نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٦

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار13%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 423

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 423 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 180036 / تحميل: 6669
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٦

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

أقول : تخيّلوا معي ، لو أنّ المسلمين اليوم تسابقوا مع زوجاتهم ، تأسّياً بما رواه أئمّتهم عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الذي بعث ليتمم مكارم الأخلاق؟ أين آداب الطريق يا رسول الله؟ أين هي الغيرة؟ وهل من الخُلق العظيم أن يتسابق الرجل مع زوجته؟ وهل يبقى لرسول الله ولأُمّ المؤمنين عائشة هيبة إذا رآهما أحد؟!

وعن أبي سلمة قال : دخلت أنا وأخو عائشة على عائشة ، فسألها أخوها عن غسل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فدعت بإناء نحو من صاع فاغتسلت ، وافاضت على رأسها ، وبيننا وبينها حجاب(١) .

سؤال : هل يعقل أن يصدر هذا الفعل من امرأة ، يفترض أن تكون عنواناً للعفّة والأخلاق ، وقدوة حسنة للمؤمنات ، بحكم كونها أُمّهم؟! فماذا ترون يا سادة يا كرام ، فيمن يرمي نبيّكم بهذا الكلام؟

( غانم النصار ـ الكويت ـ )

حكمها في الدنيا الإسلام :

س : هل يقول كبار علماء الشيعة بأنّ عائشة كافرة؟ جزاكم الله خيراً.

ج : إنّ حكمها في هذه الدنيا الإسلام ، وكونها مسلمة ، وما ارتكبته من مخالفات لله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله فإنّ هذا متعلّق بيوم القيامة.

( جعفر صادق ـ البحرين ـ )

خلاصة حرب الجمل :

س : ما هي خلاصة حرب الجمل؟

ج : بعد مقتل عثمان بن عفّان ، بايع الناس الإمام أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، ومن بين المبايعين طلحة بن عبيد الله ، والزبير بن العوام ، وطلباً منهعليه‌السلام أن يولّيهما بعض ولاياته ، ولكن الإمامعليه‌السلام قال لهما : «واعلما إنّي لا أشرك في

____________

١ ـ صحيح البخاري ١ / ٦٨.

٢٤١

أمانتي إلاّ من أرضى بدينه وأمانته من أصحابي ، ومن عرفت دخيلته »(١) ، فداخلهما اليأس من المنصب ، فاستأذناه للعمرة ، وخرجا من المدينة إلى مكّة ناكثين بيعة أمير المؤمنينعليه‌السلام .

ولمّا وصلا إلى مكّة دخلا على عائشة ، وأخذا يحرّضانها على الخروج ، فخرجت عائشة معهما على جمل ـ مطالبة بدم عثمان ـ قاصدين الشام ، فصادفهم في إثناء الطريق عبد الله بن عامر ـ عامل عثمان على البصرة ـ قد صرفه أمير المؤمنينعليه‌السلام بحارثة بن قدامة السعدي ، فرجّح لهم البصرة ، لما فيها من كثرة الضيع والعدّة ، فتوجّهوا نحوها ، فمانع عنها عثمان بن حنيف ، والخزّان والموكلون ، فوقع بينهم القتال ، ثمّ اسروا عثمان وضربوه ونتفوا لحيته.

ولمّا سمع أمير المؤمنينعليه‌السلام بوصولهم ، جهّز جيشاً وخرج إلى البصرة ، ولمّا وصلها بعث إليهم يناشدهم ، فأبوا إلاّ الحرب لقتاله.

ثمّ أخذ الإمامعليه‌السلام يناشد طلحة والزبير فلم تنفع معهما ، عند ذلك نشبت الحرب بينهما ، وأسفرت عن قتل ستة عشر ألف وسبعمائة وسبعون رجلاً من أصحاب الجمل ، وأربعة آلاف رجلاً من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وانكسار جيش أصحاب الجمل.

ثمّ إنّ الإمامعليه‌السلام أمر محمّد بن أبي بكر ، أن ينزل عائشة في دار آمنة بنت الحارث ، ثمّ أمر بإرجاعها إلى المدينة ، ورجع هوعليه‌السلام إلى الكوفة.

هذا ، ومع العلم بأنّ أكثر المؤرّخين ذكروا : أنّ عائشة كانت من أوائل المحرّضين على قتل عثمان ، وعباراتها مشهورة ومعروفة : « اقتلوا نعثلاً لعن الله نعثلاً فقد كفر» !!(٢) .

____________

١ ـ شرح نهج البلاغة ١ / ٢٣١.

٢ ـ شرح نهج البلاغة ٦ / ٢١٥ و ٢٠ / ١٧ ، تاريخ الأُمم والملوك ٣ / ٤٧٧ ، الإمامة والسياسة ١ / ٧٢.

٢٤٢

( أبو الزين ـ الأردن ـ )

تفسير القمّي في قوله تعالى :( فَخَانَتَاهُمَا )

س : أيّها الأحبّة ، جاء في تفسير القمّي في قوله تعالى :( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً فَخَانَتَاهُمَا ) (١) : « والله ما عنى بقوله :( فَخَانَتَاهُمَا ) إلاّ الفاحشة ، وليقيمن الحدّ على فلانة فيما أتت في طريق ، وكان فلان يحبّها ، فلمّا أرادت أن تخرج إلى »(٢) .

فكيف بعد ذلك تنفون الموضوع بشدّة وتقولون : الشيعة قاطبة على القول بأنّ الآية نازلة في حقّ مارية ، مع أنّ طائفة قليلة من علمائهم فقط أشارت لذلك.

ثمّ أودّ أن أسألكم : هل أنّ زوجات الأنبياء متّفق عند الإمامية على منع وقوع الفاحشة منهن شرعاً تكريماً للنبي؟ أم أنّ في المسألة خلاف؟ وشكراً.

ج : بالنسبة للرواية المنقولة من تفسير القمّي فيلاحظ :

أوّلاً : إنّ الأدلّة العقلية والنقلية ـ ومنها إجماع الإمامية ـ قائمة على تنزيه زوجات الأنبياءعليهم‌السلام من الفواحش ، احترازاً من مسّ حياة الأنبياءعليهم‌السلام بالدنس ، وعليه فما يوهم أن يكون خلاف ذلك فهو مردود أساساً.

ثانياً : لا يوجد هناك تفسير شيعي يشير إلى أنّ الآية المذكورة قد نزلت في حقّ مارية ، وأغلب الظنّ أنّ الذين أسندوا هذا القول للشيعة خلطوا بين هذه الآية وبين شأن نزول الآيات الأوّل من السورة ، التي وردت روايات كثيرة بأنّها نزلت في حقّ مارية ، عندما أفشى بعض زوجات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله سرّها.

ثالثاً : إنّ الرواية المذكورة ليست تامّة السند ، فللبحث السندي فيها مجال ، فمثلاً : أنّ الروايات الموجودة في نفس الصفحة كُلّها مسندة إلى المعصومعليه‌السلام ، ولكن هذه الرواية بظاهرها هي مقول قول علي بن إبراهيم ، ولم يسندها إلى الإمامعليه‌السلام .

____________

١ ـ التحريم : ١٠.

٢ ـ تفسير القمّي ٢ / ٣٧٧.

٢٤٣

مضافاً إلى أنّ إسناد تفسير القمّي ليست كُلّها معتبرة ، ففيها الصحيح وفيها غيره ، فلابدّ من ملاحظة السند في كُلّ مورد ، وهو كما ترى في المقام.

رابعاً : إنّ الرواية لم تصرّح باسم الشخص ، ولا يمكننا الجزم بنية القائل في استعمال فلان وفلانة ، وتمييزهما دعوى بدون دليل.

خامساً : من المسلّم القطعي بإجماع المسلمين ، حرمة نكاح زوجات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بصراحة :( وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ) (١) ، فكيف يحتمل مخالفة هذا الحكم القطعي بمرأى ومسمع من المسلمين؟!

وبالجملة : فالاستدلال المذكور مفنّد من أساسه عقلاً ونقلاً.

( أبو توفيق ـ السعودية ـ ١٩ سنة ـ طالب جامعة )

القمّي والبرسي والمجلسي واتهامهم لها بالفاحشة :

س : أمّا بعد ، هل قال أحد من علماء الإمامية : بأنّ عائشة قد زنت؟ علماً بأنّ عثمان الخميس في مناظرته على قناة المستقلّة ذكر : أنّ القمّي والمجلسي ورجب البرسي قد ذكروا هذا الفعل من عائشة ، ولم يرد السيّد محمّد الموسوي كلامه.

أفيدونا جزاكم الله خيراً.

ج : إنّ الأدلّة العقلية والنقلية ـ ومنها إجماع الإمامية ـ قائمة على تنزيه زوجات الأنبياءعليهم‌السلام من الفاحشة ـ أي الزنا ـ ، احترازاً من مسّ حياة الأنبياءعليهم‌السلام بالدنس ، وعليه فما يوهم أن يكون خلاف ذلك فهو مردود أساساً.

