نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٦

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار0%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 423

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
تصنيف: الصفحات: 423
المشاهدات: 170751
تحميل: 5904


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 423 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 170751 / تحميل: 5904
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء 6

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

٢

٣

٤

اهداء

الى حامل لواء الامامة الكبرى والخلافة العظمى

ولي العصر المهد ي المنتظر الحجّة ابن الحسن العسكري ارواحنا فداه

يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ

وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ

وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ

علي

٥

٦

حديث الغدير

ومن ألفاظه:

« ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: من كنت مولاه فعلي مولاه. أللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ».

أخرجه احمد

٧

٨

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد وآله المعصومين، لا سيما الإمام الثاني عشر الحجّة المهديّ المنتظر، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين.

وبعد، فهذا هو الحديث الرابع من أحاديث كتابنا « نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار في إمامة الأئمة الأطهار » وهو ( حديث الغدير )، وقد أنجزنا قبله حديث الثقلين وحديث السفينة، وحديث النور.

بين حديث النور وحديث الغدير

وإنّ كلّ واحد من هذه الأحاديث وغيرها، من أحاديث مناقب أمير المؤمنين والأئمة من أهل البيتعليهم‌السلام ، ليدل على خلافة أمير المؤمنين وإمامته بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - بلا فصل، إلّا أنّ لكلّ واحد منها خصوصية ليست في الآخر.

وفي مجال البحث حول الأحاديث الواردة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في

٩

شأن الإمامعليه‌السلام وخلافته من بعده ( وإلّا فالادلة على ذلك من الكتاب والاجماع والعقل وغير ذلك كثيرة لا تحصى ) نرى أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - لم يواجه فرصة أو مناسبة إلّا وقد انتهزها للتعبير عن تلك الحقيقة الراهنة بأحسن تعبير، فتارة يكنيّ، وأخرى يشبّه، وثالثة يصرّح وهكذا.

والسرّ في ذلك واضح، لأنّ نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « ما كان بدعاً من الرسل » الذين كانوا من قبله، فلقد كان لكل نبي من الأنبياء السابقين وصي أو أوصياء، يعرّفونهم لأممهم بأمر من الله ونصب من قبله، إقامة لدينه، وحجة على عباده، لئلّا يزول الحق عن مقرّه، ويغلب الباطل على أهله، ولئلّا يقول أحد لو لا أرسلت إلينا رسولاً منذراً، وأقمت لنا علماً هادياً، فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى.

فكيف لا يكون لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وصي وأوصياء كذلك وهو خاتم الأنبياء؟ وشريعته خاتمة الشرائع؟

نعم، قد اختار الله سبحانه علياً والأئمة من بعده عليهم الصلاة والسلام خلفاء بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - في أرضه، وحججاً على بريته، وحفظة لدينه، وأدلاء على صراطه

بل يدل « حديث النور » بألفاظه المختلفة - ومثله « حديث الشجرة » - على أن رسول الله وعليّاً صلّى الله عليهما وآلهما مخلوقان من أصل واحد، وأن الله تعالى قد اختار علياً للامامة منذ اختياره محمداً للنبوة ثم جاءت الأحاديث في حق علي على لسان النبي ليعلن إلى الناس عن ذلك الأمر الواقع الذي شاءه الله عز وجل ومن تلك الأحاديث « حديث الغدير » الذي دل بكل وضوح على ثبوت كل ما ثبت للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - لسيدنا أمير المؤمنينعليه‌السلام إلّا النبوة، لأنه خاتم النبيين.

١٠

بين يوم الدار ويوم الغدير

وإن لدينا من الأدلة والشواهد ما يؤكّد على أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - كان قد أمر بطرح موضوع الخلافة، وتعريف من نصبه الله تعالى لها، جنباً إلى جنب دعوة الناس إلى الإيمان بوحدانية الله وبرسالته ومن ذلك حديث « يوم الدار »، حيث أمر بإنذار عشيرته في أوائل البعثة، بقوله عز وجل:( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) فقد أسفرت تلك الدعوة والإنذار والمحاورات عن ثلاثة أمور:

١ - توحيد الله.

٢ - نبوة محمد.

٣ - خلافة علي.

حتى كأن الغرض من ذلك هو الأمور الثلاثة معاً.

وهكذا الأحاديث والنصوص الأُخرى الصادرة منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مع تقادم الأيام بالألفاظ المختلفة، بحسب مقتضيات الأحوال، حتى كان يوم « غدير خم ».

