نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٦

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار9%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 423

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 423 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 180086 / تحميل: 6671
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٦

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

ومن هذا المنطلق ، كان التواجد الشيعي في إيران منذ الصدر الأوّل مع الفتوحات الإسلامية ، فعلى سبيل المثال ترى أنّ مناطق من آذربيجان عندما فُتحت أسلم أهلها ، واعتنقوا المذهب الشيعي ، بما إنّ القائد لفتوحات تلك المنطقة كان مسلم بن عوسجةرضی‌الله‌عنه ـ الذي استشهد فيما بعد في كربلاء ـ فيقول التاريخ عنه : أنّه كان يأخذ البيعة لعليعليه‌السلام بعد الشهادتين.

وترى أيضاً : إنّ أهل قم كانوا من الشيعة الخلّص في القرن الأوّل الهجري بنزول الأشعريين فيها(١) .

وإنّ خراسان كانت تحتضن الزخم الهائل من الشيعة ، بعدما هجّر زياد بن أبيه ـ حاكم الكوفة ـ خمسين ألف من الشيعة من الكوفة إلى خراسان ـ وهذا هو الداعي لاستغلال العباسيين الموقف للثورة على الأمويين بمعونة الخراسانيين ، لما كانوا يعرفون العداء بينهم وبين الأمويين ـ وأنّ قدوم الإمام الرضاعليه‌السلام إلى خراسان ، كان له التأثير التام ـ وإن كان هوعليه‌السلام تحت رقابة عباسية شديدة ـ في نشر الفكر الشيعي في تلك المنطقة بالأخصّ ، وفي جميع ربوع إيران على نحو العموم.

وبالجملة : كانت نشأة التشيّع في بعض المناطق الأُخرى هكذا : كمنطقة همدان ، إصفهان ، ري ، قزوين ، فارس ، طبرستان ، كاشان ، سجستان ـ من القرن الثالث للهجرة ـ وكرمان ، خوزستان ـ من القرن الرابع للهجرة ـ بيهق ـ من القرن السادس ـ ومناطق أُخرى.

ثانياً : إنّ الدولة الصفوية ـ التي جاءت إلى الحكم في القرن العاشر للهجرة ـ لا دور لها في تأسيس الفكر الشيعي في إيران.

نعم ، كان لها الفضل في تشييد أركان التشيّع في المنطقة ، بحذف الحكومات الجائرة التي كانت تمنع الإعلام والتحرّك الشيعي ، وأيضاً

____________

١ ـ معجم البلدان ٤ / ٣٩٧.

٨١

ساهمت ـ هذه الدولة ـ في تثبيت الأُسس الشيعية في المعارف والعقائد والأحكام بتخصيص الموارد المالية ، ودعم علماء الطائفة وغيرها.

ولا يخفى أنّ هذا الدور كان أيضاً للدولة البويهية والدولة السربدارية ، وبعض ملوك المغول ، الذين تشيّعوا بيد العلاّمة الحلّيقدس‌سره ـ في القرن الثامن ـ في نطاق أضيق.

( حسين حسن العلي ـ سوريا ـ )

يعتمدون على الكتاب والعترة في إثبات مذهبهم :

س : السلام على من يتّبع هدي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لماذا اسمع عن أهل السنّة أنّ عندهم دلائل من القرآن والحديث ، ولا اسمع هذا الشيء من الشيعة؟

ج : إنّ الشيعة تعتمد في حقّانيّتها على الحديث المتواتر عند الفريقين ، وهو حديث الثقلين ، حيث قال الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي »(١) ، فمن باب أولى تعتمد الشيعة على هذين المصدرين كركيزتين أساسيّتين في إثبات مذهبها ، واستخراج أُصولها وفروعها.

____________

١ ـ فضائل الصحابة : ١٥ ، الجامع الكبير ٥ / ٣٢٨ ، تحفة الأحوذي ١٠ / ١٩٦ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٧ / ٤١٨ ، كتاب السنّة : ٣٣٧ و ٦٢٩ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ / ٤٥ و ١٣٠ ، خصائص أمير المؤمنين : ٩٣ ، المعجم الصغير ١ / ١٣٥ ، المعجم الأوسط ٤ / ٣٣ و ٥ / ٨٩ ، المعجم الكبير ٣ / ٦٦ و ٥ / ١٥٤ و ١٦٦ و ١٧٠ و ١٨٢ ، شرح نهج البلاغة ٩ / ١٣٣ ، نظم درر السمطين : ٢٣٢ ، كنز العمّال ١ / ١٧٢ و ١٨٦ ، تفسير القرآن العظيم ٤ / ١٢٢ ، المحصول ٤ / ١٧٠ ، الإحكام للآمدي ١ / ٢٤٦ ، الطبقات الكبرى ٢ / ١٩٤ ، علل الدارقطني ٦ / ٢٣٦ ، أنساب الأشراف : ١١١ و ٤٣٩ ، البداية والنهاية ٥ / ٢٢٨ ، السيرة النبوية لابن كثير ٤ / ٤١٦ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ٦ و ١٢ / ٢٣٢ ، ينابيع المودّة ١ / ٧٤ و ٩٥ و ٩٩ و ١٠٥ و ١١٢ و ١١٩ و ١٢٣ و ١٣٢ و ٣٤٥ و ٣٤٩ و ٢ / ٤٣٢ و ٤٣٨ و ٣ / ٦٥ و ١٤١ و ٢٩٤ ، النهاية في غريب الحديث والأثر ١ / ٢١١ و ٣ / ١٧٧ ، لسان العرب ٤ / ٥٣٨ و ١١ / ٨٨ ، تاج العروس ٧ / ٢٤٥.

٨٢

وهل كان هناك مورداً واحداً تدّعيه الشيعة بلا سندٍ من الكتاب والسنّة الصحيحة؟ والمتّتبع للأقوال يرى أنّ ما تقوله هذه الطائفة ـ في أيّ مجال ـ هو المطابق للقرآن والآثار المروية حتّى في كتب أهل السنّة.

وللكلام في هذا المضمار مجال واسع ، ويكفيك أن تقرأ كتب الشيعة المشحونة بهذه الأدلّة القرآنية والحديثية.

( ليالي ـ السعودية ـ ١٨ سنة ـ طالبة ثانوية )

الفرق بينهم وبين السنّة :

س : ما الفرق بين الشيعة والسنّة؟

ج : الفرق بين الشيعة والسنّة باختصار هو : أنّ الشيعة تعتقد بإمامة أمير المؤمنين عليعليه‌السلام بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بلا فصل ـ بحسب الأدلّة العقلية والنقلية المذكورة في مظانّها ـ ثمّ ترى الإمامة في المعصومين الأحد عشر ـ المنصوص عليهم من قبل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من أولاد عليعليه‌السلام ـ وهذا هو الفارق الأساسي بينهما.

ثمّ إنّ هناك فروقاً أُخرى في فهم الشريعة ، وأُصول الدين وفروعه ، كُلّها تبتني على الأخذ من معارف وعلوم أهل البيتعليهم‌السلام ، فالشيعة ـ بما ترى العصمة في أئمّتهاعليهم‌السلام ـ تلتزم بالسير في هداهم والتمسّك بسيرتهم.

ولكن أهل السنّة بما أنّهم حرموا من اتّباع خط الإمامة ، أصبحوا صفر اليد من هذه المعارف الإلهية ، وعلى العكس ، أخذوا علومهم من أشخاص معيّنين ـ كأئمّة المذاهب الأربعة وغيرهم ـ ممّن لا ضمان لعلومهم وأقوالهم من الخطأ والزلل ، ثمّ( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الحقّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى ) (١) .

____________

١ ـ يونس : ٣٥.

٨٣

( حيدر ـ الكويت ـ )

من علامات الشيعي التختم باليمين :

س : ما هي الدلائل التي نأخذها ـ نحن الشيعة ـ عند ارتداء الخاتم باليد ، حيث أنّنا نرتدي الخواتم ـ سواء عقيق أو غيره ـ في كلتا اليدين.

فأرجو أن توضّحوا لنا الدلائل من كتب السنّة والشيعة ، حيث أن السنّة يقولون : إنّ التختّم ـ عموماً باليمين أو باليسار ـ هو بدعة ، فكيف أرد على مثل هؤلاء؟

ج : لا خلاف في استحباب التختّم ـ وخصوصاً باليمين عند الشيعة ـ وهذا ممّا تكاثرت عليه الروايات والأقوال عند علماء الشيعة ، وقد أخذوه قطعاً من السنّة النبوية الشريفة.

فعلى سبيل المثال : « عن عائشة : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يتختّم في يمينه ، وقبضصلى‌الله‌عليه‌وآله والخاتم في يمينه »(١) .

وذكر السلامي : « أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يتختّم في يمينه والخلفاء الأربعة بعده ، فنقله معاوية إلى اليسار ، فأخذ المروانية بذلك »(٢) .

وأيضاً صرّح بعضهم كالإمام البروسوي في تفسيره : « كالتختّم باليمين فإنّه في الأصل سنّة ، لكنّه لمّا كان شعار أهل البدعة والظلمة صارت السنّة أن يجعل الخاتم في خنصر اليد اليسرى في زماننا »(٣) .

وأمّا ما روي من طريق أهل البيتعليهم‌السلام في استحباب التختّم في اليمين فكثير جدّاً(٤) .

____________

١ ـ مجمع الزوائد ٥ / ١٥٣.

٢ ـ ربيع الأبرار ٤ / ٢٤.

٣ ـ روح البيان ٤ / ١٤٢.

٤ ـ جامع أحاديث الشيعة ٢١ / ٤٥٩.

٨٤

نعم ، إذا تختّم الإنسان باليمين فقد أصاب السنّة ، فإذا أراد أن يتختّم بخاتم آخر ، فيمكنه أن يتختّم باليسار ، بشرط أن يبقى الخاتم الأوّل في يده اليمنى.

( صفاء ـ سوريا ـ )

الفرق بينهم وبين العلويين :

س : من هم العلويين؟ وما الفرق بينهم وبين الشيعة؟

ج : العلويون منهم من يؤلّه علياًعليه‌السلام فهؤلاء كفّار ، ولا توجد لهم أيّ صلة بالشيعة ، ومنهم من يغالي في عليعليه‌السلام ويعطي له صفات الربوبية ، وهؤلاء أيضاً لا صلة لهم بالشيعة ، ومنهم من لا يلتزم بالأحكام الشرعية ولا يرى وجوبها ، وهؤلاء أيضاً التشيّع منهم بريء.