وعليه فما ادّعاه عثمان الخميس ـ من أنّ المجلسي والقمّي والبرسي ذكروا في كتبهم زنا عائشة ـ فهو كذب وافتراء عليهم ، ولا صحّة له من الواقع ، فهذه كتبهم ومؤلّفاتهم مطبوعة ، وفي متناول أيدي الناس.

____________

١ ـ الأحزاب : ٦.

٢٤٤

نعم ، قال القمّي عند تفسير قوله تعالى :( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا ) (١) ما نصّه : « والله ما عنى بقوله فخانتاهما إلاّ الفاحشة ، وليقيمن الحدّ على فلانة فيما أتت في طريق ، وكان فلان يحبّها ، فلمّا أرادت أن تخرج إلى قال لها فلان : لا يحلّ لك أن تخرجي من غير محرم ، فزوّجت نفسها من فلان »(٢) .

وقد نقل العلاّمة المجلسي هذا عن القمّي وقال عنه ما نصّه : « فيه شناعة شديدة ، وغرابة عجيبة ، نستبعد صدور مثله عن شيخنا علي بن إبراهيم ، بل نظنّ قريباً أنّه من زيادات غيره ، لأنّ التفسير الموجود ليس بتمامه منهقدس‌سره ، بل فيه زيادات كثيرة من غيره ، فعلى أيّ هذه مقالة يخالفها المسلمون بأجمعهم ـ من الخاصّة والعامّة ـ وكُلّهم يقرّون بقداسة أذيال أزواج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ممّا ذكر ، نعم بعضهم يعتقدون عصيان بعضهنّ لمخالفتها أمير المؤمنين عليعليه‌السلام »(٣) .

وجاء في البحار بعد نقله قول القمّي ما نصّه :

« بيان : المراد بفلان طلحة ، وهذا إن كان رواية فهي شاذة مخالفة لبعض الأُصول ، وإن كان قد يبدو من طلحة ما يدلّ على أنّه كان في ضميره الخبيث مثل ذلك ، لكن وقوع أمثال ذلك بعيد عقلاً ونقلاً وعرفاً وعادةً ، وترك التعرّض لأمثاله أولى »(٤) .

ومن هذا يتّضح أنّ العلاّمة المجلسي مجرد ناقل قول القمّي ، ورادّ عليه ، فكيف يتّهمه الخميس بأنّه قائل بذلك.

وأمّا الحافظ البرسي ، فعلى فرض أنّه نقل شيئاً من ذلك ، فعلماؤنا لا يأخذون بما تفرّد بنقله.

____________

١ ـ التحريم : ١٠.

٢ ـ تفسير القمّي ٢ / ٣٧٧.

٣ ـ بحار الأنوار ٢٢ / ٢٤٠.

٤ ـ المصدر السابق ٣٢ / ١٠٧.

٢٤٥

وقال العلاّمة المجلسي حول كتب البرسي : « ولا اعتمد على ما يتفرّد بنقله ، لاشتمال كتابيه على ما يوهم الخبط والخلط والارتفاع »(١) .

( المنصور ـ البحرين ـ )

زواج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله منها كان بأمر الله :

س : هل زواج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من عائشة بأمر من الله تعالى؟

ج : إنّ زواج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من عائشة كان بأمر من الله تعالى ، ومن ضمن الأهداف التي تحصّلت من هذا الزواج وغيره ارتباط النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بجميع قبائل العرب ، فهناك حكمة إلهية وتدبير منه تعالى ، وتمييز من يطيعه عمّن يعصيه ، ولا ينفعها ذلك إن كانت خانت الله والرسول ، بخروجها على إمام زمانها

قال تعالى :( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) (٢) .

( ألياس ـ السعودية ـ ٢٤ سنة ـ طالب جامعة )

موقفها من دفن الحسن :

س : هل توجد أدلّة في كتب التاريخ عن ما جرى في دفن الإمام الحسن المجتبى عليه‌السلام ، من منع دخول الإمام الحسين عليه‌السلام بجثمان أخيه من قبل عائشة وقولها : أتدخلون بيتي من لا أحبّ؟

ج : نعم ، ذكرت كتب التاريخ والسير موقف عائشة من دفن الإمام الحسنعليه‌السلام ، وإليك بعضها :

____________

١ ـ المصدر السابق ١ / ١٠.

٢ ـ التحريم : ١٠.

٢٤٦

١ ـ روى الشيخ الكلينيقدس‌سره بسنده عن محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول : « لمّا احتضر الحسن بن عليعليهما‌السلام قال للحسين : يا أخي إنّي أُوصيك بوصية فاحفظها ، فإذا أنا متّ فهيّئني ، ثمّ وجّهني إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأحدث به عهداً ، ثمّ اصرفني إلى أُمّي فاطمةعليها‌السلام ، ثمّ ردّني فادفنّي بالبقيع.

واعلم أنّه سيصيبني من الحميراء ما يعلم الناس من صنيعها وعداوتها لله ولرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعداوتها لنا أهل البيت.

فلمّا قُبض الحسنعليه‌السلام وضع على سريره ، فانطلقوا به إلى مصلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الذي كان يصلّي فيه على الجنائز ، فصلّى على الحسنعليه‌السلام ، فلمّا أن صلّي عليه حمل فادخل المسجد ، فلمّا أوقف على قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بلغ عائشة الخبر ، وقيل لها : إنّهم قد أقبلوا بالحسن بن علي ليدفن مع رسول الله ، فخرجت مبادرة على بغل بسرج ـ فكانت أوّل امرأة ركبت في الإسلام سرجاً ـ فوقفت وقالت : نحّوا ابنكم عن بيتي ، فإنّه لا يدفن فيه شيء ، ولا يهتك على رسول الله حجابه.

فقال لها الحسين بن عليعليهما‌السلام : قديماً هتكت أنت وأبوك حجاب رسول الله ، وأدخلت بيته من لا يحبّ رسول الله قربه ، وإنّ الله سائلك عن ذلك يا عائشة ، إنّ أخي أمرني أن أقرّبه من أبيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليحدث به عهداً.

واعلمي أنّ أخي أعلم الناس بالله ورسوله ، وأعلم بتأويل كتابه من أن يهتك على رسول الله ستره ، لأنّ الله تبارك وتعالى يقول :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ ) (١) ، وقد أدخلت أنت بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الرجال بغير أذنه ، وقد قال الله عزّ وجلّ :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ) (٢) ولعمري لقد ضربت أنت لأبيك وفاروقه عند

____________

١ ـ الأحزاب : ٣٥.

٢ ـ الحجرات : ٢.

٢٤٧

إذن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المعاول ، وقال الله عزّ وجلّ :( إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى ) (١) ، ولعمري لقد أدخل أبوك وفاروقه على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بقربهما منه الأذى ، وما رعيا من حقّه ما أمرهما الله به على لسان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إنّ الله حرّم من المؤمنين أمواتاً ما حرّم منهم أحياء ، وتالله يا عائشة ، لو كان هذا الذي كرهتيه من دفن الحسن عند أبيه رسول اللهعليهما‌السلام جائزاً فيما بيننا وبين الله ، لعلمت أنّه سيدفن ، وإن رغم معطسك ».

قال : ثمّ تكلّم محمّد بن الحنفية وقال : يا عائشة يوماً على بغل ، ويوماً على جمل ، فما تملكين نفسك ، ولا تملكين الأرض عداوة لبني هاشم.

قال : فأقبلت عليه فقالت : يا بن الحنفية هؤلاء الفواطم يتكلّمون فما كلامك؟ فقال لها الحسينعليه‌السلام : « وأنى تبعدين محمّداً من الفواطم ، فو الله لقد ولدته ثلاث فواطم : فاطمة بنت عمران بن عائذ بن عمرو بن مخزوم ، وفاطمة بنت أسد بن هاشم ، وفاطمة بنت زائدة بن الأصم ابن رواحة بن حجر بن عبد معيص بن عامر ».

قال : فقالت عائشة للحسينعليه‌السلام : نحّوا ابنكم ، واذهبوا به فإنّكم قوم خصمون.

قال : فمضى الحسينعليه‌السلام إلى قبر أُمّه ، ثمّ أخرجه فدفنه بالبقيع »(٢) .

٢ ـ قال الشيخ الحرّ العامليقدس‌سره : لمّا توفّي الحسنعليه‌السلام مسموماً ، وخرج به أخوه الحسينعليه‌السلام ليجدد به العهد بقبر جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، خرجت عائشة على بغلة شهباء ، يحف بها بنو أُمية وهي تصيح : لا تدخلوا بيتي من لا أحبّ ، إنّ دفن الحسن في بيتي لتجز هذه ، وأومأت إلى ناصيتها.

____________

١ ـ الحجرات : ٣.

٢ ـ الكافي ١ / ٣٠٢.

٢٤٨

وليت شعري ألم تسمع أُمّ المؤمنين قول جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حقّه : « اللهم إنّي أحبّه فاحبّه ، وأحبّ من يحبّه »(١) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « اللهم إنّ هذا ابني وأنا أحبّه ، فأحبّه وأحبّ من يحبّه »(٢) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من سرّه أن ينظر إلى سيّد شباب أهل الجنّة ، فلينظر إلى الحسن »(٣) (٤) .

