تذكرة الفقهاء الجزء ٧

تذكرة الفقهاء12%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-007-2
الصفحات: 481

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 481 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 169411 / تحميل: 5804
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٧

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٠٠٧-٢
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

فصل

في الوجوه العقلية التي أقيمت على حجية الخبر الواحد

(أحدها) أنه يعلم إجمالا بصدور كثير مما بايدينا من الأخبار من الأئمة الأطهار بمقدار واف بمعظم الفقه بحيث لو علم تفصيلا ذاك المقدار لا نحل علمنا الاجمالي بثبوت التكاليف بين الروايات وسائر الامارات إلى العلم التفصيلي بالتكاليف في مضامين الأخبار الصادرة المعلومة تفصيلا والشك البدوي في ثبوت التكليف في مورد ساير الامارات غير المعتبرة

______________________________

الوحي وانتهاء التشريع كان ذلك ظاهرا في الاستمرار والامتداد فلاحظ (قوله: احدها انه يعلم اجمالا) يكفي في صدق هذه الدعوى ملاحظة بعض فوائد الوسائل المتضمنة لذكر القرائن على صحة الكتب الاربعة فلاحظ (قوله: بحيث لو علم تفصيلا ذاك المقدار) يمكن تصوير العلم الاجمالي في المقام على وجوه (الاول) انا نعلم بصدور جملة من الاخبار مرددة بين جميع الاخبار المودعة في كتب اصحابنا (رض) كما نعلم بانشاء أحكام الزامية في جميع ما هو محتمل الطريقية كالخبر والشهرة وغيرهما بحيث يحتمل انطباق جميع ما هو معلوم من الاحكام على مؤديات تلك الاخبار المعلومة بالاجمال، ولازم ذلك أن لو علم تفصيلا بتلك الاخبار الصادرة لم يبق لنا علم اجمالي بتكليف الزامي غير مؤدياتها وان كان يحتمل، ولا ريب في هذه الصورة في انحلال العلم الاجمالي بالتكليف بالعلم الاجمالي بالاخبار الصادرة فلا يجب الاحتياط في اطراف الاول ويجب الاحتياط في اطراف الثاني كما لو شهدت البينة بنجاسة اناء من اواني زيد وشهدت بينة اخرى بنجاسة اناء ابيض من اواني زيد فلا يجب الاحتياط حينئذ الا بالاواني البيض لزيد لا غير (الثاني) انا نعلم بصدور جملة من الاخبار كما ذكر سابقا ونعلم بانشاء جملة من الاحكام الالزامية اكثر عددا من الاخبار الصادرة المعلومة اجمالا بحيث لا يحتمل انطباقها بتمامها على مؤديات تلك

١٤١

ولازم ذلك لزوم العمل على وفق جميع

______________________________

الاخبار وان احتمل انطباق مقدار مساو للاخبار وبقاء مقدار آخر مردد بين الاخبار التي هي اطراف العلم الاجمالي بصدور الأخبار وبين غيرها من محتمل الطريقية، ولازم ذلك أن لو عزلنا مقدارا مساويا للاخبار المعلومة الصدور اجمالا كان العلم الاجمالي بالتكليف فيما عدا ذلك المقدار المعزول باقيا بحاله وان كان نفس المعلوم حينئذ أقل من المعلوم الاصلي قبل العزل ولا ينبغي التأمل في مثل ذلك في وجوب الاحتياط في اطراف العلم الاجمالي بالتكليف ولا يكفي الاحتياط في اطراف العلم الاجمالي بالاخبار وان احتمل انطباق تمام المعلوم الاول على اطرافه إذ لا يكفي هذا المقدار في الانحلال بل لابد فيه من احتمال انطباق تمام المعلوم باحد العلمين على المعلوم بالعلم الآخر، وهو غير حاصل لاختلاف المقدار، ونظيره ما لو شهدت البينة بوجود شاة موطوءة في غنم زيد البيض وشهدت بينة اخرى بوجود شاتين موطوءتين في مطلق غنم زيد مرددتين بين البيض والسود فيجب الاحتياط في البيض والسود معا ولا يكفي الاحتياط في البيض فقط (الثالث) انا نعلم بصدور جملة من الاخبار كما سبق ونعلم بانشاء جملة من الاحكام الالزامية مساوية لها في المقدار إلا انها موصوفة بصفة محتملة الثبوت والعدم في مؤديات الاخبار الصادرة فعلى تقدير وجود الصفة في مؤديات الأخبار أمكن انطباق الاحكام عليها، وعلى تقدير العدم امتنع الانطباق وهذا كالأول في انحلال العلم الثاني بالأول فلا يجب الاحتياط الا في اطرافه ومثله ما لو شهدت البينة بوجود شاة موطوءة في قطعة خاصة من غنم زيد وشهدت بينة اخرى بوجود شاة موطوءة بيضاء في غنم زيد مطلقا بحيث كانت مرددة بين جميع افراد غنمه، ولا يجب الاحتياط في مثله الا في القطعة الخاصة لاحتمال انطباق المعلوم الثاني على المعلوم المردد في تلك القطعة والمصنف (ره) قرر الاستدلال على النحو الأول والشيخ (ره) في رسائله قرره على الوجه الثاني، واورد عليه اولا بان اللازم وجوب الاحتياط بالعمل في جميع الامارات ولا يختص بالأخبار كما سيشير إليه المصنف (ره) (قوله: ولازم ذلك لزوم)

١٤٢

الأخبار المثبتة وجواز العمل على طبق النافي منها فيما إذا لم يكن في المسألة أصل يثبت له من قاعدة الاشتغال أو الاستصحاب بناء على جريانه في أطراف علم إجمالا بانتقاض الحالة السابقة في بعضها أو قيام أمارة معتبرة على انتقاضها فيه وإلا لاختص عدم جواز العمل على وفق الثاني بما إذا كان على خلاف قاعدة الاشتغال (وفيه) أنه لا يكاد ينهض على حجية الخبر بحيث يقدم تخصيصا أو تقييدا أو ترجيحا على غيره من عموم أو إطلاق أو مثل مفهوم وان كان

______________________________

للعلم بوجوب العمل بالخبر الصادر فيجب العمل بكل ما هو محتمل الصدور من الأخبار (قوله: الاخبار المثبتة) لأن العلم الموجب للاحتياط هو العلم بصدور الخبر المثبت لأنه علم بالتكليف الالزامي اما العلم بصدور الخبر النافي فلا يترتب عليه اثر لعدم تعقله بالتكليف نعم يجوز العمل بالخبر النافي لو لم يكن هناك مانع كما لو كان اصل يقتضي الاحتياط كقاعدة الاشتغال أو مثبت للتكليف كاستصحاب التكليف، وكون الاستصحاب لم تثبت حجيته الا بالخبر غير المعلوم الحجية لا يقدح في منعه عن العمل بالخبر بالنافي لأن العمل بالاستصحاب عمل بالخبر المثبت (قوله: بناء على جريانه في اطراف) يعني إنما يمنع الاستصحاب المثبت عن العمل بالخبر النافي لو بنينا على حجيته في اطراف الشبهة المحصورة وأن العلم الاجمالي بانتقاض الحالة السابقة غير قادح في جريانه مطلقا وانما يقدح إذا كان العلم مثبتا للتكليف والاستصحاب نافيا أما إذا بنينا على قدح العلم الاجمالي مطلقا من جهة لزوم التناقض بين صدر دليل الاستصحاب وذيله كما أشرنا إليه في مبحث الموافقة الالتزامية ويجيئ بيانه في محله فمخالفة الاستصحاب للخبر النافي غير مانعة من العمل بالخبر لعدم حجيته فيختص المانع عنه بقاعدة الاشتغال فقط، ثم إن المناسب لهذا الاستدراك من المصنف (ره) أن الاستصحاب المثبت مطلقا مبتلى بعلم اجمالي على خلافه هو غير ظاهر (قوله: من عموم أو اطلاق) هذا على طريقة

١٤٣

يسلم عما أورد عليه من أن لازمه الاحتياط في سائر الامارات لا في خصوص الروايات لما عرفت من انحلال العلم الاجمالي بينها بما علم بين الأخبار بالخصوص ولو بالاجمال فتأمل جيدا (ثانيها) ما ذكره في الوافية مستدلا على حجية الاخبار الموجودة في الكتب المعتمدة للشيعة كالكتب الأربعة مع عمل جمع به من غير رد ظاهر وهو أنا نقطع ببقاء التكليف إلى يوم القيامة ولا سيما بالاصول الضرورية كالصلاة والزكاة والصوم والحج والمتاجر والانكحة ونحوها مع أن جل أجزائها وشرائطها وموانعها إنما يثبت بالخبر غير القطعي بحيث نقطع بخروج حقايق هذه الأمور عن كونها هذه الامور عند ترك العمل بخبر الواحد ومن أنكر فانما ينكره باللسان وقلبه مطمئن بالايمان انتهى، وأورد عليه أولا بان العلم الاجمالي حاصل بوجود الأجزاء والشرائط بين جميع الاخبار لا خصوص الاخبار المشروطة بما ذكره فاللازم حينئذ إما الاحتياط أو العمل بكل ما دل على جزئية شئ أو شرطيته (قلت): يمكن أن يقال: إن العلم الاجمالي وان كان حاصلا بين جميع الاخبار إلا أن العلم بوجود الاخبار الصادرة عنهم - عليهم السلام - بقدر الكفاية بين تلك الطائفة أو العلم باعتبار طائفة كذلك بينها يوجب انحلال ذاك العلم الاجمالي وصيرورة غيره خارجا عن طرف العلم كما مرت إليه الاشارة في تقريب الوجه الاول. اللهم إلا أن يمنع عن ذلك وادعي عدم الكفاية فيما علم بصدوره أو اعتباره

