نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٦

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار13%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 423

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 423 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 180015 / تحميل: 6669
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٦

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

الولاية، ورأيت في بعض ما صنفه الطبري في صحة خبر يوم الغدير أنّ اسم الكتاب « الردّ على الحرقوصية » يعني: الحنبلية، لأن أحمد بن حنبل من ولد حرقوص بن زهير الخارجي، وقيل: إنّما سماه الطبري بهذا الاسم لأنّ البر بهاري الحنبلي تعرّض للطعن في شيء مما يتعلّق بخبر يوم غدير خم »(١) .

ذكر من قال ذلك

هذا، وقد أثبت كتاب الطبري هذا جماعة من كبار حفّاظ أهل السنّة وعلمائهم:

١ ) الذهبي

فقد قال محمد بن إسماعيل الأمير: « قال الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ في ترجمة من كنت مولاه: ألّف محمد بن جرير فيه كتاباً، - قال الذهبي - وقفت عليه فاندهشت لكثرة طرقه »(٢) .

٢ ) ابن كثير

وستأتي ترجمته في محلها، قال بترجمة الطبري: « وقد رأيت كتاباً جمع فيه أحاديث غدير خمّ في مجلدين ضخمين، وكتابا جمع فيه طرق حديث الطير »(٣) .

٣ ) ياقوت الحموي

ترجم له ابن حجر العسقلاني [ لسان الميزان ٦ / ٢٣٩ ] بقوله « ياقوت الرومي الكاتب الحموي، قال ابن النجار: كان ذكياً حسن الفهم، ورحل في

___________________

(١). الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف، للسيد ابن طاوس: ٣٨.

(٢). الروضة الندية: شرح التحفة العلوية: ٥٧.

(٣). التاريخ لابن كثير ١١ / ١٤٧.

٨١

طلب النسب إلى البلاد والشام ومصر والبحرين وخراسان، وسمع الحديث وصنّف معجم البلدان ومعجم الادباء مات بحلب سنة ٦٢٦ » *: « وكان قد قال بعض الشيوخ ببغداد بتكذيب غدير خم وقال: إنّ علي بن أبي طالب كان باليمن في الوقت الذي كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - بغدير خم، وقال هذا الإنسان في قصيدة مزدوجة يصف فيها بلداً منزلاً منزلاً أبياتاً يلوّح فيها الى معنى حديث غدير، قال:

ثمّ مررنا بغدير خمّ

كم قائل فيه بزور جمّ

على عليّ والنبيّ الاميّ

وبلغ أبا جعفر ذلك فابتدأ بالكلام في فضائل عليّ وذكر طريق حديث خمّ »(١) .

٤ ) ابن حجر العسقلاني

قال بترجمة مولانا أمير المؤمنين -عليه‌السلام -: « قلت: ولم يجاوز المؤلّف ما ذكر ابن عبد البرّ وفيه مقنع، ولكنه ذكر حديث الموالاة عن نفر سمّاهم فقط، وقد جمعه ابن جرير الطبري في مؤلَّف فيه أضعاف من ذكر وصحّحه، واعتنى بجمع طرقه أبو العباس ابن عقدة، فأخرجه من حديث سبعين صحابياً أو أكثر »(٢) .

ترجمة الطبري

وإنْ شئت أن تعرف ما لابن جرير الطبري من مكانة مرموقة لدى القوم

___________________

(١). معجم الادباء ٦ / ٤٥٥.

(٢). تهذيب التهذيب ٧ / ٣٣٩.

٨٢

فضع يدك على أيّ معجم من معاجم الرجال شئت، تجد هناك المدح البليغ والثناء العظيم، وغاية التجليل والتكريم لابن جرير الطبري، وهذا بعض مصادر ترجمته:

١ - معجم الأدباء ١٨ / ٤٠.

٢ - الأنساب - الطبري.

٣ - تهذيب الأسماء واللغات ١ / ٧٨.

٤ - وفيات الأعيان ٤ / ١٩١.

٥ - العبر - حوادث سنة ٣١٠.

٦ - مرآة الجنان - حوادث سنة ٣١٠.

٧ - طبقات السبكي ٢ / ١٣٥.

٨ - تتمة المختصر في أخبار البشر - حوادث سنة ٣١٠.

٩ - لسان الميزان ٥ / ١٠٠.

١٠ - طبقات الحفاظ / ٣٠٧.

١١ - تذكرة الحفاظ / ٧١٠.

١٢ - ميزان الاعتدال ٣ / ٤٩٨.

١٣ - تاريخ بغداد ٢ / ١٦٢.

١٤ - طبقات القراء ٢ / ١٠٦.

١٥ - شذرات الذهب ٢ / ٢٦٠.

وسنترجم له بالتفصيل في هذا الكتاب إنْ شاء الله، ونكتفي هنا بذكر عبارتين فقط:

قال ابن تيمية في كلام له في الردّ على الامامية: « ولا يشكّ أنّ رجوع مثل: مالك وابن أبي ذؤيب وابن الماجشون والليث بن سعد والأوزاعي والثوري وابن أبي ليلى وشريك وأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن وزفر والحسن بن زياد واللؤلؤي والشافعي والبويطي والمزني وأحمد بن حنبل وأبي داود السجستاني وابراهيم

٨٣

الحربي والبخاري وعثمان بن سعيد الدارمي وأبي بكر ابن خزيمة ومحمد بن جرير الطبري ومحمد بن نصر المروزي وغير هؤلاء إلى اجتهادهم واعتبارهم، مثل أن يعلموا سنّة النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - الثابتة عنه، ويجتهدوا في تحقيق مناط الاحكام وتنقيحها وتخريجها، خير لهم من أن يتمسكوا بنقل الروافض عن العسكريّين وأمثالهما، فإنّ الواحد من هؤلاء أعلم بدين الله ورسوله من العسكريّين أنفسهما، فلو أفتاه أحدهما بفتيا كان رجوعه إلى اجتهاده أولى من رجوعه إلى فتيا أحدهما، بل هو الواجب عليه، فكيف إذا كان نقلا عنهما من مثل الرافضة، والواجب على مثل العسكريّين وأمثالهما أن يتعلّموا من الواحد من هؤلاء »(١) .

أقول: ونحن لا يسعنا إلّا أنْ نقول:( كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً ) (٢) .

وقال السيوطي في ( التنبئة بمن يبعثه الله على رأس كل مائة ): « وممن يصلح أن يعدّ على رأس الثلاثمائة: الإِمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، وعجبت كيف لم يعدّوه، وهو أجلّ من ابن شريحٍ وأوسع علوماً، وبلغ مرتبة الاجتهاد المطلق المستقل، ودوّن لنفسه مذهباً مستقلاً، وله أتباع قلّدوه وأفتوا وقضوا بمذهبه ويسمّون الجريرية.

وكان إماماً في كل علم من القراءة والتفسير والحديث والفقه والأصول وأقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم والعربية والتاريخ، قال النّوويّ: أجمعت الأمّة على أنه لم يصنّف مثل تفسيره. قال الخطيب: كان أئمة العلماء تحكم بقوله وترجع اليه، وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، قال ابن خزيمة: ما أعلم على الأرض أعلم من ابن جرير، وقد أراد الخليفة المقتدر بالله مرّة أن يكتب كتاب وقف تكون شروطه متفقاً عليها بين العلماء، فقيل له:

___________________

(١). منهاج السنة ٢ / ١٢٧.

(٢). سورة الكهف: ٥.

٨٤

لا يقدر على استحضار هذا إلّا محمد بن جرير، فطلبه عند ذلك فكتبها. مات في شوال سنة عشر وثلاثمائة ».

هذا شأن الطبري صاحب التفسير والتاريخ، وراوي حديث الغدير بطرقه في كتاب ( الموالاة ).

٨٥

(٤ )

تصنيف الحسكاني في طرق حديث الغدير

وصنّف أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله الحسكاني كتاباً، أثبت فيه حديث الغدير وجمع طرقه، فقد قال السيد ابن طاوس -رحمه‌الله -:

« ومن ذلك: ما رواه أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله الحسكاني في كتاب سماه: كتاب دعاء الهداة إلى أداء حق الموالاة »(١) .

وقال: « وصنف في حديث الغدير الحاكم عبيد الله بن عبد الله الحسكاني كتاب سمّاه: كتاب دعاء الهداة إلى أداء حقّ الموالاة، اثنا عشر كرّاساً مجلداً »(٢) .

ترجمة الحسكاني

وقد ترجم الحافظ السيوطي للقاضي الحسكاني بقوله: « الحسكاني القاضي المحدّث أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن حسكان القرشي العامري النيسابوري، ويعرف بابن الحذّاء، شيخ متقن ذو عناية تامة بعلم الحديث، عمّر وعلا أسناده وصنف في الأبواب، وجمع، وحدث عن جدّه والحاكم

___________________

(١). الإقبال: ٤٥٣.

(٢). الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف.

٨٦

وأبي طاهر بن محمش، وتفقه بالقاضي أبي العلاء صاعد. أملى مجلساً صحح فيه رد الشمس لعلي، وهو يدل على خبرته بالحديث، وتشيع، مات بعد الأربعمائة وسبعين »(١) .

أقول: ليس التشيع بقادح في وثاقة الرجل، إذ قد عرفت من كلام ابن حجر الحافظ أن التشيع ليس إلّا محبّة علي -عليه‌السلام -.