٣ ـ روى ابن عساكر بسنده عن أبي عتيق قال : « سمعت جابر بن عبد الله يقول : شهدنا حسن بن علي يوم مات ، فكادت الفتنة أن تقع بين حسين بن علي ومروان بن الحكم ، وكان الحسن قد عهد إلى أخيه أن يدفن مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإن خاف أن يكون في ذلك قتال فليدفن بالبقيع ، فأبى مروان أن يدعه ، ومروان يومئذ معزول ، يريد أن يرضي معاوية بذلك ، فلم يزل مروان عدوّاً لبني هاشم حتّى مات.

قال جابر : فكلّمت يومئذ حسين بن علي فقلت : يا أبا عبد الله اتق الله ، فإنّ أخاك كان لا يحبّ ما ترى ، فادفنه بالبقيع مع أُمّه ففعل »(٥) .

____________

١ ـ مسند أحمد ٢ / ٢٤٩ و ٣٣١ و ٥٣٢ ، صحيح البخاري ٣ / ٢٠ و ٧ / ٥٥ ، سنن ابن ماجة ١ / ٥١ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٧٦ ، مسند الحميدي ٢ / ٤٥١ ، مسند ابن الجعد : ٢٩٥ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ / ٤٩ ، مسند أبي يعلى ١١ / ٢٧٩ ، صحيح ابن حبّان ١٥ / ٤١٧ ، المعجم الكبير ٣ / ٣٢ ، نظم درر السمطين : ١٩٨ ، تاريخ بغداد ١٢ / ٩ ، تاريخ مدينة دمشق ١٣ / ١٧٦ و ١٨٦ و ١٩٢ و ٢٨٨ ، تهذيب الكمال ٦ / ٢٢٦ ، سير أعلام النبلاء ٣ / ٢٥٠ ، تهذيب التهذيب ٢ / ٢٥٨ ، البداية والنهاية ٨ / ٣٨ ، سبل الهدى والرشاد ٩ / ٣٦٩ و ١١ / ٦٤ ، ينابيع المودّة ٢ / ٤٤ ، ذخائر العقبى : ١٢٢.

٢ ـ كنز العمّال ١٣ / ٦٥٢ ، تاريخ مدينة دمشق ١٣ / ١٩٧.

٣ ـ الجامع الصغير ٢ / ٦٠٩ ، موارد الظمآن : ٥٥٣ ، كنز العمّال ١٢ / ١١٦ ، تاريخ مدينة دمشق ١٣ / ٢٠٩ ، الأنساب ٣ / ٤٧٦ ، البداية والنهاية ٨ / ٣٩ ، ينابيع المودّة ٢ / ١٠٢.

٤ ـ وسائل الشيعة ١ / ٣٥.

٥ ـ تاريخ مدينة دمشق ١٣ / ٢٨٧.

٢٤٩

وعن ابن عمر قال : « حضرت موت حسن بن علي ، فقلت للحسين : اتق الله ولا تثر فتنة ، ولا تسفك الدماء ، وادفن أخاك إلى جنب أُمّه ، فإنّ أخاك قد عهد بذلك إليك ، فأخذ بذلك الحسين »(١) .

٤ ـ جاء في تاريخ اليعقوبي : « وقيل : إنّ عائشة ركبت بغلة شهباء وقالت : بيتي لا آذن فيه لأحد ، فأتاها القاسم بن محمّد بن أبي بكر فقال لها : يا عمّة! ما غسلنا رؤوسنا من يوم الجمل الأحمر ، أتريدين أن يقال يوم البغلة الشهباء؟ فرجعت »(٢) .

( ـ ـ سنّي )

كانت مخطئة ومخالفة لأمر الله ورسوله :

س : أتمنّى أن تعينوني على فهم بعض الأُمور التي مرّت عليّ ، وأُريد التأكّد منها ، هل ما سمعت عن كره الشيعة للسيّدة عائشة صحيح؟ جزاكم الله كُلّ خير.

ج : إنّ مسألة الحبّ والبغض من المسائل المتّفق عليها بين المسلمين كافّة ، وهي الحبّ في الله ، والبغض في الله ، وكذلك الموالاة لأولياء الله والمعاداة لأعدائه.

قال تعالى :( لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ باللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ الله وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (٣) .

____________

١ ـ المصدر السابق ١٣ / ٢٨٨.

٢ ـ تاريخ اليعقوبي ٢ / ٢٢٥.

٣ ـ المجادلة : ٢٢.

٢٥٠

ولا عداء شخصي للشيعة مع أحد أبداً ، وإنّك ترى أنّ أهل البيتعليهم‌السلام يرحمون حتّى أعداءهم وقاتليهم ، ويبكون عليهم ويوصون بهم.

وترى أنّ الشيعة يتعاملون مع المسلمين كافّة كُلّ بحسبه ، فالمؤمن الصادق موقّر لديهم ، وإن كان ابن كافر ، والمنحرف مذموم لديهم ، وإن كان ابن أو أخ إمام.

فهذا عمّار وسلمان وأبو ذر والمقداد وأُمّ سلمة وعبد الله بن عباس ومحمّد بن أبي بكر ، وغيرهم من المؤمنين الملتزمين الممدوحين في الأحاديث الشريفة الصحيحة.

وها هو عبيد الله بن العباس وجعفر الكذّاب ، وغيرهم من السادة الهاشميين ، ولكنّهم يتبرّأون منهم ، ويبغضون أعمالهم.

فنحن لدينا موازين شرعية نضع الناس بحسبها لا بأهوائنا ولا بالنسب ، وإنّما بالتقوى والسيرة الحسنة ، أو العكس لأيّ شخص كائناً من كان.

وأمّا بخصوص عائشة ، فقد ثبت أنّها آذت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في كثير من المواقف ، كما في قصّة المغافير ، وتهديد الله تعالى لها أشدّ تهديد في القرآن لأحد من العالمين ، قال تعالى :( وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ الله هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ) (١) ، وكذلك في الكثير من أقوالها وأفعالها معهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وكذلك موقفها من الإمام عليعليه‌السلام بعد تحذير النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إيّاها من ذلك الخروج ، وحرب أمير المؤمنين والخروج على إمام زمانها.

وأيضاً موقفها من دفن الإمام الحسن المجتبىعليه‌السلام مع جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعدم إذنها بذلك ، وغير ذلك ممّا هو معلوم لدى الجميع.

فموقفنا ليس شخصياً وعداءً لذاتها ، بل هو موقف من أعمالها ، وعدم كونها بمستوى المسؤولية والموقع الرفيع ، بكونها زوجة خاتم النبيينصلى‌الله‌عليه‌وآله ،

____________

١ ـ التحريم : ٤.

٢٥١

وقد قال تعالى :( يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى ) (١) ، وكان عمر في زمن خلافته يمنعهن حتّى من الخروج للحجّ ، حتّى أذن لهن في آخر خلافته ، فكيف بالخروج على إمام زمانها ومحاربته.

فإنا نعتقد أنّها كانت مخطئة ومخالفة لأمر الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلى هذا فالدليل يسوقنا إلى عدم موالاتها ، ولا غرابة ، فالقرآن يعلّمنا البراءة من زوجة نوح ولوط ، وموالاة آسية امرأة فرعون.

( عيسى الشيباني ـ الإمارات ـ ٢٦ سنة ـ طالب ثانوية عامّة )

كانت تعلم بمبايعة الناس لعليعليه‌السلام :

س : وفّقكم الله لخدمة الإسلام والمسلمين ، وأظهر الحقّ على لسانكم وفي كتبكم المقدّسة ، يدّعي البعض بأنّ خروج عائشة في معركة الجمل عن عدم درايتها بأنّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام قد تمّت له البيعة ، واستلام الخلافة له , وبالتالي هي معذورة في خروجها على الإمام في تلك الحرب ، حيث أنّها لو علمت لما خرجت على رأس الجيش؟

الرجاء توضيح هذه الشبهة ، ولكم فائق الاحترام والتقدير.

ج : المعروف أنّ واقعة الجمل كان سببها خروج عائشة مع طلحة والزبير للمطالبة بدم عثمان ، إلاّ أنّ الثابت تاريخياً أنّ عائشة هي التي حرّضت الناس على قتل عثمان بن عفّان ، وأصدرت فتوى بقتله بعد نعته بنعثل اليهودي ، وقالت : « اقتلوا نعثلاً فقد كفر »(٢) ، تعني عثمان ، وفي رواية أُخرى : « اقتلوا نعثلاً قتل الله نعثلاً »(٣) تعني عثمان ، ونعثل هو رجل يهودي كان يعيش في

____________

١ ـ الأحزاب : ٣٠ ـ ٣٣.

٢ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٣ / ٤٧٧ ، شيخ المضيرة أبو هريرة : ١٧١.

٣ ـ تاج العروس ٨ / ١٤١ ، لسان العرب ١١ / ٦٧٠ ، شرح نهج البلاغة ٦ / ٢١٥ و ٢٠ / ٢٢.

٢٥٢

المدينة طويل اللحية ، بل ورد أنّ حفصة وعائشة قالتا لعثمان : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سمّاك نعثلاً تشبيها بنعثل اليهودي »(١) ، وقيل : « إنّ نعثل هو الشيخ الأحمق ، وهو رجل من أهل مصر كان طويل اللحية وكان يشبه عثمان »(٢) .