______________________________

اللف والنشر المرتب (قوله: يسلم عما أورد عليه) قد عرفت الاشارة إلى أن هذا الايراد من الشيخ في رسائله انما صدر من جهة تقريره العلم الاجمالي على الوجه الثاني كما يظهر من ملاحظة كلامه في تقريب الايراد فليلحظ (قوله: وأورد عليه أولا) المورد شيخنا العلامة في رسائله (قوله: المشروطة بما ذكر) يعني كونه موجودا في الكتب المعتمدة وعمل جمع به من غير رد ظاهر (قوله: إما الاحتياط أو العمل) عبارة الرسائل هكذا. فاللازم حينئذ اما الاحتياط

١٤٤

أو ادعي العلم بصدور أخبار أخر بين غيرها فتأمل (وثانيا) بان قضيته إنما هو العمل بالاخبار المثبتة للجزئية أو الشرطية دون الاخبار النافية لهما، والاولى أن يورد عليه بان قضيته إنما هو الاحتياط بالاخبار المثبتة فيما لم تقم حجة معتبرة على نفيهما من عموم دليل أو إطلاقه لا الحجية بحيث يخصص أو يقيد بالمثبت منها أو يعمل بالنافي في قبال حجة على الثبوت ولو كان أصلا كما لا يخفى (ثالثها) ما أفاده بعض المحققين بما ملخصه أنا نعلم بكوننا مكلفين بالرجوع إلى الكتاب والسنة إلى يوم القيامة فان تمكنا من الرجوع اليهما على نحو يحصل العلم بالحكم أو ما بحكمه فلابد من الرجوع اليهما كذلك والا فلا محيص عن الرجوع على نحو يحصل الظن به في الخروج عن عهدة

______________________________

والعمل بكل خبر دل على جزئية شئ أو شرطيته واما العمل بكل خبر ظن صدوره مما دل على الجزئية أو الشرطية. انتهى، والمراد منها ظاهرا أن العلم الاجمالي بموافقة جملة من الاخبار الدالة على الجزئية ونحوها يوجب الاحتياط بالعمل بكل خبر دل على ذلك ومع تعذره أو لزوم الحرج ينتقل إلى الظن بالصدور كما يأتي بيانه في دليل الانسداد (قوله: أو ادعي العلم بصدور) لا يحتاج إلى دعوى العلم بصدور اخبار اخر في غير ما جمع الشرائط المذكورة بل يكفي في وجوب الاحتياط دعوى العلم الاجمالي بصدور مقدار من الاخبار اكثر من المقدار المعلوم بالاجمال في خصوص ما جمع الشرائط وان لم يعلم بوجوده في غير ما جمع الشرائط كما ذكرنا (قوله: فيما لم تقم حجة معتبرة) إذ مع قيام الحجة المعتبرة على نفي التكليف لا تجري اصالة الاحتياط في العمل الخبر المثبت له كما لو قامت البينة على طهارة أحد اطراف الشبهة المحصورة، ثم إن هذا التقييد في كلام المصنف (ره) هو الفارق بينه وبين ايراد شيخه (ره) (قوله: بعض المحققين) هو الشيخ محمد تقي في حاشيته على المعالم (قوله: إلى الكتاب والسنة) إن كان المراد بالسنة قول المعصوم وفعله وتقريره فدعوى الاجماع والضرورة منه على

١٤٥

هذا التكليف فلو لم يتمكن من القطع بالصدور أو الاعتبار فلابد من التنزل إلى

______________________________

وجوب الرجوع إليها في محله، لكن لا يحسن قوله: فان تمكنا من الرجوع.. الخ، إذ لا يعتبر في جواز الرجوع إلى الكتاب والسنة بذلك المعنى حصول العلم بالحكم إن أمكن والا كفى الظن به، مع ان هذا لا يرتبط باثبات حجية خبر الواحد الا بتوسط مثل الوجه الاول بان نقول: يجب الرجوع إلى السنة ونعلم بحصولها في جملة من الاخبار التي بايدينا فيجب العمل بالجميع من باب الاحتياط، وان كان المراد بها الخبر الحاكي عن السنة بالمعنى الأول فدعوى الاجماع والضرورة على وجوب الرجوع إليها بهذا المعني ايضا في محلها إلا انه يرد عليه الاشكال السابق من عدم لزوم حصول العلم منها وعدم اقتضائه حجية الخبر الا بضميمة الوجه الاول فيكون هذا الوجه هو الوجه الاول بعينه لأن الاخبار الصادرة عن الأئمة - عليهم السلام - هي الاخبار الحاكية عن السنة. وان كان المراد بها مطلق الخبر الحاكي عن السنة ولو لم يعلم ذلك فتكون عين الاخبار المدونة في الكتب، فدعوى الاجماع والضرورة على وجوب الرجوع إليها مطلقا ممنوع، سوى ما حكي عن الشيخ وغيره من دعوى الاجماع في الجملة كما استشكله بذلك شيخنا (ره) في رسائله. مع أنه لو كان هذا هو المراد لم يحتج إلى إطالة الكلام بالنقض والابرام، ولا جعل دعوى الاجماع والضرورة من مقدمات الاستدلال بل كان راجعا إلى دعوى الاجماع والضرورة على حجية الخبر. ومن هنا حمل المصنف - رحمه الله - كلامه على ارادة دعوى الضرورة والاجماع على وجوب الرجوع إلى السنة بالمعنى الثالث لا مطلقا، بل في الجملة بنحو القضية المهملة كما سيصرح به المصنف (ره) في آخر عبارته وإذا ثبت ذلك فان أمكن الرجوع اليهما بنحو يحصل القطع بالحكم الواقعي للقطع بالصدور والدلالة أو ما بحكم القطع به للقطع بالاعتبار فهو والا فلابد من الرجوع اليهما بنحو يحصل الظن بالحكم فإذا لم يقم دليل على اعتبار الخبر لابد من الرجوع إليه لافادته الظن بالحكم (قوله: هذا التكليف) يعني التكليف بالرجوع إلى السنة (قوله: فلو لم يتمكن من القطع) تفصيل لما بينه في تقرير الدليل

١٤٦

* الظن باحدهما (وفيه) أن قضية بقاء التكليف فعلا بالرجوع إلى الأخبار الحاكية للسنة كما صرح بانها المراد منها في ذيل كلامه - زيد في علو مقامه - إنما هي الاقتصار في الرجوع إلى الاخبار المتيقن الاعتبار فان وفى وإلا أضيف إليه الرجوع إلى ما هو المتيقن اعتباره بالاضافة لو كان والا فالاحتياط بنحو عرفت لا الرجوع إلى ما ظن اعتباره وذلك للتمكن من الرجوع علما تفصيلا أو إجمالا فلا وجه مع من الاكتفاء بالرجوع إلى ما ظن اعتباره. هذا مع أن مجال المنع عن ثبوت التكليف بالرجوع إلى السنة بذاك المعنى فيمما لم يعلم بالصدور ولا بالاعتبار بالخصوص واسع وأما الايراد عليه برجوعه إما إلى دليل الانسداد لو كان ملاكه دعوى العلم الاجمالي بتكاليف واقعية وإما إلى الدليل الأول لو كان ملاكه دعوى العلم بصدور أخبار كثيرة بين ما بايدينا من الاخبار ففيه أن ملاكه إنما هو دعوى العلم بالتكليف بالرجوع إلى الروايات في الجملة إلى يوم القيامة فراجع تمام كلامه تعرف حقيقة مرامه.

______________________________

فان صورة التمكن من القطع بالصدور أو الاعتبار هي صورة حصول العلم بالحكم أو ما بحكم العلم (قوله: انما هي الاقتصار في الرجوع) الظاهر أن هذا مما اعترف به المستدل بقوله: فان تمكنا.. الخ وقوله (ره): فلو لم يتمكن. الخ إلا أن استدلاله المذكور مبني على عدم الدليل على حجية نوع خاص من السنة وبالجملة: المقدار المتيقن الاعتبار مطلقا أو بالاضافة داخل بقوله - رحمه الله -: فان تمكنا، وقوله: فلو لم يتمكن.. الخ واستدلاله مبني على عدم ذلك إذ هو مقتضي كونه دليلا في قبال غيره من الادلة (قوله: بنحو عرفت) يعني ما ذكره في الايراد على الوجه الثاني بقوله: والاولى ان يورد عليه... الخ (قوله: واما الايراد عليه برجوعه) المورد شيخنا العلامة (ره) في رسائله (قوله: فراجع تمام كلامه) لا يحضرني الآن كلامه لأراجعه إلا أن الذي في بالي ان كلامه مضطرب جدا، والله سبحانه

١٤٧

فصل

(في الوجوه التي أقاموها على حجية الظن)

وهي أربعة (الاول) أن في مخالفة المجتهد لما ظنه من الحكم الوجوبي أو التحريمي مظنة للضرر ودفع الضرر المظنون لازم أما الصغرى فلان الظن بوجوب شئ أو حرمته يلازم الظن بالعقوبة على مخالفته أو الظن بالمفسدة فيها بناء على تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد، وأما الكبرى فلاستقلال العقل بدفع الضرر المضنون ولو لم نقل بالتحسين والتقبيح لوضوح عدم انحصار ملاك حكمه بهما بل يكون التزامه بدفع الضرر المظنون بل المحتمل بما هو كذلك ولو لم يستقل بالتحسين والتقبيح