على أن محمد بن يوسف الشامي، صاحب السيرة الشامية - وهو تلميذ السيوطي * وقد ترجم له مع الاطراء والثناء عليه في ( لواقح الأنوار للشعراني ) و ( الرسالة المستطرفة / ١١٣ ) و ( كفاية المتطلع للدهان ) و ( شذرات الذهب ٨ / ٢٥٠ ) و ( أصول الحديث للدهلوي ) وغيرها * قد نفى عن الحسكاني التشيع فقد قال محمد أمين بن محمد معين السندي بعد كلام له في إثبات عصمة أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام :

« وممّا يجب أن أنبه عليه: إنّ هذا الكلام في عصمة الأئمّة إنّما جرينا فيها على جري الشيخ الأكبرقدس‌سره فيها في المهدي - رضي الله تعالى عنه - من حيث أن مقصودنا منه أن قوله صلّى الله تعالى عليه وسلم فيه: « يقفو أثري لا يخطأ » لما دل عند الشيخ على عصمته، فحديث الثقلين يدل على عصمة الأئمّة الطاهرين - رضي الله تعالى عنهم - بما مر تبيانه، وليست عقدة الأنامل على أن العصمة الثابتة في الأنبياء -عليهم‌السلام - توجد في غيرهم، وإنّما اعتقد في أهل الولاية قاطبة العصمة بمعنى الحفظ وعدم صدور الذنب لا استحالة صدوره، والأئمّة الطاهرون أقدم من الكلّ في ذلك، وبذلك يطلق عليهم الأئمّة المعصومين.

فمن رماني من هذا المبحث باتّباع مذهب غير السنيّة مما يعلم الله سبحانه براءتي منه، فعليه إثم فريته والله خصمه، وكيف لا أخاف الاتّهام من هذا

___________________

(١). طبقات الحفاظ ٤٤٣ وفيه: عبيد الله بن أحمد بن محمد بن

٨٧

الكلام، وقد خاف شيخ أرباب السير في ( السيرة الشامية ) من الكلام على طرق حديث الشمس بدعائه صلّى الله تعالى عليه وسلّم - لصلاة علي - رضي الله تعالى عنه - وتوثيق رجالها أن يرمى بالتشيع، حيث رأى الحافظ الحسكاني في ذلك سلفاً له، ولننقل ذلك بعين كلامه، قال – رحمه ‌الله تعالى – لـمّا فرغ من توثيق رجال سنده:

« ليحذر من يقف على كلامي هذا هنا أن يظنّ بي أني أميل الى التشيع، الله تعالى يعلم أن الأمر ليس كذلك ». ( قال ): والحامل على هذا الكلام ( يعني قوله:

ليحذر الى آخره ): أن الذهبي ذكر في ترجمة الحسكاني أنه كان يميل الى التشيع، لأنه أملى جزءاً في طرق حديث ردّ الشمس ( قال ): وهذا الرجل ( يعني الحسكاني ) ترجمه تلميذه الحافظ عبد الغافر في ذيله تاريخ نيسابور، فلم يصفه بذلك، بل أثنى عليه ثناءاً حسناً، وكذلك غيره من المؤرخين، فنسأل الله تعالى السلامة بن الخوض في أعراض الناس بما لا نعلم وبما نعلم، والله تعالى أعلم. انتهى.

أقول: وهذا الجرح في الحافظ الحسكاني، إنما نشأ من كمال عصبيّة الجارح وانحرافه من مناهج العدل والإِنصاف، وإلّا فالحافظ في خدمة الحديث بذل جهده في تصحيح الحديث وجمع طرقه وأسناده، وأثبت بذلك معجزة من أعظم علامات النبوة وأكملها، بما يقر بصحته عين كل من يؤمن بالله تعالى ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وكيف يتّهم وينسب إلى التشيع بملابسة القضية لعلي -رضي‌الله‌عنه -؟ ولو صحّح حافظ حديثاً متمحضاً في فضله لا يتّهم بذلك، ولو كان كذلك لترك أحاديث فضائل أهل البيت رأساً. ومن مثل هذه المؤاخذة الباطلة طعن كثير من المشايخ العظام، ومولع هذا الفن الشريف إذا صح عنده حديث في أدنى شيء من العادات كاد أن يتّخذ لذلك طعاماً فرحاً بصحة قول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - عنده، وأين هذا من ذاك؟ ولما اطّلع هذا الفقير على صحته كأنّه ازداد سمناً من سرور ذلك ولذته، أقر الله سبحانه وتعالى عيوننا بأمثاله،

٨٨

والحمد لله رب العالمين »(١) .

ترجمة عبد الغافر

ولنترجم للحافظ عبد الغافر تلميذ الحافظ الحسكاني ومادحه فقد ذكره ابن خلّكان بقوله: « أبو الحسن عبد الغافر إسماعيل الحافظ، كان إماما في الحديث والعربية، وقرأ القرآن الكريم، ولقّن الاعتقاد بالفارسية وهو ابن خمس سنين، وتفقّه على إمام الحرمين أبي المعالي الجويني صاحب نهاية المطلب في المذهب، والخلاف، ولازمه مدة أربع سنين وهو سبط الامام أبي القاسم عبد الكريم القشيري المقدّم ذكره، وسمع عليه الحديث كانت ولادته في شهر ربيع الآخر سنة إحدى وخمسين وأربعمائة، وتوفّي في سنة تسع وعشرين وخمسمائة بنيسابور،رحمه‌الله تعالى »(٢) .

وبمثل هذا ترجم له كل من الذهبي واليافعي والأسنوي(٣) .

وذكره ابن قاضي شهبة الأسدي بقوله: « الحافظ العالم الفقيه البارع أبو الحسن الفارسي النيسابوري، ذو الفنون والمصنفات ». وقال في آخر كلامه: « قال الذهبي: كان إماماً، حافظاً، محدثاً، لغوياً، أديباً، كاملاً، فصيحاً، مفوهّاً »(٤) .

هذا وكأن ( الدهلوي ) لم يقف على ما تقدم، ولا سيّما ما ذكره صاحب دراسات اللبيب - وهو في طبقته ومن تلامذة والده - فحكم على رواية الحسكاني الموافقة لرواية الحافظ الثعلبي في التفسير وابن حجر المكي في صواعقه: بأنها تحريف للقرآن، وذلك حيث قال:

___________________

(١). دراسات اللبيب: ٢٤٦ - ٢٤٨

(٢). وفيات الأعيان ٣ / ٢٢٥

(٣). العبر، حوادث ٥٢٩، مرآة الجنان حوادث ٥٢٩، طبقات الشافعية ٢ / ٢٧٥

(٤). طبقات الشافعية ٢ / ٢٧٤. هذا وللحافظ أبي الحسن عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي ترجمة في تذكرة الحفاظ / ١٢٧٦، طبقات السبكي ٤ / ٢٥٥، شذرات الذهب ٤ / ٩٣، تاريخ ابن كثير ١٢ / ٢٣٥

٨٩

« وأخرج الحسكاني بإسناده عن الأصبغ بن نباته، أنه سأل أمير المؤمنين عن قوله تعالى:( وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلّاً بِسِيماهُمْ ) (١) ، فقال: ويحك يا أصبغ! أولئك نحن، نقف بين الجنة والنار فنعرف من نصرنا بسيماه وندخله الجنة ونعرف من عادانا بسيماه وندخله النار.

وكل هذه الرواية تحريف، فانه ذكر في حقهم صريحاً طمعهم في دخول الجنّة وخوفهم من دخول النار، وهذا لا يناسب شأن الأئمة المهديين »(٢) .

أقول: ومن اراد الاطلاع على تفصيل وجوه قلع هذه الشبهة الركيكة فعليه بكتاب ( مصارع الأفهام ) للعلامة السيد محمد قلي، أحله دار السلام.

___________________

(١). سورة الاعراف: ٤٦.

(٢). هامش التحفة الاثنا عشرية، الباب الحادي عشر.

٩٠

(٥ )

تصنيف أبي سعيد السجستاني مصنفاً في

طرق حديث الغدير

وصنف أبو سعيد مسعود السجستاني كتاباً مفرداً في طرق حديث الغدير قال السيد ابن طاوس – رحمه ‌الله تعالى -: « إعلم أن نص النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - على مولانا علي بن أبي طالب -عليه‌السلام - يوم الغدير بالإِمامة لا يحتاج إلى كشف وبيان لأهل العلم والإِمامة والدراية، وإنما نذكر تنبيهاً على بعض من رواه، ليقصده من شاء ويقف على معناه:

فمن ذلك: ما صنّفه أبو سعيد مسعود بن ناصر السجستاني المخالف لأهل البيت في عقيدته، المتفق عند أهل المعرفة على صحة ما يرويه لأهل البيت وأمانته، صنف كتاباً سماه كتاب دراية حديث الولاية، وهو سبعة عشر جزء، روى فيه حديث نص النبي بتلك المناقب والمراتب على مولانا علي بن أبي طالب عن مائة وعشرين نفساً من الصحابة »(١) .

___________________

(١). الاقبال: ٤٥٣.

٩١

وقال أيضاً: « قد وقفت على كتاب صنّفه أبو سعيد مسعود بن ناصر السجستاني سمّاه كتاب دراية حديث الولاية، وهو سبعة عشر جزء ما وقفت على مثله، وهذا مسعود بن ناصر من أوثق رجال الأربعة المذاهب، وقد كشف عن حديث يوم الغدير ونص النبي على علي بن أبي طالب بالخلافة بعده، رواه عن مائة وعشرين نفساً من الصحابة منهم ست نساء، ومن عرف ما تضمّنه كتاب دراية حديث الولاية ما يشك في أن الذين تقدموا على علي بن أبي طالب عاندوا ومالوا إلى طلب الرئاسة.

وعدد أسانيد كتاب دراية الولاية ألف وثلاثمائة إسناد »(١) .