وقال ابن أبي الحديد : « قال كُلّ من صنّف في السير والأخبار : إنّ عائشة كانت من أشدّ الناس على عثمان ، حتّى أنّها أخرجت ثوباً من ثياب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فنصبته في منزلها ، وكانت تقول للداخلين إليها : هذا ثوب رسول الله لم يبل ، وعثمان قد أبلى سنّته»(٣) .

وقد صدّق المسلمون ـ وعلى رأسهم الصحابة ـ دعوى عائشة ، واستجابوا لتحريضها ، فشاركوا في قتله ، ودفنوه في مقبرة اليهود(٤) .

ولكن السؤال المثير هو : لماذا خرجت عائشة للمطالبة بدم عثمان؟ وتجييش الجيوش من أجل ذلك؟

قال الطبري عن تلك الأحداث : « أنّ عائشة لما انتهت إلى سرف ـ موضع ستة أميال من مكّة ـ راجعة في طريقها إلى مكّة ، لقيها عبد ابن أُمّ كلاب ، وهو عبد ابن أبي سلمة ينسب إلى أُمّه ، فقالت له : مهيم؟

قال : قتلوا عثمان ، فمكثوا ثمانياً ، قالت : ثمّ صنعوا ماذا؟

قال : أخذها أهل المدينة بالاجتماع ، فجازت بهم الأُمور إلى خير مجاز ، اجتمعوا على علي بن أبي طالب ، فقالت : والله ليتَ إنّ هذه انطبقت على هذه إن تمّ الأمر لصاحبك ، ردّوني ردّوني ، فانصرفت إلى مكّة وهي تقول : قتل والله عثمان مظلوماً ، والله لأطلبن بدمه ، فقال لها ابن أُمّ كلاب : ولم؟ فو الله أنّ أوّل من أمال حرفه لأنتِ ، ولقد كنتِ تقولين : اقتلوا نعثلاً فقد كفر.

____________

١ ـ كشف الغمّة ٢ / ١٠٨.

٢ ـ لسان العرب ١١ / ٦٩٩.

٣ ـ شرح نهج البلاغة ٦ / ٢١٥.

٤ ـ أُنظر : الطبقات الكبرى ٣ / ٧٨.

٢٥٣

قالت : إنّهم استتابوه ثمّ قتلوه ، وقد قلت وقالوا ، وقولي الأخير خير من قولي الأوّل ، فقال ابن أُمّ كلاب :

منكِ البداء ومنكِ الغير

ومنكِ الرياح ومنكِ المطر

وأنتِ أمرتِ بقتل الإمام

وقلتِ لنا أنّه قد كفر

فهبنا أطعناكِ في قتله

وقاتله عندنا من أمر

إلى آخر الأبيات.

فانصرفت إلى مكّة ، فنزلت على باب المسجد ، فقصدت الحجر ، فسترت واجتمع إليها الناس ، فقالت : يا أيّها الناس ، إنّ عثمان قُتل مظلوماً ، ووالله لأطلبن بدمه »(١) .

والحاصل : إنّ عائشة كانت تعلم بمبايعة الناس لأمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، ومن هنا كانت نقطة الانقلاب في موقفها ، وبمراجعة يسيرة إلى المصادر التاريخية تجد أنّ عائشة حتّى عند إخبارها بمقتل عثمان قبل علمها بمبايعة عليعليه‌السلام كانت تسمّيه نعثلاً وتتشفّى بمقتله ، ولكن علمها بمبايعة الإمامعليه‌السلام قلب موقفها تماماً ، وقادها إلى القيام بتلك الفتنة الكبيرة التي راح ضحيّتها عشرات الآلاف من المسلمين ، فكيف لا تعلم عائشة بمبايعة الناس لأمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، وهي عندما قدمت إلى البصرة وجدت عليها عثمان بن حنيف عامل أمير المؤمنينعليه‌السلام عليها ، وقد أرسل أليها أبو الأسود الدؤلي يسألها عن خبرها ، وعن علّة مجيئها إلى البصرة ، فقالت له : أطلب بدم عثمان ، قال : إنّه ليس في البصرة من قتلة عثمان أحد ، قالت : صدقت ولكنّهم مع علي بن أبي طالب بالمدينة(٢) .

____________

١ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٣ / ٤٧٦.

٢ ـ شرح نهج البلاغة ٦ / ٢٢٦.

٢٥٤

وعندما لم تجد عائشة آذاناً صاغية من عثمان بن حنيف وأصحابه في البصرة في مطالبها ، اشتد النزاع بين الفريقين حتّى حصلت تلك الواقعة المسمّاة بـ « واقعة الجمل الأصغر » ، والتي كان من آثارها أن قتل أربعون رجلاً من شيعة عليعليه‌السلام في المسجد ، وسبعون آخرون في مكان آخر ، وأسروا عثمان بن حنيف ، وكان من فضلاء الصحابة ، فأرادوا قتله ، ثمّ خافوا أن يثأر له أخوه سهل والأنصار ، فنتفوا لحيته وشاربيه وحاجبيه ورأسه وضربوه وحبسوه ، ثمّ طردوه من البصرة(١) .

وكان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أخبر عائشة عن خروجها هذا وحذّرها منه ، وقال لها : «لا تكوني التي تنبحك كلاب الحوأب » ، والحوأب هو وادي كثير الماء نبحت كلابه عند مسير عائشة إلى البصرة ، وعندما سألت عنه أخبروها أنّ هذا المكان يسمّى بماء الحوأب.

فقالت : ردّوني ، ردّوني ، وذكرت التحذير الذي سمعته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكن وبمحضر من طلحة والزبير أحسّ بجسامة الموقف ، فاحضر خمسين رجلاً ، وشهدوا بأنّ هذا المكان لا يسمّى بماء الحوأب ، وكانت تلك أوّل شهادة زور في الإسلام كما يذكره المؤرّخون(٢) .

وخلاصة القول في مسير عائشة هو قول أمير المؤمنينعليه‌السلام في خطبة له : « أيّها الناس ، إنّ عائشة سارت إلى البصرة ومعها طلحة والزبير ، وكُلّ منهما يرى الأمر له دون صاحبه ، أمّا طلحة فابن عمّها ، وأما الزبير فختنها ، والله لو ظفروا بما أرادوا ـ ولن ينالوا ذلك أبداً ـ ليضربن أحدهما عنق صاحبه بعد تنازع

____________

١ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٣ / ٤٨٥ ، انساب الأشراف : ٢٢٥ ، أُسد الغابة ٢ / ٤٠ ، شرح نهج البلاغة ٦ / ٢٢٦.

٢ ـ أُنظر : مسند أبي يعلى ٨ / ٢٨٢ ، شرح نهج البلاغة ٦ / ٢٢٥ و ٩ / ٣١٠ ، انساب الأشراف : ٢٢٤ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٨١ ، البداية والنهاية ٧ / ٢٥٨ ، المناقب : ١٨١.

٢٥٥

منهما شديد ، والله إنّ راكبة الجمل الأحمر ما تقطع عقبة ، ولا تحل عقدة إلاّ في معصية الله وسخطه ، حتّى تورد نفسها ومن معها موارد الهلكة »(١) .

وقد حذّر الله سبحانه قبل هذا نساء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من الخروج من بيوتهنّ وأمرهنّ بالقرار فيها بقوله :( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى ) (٢) ، ولذا نقول : ما حكم من خرجت من بيتها ومدينتها بل وكُلّ بلادها ، وذهبت إلى بلاد أُخرى تبعد عنها آلاف الأميال ، وأشعلت كُلّ هذه الفتنة التي يراها البعض بداية لفتن صفّين والنهروان ، وثمّ تولّي معاوية على رقاب المسلمين ، ثمّ واقعة كربلاء ، وما جرى على المسلمين إلى يومنا هذا؟ التي يعدّها البعض نتيجة حتمية لضعف العرب والمسلمين بسبب الفتن التي أشعلها الأوائل بوجه الخلافة العلوية.

ولا نريد أن نشير هنا إلى قول النبيّ الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي رواه مسلم عن ابن عمر قال : خرج رسول الله من بيت عائشة فقال : «رأس الكفر من هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان »(٣) ، بل جاء في صحيح البخاري عن عبد الله قال : قام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله خطيباً ، فأشار نحو مسكن عائشة فقال : «هاهنا الفتنة ، هاهنا الفتنة ، هاهنا الفتنة ، من حيث يطلع قرن الشيطان »(٤) .

____________

١ ـ شرح نهج البلاغة ١ / ٢٣٣.

٢ ـ الأحزاب : ٣٣.

٣ ـ صحيح مسلم ٨ / ١٨١.

٤ ـ صحيح البخاري ٤ / ٤٦.

٢٥٦

عالم الذرّ :

( ميسون رضا ـ لبنان ـ ٢٣ سنة ـ دراسة ماجستير في العلوم الإلهية )

بحث مفصّل للعلاّمة الطباطبائي حوله :

س : فكرة موجزة عن عالم الذرّ : أهم العلماء الذين يؤيّدون هذه النظرية ، بعض المصادر التي تناولت هذا الأمر من خلال أحاديث أهل البيت عليهم‌السلام .