______________________________

أعلم (قوله: بناء على تعبية) قيد لقوله: أو الظن بالمفسدة، يعني أن الظن بالمفسدة بمني على القول المذكور (قوله: والمفاسد) يعني في متعلقات الأحكام (قوله: ولو لم نقل بالتحسين) قد عرفت سابقا أن وجوب دفع الضرر ليس من الأحكام العقلية بل هو من الفطريات التي جبلت عليها النفوس إذ لا ريب في بناء من له أدنى شعور وادراك على الفرار من الاضرار حتى الحيوانات والاطفال في مبدأ نشوئهم وإدراكهم، والوجدان أقوى شاهد عليه، والظاهر أنه لا فرق بين دفع الضرر وجلب النفع في ذلك، والمراد من كونه من الفطريات أنه إذا ادرك الفاعل المختار الضرر في شئ رجح عدمه على وجوده وتعلقت كراهته به فيفر عنه من دون توسط ادراك العقل حسن الفرار عن الضرر، وكذا إذا أدرك المنفعة في شئ رجح وجوده على عدمه وتعلقت ارادته به من دون توسط حكم العقل بحسنه، فادراك الضرر أو النفع في شئ موجب للفرار عنه أو السعي إليه من دون توقف على حكم عقله بحسنه أو قبحه فوجوب الفرار أو السعي انما هو بملاك وجوب تحصيل الغرض حيث أن الغرض دفع الضرر أو جلب النفع لا بملاك الحسن أو القبح العقليين، ومن هنا يظهر أنه لا يحسن تعبير المصنف (ره) بقوله:

١٤٨

* مثل الالتزام بفعل ما استقل بحسنه إذا قيل باستقلاله ولذا أطبق العقلاء عليه مع خلافهم في استقلاله بالتحسين والتقبيح فتدبر جيدا. والصواب في الجواب هو منع الصغرى أما العقوبة فلضرورة عدم الملازمة بين الظن بالتكليف والظن بالعقوبة على مخالفته لعدم الملازمة بينه والعقوبة على مخالفته وإنما الملازمة بين خصوص معصيته واستحقاق العقوبة عليها لا بين مطلق المخالفة والعقوبة بنفسها ومجرد الظن به بدون دليل على اعتباره لا يتنجز به كي يكون مخالفته عصيانه

______________________________

فلاستقلال العقل بدفع الضرر المظنون ولو لم.. الخ إذ لو لم نقل بالحسن والقبح العقليين لا يكون ذلك من المستقلات العقلية أصلا بل فطريا محضا، وان قلنا بالحسن والقبح العقليين يكون من المستقلات العقلية ايضا كما كان من الفطريات، لكنه يبتني على القول بالحسن والقبح العقليين، وبالجملة: وجوب الدفع من الفطريات وكونه من المستقلات العقلية يتوقف على القول بالحسن والقبح العقليين. فتأمل (قوله: مثل الالتزام بفعل ما استقل بحسنه) يعني كما أن العقل إذا أدرك حسن فعل بناء عليه يكون إدراكه ذلك موجبا لترجحه وتعلق الارادة به من دون توسط حكم عقلي بوجوب فعل الحسن كذلك الحال في المقام - كما عرفت - فتأثير الضرر أو النفع في ترجح الوجود أو العدم نظير تأثير الحسن والقبح العقليين بناء عليهما في ذلك، وكما أن الثاني من الفطريات والجبليات فكذلك الأول (قوله: أما العقوبة فلضرورة) يعني انه إذا كانت الملازمة بين التكليف الواقعي وبين العقوبة كان الظن بالتكليف موجبا للظن بالعقوبة التي هي الضرر لأن الظن باحد المتلازمين مسلتزم للظن بالآخر أما إذا لم تكن الملازمة كذلك بل كانت بين المعصية وبين استحقاق العقوبة فالظن بالتكليف لا يسلتزم الظن بالعقوبة ولا باستحقاقها على تقدير مخالفة الظن فانه مع الشك في حجية الظن لا تكون مخالفته معصية، وإذا علم بانتفائها علم بانتفاء لازمها وهو العقوبة فمع الظن بالتكليف المشكوك الحجية يقطع بعدم الضرر (قوله: واستحقاق العقوبة) يعني لا فعلية العقوبة إذ

١٤٩

* إلا أن يقال: إن العقل وان لم يستقل بتنجزه بمجرده بحيث يحكم باستحقاق العقوبة على مخالفته الا انه لا يستقل ايضا بعدم استحقاقها معه فيحتمل العقوبة حينئذ على المخالفة ودعوى استقلاله بدفع الضرر المشكوك كالمظون قريبة جدا

______________________________

المعصية لا توجب فعلية العقوبة كما هو ظاهر (قوله: إلا أن يقال ان العقل) هذا استدراك على الجواب وحاصله: أن العقل وان لم يحكم بالملازمة بين التكليف الواقعي واستحقاق العقوبة الا انه لا يحكم بانتفائها على تقدير ثبوت التكليف واقعا وحينئذ فمع الظن بالتكليف يشك في العقاب، وكما يجب دفع الضرر المظنون يجب دفع المشكوك فلا تجوز مخالفة الظن فرارا عن الضرر المشكوك الواجب الدفع هذا ولكن لا يخفي أنه ان أراد القائل بذلك منع قاعدة قبح العقاب بلا بيان فيدعي جواز العقاب على التكليف الواقعي ولو لم يكن الظن حجة فذلك مما لا ينبغي التأمل في بطلانه فان قبح العقاب بلا بيان كاد أن يكون من الواضحات التي لا مجال لتطرق الريب والتردد فيها. وان أراد دعوى ان احتمال حجية الظن كاف في حسن العقاب على الواقع لأن احتمال الحجية مساوق لاحتمال وجود البيان على الواقع. ففيه أن البيان المصحح للعقاب هو خصوص البيان الواصل إلى المكلف، ومجرد كون الظن حجة في نفس الأمر والواقع ما لم يعلم به المكلف لا يصحح العقاب هذا كله مضافا إلى أن عموم ادلة الترخيص مع الشك في التكليف موجبة للقطع بعدم العقاب لامتناع العقاب في ظرف الترخيص وتقدم قاعدة وجوب دفع الضرر على أدلة البراءة الشرعية لا تقتضيه القواعد لأن قاعدة وجوب دفع الضرر لا يوجب علما بالتكليف أو ما هو بمنزلته فتأمل جيدا (قوله: ودعوى استقلاله) يعني أن ما ذكر وان لم يوجب تمامية صغرى الدليل لكن يوجب ثبوت صغرى اخرى وهو الشك في الضرر وهي لا تنطبق عليها كبرى الدليل لكن لا يبعد ثبوت كبرى اخرى وهو وجوب دفع الضرر المشكوك فتكون مع الصغري المتقدمة دليلا على المطلوب. ثم إنه يمكن أن يجاب عن الدليل المذكور (اولا) بناء على

١٥٠

لا سيما إذا كان هو العقوبة الأخروية كما لا يخفى وأما المفسدة فلانها وان كان الظن

______________________________

ارادة العقوبة من الضرر بانه لا يثبت المدعي بل ينافيه وذلك لان المقصود منه اثبات حجية الظن بمعنى كونه يصح لأجله العقاب، وهذا الدليل إنما اقتضى وجوب العمل على وفق الظن من جهة ترتب العقاب على مخالفته وهو عكس المطلوب وبعبارة أخرى المقصود من الحجية في المقام ما يكون علة للعقاب والثابت بالدليل ما يكون معلولا له كما هو ظاهر (وثانيا) بأن القاعدة المذكورة إذا كانت من القواعد الفطرية بملاك وجوب تحصيل الغرض فانطباقها واقعا تابع لنظر الفاعل المدرك، فقد يكون الضرر بلا مزاحم فيفر عنه، وقد يكون مزاحما بضرر أهم أو نفع كذلك فالأثر - اعني الترجيح - تابع لنظر الفاعل، فقد يكون العمل على طبق الظن مما يترتب عليه في نظره ضرر أهم أو فوات نفع كذلك، فلا بد أن يكون الاثر مستندا إليه، ولا مجال للتحكم على الفاعل بلزوم الفرار عن ضرر مخالفة الظن إذا كان يرى في نظره انه مزاحم بالأهم، ولذا ترى العصاة مع علمهم بالضرر في مخالفة العلم بالوجوب يقدمون عليه لمزاحمته بالاضرار أو المنافع الشهوية، وليس ذلك لبنائهم على عدم وجوب دفع الضرر المقطوع، بل لبنائهم على وجوب دفع الضرر الأهم وتحصيل النفع الأهم ولو لزم الوقوع في الضرر المهم، فالظان بالتكليف وان كان ظانا بالضرر في المخالفة من العقوبة والمفسدة إلا أنه إذا أقدم على مخالفة ذلك الظن لمزاحمة بالأهم عنده لا يكون ذلك مخالفا لقاعدة وجوب دفع الضرر المظنون، بل كان ذلك الاقدام منه اعمالا لها وجريا على مقتضاها. وبالجملة: القاعدة المذكورة مما يمتنع ان تكون من دواعي الترجيح لأن جميع الدواعي موضوعات لها بل ليس الغرض من جعل التكاليف المولوية الا تنقيح موضوع القاعدة المذكورة حيث أنها تكون منشأ للضرر في المخالفة على تقدير العلم بها فيكون ذلك الضرر موضوعا للقاعدة المذكورة، ولابد من التأمل التام في المقام (قوله: لاسيما إذا كان هو العقوبة) بناء على كون قاعدة وجوب دفع الضرر من القواعد العقلية فلا ريب في استقلال العقل بوجوب دفع

