تذكرة الفقهاء الجزء ٧

تذكرة الفقهاء8%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-007-2
الصفحات: 481

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 481 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 169406 / تحميل: 5804
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٧

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٠٠٧-٢
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

لا ، فإن كان قد وجب عليه الحجّ فإمّا أن يكون قد استقرّ عليه أو لا ، فإن كان قد استقرّ عليه أوّلاً ثم أهمل وتمكّن من الإِتيان به ولم يفعل ، وجب عليه القضاء ؛ لما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام قال : « يقضى عن الرجل حجّة الإِسلام من جميع ماله »(١) .

وإن لم يكن قد استقرّ عليه بل حال ما تحقّق الوجوب أدركته الوفاة ، فإنّه يسقط عنه فرض الحجّ ، ولا يجب الاستئجار ، وكذا لو لم يجب عليه الحج لم يجب الاستئجار ، لكن يستحب فيهما خصوصاً الأبوين ، رواه العامة(٢) ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر أبا رزين فقال : ( حجّ عن أبيك واعتمر )(٣) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه عمّار بن عمير ، قال : قلت للصادقعليه‌السلام : بلغني عنك أنّك قلت : لو أنّ رجلاً مات ولم يحج حجة الإِسلام فأحجّ عنه بعض أهله أجزأ ذلك عنه ، فقال : « أشهد على أبي أنّه حدّثني عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه أتاه رجل فقال : يا رسول الله إنّ أبي مات ولم يحج حجّة الإِسلام ، فقال : حجّ عنه فإنّ ذلك يجزئ عنه »(٤) .

وفي الصحيح عن معاوية بن عمّار ، قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن رجل مات ولم يكن له مال ولم يحج حجة الإِسلام فأحجّ عنه بعض إخوانه هل يجزئ عنه؟ أو هل هي ناقصة؟ فقال : « بل هي حجة تامة »(٥) .

ولو أراد أن يحج عن أبويه ، قال أحمد : ينبغي أن يقدّم الحج عن الاُم ؛ لأنّها مقدّمة في البِرّ.

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٠٣ - ٤٠٤ / ١٤٠٥.

(٢) المغني ٣ : ٢٠٠ ، الشرح الكبير ٣ : ١٩٩.

(٣) سنن النسائي ٥ : ١١٧ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٧٠ / ٩٣٠ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٧٠ / ٢٩٠٦ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٢٩ ، مسند أحمد ٤ : ١٠.

(٤) التهذيب ٥ : ٤٠٤ / ١٤٠٧.

(٥) التهذيب ٥ : ٤٠٤ / ١٤٠٨.

١٠١

قال أبو هريرة : جاء رجل إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : مَنْ أحقّ الناس بحسن صحابتي؟ قال : ( أمّك ) قال : ثمّ من؟ قال : ( أمّك ) قال : ثمّ من؟ قال : ( أبوك )(١) .

ولو كان الحج واجباً على الأب دونها ، بدأ به ، لأنّه واجب فكان أولى من التطوّع(٢) .

مسألة ٧٠ : من وجب عليه الحج فخرج لأدائه فمات في الطريق ، فإن لم يفرّط بالتأخير بل خرج حالة وجوب الحج ، لم يجب إخراج شي‌ء من تركته في الحج ، سواء دخل الحرم وأحرم أو لا.

وإن كان الحج قد استقرّ في ذمّته بأن وجب عليه الحج في سنة فلم يخرج فيها وأخّر إلى سنة أُخرى فخرج فمات في الطريق ، فإن كان قد أحرم ودخل الحرم فقد أجزأه عمّا وجب عليه ، وسقط الحج عنه ، سواء كان وجب عليه الحج عن نفسه أو عن غيره بأن استؤجر للحج فمات بعد الإِحرام ودخول الحرم ، وتبرأ أيضاً ذمّة المنوب ، وإن مات قبل ذلك ، وجب أن يقضى عنه من صلب ماله.

وقال أحمد : يستأجر عنه عمّا بقي من أفعاله(٣) . ولم يفصّل كما فصّلناه.

ونحن اعتمدنا في ذلك على ما رواه الخاصة عن أهل البيتعليهم‌السلام :

روى بريد بن معاوية العجلي - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل خرج حاجّاً ومعه جمل ونفقة وزاد فمات في الطريق ، فقال : « إن كان صرورة فمات في الحرم فقد أجزأت عنه حجة‌

____________________

(١) صحيح البخاري ٨ : ٢ ، صحيح مسلم ٤ : ١٩٧٤ / ٢٥٤٨.

(٢) المغني والشرح الكبير ٣ : ٢٠٠.

(٣) المغني ٣ : ١٩٩ ، الشرح الكبير ٣ : ١٩٨ ، الكافي في فقه الإِمام أحمد ١ : ٤٧١.

١٠٢

الإِسلام ، وإن مات قبل أن يُحرم وهو صرورة جُعل جمله وزاده ونفقته في حجة الإِسلام ، فإن فضل من ذلك شي‌ء فهو لورثته » قلت : أرأيت إن كانت الحجة تطوّعاً فمات في الطريق قبل أن يُحرم لمن يكون جمله ونفقته وما تركه؟ قال : « لورثته إلّا أن يكون عليه دين فيقضى دينه ، أو يكون أوصى بوصية فينفذ ذلك لمن أوصى ويجعل ذلك من الثلث »(١) .

تذنيب : استقرار الحج في الذمّة يحصل بالإِهمال بعد حصول الشرائط بأسرها ومضيّ زمان جميع أفعال الحجّ ، ويحتمل مضيّ زمان يتمكّن فيه من الإحرام ودخول الحرم.

آخر : الكافر يجب عليه الحج على ما تقدّم ، ولا يصح منه قبل الإسلام ، فإن وجد الاستطاعة حالة الكفر فلم يحج ومات ، أثم ، ولم يقض عنه ، ولو أسلم ، وجب عليه الإتيان به إن استمرّت الاستطاعة ، ولو فقدت بعد إسلامه ، لم يجب عليه بالاستطاعة السابقة حال كفره ، ولو فقد الاستطاعة بعد الإسلام ومات قبل عودها ، لم يقض عنه ، ولو أحرم حال كفره ، لم يعتد به ، وأعاده بعد الإسلام ، ولو استطاع المرتدّ حال ردّته ، وجب عليه وصحّ منه إن تاب ، ولو مات اخرج من صلب تركته وإن لم يتب على إشكال.

مسألة ٧١ : من وجب عليه حجة الإسلام فنذر الإتيان بها صحّ نذره ، لأنّ متعلّقه طاعة ، ولا يجب عليه الإتيان بحجة اخرى ، وفائدة النذر : وجوب الكفّارة لو أهمل.

ولو نذر حجّة أخرى وجب عليه النذر مغايرا لحجة الإسلام.

ولو أطلق النذر ولم ينو حجة الإسلام ولا المغايرة ، وجب عليه حجّ آخر غير حجة الإسلام ، ولا تجزئ إحداهما عن الأخرى.

وقال بعض علمائنا : إن حجّ ونوى النذر أجزأ عن حجة الإسلام ، وإن‌

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٠٧ / ١٤١٦.

١٠٣

نوى حجة الإِسلام ، لم يجزئ عن النذر(١) ؛ لما رواه رفاعة بن موسى - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله هل يجزئه ذلك عن حجة الإِسلام؟ قال : « نعم »(٢) .

ولا دلالة فيه ، لاحتمال أن يقصد بالنذر حجة الإسلام.

مسألة ٧٢ : لو نذر الحجّ ماشياً ، انعقد نذره ، ووجب المشي إلى بيت الله تعالى ، وأداء المناسك ، فلو احتاج إلى عبور نهر عظيم في سفينة ، قيل : يقوم في السفينة(٣) .

والوجه : الاستحباب.

ولو ركب طريقه بأسرها مختاراً ، قضاه إلّا أن يكون معذوراً بعجز وشبهه ، فيركب ولا شي‌ء عليه.

ولا يسقط عنه الحج ؛ لأنّ نذر الحج ماشيا نذر للمركّب فيستلزم نذر أجزائه ، وبالعجز عن البعض لا يسقط الباقي ، لما رواه رفاعة بن موسى - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله ، قال : « فليمش » قلت : فإنّه تعب ، قال : « فإذا تعب ركب »(٤) .

ولو ركب البعض مختاراً ومشى البعض ، قال بعض علمائنا : يجب القضاء ماشياً ؛ لإِخلاله بالصفة(٥) .

وقال بعضهم : يقضي ويمشي في القضاء ما ركبه ويركب فيه ما مشاة أوّلاً(٦) .

____________________

(١) النهاية : ٢٠٥.

(٢) التهذيب ٥ : ١٣ / ٣٥ ، والكافي ٤ : ٢٧٧ / ١٢.

(٣) القائل هو الشيخ الطوسي في النهاية : ٢٠٥ و ٥٦٦ ، والمبسوط ١ : ٣٠٣ ، والمحقّق الحلّي في شرائع الإِسلام ١ : ٢٣١.

(٤) التهذيب ٥ : ٤٠٣ / ١٤٠٢ ، الاستبصار ٢ : ١٥٠ / ٤٩٢.

(٥) ابن ادريس في السرائر : ٣٥٧.

(٦) الشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٣٠٣ ، والنهاية : ٥٦٥ - ٥٦٦.

١٠٤

ولو عجز عن المشي ، قال بعض علمائنا : يركب ويسوق بدنة(١) ؛ لما رواه ذريح المحاربي ، قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن رجل حلف ليحجنّ ماشياً ، فعجز عن ذلك فلم يطقه ، قال : « فليركب وليسق الهدي »(٢) .

وقال بعض علمائنا : يركب ولا هدي عليه(٣) .

وقال بعضهم : إن كان النذر مطلقاً ، توقّع المكنة ، وإن كان مقيّداً ، سقط ؛ للعجز عن فعل ما نذره(٤) .

مسألة ٧٣ : لو مات وعليه حجة الإِسلام واُخرى منذورة مستقرّتان ، وجب أن يُخرج عنه من صلب ماله اُجرة الحجّتين ، لأنّهما كالدّيْن.

وللشيخ -رحمه‌الله - قول : إنّ حجّة الإِسلام تخرج من أصل المال ، وما نذره من الثلث(٥) ؛ لوجوب تلك بالأصالة ووجوب هذه بالعرض ، لأنّها كالمتبرّع بها ، فأشبهت الندب.

ولما رواه ضريس بن أعين ، أنّه سأل الباقرعليه‌السلام عن رجل عليه حجّة الإسلام ونذر في شكر ليحجّنّ رجلا ، فمات الرجل الذي نذر قبل أن يحجّ حجّة الإِسلام وقبل أن يفي لله بنذره ، فقال : « إن كان ترك مالاً ، حجّ عنه حجّة الإِسلام من جميع ماله ، ويخرج من ثُلْثه ما يحج به عنه للنذر ، وإن لم يكن ترك مالاً إلّا بقدر حجّة الإِسلام ، حجّ عنه حجّة الإِسلام في ما ترك ، وحجّ عنه وليّه النذر ، فإنّما هو دين عليه »(٦) .

____________________

(١) الشيخ الطوسي في النهاية : ٢٠٥ ، والمبسوط ١ : ٣٠٣.

(٢) التهذيب ٥ : ٤٠٣ / ١٤٠٣ ، الاستبصار ٢ : ١٤٩ / ٤٩٠.