ترجمة أبي سعيد السجستاني

وأبو سعيد السجستاني من كبار حفاظ أهل السنة قال السمعاني: « أبو سعيد مسعود بن ناصر بن أبي زيد السجزي الركاب: كان حافظاً متقناً فاضلاً رحل إلى خراسان والجبال والعراقين والحجاز، وأكثر من الحديث وجمع الجمع، روى لنا عنه جماعة كثيرة بمرو ونيسابور وأصبهان، وتوفي سنة سبعة وسبعين وأربعمائة »(٢) .

وقال الذهبي: « ومسعود بن ناصر السجزي، أبو سعيد الركاب الحافظ رحل وصنّف وحدّث عن أبي حسان المزكّى وعلي بن بشرى وطبقتهما، ورحل إلى بغداد وأصبهان، قال الدقاق: لم أر أجود إتقاناً ولا أحسن ضبطاً منه: توفي بنيسابور في جمادى الأولى »(٣) .

وقال اليافعي في حوادث سنة ٤٧٧: « وفيها الحافظ أبو سعيد مسعود بن ناصر السجزي، رحل وصنّف وحدّث عن جماعة، قال الدقاق: لم أر أجود إتقاناً

___________________

(١). الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف للسيد ابن طاوس: ٣٨.

(٢). الانساب - السجستاني.

(٣). العبر - حوادث سنة ٤٧٧.

٩٢

ولا أحسن ضبطاً منه »(١) .

ترجمة الدقاق

ولنذكر ترجمة السيوطي للدقاق المادح لأبي سعيد، قال: « الدقاق الحافظ المفيد الرّحال، أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد بن محمد الأصبهاني، ولد سنة بضع وثلاثين وأربعمائة وسمع وأكثر، وأملى بسرخس، وكان صالحاً يقرئ، متعففاً، صاحب سنّة واتّباع.

قال الحافظ إسماعيل بن محمد: ما أعرف أحداً أحفظ لغرائب الأحاديث وغرائب الأسانيد منه، مات ليلة الجمعة سادس شوال سنة ٥١٤ »(٢) .

___________________

(١). مرآة الجنان، حوادث سنة ٤٧٧. وانظر: تذكرة الحفاظ / ١٢١٦، شذرات الذهب ٣ / ٣٥٧، طبقات الحفاظ: ٤٤٧.

(٢). طبقات الحفاظ: ٤٥٦. وفيه بدل « يقرى »: « فقيرا ». وتاريخ الوفاة فيه: ٥١٦.

٩٣

(٦ )

تصنيف الحافظ الذهبي في جمع

طرق حديث الغدير

وصنف الحافظ شمس الدين الذهبي كتاباً مفرداً في طرق حديث الغدير وصرّح بأن له طرقاً جيدة جاء ذلك في ( مفتاح كنز دراية المجموع ) حيث قال: « وقال الخطيب البغدادي: كان الحاكم ثقة وكان يميل الى التشيع، جمع أحاديث وزعم أنها صحاح على شرط البخاري ومسلم، منها حديث الطير، ومن كنت مولاه فعلي مولاه، فأنكرها عليه أصحاب الحديث ولم يلتفتوا إلى قوله.

قال الحافظ الذهبي: ولا ريب أن في المستدرك أحاديث كثيرة ليست على شرط الصحة، بل فيه أحاديث موضوعة شان المستدرك بإخراجها فيه، وأمّا حديث الطير فله طرق كثيرة جداً، قد أفردتها بمصنف بمجموعها يوجب أنّ الحديث له أصل، وأمّا حديث من كنت مولاه فعلي مولاه، فله طرق جيّدة وقد أفردت ذلك أيضاً »(١) .

___________________

(١). مفتاح كنز دراية المجموع من درر المجلّد المسموع: ١٠٧.

٩٤

أقول: والجدير بالذكر هنا أن ( الدهلوي ) أسقط من عبارة الذهبي هذه - حيث نقلها - تصريح الذهبي بتصنيفه كتاباً في طرق حديث الغدير، فقد جاء في ( بستان المحدثين ) له، المنحول من كتاب ( مفتاح كنز دراية المجموع ) بترجمة الحاكم ما هذا تعريبه: « قال الخطيب البغدادي: كان الحاكم ثقة وكان يميل الى التشيع، وقال بعض العلماء بالنسبة الى تشيّعه أنه كان يقول بتفضيل علي على عثمان، وهو مذهب جماعة من الاسلاف، والله أعلم.

ولقد أنكر عليه جماعة من أجلة العلماء كثيراً من أحاديث المستدرك التي حكم بصحتها وزعم أنها صحاح على شرط الشيخين، منها: حديث الطير وهو من مناقب المرتضى المشهورة المعروفة، ومن هنا قال الذهبي: لا يحلّ لأحدٍ أن يغترّ بتصحيح الحاكم ما لم يلاحظ تعقيباتي عليه. وقال أيضاً: في المستدرك أحاديث كثيرة ليست على شرط الصحة، بل فيه أحاديث موضوعة شان المستدرك بإخراجها فيه. وأمّا حديث الطير فله طرق كثيرة جدّاً قد أفردتها بمصنف بمجموعها يوجب أنّ الحديث له أصل »(١) .

فحيا الله أمانة ( الدهلوي ) وديانته، وخدمته للحديث وأهله!!

___________________

(١). بستان المحدثين - ترجمة الحاكم: ٣٤.

٩٥

(٧ )

تصنيف بعض العلماء في طرق حديث الغدير

وصنف بعض العلماء كتاباً كبيراً في طرق حديث الغدير، وهو يزيد على ثمانية وعشرين مجلدا، على ما نقل الحسين بن جبر عن ابن شهرآشوب * الذي ترجم له في ( الوافي بالوفيات ٤ / ١٦٤ ) و ( البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة / ٢٤٠ ) و ( بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة ١ / ١٨١ ) * حيث قال « قال جدي شهرآشوب: سمعت أبا المعالي الجويني يتعجّب ويقول: شاهدت مجلداً ببغداد في يد صحاف فيه روايات هذا الخبر مكتوبا عليه: المجلدة الثامنة والعشرون من طرق قوله: « من كنت مولاه فعلي مولاه »، يتلوه المجلدة التاسعة والعشرون »(١) .

وحكاه الحافظ القندوزي الحنفي عن الجويني كذلك(٢) .

أقول: فأي حديث أكثر تواتراً من هذا الحديث الذي استغرقت طرقه هذه المجلدات الكثيرة عن أكثر من مائة صحابي!؟

___________________

(١). نخب المناقب: ٩٢.

(٢). ينابيع المودة: ٣٦.

٩٦

ترجمة أبي المعالي الجويني

وأبو المعالي الجويني، الذي شاهد هذا الكتاب العظيم، من كبار مهرة فن الحديث وفحول التحقيق وفطاحل الأئمة، ترجم له:

ابن خلكان: وفيات الأعيان ٢ / ٣٤١.

اليافعي: مرآة الجنان حوادث ٤٧٨.

الذهبي: العبر حوادث ٤٧٨.

الأسنوي: طبقات الشافعية ١ / ٤٠٩.

الأسدي: طبقات الشافعية ١ / ٢١٨.

ابن الجوزي: المنتظم حوادث سنة ٤٧٨.

ابن كثير: التاريخ حوادث سنة ٤٧٨.

ابن العماد: شذرات الذهب حوادث سنة ٤٧٨.

السبكي: طبقات الشافعية ٥ / ١٦٥.

ولنقتصر على ترجمته من اليافعي:

« وفيها الامام الحفيل السيد الجليل، المجمع على إمامته، المتفق على غزارة مادته وتفننه في العلوم، من الأصول والفروع والأدب وغير ذلك، الإمام الناقد، المحقق البارع، النجيب المدقق، أستاذ الفقهاء والمتكلمين، وفحل النجباء والمناظرين، المقرّ له بالنجابة والبراعة، والبلاغة والبداعة، وتحقيق التصانيف وملاحتها وحسن العبارة وفصاحتها، والتقدم في الفقه، والأصلين، النجيب ابن النجيب، إمام الحرمين، حامل راية المفاخر وعلم العلماء الأكابر، أبو المعالي عبد الملك ابن ركن الإسلام ابن محمد، إمام الحرمين، فخر الإِسلام، إمام الأئمّة ومفتي الأنام، المجمع على إمامته شرقاً وغرباً، المقرّ بفضله السراة والحراة عجماً وعرباً، ربّاه حجر الإِمامة، وحرّك ساعد السعادة مهده، وأرضعه ثدي العلم والورع إلى أن ترعرع فيه ويفع.

٩٧

أخذ من العربية وما يتعلق بها أوفر حظ ونصيب، وزاد فيها على كلّ أديب، من التوسع في العبارة بعلوها ما لم يعهد من غيره، حتى أنسى سحبان وفاق فيه الاقران، وأعجز الفصحاء اللد وجاوز الوصف والحد، وكان يذكر دروساً يقع كل واحد منها في أطباق وأوراق، لا يتلعثم في كلمة ولا يحتاج إلى استدراك عثرة، يمر فيها كالبرق الخاطف ويصوت كالرعد القاصف، لا يلحقه المبرزون ولا يدرك شأوه المتشدقون المتفيهقون، وما يوجد من كثير من العبارات البالغة كنه الفصاحة، غيض من غيض ما كان على لسانه، وغرفة من أمواج ما كان يعهد من بيانه.