نعم ، بعض العلويين معتدلين في الاعتقاد ، ملتزمين بالأحكام الشرعية ، يعتقدون ويعملون كما يعمل الشيعة ، وهؤلاء لا يوجد فرق أساسي بينهم وبين الشيعة.

( سلمان ـ الكويت ـ )

منها الإخبارية والشيخية والأُصولية :

س : أُريد الإجابة بكُلّ صراحة ، هل الشيعة ينقسمون إلى ثلاثة أقسام هي : الإخبارية والشيخية والأُصولية؟ وإذا كان صحيحاً أرجو التوضيح ، وإذا كان خاطئاً أرجو معرفة الصواب ، مع خالص الشكر لكم.

ج : إنّ الشيعة ينقسمون الآن إلى ثلاث فرق : الشيعة الزيدية ، والشيعة الإسماعيلية ، والشيعة الإمامية الاثني عشرية.

والزيدية والإسماعيلية قليلون ، والنسبة الأكثر تعود إلى الشيعة الإمامية الاثني عشرية ، حتّى إنّه إذا أطلق لفظ التشيّع يتبادر إلى الأذهان الإمامية.

٨٥

وأمّا ما ذكرت من الإخبارية والشيخية والأُصولية فإنّها ليست فرق ، بل هم شيعة إمامية اثنا عشرية ، وإن اختلفوا في بعض المباني العلمية فيما بينهم ، إلاّ أنّ اختلافهم لا يخرجهم عن التشيّع ، شأنهم شأن اختلاف مراجع مذهب واحد في بعض النظريات.

( أبو الزين ـ الأردن ـ )

لو ميّزت شيعتي ما أجدهم إلاّ واصفة :

س : أسيادنا الأعزّة ، ما تحليلكم لقول الإمام عليعليه‌السلام الوارد في الكافي : « لو ميّزت شيعتي ما أجدهم إلاّ واصفة ، ولو امتحنتهم لما وجدتهم إلاّ مرتدّين »(١) .

يستغل بعض المشاغبين هذا النصّ للقول أنّ الإمام قد تبرّأ ممّن ينتسب لمسلكه.

ج : الرواية هذا نصّها : وبهذا الإسناد ، عن محمّد بن سليمان ، عن إبراهيم ابن عبد الله الصوفي ، قال : حدّثني موسى ابن بكر الواسطي قال : قال لي أبو الحسنعليه‌السلام : «لو ميّزت شيعتي لم أجدهم إلاّ واصفة ، ولو امتحنتهم لما وجدتهم إلاّ مرتدّين ، ولو تمحصتهم لما خلص من الألف واحد ، ولو غربلتهم غربلة لم يبق منهم إلاّ ما كان لي ، إنّهم طال ما أتكوا على الأرائك ، فقالوا : نحن شيعة علي ، إنّما شيعة علي من صدق قوله فعله ».

وهذه الرواية أوّلاً : ليست عن الإمام أبي الحسن عليعليه‌السلام ، بل المراد من أبي الحسن هنا هو الإمام الكاظمعليه‌السلام .

وثانياً : ضعيفة السند بإبراهيم بن بكر الصوفي.

وثالثاً : تتعرّض لمن يخالفون أهل البيتعليهم‌السلام ويدّعون أنّهم من شيعتهم ، كمؤيّدي أعدائهم والمدافعين عنهم ، فإنّها تتعرّض لمن يدعون محبّة أهل البيت ولا يعملون بمقتضى المحبّة.

____________

١ ـ الكافي ٨ / ٢٢٨.

٨٦

وأهل السنّة هم الذين يفعلون ذلك ، فيدّعون حبّ أهل البيت ويأخذون دينهم من أعدائهم ، فالبخاري يروي عن معاوية وعمرو بن العاص ومروان وغيرهم من أعداء أهل البيت ، ولا يروي عن فاطمة الزهراء والإمام الحسنعليهما‌السلام .

فأكثر أهل السنّة يدّعون المحبّة ولا يصدّقهم العمل ، وفي آخر هذه الرواية : « إنّما شيعتنا من صدق قوله فعله ».

ورابعاً : إذا كان أكثر من يدّعي التشيّع ويحاول اللحوق بركبهم بهذه الأوصاف ، فما حال النواصب والتابعين لأعدائهم؟!

( فاطمة ـ الإمارات ـ )

الفرق بينهم وبين الصوفية :

س : هل يمكن أن تزوّدوني ببعض المعلومات حول الطائفة الصوفية ، وعن الفرق بيننا ـ نحن الشيعة ـ وبينهم في عقيدة التوسّل بالأولياء؟

ج : توجد الكثير من المشتركات فيما بيننا وبين الصوفية ، منها مسألة الزيارة والتبرّك والتوسّل ، كما وتوجد اختلافات أساسية أيضاً ، إذ إنّ الكثير من الصوفية على منهج أهل السنّة ، وإن كانت عندهم محبّة شديدة لأهل البيتعليهم‌السلام ، إذ كما تعلمون أنّ الحبّ شيء والاتباع شيء آخر.

كما أنّ الشيعة تتمسّك بالأذكار بما روي عن أهل البيتعليهم‌السلام ، وذلك سواء كان في نفس الذكر والدعاء أو في عدده وتكراره ، أمّا الصوفية فلهم أذكارهم الخاصّة ، والتمسّك بعدد معيّن لم ترد أكثرها في الأحاديث النبوية ، ولا في أحاديث أهل البيتعليهم‌السلام .

والتصوّف يميل إلى العزلة ، والتشيّع صريح في كون الإنسان في المجتمع ، ويكون أيضاً متّصلاً بالله تعالى ، وذلك تمسّكاً من الشيعة بأهل البيتعليهم‌السلام الذين قالوا : «لا رهبانية في الإسلام »(١) ، وفوارق أُخرى كثيرة.

____________

١ ـ مجمع البيان ٩ / ٤٠٢ ، دعائم الإسلام ٢ / ١٩٣.

٨٧

( حسن محمّد يوسف ـ البحرين ـ )

لا تألّه غير الله تعالى :

س : هل نقول ـ نحن الشيعة ـ بتأليه النبيّ أو الإمام أو أحد الأئمّة عليهم‌السلام ؟ وما هو مصدر هذه الفكرة؟

ج : إنّ الشيعة تعتقد بالتوحيد والعدل والنبوّة والإمامة والمعاد ، ولا تألّه غير الله تعالى ، ومن ينسب إلى الشيعة أنّهم يألّهون غير الله تعالى فهو افتراء على الشيعة.

وأمّا مصدر هذه الفكرة هو : إنّ من طرق خصوم الشيعة للطعن بالتشيّع هو الافتراء والالتجاء إلى اختلاق أفكار ونسبتها إلى الشيعة ، والكثير من هذه النسب والافتراءات لم يسمع بها الشيعة ، فضلاً عن أن يعتقدوا بها.

( حسن أحمد عبد الرزاق ـ البحرين ـ )

اعتمدوا على القرآن والسنّة والعقل :

س : من هو أحق الشيعة أو السنّة؟ وما الدليل؟

ج : إنّ الدين عند الله الإسلام ، ونبي هذا الدين هو محمّد المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومعجزته القرآن الكريم ، والتشيّع هو الإسلام ، والإسلام هو التشيّع ، ومنشأ الاختلاف كان بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأصل الاختلاف في الإمامة ، فمن المسلّم عند الجميع أنّ الأنبياء كان لهم أوصياء ، فهل لنبيّنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وصي؟

هل عيّن رسول الله الخليفة من بعده ونصّ عليه؟ وإذا لم يكن قد عيّن الخليفة ، هل وضّح الرسول نظام الحكم في الإسلام؟ وما هي الأُسس التي تبتني عليه الأُمّة في تعيين الخليفة؟

هل الخلافة ببيعة الناس لشخص حتّى ولو كان كبار القوم قد تخلّفوا عن البيعة! كما حدث لخلافة أبي بكر! أم أنّها بالنصّ والتعيين كما نصّ

٨٨

أبو بكر على عمر؟! أم أنّها بالشورى؟ كما حدث لعثمان ، مع العلم أنّ الشورى ما كانت حقيقية ، وإنّما هي أقرب ما تكون إلى مسرح أو تمثيلية!!

أُناس اعتمدوا على القرآن الكريم ، والسنّة النبوية الشريفة ، وأدلّة العقل والفطرة ، وقالوا : إنّ الإمامة بالنصّ ، نصّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على عليعليه‌السلام بالإمامة ، والإمامة إلهية ، واحتجّوا بآية التطهير ، وآية الاستخلاف ، وآية المباهلة ، وآية الإنذار ، وآية التصدّق بالخاتم ، وحديث الثقلين ، وحديث الغدير ، وحديث المنزلة ، وغيرها من الآيات والأحاديث.

وإنّ العقل يحتّم على كُلّ إنسان يريد سفراً أن يوصي بعياله من يدبّر أُمورهم ويرجعون إليه ، فكيف برسول الله يغادر أُمّته إلى الأبد ، ويتركهم سدى بلا أن يعيّن لهم خليفة ، وهؤلاء الناس هم الشيعة ، لمشايعتهم علياًعليه‌السلام .

( محمّد خالد زواهرة ـ فلسطين ـ )

ما كانت في عهد الرسول سنّة ولا شيعة :

س : هل كانت الشيعة في زمن الرسول؟ وما رأي الإسلام بشكل عام فيها؟

ج : ما كانت في عهد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله سنّة ولا شيعة ، كان الرسول والقرآن ، وإنّما نشأ الاختلاف بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حيث اختلفت الأُمّة في مسألة الخلافة والإمامة.

فقسم قال : بأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مات ولم يعيّن ولم ينصّ على أحد يكون بعده خليفة ، وإنّما أوكل الأمر إلى الأُمّة ، فتارة قالوا : الخليفة يكون بالبيعة ، وهي لم تتمّ لأبي بكر ، إذ تخلّف عنها كبار بني هاشم والصحابة ، ولم يبايعوا إلاّ بعد مدّة وبالقوّة ، وتارة ينصّ أبو بكر على عمر ، وتارة الشورى التي أمر بها عمر ، وهي أشبه ما تكون بالتمثيلية ، وهؤلاء هم أهل السنّة.

٨٩

وقسم قال : بأنّ الإمامة بالنصّ ـ وكما كان للأنبياء السابقين أوصياء فكذلك لنبيّنا ـ وإنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نصّ على الإمام عليعليه‌السلام في الغدير وغيره ، ويستدلّ هؤلاء بآيات كثيرة ـ كآية البلاغ والتطهير والإنذار والتصدّق بالخاتم ـ وبأحاديث كثيرة متواترة ـ كحديث الغدير والثقلين والطير والسفينة ـ وهؤلاء هم الشيعة.