(٣) الشيخ المفيد في المقنعة : ٦٩ ، وابن إدريس في السرائر : ١٢١ و ٣٥٧.

(٤) كما في شرائع الإِسلام ١ : ٢٣١.

(٥) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٠٦.

(٦) التهذيب ٥ : ٤٠٦ / ١٤١٣.

١٠٥

قال الشيخ : قولهعليه‌السلام : « فليحجّ عنه وليّه ما نذر » على جهة التطوّع والاستحباب دون الفرض والإِيجاب(١) .

والوجه : ما تقدّم.

تذنيب : لو أوصى بحجّ وغيره من الطاعات ، فإن كان فيها واجب ، قدّم ، ولو كان الجميع واجباً وقصرت التركة ، بسطت على الجميع بالحصص ، فإن لم يمكن الاستئجار بما جعل في نصيب الحج ، صرف في الباقي.

وقال بعض علمائنا : يقدّم الحجّ(٢) ؛ لأولويته ، وللرواية(٣) .

والوجه : ما قلناه.

آخر : لو أوصى أن يحجّ عنه عن كلّ سنة بمال معيّن ، فلم يسع ذلك القدر للحجّة ، جعل مال سنتين لسنة ، ولو قصرا ، جعل نصيب ثلاث سنين ، وهكذا ؛ لما رواه إبراهيم بن مهزيار ، قال : كتب إليه علي بن محمد الحصيني(٤) أنّ ابن [ عمّي ](٥) أوصى أن يحجّ عنه بخمسة عشر ديناراً في كلّ سنة فليس يكفي ، فما تأمر في ذلك؟ فكتبعليه‌السلام « يجعل حجّتين حجّةً ، فإنّ الله تعالى عالم بذلك »(٦) .

مسألة ٧٤ : لو كان عنده وديعة ومات صاحبها وعليه حجّة الإِسلام وعرف أنّ الورثة لا يؤدّون الحجّة عنه ، فليستأجر من يحجّ عنه ، وليدفع الوديعة في الإِجارة باُجرة المثل ؛ لأنّه مال خارج عن الورثة ، ويجب صرفه في الحجّ ،

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٠٦ ذيل الحديث ١٤١٣.

(٢) القاضي ابن البرّاج في المهذّب ٢ : ١١٢.

(٣) أي : رواية ضريس بن أعين ، التي تقدّمت آنفاً.

(٤) في التهذيب : الحضيني.

(٥) في النسخ الخطية والحجرية : عمر. وما أثبتناه من المصدر.

(٦) الكافي ٤ : ٣١٠ باب بعد باب الحج ، الحديث ٢ ، التهذيب ٥ : ٤٠٨ / ١٤١٨.

١٠٦

فليصرف فيه.

ولما رواه بريد العجلي - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل استودعني مالاً فهلك وليس لولده شي‌ء ولم يحجّ حجّة الإِسلام ، قال : « حجّ عنه ، وما فضل فأعطهم»(١) .

إذا ثبت هذا ، فإنّما يسوغ له ذلك بشروط :

أ - علمه بأنّ الورثة لا يحجّون عنه إذا دفع المال إليهم.

ب - أمن الضرر ، فلو خاف على نفسه أو ماله ، لم يجز له ذلك.

ج - أن لا يتمكّن من الحاكم ، فإن تمكّن منه بأن يشهد له عدلان عنده بذلك أو بغير ذلك من الأسباب بثبوت الحج في ذمّته وامتناع الورثة من الاستئجار ، لم يجز له الاستقلال به ، ولو عجز عن إثبات ذلك عند الحاكم ، جاز له الاستبداد بالاستئجار.

مسألة ٧٥ : إذا نذر الحجّ مطلقاً ، لم يتعيّن الفور ، بل يجوز التأخير إلى أن يغلب على الظنّ الوفاة لو لم يفعله ، فإن مضى زمان يمكنه فيه فعل الحجّ ولم يفعله حتى مات ، وجب أن يقضى عنه من أصل التركة ؛ لأنّه قد وجب عليه بالنذر ، واستقرّ بمضيّ زمان التمكّن ، ولا يسقط عنه بعدم وجوب الفورية.

أمّا لو منعه مانع عن الفورية ، فإنّه يصبر حتى يزول المانع فإن مات قبل زوال المانع ، لم يجب القضاء عنه ؛ لفوات شرط الوجوب ، وهو : القدرة.

ولو عيّن الوقت فأخلّ مع القدرة ، قضي عنه. وإن منعه عارض - كمرض أو عدوّ - حتى مات ، لم يجب قضاؤه عنه.

ولو نذر الحجّ أو أفسد حجّاً وهو معضوب ، فالأقرب وجوب الاستنابة ، كحجّة الإِسلام.

____________________

(١) الكافي ٤ : ٣٠٦ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٢٧٢ / ١٣٢٨ ، التهذيب ٥ : ٤١٦ / ١٤٤٨.

١٠٧

مسألة ٧٦ : لا يجوز لمن وجب عليه الحجّ واستقرّ أن يحجّ تطوّعاً ولا نذراً لم يتضيّق وقته ، فإن أحرم بتطوّع ، قال الشيخرحمه‌الله : يقع عن حجّة الإِسلام(١) . وبه قال الشافعي وأحمد ، وهو قول ابن عمر وأنس ؛ لأنّه أحرم بالحجّ وعليه فرضه فوقع عن فرضه كالمطلق(٢) .

وقال مالك والثوري وأبو حنيفة وإسحاق وابن المنذر : يقع ما نواه. وهو رواية أُخرى عن أحمد(٣) .

والتحقيق أن نقول : إن كان قد وجب عليه واستقرّ ، لم يجزئه عن أحدهما.

أمّا عن حجّ الإسلام : فلأنّه لم ينوه.

وأمّا عن حجّ التطوّع : فلأنّه لم يحصل شرطه ، وهو : خلوّ الذمّة عن حجّ واجب.

وإن كان الحجّ لم يجب عليه ، وقع عن التطوّع.

تذنيب : لو كان عليه حجّة منذورة فأحرم بتطوّع ، لم يصح.

وهل يقع عن المنذورة؟ الأقرب : المنع ؛ لأنّ المنذورة واجبة ، فهي كحجّة الإِسلام.

وقال أحمد : يقع عن المنذورة ؛ لأنّها واجبة ، فهي كحجّة الإِسلام(٤) .

آخر : العمرة كالحجّ فيما ذكرنا ؛ لأنّها أحد النسكين ، فأشبهت الآخر.

مسألة ٧٧ : لو نذر الحجّ فإن أطلق الزمان ، صحّ النذر ، سواء كان قد‌

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٠٢.

(٢ و ٣) الحاوي الكبير ٤ : ٢٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٤٩ ، المغني ٣ : ٢٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٠٩ ، الكافي في فقه الإِمام أحمد ١ : ٤٧٢.

(٤) المغني ٣ : ٢٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٠٩.

١٠٨

استقرّ عليه حجّة الإِسلام أو لا ؛ لعدم الفورية فيه على الأقوى.

وإن قيّد النذر بزمان ، فإن لم يكن جامعاً لشرائط حجّة الإِسلام ، انعقد نذره وإن كان صرورةً.

ثمّ إن استطاع بعد ذلك ففي وجوب تقديم حجّة الإِسلام نظر أقربه : المنع ؛ لأنّ الزمان قد استحق صرفه بالنذر إلى غير حجّة الإِسلام ، فلو قدّم حجّة النذر ، أجزأ إن لم نوجب تقديم حجّة الإِسلام ، وإن أوجبنا التقديم ، احتمل البطلان ووقوع الحجّ عن حجّة الإِسلام على ما تقدّم البحث فيه.

ومع إطلاق الزمان في النذر لو كان مستطيعاً ، وجب أن يبدأ بحجّة الإِسلام ، وكذا لو تجدّدت الاستطاعة قبل فعل المنذورة.

تذنيب : لو أحرم بالمنذورة من عليه حجّة الإِسلام فوقعت عن حجة الإِسلام - كما اختاره بعض علمائنا(١) - لم تسقط المنذورة - وهو قول ابن عمر وأنس وعطاء وأحمد(٢) - لأنّها حجّة واحدة ، فلا تجزئ عن حجّتين ، كما لو نذر حجّتين فحجّ واحدة.

وقال أحمد في رواية اُخرى عنه : إنّها تجزئ عن المنذورة ؛ لأنّه قد أتى بالحجّة ناوياً بها نذره ، فأجزأته ، كما لو كان ممّن أسقط فرض الحجّ عن نفسه ، وهذا كما لو نذر صوم يوم قدوم فلان ، فقدم في يوم من رمضان ، فنواه عن فرضه ونذره(٣) . وهو قول ابن عباس وعكرمة(٤) .

وروى سعيد بإسناده عن ابن عباس وعكرمة أنّهما قالا في رجل نذر أن يحجّ ولم يكن حجّ الفريضة ، قال : يجزئ لهما جميعاً(٥) .

وسئل عكرمة عن ذلك ، فقال : يقضي حجّةً عن نذره وعن حجّة الإِسلام ، أرأيتم لو أنّ رجلاً نذر أن يصلّي أربع ركعات فصلّى العصر أليس‌

____________________

(١) راجع : النهاية - للطوسي - : ٢٠٥.

(٢) المغني ٣ : ٢٠٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٠٨.

(٣ - ٥) المغني ٣ : ٢٠٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٠٩.

١٠٩

ذلك يجزئه من العصر ومن النذر؟

قال : وذكرت قولي لابن عباس ، فقال : أصبت وأحسنت(١) .

وقد روى علماؤنا مثل ذلك عن الصادق(٢) عليه‌السلام ، وقد سلف(٣) .

المطلب الثاني : في شرائط باقي أقسام الحج.

وفيه بحثان :

الأول : في شرائط حجّ النذر وشبهه‌

مسألة ٧٨ : يشترط في انعقاد النذر واليمين والعهد : التكليف والحُرّية والإِسلام وإذن الزوج خاصة ، فلا ينعقد نذر الصبي وإن كان مراهقاً ، ولا المجنون المطبق ، ولا من يأخذه أدواراً إذا وقع حالة جنونه ، ولا السكران ولا المغمى عليه ولا الساهي ولا الغافل ولا النائم ولا العبد إلّا بإذن مولاه ، فإن أذن له في النذر ، لم يكن له منعه ، ولا الزوجة إلّا بإذن الزوج ، ومع إذنه في النذر ليس له منعها منه. وللأب حلّ يمين الولد.

ولو نذر الكافر ، لم ينعقد نذره وإن أسلم.

ولا يشترط في النذر شرائط حجّة الإسلام ، لأنّ غير المستطيع بالزاد والراحلة ينعقد نذره ، وكذا المريض ، وإذا صحّ النذر ، وجب الوفاء به إن قيّده بوقت ، وإلاّ لم يجب الفور.

نعم لو تمكّن بعد وجوبه ومات ، لم يأثم ، ويقضى من صلب التركة.

ولو كان عليه حجّة الإسلام ، قسّمت التركة بينهما ، لتساويهما في الوجوب ، ولو اتّسعت لإحداهما خاصّة ، قدّمت حجّة الإسلام ، لأنّ وجوبها بالأصالة. ولو لم يتمكّن من أدائها ومات ، سقط النذر.

____________________

(١) المغني ٣ : ٢٠٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٠٩.