١٥١

بالتكليف يوجب الظن بالوقوع فيها لو خالفه الا انها ليست بضرر على كل حال ضرورة ان كلما يوجب قبح الفعل من المفاسد لا يلزم أن يكون من الضرر على فاعله بل ربما يوجب حزازة ومنقصة في الفعل بحيث يذم عليه فاعله بلا ضرر عليه اصلا كما لا يخفى، وأما تفويت المصلحة فلا شبهة في انه ليس فيه مضرة بل ربما يكون في استيفائها المضرة كما في الاحسان بالمال هذا مع منع كون الأحكام تابعه للمصالح والمفاسد في المأمور بها والمنهي عنها بل إنما هي تابعة لمصالح فيها

______________________________

الضرر الموهوم إذا كان اخرويا فضلا عن المشكوك، كيف وكل واحد من اطراف الشبهة المحصورة وموارد قاعدة الاشتغال والأصول المثبتة للتكليف بل وسائر موارد الحجج الدالة على التكليف من هذا القبيل غالبا كما هو ظاهر بأدنى تأمل (قوله: يوجب الظن بالوقوع) لأن المفسدة ملزومة للتكليف والظن باللازم يوجب الظن بالملزوم (قوله: ليست بضرر على) إذ لا ريب ان مفهوم المفسدة ليس عين مفهوم الضرر إذ المفسدة عبارة عن الجهة المقبحة في العقل التي صارت باعثا على كراهته تشريعا أو تكوينا وليس من لوازم العناوين المقبحة ان تكون ضررا فان عنوان العبث جهة مقبحة في الفعل وليس من سنخ الضرر أصلا، بل لو سلم انها عين الضرر لكن لا يلزم ان يكون راجعا إلى الفاعل فان مفسدة العدوان على مال الغير لو كانت راجعة إلى الضرر لكنها ليست راجعة إلى ضرر الفاعل بل ضرر غيره وقاعدة وجوب دفع الضرر مختصة بضرر الفاعل لا غيره. ثم إن غاية مقتضي الجواب المذكور أنه لا ملازمة بين الظن بالتكليف والظن بالضرر، لكن لا مانع من احتمال الضرر فإذا بني على وجوب دفع الضرر المشكوك كما تقدم منه (قدس سره) لم يجز مخالفة الظن لانها اقدام على محتمل الضرر. الا ان يقال: ان ترخيص الشارع في الاقدام يدل على تدارك الضرر المظنون أو المحتمل فيتوقف على اثبات البراءة الشرعية كما افاده شيخنا الأعظم (ره) في رسائله في المقام وفى بحث الشبهة الموضوعية. لكن اورد عليه المصنف (ره) بان المفسدة الواقعية الحاصلة بالفعل

١٥٢

* كما حققناه في بعض فوائدنا. وبالجملة ليست المفسدة ولا المنفعة الفائتة اللتان في الأفعال وأنيط بهما الاحكام بمضرة وليس مناط حكم العقل بقبح ما فيه المفسدة أو حسن ما فيه المصلحة من الأفعال على القول باستقلاله بذلك هو كونه ذا ضرر وارد على فاعله أو نفع عائد إليه، ولعمري هذا أوضح من ان يخفى

______________________________

المنهي عنه على تقدير القول بها لا تتداركها مصلحة الترخيص لأنها قائمة بنفس الترخيص لا بالفعل فالفعل باق على ما هو عليه قبل الترخيص من حيث كونه ذا مفسدة فاحتمال الضرر غير المتدارك حاصل فيه. نعم هذا الاشكال لا يتأتى فيما لو كان الضرر المحتمل هو العقاب لان الترخيص ولو عن مصلحة فيه يمنع من ترتب العقاب كما عرفت فلو فرض احتمال العقاب لعدم حكم العقل بقبحه مع الظن بالتكليف فعموم أدلة البراءة الشرعية موجب للأمن منه والقطع بعدمه إلا أن يدعى عدم مجئ أدلة البراءة لحكومة القاعدة عليها، لكن عرفت ان قاعدة التحكيم تقتضي العكس لتوقف مجئ القاعدة على احتمال الضرر وادلة البراءة نافية له ولا يصح العكس لان القاعدة لا توجب علما بالتكليف كما هو ظاهر فلا توجب انتفاء موضوعها الموجب لانتفائها. فتأمل جيدا (قوله: كما حققناه في بعض فوائدنا) لا يخفى أن الذي حققه في بعض فوائده الذي رأيته هو كونها تابعة للمصالح والمفساد في متعلقاتها حيث قال فيها: فهنا دعويان الأولى عدم لزوم الالزام شرعا بما الزم به عقلا.. إلى ان قال: الثانية لزوم أن لا يلزم شرعا إلا بما الزم به عقلا وذلك لان الطلب الحقيقي والبعث الجدي الالزامي لا يكاد يكون الا بملاك يكون في المطلوب والمبعوث إليه... إلى أن اورد على نفسه بقوله: ان قلت: يكفي حسن التكليف وثبوت المصلحة في نفس الطلب والالزام من دون أن يكون مصلحة أو مفسدة في الواجب أو الحرام كما هو كذلك في غير مورد، ثم عد الأوامر الامتحانية والواجبات والمستحبات العبادية والاوامر والنواهي الظاهرية واوامر التقية. ثم قال: قلت: الطلب الحقيقي والالزام الجدي والبعث الواقعي لا يكاد

١٥٣

فلا مجال لقاعدة دفع الضرر المظنون ها هنا أصلا ولا استقلال للعقل بقبح فعل ما فيه احتمال المفسدة أو ترك ما فيه احتمال المصلحة فافهم (الثاني) أنه لو لم يؤخذ بالظن لزم ترجيح المرجوح على الراجح وهو قبيح (وفيه) أنه لا يكاد يلزم منه ذلك الا فيما إذا كان الاخذ بالظن أو بطرفه لازما مع عدم امكان الجمع بينهما عقلا أو عدم وجوبه شرعا ليدور الامر بين ترجيحه وترجيح طرفه ولا يكاد يدور الامر بينهما الا بمقدمات دليل الانسداد وإلا كان اللازم هو الرجوع إلى العلم أو العلمي أو الاحتياط أو البراءة أو غيرهما على حسب اختلاف الاشخاص أو الاحوال في اختلاف المقدمات على ما ستطلع على حقيقة الحال (الثالث) ما عن السيد الطباطبائي - قدس سره - من أنه لا ريب في وجود واجبات ومحرمات كثيرة بين المشتبهات ومقتضى ذلك وجوب الاحتياط بالاتيان بكل ما يحتمل الوجوب ولو موهوما وترك ما يحتمل

______________________________

أن يتعلق بشئ ما لم يكن فيه بذاته أو بالوجوه والاعتبارات الطارية عليه خصوصية موافقة للغرض داعية إلى تعلق الطلب به حقيقة وإلا كان تعلق الطلب به دون غيره ترجيحا بلا مرجح، وهذا واضح... الخ، فهذا كله صريح في كونها تابعة لما في متعلقاتها من المصالح والمفاسد فلاحظ، ولعل مراده غير هذا المقام مما لم اعثر عليه والله سبحانه اعلم (قوله: فلا مجال لقاعدة دفع) بل عرفت ان التحقيق انه لا مجال للتمسك بها والعمدة هو الجواب الثاني المطرد في العقوبة وغيرها فلاحظه وتأمل (قوله: ولا استقلال للعقل) دفع لما يتوهم من أن الظن بالتكليف وان لم يستلزم الظن بالضرر لكنه مستلزم للظن بالمفسدة أو المصلحة ويكفي ذلك في وجوب العمل بالظن لاستقلال العقل بقبح ارتكاب ما فيه احتمال المفسدة أو ترك المصلحة، وحاصل الدفع: منع استقلال العقل بذلك (قوله: أو غيرهما) مثل الاستصحاب أو فتوى المجتهد (قوله: على حسب اختلاف الاشخاص) وذلك لاختلافهم في التمكن من الرجوع إلى العلم أو العلمي لاختلافهم في الاستظهار من الأدلة المتقدمة فإذا اتفق ثبوت ذلك لبعض لم يجز له الرجوع إلى الظن للتمكن

١٥٤

* الحرمة كذلك ولكن مقتضى قاعدة نفي الحرج عدم وجوب ذلك كله لانه عسر أكيد وحرج شديد فمقتضى الجمع بين قاعدتي الاحتياط وانتفاء الحرج العمل بالاحتياط في المظنونات دون المشكوكات والموهومات لان الجمع على غير هذا الوجه باخراج بعض المظنونات وإدخال بعض المشوكات والموهومات باطل إجماعا، ولا يخفى ما فيه من القدح والفساد فانه بعض مقدمات دليل الانسداد ولا يكاد ينتج بدون سائر مقدماته ومعه لا يكون دليل آخر بل ذاك الدليل (الرابع) دليل الانسداد وهو مؤلف من مقدمات يستقل العقل مع تحققها بكفاية الاطاعة الظنية حكومة أو كشفا على ما تعرف ولا يكاد يستقل بها بدونها وهي خمس (اولاها) انه يعلم اجمالا بثبوت تكاليف كثيرة فعلية في الشريعة (ثانيتها) أنه قد انسد علينا باب العلم