ج : ننقل لك ما قاله العلاّمة الطباطبائيقدس‌سره حول الموضوع :

قوله تعالى :( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا ) (١) .

أخذ الشيء من الشيء يوجب انفصال المأخوذ من المأخوذ منه ، واستقلاله دونه بنحو من الأنحاء ، وهو يختلف باختلاف العنايات المتعلّقة بها ، والاعتبارات المأخوذة فيها ، كأخذ اللقمة من الطعام ، وأخذ الجرعة من ماء القدح ، وهو نوع من الأخذ ، وأخذ المال والأثاث من زيد الغاصب ، أو الجواد أو البائع أو المعير ، وهو نوع آخر ، أو أنواع مختلفة أُخرى ، وكأخذ العلم من العالم ، وأخذ الأهبة من المجلس ، وأخذ الحظّ من لقاء الصديق وهو نوع ، وأخذ الولد من والده للتربية ، وهو نوع إلى غير ذلك.

فمجرد ذكر الأخذ من الشيء لا يوضّح نوعه إلاّ ببيان زائد ، ولذلك أضاف الله سبحانه إلى قوله :( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ ) الدال على تفريقهم وتفصيل بعضهم من بعض.

____________

١ ـ الأعراف : ١٧٢.

٢٥٧

قوله :( مِن ظُهُورِهِمْ ) ليدلّ على نوع الفصل والأخذ ، وهو أخذ بعض المادّة منها ، بحيث لا تنقص المادّة المأخوذ منها بحسب صورتها ، ولا تنقلب عن تمامها واستقلالها ، ثمّ تكميل الجزء المأخوذ شيئاً تامّاً مستقلاً من نوع المأخوذ منه ، فيؤخذ الولد من ظهر من يلده ويولده ، وقد كان جزء ، ثمّ يجعل بعد الأخذ والفصل إنساناً تامّاً مستقلاً من والديه ، بعدما كان جزء منهما.

ثمّ يؤخذ من ظهر هذا المأخوذ مأخوذ آخر ، وعلى هذه الوتيرة حتّى يتمّ الأخذ ، وينفصل كُلّ جزء عمّا كان جزء منه ، ويتفرّق الأناسي وينتشر الأفراد ، وقد استقلّ كُلّ منهم عمّن سواه ، ويكون لكُلّ واحد منهم نفس مستقلة لها ما لها ، وعليها ما عليها ، فهذا مفاد قوله :( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) ، ولو قال : أخذ ربّك من بني آدم ذرّيتهم أو نشرهم ونحو ذلك ، بقي المعنى على إبهامه.

وقوله :( وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ) ينبأ عن فعل آخر إلهي تعلّق بهم ، بعد ما أخذ بعضهم من بعض ، وفصل بين كُلّ واحد منهم وغيره ، وهو إشهادهم على أنفسهم ، والإشهاد على الشيء هو إحضار الشاهد عنده ، وإراءته حقيقته ، ليتحمّله علماً تحمّلاً شهودياً ، فإشهادهم على أنفسهم ، هو إراءتهم حقيقة أنفسهم ، ليتحمّلوا ما أُريد تحمّلهم من أمرها ، ثمّ يؤدّوا ما تحمّلوه إذا سئلوا.

وللنفس في كُلّ ذي نفس جهات من التعلّق والارتباط بغيرها ، يمكن أن يستشهد الإنسان على بعضها دون بعض ، غير أنّ قوله :( أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ) يوضّح ما أشهدوا لأجله ، وأُريد شهادتهم عليه ، وهو أن يشهدوا ربوبيته سبحانه لهم ، فيؤدّوها عند المسألة.

فالإنسان وإن بلغ من الكبر والخيلاء ما بلغ ، وغرّته مساعدة الأسباب ما غرّته ، واستهوته لا يسعه أن ينكر أنّه لا يملك وجود نفسه ، ولا يستقلّ بتدبير أمره ، ولو ملك نفسه لوقّاها ممّا يكرهه من الموت ، وسائر آلام الحياة

٢٥٨

ومصائبها ، ولو استقلّ بتدبير أمره لم يفتقر إلى الخضوع قبال الأسباب الكونية ، والوسائل التي يرى لنفسه أنّه يسودها ويحكم فيها ، ثمّ هي كالإنسان في الحاجة إلى ما وراءها ، والانقياد إلى حاكم غائب عنها ، يحكم فيها لها أو عليها ، وليس إلى الإنسان أن يسدّ خلّتها ويرفع حاجتها.

فالحاجة إلى ربّ ـ مالك مدبّر ـ حقيقة الإنسان ، والفقر مكتوب على نفسه ، والضعف مطبوع على ناصيته ، لا يخفى ذلك على إنسان له أدنى الشعور الإنساني ، والعالم والجاهل ، والصغير والكبير ، والشريف والوضيع في ذلك سواء.

فالإنسان في أيّ منزل من منازل الإنسانية نزل ، يشاهد من نفسه أنّ له ربّاً يملكه ويدبّر أمره ، وكيف لا يشاهد ربّه وهو يشاهد حاجته الذاتية؟ وكيف يتصوّر وقوع الشعور بالحاجة من غير شعور بالذي يحتاج إليه؟

فقوله :( أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ) بيان ما أشهد عليه ، وقوله :( قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا ) اعتراف منهم بوقوع الشهادة وما شهدوه ، ولذا قيل : إنّ الآية تشير إلى ما يشاهده الإنسان في حياته الدنيا ، أنّه محتاج في جميع جهات حياته من وجوده ، وما يتعلّق به وجوده من اللوازم والأحكام ، ومعنى الآية إنّا خلقنا بني آدم في الأرض ، وفرّقناهم وميّزنا بعضهم من بعض بالتناسل والتوالد ، وأوفقناهم على احتياجهم ، ومربوبيتهم لنا ، فاعترفوا بذلك قائلين : بلى شهدنا أنّك ربّنا.

وعلى هذا يكون قولهم :( بَلَى شَهِدْنَا ) من قبيل القول بلسان الحال ، أو إسناد اللازم القول إلى القائل بالملزوم ، حيث اعترفوا بحاجاتهم ، ولزمه الاعتراف بمن يحتاجون إليه ، والفرق بين لسان الحال ، والقول بلازم القول :

أنّ الأوّل انكشاف المعنى عن الشيء لدلالة صفة من صفاته ، وحال من أحواله عليه ، سواء شعر به أم لا ، كما تفصح آثار الديار الخربة عن حال ساكنيها ، وكيف لعب الدهر بهم؟ وعدت عادية الأيّام عليهم؟ فأسكنت

٢٥٩

أجراسهم وأخمدت أنفاسهم ، وكما يتكلّم سيماء البائس المسكين عن فقره ومسكنته وسوء حاله.

والثاني انكشاف المعنى عن القائل ، لقوله بما يستلزمه أو تكلّمه بما يدلّ عليه بالالتزام.

فعلى أحد هذين النوعين من القول ، أعني القول بلسان الحال ، والقول بالاستلزام يحمل اعترافهم المحكي بقوله تعالى :( قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا ) ، والأوّل أقرب وأنسب ، فإنّه لا يكتفي في مقام الشهادة إلاّ بالصريح منها المدلول عليه بالمطابقة دون الالتزام.

ومن المعلوم : أنّ هذه الشهادة على أيّ نحو تحقّقت فهي من سنخ الاستشهاد المذكور في قوله :( أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ) ، فالظاهر أنّه قد استوفى الجواب بعين اللسان الذي سألهم به ، ولذلك كان هناك نحو ثالث يمكن أن يحمل عليه هذه المساءلة والمجاوبة ، فإنّ الكلام الإلهي يكشف به عن المقاصد الإلهية بالفعل ، والإيجاد كلام حقيقي ـ وإن كان بنحو التحليل ـ كما تقدّم مراراً في مباحثنا السابقة ، فليكن هنا قوله :( أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ) وقولهم :( بَلَى شَهِدْنَا ) من ذاك القبيل ، وسيجيء للكلام تتمّة.

وكيف كان فقوله :( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ ) الآية ، يدلّ على تفصيل بني آدم بعضهم من بعض ، وإشهاد كُلّ واحد منهم على نفسه ، وأخذ الاعتراف على الربوبية منه ، ويدلّ ذيل الآية وما يتلوه أعنّي قوله :( أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ) (١) على الغرض من هذا الأخذ والإشهاد.

وهو على ما يفيده السياق إبطال حجّتين للعباد على الله ، وبيان أنّه لولا هذا الأخذ والإشهاد ، وأخذ الميثاق على انحصار الربوبية ، كان للعباد أن يتمسّكوا

____________

١ ـ الأعراف : ١٧٢ ـ ١٧٣.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

٣٦١

٣٦٢

وقد عارض الفخر الرازي حديث الغدير بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « قريش والأنصار وجهينة ومزينة وأسلم وغفار مواليّ دون الناس كلّهم، ليس لهم موالي دون الله ورسوله ».

ولكن هذه المعارضة باطلة لوجوه:

١. إنه من أخبار المخالفين

إن هذا الحديث من أخبار أهل السنة، قد انفردوا بروايته، فلا حجية له عند أهل الحق الشيعة الامامية حتى يقابل به حديث الغدير.