(٢) الكافي ٤ : ٢٧٧ / ١٢ ، التهذيب ٥ : ١٣ / ٣٥.

(٣) سلف في المسألة ٧١.

١١٠

ولو قيّده بوقت فأخلّ به مع القدرة ، أثم ، وقُضي عنه - لو مات - من صلب المال ، ولو أخلّ لا مع القدرة لمرض وعدوّ وشبههما ، سقط.

ولو نذر أو أفسد وهو معضوب ، قيل : وجبت الاستنابة(١) .

البحث الثاني : في شرائط النيابة‌

مسألة ٧٩ : يشترط في النائب : كمال العقل وإسلام النائب والمنوب عنه وعدم شغل ذمّته بحجّ واجب ، فلا تصح نيابة المجنون ولا الصبي غير المميّز ؛ لارتفاع تحقّق القصد منهما.

ولو كان الصبي مميّزاً ، قيل(٢) : لا يصح أن يكون نائباً ، لأنّه ليس بمكلّف ، فلا تصحّ منه العبادة ولا نيّة القربة ، ولأنّه يعلم من نفسه أنّه غير مكلّف ولا مؤاخذ بما يصدر عنه ، فلا تحصل الثقة بأفعاله.

وقيل(٣) : تصحّ ؛ لأنّ حجّه عن نفسه صحيح فكذا عن غيره.

ويحتمل الفرق ؛ لأنّ الصحة لا تقتضي الإِجزاء فجاز أن تكون النيابة غير مجزئة ، كما لا تجزئ المباشرة عن حجّة الإِسلام.

مسألة ٨٠ : الإِسلام شرط في النائب ، فلو حجّ الكافر عن غيره الكافر أو المسلم ، لم يصح ، سواء استؤجر أو استنيب من غير إجارة ، أو تطوّع بالتبرّع ؛ لأنّه لا تصحّ منه نية القربة التي هي شرط في صحة الفعل.

وكذا هو شرط في المنوب عنه ، فليس للمسلم أن يحجّ عن الكافر ؛ لقوله تعالى :( ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا اُولِي قُرْبى ) (٤) .

ولأنّ ثواب الحج مقارن للتعظيم والإِجلال ، وهو ممتنع في حقّ الكافر ؛

____________________

(١) القائل هو الشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٢٩٩.

(٢ و ٣) كما في شرائع الإِسلام ١ : ٢٣٢.

(٤) التوبة : ١١٣.

١١١

لاستحقاقه في الآخرة الخزي والعذاب والاستخفاف ، وإذا انتفى استحقاق الثواب ، انتفى ملزومه وهو صحة الفعل عنه.

مسألة ٨١ : قال الشيخرحمه‌الله : لا يجوز لأحد أن يحجّ عن غيره إذا كان مخالفاً له في الاعتقاد ، إلّا أن يكون أباه ، فإنّه يجوز له أن يحجّ عنه(١) .

ومنع ابن إدريس هذا الاستثناء ، وقال : لا يجوز أن يحجّ عن المخالف سواء كان أباه أو غيره(٢) .

والشيخ -رحمه‌الله - عوّل على ما رواه وهب بن عبد ربه - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت له : أيحجّ الرجل عن الناصب؟ قال : « لا » قلت : فإن كان أبي؟ قال : « إن كان أبوك(٣) فنعم »(٤) والاحتجاج بالرواية أولى.

ولاشتمال ذلك على البرّ بالأبوين.

إذا عرفت هذا ، فالرواية مخصوصة بالناصب ، وهو الذي يتظاهر بالعداوة لأهل البيتعليهم‌السلام ، وقول الأصحاب أعمّ ؛ لأنّ الذي يستحقّ به الثواب الدائم هو الإِيمان ، فغير المؤمن لا يستحقّ ثواباً.

أمّا المخالف فيجوز أن ينوب عن المؤمن ، ويجزئ عن المنوب إذا لم يخلّ بركن ؛ لأنّها تجزئ عنه ، ولا تجب عليه الإِعادة لو استبصر ، فدلّ ذلك على أنّ عبادته معتبرة في نظر الشرع يستحقّ بها الثواب إذا رجع إلى الإِيمان إلّا الزكاة ؛ لأنّه دفعها إلى غير مستحقّها.

ويدلّ على ذلك كلّه : ما رواه بريد بن معاوية العجلي عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل حجّ وهو لا يعرف هذا الأمر ، ثم منّ الله عليه‌

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٢٦ ، النهاية : ٢٨٠.

(٢) السرائر : ١٤٩.

(٣) « أبوك » مرفوعاً على تقدير : كان أبوك ناصباً. وفي المصدر : « أباك ».

(٤) الكافي ٤ : ٣٠٩ ( باب الحج عن المخالف ) الحديث ١ ، التهذيب ٥ : ٤١٤ / ١٤٤١.

١١٢

بمعرفته والدينونة به ، عليه حجّة الإِسلام أو قد قضى فريضته؟ فقال : « قد قضى فريضته ، ولو حجّ لكان أحبّ إليّ ».

قال : وسألته عن رجل وهو في بعض هذه الأصناف من أهل القبلة ناصب منذ برهة(١) منّ الله عليه بمعرفة هذا الأمر يقضي حجّة الإِسلام؟ فقال : « يقضي أحبّ إليّ » وقال : « كلّ عمل عمله وهو في حال نصبه وضلالته ثم منّ الله عليه وعرّفه الولاية ، فإنّه يؤجر عليه إلّا الزكاة ، فإنّه يعيدها ، لأنّه قد وضعها في غير مواضعها ، لأنّها لأهل الولاية ، وأمّا الصلاة والحجّ والصيام فليس عليه قضاء »(٢) .

مسألة ٨٢ : يشترط في النائب خلوّ ذمّته عن حجٍّ واجبٍ عليه بالأصالة أو بالنذر أو الاستئجار أو الإِفساد ، فلو وجب عليه حجٌّ بسبب أحد هذه ، لم يجز له أن ينوب عن غيره إلّا بعد أداء فرضه ؛ لما رواه العامة عن ابن عباس أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سمع رجلاً يقول : لبّيك عن شبرمة ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( مَنْ شبرمة؟ ) قال : قريب لي ، قال : ( حججت قطّ؟ ) قال : لا ، قال : ( فاجعل هذه عن نفسك ثم احجج عن شبرمة )(٣) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه سعد بن أبي خلف - في الصحيح - عن الكاظمعليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل الصرورة يحجّ عن الميت؟

قال : « نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحجّ به عن نفسه ، فإن كان له ما يحجّ به عن نفسه فليس يجزئ عنه حتى يحجّ من ماله ، وهي تجزئ عن الميت إن كان للصرورة مال وإن لم يكن له مال»(٤) .

____________________

(١) في المصدر : متدين ، بدل منذ برهة.

(٢) التهذيب ٥ : ٩ / ٢٣ ، الاستبصار ٢ : ١٤٥ / ٤٧٢.

(٣) سنن ابن ماجة ٢ : ٩٦٩ / ٢٩٠٣ ، سنن أبي داود ٢ : ١٦٢ / ١٨١١ ، المغني ٣ : ٢٠١.

(٤) الكافي ٤ : ٣٠٥ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٤١٠ - ٤١١ / ١٤٢٧ ، الاستبصار ٢ : ٣١٩ - ٣٢٠ - ١١٣١.

١١٣

ولأنّ ذمّته مشغولة بصرف الزمان في الحجّ عن نفسه فلا يجوز صرفه في غيره ؛ لاستلزامه ترك الواجب ؛ لتضادّهما.

مسألة ٨٣ : لو وجب عليه حجّ الإِسلام واستقرّ بأن مضى زمان يمكنه إيقاعه فيه فأهمل ، أو لم يستقرّ بأن كملت الشرائط في ذلك العام فحجّ عن غيره استئجاراً أو نيابةً ، لم يصح حجّه عن غيره ، ولا تقع النية عن نفسه ، بل يقع باطلاً ، قاله الشيخ(١) رحمه‌الله - وبه قال أبو بكر بن عبد العزيز ، وهو مروي عن ابن عباس(٢) - لأنّ الحجّ لا يقع عن نفسه ؛ لعدم نيّته ، ولا عن غيره ؛ لوجوب صرف هذا الزمان إلى حجّه ، فكان صرفه إلى حجّ غيره منهياً عنه ، والنهي في العبادات يدلّ على الفساد.

ولأنّه لمـّا كان من شرط طواف الزيارة تعيين النيّة ، فمتى نواه لغيره لم يقع لنفسه ، ولهذا لو طاف حاملاً لغيره ولم ينو لنفسه ، لم يقع عن نفسه.

ولرواية سعد ؛ فإنّ قول الكاظمعليه‌السلام : « فإن كان له ما يحجّ به عن نفسه فليس يجزئ عنه حتى يحجّ من ماله »(٣) .

ولما رواه إبراهيم بن عقبة ، قال : كتبت إليه أسأله عن رجل صرورة لم يحجّ قطّ حجّ عن صرورة لم يحجّ قطّ أتجزئ كلّ واحد منهما تلك الحجة عن حجة الإِسلام أو لا؟ بيّن لي ذلك يا سيدي إن شاء الله ، فكتبعليه‌السلام : « لا يجوز ذلك »(٤) .

قال الشيخ : إنّه محمول على أنّه إذا كان للصرورة مال فإنّ تلك الحجّة لا تجزئ عنه(٥) .

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٠٢.

(٢) المغني ٣ : ٢٠١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٠٧.

(٣) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في المسألة ٨٢.

(٤) التهذيب ٥ : ٤١١ / ١٤٣٠ ، الاستبصار ٢ : ٣٢٠ / ١١٣٤.

(٥) التهذيب ٥ : ٤١١ ذيل الحديث ١٤٣٠ ، الاستبصار ٢ : ٣٢٠ ذيل الحديث ١١٣٤.

١١٤

وقال الأوزاعي والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين وإسحاق : يقع إحرامه وحجّه عن نفسه عن حجّة الإِسلام ، لحديث شبرمة ، ولأنّه حجّ عن غيره قبل الحجّ عن نفسه ، فلم يقع عن الغير ، كما لو كان صبيّاً(١) .

وحديث شبرمة لا دلالة فيه ؛ لأنّه لم يعقد إحرامه بالتلبيات الأربع ؛ فأمره النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بإنشاء الإِحرام عن نفسه ، ورفض ما قاله من التلبية حيث لم يكمل إحرامه ، ولو فرضنا إكمال إحرامه فإنّه أمره بالحجّ عن نفسه ، وهو يكون بتجديد نيّة اُخرى وإبطال الاُولى ، فلا يدلّ على صحته ووقوعه عن نفسه.

إذا عرفت هذا ، فلو وجب عليه الحجّ ولم يستقرّ فخرج نيابةً عن الغير ، لم يجزئ عن أحدهما ، فلو فقد الاستطاعة بعد ذلك والوقت باقٍ وجب عليه أداء حجّة الإِسلام ، ويجب عليه تجديد الإِحرام ؛ لأنّ الأول وقع باطلاً ، ولو أكمل حجّةً عن الغير لم تقع عن أحدهما على ما تقدّم ، ثم يجب عليه الابتداء في العام المقبل بحجّة الإِسلام عن نفسه إذا تمكّن منه ولو مشياً ، ولا يشترط الزاد والراحلة مع القدرة على التسكّع والحجّ.