( بشاير ـ الكويت ـ )

أحاديث في فضلهم من مصادر السنّة :

س : إنّي أواجه صعوبة مع أحد صديقاتي في ما هو معنى الشيعة؟ ولماذا أطلق هذا الاسم؟ وأنا في الحقيقة لا أعلم الكثير ، فأحببت أن أشارك حتّى أستفيد ، ولا تتصوّرون فرحتي الكبيرة لأنّي وجدت هذا الموقع ، وشكراً.

ج : إنّ الاختلاف في الأُمّة الإسلامية نشأ بعد وفاة النبيّ محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فالشيعة قالت : بأنّ الإمامة والخلافة بعد رسول الله بالنصّ ـ يعني أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نصّ على شخص بعينه ليكون الخليفة والإمام بعده ـ وهذا الشخص المنصوص عليه هو الإمام عليعليه‌السلام للآيات والأحاديث الدالّة على ذلك.

فمن تابع علياًعليه‌السلام وقال بإمامته بعد الرسول بلا فصل فهم الشيعة ، يعني شايعوا علياًعليه‌السلام .

هذا ، وسنذكر لك بعض الأحاديث الواردة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حول فضل الشيعة ، ومن مصادر أهل السنّة :

فقد روى الكثير من مفسّري أهل السنّة وعلماء الحديث في تفسير قوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) (١) .

____________

١ ـ البينة : ٧.

٩٠

١ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام : «هو أنت وشيعتك »(١) ، «أنت يا علي وشيعتك »(٢) ، «هم أنت وشيعتك »(٣) .

٢ ـ وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام : «أنت وشيعتك في الجنّة »(٤) .

٣ ـ وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إذا كان يوم القيامة دعي الناس بأسمائهم وأسماء أمّهاتهم ستراً من الله عليهم ، إلاّ هذا ـ يعني علياً ـ وشيعته ، فإنّهم يدعون بأسمائهم وأسماء آبائهم لصحّة ولادتهم »(٥) .

٤ ـ وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام : « يا علي إنّك ستقدم على الله أنت وشيعتك راضين مرضيين »(٦) .

٥ ـ وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام : « يا علي إنّ الله قد غفر لك ولولدك ولأهلك ولذرّيتك ولشيعتك ولمحبّي شيعتك »(٧) .

٦ ـ وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يا علي إنّ أوّل أربعة يدخلون الجنّة : أنا ، وأنت ، والحسن ، والحسين ، وذرارينا خلف ظهورنا ، وأزواجنا خلف ذرارينا ، وشيعتنا عن أيماننا وعن شمائلنا »(٨) .

____________

١ ـ نظم درر السمطين : ٩٢ ، الدرّ المنثور ٦ / ٣٧٩ ، فتح القدير ٥ / ٤٧٧ ، المناقب : ٢٢٦ ، ينابيع المودّة ٢ / ٣٥٧.

٢ ـ جامع البيان ٣٠ / ٣٣٥.

٣ ـ شواهد التنزيل ٢ / ٤٥٩.

٤ ـ المعجم الأوسط ٦ / ٣٥٤ و ٧ / ٣٤٣ ، كنز العمّال ١١ / ٣٢٣ ، تاريخ بغداد ١٢ / ٢٨٤ و ٣٥٣ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٣٢ ، المناقب : ١١٣ ، ينابيع المودّة ١ / ٤٢٥.

٥ ـ مروج الذهب ٣ / ٤٢٨.

٦ ـ المعجم الأوسط ٤ / ١٨٧ ، نظم درر السمطين : ٩٢ ، كنز العمّال ١٣ / ١٥٦ ، شواهد التنزيل ٢ / ٤٦٥ ، ينابيع المودّة ٢ / ٣٥٧ و ٤٤٥ و ٤٥٢ ، الصحاح ١ / ٣٩٧ ، النهاية في غريب الحديث والأثر ٤ / ١٠٦ ، لسان العرب ٢ / ٥٦٦ ، تاج العروس ٢ / ٢٠٩.

٧ ـ ينابيع المودّة ٢ / ٣٥٧ و ٤٥٢ ، الصواعق المحرقة ٢ / ٤٦٧ و ٦٧٢.

٨ ـ المعجم الكبير ١ / ٣١٩ و ٣ / ٤١ ، كنز العمّال ١٢ / ١٠٤ ، تاريخ مدينة دمشق ١٤ / ١٦٩ ، الصواعق المحرقة ٢ / ٤٦٦ و ٦٧١ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٣١.

٩١

هذا ، وإنّ الإنسان لا يصدق عليه أنّه من شيعة علي إلاّ إذا اتبعه وأخذ معالم دينه منه.

( أبو الزين ـ الأردن ـ )

نصيحة في جواب رسالة النصح :

س : نحن من الذين هدانا الله إلى اعتناق مذهب أهل البيت عليهم‌السلام ، وعلماؤنا دائماً يتهجّمون علينا ويرموننا بالجهل وما إلى ذلك من الكلمات البذيئة ، حتّى أنّ مدير جمعية الصالحين أصدر منشوراً تحت عنوان « رسالة النصح » ، نرجو أن تولّوها اهتماماً خاصّاً ، لعلّ الله تعالى يفتح على أيديكم ، إنّه سميع مجيب.

ج : لقد قرأنا مقتطفات من رسالة النصح ـ التي وجهها الأُستاذ مدير جمعية الصالحين ـ ونحن بدورنا ـ مع احترامنا لهذا الأُستاذ ـ نوجّه رسالة إلى كُلّ إنسان تجرّد عن العصبية ، واتخذ البحث الموضوعي منهجاً له لمعرفة الحقّ ، فنقول :

الإنسان بفطرته يفكّر ، وبفطرته يبحث عن الحقّ ، والتكليف الموجّه إلى المخلوق من الخالق هو أن يبحث الإنسان عن الحقّ بمقدار وسعه ، ومن ثمّ يعتقد به ، وسيكون بهذا قد أدّى تكليفه أمام خالقه ، ومثل هكذا إنسان سيلقى ربّه يوم القيامة منادياً : ربّاه هذه عقيدتي اعتقدت بها بعد بحث وتمحيص بمقدار وسعي

أمّا إذا اقتصر الإنسان على عقائده الموروثة ، متجنّباً توسيع آفاق رؤيته لمعرفة الحقّ ، بذريعة أنّ كُلّ فكر غير ما هو عليه ضلال وبدعة ، فإنّ هذا سوف يسدّ سُبل الهداية لمن يرث الأفكار الخاطئة من مجتمعه.

وأمّا منهج كيفية البحث الموضوعي الذي يرضي الله تعالى ، فيبيّنه لنا أمير المؤمنين عليعليه‌السلام بقوله : «لا يعرف الحقّ بالرجال ، اعرف الحقّ تعرف أهله »(١) ،

____________

١ ـ روضة الواعظين : ٣١.

٩٢

وقد صدق أمير المؤمنينعليه‌السلام إذ جعل المناط في معرفة الحقّ هو معرفة الحقّ نفسه ، لا معرفة الحقّ بالرجال.

وهذه المقولة تفيدنا بأن يجرّد الإنسان نفسه من الموروث ، وممّا ورثه من البيئة والرجال ، وليس المقصود أن يتخلّى من الموروث ، بل المقصود أن يبحث في الموروث ، فما وافق منه الكتاب والسنّة والعقل اتبعه ، وما خالفه رفضه.

ومعرفة الحقّ في أيّ مسألة لا يمكن إلاّ بعد معرفة المباني التي تبتني عليه هذه المسألة ، فالبحث في الجزئيات من دون معرفة المباني بحث عقيم لا يوصل إلى الحقّ.

فإذا أردنا أن نعرف أيّة مسألة ـ عند أيّ مذهب ما ـ لابدّ علينا أوّلاً أن نعرف المبنى الذي ابتنت عليه هذه المسألة وإلاّ فسنقع في متاهات ، وسنرمي المؤمنين بما لم يقولوه.

وعليه ، فالمناقشة في المسائل العقائدية في مذهب أهل البيتعليهم‌السلام لا يمكن معرفتها والوصول إلى كنهها إلاّ بعد معرفة المباني التي تبتني عليها هذه المسائل.

ومنها على سبيل المثال : ينبغي أن نعرف معنى التمسّك بأهل البيتعليهم‌السلام ، هل هو مجرد محبّة سطحية لا أثر لها في واقعنا العملي؟ أم هو اتباع واقتداء وانتهال علوم ومعارف الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله منهم؟

كما ينبغي أن نعرف مَن هم أهل البيت؟ وما المراد من سنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

فمعرفة المصدر الذي منه نتلقّى العلوم والمعارف الإسلامية ـ التي جاء بها الرسول ـ يعتبر من المباني التي لابدّ من الإحاطة بها قبل الخوض في الجزئيات.

ومن هذا القبيل قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي » ، فعلينا أن نبحث أوّلاً هل هذا الحديث صحيح؟ أو أنّ الحديث الذي يقول : «كتاب الله وسنّتي » صحيح؟ أو أنّ كلا الحديثين صحيحان؟

٩٣

وذلك بالجمع بينهما ، بأنّ أهل البيت هم المصدر الذي يمكن الوثوق به لمعرفة سنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وهذه المفردة مهمّة جدّاً ، إذ تبيّن لنا المصدر الذي منه نأخذ معالم ديننا ، وأحكامنا الشرعية.

كما يحقّ لنا أن نتساءل : لماذا قال الرجل : حسبنا كتاب الله؟ ولماذا منع من تدوين سنّة رسول الله؟ ولماذا حرق مدوّنات سنّة رسول الله؟

والسؤال الآخر : من هم آل البيتعليهم‌السلام ؟ وهذه مسألة مهمّة جدّاً ، علينا أن نعرفهم لنأخذ معالم ديننا منهم ونقتدي بهديهم ، ونجعلهم سبيلاً موثوقاً يوصلنا إلى ما جاء به النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

هل آل البيت هم : النبيّ وعلي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام ؟ ـ كما ورد في الصحاح والمسانيد والسنن في تفسير آية التطهير ـ أو أنّهم نساؤه؟ كما قال به البعض.

وبناءً على مقولة هذا القائل بأنّ نساءه من أهل البيت ، ماذا يقول بالنسبة للأحاديث الواردة في الصحاح والسنن في حصر أهل البيت بهؤلاء الخمسة؟

بالأخصّ ما ورد من سؤال أُمّ المؤمنين أُمّ سلمة : وأنا منهم يا رسول الله؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا ، إنّك على خير »(١) .