تفقّه في صباه على والده ركن الإسلام ثمّ خلفه من بعد وفاته وأتى على جميع مصنفاته فقلبها ظهراً لبطن وتصرف فيها، خرّج المسائل بعضها على بعض، ودرّس سنين، ولم يرض في شبابه تقليد والده وأصحابه، حتى أخذ في التحقيق وجدّ واجتهد في المذهب والخلاف ومجالس النظر حتى ظهرت نجابته، ولاح على أيّامه همة أبيه وفراسته، وسلك طريق المباحثة وجمع الطرق بالمطالعة والمناظرة، حتى أربى على المتقدمين وأنسى مصنفات الأوّلين، وسعى في دين الله سعياً يبقى أثره إلى يوم الدين » الى آخر الترجمة الحافلة(١) .

___________________

(١). مرآة الجنان - حوادث سنة ٤٧٨.

اقول: وممن ألّف في حديث الغدير من أعلام أهل السنة:

١ - أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني الكوفي المتوفى سنة ٣٥١، عدّه العلامة الأميني من رواة القرن الرابع وقال: ممن ألّف في الحديث، ثم لم يعده في المؤلفين.

٢ - الحافظ العراقي زين الدين عبد الرحيم بن الحسين الشافعي المتوفى سنة ٨٠٦، ترجم له ابن فهد المكي في ذيل تذكرة الحفاظ / ٢٣١، وذكر هذا الكتاب في مؤلفاته.

٣ - أبوبكر محمد بن عمر البغدادي، المعروف بالجعابي، المتوفى سنة ٣٥٥، والمترجم له في تذكرة الحفاظ وتاريخ بغداد وطبقات الحفاظ / ٣٧٥، له كتاب: « من روى حديث غدير خم » عدّه أبو العباس النجّاشي من كتبه في فهرسته ٢٨١.

٤ - الحافظ الدار قطني علي بن عمر البغدادي المتوفى سنة ٣٨٥، قال الكنجي في كفاية الطالب =

٩٨

___________________

= عند ذكر حديث الغدير: أجمع الحافظ الدار قطني طرقه في جزء.

٥ - شمس الدين محمد بن محمد المعروف بابن الجزري الدمشقي الشافعي المتوفى سنة ٨٣٣.

أفرد رسالة في اثبات تواتر حديث الغدير وأسماها « أسنى المطالب في مناقب علي بن أبي طالب » وقد عدّها في تآليفه السخاوي في ترجمته في الضوء اللامع. )

٩٩

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

يحب ويرضى من غير رقة، ويبغض ويغضب من غير مشقة. يقول لمن أراد كونه كن فيكون. لا بصوت يقرع، ولا بنداء يسمع، وإنما كلامه سبحانه فعل منه أنشأه، ومثله لم يكن من قبل ذلك كائناً، ولو كان قديماً لكان إلهاً ثانياً.

لا يقال كان بعد أن لم يكن، فتجري عليه الصفات المحدثات، ولا يكون بينها وبينه فصل، ولا له عليها فضل، فيستوي الصانع والمصنوع، ويتكافأ المبتدئ والبديع.

خلق الخلائق على غير مثال خلا من غيره، ولم يستعن على خلقها بأحد من خلقه، وأنشأ الأرض فأمسكها من غير اشتغال، وأرساها على غير قرار، وأقامها بغير قوائم، ورفعها بغير دعائم، وحصنها من الأود والإعوجاج، ومنعها من التهافت والإنفراج. أرسى أوتادها، وضرب أسدادها، واستفاض عيونها، وخد أوديتها، فلم يهن ما بناه، ولا ضعف ما قواه.

هو الظاهر عليها بسلطانه وعظمته، وهو الباطن لها بعلمه ومعرفته، والعالي على كل شيء منها بجلاله وعزته، لا يعجزه شيء منها طلبه، ولا يمتنع عليه فيغلبه، ولا يفوته السريع منها فيسبقه، ولا يحتاج إلى ذي مال فيرزقه.

خضعت الأشياء له، وذلت مستكينة لعظمته، لا تستطيع الهرب من سلطانه إلى غيره فتمتنع من نفعه وضره، ولا كفؤ له فيكافئه، ولا نظير له فيساويه.

هو المفني لها بعد وجودها، حتى يصير موجودها كمفقودها، وليس فناء الدنيا بعد ابتداعها بأعجب من إنشائها واختراعها.

أوّل الدين معرفته.... وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه

- نهج البلاغة ج ١ ص ١٤

ومن خطبة لهعليه‌السلام يذكر فيها ابتداء خلق السماء والأرض وخلق آدم:

الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون، ولا يحصي نعماءه العادون، ولا يؤدي حقه المجتهدون. الذي لا يدركه بعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن، الذي ليس

١٤١

لصفته حد محدود، ولا نعت موجود، ولا وقت معدود، ولا أجل ممدود فطر الخلائق بقدرته، ونشر الرياح برحمته، ووتد بالصخور مَيَدَان أرضه..

أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثناه، ومن ثناه فقد جزأه، ومن جزأه فقد جهله، ومن جهله فقد أشار إليه، ومن أشار إليه فقد حده، ومن حده فقد عده، ومن قال فيم فقد ضمنه، ومن قال علام فقد أخلى منه.

كائن لا عن حدث، موجود لا عن عدم، مع كل شيء لا بمقارنة، وغير كل شيء لا بمزايلة، فاعل لا بمعنى الحركات والآلة، بصير إذ لا منظور إليه من خلقه، متوحد إذ لا سكن يستأنس به، ولا يستوحش لفقده.

أنشأ الخلق إنشاء، وابتدأه ابتداء، بلا رَوِيَّةً أجالها، ولا تجربة استفادها، ولا حركة أحدثها، ولا همامة نفس اضطرب فيها، أحال الأشياء لأوقاتها، ولاءم بين مختلفاتها، وغرز غرائزها، وألزمها أشباحها، عالماً بها قبل ابتدائها، محيطاً بحدودها وانتهائها، عارفاً بقرائنها وأحنائها.

ثم أنشأ سبحانه فتق الأجواء، وشق الأرجاء، وسكائك الهواء، فأجرى فيها ماء متلاطماً تياره، متراكماً زخاره، حمله على متن الريح العاصفة، والزعزع القاصفة، فأمرها برده، وسلطها على شده، وقرنها إلى حده، الهواء من تحتها فتيق، والماء من فوقها دفيق.

ثم أنشأ سبحانه ريحاً اعتقم مهبهاً، وأدام مربها، وأعصف مجراها، وأبعد منشاها، فأمرها بتصفيق الماء الزخار، وإثارة موج البحار، فمخضته مخض السقاء، وعصفت به عصفها بالفضاء، ترد أوله إلى آخره، وساجيه إلى مائره، حتى عب عُبَابُه، ورمى بالزبد ركامه، فرفعه في هواء منفتق، وجو منفهق، فسوى منه سبع

١٤٢

سموات، جعل سفلاهن موجاً مكفوفاً، وعلياهن سقفاً محفوظاً، وسمكاً مرفوعاً، بغير عمد يدعمها، ولا دسار ينظمها.

ثم زينها بزينة الكواكب، وضياء الثواقب، وأجرى فيها سراجاً مستطيراً، وقمراً منيراً، في فلك دائر، وسقف سائر، ورقيم مائر، ثم فتق ما بين السموات العلا، فملأهن أطواراً من ملائكته، منهم سجود لا يركعون، وركوع لا ينتصبون، وصافون لا يتزايلون، ومسبحون لا يسأمون، لا يغشاهم نوم العين، ولا سهو العقول، ولا فترة الأبدان، ولا غفلة النسيان. ومنهم أمناء على وحيه، وألسنة إلى رسله، ومختلفون بقضائه وأمره. ومنهم الحفظة لعباده، والسدنة لأبواب جنانه. ومنهم الثابتة في الأرضين السفلى أقدامهم، والمارقة من السماء العليا أعناقهم، والخارجة من الأقطار أركانهم، والمناسبة لقوائم العرش أكتافهم، ناكسة دونه أبصارهم، متلفعون تحته بأجنحتهم، مضروبة بينهم وبين من دونهم حجب العزة وأستار القدرة، لا يتوهمون ربهم بالتصوير، ولا يجرون عليه صفات المصنوعين، ولا يحدونه بالأماكن، ولا يشيرون إليه بالنظائر.

ثم جمع سبحانه من حَزْن الأرض وسهلها، وعذبها وسبخها، تربة سنَّها بالماء حتى خلصت، ولاطها بالبلة حتى لزبت، فجبل منها صورة ذات أحناء ووصول، وأعضاء وفصول، أجمدها حتى استمسكت، وأصلدها حتى صلصلت، لوقت معدود، وأمد معلوم، ثم نفخ فيها من روحه، فمثلت إنساناً ذا أذهان يجيلها، وفكر يتصرف بها، وجوارح يختدمها، وأدوات يقلبها، ومعرفة يفرق بها بين الحق والباطل، والأذواق والمشام، والألوان والأجناس. معجوناً بطينة الألوان المختلفة، والأشباه المؤتلفة، والأضداد المتعادية، والأخلاط المتباينة، من الحر والبرد، والبلة والجمود، واستأدى الله سبحانه الملائكة وديعته لديهم، وعهد وصيته إليهم، في الإذعان بالسجود له، والخشوع لتكرمته....