ولو وجب عليه حجّة الإِسلام ولم يفرّط في المضيّ ثم حدث ما يمنعه من المضيّ ولم يتمكّن منه ثم لم يقدر على الحجّ فيما بعد ولا حصلت له شرائطه ، فإنّه يجوز له أن يحجّ عن غيره ؛ لأنّه لم يستقرّ في ذمّته ، ولو كان الحجّ قد استقرّ في ذمّته بأن فرّط فيه ، لم يجز أن يحجّ عن غيره ، سواء عجز فيما بعد أو لم يعجز ، تمكّن من المضيّ أو لم يتمكّن.

مسألة ٨٤ : الصرورة إذا لم يجب عليه حجّة الإِسلام أو وجب ولم يستقرّ بأن خرج في عام تمكّنه فتجدّد عجزه ، يجوز له أن يحجّ نائباً عن غيره‌

____________________

(١) المهذب - للشيرازي - ١ : ٢٠٧ ، المجموع ٧ : ١١٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٤٧ ، المغني ٣ : ٢٠١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٠٧ - ٢٠٨.

١١٥

عند علمائنا - وبه قال الحسن البصري وإبراهيم النخعي وأيوب السجستاني ، ونقله العامّة عن الصادق جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، وبه قال مالك وأبو حنيفة ، وهو رواية اُخرى عن أحمد ، وهو قول الثوري أيضاً(١) - لأنّ الحجّ ممّا تدخله النيابة ، فجاز أن يؤدّيه عن غيره مَنْ لم يسقط فرضه عن نفسه ، كالزكاة ؛ لما تقدّم(٢) في حديث سعد عن الكاظمعليه‌السلام .

ولما رواه معاوية بن عمّار - في الحسن - عن الصادقعليه‌السلام ، في رجل صرورة مات ولم يحج حجّة الإِسلام وله مال : [ قال ] « يحجّ عنه صرورة لا مال له »(٣)

وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهماعليهما‌السلام ، قال : « لا بأس أن يحجّ الصرورة عن الصرورة »(٤) .

وقال الأوزاعي والشافعي وأحمد في رواية ، وإسحاق : لا يجوز لمن لم يحج حجّة الإِسلام أن يحجّ عن غيره ، فإن فعل ، وقع إحرامه عن حجّة الإِسلام ؛ لحديث شبرمة(٥) .

ولا دلالة فيه ، وقد تقدّم(٦) .

مسألة ٨٥ : لو كان الرجل قد أسقط فرض أحد النسكين عنه دون الآخر جاز أن ينوب عن غيره في ما أسقط فرضه عنه بأدائه ، فلو كان على إنسان حجٌّ وعمرة فحجّ ، جاز أن يحجّ عن غيره ؛ لسقوط فرض الحجّ عنه ، وليس له أن‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٢٠١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٠٧ - ٢٠٨ ، المجموع ٧ : ١١٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٤٨.

(٢) تقدم في المسألة ٨٢.

(٣) الكافي ٤ : ٣٠٦ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٤١١ / ١٤٢٨ ، الاستبصار ٢ : ٣٢٠ / ١١٣٢.

(٤) التهذيب ٥ : ٤١١ / ١٤٢٩ ، الاستبصار ٢ : ٣٢٠ / ١١٣٣.

(٥) المهذب - للشيرازي - ١ : ٢٠٦ - ٢٠٧ ، المجموع ٧ : ١١٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٤٧ ، المغني ٣ : ٢٠١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٠٧ و ٢٠٨.

(٦) تقدّم في المسألة السابقة.

١١٦

يعتمر قبل أن تبرأ ذمّته من العمرة.

ولو كان قد اعتمر ولم يحج جاز أن ينوب عن غيره في الاعتمار دون الحجّ.

مسألة ٨٦ : الأقرب عندي جواز نيابة العبد عن الحُرّ بإذن مولاه ؛ لأنّه مكلّف مسلم لا حجّ عليه ، فجاز أن ينوب عن غيره كالحرّ.

ومنع أحمد من نيابة العبد والصبي في الفرض ؛ لأنّهما لم يسقطا فرض الحجّ عن أنفسهما ، فهُما كالحرّ البالغ في ذلك وأولى منه.

قال : ويحتمل أنّ لهما النيابة في حجّ التطوّع دون الفرض ؛ لأنّهما من أهل التطوّع دون الفرض ، ولا يمكن أن تقع الحجّة التي نابا فيها عن فرضهما ؛ لكونهما ليسا من أهله فبقيت لمن فعلت عنه ، فلا يلزمهما ردّ ما أخذا لذلك ، كالبالغ الحُرّ الذي قد حجّ عن نفسه(١) .

وليس بجيّد ؛ فإنّ الحُرّ البالغ له أهلية استحقاق وجوب الحجّ عليه ، بخلافهما ، بل حملهما على من أسقط فرضه بالحجّ أولى.

مسألة ٨٧ : إذا حجّ الصرورة العاجز عن غيره ، فقد بيّنّا صحته ، وأنّه يجزئ عن المنوب ، أمّا النائب فلا يجزئه ما فعله في النيابة عن حجّة الإِسلام إن كانت قد وجبت عليه أوّلاً ثم عجز عنها ، أو لم يتحقّق بعد وجوبها عليه.

أمّا الإِجزاء عن الميّت : فلما تقدّم(٢) في حديث محمد بن مسلم - في الصحيح - عن أحدهماعليهما‌السلام ، قال : « لا بأس أن يحجّ الصرورة عن الصرورة ».

وأمّا عدم الإِجزاء عن النائب : فلأنّه على تقدير عدم وجوب الحج عليه أوّلاً بري‌ء الذمّة من الحجّ ، فلا يتحقّق عليه وجوب ، فلا يتحقّق فيه إجزاء ،

____________________

(١) المغني ٣ : ٢٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢١٠.

(٢) تقدم في المسألة ٨٤.

١١٧

وأمّا إذا كان قد وجب عليه أوّلاً : فلأنّه لم يأت بالواجب فيبقى في عهدة التكليف ؛ لأنّ الحجّ الذي أتى به كان عن المنوب ، فيبقى ما ثبت عليه أوّلاً.

وقد روى معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « حجّ الصرورة يجزئ عنه وعمّن حجّ عنه »(١) .

قال الشيخرحمه‌الله : معنى قوله : « يجزئ عنه » ما دام معسراً لا مال له ، فإذا أيسر ، وجب عليه الحجّ(٢) .

أقول : ويحتمل أن يكون المراد : أنّه يجزئ عنه عمّا وجب عليه بالاستئجار.

مسألة ٨٨ : النائب كالمنوب ، قاله أحمد ، فلو أحرم النائب بتطوّع أو نذر عمّن لم يحجّ حجّة الإِسلام ، وقع عن حجّة الإِسلام ، لأنّ النائب يجري مجرى المنوب عنه(٣) .

والتحقيق أن نقول : إن كان النائب قد استؤجر لإِيقاع حجّ تطوّع أو نذر ، ففعل ما استؤجر له ، أجزأ عنه ، ولا يجزئ عن المنوب إن كان عليه حجّة الإِسلام ؛ لأنّه لم ينوها. وإن تبرّع النائب بالحجّ عنه في أحد النسكين : إمّا النذر أو التطوّع ، لم ينقلب إلى حجّة الإِسلام أيضاً.

وإن كان النائب قد استؤجر لإِيقاع حجّة الإِسلام ، فنوى التطوّع عنه أو عن المنوب ، أو النذر كذلك ، لم يجزئه ؛ لأنّه لم يفعل ما وقع عليه عقد الإِجارة.

مسألة ٨٩ : لو استناب رجلين في حجّة الإِسلام ومنذورة أو تطوّع في عام ، فأيّهما سبق بالإِحرام وقعت حجّته عن حجّة الإِسلام ، وتقع الاُخرى تطوّعاً أو عن النذر - قاله أحمد - لأنّه لا يقع الإِحرام عن غير حجّة الإِسلام ممّن‌

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٤١١ - ٤١٢ / ١٤٣٢ ، الاستبصار ٢ : ٣٢٠ / ١١٣٦.

(٢) التهذيب ٥ : ٤١٢ ، الاستبصار ٢ : ٣٢١.

(٣) المغني ٣ : ٢٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٠٩ - ٢١٠.

١١٨

هي عليه فكذا من نائبه(١) . وفيه إشكال.

والأقرب : أنّه إذا اتّفق الزمان ، صحّ العقد ، فإذا حجّا في ذلك العام ، أجزأ حجّهما ، ولا اعتبار بتقديم إحرام أحدهما على إحرام الآخر ، بل إن كان السابق إحرام الواجب ، فلا بحث ، وإن كان إحرام المنذورة أو التطوّع ، أجزأ أيضاً ؛ لأنّ الحجّتين تقعان في ذلك العام.

ولو صدّ النائب في حجّة الإِسلام أو اُحصر ولم يتمكّن النائب فيها من إتمامها في ذلك العام، فالأقوى صحة حجّة التطوّع.

ولو تعدّد العام ، فإن استأجر لحجّ التطوّع أوّلاً ، فإن تمكّن من الاستئجار عن حجّة الإِسلام ، فالوجه : عدم الصحة ، لكن لو حجّ النائب مع جهله ، استحقّ الاُجرة.

ولو لم يكن قد تمكّن من الاستئجار لحجّة الإِسلام ، فالأقرب : الصحة ، ثم يستأجر في العام المقبل لحجّة الإِسلام.

مسألة ٩٠ : إذا استؤجر ليحجّ عن غيره ، وكان الحجّ لا يقع عن ذلك الغير ، وجب عليه ردّ ما أخذه من مال الإِجارة مع علمه بذلك ، لأنّه استؤجر لفعل لا يصح منه إيقاعه ، فوجب عليه ردّ مال الإِجارة.

ولو كان جاهلاً ، فالأقرب عدم وجوب الردّ - ويحتمل وجوب ردّ ما فضل عن اُجرة المثل - لتعبه ، فحينئذٍ يحتمل أن يرجع هو بما أعوز.

مسألة ٩١ : يجوز أن ينوب الرجل عن الرجل وعن المرأة ، وأن تنوب المرأة عن المرأة وعن الرجل في قول عامة أهل العلم(٢) ، لا نعلم فيه مخالفاً إلّا الحسن بن صالح بن حي ؛ فإنّه كره حجّ المرأة عن الرجل(٣) .

قال ابن المنذر : وهذه غفلة عن ظاهر السنّة ، فإنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر المرأة أن تحجّ عن أبيها(٤) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٢٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢١٠.

(٢ - ٤) المغني والشرح الكبير ٣ : ١٨٩.

١١٩

وهذا هو الحقّ ؛ لما رواه العامّة عن ابن عباس ، قال : أتت امرأة من خثعم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالت : يا رسول الله أبي أدركته فريضة الحجّ وهو شيخ كبير لا يستطيع أن يثبت على دابّته ، فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( فحجّي عن أبيك )(١) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه رفاعة عن الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - قال : « تحجّ المرأة عن أخيها وعن اُختها » وقال : « تحجّ المرأة عن أبيها »(٢) .

وفي الحسن عن معاوية بن عمّار عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت له : المرأة تحجّ عن الرجل؟ قال : « لا بأس »(٣) .

