالبيت وحل كما حل أصحابك، قال: يا رسول الله إنّي أهللت كما أهللت، فقال: إرجع فاحلل كما حلّ أصحابك قال: يا رسول الله! إنّي قلت حين أحرمت: اللهمّ إنّي أهل بما أهل به نبيّك وعبدك ورسولك محمد، قال: فهل معك من هدي؟ قال: لا، فأشركه رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - في هديه وثبت على إحرامه مع رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - حتى فرغا من الحجّ،

٢٥٤

ونحر رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - الهدي عنهما.

قال ابن اسحاق: وحدثني يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن يزيد بن طلحة بن يزيد بن ركانة، قال: لما أقبل علي -رضي‌الله‌عنه - من اليمن، ليلقى رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - بمكة تعجّل إلى رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - واستخلف على جنده الذي معه رجلاً من أصحابه فعمد ذلك الرجل، فكسى كل رجل من القوم حلة من البرد الذي كان مع علي -رضي‌الله‌عنه - فلما دنا جيشه خرج ليتلقّاهم، فاذا عليهم الحلل، قال: ويلك ما هذا؟

قال: كسوت القوم ليتجملوا به إذا قدموا في الناس، قال: ويلك انزع قبل أن تنتهي به إلى رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -.

قال: فانتزع الحلل من الناس فردها في البز، قال: وأظهر الجيش شكواه لما صنع بهم »(١) .

أقول: فثبت بالوجهين المذكورين رواية ابن إسحاق القصة والحديث معاً، وسقط ما زعمه الرازي.

٣. ابن اسحاق مجروح

هذا، وقد جرح ابن إسحاق غير واحد علماء الجرح والتعديل منهم، فالتمسك بسكوته عن حديث الغدير - على تقدير التسليم - غير صحيح بناء على ذلك:

فقد كذّبه القطان، وقال ابن معين: ثقة وليس بحجة، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال الدارقطني: لا يحتجّ به، وقال أحمد: هو كثير التدليس جدا وقد ذكرت هذه الكلمات بترجمة محمد بن إسحاق من كتاب ( ميزان الاعتدال في نقد الرجال )، وكتاب ( المغني في الضعفاء ) للحافظ شمس الدين الذهبي.

___________________

(١). سيرة ابن هشام ٢ / ٦٠٢ - ٦٠٣.

٢٥٥

ففي ( ميزان الاعتدال ): « وثّقه غير واحد، ووهّاه آخرون، وهو صالح الحديث، ماله عندي ذنب إلّا ما قد حشا في السيرة من الأشياء المنكرة المنقطعة والأشعار المكذوبة، وقال أحمد بن حنبل: هو حسن الحديث، وقال ابن معين ثقة وليس بحجّة، وقال علي بن المديني: حديثه عندي صحيح، وقال النسائي وغيره: ليس بالقوي، وقال الدارقطني: لا يحتج به، وقال سليمان التيمي: كذّاب، وقال عبد الرحمن بن مهدي: كان يحيى بن سعيد الأنصاري ومالك يجرحان ابن إسحاق. فالذي يظهر أن ابن اسحاق حسن الحديث صالح الحال صدوق، وما إنفرد به ففيه نكارة، فإن في حفظه شيئاً، وقد احتج به أئمّة، فالله أعلم. وقد استشهد مسلم بخمسة أحاديث لابن إسحاق ذكرها في صحيحه »(١) .

وترجم ابن سيد الناس لابن اسحاق في اول ( عيون الأثر ) كذلك وهذا مختصرها:

« ذكر الكلام في محمد بن اسحاق والطعن عليه روى ابن معين، عن يحيى القطان أنه كان لا يرضى محمد بن إسحاق ولا يحدّث عنه، وقيل لأحمد: يا أبا عبد الله إذا تفرد بحديث تقبله؟ قال: لا، والله إنّي رأيته يحدّث عن جماعة بالحديث الواحد ولا يفصل كلام ذا من كلام ذا، وقال ابن المديني مرة: هو صالح وسط، روى الميموني عن ابن معين: ضعيف، وروى عنه غيره: ليس بذلك، وروى الدوري عنه: ثقة ولكنه ليس بحجة، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال البرقاني: سألت الدارقطني، عن محمد بن اسحاق بن يسار وعن أبيه. فقال: جميعاً لا يحتج بهما وإنما يعتبر بهما، و قال علي: قلت ليحيى بن سعيد: كان ابن إسحاق بالكوفة وأنت بها؟ قال: نعم. قلت: تركته متعمّداً؟ قال: نعم، ولم أكتب عنه حديثاً قط، وقال سليمان التيمي: كذّاب وقال يحيى القطان: ما

___________________

(١). ميزان الاعتدال ٣ / ٤٦٨.

٢٥٦

تركت حديثه إلّا لله أشهد أنه كذّاب. قلت: والكلام فيه كثيرا جدّاً. وقد قال أبو بكر الخطيب: قد احتج بروايته في الأحكام قوم من أهل العلم وصدف عنها آخرون »(١) .

ولو كان ابن إسحاق ثقة بالإجماع، لما كان سكوته عن رواية حديث من الأحاديث مطلقاً موجباً للقدح، فكيف والحال هذه!؟

والخلاصة

إنه لم يبق ريب في شناعة تمسك الرازي بعدم نقل البخاري ومسلم والواقدي وابن اسحاق، بعد الوقوف على وجوه الجواب التي قدمنا ذكرها في الفصول المتقدمة، وقد ثبت لدى أصحاب النظر وذوي الإمعان والتدبر، أنه لو أعرض مائة رجل كهؤلاء الأربعة عن حديث الغدير، لم يكن إعراضهم قادحاً في تواتره ولا صحته، بحال من الأحوال. كيف؟ وللتواتر شروط متى اجتمعت في حديث حكم بتواتره ألبتة، وليس من الشروط عدم سكوت هؤلاء أو أمثالهم عن ذلك الحديث، وعلى من ادعى ذلك إقامة الدليل والبرهان.

نعم إن السبب الوحيد لترك هؤلاء رواية حديث الغدير، إنما هو التعصّب والانحياز عن أهل البيت الطاهرين، حتى يأتي من بعدهم الرازي وغيره، فيقول في رد هذا الحديث: لم يخرجه فلان وفلان ولكنّ أبا زرعة الحافظ الامام أغلظ للبخاري ومسلم القول، لئلّا يتذرع بهما أحد ويتمسك بكتابيهما فبطلت ظنون القوم وخابت آمالهم والحمد لله رب العالمين.

___________________

(١). عيون الأثر ١ / ١٠ - ١٣.

٢٥٧

٢٥٨

(٤)

عدم رواية الجاحظ حديث الغدير

٢٥٩

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423