وأمّا مسألة الفرق بين الشيعة والسنّة ، فلا يمكن التوصّل إليها بالتمسّك بالجزئيات ، وإنّما يمكن التوصّل إليه بمعرفة أُسس الاختلاف ومبانيه ، فأصل الخلاف هو في الإمامة والخلافة والصحبة والصحابة.

فالشيعة تعتقد أنّ الله تعالى اصطفى لهذه الأُمّة بعد الرسول أئمّة ـ( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ) (٢) ـ كما اصطفى آل عمران وآل إبراهيم ، فجعلهم حفظة

____________

١ ـ شواهد التنزيل ٢ / ٦٣ و ١١٥ ، تاريخ مدينة دمشق ١٤ / ١٤٢ ، المستدرك ٢ / ٤١٦ ، مسند أبي يعلى ١٢ / ٤٥٦ ، المعجم الكبير ٣ / ٥٣ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ١٣.

٢ ـ آل عمران : ٣٤.

٩٤

على الشريعة ، التي جاء بها الرسول وخلفاؤه في الأرض ، وقد مدّهم بعناياته الخاصّة ، فهم الملجأ بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لأخذ معالم الدين ، لأنّهم أعرف الناس بعد الرسول بمحكم القرآن ومتشابهه ، ومطلقه ومقيّده ، وناسخه ومنسوخه ، وهم الذين جعل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله التمسّك بهم وبالقرآن عصمة من الضلال ، فالشيعة تتّبعهم وتأخذ معالم الدين منهم.

ولكن أهل السنّة يعتقدون بأنّ مصدر أخذ معالم الشريعة هم الصحابة ، وهم لمّا رأوا التناحر والتمزّق والصراع بين مصادر أخذ معالم الدين اضطروا إلى مقولة عدالة الصحابة مع اعترافهم بعدم عصمتهم ، ومع اعترافهم بأنّ فيهم القاتل والمقتول ، ومع اعترافهم بأنّ فيهم من كفّر بعضهم بعضاً ، وأنّ فيهم من لعن بعضهم بعضاً ، ومع اعترافهم بورود آيات كثيرة تخاطب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وتحذّره من المنافقين ـ والمنافق غير الكافر ، إذ المنافق من يظهر الإسلام ويبطن الكفر ـ ، ومع اعترافهم بورود أحاديث كثيرة في الصحاح والسنن تقول : «ليأتينّ أقوام يوم القيامة فيذادون عن الحوض أعرفهم بأسمائهم فأقول : يا ربّ أصحابي أصحابي! فيأتي النداء : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك! فأقول : بعداً بعداً ، أو قال : سحقاً سحقاً لمن بدّل بعدي »!(١) .

وأمّا الشيعة فيقولون : نحن مع احترامنا للصحابة لكنّنا حين أخذ معالم الدين نجري عليهم قواعد الجرح والتعديل ، وننظر إلى سيرتهم ، فمن لم يغيّر ولم يبدّل ولم يحدث في الدين فهو مصدر ثقة ، نعتمد عليه في نقله لروايات الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن كان غير ذلك فلا.

____________

١ ـ مسند أحمد ٣ / ٢٨ و ٢٨١ و ٥ / ٤٨ و ٣٩٣ و ٤٠٠ ، صحيح البخاري ٤ / ١١٠ ، صحيح مسلم ٧ / ٦٨ ، المستدرك ٢ / ٤٤٧ ، المصنّف للصنعاني ١١ / ٤٠٧ ، مسند ابن راهويه ١ / ٣٧٩ ، صحيح ابن حبّان ١٦ / ٣٤٤ ، المعجم الكبير ٧ / ٢٠٧ ، مسند الشاميين ٣ / ٣١٠ ، الجامع الصغير ٢ / ٤٤٩ ، جامع البيان ٤ / ٥٥ ، الدرّ المنثور ٢ / ٣٤٩.

٩٥

فهذه الأبحاث من المباني التي لابدّ أن نتطرّق إليها ، وأمّا الأُمور الأُخرى فهي أُمور تترتّب على هذه الأبحاث ، ويمكننا أن نتداولها فيما لو حدّدنا مواقفنا من البحث الأساسي.

وكذلك مسألة الإمامة والخلافة ، وهل نصّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على أحد؟ وهل عيّن نظام الحكم أم أهمله؟ وإذا عيّن وقلنا بأنّه عيّنه شورى ، فهل كانت خلافة الخلفاء كلّهم بالشورى؟ أم نصّ بعضهم على بعض؟

وهل اطلعنا على استدلالات الشيعة؟ ومرادنا من الاطلاع قراءة ما كتبه الشيعة أنفسهم لا ما كتبه أعداؤهم.

وأمّا مسألة الاستشهاد بقول واحد من علماء فرقة معيّنة ، فهو لا يدلّ ولا يمثّل رأي كُلّ تلك الفرقة ، ولا ينكر أحد وجود أقوال شاذّة في كُلّ مذهب ، لا يمكن حملها على جميع المذهب.

وأمّا التشنيع على الشيعة بتصرّفات بعض أبنائها فهذا تهريج ، وهذه مقولة بعيدة عن البحث العلمي الموضوعي ، لأنّ بعض أهل السنّة يشرب الخمر ولا يتّقي الله تعالى ، ولا يصلّي ولا يصوم ، فهل يصحّ لنا أن نرمي جميع أهل السنّة أو غالبيتهم بهذه الصفات؟ أو أن نستنكر منهجهم الفكري بهذه الطريقة؟

وأمّا مسألة البدعة وأهل البدع ، فإذا أردنا أن يكون بحثنا موضوعياً مبتنياً على المباني فعلينا أن نعرف معنى البدعة ، فهي إدخال ما ليس من الدين في الدين ، وعليه فعلينا أن نعرف الدين لنعرف المسائل التي هي ليست من الدين ، ثمّ دخلت في الدين.

فإذا عرفنا الدين بالبحث والتتبع يمكننا بعد ذلك أن نعرف هل مقولة « الصلاة خير من النوم » في الأذان من الدين أو لا؟

أو أنّ نافلة صلاة شهر رمضان جماعة ـ المعروفة بصلاة التراويح ـ كانت من الدين أو لم تكن؟ وإنّما سنّها البعض قائلاً : « نعمت البدعة »!!

٩٦

أو أنّ مقولة قائلهم : « متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أُحرّمهما »!! من الدين أم ليست من الدين؟!

أو أنّ مقولة : « السنّة هي التختّم باليمين ولكن بما أنّها صارت شعاراً للرافضة فالسنّة تكون التختم باليسار » ، فهل هذا من الدين؟!

والمسألة الأُخرى هي : بالله عليكم إذا تحرّى شخص الحقّ وبحث بفكر حرّ بعيد عن كُلّ تعصّب وتقليد أعمى ، فتوصّل إلى أنّ الحقّ مع أهل البيتعليهم‌السلام ومذهبهم ، فهل يمكننا أن ننهى هذا الشخص ونقول له : لماذا بحثت؟ ونرميه بشتّى الألفاظ الركيكة.

ونسلّط الضوء على المقولة التي تقول : « وغرّتك كثرتهم» ، ونسيت أو تناسيت أنّ أهل الحقّ هم القلّة في كُلّ زمان ومكان!

بالله عليك ، أناشد فطرتك ، ألم تعلم أنّ أتباع مذهب أهل البيتعليهم‌السلام كانوا على مرّ العصور هم المضطهدون المقتولون المشرّدون ، فأين كثرتهم؟! أليسوا هم من أهل القلّة التي تصدق عليهم مقولة هذا القائل : ونسيت أو تناسيت أنّ أهل الحقّ هم القلّة.

يكفي لمن له أدنى معرفة بالتاريخ أن يراجع وليرى الفجائع التي ارتكبت ضدّ الشيعة ـ من إباحة دمائهم وأعراضهم وأموالهم ، وما لقوه من قتل وظلم ـ.

وأقسم بالله ، لو أنّ أيّ فرقة من الفرق الإسلامية الأُخرى لاقت عشر معشار ما لاقاه شيعة أهل البيت لما بقي لهم الآن إلاّ الاسم ، ولانمحوا عن التاريخ أساساً.

ولكن السؤال هنا : إنّ الشيعة على رغم ما لاقوه من ظلم وتعدّي ومصاعب هل انمحوا من التاريخ؟ أم بقوا وصمدوا وواجهوا من واجههم بالدليل والبرهان والبحث العلمي حتّى نصرهم الله ، وهم يوماً بعد يوم في انتشار واسع في العالم ، ودليل انتشارهم هو دليلهم القاطع والقوي المتّفق مع العقل والفطرة ، الذي جعل الأنظار تتوجّه إليهم وإلى كتبهم وأدلّتهم ومبانيهم الفكرية ، كما يمكننا أن نعتبر التراث الإسلامي الذي جاء به الشيعة هو الأنقى والأفضل ، لأنّه

٩٧

لم يتأثّر بضغوط السلطات الجائرة ولم يخضع لهم ، ولم يسمح لتراثه الإسلامي أن يصاغ بصورة تتلاءم مع أهواء حكّام الجور من بني أُمية وبني العباس وغيرهم.

فكان الشيعة هي الثلّة الوحيدة التي صمدت بوجه الذين أرادوا أن يغيّروا معالم الدين وفق مصالحهم ومبتغياتهم الشخصية ، فالذي يستخدم العقل ويتمسّك بالدليل والبرهان ويبحث وينقّب ويصل إلى الحقّ لا يتأثّر بمقولات من يقول : هل نصبت نفسك مجتهداً لتطلق أحكاماً تتعلّق بعقائد الأُمّة

أو من يقول : هل هي من اختصاص حثالة من الأولاد يعبثون بشرع الله

هذه المقولات الجارحة ـ غفر الله لمن قالها ـ لا تؤثّر على الشباب الواعي الذي يتحرّى الحقيقة ليجدها ويقبلها برحابة صدر.

وأمّا الإحصائيات الدقيقة عن نسبة الشيعة من بين المسلمين جميعاً ، فالقدر المتيقّن أنّ الشيعة الإمامية يمثّلون ٢٥ % من المسلمين بجميع طوائفهم.

وأمّا فيما يخصّ معاوية فإنّ هذا البحث إذا أردنا أن نبحثه وفق الأُسس والأُصول فإنّه يعود إلى مبنى عدالة جميع الصحابة الذي مرّ ذكره.

فإذا كان معاوية من الصحابة ، فإنّه لاشكّ سيكون من الذين بلغته أقوال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حقّ عليعليه‌السلام أمثال : « الحقّ مع علي وعلي مع الحقّ» ، وحديث سدّ الأبواب ، وحديث مدينة العلم ، وحديث الطير المشوي ، وحديث الغدير ، وآية التطهير ، وآية الولاية ، وآية المباهلة ، وغير ذلك.