______________________________

من العلمي ولو كان الاحتياط ممكنا في حقه أو كان يرى جواز الرجوع إلى الأصل فلابد في الأخذ بالظن من ثبوت المقدمات الآتية (قوله: ولا يكاد يستقل بها بدونها وهي خمس) اما توقف استقلاله بذلك على ثبوت المقدمة الأولى فغير ظاهر إذ لو فرض كون التكاليف الواقعية محتملة ودار الأمر بين اهمالها، والاحتياط فيها، والرجوع إلى الأصل في كل مسألة بالنظر إليها، والتقليد، والاطاعة الوهمية والشكية دون الظنية وعكس ذلك وبطل ما عدا الأخير بالمقدمات الأربع تعين الأخير نعم يمكن أن تنفع في اثبات المقدمة الثالثة وعدم جواز الرجوع إلى الأصل في كل مسألة الذي تتكفله الرابعة لكن على هذا التقدير تكون من مقدمات تينك المقدمتين لا في عرضهما كما هو ظاهر، واما المقدمة الثالثة فيغني عنها المقدمة الرابعة فانه إذا لم يجز الرجوع إلى الأصول في كل مسألة كيف يجوز الاهمال وعدم التعرض للاحكام المحتملة بالمرة ؟ ومجرد الاختلاف مفهوما بالقصد أو نحوه لا يكفي في جعلهما مقدمتين متقابلتين يتوقف الاستنتاج على اثبات كل واحدة منهما مستقلا وان شئت قلت: لو قال في المقدمة الرابعة: يجب الأخذ بالاحتياط في موارد

١٥٥

والعلمي إلى كثير منها (ثالثتها) أنه لا يجوز لنا إهمالها وعدم التعرض لامتثالها أصلا (رابعتها) أنه لا يجب علينا الاحتياط في أطراف علمنا بل لا يجوز في الجملة كما لا يجوز الرجوع إلى الأصل في المسألة من استصحاب وتخيير وبراءة واحتياط ولا إلى فتوى العالم بحكمها (خامستها) أنه كان ترجيح المرجوح على الراجح قبيحا فيستقل العقل حينئذ بلزوم الاطاعة الظنية لتلك التكاليف المعلومة وإلا لزم بعد

______________________________

الأصول النافية في الجملة لأغنى عن المقدمة الثالثة. فلا حظ وتأمل، وأما المقدمة الخامسة فالاحتياج إليها يتوقف على تعيين كون المانع من الرجوع إلى الاصل الجاري في كل مسألة مسألة مستقلا هو الاجماع أو العلم بالاهتمام أو انه العلم الاجمالي، فعلى الأخيرين يكون محتاجا إليها فانه لا موجب لتعيين الاحتياط في خصوص المظنونات الا تلك المقدمة أما إذا كان المستند في المنع هو الاجماع فيمكن دعوى عدم الحاجة إليها لقيام الاجماع من أول الأمر على لزوم الاحتياط في خصوص المظنونات. اللهم إلا أن يدعى عدم قيام الاجماع على ذلك وانما معقد الاجماع لزوم الاحتياط في الجملة فيحتاج في تعيينه إلى المقدمة المذكورة فإذا لابد من النظر فيه وسيجيئ في المقدمة الرابعة بيان بعض ما ذكرنا في كلام المصنف (ره) (قوله: والعلمي) المراد به مطلق الامارات المعتبرة (قوله: بل لا يجوز في الجملة) يعني إذا كان موجبا لاختلال النظام. ثم انه لا ينبغي أن يذكر هذا في المقدمات إذ يكفي عدم وجوب الاحتياط وعدم جوازه في الجملة وان كان حقا الا أنه لا يتوقف عليه الاستنتاج (قوله: واحتياط) المراد به اصالة الاحتياط الجارية في المسألة مع قطع النظر عن غيرها، وبذلك يفترق عن الاحتياط في قوله: لا يجب علينا الاحتياط، فان المراد به الاحتياط في كل مسألة وإن كان على خلاف الأصل فيها. ثم انه لا يتوقف الاستنتاج على المنع من العمل باصالة الاحتياط الجاري في المسألة من حيث هي وانما يتوقف على عدم جواز العمل بغيره من الاصول ومقصود المصنف - رحمه الله - ذلك كما يظهر بأدنى تأمل (قوله: ولا إلى فتوى) لا ينبغي

١٥٦

انسداد باب العلم والعلمي بها إما إهمالها، وإما لزوم الاحتياط في أطرافها، وإما الرجوع إلى الأصل الجاري في كل مسألة مع قطع النظر عن العلم بها أو التقليد فيها أو الاكتفاء بالاطاعة الشكية أو الوهمية مع التمكن من الظنية والفرض بطلان كل واحد منها (أما المقدمة الاولى) فهي وإن كانت بديهية إلا أنه قد عرفت انحلال العلم الاجمالي بما في الأخبار الصادرة عن الأئمة الطاهرين - عليهم السلام - التي تكون فيما بايدينا من الروايات في الكتب المعتبرة ومعه لا موجب للاحتياط إلا في خصوص ما في الروايات وهو غير مستلزم للعسر فضلا عما يوجب الاختلال ولا إجماع على عدم وجوبه ولو سلم الاجماع على عدم وجوبه لو لم يكن هناك انحلال (وأما المقدمة الثانية) فاما بالنسبة إلى العلم فهي بالنسبة إلى أمثال زماننا بينة وجدانية يعرف الانسداد كل من تعرض للاستنباط والاجتهاد، وأما بالنسبة إلى العلمي فالظاهر أنها

______________________________

ذكر هذا في هذه المقدمة لأن فتوى المجتهد من قبيل الامارات العلمية والمتعرض لنفي ذلك هو المقدمة الثانية (قوله: قد عرفت انحلال) تقدم بيان ذلك في الدليل الأول من الأدلة العقلية (قوله: ومعه لا موجب للاحتياط) يعني مع هذا الانحلال يسقط العلم الاجمالي بثبوت التكاليف الكثيرة عن اقتضاء الاحتياط في كل ما هو محتمل التكليف ويكون الاثر للعلم بالاخبار الصادرة فيجب الاحتياط في أطرافه لا غير. وحينئذ لا مانع عن الاحتياط في اطرافه لعدم الحرج في ذلك ولا اجماع على عدم وجوبه فيجب الاحتياط في أطرافه ولا موجب للرجوع إلى الظن بل لا يجوز إذا كان مخالفا للاحتياط المذكور. ثم إنك عرفت ان المقدمة الأولى لا يتوقف عليها الدليل المذكور ويكفي مجرد احتمال التكاليف فيرجع هذا الاشكال في الحقيقة إلى انه لابد أن تتكفل المقدمة الرابعة عدم وجوب التبعيض في الاحتياط بالنحو المذكور أعني الاحتياط في موارد النصوص والرجوع إلى الأصل في غيرها كما تكفلت عدم وجوب الاحتياط مطلقا وعدم جواز الرجوع إلى الأصل في كل مسألة مسألة (قوله: ولو سلم الاجماع) لو وصلية يعني لو سلمنا الاجماع على

١٥٧

غير ثابتة لما عرفت من نهوض الأدلة على حجية خبر يوثق بصدقه وهو - بحمد الله - واف بمعظم الفقه لا سيما بضميمة ما علم تفصيلا منها كما لا يخفى (وأما الثالثة) فهي قطعية ولو لم نقل بكون العلم الاجمالي منجزا مطلقا أو فيما جاز أو وجب الاقتحام في بعض أطرافه كما في المقام حسب ما يأتي وذلك لان إهمال معظم الاحكام وعدم الاجتناب كثيرا عن الحرام مما يقطع بانه مرغوب عنه شرعا ومما يلزم تركه إجماعا (إن قلت): إذا لم يكن العلم بها منجزا لها للزوم الاقتحام في بعض الاطراف كما أشير إليه فهل كان العقاب على المخالفة في ساير الاطراف حينئذ على

______________________________

عدم وجوب الاحتياط لو كان العلم الاجمالي بالتكاليف غير منحل فلا نسلم الاجماع على عدم وجوب الاحتياط لو كان العلم المذكور منحلا (قوله: غير ثابتة لما عرفت) وعليه فتختلف هذه المقدمة باختلاف أنظار الباحثين عن حجية الخبر وغيره فان ثبت ما به الكفاية بحيث يحتمل انطباق تمام المعلوم بالاجمال عليه لم تتم هذه المقدمة لانحلال العلم الاجمالي المذكور، والا كانت تامة (قوله: أو فيما جاز أو وجب) هذان معطوفان على قوله: مطلقا، ومفسران له: والمراد بما جاز أو وجب العلم الاجمالي الذي جاز الاقتحام في بعض أطرافه أو وجب ذلك، (قوله: كما في المقام) فان العلم فيه مما يجب الاقتحام في بعض أطرافه لكون الاحتياط التام مما يوجب اختلال النظام المحرم شرعا (قوله: حسب ما يأتي) يعني في تنبيهات العلم الاجمالي بالتكليف حيث ذكر هناك: ان العلم الاجمالي إذا قام دليل على جواز الاقدام على مخالفته في بعض أطرافه لم يجب الاحتياط عقلا في الباقي، وحاصل ما ذكر - كما أشار إليه هنا بقوله: ان قلت... الخ -: ان الدليل الدال على جواز الاقدام موجب لانقلاب العلم بالتكليف إلى الشك به ومعه يكون العقاب على مخالفة التكليف في الباقي عقابا بلا بيان قبيحا في نظر العقل ويأتي انشاء الله توضيحه وتوضيح ما فيه في ذلك المقام (قوله: وذلك لأن) تعليل لقوله: فهي قطعية (قوله: فهل كان العقاب) هذا اشارة إلى ما