إذا عرفت هذا ، فقد شرط الشيخ -رحمه‌الله - في حجّ المرأة عن الرجل شرطين :

أحدهما : أن تكون عارفةً بمناسك الحج.

والثاني : أن تكون قد حجّت أوّلاً(٤) .

لما رواه مصادف عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته تحجّ المرأة عن الرجل؟ قال : « نعم إذا كانت فقيهةً مسلمةً وكانت قد حجّت ، ربّ امرأة خير من رجل »(٥) .

وعن زيد الشحّام عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : « يحجّ الرجل الصرورة عن الرجل الصرورة ، ولا تحجّ المرأة الصرورة عن‌

____________________

(١) مسند أحمد ١ : ٢١٢.

(٢) التهذيب ٥ : ٤١٣ - ٤١٤ / ١٤٣٨ ، الاستبصار ٢ : ٣٢٢ / ١١٤٠.

(٣) الكافي ٤ : ٣٠٧ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٤١٣ / ١٤٣٧ ، الاستبصار ٢ : ٣٢٢ / ١١٤١.

(٤) التهذيب ٥ : ٤١٤ ذيل الحديث ١٤٣٨ ، الاستبصار ٢ : ٣٢٢ ذيل الحديث ١١٤٢ ، والنهاية : ٢٧٩ - ٢٨٠.

(٥) التهذيب ٥ : ٤١٣ / ١٤٣٦ ، الاستبصار ٢ : ٣٢٢ / ١١٤٢.

١٢٠

الرجل الصرورة »(١) .

وابن إدريس أنكر ذلك(٢) إنكاراً عظيماً ، ونحن نحمل هذه الروايات على الاستحباب دون أن يكون ذلك شرطاً ، ولهذا قالعليه‌السلام : « ربّ امرأة خير من رجل » ولا شك في جواز ذلك من الرجل فجاز من المرأة.

مسألة ٩٢ : يجوز أن يحجّ النائب عن غيره إذا كان المنوب ميّتاً من غير إذن ، سواءً كان واجباً أو تطوّعاً ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر بالحجّ عن الميّت(٣) ، ومعلوم استحالة الإِذن في حقّه ، وما جاز فرضه جاز نفله ، كالصدقة.

وأمّا الحيّ : فمنع بعض العامّة من الحجّ عنه إلّا بإذنه ، فرضاً كان أو تطوّعاً ؛ لأنّها عبادة تدخلها النيابة ، فلم تجز عن البالغ العاقل إلّا بإذنه ، كالزكاة(٤) .

وعلّيّة المشترك وثبوت الحكم في الأصل ممنوعان.

مسألة ٩٣ : قد بيّنّا أنّه لا يجوز لمن استقرّ الحجّ في ذمّته أن يحجّ تطوّعاً ولا نذراً ولا نيابةً حتى يؤدّي حجّة الإِسلام ، ويحصل الاستقرار بمضيّ زمان يمكنه فيه الحجّ مع الإِهمال واجتماع الشرائط.

ولو حصلت الشرائط فتخلّف عن الرفقة ثم مات قبل حجّ الناس ، تبيّن عدم الاستقرار ؛ لظهور عدم الاستطاعة وانتفاء الإِمكان ، وهو مذهب أكثر الشافعية(٥) .

وقال بعضهم : يستقرّ الحجّ عليه(٦) .

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٤١٤ / ١٤٣٩ ، الاستبصار ٢ : ٣٢٣ / ١١٤٣.

(٢) السرائر : ١٤٩.

(٣) سنن الترمذي ٣ : ٢٦٩ / ٩٢٩ ، سنن النسائي ٥ : ١١٧ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٣٥.

(٤) المغني والشرح الكبير ٣ : ١٨٩.

(٥ و ٦) المجموع ٧ : ١٠٩ ، فتح العزيز ٧ : ٣١.

١٢١

ولو مات بعد ما حجّ الناس ، استقرّ الوجوب عليه ، ووجب الاستئجار عنه من صلب تركته ، وليس رجوع القافلة شرطاً حتى لو مات بعد انتصاف ليلة النحر ومضيّ زمان يمكنه المسير إلى منى والرمي بها وإلى مكة والطواف للنساء ، استقرّ الفرض عليه. ويحتمل مضيّ زمان يمكنه فيه الإِحرام ودخول الحرم.

ولو ذهب ماله بعد رجوع الحاج أو مضيّ إمكان الرجوع ، استقرّ الحجّ.

ولو تلف المال بعد الحجّ قبل عودهم وقبل مضيّ إمكان عودهم ، لم يستقرّ الحجّ أيضاً ؛ لأنّ نفقة الرجوع لا بدّ منها في الشرائط.

وللشافعية وجهان : هذا أحدهما ، والثاني : الاستقرار ، كما في الموت(١) .

وليس بجيّد ؛ لما بيّنّا من اشتراط نفقة الرجوع هنا ، بخلاف الميّت ؛ فإنّه لا رجوع في طرفه ؛ إذ بموته استغني عن المال للرجوع ، وهنا نفقة الرجوع لا بدّ منها.

ولو اُحصر الذين يمكنه الخروج معهم فتحلّلوا ، لم يستقرّ الفرض عليه ، ولو سلكوا طريقاً آخر فحجّوا ، استقرّ ، وكذا إذا حجّوا في السنة التي بعدها إذا عاش وبقي ماله.

وإذا دامت الاستطاعة وتحقّق الإِمكان ولم يحج حتى مات ، عصى عندنا ، ووجب القضاء من صلب ماله ؛ لأنّ الحج مضيّق ، خلافاً للشافعي حيث لم يوجب الفورية عليه(٢) .

ولأصحابه وجهان :

أحدهما : أنّه يعصي ، وإلّا لارتفع الحكم بالوجوب ، والمجوّز إنّما هو‌

____________________

(١) المجموع ٧ : ١٠٩ ، فتح العزيز ٧ : ٣١ - ٣٢.

(٢) المجموع ٧ : ١٠٣ و ١١١ ، فتح العزيز ٧ : ٣١.

١٢٢

التأخير دون التفويت.

والثاني : لا يعصي ؛ لأنّا جوّزنا له التأخير(١) .

قالوا : والأظهر أنّه لو مات في وسط وقت الصلاة قبل أدائها ، لم يعص.

والفرق : أنّ وقت الصلاة معلوم ، فلا ينسب إليه التقصير ما لم يؤخّر عنه ، وفي الحج اُبيح له التأخير بشرط أن لا يبادر الموت ، فإذا مات قبل الفعل ، أشعر الحال بالتواني والتقصير.

ويجري الوجهان فيما إذا كان صحيح البدن ولم يحجّ حتى طرأ العضب.

والأظهر : المعصية ، ولا نظر إلى إمكان الاستنابة ؛ فإنّها في حكم بدل ، والأصل المباشرة ، فلا يجوز ترك الأصل مع القدرة عليه.

وقال بعض الشافعية : إن كان من وجب عليه الحجّ شيخاً ، مات عاصياً ، وإن كان شاباً فلا(٢) .

وهل تتضيّق الاستنابة عليه لو صار معضوباً؟ الوجه عندنا : ذلك ؛ لوجوب الفورية في الأصل ، فكذا في بدله.

وللشافعي وجهان :

هذا أحدهما ؛ لخروجه بتقصيره عن استحقاق الترفّه.

والثاني : له التأخير ، كما لو بلغ معضوباً عليه الاستنابة على التراخي(٣) .

وفي قضاء الصوم إذا تعدّى بتفويته هذان الوجهان هل هو على الفور أو لا؟(٤) .

____________________

(١) المجموع ٧ : ١٠٣ و ١١٠ - ١١١ ، فتح العزيز ٧ : ٣٢.

(٢ و ٣) المجموع ٧ : ١١١ ، فتح العزيز ٧ : ٣٢.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٣٢ - ٣٣.

١٢٣

وعلى ما اخترناه من وجوب الفورية لو امتنع ، أجبره القاضي على الاستنابة ، كما لو امتنع من أداء الزكاة ، وهو أحد وجهي الشافعية ، والثاني : لا يجبره ؛ لأنّ الأمر في ذلك موكول إلى دين الرجل(١) .

وعلى ما اخترناه من وجوب الفورية يحكم بعصيانه من أول سنة الإِمكان ؛ لاستقرار الفرض عليه يومئذٍ.

وللشافعية وجهان :

هذا أحدهما ، وأظهرهما : من آخر سنة الإِمكان ؛ لجواز التأخير إليها(٢) .

وفيه وجه ثالث لهم : الحكم بكونه عاصياً من غير أن يسند إلى وقت معيّن.

وتظهر الفائدة بكونه عاصياً : أنّه لو كان قد شهد عند الحاكم ولم يقض بشهادته حتى مات لا يقضي ، كما لو بان فسقه(٣) .

ولو قضى بشهادته بين الاُولى من سني الإِمكان وآخرها ، نقض الحكم عندنا.

وللشافعي قولان :

فإن حكم بعصيانه من آخرها ، لم ينقض ذلك الحكم بحال ، وإن حكم بعصيانه من أولها ، ففي نقضه قولان مبنيّان على ما إذا بان فسق الشهود(٤) .

مسألة ٩٤ : يجب الترتيب في الحج ، فيبدأ بحجّة الإِسلام ثم بالقضاء ثم بالنذر ثم بالتطوّع ، فلو غيّر الترتيب ، وقع على هذا الترتيب ، ولغت نيّته عند الشافعي(٥) .

والوجه : البطلان على ما سبق.

____________________

(١ - ٤) المجموع ٧ : ١١١ ، فتح العزيز ٧ : ٣٣.

(٥) الوجيز ١ : ١١٠ ، فتح العزيز ٧ : ٣٣.

١٢٤

وصورة اجتماع حجّة الإِسلام والقضاء عند الشافعية أن يفسد الرقيق حجّه ثم يعتق ، فعليه القضاء ، ولا يجزئه عن حجّة الإِسلام(١) ، وكذا عندنا ، وأيضاً لو استؤجر الصرورة أو حجّ تطوّعاً فأفسد.

وكذا تقدّم حجّة الإِسلام على حجّة النذر ؛ لأنّ حجّة الإِسلام واجبة بالأصالة الشرعية ، بخلاف حجّة النذر الواجبة تبرّعاً من المكلّف.

ولو اجتمع القضاء والنذر والتطوّع وحجّة الإِسلام ، قدّمت حجّة الإسلام ثم القضاء الواجب بأصل الشرع.

ومن عليه حجّة الإِسلام أو النذر أو القضاء لا يجوز أن يحجّ عن غيره مع تمكّنه عندنا ، ومطلقاً عند الشافعي(٢) .

وأبو حنيفة ومالك(٣) وافقا على ما قلناه.

ولو استؤجر الصرورة فنوى الحجّ عن المنوب ، فإن كان النائب قد وجب عليه الحجّ وتمكّن من فعله ، بطلت حجّته عن نفسه وعن المنوب.

وعند الشافعية تقع عن المنوب ، وتلغو نيّته عن نفسه(٤) .

ولو نذر الصرورة أن يحجّ في هذه السنة ففعل ، فإن كان قد تمكّن ، بطل حجّه ، ولم يجزئه عن حجّة الإِسلام ؛ لعدم نيّتها ، ولا عن النذر ؛ لوجوب صرف الزمان إلى حجّة الإِسلام.