واقعة الغدير

وإن واقعة غدير خم من الحقائق التاريخية الثابتة التي لا تقبل المناقشة والجدل، بل إنها من أهم القضايا الواقعة في تاريخ الإسلام، قضية ذكرها المؤرخون والمحدثون والمفسرون والمتكلمون واللغويون.

... وصل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - بعد الفراغ من حجته - التي لم يحج بعدها - إلى موضعٍ بالجحفة بين مكة والمدينة عرف بغدير خم، في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة من السنة العاشرة من الهجرة، وكان معه جموع لا يعلمها إلّا الله عز وجل.

١١

وكيف يفوت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - هذه الفرصة المتاحة فلا يبلّغ فيها الأمر، الذي طالما حرص على تبليغه وتأكيده منذ بعثته حتى اليوم، ولو بأدنى مناسبة كما أشرنا؟

لقد كان من الطبيعي أن ينتهز هذه الفرصة أيضاً، ليبلّغ للناس ويتم الحجة عليهم في أمر الخلافة، بل ويأخذ منهم البيعة لعليعليه‌السلام ولا سيما:

١ - وأن النبي قد أوشك أن يدعى فيجيب.

٢ - وأنه يعلم أن هذه الجموع التي معه لن تجتمع عنده بعد اليوم.

٣ - وأن هذا الموضع تتشعب فيه طرق المدنيين والمصريين والعراقيين.

هنا وقف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - حتى لحقه من بعده، وأمر بردّ من تقدّم من القوم إلى ذلك المكان، ونودي بالصلاة، فصلّى بالناس صلاة الظهر، ثم قام فيهم خطيباً يراه القوم كلهم ويسمعون صوته، فذكّرهم بما دعاهم إليه في اليوم الأول من بعثته: « ألستم تشهدون أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمداً عبده ورسوله، وأن جنته حق وناره حق »

ثم سألهم: « من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم » ثم قال: « فمن كنت مولاه فعلي مولاه ».

ولقد نزلت في هذه الواقعة آيات من القرآن، فنزل قبل الخطبة قوله تعالى:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) ونزل بعد فراغهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - منها قوله تعالى:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ) .

وكذلك الأمر في كثير من الوقائع المتعلقة بمناقب علي وأهل البيتعليهم‌السلام ، فالنبي يأمر علياً بالمبيت على فراشه ليلة الهجرة وينزل أمين وحي الله بقوله:( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ ) .

ويأمره تعالى بالمباهلة قائلاً:( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ

١٢

فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ ) فيدعو رسول الله علياً وفاطمة وحسناً وحسيناًفيقول: « اللهم هؤلاء أهلي » ويخرج بهم إلى المباهلة

وطفق القوم يهنّئون أمير المؤمنينعليه‌السلام بعد خطبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويبايعونه بالإِمامة، وقد كان في مقدّمهم الشيخان أبو بكر وعمر، كل يقول: « بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة » وقال ابن عباس: « وجبت والله في أعناق القوم »، وقال حسان أبياته المشهورة بحضور النبي وبمشهد ومسمع من القوم، ثم كان ذلك اليوم عيداً، وموسماً لجميع المسلمين منذ ذلك العهد.

خطبة الغدير

إن القدر المسلّم به، والمتواتر بين عموم المسلمين، هو هذا القسم من كلامهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفيه غنىَّ وكفاية في الدلالة على الامامة والخلافة.

ولكنّ المستفاد من تتبع ألفاظ حديث الغدير في كتب أهل السنة - ويساعده الاعتبار وشواهد الأحوال - هو أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - قد خطبهم، ففي مسند أحمد: « فخطبنا »(١) .

وفي المستدرك: « قام خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه، وذكّر ووعظ، فقال ما شاء الله أن يقول»(٢) .

وفي مجمع الزوائد: « فو الله ما من شيء يكون إلى يوم الساعة إلّا قد أخبرنا به يومئذ، ثم قال: أيها الناس »(٣) .

___________________

(١). مسند أحمد بن حنبل ٤ / ٣٧٢.

(٢). المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٠٩.

(٣). مجمع الزوائد ٩ / ١٠٥ وقد وثق رجاله.