١٤٣

كان المسلمون يعرفون قيمة الجواهر فيكتبونها

- التوحيد للشيخ الصدوق ص ٣١

حدثنا أبيرضي‌الله‌عنه قال: حدثنا سعد بن عبد الله قال: حدثنا أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه محمد بن خالد البرقي، عن أحمد بن النضر وغيره، عن عمرو بن ثابت، عن رجل سماه، عن أبي إسحاق السبيعي، عن الحارث الأعور قال: خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام يوماً خطبة بعد العصر، فعجب الناس من حسن صفته وما ذكر من تعظيم الله جل جلاله، قال أبو إسحاق فقلت للحارث: أو ما حفظتها قال: قد كتبتها، فأملاها علينا من كتابه:

الحمد لله الذي لا يموت، ولا تنقضي عجائبه، لأنه كل يوم في شأن، من إحداث بديع لم يكن. الذي لم يولد فيكون في العز مشاركاً، ولم يلد فيكون موروثاً هالكاً، ولم تقع عليه الأوهام فتقدره شبحاً ماثلاً، ولم تدركه الأبصار فيكون بعد انتقالها حائلاً، الذي ليست له في أوليته نهاية، ولا في آخريته حد ولا غاية، الذي لم يسبقه وقت، ولم يتقدمه زمان، ولم يتعاوره زيادة ولا نقصان، ولم يوصف بأين ولا بمكان، الذي بطن من خفيات الأمور، وظهر في العقول بما يرى في خلقه من علامات التدبير. الذي سئلت الأنبياء عنه فلم تصفه بحد ولا بنقص، بل وصفته بأفعاله، ودلت عليه بآياته، ولا تستطيع عقول المتفكرين جحده، لأن من كانت السماوات والأرض فطرته وما فيهن وما بينهن هو الصانع لهن، فلا مدفع لقدرته.

الذي بان من الخلق فلا شيء كمثله. الذي خلق الخلق لعبادته وأقدرهم على طاعته بما جعل فيهم، وقطع عذرهم بالحجج، فعن بينة هلك من هلك وعن بينة نجا من نجا. ولله الفضل مبدئاً ومعيدا....

الحمد لله اللابس الكبرياء بلا تجسد، والمرتدي بالجلال بلا تمثل، والمستوي على العرش بلا زوال، والمتعالي عن الخلق بلا تباعد منهم، القريب منهم بلا ملامسة منه لهم، ليس له حد ينتهي إلى حده، ولا له مثل فيعرف بمثله، ذل من

١٤٤

تجبر غيره، وصغر من تكبر دونه، وتواضعت الأشياء لعظمته، وانقادت لسلطانه وعزته، وكلت عن إدراكه طروف العيون، وقصرت دون بلوغ صفته أوهام الخلائق، الأول قبل كل شيء والآخر بعد كل شيء، ولا يعدله شيء، الظاهر على كل شيء بالقهر له، والمشاهد لجميع الأماكن بلا انتقال إليها، ولا تلمسه لامسة ولا تحسه حاسة، وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم. أتقن ما أراد خلقه من الأشياء كلها بلا مثال سبق إليه، ولا لغوب دخل عليه، في خلق ما خلق .... إلى آخر الخطبة.

أمير المؤمنين يردّ على تجسيم اليهود

- قال الصدوق في كتابه التوحيد ص ٧٧

حدثنا أبوسعيد محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق المذكر المعروف بأبي سعيد المعلم بنيسابور، قال حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، قال حدثنا علي ابن سلمة الليفي، قال حدثنا إسماعيل بن يحيى بن عبد الله، عن عبد الله بن طلحة بن هجيم، قال حدثنا أبو سنان الشيباني سعيد بن سنان، عن الضحاك، عن النزال بن سبرة قال: جاء يهودي إلى علي بن أبي طالبعليه‌السلام فقال: يا أمير المؤمنين متى كان ربنا؟ قال فقال له عليعليه‌السلام : إنما يقال: متى كان لشيء لم يكن فكان، وربنا تبارك وتعالى هو كائن بلا كينونة كائن، كان بلا كيف يكون، كائن لم يزل بلا لم يزل، وبلا كيف يكون، كان لم يزل ليس له قبل، هو قبل القبل بلا قبل وبلا غاية ولا منتهى، غاية ولا غاية إليها، غاية انقطعت الغايات عنه، فهو غايه كل غاية.

أخبرني أبوالعباس الفضل بن الفضل بن العباس الكندي فيما أجازه لي بهمدان سنة أربع وخمسين وثلاثمائة قال: حدثنا محمد بن سهل يعني العطار البغدادي لفظاً من كتابه سنة خمس وثلاثمائة قال: حدثنا عبد الله بن محمد البلوي قال: حدثني عمارة بن زيد، قال: حدثني عبد الله بن العلاء قال: حدثني صالح بن سبيع، عن عمرو بن محمد بن صعصعة بن صوحان قال: حدثني أبي، عن أبي المعتمر مسلم بن أوس قال: حضرت مجلس عليعليه‌السلام في جامع الكوفة فقام إليه رجل مصفر

١٤٥

اللون كأنه من متهودة اليمن فقال: يا أمير المؤمنين صف لنا خالقك وانعته لنا كأنا نراه وننظر إليه، فسبح عليعليه‌السلام ربه وعظمه عز وجل وقال:

الحمد لله الذي هو أول بلا بدء مما، ولا باطن فيما، ولا يزال مهما، ولا ممازج مع ما، ولا خيال وهما، ليس بشبح فيرى، ولا بجسم فيتجزى، ولا بذي غاية فيتناهى، ولا بمحدث فيبصر، ولا بمستتر فيكشف، ولا بذي حجب فيحوى.

كان ولا أماكن تحمله أكنافها، ولا حملة ترفعه بقوتها، ولا كان بعد أن لم يكن، بل حارت الأوهام أن تكيف المكيف للأشياء ومن لم يزل بلا مكان، ولا يزول باختلاف الأزمان، ولا ينقلب شاناً بعد شان.

البعيد من حدس القلوب، المتعالي عن الأشياء والضروب، والوتر علام الغيوب، فمعاني الخلق عنه منفية، وسرائرهم عليه غير خفية، المعروف بغير كيفية، لا يدرك بالحواس، ولا يقاس بالناس، ولا تدركه الأبصار، ولا تحيط به الأفكار، ولا تقدره العقول، ولا تقع عليه الأوهام، فكل ما قدره عقل أو عرف له مثل فهو محدود، وكيف يوصف بالأشباح، وينعت بالألسن الفصاح، من لم يحلل في الأشياء فيقال هو فيها كائن، ولم ينأ عنها فيقال هو عنها بائن، ولم يخل منها فيقال أين، ولم يقرب منها بالإلتزاق، ولم يبعد عنها بالإفتراق، بل هو في الأشياء بلا كيفية، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد، وأبعد من الشبه من كل بعيد.

لم يخلق الأشياء من أصول أزلية، ولا من أوائل كانت قبله بدية،بل خلق ما خلق، وأتقن خلقه، وصور ما صور، فأحسن صورته، فسبحان من توحد في علوه، فليس لشيء منه امتناع، ولا له بطاعة أحد من خلقه انتفاع، إجابته للداعين سريعة، والملائكة له في السماوات والأرض مطيعة، كلم موسى تكليماً بلا جوارح وأدوات، ولا شفة ولا لهوات، سبحانه وتعالى عن الصفات، فمن زعم أن إله الخلق محدود، فقد جهل الخالق المعبود .... والخطبة طويلة أخذنا منها موضع الحاجة.. انتهى.

وقد تقدم في الفصل الأول رده على كعب الأحبار فى مجلس الخليفة عمر.

١٤٦

ويوجّه المسلمين إلى التفكّر في عظمة المخلوقات فيصف الطاووس

- نهج البلاغة ج ٢ ص ٧٠

١٦٥ ومن خطبة لهعليه‌السلام يذكر فيها عجيب خلقة الطاووس:

ابتدعهم خلقاً عجيباً من حيوان وموات، وساكن وذي حركات، فأقام من شواهد البينات على لطيف صنعته وعظيم قدرته، ما انقادت له العقول معترفة به ومسلمة له، ونعقت في أسماعنا دلائله على وحدانيته.

وما ذرأ من مختلف صور الأطيار، التي أسكنها أخاديد الأرض وخروق فجاجها، ورواسي أعلامها، من ذات أجنحة مختلفة، وهيئات متباينة، مصرفة في زمان التسخير، ومرفرفة بأجنحتها في مخارق الجو المنفسح، والفضاء المنفرج.

كَوَّنها بعد أن لم تكن، في عجائب صور ظاهرة، وركبها في حقاق مفاصل محتجبة، ومنع بعضها بعبالة خلقة، أن يسمو في السماء خفوفاً، وجعله يدف دفيفاً، ونسقها على اختلافها في الأصابيغ بلطيف قدرته، ودقيق صنعته، فمنها مغموس في قالب لون لا يشوبه غير لون ما غمس فيه، ومنها مغموس في لون صبغ قد طوق بخلاف ما صبغ به، ومن أعجبها خلقاً الطاووس الذي أقامه في أحكم تعديل، ونضد ألوانه في أحسن تنضيد، بجناح أشرج قصبه، وذنب أطال مسحبه.

إذا درج إلى الأنثى نشره من طيه، وسما به مطلاً على رأسه، كأنه قلع داري عَنَجَهُ نُوتِيُّهُ، يختال بألوانه، ويميس بزيفانه، يفضي كإفضاء الديكة، وَيُؤرُّ بملاقحة أرَّ الفحول المغتلمة للضراب الضراب.

أحيلك من ذلك على معاينة، لا كمن يحيل على ضعيف إسناده، ولو كان كزعم من يزعم أنه يلقح بدمعة تسفحها مدامعه، فتقف في ضفتي جفونه، وأن أنثاه تطعم ذلك، ثم تبيض لا من لقاح فحل، سوى الدمع المنبجس، لما كان ذلك بأعجب من مطاعمة الغراب.