وقال الشافعي : يقع عن حجّة الإِسلام ، وخرج عن نذره ؛ لأنّه ليس في نذره إلّا تعجيل ما كان له أن يؤخّره(٥) .

ولو استؤجر الصرورة للحج في الذمّة ، جاز ، ثم يجب أن يبدأ بالحجّ عن نفسه إن تمكّن وحصلت الاستطاعة ، ثم يحجّ عن المنوب في السنة‌

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٣٣.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٣٤ ، المجموع ٧ : ١١٨.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٣٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٤٨.

(٤ و ٥) فتح العزيز ٧ : ٣٥.

١٢٥

الاُخرى.

أمّا لو استؤجر معيّناً لهذه السنة وهو مستطيع ، لم يصح ؛ لأنّ هذه السنة يجب صرفها في حجّة الإِسلام.

ولو استؤجر للسنة الثانية ، جاز عندنا ، خلافاً للشافعي حيث يشترط اتّصال مدّة الإِجارة بمدّة العقد(١) ، وسيأتي البحث معه.

وإذا فسدت الإِجارة ، فإن كان المستأجر ظنّ أنّه قد حجّ فبان صرورة ، لم يستحقّ الأجير اُجرةً ؛ لتغريره.

وإن علم أنّه صرورة وقال : يجوز في اعتقادي أن يحجّ الصرورة عن غيره ، قال الشافعي : صحّ حجّ الأجير ، ويقع لنفسه ، ولكن في استحقاقه اُجرة المثل قولان(٢) .

مسألة ٩٥ : القران عندنا أن يُقرن إلى إحرامه سياق الهدي ، ولا يجوز أن يُقرن في إحرامه بين حجّتين ولا بين عمرتين ولا بين حجّة وعمرة ، خلافاً للعامّة(٣) ، فلو استؤجر مَنْ حجّ ولم يعتمر للحجّ ، أو للعمرة من اعتمر ولم يحجّ ، فقرن الأجير وأحرم بالنسكين جميعاً عن المستأجر ، أو أحرم بما استؤجر له عن المستأجر وبالآخر عن نفسه ، لم يصح عندنا ، ولا يستحقّ أجراً ؛ لفساد الفعل.

وللشافعي قولان :

الجديد : أنّهما يقعان عن الأجير ؛ لأنّ نسكي القران لا يفترقان ، ولا يمكن صرف ما لم يأمر به المستأجر إليه.

والثاني : أنّ ما استؤجر له يقع عن المستأجر والآخر عن الأجير.

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٣٥.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٣٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٤٨.

(٣) المغني ٣ : ٢٥١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٣ ، فتح العزيز ٧ : ١١٨ ، المجموع ٧ : ١٧١ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٢٥ ، بداية المجتهد ١ : ٣٣٤.

١٢٦

وعلى القولين لو استأجر رجلان مَنْ حجّ واعتمر ، أحدهما ليحجّ عنه والآخر ليعتمر عنه ، فقرن عنهما ، فعلى الأول يقعان عن الأجير ، وعلى الثاني يقع عن كلّ واحد منهما ما استأجره له(١) .

ولو استأجر المعضوب رجلين ليحجّا عنه في سنة واحدة أحدهما حجّة الإِسلام والآخر حجّة القضاء أو النذر ، صحّ عندنا.

وللشافعية وجهان :

أحدهما : لا يجوز ؛ لأنّ حجّة الإِسلام لم تتقدّم على غيرها.

والأظهر : الجواز ؛ لأنّ غيرها لم يتقدّم عليها ، وهذا القدر كافٍ في الترتيب.

فعلى أول الوجهين لو اتّفق إحرام الأجيرين في الزمان ، انصرف إحرامهما إلى نفسهما ، وإن سبق إحرام أحدهما ، وقع ذلك عن حجّة الإِسلام عن المستأجر ، وانصرف إحرام الآخر إلى نفسه(٢) .

ولو أحرم الأجير عن المستأجر ثم نذر حجّاً ، نُظر إن نذر بعد الوقوف ، لم ينصرف حجّه إليه ، ووقع عن المستأجر ، وإن نذر قبله ، فوجهان :

أظهرهما : انصرافه إلى الأجير(٣) .

والحقّ عندنا وقوعه عن المستأجر.

ولو أحرم الرجل بحجّ تطوّعاً ثم نذر حجّاً بعد الوقوف ، لم ينصرف إلى النذر ، وإن كان قبله فعلى الوجهين(٤) .

مسألة ٩٦ : العبادات قد تقبل النيابة على بُعدٍ ، لكن جازت في الحجّ عند العجز عن المباشرة إمّا بموتٍ أو كِبَرٍ لا يتمكن معه من الركوب والتثبّت على‌

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٣٦ ، المجموع ٧ : ١١٨ - ١١٩ ، حلية العلماء ٣ : ٢٥٠.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٣٦.

(٣ و ٤) فتح العزيز ٧ : ٣٦ ، المجموع ٧ : ١١٩.

١٢٧

الدابّة ، أو زمانةٍ أو عضبٍ كذلك ، أو مرضٍ لا يرجى زواله.

أمّا الموت : فلما روي أنّ امرأةً أتت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالت : إنّ أُمّي ماتت ولم تحجّ ، فقال : (حجّي عن اُمّك )(١) .

وروى ابن عباس أنّ رجلاً قال : يا رسول الله إنّ اُختي نذرت أن تحجّ وماتت قبل أن تحجّ ، أفأحجّ عنها؟ فقالعليه‌السلام : ( لو كان على اُختك دَينٌ أكنت قاضيه؟ ) قال : نعم ، قال : (فاقضوا حقّ الله فهو أحقّ بالقضاء )(٢) .

وقال أبو حنيفة ومالك : إن لم يوص ، لا يحجّ عنه ، ويسقط فرضه بالموت(٣) .

ونحن نقول : إن كان الميت قد وجب عليه الحج واستقرّ وفرّط في أدائه ، وجب أن يستأجر عنه ، سواء أوصى به أو لم يوص ، ويستوي فيه الوارث والأجنبي ، كقضاء الدين ، وهو قول الشافعي(٤) .

وأمّا الكِبَر : فلما رواه ابن عباس أنّ امرأة من خثعم قالت : يا رسول الله إنّ فريضة الله على عباده في الحجّ أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يستمسك على الراحلة ، فأحجّ عنه؟ قال :(نعم )(٥) .

والمعتبر أن لا يثبت على الراحلة أصلاً ، أو لا يثبت إلّا بمشقّة شديدة.

ومقطوع اليدين أو الرجلين إذا أمكنه التثبّت على الراحلة من غير مشقّة‌

____________________

(١) مسند أحمد ٥ : ٢٥٩ ، ترتيب مسند الشافعي ١ : ٣٨٨ / ٩٩٦.

(٢) صحيح البخاري ٨ : ١٧٧ ، سنن النسائي ٥ : ١١٦ ، مسند أبي داود الطيالسي : ٣٤١ / ٢٦٢١.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٤ ، المجموع ٧ : ١١٢ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٣٣ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٧١.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٤٤ ، المجموع ٧ : ١١٢.

(٥) صحيح البخاري ٢ : ١٦٣ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٧٣ / ١٣٣٤ ، سنن النسائي ٥ : ١١٧ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٢٨ بتفاوت يسير.

١٢٨

شديدة لا تجوز النيابة عنه ؛ لأنّه ربما يفيق فيحجّ بنفسه.

وهذا كلّه في حجّة الإِسلام ، وفي معناها حجّة النذر والقضاء.

مسألة ٩٧ : تجوز استنابة المعضوب في التطوّع.

وللشافعي قولان(١) .

وكذا تجوز استنابة الوارث للميّت فيه.

وللشافعي قولان :

أصحّهما : الجواز - وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد - لأنّ النيابة تدخل في فرضه فتدخل في نفله ، كأداء الزكاة.

والثاني : المنع ؛ لبُعد العبادات البدنية عن قبول النيابة ، وإنّما جوّز في الفرض ؛ للضرورة(٢) .

ولو لم يكن الميّت قد حجّ ولا وجب عليه ؛ لعدم الاستطاعة ، ففي جواز الاستنابة عنه للشافعية طريقان :

أحدهما : طرد القولين ؛ لأنّه لا ضرورة إليه.

والثاني : القطع بالجواز ؛ لوقوعه عن حجّة الإِسلام.

فإن جوّزنا الاستئجار للتطوّع ، فللأجير الاُجرة المسمّاة ، ويجوز أن يكون الأجير عبداً أو صبيّاً ، بخلاف حجّة الإِسلام ، فإنّه لا يجوز استئجارهما عندهم ، ووقع الحجّ عن الأجير ، ولا يستحقّ المسمّى.

وعلى هذا فالأصح أنّ الأجير يستحقّ اُجرة المثل ؛ لأنّ الأجير دخل في العقد طامعاً في الاُجرة ، وتلفت منفعته عليه وإن لم ينتفع منها المستأجر ، فصار كما لو استأجره لحمل طعام مغصوب فَحَمَل ، يستحقّ الاُجرة.

والثاني : لا يستحق ؛ لوقوع الحجّ عنه(٣) .

____________________

(١ و ٢) فتح العزيز ٧ : ٤٠ ، المجموع ٧ : ١١٤.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٠ ، المجموع ٧ : ١١٤ - ١١٥.

١٢٩

إذا عرفت هذا ، فإنّ الاستنابة في التطوّع لا تختص بالعاجز ، بل للصحيح أيضا الاستنابة في حجّ التطوّع ، وبه قال أبو حنيفة وأحمد(١) .

وقال الشافعي بالاختصاص(٢) .

ومنع مالك من النيابة عن الحيّ في الفرض والتطوّع ، وخصّها بالميّت(٣) .

مسألة ٩٨ : قد بيّنّا أنّ المريض الذي يرجى زوال علّته ليس له أن يحجّ عنه نائباً ، فإن أحجّ غيره ثم زالت علّته ، لم يجزئه قولاً واحداً ، وإن مات أجزأه ذلك ؛ لأنّا تبيّنّا أنّها لم تكن مرجوّة الزوال ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد القولين ، والثاني : لا يجزئه ؛ لأنّ الاستنابة لم تكن جائزةً(٤) .

وعلى عكس ذلك لو كانت علّته غير مرجوّة الزوال ، فأحجّ عن نفسه ثم عوفي ، فللشافعية طريقان :

أظهرهما : طرد القولين.

والثاني : القطع بعدم الأداء ، وبه قال أبو حنيفة.

والفرق : أنّ الخطأ في الصورة الاُولى غير مستيقن ؛ لجواز أن لا يكون المرض بحيث لا يوجب اليأس ثم يزداد فيوجبه فيجعل الحكم للمآل ، وهنا الخطأ متيقّن ؛ إذ لا يجوز أن يكون اليأس حاصلاً ثم يزول.

والطاردون للقولين في الصورتين قالوا : مأخذهما أنّ النظر إلى الحال أو إلى المآل ، إن نظرنا إلى الحال ، لم يجزئه في الصورة الاُولى ، وأجزأ في‌

____________________

(١) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٥٢ ، المغني ٣ : ١٨٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤١ ، المجموع ٧ : ١١٦.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤١ ، المجموع ٧ : ١١٦ ، المغني ٣ : ١٨٥.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤١ ، المجموع ٧ : ١١٦ ، وانظر : الكافي في فقه أهل المدينة : ١٣٣.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٤٢ ، المهذب - للشيرازي - ١ : ٢٠٦ ، المجموع ٧ : ١١٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٤٦.