بل إن التمسّك والاستدلال بأحاديث أهل السنة لا يفيد لافحام الشيعة مطلقا، ولا يجوز للمناظر أن يلزم خصمه إلّا بما رواه قومه في كتبهم المعتبرة وبأسانيدهم المعتمدة، ولذا ترى ( الدهلوي ) يدّعى في مقدمة ( تحفته ) الالتزام بأنْ لا يستدل إلّا بكتب الشيعة، ليتمّ له مراده ويثبت مرامه في الاحتجاج معهم.

٢. ليس من الأحاديث المشتهرة

بل ليس هذا الحديث من الأحاديث المتفق على روايتها لدى أهل السنة

٣٦٣

أنفسهم أيضاً، فلم يرد في كتبهم إلّا قليلا، بل لم يرو في جميع صحاحهم، وقد أوضح ابن الأثير أنه مما تفرد به الشيخان(١) .

٣. هو خبر واحد عن أبي هريرة

ثم هو من أخبار الآحاد، إذ لم يخرجه الشيخان عن غير أبي هريرة، وهذا لا يصلح لأن يذكر في مقابلة حديث رواه أكثر من مائة نفس من أصحاب رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - ومنهم أبو هريرة نفسه

٤. حديث الغدير برواية أبي هريرة

فقد روى أبو هريرة حديث الغدير واعترف بصحته وسماعه إيّاه من رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - في غدير خم

قال الخوارزمي: « قال الأصبغ: دخلت على معاوية وهو جالس على نطع من الأدم متكياً على وسادتين خضراوتين عن يمينه عمرو بن العاص وحوشب وذو الكلاع، وعن يساره أخوه عتبة وابن عامر وابن كريز والوليد بن عقبة وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد وشرحبيل بن السمط، وبين يديه أبو هريرة وأبو الدرداء والنعمان بن بشير وأبو أمامة الباهلي.

فلما قرأ الكتاب قال: إنّ عليّاً لا يدفع إلينا قتلة عثمان.

فقلت له: يا معاوية لا تعتل بدم عثمان، فإنك تطلب الملك والسلطان، ولو كنت أردت نصرته حياً، ولكنك تربصت به لتجعل ذلك سبباً إلى وصولك إلى الملك. فغضب.

فأردت أن يزيد غضبه فقلت لأبي هريرة: يا صاحب رسول الله! إني أحلّفك بالله الذي لا إله إلّا هو عالم الغيب والشهادة، وبحق حبيبه المصطفى

___________________

(١). جامع الأصول ١٠ / ١٣٦.

٣٦٤

عليه‌السلام - إلّا أخبرتني أشهدت غدير خم؟

فقال: بلى شهدته.

قلت: فما سمعته يقول في علي؟

قال: سمعته يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله.

قلت له: فاذن أنت واليت عدوه وعاديت وليه.

فتنفس أبو هريرة الصّعداء وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون.

فتغيّر معاوية عن حاله وغضب وقال: كف عن كلامك »(١) .

٥. أبو هريرة كذّاب

هذا كله بناء على توثيق أبي هريرة، ولكن أبا هريرة لم يكن ثقة في حديثه عن رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - لدى كبار الصحابة ومن دونهم

فمن الصّحابة الّذين كذّبوه: أمير المؤمنين عليّ، وعمر بن الخطّاب وعثمان ابن عفّان، وعبد الله بن الزبير، وعائشة بنت أبي بكر كما لا يخفى على من راجع كتاب ( الردّ على من قال بتناقض الحديث لابن قتيبة ) و ( عين الإِصابة فيما استدركته عائشة على الصحابة للسيوطي ) و ( التاريخ لابن كثير ) وغير ذلك.

بل رووا عن أبي هريرة نفسه قوله مخاطباً لأصحاب رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -: « الا إنكم تحدّثون أنّي أكذب على رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - » راجع ( الجمع بين الصّحيحين ) و ( المفاتيح في شرح المصابيح ) وغيره من الشروح.

بل ثبت أنّ عمر نهاه عن التحديث قائلاً له: « لتتركنّ الحديث عن رسول الله أو لألحقنّك بأرض دوس »، وقد روي هذا الكلام بلفظ آخر والمعنى واحد

___________________

(١). مناقب علي بن أبي طالب، لأخطب خطباء خوارزم ١٣٤ - ١٣٥.

٣٦٥

... أنظر ( الأصول للسّرخسي ) و ( التاريخ لابن كثير ) وغيرهما.

وأمّا قصّة عزل عمر إيّاه عن البحرين فمشهورة، وممّن رواها بالتفصيل:

١ - ابن عبد ربه في العقد الفريد

٢ - جار الله الزمخشري في الفائق في غريب الحديث.

٣ - ياقوت الحموي في معجم البلدان.

٤ - ابن كثير الدمشقي في تاريخه.

ومن التابعين والفقهاء الذين كذّبوه وصرّحوا بعدم الثقة به: « أبو حنيفة » فقد رووا عنه قوله: « أترك قولي بقول الصّحابة إلّا ثلاثة منهم: أبو هريرة، وأنس ابن مالك وسمرة بن جندب » راجع ( روضة العلماء للزندويستي ) و ( كتائب أعلام الأخيار للكفوي ) وغيرهما.

ومنهم: عيسى بن أبان الفقيه الحنفي، فقد ذكر عنه الزندويستي قوله: « أقلّد أقاويل جميع الصحابة إلّا ثلاثة منهم: أبو هريرة ووابصة بن معبد، وأبو سنابل بن بعك ».

ومنهم: جماعة من الحنفية، كذّبوا أبا هريرة في حديث المصراة كما في ( المحلّى لابن حزم ) و ( فتح الباري لابن حجر ) وغيرهما.

ومنهم: محمد بن الحسن الشيباني كما في ( المحلى ) في مسألة أن البائع أحق بالمتاع إذا أفلس

٦. وجوه القدح في أبي هريرة

هذا بالاضافة إلى وجوهٍ أخرى من القدح والطعن في أبي هريرة، وهي أمور يكفي كل منها لسقوطه عن درجة الاعتبار، أو يفيد فسقه بوضوح، وإليك بعضها:

ألف - كان يلعب بالشطرنج: قال الدميري: « وروى الصعلوكي تجويزه - أي الشطرنج - عن عمر بن الخطاب والحسن البصري والقاسم بن محمد وأبي

٣٦٦

قلابة وأبي مجلز وعطا والزهري وربيعة بن عبد الرحمن وأبي زناد،رحمهم‌الله .

والمروي عن أبي هريرة من اللعب به مشهور في كتب الفقه »(١) .

وقال ابن الأثير: « وفي حديث بعضهم، قال: رأيت أبا هريرة يلعب بالسدر والسدر لعبة يقامر بها »(٢) .

وكذا قال محمد طاهر الكجراتي الفتني(٣) .

ولا ريب في أنّ الشطرنج حرام. وقال ابن تيمية:

« مذهب جمهور العلماء أن الشطرنج حرام، وقد ثبت عن علي بن أبي طالب مرّ بقوم يلعبون بالشطرنج، فقال: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون.

وكذلك النهي عنها معروف عن أبي موسى وابن عباس وابن عمر وغيرهم من الصحابة.

وتنازعوا في [ أنّ ] أيّهما أشدّ تحريماً الشطرنج أو النرد، فقال مالك: الشطرنج أشد من النرد. وهذا منقول عن ابن عمر، وهذا لأنّها تشغل القلب بالفكر الذي يصدّ عن ذكر الله وعن الصلاة أكثر من النرد. وقال أبو حنيفة وأحمد: النرد أشد »(٤) .

ب - كان مخلّطاً: قال ابن كثير الدمشقي: « وقال مسلم بن الحجاج: ثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، ثنا مروان الدمشقي، عن الليث بن سعد، حدثني بكير بن الأشج، قال: قال لنا بشر بن سعيد: إتقوا الله وتحفّظوا من الحديث، فو الله لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة فيحدّث حديث رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - عن كعب وحديث كعب عن رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -.

وفي رواية: يجعل ما قاله كعب عن رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

___________________

(١). حياة الحيوان: « الهر ».

(٢). النهاية في غريب الحديث: « السدر ».

(٣). مجمع البحار: « السدر ».

(٤). منهاج السنة ٢ / ٩٨.

٣٦٧

وما قاله رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - عن كعب، فاتقوا الله وتحفّظوا في الحديث »(١) .

ج - كان مدلّسا: قال ابن كثير: « وقال يزيد بن هارون: سمعت شعبة يقول: أبو هريرة كان يدلّس. أي: يروي ما سمعه من كعب وما سمعه من رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - ولا يبين، [ يميّز ] هذا من هذا. ذكره ابن عساكر.

وكان شعبة يشير بهذا إلى حديثه: من أصبح جنبا فلا صيام له. فإنّه لمـّا حوقق عليه، قال: أخبرنيه مخبر ولم أسمعه من رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - »(٢) .

د - كان متروكا: قال ابن كثير: « وقال شريك، عن مغيرة، عن ابراهيم قال: كان أصحابنا يدعون من حديث أبي هريرة.