١٥٨

تقدير المصادفة إلا عقابا بلا بيان والمؤاخذة عليها الا مؤاخذة بلا برهان ؟ (قلت): هذا انما يلزم لو لم يعلم بايجاب الاحتياط وقد علم به بنحو اللم حيث علم اهتمام الشارع بمراعات تكاليفه بحيث ينافيه عدم ايجابه الاحتياط الموجب للزوم المراعات ولو كان بالالتزام ببعض المحتملات مع صحة دعوى الاجماع على عدم جواز الاهمال في هذا الحال وأنه مرغوب عنه شرعا قطعا فلا تكون المؤاخذة والعقاب حينئذ بلا بيان وبلا برهان كما حققناه في البحث وغيره (وأما المقدمة الرابعة) فهي بالنسة إلى عدم وجوب الاحتياط التام بلا كلام فيما يوجب عسره اختلال النظام وأما فيما لا يوجب فمحل نظر بل منع لعدم حكومة قاعدة نفي العسر والحرج على قاعدة الاحتياط وذلك لما حققناه في معنى ما دل على نفي الضرر والعسر من أن التوفيق بين دليلهما ودليل التكليف أو الوضع المتعلقين

______________________________

ذكرناه من وجه عدم لزوم الاحتياط في الباقي بعد ارتكاب ما يندفع به الحرج، (قوله: بنحو اللم) يعني استدلالا على المعلول بوجود العلة فان الاهتمام علة لجعل وجوب الاحتياط في ظرف الشك فإذا علم بالاهتمام علم بجعل وجوب الاحتياط فيكون العلم بوجوب الاحتياط حجة في نظر العقل على وجوبه فيجب عقلا كما لو كان عليه دليل سمعي (قوله: ولو كان بالالتزام) ضمير كان راجع إلى الاحتياط يعني ولو كان الاحتياط بالعمل ببعض المحتملات ولم يكن تاما موجبا لحصول اليقين بالواقع (قوله: مع صحة دعوى) هذا وجه آخر لاستكشاف وجوب الاحتياط وهو الاجماع، وعلى كلا الوجهين فالاحتياط مستند إلى جعل الشارع للحجة المستكشفة باحد الطريقين. هذا هو القول بانكشف وسيجيئ في كلام المصنف (ره) التعرض له (قوله: فيما لا يوجب فمحل) يعني إذا لم يكن الاحتياط موجبا لاختلال النظام بل كان موجبا للحرج فعدم وجوبه محل نظر بل منع (قوله: لما حققناه في معنى ما دل) اعلم ان دليل نفي الضرر والحرج ونحوهما يحتمل فيه معان كثيرة إلا الأظهر عند شيخنا الاعظم (ره) في

١٥٩

بما يعمهما

______________________________

رسائله كونه من قبيل نفي السبب بلسان نفي مسببه فالمعني نفي الحكم الذي يأتي من قبله الضرر والحرج، والأظهر عند المصنف (ره) كونه من قبيل نفي الحكم بلسان نفي موضوعه فالمعنى نفي الحكم الذي يكون للموضوع الحرجي أو الضرري ويختص بما في رفعه امتنان، وقد فرع المصنف (ره) على الاختلاف بين المعنيين صحة تطبيق قاعدة نفي الحرج في المقام وعدمه إذ لا ريب في أن الأحكام الواقعية في حال الجهل بها موجبة للحرج كما أن موضوعاتها ليست حرجية. فعلى الاول يصح تطبيق القاعدة لرفع تلك الأحكام بعد ما كانت موجبة للحرج، وعلى الثاني لا يصح بعد ما لم تكن موضوعاتها حرجية (فان قلت): الأحكام الواقعية انما تقتضي حفظ وجود موضوعاتها فإذا لم تكن موضوعاتها حرجية كيف تكون موجبة للحرج (قلت): الامر كما ذكرت إلا أن موضوعاتها إذا كانت مرددة بين اطراف يكون مجموعها حرجيا فقد اقتضت حفظ كل واحد من تلك المحتملات فيكون مقتضاها حرجيا ولو بالعرض من جهة الجهل، (فان قلت): فلم لا نقول ان موضوعاتها حرجية (قلت): مع تردد الموضوع بين الاطراف الكثيرة لا يصح دعوى ثبوت الحكم للمجموع بل موضوع الحكم ليس الا الموضوع الواقعي وهو ليس بحرجي ولا تلازم بين اقتضاء ذلك الحكم لفعل جميع المحتملات في ظرف الشك وعدم كونها موضوعا له كما هو ظاهر هذا ويمكن الخدشة فيه (أولا) بالمعنى الذي ذكره خلاف الظاهر جدا وسيأتي انشاء الله بيانه في قاعدة الضرر (وثانيا) بالفرق بين لسان أدلة الحرج ولسان أدلة الضرر ولا يصح قياس أحدهما على الآخر فان قوله تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) صريح في نفي جعل الحرج على العباد تشريعا وليس مثل: (لا ضرر ولا ضرار) مما هو ظاهر في نفي الموضوع فان دعوى ظهور الثاني فيما ذكر لا تلازم دعوى ظهور الأول فيه كما هو ظاهر جدا بأدنى تأمل، قوله: بما يعمهما) الضمير في (يعمها) راجع إلى الضرر والحرج وفي (نفيهما) إلى

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

٢٢١

الأول

في الإِحرام‌

وفيه مطالب :

الأول : في مقدّماته‌

مقدّمات الإِحرام كلّها مستحبّة ، وأمّا الإِحرام فهو ركن من أركان الحجّ إذا أخلّ به عمداً بطل حجّه.

وتشتمل المقدّمات المستحبّة على مسائل :

مسألة ١٦٥ : يستحب لمن أراد التمتّع أن يوفّر شعر رأسه ولحيته من أوّل ذي القعدة‌ ولا يمسّ منهما شيئاً بحلقٍ أو نَتْفٍ أو جزٍّ ، ويتأكّد عند هلال ذي الحجة ، فإن مسّ منهما شيئاً ، يكون قد ترك الأفضل ، ولا شي‌ء عليه ، وهو اختيار الشيخ في بعض كتبه(١) .

وقال في بعضٍ : التوفير واجب ، فإن مسّ منهما شيئاً ، وجب عليه دم يهريقه(٢) .

أمّا التوفير : فلما رواه معاوية بن عمّار - في الحسن - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « الحجّ أشهرٌ معلومات : شوّال وذو القعدة وذو الحجة ، فمَنْ أراد الحجّ وفّر شعره إذا نظر إلى هلال ذي القعدة ، ومَنْ أراد العمرة وفّر‌

____________________

(١) الجُمل والعقود ( ضمن الرسائل العشر ) : ٢٢٧.

(٢) انظر : النهاية : ٢٠٦ ، والمبسوط ١ : ٣٠٩ - ٣١٠ ، والاستبصار ٢ : ١٦١ ذيل الحديث ٥٢٥ ، والتهذيب ٥ : ٤٨ ذيل الحديث ١٤٨.

٢٢٢

شعره شهراً »(١) .

والأصل عدم الوجوب.

احتجّ الشيخ : بما رواه جميل عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن متمتّع حلق رأسه بمكة ، قال : « إن كان جاهلاً فليس عليه شي‌ء ، وإن تعمّد ذلك في أول الشهور للحج بثلاثين يوماً فليس عليه شي‌ء ، وإن تعمّد ذلك بعد الثلاثين التي(٢) يوفّر فيها الشعر للحجّ فإنّ عليه دماً يهريقه »(٣) .

وهو محمول على ما إذا حلق بعد التلبّس بالإِحرام ، ويدلّ عليه أنّ السؤال وقع عن متمتّع حلق بمكة ، وهو إنّما يكون بها بعد الإِحرام.

ولا بأس بحلق الرأس وقصّ اللحية قبل هلال ذي القعدة.

مسألة ١٦٦ : يستحب له إذا بلغ الميقات التنظيف‌ بإزالة الشَعَث وقطع الرائحة ونَتْف الإِبط وقصّ الشارب وتقليم الأظفار وحلق العانة ؛ لأنّ الإِحرام يُسنُّ له الاغتسال ، فتُسَنُّ هذه الأشياء له ، كالجمعة.

ولأنّ الإِحرام يمنع حلق الشعر وتقليم الأظفار فاستحب له فعله قبله لئلّا يحتاج إليه في إحرامه ، فلا يتمكّن منه.

قال الصادقعليه‌السلام : « إذا انتهيت إلى بعض المواقيت التي وقّت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فانتف إبطك واحلق عانتك وقلّم أظفارك وقصّ شاربك ولا يضرّك بأيّ ذلك بدأت »(٤) .

ولو كان قد أطلى قبل الإِحرام ، اجتزأ به ما لم تمض خمسة عشر يوماً ، فإن مضت ، استحب له الإِطلاء.