تخال قصبه مداري من فضة، وما أنبت عليها من عجيب داراته، وشموسه

١٤٧

خالص العقيان، وفلذ الزبرجد، فإن شبهته بما أنبتت الأرض قلت: جني جني من زهرة كل ربيع، وإن ضاهيته بالملابس فهو كموشى الحلل، أو مونق عصب اليمن، وإن شاكلته بالحلي فهو كفصوص ذات ألوان قد نطقت باللجين المكلل.

يمشي مشي المرح المختال، ويتصفح ذنبه وجناحيه فيقهقه ضاحكاً لجمال سرباله، وأصابيغ وشاحه، فإذا رمى ببصره إلى قوائمه، زقا معولاً بصوت يكاد يبين عن استغاثته، ويشهد بصادق توجعه، لأن قوائمه حمش كقوائم الديكة الخلاسية، وقد نجمت من ظنبوب ساقه صيصية خفية.

وله في موضع العرف قنزعة خضراء موشاة، ومخرج عنقه كالإبريق، ومغرزها إلى حيث بطنه كصبغ الوسمة اليمانية، أو كحريرة ملبسة مرآة ذات صقال، وكأنه متلفع بمعجر أسحم، إلا أنه يخيل لكثرة مائه وشدة بريقه أن الخضرة الناضرة ممتزجة به، ومع فتق سمعه خط كمستدق القلم في لون الأقحوان، أبيض يقق، فهو ببياضه في سواد ما هنالك يأتلق، وقل صبغ إلا وقد أخذ منه بقسط، وعلاه بكثرة صقاله وبريقه، وبصيص ديباجه ورونقه، فهو كالأزاهير المبثوثة لم تربها أمطار ربيع، ولا شموس قيظ، وقد يتحسر من ريشه، ويعرى من لباسه، فيسقط تترى، وينبت تباعاً، فينحت من قصبه انحتات أوراق الأغصان، ثم يتلاحق نامياً حتى يعود كهيئته قبل سقوطه، لا يخالف سالف ألوانه، ولا يقع لون في غير مكانه.

وإذا تصفحت شعرة من شعرات قصبه أرتك حمرة وردية، وتارة خضرة زبرجدية، وأحياناً صفرة عسجدية.

فكيف تصل إلى صفة هذا عمائق الفطن، أو تبلغه قرائح العقول، أو تستنظم وصفه أقوال الواصفين! وأقل أجزائه قد أعجز الأوهام أن تدركه، والألسنة أن تصفه، فسبحان الذي بهر العقول عن وصف خلق جلاه للعيون، فأدركته محدوداً مكوناً، ومؤلفاً ملوناً، وأعجز الألسن عن تلخيص صفته، وقعد بها عن تأدية نعته.

وسبحان من أدمج قوائم الذرة والهمجة، إلى ما فوقهما من خلق الحيتان والأفيلة،

١٤٨

ووأى على نفسه أن لا يضطرب شبح مما أولج فيه الروح، إلا وجعل الحمام موعده، والفناء غايته...

ويصف النملة والجرادة

- نهج البلاغة ج ٢ ص ١١٥

١٨٥ ومن خطبة لهعليه‌السلام :.... ولو فكروا في عظيم القدرة وجسيم النعمة، لرجعوا إلى الطريق، وخافوا عذاب الحريق، ولكن القلوب عليلة، والبصائر مدخولة.

ألا تنظرون إلى صغير ما خلق كيف أحكم خلقه، وأتقن تركيبه، وفلق له السمع والبصر، وسوى له العظم والبشر. أنظروا إلى النملة في صغر جثتها، ولطافة هيئتها، لا تكاد تنال بلحظ البصر، ولا بمستدرك الفكر، كيف دبت على أرضها، وصبت على رزقها، تنقل الحبة إلى جحرها، وتعدها في مستقرها، تجمع في حرها لبردها، وفي وردها لصدرها، مكفولة برزقها، مرزوقة بوفقها، لا يغفلها المنان، ولا يحرمها الديان، ولو في الصفا اليابس، والحجر الجامس.

ولو فكرت في مجاري أكلها، في علوها وسفلها، وما في الجوف من شراسيف بطنها، وما في الرأس من عينها وأذنها، لقضيت من خلقها عجباً، ولقيت من وصفها تعبا. فتعالى الذي أقامها على قوائمها، وبناها على دعائمها، لم يشركه في فطرتها فاطر، ولم يعنه في خلقها قادر.

ولو ضربت في مذاهب فكرك لتبلغ غاياته، ما دلتك الدلالة إلا على أن فاطر النملة هو فاطر النخلة، لدقيق تفصيل كل شيء، وغامض اختلاف كل حي، وما الجليل واللطيف، والثقيل والخفيف، والقوي والضعيف، في خلقه إلا سواء، وكذلك السماء والهواء، والرياح والماء. فانظر إلى الشمس والقمر، والنبات والشجر، والماء والحجر، واختلاف هذا الليل والنهار، وتفجر هذه البحار، وكثرة هذه الجبال، وطول هذه القلال، وتفرق هذه اللغات، والألسن المختلفات.

١٤٩

فالويل لمن جحد المقدر وأنكر المدبر. زعموا أنهم كالنبات ما لهم زارع، ولا لاختلاف صورهم صانع، ولم يلجؤوا إلى حجة فيما ادعوا، ولا تحقيق لما أوعوا. وهل يكون بناء من غير بان، أو جناية من غير جان.

وإن شئت قلت في الجرادة، إذ خلق لها عينين حمراوين، وأسرج لها حدقتين قمراوين، وجعل لها السمع الخفي، وفتح لها الفم السوي، وجعل لها الحس القوي، ونابين بهما تقرض، ومنجلين بهما تقبض، يرهبها الزراع في زرعهم، ولا يستطيعون ذبها ولو أجلبوا بجمعهم، حتى ترد الحرث في نزواتها، وتقضي منه شهواتها، وخلقها كله لا يكون إصبعاً مستدقة.

فتبارك الله الذي يسجد له من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً، ويعفرِّ له خداً ووجهاً، ويلقى إليه بالطاعة سلماً وضعفاً، ويعطى له القياد رهبة وخوفاً، فالطير مسخرة لأمره، أحصى عدد الريش منها والنفس، وأرسى قوائمها على الندى واليبس، وقدر أقواتها، وأحصى أجناسها، فهذا غراب، وهذا عقاب، وهذا حمام، وهذا نعام. دعا كل طائر باسمه، وكفل له برزقه، وأنشأ السحاب الثقال فأهطل ديمها، وعدد قسمها، فبلَّ الأرض بعد جفوفها، وأخرج نبتها بعد جدوبها.

عليعليه‌السلام مؤسّس علم التوحيد

- أمالي المرتضى ج ١ ص ١٠٣

إعلم أن أصول التوحيد والعدل مأخوذة من كلام أمير المؤمنين عليعليه‌السلام وخطبه، وأنها تتضمن من ذلك ما لا مزيد عليه ولا غاية وراءه، ومن تأمل المأثور في ذلك من كلامه، علم أن جميع ما أسهب المتكلمون من بعد في تصنيفه وجمعه، إنما هو تفصيل لتلك الجمل، وشرح لتلك الأصول.

وروي عن الأئمة من أبناءهعليهم‌السلام من ذلك ما لا يكاد يحاط به كثرة، ومن أحب الوقوف عليه وطلبه من مظانه أصاب منه الكثير الغزير، الذي في بعضه شفاء للصدور السقيمة،

١٥٠

ونتاج للعقول العقيمة، ونحن نقدم على ما نريد ذكره شيئاً مما روي عنهم في هذا الباب. فمن ذلك ما روي عن أمير المؤمنين عليعليه‌السلام وهو يصف الله تعالى:

بمضادته بين الأشياء علم أن لا ضد له، وبمقارنته بين الأمور علم أن لا قرين له، ضاد النور بالظلمة، والخشونة بالليل، واليبوسة بالبلل، والصرد بالحرور، مؤلف بين متباعداتها، مفرق بين متدانياتها.

وروي عنهعليه‌السلام أنه سئل: بم عرفت ربك؟ فقال: بما عرفني به. قيل: وكيف عرفك؟ قال: لا تشبهه صورة، ولا يحس بالحواس، ولا يقاس بقياس الناس.

وقيل لهعليه‌السلام : كيف يحاسب الله الخلق؟ قال: كما يرزقهم. فقيل كيف يحاسبهم ولا يرونه؟ فقال: كما يرزقهم ولا يرونه.

وسأله رجل فقال: أين كان ربك قبل أن يخلق السماء والأرض؟ فقال: أين سؤال عن مكان، وكان الله ولا مكان.

الإمام زين العابدينعليه‌السلام ينظم زبور آل محمد

- قالعليه‌السلام في أدعيته المعروفة بالصحيفة السجادية، الدعاء الأول:

الحمد لله الأول بلا أول كان قبله، والآخر بلا آخر يكون بعده، الذي قصرت عن رؤيته أبصار الناظرين، وعجزت عن نعته أوهام الواصفين، ابتدع بقدرته الخلق ابتداعاً، واخترعهم على مشيته اختراعاً، ثم سلك بهم طريق إرادته، وبعثهم في سبيل محبته، لا يملكون تأخيراً عما قدمهم إليه، ولا يستطيعون تقدماً إلى ما أخرهم عنه، وجعل لكل روح منهم قوتاً معلوماً مقسوماً من رزقه، لا ينقص من زاده ناقص، ولا يزيد من نقص منهم زائد، ثم ضرب له في الحياة أجلاً موقوتاً، ونصب له أمداً محدوداً، يتخطى إليه بأيام عمره، ويرهقه بأعوام دهره، حتى إذا بلغ أقصى أثره، واستوعب حساب عمره، قبضه إلى ما ندبه إليه من موفور ثوابه، أو محذور عقابه، ليجزي الذين أساؤا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى، عدلاً منه تقدست أسماؤه، وتظاهرت آلاؤه، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون....