١٣

فأين النص الكامل لتلك الخطبة؟ ولما ذا لم يرووا مواعظ الرسول وإرشاداته؟ وإذا كان قد أخبر بكلّ شيء يكون إلى يوم الساعة، فما الذي حملهم على إخفائه عن الأمة؟

إن الذي منعهم من نقل خطبة النبي كاملةً هو نفس ما منعهم من أن يقرّبوا إليه دواة وقرطاساً، ليكتب للامة كتاباً لن يضلّوا بعده! وإن الذي حملهم على كتم خطبة النبي هذه هو ما حملهم على كتم كثير من الحقائق!! لقد كان غرض القوم أن يحرموا الأمة من هدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وتعاليمه وإرشاداته، فضلاً عن أن يكونوا دعاة إليها وناشرين لها، ذلك لأنهم لم يكونوا معتقدين بها حقاً، إذ لم يدخل الإِيمان في قلوبهم، ولأنهم كانوا يعلمون بأنهم إذا بلّغوا تعاليم النبي إلى الأُمة كما هي، لجرت الأمور في مجاريها، وهذا يعني أن لا يكون لهم أي موقع في المجتمع الاسلامي فضلاً عن الرئاسة والحكم.

لكنّ الإِمام الباقر محمد بن علي بن الحسين بن أبي طالب عليهم الصلاة والسلام يحدثنا بواقعة غدير خم، وينقل إلينا ما قاله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - في ذلك اليوم، فيقول:

« حجّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - من المدينة، وقد بلغ جميع الشرائع قومه غير الحج والولاية، فأتاه جبرئيلعليه‌السلام فقال له: يا محمد، إنّ الله جلّ اسمه يقرؤك السلام ويقول لك: إنّي لم أقبض نبيّاً من أنبيائي ولا رسولاً من رسلي إلّا بعد إكمال ديني وتأكيد حجتي، وقد بقي عليك من ذاك فريضتان مما تحتاج أن تبلّغهما قومك: فريضة الحج، وفريضة الولاية والخلافة من بعدك، فإني لم أخل أرضي من حجة ولن أخلّيها أبداً، فإن الله جل ثناؤه يأمرك أن تبلّغ قومك الحج وتحج، ويحج معك من استطاع إليه سبيلاً من أهل الحضر والأطراف والأعراب، وتعلّمهم من معالم حجّهم مثل ما علّمتهم من صلاتهم وزكاتهم وصيامهم، وتوقفهم من ذلك على مثال الذي أوقفتهم عليه من جميع ما بلغتهم

١٤

من الشرائع.

فنادى منادي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - في الناس: ألا إنّ رسول الله يريد الحج، وأن يعلّمكم من ذلك مثل الذي علّمكم من شرائع دينكم، ويوقفكم من ذاك على ما أوقفكم عليه من غيره. فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وخرج معه الناس، وأصغوا إليه لينظروا ما يصنع فيصنعوا مثله، فحج بهم، وبلغ من حج مع رسول الله من أهل المدينة وأهل الأطراف والأعراب سبعين ألف إنسان أو يزيدون، على نحو عدد أصحاب موسى السبعين ألف الذين أخذ عليهم بيعة هارون، فنكثوا واتبعوا العجل والسامري، وكذلك أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - البيعة لعلي بالخلافة على عدد أصحاب موسى، فنكثوا البيعة واتبعوا العجل والسامري سنّةً بسُنَّةٍ ومثلاً بمثل، واتصلت التلبية ما بين مكة والمدينة.

فلمّا وقف بالموقف أتاه جبرئيلعليه‌السلام عن الله عز وجل فقال: يا محمد إن الله عز وجل يقرؤك السلام ويقول لك: إنه قد دنى أجلك ومدّتك، وأنا مستقدمك على ما لا بد منه ولا عنه محيص، فاعهد عهدك وقدّم وصيتك، واعمد إلى ما عندك من العلم وميراث علوم الأنبياء من قبلك والسلاح والتابوت وجميع ما عندك من آيات الأنبياء، فسلّمه إلى وصيك وخليفتك من بعدك، حجتي البالغة على خلقي علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فأقمه للناس علماً وجدّد عهده وميثاقه وبيعته، وذكّرهم ما أخذت عليهم من بيعتي وميثاقي الذي واثقتهم وعهدي الذي عهدت إليهم، من ولاية وليي ومولاهم ومولى كل مؤمن ومؤمنة علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فإني لم أقبض نبياً من الأنبياء إلّا من بعد إكمال ديني وحجتي، وإتمام نعمتي بولاية أوليائي ومعاداة أعدائي، وذلك كمال توحيدي وديني وإتمام نعمتي على خلقي باتباع وليي وطاعته، وذلك أني لا أترك أرضي بغير وليي ولا قيّم، ليكون حجة لي على خلقي.

فاليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام

١٥

دينا، بولاية وليي ومولى كل مؤمن ومؤمنة: علي عبدي ووصي نبيّي والخليفة من بعده وحجتي البالغة على خلقي، مقرون طاعته بطاعة محمد نبيي، ومقرون طاعته مع طاعة محمد بطاعتي، ومن أطاعه فقد أطاعني ومن عصاه فقد عصاني، جعلته علماً بيني وبين خلقي، من عرفه كان مؤمناً ومن أنكره كان كافراً، ومن أشرك بيعته كان مشركاً، ومن لقيني بولايته دخل الجنة، ومن لقيني بعداوته دخل النار.

فأقم يا محمد علياً علماً وخذ عليهم البيعة، وجدد عهدي وميثاقي لهم الذي واثقتهم عليه، فإني قابضك إليّ ومستقدمك عليّ.

فخشي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - من قومه وأهل النفاق والشقاق، أن يتفرقوا ويرجعوا إلى الجاهلية، لما عرف من عداوتهم، ولما ينطوي عليه أنفسهم لعلي من العداوة والبغضاء، وسأل جبرئيل أن يسأل ربه العصمة من الناس، وانتظر أن يأتيه جبرئيل بالعصمة، من الناس عن الله جل اسمه، فأخّر ذلك إلى أن بلغ مسجد الخيف، فأتاه جبرئيلعليه‌السلام في مسجد الخيف، فأمره بأن يعهد عهده، ويقيم علياً علماً للناس يهتدون به، ولم يأته بالعصمة من الله جل جلاله بالذي أراد، حتى بلغ كراع الغميم بين مكة والمدينة.

فأتاه جبرئيل وأمره بالذي أتاه فيه من قبل الله، ولم يأته بالعصمة فقال: يا جبرئيل، إني أخشى قومي أن يكذّبوني ولا يقبلوا قولي في عليعليه‌السلام [ فسأل جبرئيل كما سأل بنزول آية العصمة فأخّره ذلك ]، فرحل.

فلما بلغ غدير خم قبل الجحفة بثلاثة أميال أتاه جبرئيلعليه‌السلام ، على خمس ساعات مضت من النهار، بالزجر والانتهار والعصمة من الناس فقال: يا محمد إن الله عز وجل يقرؤك السلام ويقول لك( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ - في علي -وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) .

وكان أوائلهم قريب من الجحفة، فأمر بأن يردّ من تقدّم منهم ويحبس من تأخر عنهم في ذلك المكان، ليقيم علياً علماً للناس، ويبلّغهم ما أنزل الله تعالى في

١٦

علي، وأخبره بأن الله عز وجل قد عصمه من الناس، فأمر رسول الله عند ما جاءته العصمة منادياً ينادي في الناس بالصلاة جامعة، وبردّ من تقدّم منهم وبحبس من تأخر، وتنحى عن يمين الطريق إلى جنب مسجد الغدير، أمره بذلك جبرئيل عن الله عز وجل، وكان في الموضع سلمات، فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقمّ ما تحتهنّ، وينصب له حجارة كهيئة المنبر ليشرف على الناس، فتراجع الناس واحتبس أواخرهم في ذلك المكان لا يزالون، فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فوق تلك الأحجار، ثمّ حمد الله تعالى وأثنى عليه فقال:

الحمد لله الذي علا في توحّده، ودنا في تفرده، وجلّ في سلطانه، وعظم في أركانه، وأحاط بكلّ شيءٍ علماً وهو في مكانه، وقهر جميع الخلق بقدرته وبرهانه، مجيداً لم يزل، محموداً لا يزال، بارئ المسموكات، وداحي المدحوات، وجبار الأرضين والسماوات، قدّوس سبّوح رب الملائكة والروح، متفضّل على جميع من برأه، متطول على جميع من أنشأه، يلحظ كلّ عين والعيون لا تراه، كريم حليم ذو أناة، قد وسع كلَّ شيءٍ رحمته ومنّ عليهم بنعمته، لا يعجّل بانتقامه ولا يبادر إليهم بما استحقوا من عذابه، قد فهم السرائر وعلم الضمائر، ولم تخف عليه المكنونات، ولا اشتبهت عليه الخفيات، له الاحاطة بكل شيء والغلبة على كلّ شيءٍ، والقوة في كلّ شيءٍ، والقدرة على كل شيءٍ، وليس مثله شيءٌ، وهو منشئٌ الشيء حين لا شيء، دائم قائم بالقسط لا إله إلّا هو العزيز الحكيم، جلّ عن أن تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، لا يلحق أحد وصفه من معاينة، ولا يجد أحد كيف هو من سرّ وعلانية إلاّ بما دل عز وجل على نفسه.