____________________

(١) الكافي ٤ : ٣١٧ / ١ ، التهذيب ٥ : ٤٦ / ١٣٩ ، الإستبصار ٢ : ١٦٠ / ٥٢٠.

(٢) في النسخ الخطية والحجرية : « الذي » بدل « التي » وما أثبتناه من المصدر.

(٣) الكافي ٤ : ٤٤١ / ٧ ، التهذيب ٥ : ٤٨ - ٤٩ / ١٤٩.

(٤) التهذيب ٥ : ٦١ / ١٩٣ ، والفقيه ٢ : ٢٠٠ / ٩١٣.

٢٢٣

والإِطلاء أفضل ؛ للرواية(١) .

مسألة ١٦٧ : يستحب له إذا وصل إلى الميقات وأراد الإِحرام أن يغتسل إجماعاً ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله تجرّد لإِهلاله واغتسل(٢) ، وأمر أسماء بنت عميس - وهي نفساء - أن تغتسل عند الإِحرام(٣) ، وأمر عائشة أن تغتسل عند الإِهلال بالحج وهي حائض(٤) ، رواه العامّة.

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « إذا انتهيت إلى العقيق - إلى أن قال - ثم استك واغتسل »(٥) .

وهذا الغسل ليس واجباً في قول أكثر أهل العلم(٦) .

قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أنّ الإحرام جائز بغير اغتسال ، وأنّه غير واجب(٧) .

وحكي عن الحسن أنّه قال : إذا نسي الغسل يغتسل إذا ذكر(٨) .

وليس دالاً على الوجوب.

ويستوي في استحبابه الرجل والمرأة والصبيّ.

ولا فرق بين الحائض والنفساء وغيرهما ؛ لأنّ المقصود بهذا الغسل التنظيف وقطع الرائحة الكريهة لدفع أذاها عن الناس عند اجتماعهم.

ولو كان على الحائض أو النفساء مقام بالميقات حتى تطهر ، فالأولى أن تؤخّر الإِحرام حتى تطهر وتغتسل ، ليقع إحرامها في أكمل أحوالها.

____________________

(١) الكافي ٤ : ٣٢٧ / ٦ ، التهذيب ٥ : ٦٢ - ٦٣ / ١٩٩.

(٢) سنن الترمذي ٣ : ١٩٣ / ٨٣٠ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٣ ، المغني ٣ : ٢٣٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣١.

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٨٨٧ / ١٢١٨ ، المغني ٣ : ٢٣٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣١.

(٤) صحيح مسلم ٢ : ٨٨١ / ١٢١٣ ، المغني ٣ : ٢٣٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣١.

(٥) الكافي ٤ : ٣٢٦ / ١ ، الفقيه ٢ : ٢٠٠ / ٩١٤.

(٦ - ٨) المغني ٣ : ٢٣٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣١ ، المجموع ٧ : ٢١٢.

٢٢٤

ولو تعذّر الماء أو استعماله ، تيمّم بدلاً من غسله ، قاله الشيخ(١) رحمه‌الله - وبه قال الشافعي(٢) - لأنّه غسل مشروع ، فناب عنه التيمّم كالواجب.

وقال أحمد : لا يستحب ؛ قياساً على غسل الجمعة(٣) .

مسألة ١٦٨ : لو خاف عوز الماء في الميقات ، جاز له تقديم الغسل على الميقات ، ويكون على هيئته إلى أن يبلغ الميقات ، ثم يُحْرم ما لم ينم أو يمضي عليه يوم وليلة ، لقول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن الرجل يغتسل بالمدينة لإِحرامه أيجزئه ذلك من غسل ذي الحليفة؟ قال : « نعم»(٤) .

وأرسل هشام بن سالم إلى الصادقعليه‌السلام ، قال : نحن جماعة بالمدينة نريد أن نودّعك ، فأرسل إلينا أن « اغتسلوا بالمدينة فإنّي أخاف أن يعز عليكم الماء بذي الحليفة فاغتسلوا بالمدينة والبسوا ثيابكم التي تحرمون فيها ، ثم تعالوا فرادى أو مثاني »(٥) .

إذا عرفت هذا ، فلو قدّم الغسل خوفاً من عوز الماء ثم وجده في الميقات ، استحب له إعادته.

وغسل اليوم يجزئ عن ذلك اليوم ، وغسل الليلة يجزئه عن ليلته ما لم ينم.

قال الصادقعليه‌السلام : « من اغتسل منذ طلوع الفجر [ كفاه غسله إلى الليل في كلّ موضع يجب فيه الغسل ، ومن اغتسل ليلاً ](٦) كفاه غسله إلى‌

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣١٤.

(٢) الاُم ٢ : ١٤٥ ، فتح العزيز ٧ : ٢٤٢ ، المجموع ٧ : ٢١٣.

(٣) المغني ٣ : ٢٣٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣١.

(٤) الكافي ٤ : ٣٢٨ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٦٣ / ٢٠٠.

(٥) الكافي ٤ : ٣٢٨ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٢٠١ / ٩١٨ ، التهذيب ٥ : ٦٣ - ٦٤ / ٢٠٢.

(٦) ما بين المعقوفين من المصدر.

٢٢٥

طلوع الفجر »(١) .

ولو اغتسل ثم نام قبل أن يعقد الإِحرام ، أعاد الغسل ؛ لأنّ النضر بن سويد سأل الكاظمعليه‌السلام عن الرجل يغتسل للإِحرام ثم ينام قبل أن يحرم ، قال : « عليه إعادة الغسل »(٢) .

وكذا لو لبس قميصاً مخيطاً ، أعاد الغسل استحباباً ، لأنّه منافٍ للإِحرام ، لقول الباقرعليه‌السلام : « إذا اغتسل الرجل وهو يريد أن يُحرم فلبس قميصاً قبل أن يلبّي فعليه الغسل »(٣) .

وكذا لو أكل ما لا يحل للمُحرم أكله بعد الغسل ، فإنّه يعيد الغسل استحباباً ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « إذا لبست ثوباً لا ينبغي [ لك ](٤) لبسه أو أكلت طعاماً لا ينبغي لك أكله فأعد الغسل »(٥) .

ولو قلّم أظفاره بعد الغسل قبل الإِحرام ، لم يكن عليه شي‌ء ؛ لأنّه محلّ ، ولا يعيد الغسل ؛ لقول الصادقعليه‌السلام في رجل اغتسل للإِحرام ثم قلّم أظفاره ، قال : « يمسحها بالماء ولا يعيد الغسل »(٦) .

ولو أحرم بغير غسل ، استحب إعادته ؛ لأنّه تقدمة مندوبة ، فاستحب إعادة الفعل مع الإِخلال بها ، كالأذان.

وكتب الحسن بن سعيد إلى الكاظمعليه‌السلام : رجل أحرم بغير صلاة أو بغير غسل جاهلاً أو عالماً ما عليه في ذلك؟ وكيف ينبغي أن يصنع؟

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٦٤ / ٢٠٤.

(٢) الكافي ٤ : ٣٢٨ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٦٥ / ٢٠٦ ، الاستبصار ٢ : ١٦٤ / ٥٣٧.

(٣) الكافي ٤ : ٣٢٩ / ٨ ، التهذيب ٥ : ٦٥ / ٢١٠.

(٤) أضفناها من المصدر.

(٥) التهذيب ٥ : ٧١ / ٢٣٢.

(٦) الكافي ٤ : ٣٢٨ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٢٠٢ / ٩٢٤ ، التهذيب ٥ : ٦٦ / ٢١١ ، وفيها عن الامام الباقرعليه‌السلام .

٢٢٦

فكتب : « يعيده »(١) .

ويجوز الادّهان بعد الغسل قبل الإِحرام ؛ لأنّه محلّ.

ولأنّ ابن أبي يعفور سأل الصادقعليه‌السلام : ما تقول في دهنة بعد الغسل للإِحرام؟ فقال : «قبل وبعد ومع ليس به بأس »(٢) .

هذا إذا لم يكن الدهن فيه طيب ، ولو كان فيه طيب يبقى إلى بعد الإِحرام ، لم يجز ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « الرجل يدّهن بأيّ دهن شاء إذا لم يكن فيه مسك ولا عنبر ولا زعفران ولا ورس قبل أن يغتسل »(٣) .

مسألة ١٦٩ : يكره أن يتطيّب للإِحرام قبله إذا كانت رائحته لا تبقى إلى بعد الإِحرام ، ولو كانت رائحته تبقى إلى بعد الإِحرام ، كان محرّماً ، ووجب عليه إزالته عند علمائنا أجمع - وبه قال عليعليه‌السلام ، وعمر بن الخطاب ومالك ومحمد بن الحسن(٤) - لما رواه العامّة عن يعلى بن اُميّة ، قال : كنّا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالجعرانة ، فأتاه رجل عليه مقطّعة - يعني جبّة - وهو مضمّخ(٥) بالخلوق في بعضها ، وعليه ردعٌ(٦) من زعفران ، فقال : يا رسول الله إنّي أحرمت بالعمرة وهذه عليّ ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ما كنت صانعاً في حجّك؟ ) قال : كنت أنزع هذه المقطّعة وأغسل‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٣٢٧ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٧٨ - ٧٩ / ٢٦٠.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٠١ / ٩١٨ ، وفي التهذيب ٥ : ٣٠٣ / ١٠٣٤ ، والاستبصار ٢ : ١٨٢ / ٦٠٥ مضمراً.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٠١ / ٩٢٠.