وهنا نورد حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حقّ عليعليه‌السلام : « سيكون من بعدي فتنة ، فإذا كان ذلك فألزموا علي بن أبي طالب ، فإنّه أوّل من آمن بي ، وأوّل من يصافحني يوم القيامة ، وهو الصدّيق الأكبر ، وهو فاروق هذه الأُمّة ، وهو يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب المنافقين »(١) .

____________

١ ـ الإصابة ٧ / ٢٩٤ ، المناقب : ١٠٥ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٤٥٠ ، أُسد الغابة ٥ / ٢٨٧.

٩٨

وكذلك ما رواه الحاكم النيسابوري في « المستدرك » وصحّحه ، حيث قال سعد بن أبي وقّاص لمن شتم علياً : يا هذا ، على ما تشتم علي بن أبي طالب ، ألم يكن أوّل من أسلم؟ ألم يكن أوّل من صلّى مع رسول الله؟ ألم يكن أزهد الناس؟ ألم يكن أعلم الناس؟ وذكر حتّى قال : ألم يكن ختن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على ابنته؟ ألم يكن صاحب راية رسول الله في غزواته؟ ثمّ استقبل القبلة ورفع يديه وقال : اللهم إن هذا يشتم ولياً من أوليائك ، فلا تفرّق هذا الجمع حتّى تريهم قدرتك ، قال قيس : فو الله ما تفرّقنا حتّى ساخت به دابته ، فرمته على هامّته في تلك الأحجار فانفلق دماغه ومات(١) .

فنحن الآن في عصرٍ لا يعذر فيه الجاهل ، لأنّ التقدّم الحادث في عصرنا في مجال الاتصالات مهّد السبيل للوصول إلى الحقائق ، وجعل العالم بأسرة كأنّه قرية صغيرة.

فيا ترى هل يعقل أن يأتي أقوام فيقولون : القاتل والمقتول في الجنّة!! القاتل اجتهد في قتل وقتال عليعليه‌السلام فأخطأ! فبالله عليك كيف وسعه أن يجتهد في مقابل النصوص التي سمعها بنفسه من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فهل هذا اجتهاد؟ أم هو اتباع للأهواء والمصالح والمبتغيات؟!

وفي النهاية أختم رسالتي بالإشارة إلى مسألة الوحدة والتقريب بين المذاهب الإسلامية فأقول : إنّ مفهوم الوحدة هو أن يتقارب المسلمون بشتّى المذاهب فيما اتفقوا عليه ، وهذا المتّفق عليه يكون سبباً لتقاربهم ووحدة صفهم.

وأمّا في المسائل الخلافية الموجودة حتّى بين المذاهب الأربعة السنّية فنقول : على المسلمين أن يجلسوا على طاولة الحوار الهادف الهادئ بعد تزكية أنفسهم وقصد التقرّب إلى الله تعالى فقط ، لأنّ الإنسان إذا لم يتمكّن من مجاهدة هواه ، فإنّه لا يتمكّن أن يطمئن إلى النتائج الفكرية التي يتوصّل إليها ، فمن

____________

١ ـ المستدرك ٣ / ٥٠٠.

٩٩

لم يتغلّب على هواه ، لا يستطيع أن يتنازل عن عقائده الموروثة ، ولا يستطيع أن يتخلّى عن التعصّب ، فتكون النتيجة أنّه يلتجئ إلى التبرير والتمويه والمغالطة اتباعاً لهواه.

فالحوار والتفاهم هو الرابط الوحيد بين من يختلفون في الفكر والعقيدة ، فإن توصّلوا بالدليل إلى النتيجة فهو المطلوب ، وإن لم يتوصّلوا فتبقى الوجوه المشتركة التي أقلّها هي الإنسانية هي السبب في أخوتهم وعلاقتهم ، وهذا هو الذي رسمه لنا الله تعالى ، ونبيّه العظيم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ونوجّه نداءنا إلى جميع الإخوان من جميع المذاهب الإسلامية : أن يتّحدوا ويتقاربوا ويتحاببوا في الله ، وأن تكون أبحاثهم علمية موضوعية متجرّدة عن أيّ تعصّب أو تقليد أعمى للموروث.

( ـ السعودية ـ )

توضيح المذهب الشيعي :

س : نشكركم إخواني على تعاونكم مع العالم ، وجزاكم الله خيراً.

أمّا بعد : في إحدى محادثاتي مع الأخوات على الماسنجر اتصلت بي بنت من أهل السنّة ، ودامت المحادثات بيننا لأيّام على أشياء عديدة ، وعندما وصلنا إلى المذاهب أرادت أن تعرف نبذة عن الشيعة ، لاحتمال دخولها في المذهب الشيعي ، بعدما تعرف من هم؟

وأنا الآن أُريد منكم مساعدتي في توضيح المذهب الشيعي لها ، وما هي الأساسيات الواجب أن تعلمها لدينا؟ مع الشكر الجزيل.

ج : أهمّ شيء في البحث الموضوعي أن نعرف أنّ لكُلّ إنسان موروثاً ، وهذا الموروث شيء محترم يعتزّ به كُلّ منّا ، لكنّ المشكلة تكمن فيما إذا تعصّبنا لهذا الموروث ، نحن لا نريد ممّن خالفنا أن يترك الموروث ويرفضه ، بل نريد منه أن لا يتعصّب له ، بل ينظر له نظرة ناقد وباحث عن الحقيقة ، فما وافق من هذا الموروث الحقّ اتبعناه ، وما خالف للحقّ والأدلّة العقلية رفضناه.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

... وقال مؤرخ الأندلس أبو مروان ابن حيان: كان ابن حزم حامل فنون من حديثٍ وفقهٍ ونسبٍ وأدب، مع المشاركة في أنواع التعاليم القديمة، وكان لا يخلو في فنونه من غلط لجرأته على التسوّر على كل فن، ومال أولاً إلى قول الشافعي وناضل عنه حتى نسب إلى الشذوذ، واستهدف لكثير من فقهاء عصره ثم عدل إلى الظاهر فجادل عنه ولم يكن يلطف في صدعه بما عنده بتعريض ولا تدريج، بل يصك به معارضه صك الجندل وينشقه في أنفه انشاق الخردل، فتمالأ عليه فقهاء عصره وأجمعوا على تضليله وشنّعوا عليه وحذّروا أكابرهم من فتنته ونهوا عوامهم عن الاقتراب منه. فطفقوا يغضّونه وهو مصرّ على طريقته حتى كمل له من تصانيفه وقر بعير لم يتجاوز أكثرها عتبة بابه لزهد العلماء فيها، حتى أحرق بعضها باشبيلية ومزّقت علانية، ولم يكن مع ذلك سالماً من اضطراب رايه، وكان لا يظهر عليه أثر علمه حتى يسئل فينفجر منه علم لا تكدّره الدّلاء.

وكان مما يزيد في بغض الناس تعصبه لبني أمية ماضيهم وباقيهم، واعتقاده بصحة إمامتهم حتى نسب إلى النصب

وقال القاضي أبو بكر ابن العربي: ابتدأ ابن حزم أولاً فتعلّق بمذهب الشافعي، ثم انتسب إلى داود، ثم خلع الكلّ واستقل وزعم أنه إمام الأئمّة يضع ويرفع ويحكم ويشرّع، واتفق كونه بين أقوام لا بصر لهم إلّا بالمسائل فيطالبهم بالدليل ويتضاحك لهم، وذكر بقية الحطّ عليه في كتاب العواصم والقواصم.

ومما يعاب به ابن حزم وقوعه في الأئمّة الكبار بأفحش عبارة وأشنع ردّ وقد وقعت بينه وبين أبي الوليد الباجي مناظرات ومنافرات.

وقال أبو العباس ابن العريف الصالح الزاهد: لسان ابن حزم وسيف الحجاج شقيقان » ثم ذكر ابن حجر نبذة من أغلاط ابن حزم في وصف الرواة(١) .

___________________

(١). لسان الميزان ٤ / ٢٠١.

٤٠١

وذكر الذهبي كلام أبي مروان ابن حيان المذكور بترجمة ابن حزم وقد جاء في آخره: « وكان مما يزيد في شنآنه، تشيّعه لأمراء بني أمية ماضيهم وباقيهم واعتقاده بصحة إمامتهم، حتى نسب إلى النصب ».

قال الذهبي: « قلت: ومن تواليفه كتاب تبديل اليهود والنصارى للتوراة والانجيل. وقد أخذ المنطق - أبعده الله من علم - عن محمد بن الحسن المذحجي الزبيدي، وأمعن فيه فزلزله في أشياء»(١) .

أقول:

ومما يشهد بنصب ابن حزم العداوة لأمير المؤمنين -عليه‌السلام - دعواه أن ابن ملجم - لعنه الله - مجتهد في قتله لعلي -عليه‌السلام -، فألجمه الله بلجامٍ من نار وجزاه شر جزاء الأشرار قال ذلك في كتابه ( المحلى ) حيث قال:

« مسألة - مقتول كان في أوليائه غائب أو صغير أو مجنون، اختلف الناس في هذا فنظرنا قول أبي حنيفة، فوجدناه ظاهر التناقض، إذ فرّق بين الغائب والصغير، ووجدنا حجّتهم في هذا أنّ الغائب لا يولّى عليه. قالوا: وكما كان أحد الأولياء يزوّج آخر إذا كان صغيرا من الأولياء فكذلك يقتل، وقالوا: قد قتل الحسن ابن عليّ - رضي الله عنهما - عبد الرحمن بن ملجم ولعليّ بنون صغار وهم بحضرة الصحابة - رضي الله عنهم - من دون خالف يعرف له منهم

وكان من اعتراف الشافعيين أن قالوا: إنّ الحسن بن عليّ - رضي الله عنهما - كان إماماً فنظر في ذلك بحقّ الامامة وقتله بالمحاربة لا قوداً.

وهذا ليس بشيء، لأنّ عبد الرحمن بن ملجم لم يحارب ولا أخاف السّبيل، وليس للامام عند الشافعيين ولا للوصيّ أن يأخذ القود بصغير حتى يبلغ، فبطل شغبهم. وهذه القصة عائدة على الحنفيين بمثل ما شنّعوا على الشّافعيين سواء

___________________

(١). سير أعلام النبلاء ١٨ / ١٨٤.

٤٠٢

بسواء، لأنّهم والمالكيين لا يختلفون في أنّ من قتل آخر على تأويل فلا قود في ذلك.