١٣٠

الثانية ، وإن نظرنا إلى المآل ، عكسنا الحكم فيهما.

وقد شبّهوا القولين هنا بالقولين فيما إذا رأوا سواداً فظنّوه عدوّاً فصلّوا صلاة الخوف ثم تبيّن خلافه ، هل تجزئهم الصلاة؟ والأظهر عندهم : عدم الإِجزاء(١) .

والمعتمد عندنا : الإِجزاء.

إذا عرفت هذا ، فإن قلنا : إنّ الحجّة المأتي بها تجزئه ، استحقّ الأجير الأجرة المسمّاة لا محالة.

وإن قلنا : لا تجزئه ، فهل تقع عن تطوّعه أو لا تقع أصلاً؟ فيه وجهان للشافعية :

أحدهما : أنّها تقع عن تطوّعه ، وتكون العلّة الناجزة عذراً لتقديم التطوّع على حجّة الإِسلام.

والثاني : أنّها لا تقع عنه أصلاً ، كما لو استأجر صرورة ليحجّ عنه(٢) .

وعلى هذا فهل يستحقّ الأجير الاُجرة؟ فيه للشافعية قولان :

أصحهما : عدم الاستحقاق ؛ لأنّ المستأجر لم ينتفع بعمله.

والثاني : نعم ؛ لأنّه عمل له في اعتقاده(٣) .

فعلى هذا الوجه فما ذا يستحقّ؟ الاُجرة المسمّاة أم اُجرة المثل؟

للشافعية وجهان ، مأخذهما : أنّا هل نتبيّن فساد الاستئجار أم لا؟

وإن قلنا : إنّه يقع عن تطوّعه ، فالأجير يستحقّ الاُجرة.

وماذا يستحقّ؟ المسمّى أو اُجرة المثل؟ وجهان مخرّجان عن الوجهين ؛ لأنّ الحاصل غير ما طلبه(٤) .

وقد منع الشافعية من جواز الحجّ عن المعضوب بغير إذنه ، بخلاف‌

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٢ - ٤٣ ، المجموع ٧ : ١١٥.

(٢ - ٤) فتح العزيز ٧ : ٤٣ ، المجموع ٧ : ١١٥.

١٣١

قضاء الدَّيْن عن الغير ؛ لأنّ الحجّ يفتقر إلى النيّة ، بخلاف قضاء الدَّيْن وهو من أهل الإِذن والنيّة وإن لم يكن أهل المباشرة(١) .

وروي عن بعضهم جواز الحجّ بغير إذنه(٢) .

مسألة ٩٩ : الاستنابة في الحجّ واجبة عن ميّت استقرّ الحجّ في ذمّته وفرّط في أدائه.

وهل تجب عن المعضوب أو عن ميّت وجب عليه الحجّ ولم يستقر؟ مضى(٣) الكلام فيهما.

وأوجبه الشافعي على المعضوب في الجملة ، ولا فرق عنده بين أن يطرأ العضب بعد الوجوب وبين ان يبلغ واجداً للمال ، وبه قال أحمد(٤) .

وقال مالك : لا استنابة على المعضوب بحال ؛ لأنّه لا نيابة عن الحي عنده ، ولا حجّ على من لا يستطيع بنفسه(٥) . وهو حسن.

وعند أبي حنيفة لا حجّ على المعضوب ابتداءً ولكن لو طرأ العضب بعد الوجوب ، لم يسقط عنه ، وعليه أن ينفق على من يحجّ عنه(٦) .

وأخبارنا دلّت على وجوب الاستئجار على المعضوب ، وقد سلفت.

وشرطه أن يكون للمعضوب مال يستأجر به من يحجّ عنه ، وأن يكون ذلك المال فاضلاً عن الحاجات المذكورة فيما لو كان يحجّ بنفسه ، إلّا أنّا اعتبرنا هناك أن يكون الصرف إلى الزاد والراحلة فاضلاً عن نفقة عياله إلى الإِياب ؛ وهنا نعتبر أن يكون فاضلاً عن نفقتهم وكسوتهم يوم الاستئجار ، ولا يعتبر بعد فراغ الأجير من الحجّ مدّة إيابه.

وهل تُعتبر مدّة الذهاب؟ الأقرب : أنّه لا تُعتبر - وهو أصحّ وجهي‌

____________________

(١) الوجيز ١ : ١١٠ ، فتح العزيز ٧ : ٤٣ ، المجموع ٧ : ٩٨ و ١١٤.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٣ - ٤٤ ، المجموع ٧ : ٩٨.

(٣) مضى في المسألتين ٤٩ و ٦٩.

(٤ - ٦) فتح العزيز ٧ : ٤٤.

١٣٢

الشافعية(١) - بخلاف ما إذا كان يحجّ عن نفسه ، فإنّه إذا لم يفارق أهله ، يمكنه تحصيل نفقتهم، كما في الفطرة لا يعتبر فيها إلّا نفقة اليوم.

وكذا في الكفّارات المرتّبة إذا لم نشترط تخلّف رأس المال.

ثم ما في يده إن وفى باُجرة راكب ، فلا يجب ، وإن لم يف إلّا باُجرة ماشٍ ، فالأقرب في صورة وجوب الاستئجار وجوبه هنا - وهو أصحّ وجهي الشافعية(٢) أيضاً - بخلاف ما كان يحجّ بنفسه ، لا يكلّف المشي ؛ لما فيه من المشقّة ، ولا مشقّة عليه في المشي الذي تحمّله الأجير.

والثاني : أنّه لا يلزم استئجار الماشي ، لأنّ الماشي على خطر ، وفي بذل المال في اُجرته تغرير به(٣) .

ولو طلب الأجير أكثر من اُجرة المثل ، لم يلزم الاستئجار ، وإن رضي بأقلّ منها ، لزمه ، ولو امتنع من الاستئجار ، فالأقرب : إلزام الحاكم له.

وللشافعية وجهان ، أشبههما عندهم : أنّه لا يستأجر عليه(٤) .

مسألة ١٠٠ : قد بيّنّا أنّ شرط الاستئجار عن المعضوب وجود المال للمعضوب ، فلو لم يكن له مال ولكن بذل له الأجنبي مالاً ليستأجر به ، لم يلزمه القبول ، كالصحيح.

وللشافعية في لزوم قبوله وجهان :

أحدهما : يلزم ؛ لحصول الاستطاعة بالبذل.

وأصحّهما : أنّه لا يلزم ؛ لما فيه من المنّة الثقيلة(٥) .

ولو كان الباذل واحداً من بنيه وبناته و(٦) أولادهم للطاعة في الحجّ ، فالأقرب : عدم وجوب القبول - وبه قال أبو حنيفة وأحمد(٧) - لأنّه غير‌

____________________

(١ - ٤) فتح العزيز ٧ : ٤٥ ، المجموع ٧ : ٩٥.

(٥) الوجيز ١ : ١١١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥ ، المجموع ٧ : ٩٥ و ٩٩.

(٦) في « ن » والطبعة الحجرية : أو.

(٧) فتح العزيز ٧ : ٤٥.

١٣٣

مستطيع.

وقال الشافعي : يجب ؛ لأنّ وجوب الحجّ معلّق بوجود الاستطاعة وقد حصلت ؛ لأنّ الاستطاعة تارة تكون بالنفس ، وتارة تكون بالأنصار والأعوان ، ولهذا يصدق ممّن لا يُحسن البناء أن يقول : أنا مستطيع للبناء إذا تمكّن منه بالأسباب والأعوان.

ثم شرط في باذل الطاعة أن لا يكون صرورة ولا معضوباً ، وأن يكون موثوقاً بصدقه(١) .

وإذا ظنّ تحقّق الطاعة ، فهل يلزمه الأمر؟(٢) وجهان للشافعية :

أحدهما : لا ؛ لأنّ الظنّ قد يخطئ.

وأظهرهما عندهم : نعم إذا وثق بالإِجابة ، لحصول الاستطاعة(٣) .

ولو بذل المطيع الطاعة فلم يأذن المطاع ، فهل ينوب الحاكم عنه؟ فيه وجهان : أحدهما : لا ؛ لأنّ الحجّ على التراخي عندهم(٤) .

وإذا اجتمعت الشرائط ومات المطيع قبل أن يأذن ، فإن مضى وقت إمكان الحجّ ، استقرّ في ذمّته ، وإلّا فلا.

ولو كان له مَنْ يطيع ولم يعلم بطاعته ، فهو كمن له مال موروث ولم يعلم به.

ولو بذل الولد الطاعة ثم أراد الرجوع ، فإن كان بعد الإِحرام ، لم يكن له ذلك ، وإن كان قبله ، جاز له الرجوع ، وهو أظهر وجهي الشافعية(٥) .

مسألة ١٠١ : لو بذل الأجنبي الطاعة ، ففي لزوم القبول للشافعية وجهان :

أصحّهما : أنّه يلزم ؛ لحصول الاستطاعة ، كما لو كان الباذلُ الولدَ.

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٥ - ٤٦ ، المجموع ٧ : ٩٥ - ٩٦.

(٢) أي : الأمر بالحج عنه.

(٣ - ٥) فتح العزيز ٧ : ٤٦ ، المجموع ٧ : ٩٦.

١٣٤

والثاني : لا يلزم ؛ لأنّه يثقل استخدامه ، بخلاف الولد ؛ لأنّه [ بضعة منه ](١) .

والأخ والأب في بذل الطاعة كالأجنبي ؛ لأنّ استخدامهما ثقيل.

ولهم قول آخر : إنّ الأب كالابن ؛ لاستوائهما في وجوب النفقة(٢) .

ولو بذل الولد المال ، فالأقوى عدم وجوب القبول.

وللشافعي وجهان :

أحدهما : يلزم ، كما لو بذل الطاعة.

وأصحّهما : عدمه ؛ لأنّ قبول المال يستلزم منّةً عظيمة ؛ فإنّ الإِنسان يستنكف عن الاستعانة بمال الغير ، ولا يستنكف عن الاستعانة ببدنه في الأشغال(٣) .

وبذل المال للابن كبذل الابن للأب ، أو كبذل الأجنبي؟ للشافعية وجهان(٤) .

وكلّ ما قلنا في بذل الطاعة فإنّه مفروض فيما إذا كان راكباً ، أمّا إذا بذل الابن الطاعة على أن يحجّ ماشياً ، ففي لزوم القبول للشافعية وجهان :

أحدهما : لا يلزم ، كما لا يلزم الحجّ ماشياً.

والثاني : يلزم إذا كان قويّاً ، فإنّ المشقّة لا تناله(٥) .

هذا إذا كان الباذل للطاعة مالكاً للزاد ، فإن عوّل على التكسّب في الطريق ، ففي وجوب القبول وجهان(٦) ، وهُنا عدمه أولى ؛ لأنّ المكاسب قد تنقطع في الأسفار.

____________________

(١) في النسخ الخطية والحجرية بدل ما بين المعقوفين : بعضه. وما أثبتناه من فتح العزيز.

(٢ و ٣) فتح العزيز ٧ : ٤٦ ، المجموع ٧ : ٩٧.

(٤ و ٥) فتح العزيز ٧ : ٤٧ ، المجموع ٧ : ٩٧.

(٦) فتح العزيز ٧ : ٤٧ ، المجموع ٧ : ٩٨.