وأشهد أنه الله الذي ملأ الدهر قدسه، والذي يغشى الأبد نوره، والذي ينفذ أمره، بلا مشاورة مشير، ولا معه شريك في تقدير، ولا تفاوت في تدبير، صوّر ما أبدع على غير مثال، وخلق ما خلق بلا معونة من أحد ولا تكلّف ولا احتيال، أنشأها فكانت، وبرأها فبانت، فهو الله الذي لا إله إلّا هو، المتقن الصنعة، الحسن الصنيعة، العدل الذي لا يجور، والأكرم الذي ترجع إليه الأمور.

١٧

وأشهد أنه الذي تواضع كل شيء لقدرته، وخضع كل شيء لهيبته، ملك الأملاك ومفلك الأفلاك، ومسخر الشمس والقمر، كل يجري لأجل مسمى، يكوّر الليل على النهار، ويكوّر النهار على الليل يطلبه حثيثاً، قاصم كل جبار عنيد ومهلك كلّ شيطان مريد، لم يكن معه ضد ولا ند، أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، إله واحد ورب ماجد، يشاء فيمضي ويريد فيقضي، ويعلم فيحصي ويميت ويحي، ويفقر ويغني، ويضحك ويبكي، ويمنع ويعطي، له الملك وله الحمد، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، يولج الليل في النهار، ويولج النهار في الليل، لا إله إلّا هو العزيز الغفار، مجيب الدعاء ومجزل العطاء، محصي الأنفاس ورب الجنة والناس، لا يشكل عليه شيء، ولا يضجره صراخ المستصرخين، ولا يبرمه إلحاح الملحّين، العاصم للصالحين والموفق للمفلحين، ومولى العالمين، الذي استحق من كل من خلق أن يشكره ويحمده.

أحمده على السراء والضراء والشدة والرخاء، وأؤمن به وبملائكته وكتبه ورسله، أسمع أمره وأطيع وأبادر إلى كل ما يرضاه، وأستسلم لقضائه رغبة في طاعته وخوفاً من عقوبته، لأنّه الله الذي لا يؤمن مكره ولا يخاف جوره، وأقرّ له على نفسي بالعبودية، وأشهد له بالربوبية وأؤدي ما أوحى إليّ حذرا من أن لا أفعل فتحل بي منه قارعة لا يدفعها عني أحد وإن عظمت حيلته، لا إله إلّا هو، لأنّه قد أعلمني أني إنْ لم ابلّغ ما أنزل إليّ فما بلّغت رسالته، وقد ضمن لي تبارك وتعالى العصمة، وهو الله الكافي الكريم، فأوحى إليّ: بسم الله الرحمن الرحيم( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ - في علي [ يعني في الخلافة لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام ] -وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) .

( معاشر الناس ) ما قصّرت في تبليغ ما أنزل الله تعالى إليّ، وأنا مبيّن لكم سبب نزول هذه الآية: إن جبرئيلعليه‌السلام هبط إليّ مراراً ثلاثاً، يأمرني عن السلام ربي وهو السلام: أن أقوم في هذا المشهد فأعلم كل أبيض وأسود أن علي ابن أبي طالب أخي ووصيي وخليفتي، والامام من بعدي، والذي محلّه مني محلّ

١٨

هارون من موسى إلّا أنه لا نبي بعدي، وهو وليّكم من بعد الله ورسوله، وقد أنزل الله تبارك وتعالى عليّ بذلك آية من كتابه: ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) وعلي بن أبي طالب أقام الصلاة وآتى الزكاة وهو راكع، يريد الله عز وجل في كل حال.