ولا خلاف بين أحد من الأمّه في أنّ عبد الرحمن بن ملجم لم يقتل علياً -رضي‌الله‌عنه - إلّا متأوّلاً مجتهداً مقدّراً على أنّه صواب، وفي هذا يقول عمران بن حطّان شاعر الصّفرية:

يا ضربة من تقيّ ما أراد بها

إلّا ليبلغ من ذي العرش رضوانا

إنّي لأذكره حبّأ فأحسبه

أوفى البريّة عند الله ميزانا

فقد حصل الحنفيّون في خلاف الحسن بن عليّ على مثل ما شغبوا به على الشافعيّين، وما ينفكّون أبداً من رجوع سهامهم عليهم ومن الوقوع فيما حفروه، فظهر تناقض الحنفيّين والمالكيّين في الفرق بين الغائب والصغير »(١) .

وقد ذكر العلّامة محمد بن اسماعيل بن صلاح الأمير دعوى ابن حزم هذه، حيث قال: « قال النواصب:

قد أخطأ معاوية في الاجتهاد

وأخطأ فيه صاحبه

والعفو في ذاك مرجوّ لفاعله

وفي أعالي جنان الخلد راكبه

قال:

كذبتم فلِمْ قال النبي لنا

في النار قاتل عمّار وسالبه؟

وما دعوى الاجتهاد لمعاوية في قتاله، إلّا كدعوى ابن حزم أنّ ابن ملجم أشقى الآخرين مجتهد في قتله لعلي -عليه‌السلام - كما حكاه عنه الحافظ ابن حجر في تلخيصه.

وإذا كان من ارتكب هواه ولفّق باطلاً يروّج به ما يراه اجتهاداً لم يبق في

___________________

(١). المحلى ١٠ / ٥٨٤ - ٥٨٦.

٤٠٣

الدنيا مبطل، إذ لا يأتي أحد منكراً إلّا وقد أهبّ له عذراً، وهؤلاء عبدة الأوثان قالوا: ما نعبدهم إلّا ليقرّبونا إلى الله زلفى »(١) .

أقول:

فظهر أنّ القدح في حديث الغدير الصحيح المتواتر، ليس إلّا من التعصب المقيت والنصب الشديد والجحد للفضائل العلويّة والسعي وراء إخفائها وإطفاء نورها ودعوى أنّ ذلك منهم من باب النقد والتحقيق لا التعصّب والبغض واضحة البطلان. فإنّ مثل من ينكر فضائل عليّ الصحيحة كمثل من ينكر فضائل النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - الصحيحة ومعاجزه الثابتة، ويعين اليهود والنصارى على إنكارها ويستند إلى خرافاتهم وهفواتهم في ردّها فهل يقال: هذا محقق ناقد، أو يقال: إنه كافر ملحد؟

وكيف لا يكون الرازي وأمثاله نواصب والحال أنهم يقدحون في حديث الغدير الثابت الصحيح، ويشاركون النواصب ويساعدونهم في إبطاله وينقلون كلماتهم في كتبهم مستدلّين بها ومستندين إليها؟

والواقع أنّ هؤلاء كلّهم نواصب معادون لأمير المؤمنين -عليه‌السلام - وإنْ تستّروا بستار التسنّن

وكيف لا يكونون كذلك، والحال أنّ بعضهم يقدح في فضائل علىّ كلّها - على كثرتها حتى قال أحمد بن حنبل كما في ( الصواعق ) وغيره: إنه لم يرد في أحد من الصحابة من الفضائل بالأسانيد الحسان ما ورد في حقّه - وهم يثبتون لغيره من الفضائل ما أدرجه أئمّتهم في الموضوعات ونصّوا على بطلانها؟

وهذا ابن تيميّة، ينقل كلاماً لابن حزم ويقرّره في أنه لم يصحّ من فضائل علي إلّا ثلاثة أحاديث، وهذا نصّ كلامه:

___________________

(١). الروضة الندية - شرح التحفة العلوية: ١١٨.

٤٠٤

« قال أبو محمد ابن حزم: الذي صحّ في فضائل عليّ فهو قول رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي. و قوله: لأعطينّ الرّاية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله. وهذه صفة واجبة لكلّ مسلم مؤمن وفاضل. و عهده -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -: إنّ عليّاً لا يحبّه إلّا مؤمن ولا يبغضه إلّا منافق. وقد صحّ مثل هذا في الأنصار - رضي الله عنهم - أنّه لا يبغضهم من يؤمن بالله واليوم الآخر.

وأمّا من كنت مولاه لعليّ مولاه، فلا يصحّ من طريق الثقات أصلاً.

وأمّا سائر الأحاديث التي تتعلّق بها الروافض، فموضوعة يعرف ذلك من له أدنى علم بالأخبار ونقلتها.

فان قيل: فلم لم يذكر ابن حزم ما في الصحيحين من قوله: إنّك منّي وأنا منك. وحديث المباهلة والكساء؟

قيل: مقصود ابن حزم الذي في الصحيحين من الحديث الذي لا يذكر فيه إلّا علي، وأما تلك ففيها ذكر غيره »(١) .

فهذا كلامه لكنّهم يناقشون في دلالة حديث المنزلة، بل زعم يوسف الأعور دلالته على الذمّ دون المدح والفضل، والعياذ بالله.

وأما حديث خيبر، فقد رأيت ما يدعّيه ابن حزم حوله في الكلام المذكور.

وأما الحديث الثالث، فقد زعم عدم اختصاص تلك المنزلة بالامام -عليه‌السلام - وأنه قد صحّ مثله في الانصار.

فأي عناد أبلغ من هذا يا منصفون؟!

التشنيع على رد الأحاديث

هذا، وغير خفي على من له أدنى علم بالأحاديث والآثار وكلمات العلماء

___________________

(١). منهاج السنة ٤ / ٨٦.

٤٠٥

الأعلام، شناعة ردّ الأحاديث النبوية وفضاعة إنكارها وجحدهاقال نور الدين السّمهودي: « أخرج البيهقي عن عطاء بن يسار أنّ معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهما - باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها، فقال له أبو الدرداء - رضي‌الله‌عنه -: سمعت رسول الله - صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - نهى عن مثل هذا إلّا مثلاً بمثل. فقال معاوية: ما أرى بأساً، فقال أبو الدرداء: من يعذرني من معاوية؟ أخبره عن رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - ويخبرني عن رأيه، لا أساكنك بأرض أنت بها.

قال البيهقي: قال الشافعي: فرأى أبو الدرداء الحجة تقوم بخبره، ولمـّا لم ير معاوية ذلك، فارق أبو الدرداء الأرض التي هو بها إعظاماً، لأنّه ترك خبراً عن رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -.

قال الشافعي: وأخبرنا أنّ أبا سعيد الخدري لقي رجلاً فأخبره عن رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - شيئاً فخالفه. فقال أبو سعيد: والله لا آواني وإياك سقف بيت أبداً »(١) .

أقول: فاذا كان ردّ خبر واحد بهذه المثابة من الشناعة، فإنّ شناعة إنكار الحديث المتواتر أكثر وأشدّ كما هو واضح.

وقال الذهبي: « قال أحمد بن محمد بن اسماعيل الآدمي: ثنا الفضل بن زياد، سمعت أحمد بن حنبل يقول: من ردّ حديث رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فهو على شفا هلكة »(٢) .

أقول: فظهر بحمد الله أن المنكرين لحديث الغدير الذي أخرجه جمع من المشاهير - ومنهم هذا الامام النحرير - من الهلاك على شفير.

وقال السيوطي: « قال أبو معاوية الضرير: ما ذكرت النبي - صلّى الله عليه

___________________

(١). جواهر العقدين - مخطوط.

(٢). سير أعلام النبلاء ١١ / ٢٩٧.

٤٠٦

وسلّم بين يدي الرشيد إلّا قال: صلّى الله على سيّدي.

وحدّثته بحديثه -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -: وددت أني أقاتل في سبيل الله، فأقتل ثم أحيي فأقتل: فبكى حتى انتحب.

وحدّثته يوماً حديث: إحتج آدم وموسى. وعنده رجل من وجوه قريش فقال القرشي: فأين لقيه؟ فغضب الرشيد وقال: النطع والسيف، زنديق يطعن في حديث النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -!! قال أبو معاوية: فما زلت أسكنّه وأقول يا أمير المؤمنين كانت منه بادرة، حتى سكن »(١) .

أقول: وإذا كان قول الرجل في حديث إحتجاج آدم وموسى « فأين لقيه » دليل الكفر واستحقاق القتل والعقاب، فإنّ إنكار الرازي واهتمامه في إبطال حديث الغدير يستوجب ذلك بالأولوية القطعية.

وقال الذهبي: « وقال الفضل بن زياد عن أحمد بن حنبل، قال: بلغ ابن أبي ذئب أنّ مالكاً لا يأخذ بحديث البيّعان بالخيار، فقال: يستتاب فإنْ تاب وإلّا ضربت عنقه. قال أحمد: ومالك لم يرد الحديث لكن تأوّله »(٢) .

أقول: وظاهر كلام أحمد في هذا المقام، إستحقاق مالك القتل إنْ كان قد ردّه ردّ إنكار ولم يتب، وإذا كان هذا حكم ردّ حديث من أحاديث النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - حتى ولو كان الراد - مالك بن أنس على جلالته وعظمته، فإنّ منكر حديث الغدير، وهو أجلّ من حديث البيّعان بالخيار من جميع الجهات، يستحقّ الحكم المذكور - إن لم يتب - بالأولوية القطعية.

وقال ابن قيّم الجوزيّة - بعد حديث طويل رواه عن عبد الله بن أحمد بن حنبل في ذكر قدوم وفد بني المنتفق -: « هذا حديث كبير جليل ينادي جلالته وفخامته وعظمته على أنه قد خرج من مشكاة النبوة لا يعرف إلّا من حديث

___________________

(١). تاريخ الخلفاء ١ / ١١١.

(٢). تذهيب التهذيب - مخطوط.

٤٠٧

عبد الرحمن بن المغيرة بن عبد الرحمن المدني، رواه عنه إبراهيم بن ضمرة الزبيري، وهما من كبار أهل المدينة ثقتان محتج بهما في الصحيح، إحتجّ بهما إمام الحديث محمد بن إسماعيل البخاري

وقال ابن مندة: روى هذا الحديث محمد بن إسحاق الصغاني وعبد الله بن أحمد بن حنبل وغيرهما، وقد رواه بالعراق بمجمع من العلماء وأهل الدين جماعة من الأئمة، منهم أبو زرعة الرازي، وأبو حاتم، وأبو عبد الله محمد بن إسماعيل، ولم ينكره أحد ولم يتكلّم في إسناده، بل رووه على سبيل القبول والتسليم، ولا ينكر هذا الحديث إلّا جاحد جاهل أو مخالف للكتاب والسنة. هذا كلام أبي عبد الله ابن مندة -رحمه‌الله - »(١) .