١٣٥

وإن لم يكن كسوباً وعوّل على السؤال فأولى بالمنع ؛ لأنّ السائل قد يُردّ.

ولو كان يركب مفازة لا يجدي فيها كسب ولا سؤال ، لم يجب القبول إجماعاً ؛ لأنّ التغرير بالنفس حرام.

مسألة ١٠٢ : قد بيّنّا جواز الاستئجار في الحجّ عند علمائنا ، وبه قال الشافعي ومالك(١) .

وقال أبو حنيفة وأحمد : لا يجوز الاستئجار على الحجّ ، كما في سائر العبادات ، ولكن يرزق عليه ، ولو استأجر لكان ثواب النفقة للآمر ، ويسقط عنه الخطاب بالحجّ ، ويقع الحجّ عن الحاجّ(٢) . وقد تقدّم(٣) القول فيه.

وعندنا وعند الشافعي يجوز الحجّ بالرزق ، كما يجوز الإِجارة ، بأن يقول : حجّ عنّي واُعطيك نفقتك أو كذا. ولو استأجره بالنفقة ، لم يصحّ ؛ للجهالة(٤) .

ثم الاستئجار ضربان : استئجار عين الشخص ، بأن يقول المؤجر : آجرتك نفسي لأحجّ عنك أو عن ميّتك بنفسي بكذا ، وإلزام ذمّته العمل ، بأن يستأجره ليحصّل له الحجّ إمّا بنفسه أو بغيره ، ويلزم المستأجر إيجاب ذلك في ذمّته ، ويفترقان في ما يأتي.

وكلّ واحد من ضربي الإِجارة إمّا أن يعيّن زمان العمل فيها أو لا يعيّن ، وإن عيّن فإمّا السنة الاُولى أو غيرها ، فإن عيّن السنة الاُولى ، جاز بشرط أن‌

____________________

(١) الاُم ٢ : ١٢٤ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩ ، المجموع ٧ : ١٢٠ و ١٣٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٥٧ و ٢٥٨ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٦٦ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٧١ ، المغني ٣ : ١٨٦.

(٢) المغني ٣ : ١٨٦ ، الشرح الكبير ٣ : ١٨٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩.

(٣) تقدّم في المسألة ٥٥.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٤٩.

١٣٦

يكون الخروج والحجّ فيما بقي منها مقدوراً للأجير ، فلو كان الأجير مريضاً لا يمكنه الخروج ، أو كان الطريق مخوفاً ، أو كانت المسافة بحيث لا تقطع في بقية السنة ، لم يصح العقد ؛ لأنّ المنفعة غير مقدورة.

وإن عيّنا غير السنة الاُولى ، صحّ عندنا وعند أبي حنيفة(١) ؛ للأصل والعمومات ، وسيأتي بيانه.

وقال الشافعي : لا يجوز ، كاستئجار الدار الشهر المقبل ، إلّا إذا كانت المسافة لا تقطع في سنة(٢) .

وأمّا في الإِجارة الواردة على الذمّة فيجوز تعيين السنة الاُولى وغيرها ، وهو بمثابة الدَّيْن في الذمّة قد يكون حالّاً وقد يكون مؤجّلاً.

وإن أطلقا ، فهو كما لو عيّنا السنة الاُولى ، إلّا في شي‌ء سيأتي بيانه.

ولا يقدح في الإِجارة في الذمّة كونه مريضاً ؛ لإِمكان الاستنابة ، ولا خَوف الطريق وضيق الوقت إنّ عيّنا غير السنة الاُولى.

مسألة ١٠٣ : إذا استؤجر المعيّن للحجّ في تلك السنة ، لم يجز له التأخير.

وهل تجب عليه المبادرة مع أول رفقة؟ الأقرب : عدم الوجوب. ويجوز وقوع عقد الإِجارة قبل خروج الناس ، وله انتظار الرفقة ، ولا يلزمه المبادرة وحده ، بل ولا مع أول قافلة ، وهو اختيار جماعة من الشافعية(٣) .

وقال أكثرهم : يشترط وقوع العقد في زمان خروج الناس من ذلك البلد حتى لا يصح استئجار المعيّن إلّا في وقت خروج القافلة من ذلك البلد بحيث يشتغل عقيب العقد بالخروج أو بأسبابه من شراء الزاد ونحوه ، فإن كان قبله ، لم يصح ، لأنّ إجارة الزمان المستقبل عندهم لا يجوز ، وبنوا على ذلك أنّه لو كان‌

____________________

(١) راجع : الوجيز ١ : ١١١.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٩ ، المجموع ٧ : ١٢٠.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٥٠ ، المجموع ٧ : ١٢٣.

١٣٧

الاستئجار بمكة لم يجز إلّا في أشهر الحج ليمكنه الاشتغال بالعمل عقيب العقد(١) .

ولو وقع العقد في وقت تراكم الثلوج والانداء ، فوجهان للشافعية :

أحدهما : الجواز ؛ لأنّ توقّع زوالها مضبوط ، وعدمه ؛ لتعذّر الاشتغال بالعمل في الحال ، بخلاف انتظار الرفقة ؛ فإنّ خروجها في الحال غير متعذّر(٢) .

هذا كلّه في إجارة العين ، أمّا الإِجارة الواردة على الذمّة فيجوز تقديمها على الخروج لا محالة عندنا وعندهم(٣) .

تذنيب : ليس للأجير في إجارة العين أن يستنيب غيره ؛ لأنّ الفعل مضاف إليه ، والأغراض تختلف باختلاف الاُجراء ، ولو قال : لتحجّ عنّي بنفسك ، فهو أوضح في المنع من الاستنابة.

وأمّا في الإِجارة على الذمّة ، فإذا قال : ألزمت ذمّتك لتحصّل لي حجّةً ، جاز أن يستنيب غيره ، ولو قال : لتحجّ بنفسك ، لم تجز الاستنابة.

وقال بعض الشافعية. تبطل لو قال : لتحجّ بنفسك ؛ لأنّ الذمّيّة مع اشتراط معين يتناقضان، فصار كما لو أسلم في ثمرة بستان بعينه(٤) . وليس بجيّد.

ولو أمره بالاستئجار ، لم يجز له المباشرة.

مسألة ١٠٤ : يجب أن تكون أعمال الحج معلومةً عند المتعاقدين وقت العقد ؛ لبطلان العقد على المجهول ، فإن علماها عند العقد ، فلا بحث ، وإن جهلاها أو أحدهما فلا بدّ من الإِعلام.

وهل يشترط تعيين الميقات الذي يحرم منه الأجير؟ الأقرب : عدمه ؛ عملاً بالأصل.

وللشافعي قولان : هذا أحدهما ، والثاني : يشترط ؛ لاختلاف‌

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٥٠ ، المجموع ٧ : ١٢٣ - ١٢٤‌

(٢ و ٣) فتح العزيز ٧ : ٥٠ ، المجموع ٧ : ١٢٤.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٥٠.

١٣٨

الأغراض باختلاف المواقيت(١) .

لكن علماؤنا رووا أنه إذا أمره بالحجّ على طريق معيّن ، جاز له العدول عنه(٢) .

ولأصحابه طريقان ،أظهرهما : أنّ المسألة على قولين : أحدهما : الاشتراط ؛ لاختلاف الأغراض باختلافها(٣) ، وعدمه - وهو الأظهر عندهم - لأنّ الحمل على ميقات البلدة على العادة الغالبة.

والطريق الثاني : تنزيل القولين على حالين ، ولمن قال به طريقان :

أظهرهما : حمل القول الأول على ما إذا كان لبلدة طريق واحد وله ميقات واحد ، وحمل الثاني على ما إذا كان للبلد طريقان مختلفا الميقات ، أو كان يفضي طريقها إلى ميقاتين ، كالعقيق وذات عرق.

والثاني : حمل الأول على ما إذا كان الاستئجار لميّت ، والثاني على ما إذا استأجر الحيّ.

والفرق : أنّ الحيّ له غرض واختيار ، والميّت لا غرض له ولا اختيار ، والمقصود براءة ذمّته ، وهي تحصل بالإِحرام من أيّ ميقات كان ، فإن شرطنا تعيّن الميقات ، فسدت الإِجارة بإهماله ، لكن يقع الحجّ عن المستأجر ، لوجود الإِذن ، وتلزم اُجرة المثل(٤) .

وإذا وقعت الإِجارة للحجّ والعمرة ، فلا بدّ من بيان أنّه يُفرد أو يُقرن أو يتمتّع ؛ لاختلاف الأغراض بها.

مسألة ١٠٥ : يشترط في لزوم الإِجارة وصحتها : الإِتيان بالصيغة على الوجه المعتبر شرعاً ، فلو قال : من حجّ عنّي فله مائة ، صحّ جعالةً ، ولا تكون‌

____________________

(١) الوجيز ١ : ١١١ ، فتح العزيز ٧ : ٥١ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٥٩ ، المجموع ٧ : ١٢١.

(٢) الكافي ٤ : ٣٠٧ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٦١ / ١٢٧١ ، التهذيب ٥ : ٤١٥ / ١٤٤٥.

(٣) أي : باختلاف المواقيت.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٥١ ، المجموع ٧ : ١٢١.

١٣٩

إجارةً ، ولا تلزم المائة إلّا بالعمل.

وللشافعي قولان :

أحدهما : البطلان ؛ لأنّ العامل غير معيّن ، وإنّما يحتمل ذلك عند تعذّر الإِجارة ؛ للضرورة.

والثاني : الصحة - كما قلناه - لأنّ الجعالة تصح على كلّ عمل يصح إيراد الإِجارة عليه ؛ لأنّ الجعالة جائزة مع كون العمل مجهولاً فمع العلم به تكون أولى بالجواز.

وعلى القول بفساد الجعالة لو حجّ عنه إنسان ، فالمسمّى ساقط ؛ لفساد العقد ، لكن الحج يقع عن المستأجر ، وللعامل اُجرة المثل ؛ لوجود الإِذن وإن فسد العقد.

وكذا الحكم عندهم لو قال : مَنْ خاط ثوبي فله كذا ، فخاطه إنسان.

ولهم وجه : أنّه يفسد الْإِذن ؛ لعدم تعيين المأذون له ، كما لو قال : وكّلت مَنْ أراد بيع داري ، لا يصحّ التوكيل ؛ لأنّه ليس موجّهاً نحو معيّن(١) .

مسألة ١٠٦ : إذا أعطى الإِنسان غيره حجّةً ليحجّ عنه من بلد ، فحجّ عنه من بلد آخر ، فإن لم يتعلّق غرض المستأجر بذلك ، أجزأ ؛ لأنّ سلوك الطريق غير مقصود لذاته ، وإنّما المقصود بالذات الحجّ وقد حصل.

ولما رواه حريز بن عبد الله - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل أعطى رجلاً حجّةً يحجّ عنه من الكوفة ، فحجّ عنه من البصرة ، قال : « لا بأس إذا قضى جميع المناسك فقد تمّ حجّه »(٢) .

إذا عرفت هذا ، فإنّه يجب على الأجير ردّ التفاوت بين الطريقين إن كان. ما سلكه أسهل ممّا استؤجر عليه ؛ لأنّ العادة قاضية بنقصان اُجرة الأسهل عن‌

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٥١ - ٥٢ ، المجموع ٧ : ١٢٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٧٥.

(٢) الكافي ٤ : ٣٠٧ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٤١٥ / ١٤٤٥.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481