وسألت جبرئيل أن يستعفي لي عن تبليغ ذلك إليكم - أيها الناس - لعلمي بقلّة المتقين وكثرة المنافقين، وإدغال الآثمين، وختل المستهزئين بالإسلام، الذين وصفهم الله في كتابه بأنهم( يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ) ويحسبونه هينا وهو عند الله عظيم، وكثرة أذاهم لي في غير مرة حتى سمّوني أذنا، وزعموا أني كذلك لكثرة ملازمته إياي وإقبالي عليه، حتى أنزل الله عز وجل في ذلك قرآنا:( وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ ) - على الذين يزعمون أنه أذن -( خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ) الآية.

ولو شئت أن أسمي بأسمائهم لسميّت، وأن أومي إليهم بأعيانهم لأومأت، وأن أدل عليهم لدللت، ولكني والله في أمورهم قد تكرّمت، وكل ذلك لا يرضي الله مني إلّا أن أبلغ ما أنزل إليّ، ثم تلىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ - في علي -وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) .

فاعلموا يا معاشر الناس: إن الله قد نصبه لكم ولياً، وإماماً مفترضاً طاعته على المهاجرين والأنصار وعلى التابعين لهم باحسان، وعلى البادي والحاضر وعلى الأعجمي والعربي، والحر والمملوك، والصغير والكبير، وعلى الأبيض والأسود، وعلى كلّ موحّد، ماض حكمه، جائز قوله، نافذ أمره، ملعون من خالفه، مرحوم من تبعه، مؤمن من صدّقه، فقد غفر الله له ولمن سمع منه وأطاع له.

( معاشر الناس ) إنه آخر مقام أقومه في هذا المشهد، فاسمعوا وأطيعوا وانقادوا لأمر ربكم، فإن الله عز وجل هو مولاكم وإلهكم، ثم من دونه محمد وليكم القائم المخاطب لكم، ثم من بعدي علي وليكم وإمامكم بأمر ربكم، ثم

١٩

الإِمامة في ذريتي من ولده إلى يوم تلقون الله ورسوله، لا حلال إلّا ما أحلّه الله ولا حرام إلّا ما حرّمه الله، عرّفني الحلال والحرام، وأنا أفضيت بما علّمني ربي من كتابه وحلاله وحرامه إليه.

( معاشر الناس ) ما من علم إلّا وقد أحصاه الله فيّ، وكل علم علمت فقد أحصيته في إمام المتقين، وما من علم إلّا علّمته علياً، وهو الإمام المبين.

( معاشر الناس ) لا تضلّوا عنه، ولا تنفروا منه، ولا تستكبروا [ ولا تستنكفوا خ ل ] من ولايته، فهو الذي يهدي إلى الحق ويعمل به، ويزهق الباطل وينهى عنه، ولا تأخذه في الله لومة لائم، ثم إنه أول من آمن بالله ورسوله، وهو الذي فدى رسوله بنفسه، وهو الذي كان مع رسول الله ولا أحد يعبد الله مع رسوله من الرجال غيره.

( معاشر الناس ) فضّلوه فقد فضله الله، واقبلوه فقد نصبه الله.

( معاشر الناس ) إنه إمام من الله، ولن يتوب الله على أحد أنكر ولايته، ولن يغفر الله له، حتماً على الله أن يفعل ذلك بمن خالف أمره فيه، وأن يعذّبه عذاباً شديداً نكراً أبد الآباد ودهر الدهور، فاحذروا أن تخالفوه فتصلوا ناراً وقودها الناس والحجارة أعدّت للكافرين.

( أيها الناس ) بي والله بشّر الأولون من النبيين والمرسلين، وأنا خاتم الأنبياء والمرسلين، والحجة على جميع المخلوقين، من أهل السماوات والأرضين، فمن شك في ذلك فهو كافر كفر الجاهلية الأولى، ومن شك في شيءٍ من قولي هذا فقد شك في الكل منه، والشاك في ذلك فله النار.

( معاشر الناس ) حباني الله بهذه الفضيلة مناً منه عليَّ وإحساناً منه إليَّ، ولا إله إلّا هو، له الحمد مني أبد الآبدين ودهر الداهرين على كل حال.

( معاشر الناس ) فضلّوا علياً فإنه أفضل الناس بعدي من ذكر وأنثى، بنا أنزل الله الرزق وبقي الخلق، ملعون ملعون مغضوب مغضوب من ردّ عليّ قولي هذا ولم يوافقه، ألا إنّ جبرئيل خبّرني عن الله تعالى بذلك ويقول: « من عادى علياً

٢٠