أقول: فإذا كان هذا حال منكر هذا الحديث - مع أنه لا يعرف إلا من حديث عبد الرحمن بن المغيرة، كما نص عليه ابن القيّم - فلا ريب في ثبوته لمن أنكر حديث الغدير المتواتر بالأولوية القطعية.

وقال أبو طالب محمد بن علي المكي * المترجم له في مرآه الجنان حوادث * سنة ٣٨٦ وغيره * في كتابه ( قوت القلوب ): « وفي رد أخبار الصفات بطلان شرائع الاسلام من قبل أن الناقلين إلينا ذلك هم ناقلوا شرائع الدين وأحكام الايمان، فانْ كانوا عدولاً فيما نقلوه من الشريعة، فالعدل مقبول القول في كل ما يقوله، وإنْ كانوا كذبوا فيما نقلوا من أخبار الصفات فالكذاب مردود القول في كلّ ما جاء، والكذب على الله تعالى كفر، فكيف تقبل شهادة كافر! وإذا جاز أن يجترئوا على الله سبحانه بأن يزيدوا في صفاته ما لم يسمعوه عن رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فهم أن يكذبوا على الرسول فيما نقلوا من الأحكام أولى. ففي ذلك إبطال الشرع وتكفير النقلة من الصحابة والتابعين بإحسان، فلذلك كفّر أهل الحديث من نفى أخبار الصفات ».

___________________

(١). زاد المعاد في هدي خير العباد ٣ / ٥٦.

٤٠٨

أقول: وبهذا الأسلوب من الاستدلال نستدل في المقام، لأن حديث الغدير ليس أدنى مرتبةً من أخبار الصفات

وقال أبو سعد السمعاني: « البترية بفتح الباء الموحدة وسكون التاء ثالث الحروف وفي آخرها الراء.

هذه النسبة لجماعة من الشيعة من الفرقة الزيدية، وهي إحدى الفرق الثلاث من الزيدية وهي الجارودية والسليمانية والبترية. وأما البترية فهم أصحاب كثير النوّا والحسن بن صالح بن حي، وقولهم كقول سليمان، غير أنهم توقفوا في عثمان -رضي‌الله‌عنه - وأمره وحاله. وأظللنا هذه الطائفة لأنهم شكّوا في إيمان عثمان -رضي‌الله‌عنه - وأجازوا كونه كافراً من أهل النار، ومن شك في إيمان من أخبر النبي -عليه‌السلام - أنه من أهل الجنّة فقد شك في صحة خبره. والشاك في خبره كافر.

وهذه الفرق الثلاثة من الزيدية يكفّر بعضهم بعضاً، لأنّ الجارودية أكفرت أبا بكر وعمر، والسليمانية والبترية أكفرت من أكفرهما »(١) .

أقول: وإذا كان « الشاك » في خبر النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - « كافراً »، فان « منكره » - ولا سيما مثل حديث الغدير - « كافر » بالأولوية القطعية.

ومن العجيب أن يحكم بكفر الشاك في إيمان عثمان مع احتمال أن لا يكون حديث إخبار النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أنه من أهل الجنّة صحيحاً عنده وعند أتباعه فضلاً عن أن يكون متواتراً - ولا يحكم بكفر من ينكر حديث الغدير الذي رواه أهل مذهبه - خلفاً عن سلف في جميع الطبقات وصرح أئمّة علمائهم بتواتره؟ بل ولا ينسب إلى التعصب ولا يوصف بالتعسف؟

وقال ملك العلماء شهاب الدين الدولت آبادي: « وفي المضمرات في كتاب الشهادات: ومن أنكر الخبر الواحد والقياس وقال: إنه ليس بحجة، فإنه يصير

___________________

(١). الأنساب - البترية.

٤٠٩

كافراً. ولو قال: هذا الخبر غير صحيح وهذا القياس غير ثابت، لا يصير كافراً ولكن يصير فاسقاً»(١) .

أقول: فمن أنكر الخبر المتواتر يصير كافراً بالأولوية القطعية.

وقال المولوي عبد الحليم في ( نظم الدرر في سلك شق القمر ): « اعلم أنه تقدم أن حديث شق القمر خبر مشهور او متواتر، فعلى الأول منكره يضلّل وعلى الثاني يكفّر فإنّ الأخبار المروية عنه -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - على ثلاث مراتب كما بينته في شرح النخبة، ونخبته هاهنا، أنه إما متواتر وهو ما رواه جماعة عن جماعة لا يتصور تواطؤهم على الكذب، فمن أنكره كفّر.

أو مشهور، وهو ما رواه واحد ثم جمع عن جمع لا يتصور توافقهم على الكذب، فمن أنكره كفّر عند الكل إلّا عيسى بن أبان، فإنّ عنده يضلّل ولا يكفّر وهو الصحيح.

أو خبر الواحد وهو أن يرويه واحد عن واحد، فلا يكفّر جاحده غير أنّه يأثم بترك القبول، إذا كان صحيحاً أو حسناً.

وفي الخلاصة: من ردّ حديثاً قال بعض مشايخنا يكفّر، وقال المتأخّرون: إن كان متواتراً كفّر. أقول: هذا هو الصحيح إلا إذا كان رد حديث الآحاد من الأخبار على وجه الاستخفاف والانكار ».

أقول: وبناء عليه أيضاً يكفّر منكر حديث الغدير، لما تقدّم من ثبوت تواتره حسب كلمات فحول العلماء الأعيان.

ولو تنزّلنا عن ذلك، فلا ريب في شهرته، فمنكره يضلّل.

وقال علي بن سلطان القاري، في رسالته في الردّ على إمام الحرمين الجويني: « ومنها قوله: إنّ من توضّأ بنبيذ التمر، فقد جعل نفسه شهرة للعالمين وأنكالاً للخلق أجمعين، ونسب مثل هذا القول إلى القفّال، زعماً منه أنّه من العاقلين

___________________

(١). هداية السعداء - مخطوط.

٤١٠

الكاملين، مع أنّ هذا موجب لكفر الطاعنين والقائلين، فإنّ الإِمام أبا حنيفة -رضي‌الله‌عنه - لم يذهب إلى هذه القول برأيه، بل بما ثبت عنده من الأحاديث المرويّة عن سيد المرسلين بواسطة أجلّاء أصحابه - رضي الله عنهم أجمعين - وليس منفرداً به أيضاً بين المجتهدين، إذ ذهب إليه سفيان الثوري وعكرمة أيضاً من التابعين ».

أقول: فاذا كان طعن الطاعنين على القول بجواز التوضّي بنبيذ التمر موجباً لكفرهم، لثبوت هذا الحكم بالأحاديث المرويّة عن رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - حسب زعمه، فكيف لا يكفّر الطاعن في حديث الغدير يا منصفون؟

وإذا كان قد وافق سفيان وعكرمة أبا حنيفة في هذه الفتوى، فإنّ حديث الغدير متواتر عن رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - مشهور لدى جميع المحدّثين، ورواه كلهم خلفاً عن سلف في جميع الطبقات، واعتنوا به وجمعوا طرقه وألفاظه في كتبهم المختلفة وأسفارهم المعتبرة

وقال الشاه ولي الله الدهلوي في ( التفهيمات الالهية ): « تفهيم - من كان مقلداً لواحد من الأئمّة وبلغه عن رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - ما يخالف قوله في مسألة وغلب على ظنّه أنّ ذلك نقل صحيح فليس له عذر في أن يترك حديثه -عليه‌السلام - إلى قول غيره، وما ذلك شأن المسلمين ويخشى عليه النفاق إنْ فعل ذلك ».

أقول: فإذا لم يكن من شأن المسلمين ترك حديث غلب على ظنّه أنّ ذلك نقل صحيح، وأنّه يخشى على فاعله النفاق، فإنّ ردّ مثل حديث الغدير الصحيح المتواتر، يوجب الخروج من عداد المسلمين والدخول في زمرة المنافقين قطعاً

و قال الفضل بن روزبهان - في الجواب عن قول العلامة الحلّي -رحمه‌الله - روى الجمهور أنّه -عليه‌السلام - لمـّا برز إلى عمرو بن عبد ود العامري في غزاة الخندق، وقد عجز عنه المسلمون، قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - برز الايمان كلّه إلى الكفر كلّه - قال الفضل:

٤١١

« أقول: إنه صح هذا أيضاً في الخبر، وهذا أيضاً من مناقبه وفضائله التي لا ينكرها إلّا سقيم الرأي ضعيف الإِيمان، ولكن الكلام في إثبات النص وهذا لا يثبته ».

أقول: فمنكر حديث الغدير سقيم الرأي ضعيف الايمان بالأولوية القطعية

لم يتكلم في صحة حديث الغدير إلّا متعصّب جاحد

هذا كله بالاضافة إلى أن جماعة من كبار علماء أهل السنة نصّوا بالنسبة إلى خصوص حديث الغدير على أنه لم يتكلم في صحته إلّا متعصب جاحد لا اعتبار بقوله فقد قال الميرزا محمد بن معتمد خان البدخشي: « هذا حديث صحيح مشهور، ولم يتكلّم في صحته إلّا متعصب جاحد لا اعتبار بقوله، فإنّ الحديث كثير الطرق جدّاً، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، وقد نصّ الذهبي على كثير من طرقه بالصحة، ورواه من الصحابة عدد »(١) .

أقول: فتبين أن البخاري وأبا حاتم الرازي وابن أبي داود وابراهيم الحربي وابن حزم والفخر الرازي وأمثالهم، متعصبون جاحدون لا اعتبار بقولهم ولله الحمد على ذلك.

وقال شمس الدين ابن الجزري بعد أن صرح بتواتر حديث الغدير:

« ولا عبرة بمن حاول تضعيفه ممن لا اطلاع له في هذا العلم »(٢) .

وقال ( الدهلوي ) في الجواب عن حديث الغدير: « قالت النواصب - خذلهم الله -: هذا الخبر على تقدير صحته، منسوخ بما صحّ عندكم في الصحاح أن رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - قال: إنّ آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء إنما

___________________

(١). نزل الأبرار: ٢١.

(٢). أسنى المطالب في مناقب علي بن أبي طالب: ٣.