وروى الأعمش، عن إبراهيم، قال: ما كانوا يأخذون من كل حديث أبي هريرة.

قال الثوري، عن منصور، عن إبراهيم، قال: كانوا يرون في أحاديث أبي هريرة شيئاً، وما كانوا يأخذون من حديثه إلّا ما كان من حديث صفة جنة أو نار أو حديث على عمل صالح أو نهي عن شيء جاء القرآن به ».

قال ابن كثير: « وقد انتصر ابن عساكر لأبي هريرة وردّ هذا الذي قاله إبراهيم النخعي، وقد قال ما قاله ابراهيم طائفة من الكوفيين والجمهور على خلافهم. وقد كان أبو هريرة من الصّدق والحفظ والديانة والعبادة والزهادة والعمل الصالح على جانب عظيم »(٣) .

___________________

(١). تاريخ ابن كثير ٨ / ١٠٩ مع اختلاف.

(٢). تاريخ ابن كثير ٨ / ١٠٩.

(٣). تاريخ ابن كثير ٨ / ١٠٩ - ١١٠.

٣٦٨

وثبوته نعم إن ذلك يقدح في الأحاديث التي اشتملت على حضوره عنده -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وأخذه بيده، وقد صرح بهذا المعنى الشريف الجرجاني في ( شرح المواقف )(١) .

* * *

وجاء بعضهم وأراد التشكيك في صحة هذا الحديث بنحو آخر، ذكره العلامة الأمير وقد أجاد في ردّه، حيث قال:

« تنبيه - اعترض بعض من قصر نظره عن بلوغ مرتبة التحقيق في حديث الغدير الذي رواه زيد بن أرقم -رضي‌الله‌عنه - مشكّكاً ذلك المعترض بقوله: إن في الرواية أنه -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - خطب بالجحفة يوم ثامن عشر في شهر ذي الحجة، وأنه لا يمكن بلوغ الجحفة لمن خرج بعد الحج من مكة في ذلك اليوم، وجعله قادحاً في الحديث.

وأقول: هذا تشكيك بلا دليل وخبط جبان خال عن عدة الأدلة ذليل. فقد ثبت أنهعليه‌السلام خرج من مكة يوم الخميس خامس عشر ذي الحجة، راجعا إلى المدينة، وثبت أن الجحفة على اثنين وثمانين ميلا من مكة كما صرح به مجد الدين في القاموسرحمه‌الله . وثبت أن المرحلة العربية أربعة برد كمن جدة إلى مكة، كما أخرجه البخاري تعليقا من حديث ابن عباس وابن عمر أنّهما كانا يقصّران من مكة إلى العرفات، وثبت تقدير الأربعة البرد بالمرحلة بما رواه الشافعي بسند صحيح: أنه قيل لابن عباس أتقصر من مكة إلى العرفات؟ قال: لا، ولكن إلى عرفات وإلى جدة وإلى الطائف، وكل جهة من هذه مرحلة إلى مكة. فإذا كانت المرحلة أربعة برد، والبريد اثني عشر ميلاً، يكون المرحلة ثمانية وأربعين ميلا.

___________________

(١). شرح المواقف ٨ / ٣٦٠.

٣٦٩

وإذا عرفت هذا، عرفت أن من مكة إلى الجحفة لا يكون إلّا دون المرحلتين الكاملتين، لأنّهما اثنان وثمانين ميلاً. واذا عرفت أن رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - خرج من مكة يوم خامس عشر من ذي الحجة فيوم ثامن عشر رابع أيام سفره، فعلم أنه بات ليلة ثامن عشر في الجحفة وصلى بها الظهر وخطب بعد الصلاة.

فيا للعجب ممن قصر نظره عن البحث، كيف يقدح فيما صح باتفاق الكل بأمر يرجع إلى المحسوس المشاهد. لقد نادى على نفسه بالبلاهة وسوء الظن وعدم الدراية.

ولا يقال: إنه باعتبار هذه الأزمنة لا يمكن.

لأنا نقول: إنْ أريد أسفار أهل الرفاهة والمترفين والمرضى والزمناء فلا اعتبار به. وإنْ أريد في أسفار العرب، ففي هذا الزمن يبلغ من مكة الى المدينة على الركاب في أربع، وأهل المدينة يسافرون الحج في زماننا هذا يوم خامس أو رابع ذي الحجة، ويوافون عرفات. وأمّا أهل الرفاهة فلا اعتبار بهم. وقد كان -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - على نهج العرب، وقد كان بلغ في دخوله بمكة في تلك الحجة في سبعة أيام أو ثمانية على اختلاف الرواية.

وبالجملة فالتشكيك بهذا نوع من الهذيان، فقد عرفت بما قدمنا أن الحديث متواتر والأسفار تختلف وليس محالاً عادة ولا عرفاً. ثم حديث الموالاة قد ثبت باتفاق الفريقين، فلا يسمع هذا التشكيك من قائله، والله الموفق »(١) .

___________________

(١). الروضة الندية - شرح التحفة العلوية: ٧٨.

٣٧٠

الخاتمة

فيها كلمات في ذم الفخر الرازي

ومن المناسب - في خاتمة الرد على الفخر الرازي ودحض مزاعمه - أن نورد طرفاً من كلمات بعض علماء الرجال والحديث في الفخر الرازي:

قال الذهبي: « الفخر ابن الخطيب صاحب تصنيف، رأس في الذكاء والتعليقات، لكنه عري من الآثار، وله تشكيكات على مسائل من دعائم الدين تورث حيرة، نسأل الله أن يثبت الإِيمان في قلوبنا.

وله كتاب: السر المكتوم في مخاطبة النجوم، سحر صريح، فلعلّه تاب من تأليفه إن شاء الله »(١) .

وقال ابن تيمية في الكلام على الصفات بعد كلام له:

« وأمّا الجبرية، فمنهم من ينفيها ومنهم من يتوقف فيها كالرازي والآمدي وغيرهم، ونفاة الصفات من الجبرية منهم من يتأوّل نصوصها ومنهم من يفوض معناها الى الله تعالى »(٢) .

___________________

(١). ميزان الاعتدال ٣ / ٣٤٠.

(٢). منهاج السنة. مبحث صفات الباري ١ / ١١١.

٣٧١

وهذا الكلام صريح في كون الرازي من الجبرية.

وقال الشعراني في ( ارشاد الطالبين ): « وقد طلب الشيخ فخر الدين الرازي الطريق إلى الله، فقال له الشيخ نجم الدين البكري: لا تطيق مفارقة صنمك الذي هو علمك، فقال: يا سيدي، لا بدّ إنْ شاء الله تعالى. فأدخله الشيخ خلوة وسلبه جميع ما معه من العلوم، فصاح في الخلوة بأعلى صوته: لا تطيق، فأخرجه وقال: أعجبني صدقك وعدم نفاقك ».

وقال المولوي عبد العلي في مبحث الإجماع: « واستدل ثانياً بقوله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تجتمع أمتي على الضلالة، فانه يفيد عصمة الأمة عن الخطأ فانه متواتر المعنى، فانه قد ورد بألفاظ مختلفة يفيد كلها العصمة، وبلغت رواة تلك الألفاظ حد التواتر

[ واستحسنه ابن الحاجب ] فانه دليل لا خفاء فيه بوجه ولا مساق للارتياب فيه.

[ واستبعد الامام الرازي ] صاحب المحصول، كما هو دأبه من التشكيكات في الأمور الظاهريّة [ التواتر المعنوي على حجيته ]

وهذا الاستبعاد في بعد بعيد كبرت كلمة خرجت من فيه »(١) .

وقال الحافظ ابن حجر بترجمته بعد كلام الذهبي المتقدم ما ملخصه:

« وقد عاب التاج السبكي على المصنف، ذكره هذا الرجل في هذا الكتاب، وقال: إنه ليس من الرواة، وقد تبرأ المصنف من الهوى والعصبية في هذا الكتاب.

والفخر كان من أئمة الأصول وكتبه في الأصلين شهيرة، وله ما يقبل وما يرد، وقد ترجم له جماعة من الكبار بما ملخصه:

انّ مولده سنة ٥٣٣ واشتغل على والده، وكان من تلامذة البغوي. ثمّ

___________________

(١). فواتح الرحموت ٢ / ٢١٥.

٣٧٢

اشتغل على الكمال السمناني وتمهّر في عدة علوم، وأقبل على التصنيف. فصنّف التّفسير الكبير، والمحصول في أصول الفقه، والمعالم، والمطالب العالية، والأربعين، والخمسين، والملخّص، والمباحث المشرقية، وطريقه في الخلاف، ومناقب الشافعي.

قال ابن الربيب: وكان مع تبحره في الأصول يقول: من التزم دين العجائز فهو فائز، وكان يعاب بايراد الشبه الشديدة ويقصر في حلها، قال بعض المغاربة: يورد الشبهة نقداً ويحلها نسيئة.

وقد ذكره ابن دحية فمدح وذم.

وذكره ابن شامة فحكى عنه أشياء ردية.

وكانت وفاته بهراة سنة ٦٥٦.