١٥١

- الصحيفة السجادية الدعاء الثاني والثلاثون

وكان من دعائهعليه‌السلام بعد الفراغ من صلاة الليل: اللهم ياذا الملك المتأبد بالخلود والسلطان، الممتنع بغير جنود ولا أعوان، والعز الباقي على مر الدهور وخوالي الاعوام، ومواضي الأزمان والأيام، عز سلطانك عزاً لا حد له بأولية، ولا منتهى له بآخرية، واستعلى ملكك علواً سقطت الأشياء دون بلوغ أمده، ولا يبلغ أدنى ما استأثرت به من ذلك أقصى نعت الناعتين، ضلت فيك الصفات، وتفسخت دونك النعوت، وحارت في كبريائك لطائف الأوهام.

كذلك أنت الله الأول في أوليتك، وعلى ذلك أنت دائم لا تزول.

وأنا العبد الضعيف عملاً، الجسيم أملاً، خرجت من يدي أسباب الوصلات إلا ما وصلته رحمتك، وتقطعت عني عصم الآمال إلا ما أنا معتصم به من عفوك، قلَّ عندي ما أعتد به من طاعتك، وكثر علي ما أبوء به من معصيتك، ولن يضيق عليك عفو عن عبدك وإن أساء، فاعف عني.....

- الصحيفة السجادية ج ٢ ص ٢١

دعاؤهعليه‌السلام في التحميد لله عز وجل:الحمد لله الذي تجلى للقلوب بالعظمة، واحتجت عن الأبصار بالعزة، واقتدر على الأشياء بالقدرة، فلا الأبصار تثبت لرؤيته، ولا الأوهام تبلغ كنه عظمته، تجبر بالعظمة والكبرياء، وتعطف بالعز والبر والجلال، وتقدس بالحسن والجمال، وتجمل بالفخر والبهاء، وتهلل بالمجد والآلاء، واستخلص بالنور والضياء. خالق لا نظير له، وواحد لاند له، وماجد لا ضد له، وصمد لا كفو له، وإله لا ثاني معه، وفاطر لا شريك له، ورازق لا معين له، الأول بلا زوال، والدائم بلا فناء، والقائم بلا عناء، والباقي بلا نهاية، والمبدئ بلا أمد، والصانع بلا ظهير، والرب بلا شريك، والفاطر بلا كلفة، والفاعل بلا عجز.

ليس له حد في مكان، ولا غاية في زمان، لم يزل ولا يزول ولن يزال، كذلك أبداً هو الإله الحي القيوم، الدائم القديم، القادر الحكيم ....

١٥٢

الإمام محمد الباقرعليه‌السلام يجيب على سؤال متى وجد الله

- الكافي ج ٨ ص ١٢٠

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة ثابت بن دينار الثمالي وأبي منصور، عن أبي الربيع قال: حججنا مع أبي جعفرعليه‌السلام في السنة التي كان حج فيها هشام بن عبد الملك، وكان معه نافع مولى عمر بن الخطاب، فنظر نافع إلى أبي جعفرعليه‌السلام في ركن البيت وقد اجتمع عليه الناس فقال نافع: يا أمير المؤمنين من هذا الذي قد تداك عليه الناس؟ فقال: هذا نبي أهل الكوفة، هذا محمد بن علي!

فقال: أشهد لآتينه فلأسألنه عن مسائل لا يجيبني فيها إلا نبي أو ابن نبي أو وصي نبي، قال: فاذهب إليه وسله لعلك تخجله.

فجاء نافع حتى اتكأ على الناس ثم أشرف على أبي جعفرعليه‌السلام فقال: يا محمد بن علي إني قرأت التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، وقد عرفت حلالها وحرامها، وقد جئت أسألك عن مسائل لا يجيب فيها إلا نبي أو وصي نبي أو ابن نبي، قال فرفع أبو جعفرعليه‌السلام رأسه فقال: سل عما بدا لك.

فقال: أخبرني كم بين عيسى وبين محمد من سنة.

قال: أخبرك بقولي أو بقولك؟

قال: أخبرني بالقولين جميعاً.

قال: أما في قولي فخمسمائة سنة، وأما في قولك فستمائة سنة.

قال: فأخبرني عن قول الله عز وجل لنبيه: واسأل من أرسلنا قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون. من الذي سأل محمد، وكان بينه وبين عيسى خمسمائة سنة.

فقال: فتلا أبو جعفرعليه‌السلام هذه الآية: سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا. فكان من الآيات التي

١٥٣

أراها الله تبارك وتعالى محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله حيث أسرى به إلى بيت المقدس أن حشر الله عز ذكره الأولين والآخرين من النبيين والمرسلين، ثم أمر جبرئيلعليه‌السلام فأذن شفعاً وأقام شفعاً وقال في أذانه حي على خير العمل، ثم تقدم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فصلى بالقوم فلما انصرف قال لهم: على ما تشهدون وما كنتم تعبدون؟ قالوا: نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنك رسول الله، أخذ على ذلك عهودنا ومواثيقنا.

فقال نافع: صدقت يا أبا جعفر، فأخبرني عن قول الله عز وجل: أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما.

قال: إن الله تبارك وتعالى لما أهبط آدم إلى الأرض وكانت السماوات رتقاً لا تمطر شيئاً، وكانت الأرض رتقاً لا تنبت شيئاً، فلما أن تاب الله عز وجل على آدمعليه‌السلام أمر السماء فتقطرت بالغمام ثم أمرها فأرخت عزاليها، ثم أمر الأرض فأنبتت الأشجار وأثمرت الثمار وتفهقت بالأنهار، فكان ذلك رتقها، وهذا فتقها.

قال نافع: صدقت يابن رسول الله، فأخبرني عن قول الله عز وجل: يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات، أي أرض تبدل يومئذ.

فقال أبو جعفرعليه‌السلام : أرض تبقى خبزة يأكلون منها حتى يفرغ الله عز وجل من الحساب.

فقال نافع: إنهم عن الأكل لمشغولون.

فقال أبو جعفر: أهم يومئذ أشغل أم إذ هم في النار؟

فقال نافع: بل إذ هم في النار.

قال: فوالله ما شغلهم إذ دعوا بالطعام فأطعموا الزقوم، ودعوا بالشراب فسقوا الحميم.

قال: صدقت يابن رسول الله، ولقد بقيت مسألة واحدة.

قال: وما هي.

قال: أخبرني عن الله تبارك وتعالى متى كان؟

١٥٤

قال: ويلك متى لم يكن حتى أخبرك متى كان! سبحان من لم يزل ولا يزال، فرداً صمداً لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، ثم قال: يا نافع أخبرني عما أسألك عنه.

قال: وما هو.

قال: ما تقول في أصحاب النهروان، فإن قلت إن أمير المؤمنين قتلهم بحق فقد ارتددت، وإن قلت إنه قتلهم باطلاً فقد كفرت.

قال: فولى من عنده وهو يقول: أنت والله أعلم الناس حقاً حقا، فأتى هشاماً فقال له: ما صنعت؟ قال: دعني من كلامك، هذا والله أعلم الناس حقاً حقا، وهو ابن رسول الله حقاً، ويحق لأصحابه أن يتخذوه نبياً!! انتهى.

والظاهر أن الإمام الباقرعليه‌السلام سأل نافعاً عن رأيه في الخوارج، لأن نافعاً كان ناصبياً مؤيداً لرأي الخوارج في تكفير عليعليه‌السلام .

ويركز في المسلمين قاعدة: لا تشبيه ولا تعطيل

- التوحيد للصدوق ص ١٠٤

أبي رحمه‌الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله الأشعري قال: حدثنا أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن عيسى عمن ذكره قال: سئل أبو جعفرعليه‌السلام أيجوز أن يقال: إن الله عز وجل شيء قال: نعم، يخرجه عن الحدين حد التعطيل وحد التشبيه.

الإمام الصادقعليه‌السلام : لا نفي ولا تشبيه ولا جبر ولا تفويض

- قال الصدوق في كتابه التوحيد ص ١٠٢

حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه‌الله قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار قال: حدثنا العباس بن معروف قال: حدثنا ابن أبي نجران عن حماد بن عثمان، عن عبدالرحيم القصير قال: كتبت على يدي عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام بمسائل، فيها: أخبرني عن الله عز وجل هل يوصف بالصورة وبالتخطيط فإن رأيت جعلني الله فداك أن تكتب إلي بالمذهب الصحيح من التوحيد،

١٥٥

فكتبعليه‌السلام بيد عبد الملك بن أعين:

سألت رحمك الله عن التوحيد وما ذهب إليه من قبلك، فتعالى الله الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، تعالى الله عما يصفه الواصفون المشبهون الله تبارك وتعالى بخلقه، المفترون على الله. واعلم رحمك الله أن المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن من صفات الله عز وجل، فانف عن الله البطلان والتشبيه، فلا نفي ولا تشبيه، هو الله الثابت الموجود، تعالى الله عما يصفه الواصفون، ولا تَعْدُ القرآن فتضل بعد البيان.

- توحيد الصدوق ص ١٠٣

حدثني محمد بن موسى بن المتوكل رحمه‌الله قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن يعقوب السراج قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : إن بعض أصحابنا يزعم أن لله صورة مثل صورة الإنسان، وقال آخر إنه في صورة أمرد جعد قطط، فخر أبو عبد الله ساجداً، ثم رفع رأسه، فقال: سبحان الله الذي ليس كمثله شيء، ولا تدركه الأبصار، ولا يحيط به علم، لم يلد لأن الولد يشبه أباه، ولم يولد فيشبه من كان قبله، ولم يكن له من خلقه كفواً أحد، تعالى عن صفة من سواه علواً كبيرا.