٤١٢

وليّ الله وصالح المؤمنين. وأجاب أهل السنة: إن اسم أبي طالب ليس في صحاحنا وإنما لفظالحديث: إن آل أبي فلان فلعله أراد أبا لهب وهو مذهب أكثر أهل السنة، حيث خصصوا الخمس بما عدا أولاده، وإنْ ذكره، بعض النواصب في روايته فلا يكون حجة علينا. قالوا: قد صح عن عمرو بن العاص أنه ذكر أبا طالب. قلنا لم يصح عندنا وإنما صح عندكم، ولو فرض صحته فالمراد من آله من لم يكن حينئذٍ مؤمناً كأبي طالب وبنيه، لا سيدنا ومولانا علي وأخواه جعفر وعقيل حتى يصح دعوى نسخقوله: من كنت مولاه فعلي مولاه.

وأيضاً: دعوى النسخ إنما يمكن أذا علم التاريخ. وأجاب بعض أهل السنة بأن الخبرين من باب الاخبار، والاخبار لا يحتمل النسخ. وردّه النواصب: إن الخبر متى تضمّن حكماً كقوله:( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ) ونحوه، صح نسخه. وقوله: من كنت مولاه فعلي مولاه، على تقدير صحّته من هذا القبيل، فإنّه يتضمّن إيجاب محبته »(١) .

أقول: فظهر أن ردّ هذا الحديث من صنيع النواصب، لكن الرازي ومن تبعه أسوء حالاً من النواصب، لأنّهم اعتقدوا بطلان حديث الغدير وحاولوا ردّه بكلّ جهدهم، أما النواصب فإنهم ناقشوا فيه وأجابوا عنه « على تقدير صحته » فإنّهم غير جازمين ببطلانه

محمد محسن الكشميري

وجاء محمد محسن الكشميري، ففاق من سبقه في الوقاحة وسبقهم في التعصب والعناد، فقال في الجواب عن حديث الغدير:

« وأما عن الحديث فبوجوه: أما أولاً فبأن المهرة كأبي داود وأبي حاتم الرازي قد ضعّفوا هذا الحديث، وما أخرجه إلّا أحمد بن حنبل في مسنده، وهو مشتمل على الصحيح والضعيف وليس من الصحاح، كما صرح به مهرة فن الحديث، فهو

___________________

(١). حاشية التحفة.

٤١٣

خبر واحد ضعيف، فلا يصح للحجية في الأصول سيما في أصل الدين، ولم يخرج غيره من الثقات إلّا الجزء الأخير من قوله: اللهم وال من والاه »(١) .

وجوه الجواب عن كلام الكشميري

وهذا الكلام يشتمل على هفوات وأكاذيب، فالجواب عنه بوجوه:

١ ) نسبة التضعيف إلى أبي داود كذب.

لقد علمت فيما سبق مراراً أن نسبة تضعيف حديث الغدير إلى أبي داود كذب محض وبهتان بحت.

نعم ضعّفه ابنه - الكذاب - لكن الكشميري نسب ذلك إلى الأب بدلا عن الابن، تقليدا لبعض أسلافه المغفلين المتعصبين

٢ ) بطلان التمسك بتضعيف أبي حاتم.

وعلمت فيما سبق بطلان مزاعم أبي حاتم وأمثاله حول حديث الغدير وسخافة الخرافات التي تمسكوا بها لتضعيفه

وهل المهارة في الحديث تختص بهذين الرجلين؟ وهل تختص بمن يقدح في فضائل أمير المؤمنين -عليه‌السلام

ولكن لا عجب من صدور هذه الترهات من هذا الرجل بعد صدورها من الرازي والتفتازاني وغيرهما

٣ ) قوله: ما أخرجه إلّا أحمد.

وقوله: ما أخرجه إلّا أحمد بن حنبل في مسنده، كذب صريح وتعصب فضيح، يكشف عن شدة عداء الرجل، وكثرة جهله وجحده، حتى أن اسلافه المتعصبين الجاحدين أبوا عن التفوه بهذه الدعوى الكاذبة.

٤ ) قوله: وهو مشتمل على الصحيح والضعيف.

___________________

(١). نجاة المؤمنين - مخطوط.

٤١٤

وقد وصف الكشميري كتاب المسند لأحمد بن حنبل بأنه مشتمل على الصحيح والضعيف، ولكن هذه الدعوى مردودة لدى جماعة من المحققين كالسبكي وغيره.

٥ ) قوله: وليس من الصحاح

ثم قال حول حديث الغدير: وليس من الصحاح كما صرح به مهرة فن الحديث، وهذه أكذوبة أخرى، فإن كثيراً من طرق حديث الغدير صحيح حسب تصريح أئمة فن الحديث كما سمعت سابقاً.

٦ ) قوله: فهو خبر واحد ضعيف

ثم قال: فهو خبر واحد ضعيف فلا يصح للحجية وهذا كذب واه وكلام سخيف، فقد عرفت صحة هذا الحديث وتواتره بحمد الله تعالى حسب نصوص عبارات الأئمّة المحققين وأساطين الحديث.

٧ ) قوله: ولم يخرج غيره

ثم قال: ولم يخرج غيره - يعني أحمد بن حنبل - من الثقات إلّا الجزء الأخير من قوله: اللهم وال من والاه.

أقول: وهذه الدعوى الكاذبة يجل عن التفوه بها أدنى المنتسبين إلى الدين الاسلامي، ولو باللسان، لأن كذبها واضح حتى على العوام فضلاً عن الخواص.

وبالرغم من ثبوت تواتر هذا الحديث في جميع الطبقات حتى العدة الكثيرة والجم الغفير من صحابة رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - من الفصول المتقدمة في الكتاب، فإنا نذكر هنا أسماء جماعة من مهرة فن الحديث وكبار الأئمّة والحفاظ والرواة في القرون المختلفة، ثم نصوص رواياتهم وأسانيدهم الى الصحابة في نقل حديث الغدير، مزيداً لتوضيح المرام وزيادة تقبيح وتفضيح للكشميري وأسلافه اللئام، والله الموفق في البدء والختام.

( قال الميلاني ): الى هنا تم هذا الجزء من الكتاب، الذي جعلنا عنوانه ( المدخل ). وسنشرع من الجزء الذي يليه في البحث حول ( حديث الغدير ) سنداً

٤١٥

ودلالة. والله الموفق والمعين، وله الحمد أولاً وآخراً.

٤١٦

٤١٧

الفهرس

اهداء ٥

حديث الغدير ٧

كلمة السيد صاحب العبقات ٣٥

كلام الدهلوي حول حديث الغدير ٣٧

المؤلّفون في حديث الغدير ٤٧

كلام ابن المغازلي ٥٠

ابن المغازلي ثقة ٥١

تصنيف ابن عقدة في طرق الحديث ٥٣

[ ذكر من روى عنه ابن عقدة حديث الغدير من الصحابة ] ٥٤

ذكر من صرح بتأليف ابن عقدة الكتاب المذكور ١ ) ابن تيمية ٢ ) ابن حجر العسقلاني ٥٩

ذكر من أورد كلام العسقلاني ٦٠

٣ ) ابن حجر العسقلاني أيضاً ٦١

٤ ) الشّريف السمهودي ٥ ) الشيخاني القادري ٦٢

٦ ) البدخشاني رواة كتاب الموالاة ٦٣

ترجمة ابن عقدة ووثاقته ٧١

كلمات في توثيقه ٧٣

تصنيف الطبري كتاباً في طرق حديث الغدير ٨٠

ذكر من قال ذلك ٨١

ترجمة الطبري ٨٢

تصنيف الحسكاني في طرق حديث الغدير ترجمة الحسكاني ٨٦

٤١٨

ترجمة عبد الغافر ٨٩

تصنيف أبي سعيد السجستاني مصنفاً في طرق حديث الغدير ٩١

ترجمة أبي سعيد السجستاني ٩٢

ترجمة الدقاق ٩٣

تصنيف الحافظ الذهبي في جمع طرق حديث الغدير ٩٤

أقول: ٩٥

تصنيف بعض العلماء في طرق حديث الغدير ٩٦

ترجمة أبي المعالي الجويني ٩٧

تواتر حديث الغدير ١٠١

ذكر من نص على ذلك ١. الحافظ الذهبي ١٠٣

٢. الحافظ ابن الجزري ١٠٤

ترجمة ابن الجزري ١٠٦

إعتماد العلماء عليه ١٠٧

روايتهم لكتبه ٣. الحافظ السيوطي ١٠٨

ذكر كتب السيوطي في الأحاديث المتواترة نقل حكمه بتواتر الحديث ١١٠

٤. الشيخ علي المتقي ٥. الميرزا مخدوم ١١١

٦. جمال الدين المحدث ١١٣

٧. الملّا علي القاري ٨. ضياء الدين المقبلي ١١٤

٩. محمد بن إسماعيل الأمير ١٠. محمد صدر العالم ١١٦

١١. باني بتي ١١٧

١٢. محمد مبين اللكهنوي ١١٨

خلاصة البحث ١١٩

مع الرازي في كلامه حول حديث الغدير وفقهه ١٢١

مقدمة ١٢٥

عدم رواية البخاري ومسلم حديث الغدير ١٢٩

٤١٩

١. إنه دليل التعصب ٢. المثبت مقدّم على النافي ١٣١

٣. الشهادة على النفي غير مسموعة ١٣٤

٤. عدم النقل لا يدل على العدم ١٣٥

٥. عدم استيعاب الكتابين للصحاح ١٣٦

نقد ورد ١٣٨

٦. لو أخرجاه لأنكره المتعنتون نماذج مما أخرجاه وأنكروه ١٤١

٧. رأي الائمّة في الكتابين ومؤلفيهما ١ ) محي الدين عبد القادر القرشي الحنفي ١٥٠

ترجمة عبد القادر القرشي ٢ ) علي القاري ١٥٣

٣ ) الأدفوي الشافعي ١٥٥

ترجمة الأدفوي ١٥٧

٤ ) أبو زرعة الرازي ١٥٨

ترجمة أبي زرعة الرازي ١٦٢

٥ ) أبو حاتم الرازي ترجمة أبي حاتم ١٦٥

٦ ) ابن أبي حاتم ترجمة ابن أبي حاتم ١٦٦

٧ ) محمد بن يحيى الذهلي ١٦٧

كفر الجهمية ١٦٨

بين الذهلي والشيخين ١٦٩

ترجمة محمد بن يحيى الذهلي ١٧٠

٨ ) أبوبكر ابن الأعين والبخاري ١٧٣

الامام أحمد واللّفظية ١٧٤

الامام أحمد بن صالح واللفظية ١٧٦

موجز ترجمة أحمد بن صالح مع الذهبي ١٧٦

٩ ) عبد العلي الأنصاري الهندي ١٨٠

أحاديث من الصحيحين في الميزان الحديث الأول ١٨٢

الحديث الثاني ١٨٤

٤٢٠

421

422

423