ورأيت في الاكسير في علم التفسير للنجم الطوخي ما ملخصّه: ما رأيت في التفاسير أجمع لغالب علم التفسير من القرطبي ومن تفسير الامام فخر الدين إلّا أنّه كثير العيوب. فحدّثني شرف الدين النصيبي عن شيخه سراج الدين السرمساجي المغربي أنّه صنّف كتاب المآخذ في مجلدين، بيّن فيهما ما في تفسير الفخر من الزيف والبهرج، وكان ينقم عليه كثيراً.

قال الطوخي: ولعمري هذا دأبه في الكتب الكلامية حتى اتّهمه بعض الناس.

وذكر ابن خليل السكوني في كتاب الرد على الكشاف: ان ابن الخطيب قال في كتبه في الأصول إنّ مذهب الجبر هو المذهب الصحيح، وقال بصحة بقاء الأعراض وبنفي صفات الله الحقيقيّة، وزعم أنها مجرّد نسب وإضافات كقول الفلاسفة، وسلك طريق أرسطو في دليل التمانع.

ونقل عن تلميذه التاج الأرموي: إنه نظر كلامه فهجره إلى مصر وهمّوا به فاستتر، ونقلوا عنه أنه قال: عندي كذا وكذا مائة شبهة على القول بحدوث العالم.

٣٧٣

ثم أسند عن ابن الطباخ: إن الفخر كان شيعياً يقدم محبة أهل البيت كمحبة الشيعة، حتى قال في بعض تصانيفه: وكان علي شجاعاً بخلاف غيره، وعاب عليه تسميته لتفسيره مفاتيح الغيب.

وقد مات الفخر يوم الاثنين سنة ست وخمسين وستمائة بمدينة هراة، واسمه محمد بن عمر بن الحسين، وأوصى بوصية تدل على حسن اعتقاده »(١) .

___________________

(١). لسان الميزان ٤ / ٤٢٦.

٣٧٤

وقفة مع من أنكر

تواتر حديث الغدير

٣٧٥

٣٧٦

وأمّا دعوى عدم تواتر حديث الغدير فمن العجائب المضحكة، خصوصاً دعوى عدم تواتره لدى الشيعة « كبرت كلمة تخرج من أفواههم إنْ يقولون إلّا كذباً » وكيف يتفوّه بهذه الهفوة الباطلة عاقل بالنسبة إلى حديث رواه أكثر من مائة صحابي، وجمع طرقه جمع من كبار الحفاظ في مصنفات عديدة!؟ قد علمت أنه ليس متواتراً عند الشيعة فحسب، بل صرح بتواتره كبار حفّاظ أهل السنة، كالحافظ الذهبي الذي تمسك ابن حجر المكي بتصحيحه طرق حديث الغدير حيث قال: « فقد ورد ذلك من طرق صحيح الذهبي كثيراً منها »(١) . فمن العجيب تمسكه بتصحيح الذهبي بعض طرق الحديث وإعراضه عن تصريحه وتنصيصه على تواتره.

ومن الطريف دعوى ابن حجر تواتر حديث صلاة أبي بكر لرواية ثمانية من الصحابة إيّاه - مع العلم ببطلانه لدى الشيعة - وهو ينكر تواتر حديث الغدير المروي عن أكثر من مائة نفس من الصحابة، ولا أقل من الثلاثين، العدد الذي اعترف ابن حجر نفسه به، وهل هذا إلّا تناقض قبيح وتحكّم لا يعتضد بشيء من

___________________

(١). الصواعق المحرقة / ٢٥.

٣٧٧

الترجيح؟

نور الدين الحلبي

وقد نسج نور الدين الحلبي على منوال ابن حجر الهيتمي - المكي، فقال في جواب حديث الغدير: « وقد ردّ عليهم في ذلك بما بسطته في كتابي المسمّى بالقول المطاع في الرد على أهل الابتداع، لخصّت فيه الصواعق للعلامة ابن حجر الهيتمي، وذكرت أن الرد عليهم في ذلك من وجوه:

أحدها: إن هؤلاء الشيعة والرافضة اتفقوا على اعتبار التواتر فيما يستدلون به على الامامة من الأحاديث، وهذا الحديث مع كونه احاداً طعن في صحته جماعة من أئمة الحديث كأبي داود وأبي حاتم الرازي كما تقدم، فهذا منهم مناقضة »(١) .

وهذا الكلام مردود من وجوه:

أحدها: إنّ نفي تواتر حديث الغدير مصادمة مع الواقع وإنكار للحقيقة الراهنة، وقد صرح بتواتره كبار أئمة أهل السنة كما سبق.

الثاني: إنه يكفي ثبوت تواتره لدى الشيعة.

الثالث: إنّه يكفي في الالزام في باب الامامة الاستدلال بالحديث الوارد من طرق أهل السنّة ولو احاداً، ولا ضرورة لأن يكون متواتراً حتى يجوز الاحتجاج به وإلزامهم به.

الرابع: إن ذكر طعن بعض أئمة الحديث في صحة حديث الغدير، هو في الحقيقة إثبات للطعن في هؤلاء الأئمّة المتعصبين.

الخامس: نسبة الطعن في صحته إلى أبي داود، كذب صريح وبهتان مبين كما دريت سابقاً.

___________________

(١). انسان العيون ٣ / ٣٣٧ - ٣٣٨.

٣٧٨

علي القاري

ولقد ناقض الشيخ نور الدين علي بن سلطان الهروي القاري نفسه وجاء بكلماتٍ متهافتة حول حديث الغدير، فقال مرّة:

« ثمّ هذا الحديث مع كونه احاداً مختلف في صحته، فكيف ساغ للشيعة أن يخالفوا ما اتفقوا عليه اشتراط التواتر في أحاديث الامامة، ما هذا إلّا تناقض صريح وتعارض قبيح؟! »(١) .

فهو هنا يزعم كونه احاداً وأنه مختلف في صحّته لدى العلماء، والحال أنه قد ذكر قبل هذا الكلام بقليل: « والحاصل أن هذا حديث لا مرية فيه، بل بعض الحفّاظ عدّه متواتراً، إذ في رواية لأحمد أنه سمعه من النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - ثلاثون صحابياً وشهدوا به لعلي لما نوزع أيام خلافته »(٢) .

فهل من الانصاف دعوى كونه آحادا مختلفا في صحته مع الاعتراف بأنه صحيح لا مرية فيه، بل بعض الحفاظ عدّه متواتراً ...؟

وقال في موضع آخر: « رواه أحمد في مسنده، وأقلّ مرتبته أن يكون حسناً، فلا التفات لمن قدح في ثبوت هذا الحديث »(٣) .

فأيّ تحقيق هذا؟ وأيّ إنصاف هذا؟ وأيّ ضبط هذا؟ أن يتلون الرجل في كتاب واحد حول حديث واحد، ما هذا إلّا تناقض صريح وتعارض قبيح!! ولو فرض عدم تواتر هذا الحديث عند أهل السنة، لصحّ استدلال الشيعة به بلا ريب لوجهين:

الأول: لكونه متواتراً لدى الشيعة، واعتضاده بروايات المخالفين يفيد القطع واليقين.

___________________

(١). المرقاة ٥ / ٥٧٤.

(٢). نفس المصدر ٥ / ٥٦٨.

(٣). نفس المصدر ٥ / ٥٧٤.

٣٧٩

والثاني: لجواز الاستدلال بالآحاد عند أهل السنة، فالالزام بحديث الغدير والاحتجاج به صحيح على كل تقدير.

الميرزا مخدوم بن عبد الباقي

وقال الميرزا مخدوم بن عبد الباقي: « وما أدري ما الذي يورث في طبائعهم المنحرفة الجزم بدلالة ما نقل عن النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - في غير الكتب الصحاح أنه قال بغدير خمّ: من كنت مولاه، على إمامة المرتضى »(١) .

ولقد كذب في مقالته هذه الكذب الصريح، فإن الحديث مخرج في الكتب الصحاح كما نص عليه ابن روزبهان كما سيجيء.

ويوضّح ذلك مراجعة صحيح الترمذي وصحيح ابن ماجة والمستدرك على الصحيحين وصحيح ابن حبان والمختارة للضياء المقدسي وما ماثلها.

وفوق ذلك كلّه: تصريح هذا الرجل بتواتر حديث الغدير في مقام آخر من كتابه بعد هذا الكلام وقد ذكرنا نص عبارته سابقاً فراجع.

إسحاق الهروي

وقال اسحاق الهروي سبط صاحب النواقض لمذكور في ( سهامه ) في جواب حديث الغدير: « قلنا: أولاً لا نسلّم تواتر الخبر، وكيف ولم يذكره الثقات من المحدّثين كالبخاري ومسلم والواقدي، وقد قدح في صحة الحديث كثير من أئمّة الحديث كأبي داود والواقدي وابن خزيمة وغيرهم من الثقات، ومن رواه لم يرو أوّل الحديث أي قوله: ألست أولى بكم من أنفسكم، وهو القرينة على كون المولى بمعنى أولى ».

وهذا الكلام عجيب للغاية، فإنه يقتضي أن لا يكون هذا الجمّ الغفير من

___________________

(١). نواقض الروافض - مخطوط.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423