المؤمنون يرون الله بعقولهم وقلوبهم في الدنيا والآخرة

- بحار الأنوار ج ٤ ص ٣١

لي: الطالقاني، عن ابن عقدة، عن المنذر بن محمد، عن علي بن إسماعيل الميثمي، عن إسماعيل بن الفضل قال: سألت أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادقعليهما‌السلام عن الله تبارك وتعالى هل يرى في المعاد فقال: سبحان الله وتعالى عن ذلك علواً كبيرا. يا ابن الفضل، إن الأبصار لا تدرك إلا ماله لون وكيفية، والله خالق الألوان والكيفية.

١٥٦

- بحار الأنوار ج ٤ ص ٤٤

يد: الدقاق، عن الأسدي، عن النخعي، عن النوفلي، عن البطائني، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قلت له: أخبرني عن الله عز وجل هل يراه المؤمنون يوم القيامة.

قال: نعم وقد رأوه قبل يوم القيامة.

فقلت: متى؟

قال: حين قال لهم: ألست بربكم قالوا بلى. ثم سكت ساعة ثم قال: وإن المؤمنين ليرونه في الدنيا قبل يوم القيامة، ألست تراه في وقتك هذا؟ قال أبو بصير فقلت له: جعلت فداك فأحدث بهذا عنك؟ فقال لا، فإنك إذا حدثت به فأنكره منكر جاهل بمعنى ما تقوله، ثم قدر أن ذلك تشبيه كَفَر، وليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين، تعالى الله عما يصفه المشبهون والملحدون.

ضه: سأل محمد الحلبي الصادقعليه‌السلام فقال: رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ربه قال: نعم رآه بقلبه، فأما ربنا جل جلاله فلاتدركه أبصار حدق الناظرين، ولا تحيط به أسماع السامعين.

- بحار الأنوار ج ٤ ص ٣٣

ج: عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله: لا تدركه الأبصار، قال: إحاطة الوهم، ألا ترى إلى قوله: قد جاءكم بصائر من ربكم، ليس يعني بصر العيون. فمن أبصر فلنفسه، ليس يعني من أبصر بعينه، ومن عمي فعليها، ليس يعني عمى العيون، إنما عنى إحاطة الوهم، كما يقال فلان بصير بالشعر، وفلان بصير بالفقه، وفلان بصير بالدراهم، وفلان بصير بالثياب. الله أعظم من أن يرى بالعين.

الإمام الصادقعليه‌السلام يردّ على الحلول والثنائية بين الذات والصفات

- الكافي ج ١ ص ٨٢

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن ابن مسكان، عن زرارة بن أعين قال: سمعت أبا

١٥٧

عبد اللهعليه‌السلام يقول: إن الله خلو من خلقه وخلقه خلو منه، وكل ما وقع عليه شيء ما خلا الله فهو مخلوق، والله خالق كل شيء، تبارك الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.

- الكافي ج ١ ص ٨٣

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن العباس بن عمرو الفقيمي، عن هشام بن الحكم عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قال للزنديق حين سأله: ما هو قال: هو شيء بخلاف الأشياء، أرجع بقولي إلى إثبات معنى وأنه شيء بحقيقة الشيئية، غير أنه لا جسم ولا صورة ولا يحس ولا يجس ولا يدرك بالحواس الخمس، لا تدركه الأوهام ولا تنقصه الدهور، ولا تغيره الأزمان، فقال له السائل: فتقول إنه سميع بصير قال: هو سميع بصير: سميع بغير جارحة وبصير بغير آلة، بل يسمع بنفسه ويبصر بنفسه، ليس قولي إنه سميع يسمع بنفسه وبصير يبصر بنفسه أنه شيء والنفس شيء آخر، ولكن أردت عبارة عن نفسي إذ كنت مسؤولاً وإفهاماً لك إذ كنت سائلاً، فأقول: إنه سميع بكله لا أن الكل منه له بعض، ولكني أردت إفهامك والتعبير عن نفسي، وليس مرجعي في ذلك إلا إلى أنه السميع.

- الكافي ج ١ ص ٨٧

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن هشام بن الحكم أنه سأل أبا عبد اللهعليه‌السلام عن أسماء الله واشتقاقها: الله مما هو مشتق؟ قال: فقال لي: يا هشام الله مشتق من أله، والإله يقتضي مألوهاً والإسم غير المسمى، فمن عبد الإسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئاً، ومن عبد الإسم والمعنى فقد كفر وعبد اثنين، ومن عبد المعنى دون الإسم فذاك التوحيد، أفهمت يا هشام؟ قال فقلت: زدني قال: إن لله تسعة وتسعين إسماً فلو كان الإسم هو المسمى لكان كل إسم منها إلهاً، ولكن الله معنى يدل عليه بهذه الأسماء وكلها غيره، يا هشام الخبز إسم للمأكول والماء إسم للمشروب والثوب إسم للملبوس والنار إسم للمحرق، أفهمت يا هشام فهماً تدفع به وتناضل به أعداءنا والمتخذين مع الله عز وجل غيره؟ قلت: نعم.

١٥٨

قال فقال: نفعك الله به وثبتك يا هشام، قال هشام فوالله ما قهرني أحد في التوحيد حتى قمت مقامي هذا.

- علي بن إبراهيم، عن العباس بن معروف، عن عبد الرحمن بن أبي نجران قال: كتبت إلى أبي جعفرعليه‌السلام أو قلت له: جعلني الله فداك نعبد الرحمن الرحيم الواحد الأحد الصمد؟ قال: فقال: إن من عبد الإسم دون المسمى بالأسماء أشرك وكفر وجحد ولم يعبد شيئاً بل أعبد الله الواحد الأحد الصمد المسمى بهذه الأسماء دون الأسماء أن الأسماء صفات وصف بها نفسه.

- الكافي ج ١ ص ١٠٣

علي بن محمد، عن سهل بن زياد، وعن غيره، عن محمد بن سليمان، عن علي بن إبراهيم، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال: إن الله عظيم رفيع لا يقدر العباد على صفته، ولا يبلغون كنه عظمته، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، ولا يوصف بكيف ولا أين وحيث، وكيف أصفه بالكيف وهو الذي كيف الكيف حتى صار كيفاً فعرفت الكيف بما كيف لنا من الكيف، أم كيف أصفه بأين وهو الذي أين الأين حتى صار أيناً فعرفت الأين بما أين لنا من الأين، أم كيف أصفه بحيث وهو الذي حيث الحيث حتى صار حيثاً فعرفت الحيث بما حيث لنا من الحيث، فالله تبارك وتعالى داخل في كل مكان وخارج من كل شيء، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار. لا إله إلا هو العلي العظيم، وهو اللطيف الخبير.

الإمام الكاظمعليه‌السلام يردّ على تجسيد النصارى

- وقال الصدوق في كتابه التوحيد ص ٣٠

حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيرضي‌الله‌عنه قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن يعقوب بن جعفر قال: سمعت أبا إبراهيم موسى بن جعفرعليهما‌السلام وهو يكلم راهباً من النصارى،

١٥٩

فقال له في بعض ما ناظره: إن الله تبارك وتعالى أجل وأعظم من أن يحد بيد أو رجل أو حركة أو سكون، أو يوصف بطول أو قصر، أو تبلغه الأوهام، أو تحيط به صفة العقول. أنزل مواعظه ووعده ووعيده، أمر بلا شفة ولا لسان، ولكن كما شاء أن يقول له كن، فكان خبراً كما أراد في اللوح.

ويبيّن أنّ الله تعالى غنيٌّ عن النزول والحركة

- قال الصدوق في كتابه التوحيد ص ١٨٣

حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه‌الله قال: حدثنا محمد بن عبد الله الكوفي قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، عن علي بن العباس، عن الحسن بن راشد، عن يعقوب بن جعفر الجعفري، عن أبي إبراهيم موسى بن جعفرعليهما‌السلام قال: ذكر عنده قوم يزعمون أن الله تبارك وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا، فقال: إن الله تبارك وتعالى لا ينزل، ولا يحتاج إلى أن ينزل، إنما منظره في القرب والبعد سواء، لم يبعد منه قريب، ولم يقرب منه بعيد، ولم يحتج بل يحتاج إليه، وهو ذو الطَّول، لا إله إلا هو العزيز الحكيم. أما قول الواصفين: إنه تبارك وتعالى ينزل، فإنما يقول ذلك من ينسبه إلى نقص أو زيادة، وكل متحرك محتاج إلى من يحركه أو يتحرك به، فظن بالله الظنون فهلك، فاحذروا في صفاته من أن تقفوا له على حد، فتحدوه بنقص أو زيادة أو تحرك أو زوال أو نهوض أو قعود، فإن الله جل عن صفة الواصفين ونعت الناعتين وتوهم المتوهمين.

الإمام الرضاعليه‌السلام يعلّم تلاميذه الدفاع عن التوحيد

- توحيد الصدوق ص ١٠٧

حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور رحمه‌الله قال: حدثنا محمد بن جعفر بن بطة قال: حدثني عدة من أصحابنا، عن محمد بن عيسى بن عبيد قال قال لي أبو الحسنعليه‌السلام : ما تقول إذا قيل لك أخبرني عن الله عز وجل شيء هو أم لا؟ قال فقلت له: قد أثبت

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423