(٤) المغني ٣ : ٢٣٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣٣ ، معالم السنن - للخطّابي - ٢ : ٢٨٧ ، المجموع ٧ : ٢٢٢ ، فتح العزيز ٧ : ٢٤٩ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٤٤.

(٥) التضمّخ : التلطّخ بالطيب وغيره والإِكثار منه. النهاية - لابن الأثير - ٣ : ٩٩.

(٦) في النسخ الخطية والحجرية : درع ، ولعلّها تصحيف. وردع : أي لطخُ لم يعمّه كلّه. النهاية - لابن الأثير - ٢ : ٢١٥.

٢٢٧

هذا الخلوق ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ما كنت صانعاً في حجّك فاصنعه في عمرتك )(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الكاظمعليه‌السلام : يلبس المحرم الثوب المشبع بالعصفر ، فقال : « إذا لم يكن فيه طيب فلا بأس به »(٢) .

وسأل إسماعيل بن الفضل الصادقعليه‌السلام : عن المحرم يلبس الثوب قد أصابه الطيب ، قال : « إذا ذهب ريح الطيب فليلبسه »(٣) .

وقال الشافعي : يستحب له أن يتطيّب قبل الإِحرام للإِحرام ، سواء كان طيباً يبقى عينه ، كالغالية والمسك ، أو تبقى رائحته ، كالبخور والعود والنّدّ(٤) - وبه قال عبد الله بن الزبير وسعد بن أبي وقّاص واُمّ حبيبة وعائشة ومعاوية وأبو حنيفة وأبو يوسف وأحمد ، ورواه العامّة عن ابن عباس وابن الحنفية وأبي سعيد الخدري وعروة والشعبي(٥) - لأنّ عائشة قالت : كنت أطيّب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لإحرامه قبل أن يُحرم ، ولحلّه قبل أن يطوف(٦) .

ونمنع الرواية ، ونحمله على ما لا تبقى رائحته إلى بعد الإِحرام.

إذا ثبت هذا ، فلو لبس ثوباً مطيّباً ثم أحرم ، وكانت رائحته تبقى إلى بعد الإِحرام ، وجب عليه نزعه ، أو إزالة الطيب عنه ، فإن لم يفعل وجب الفداء.

ويجي‌ء على مذهب الشافعي : أنّه لا يجب الفداء إلّا إذا نزعه ثم لبسه ؛

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٨٣٦ / ٧ ، سنن البيهقي ٥ : ٥٦ بتفاوت ، وأورده الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٢٨٨ - ٢٨٩ ذيل المسألة ٦٤.

(٢) التهذيب ٥ : ٦٧ / ٢١٧ ، الاستبصار ٢ : ١٦٥ / ٥٤٠.

(٣) الكافي ٤ : ٣٤٣ / ١٩ ، الفقيه ٢ : ٢١٧ / ٩٩ ، التهذيب ٥ : ٦٨ - ٦٩ / ٢٢٣.

(٤) الندّ : ضرب من الطيب يدخّن به. لسان العرب ٣ : ٤٢١ « ندد ».

(٥) الحاوي الكبير ٤ : ٧٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧٤ ، فتح العزيز ٧ : ٢٤٧ - ٢٤٨ ، المجموع ٧ : ٢١٨ و ٢٢١ - ٢٢٢ ، المغني ٣ : ٢٣٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣٢ - ٢٣٣.

(٦) صحيح مسلم ٢ : ٨٤٦ / ٣٣ ، الموطّأ ١ : ٣٢٨ / ١٧ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٤.

٢٢٨

لأنّه لبس ثوباً مطيّباً بعد إحرامه(١) .

ولو نقل الطيب من موضع من الثوب إليه ، [ لزمته الفدية ](٢) (٣) .

ولو تطيّب فسال الطيب من موضعه إلى موضع آخر ، ففيه للشافعي وجهان :

أحدهما : لا يجب الفداء ؛ لأنّه يجري مجرى الناسي.

والثاني : يجب ؛ لأنّه حصل بسببه. واعتماده على الأول(٤) .

مسألة ١٧٠ : لا يجوز تطيّب إزار الإِحرام وردائه حالة الإِحرام ولا قبله‌ إذا كانت رائحته تبقى إلى بعد الإِحرام.

وللشافعي قولان :

أحدهما : المنع ؛ لأنّه قد ينزع الثوب ثم يلبسه ، فيكون كما لو استأنف لبس ثوب مطيّب.

وأصحّهما عندهم : الجواز ، كتطيّب البدن(٥) .

ولو طيّب بدنه فتعطّر ثوبه تبعاً ، فلا بأس به عنده(٦) .

والخلاف من العامّة فيما إذا قصد تطييب الثوب ، فإن جوّزوا تطييب الثوب للإِحرام ، فلا بأس باستدامة ما عليه بعد الإِحرام ، كما في البدن(٧) .

لكن لو نزعه ثم لبسه ففي الفدية لهم وجهان :

أحدهما : لا تلزم ؛ لأنّ العادة في الثوب أن ينزع ويعاد.

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٢٥١ - ٢٥٢ ، المجموع ٧ : ٢١٨.

(٢) أضفناها من المصدر.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٢٥٠ ، المجموع ٧ : ٢١٨.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٢٥٠ ، المجموع ٧ : ٢١٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧٥.

(٥) فتح العزيز ٧ : ٢٥٠ - ٢٥١.

(٦) فتح العزيز ٧ : ٢٥١ ، المجموع ٧ : ٢١٩.

(٧) فتح العزيز ٧ : ٢٥١ ، المجموع ٧ : ٢١٨.

٢٢٩

وأصحّهما : اللزوم كما لو أخذ القمل(١) من بدنه ثمّ ردّه(٢) .

وللشافعي ثلاثة أوجه :

فقال في وجه باستحباب التطييب للإِحرام.

وفي آخر : إنّه مباح ليس بمسنون.

وفي آخر : إنّه لا يجوز للنساء التطييب.

وله آخر : إنّه لا يستحب لهنّ(٣) :

ولا فرق بين التطييب الذي يبقى له أثر وجرم وبين غيره.

ومنع أبو حنيفة ممّا يبقى جرمه ولا يثبت(٤) .

وعند مالك يكره التطيّب بما تبقى رائحته بعد الإِحرام(٥) .

وإذا تطيّب للإِحرام فلا بأس عند الشافعي باستدامة ما تطيّب به ، ولا يجي‌ء فيه الوجوه المذكورة في أنّ المرأة المتطيّبة إذا لزمتها الفدية يلزمها إزالة الطيب ؛ لأنّ هذا محقّق حقّ لله تعالى ، والمساهلة فيه أكثر(٦) .

والحقّ : أنّ الاستدامة كالابتداء في التحريم ؛ للإِجماع على تحريم الطيب على المحرم ، ولم يفصّلوا بين استئنافه واستدامته.

مسألة ١٧١ : لا يستحب للمرأة الخضاب قبل الإِحرام بل يكره للزينة ، وسيأتي.

وقال الشافعي : يستحب للمرأة أن تخضب بالحنّاء يديها إلى الكوعين قبل الإِحرام ، وتمسح وجهها أيضاً بشي‌ء من الحناء يسيراً ، ولا‌

____________________

(١) في المصدر : أخذ الطيب.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٢٥١ - ٢٥٢ ، المجموع ٧ : ٢١٨ - ٢١٩.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٢٤٨ - ٢٤٩ ، المجموع ٧ : ٢١٨.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٢٤٩.

(٥) بداية المجتهد ١ : ٣٢٨ ، فتح العزيز ٧ : ٢٤٩ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٣٧.

(٦) فتح العزيز ٧ : ٢٤٩ - ٢٥٠ ، المجموع ٧ : ٢١٨.

٢٣٠

يختص أصل الاستحباب بالإِحرام ، بل هو محبوب لها في جميع الأحوال ، نعم يكره الخضاب للخليّة في سائر الأحوال عنده(١) .

ولا فرق في حالة الإِحرام بين الخليّة وذات الزوج ، وإنّما يستحب عنده تعميم اليد بالخضاب دون التنقّش ، والتطريف ، وهو : خضب أطراف الأصابع ، ووافقنا على كراهية الخضاب بعد الإِحرام(٢) .

مسألة ١٧٢ : أفضل أوقات الإِحرام بعد زوال الشمس عقيب فريضة الظهر ، فيبدأ أوّلاً بعد الزوال بركعتي الإِحرام المندوبة قبل فريضة الظهر بحيث يكون الإِحرام عقيب صلاة الظهر ، وإن اتّفق أن يكون الإِحرام في غير هذا الوقت ، كان جائزاً ، لكن الأفضل أن يكون الإِحرام بعد صلاة فريضة ، وأفضل ذلك بعد صلاة الظهر ، فإن لم يكن وقت صلاة فريضة ، صلّى ست ركعات ، وينوي بها صلاة الإِحرام ، ويُحرم في دبرها ، وإن لم يتمكّن من ذلك ، أجزأه ركعتان.

وينبغي أن يقرأ في الاُولى منهما بعد التوجّه : الحمد والإِخلاص ، وفي الثانية : الحمد والجحد ، فإذا فرغ منهما أحرم عقيبهما ؛ لما روى العامّة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، صلّى بذي الحليفة ركعتين ثم أحرم(٣) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « لا يضرّك بليل أحرمت أو نهار ، إلّا أنّ أفضل ذلك عند زوال الشمس »(٤) .

وسأل الحلبي الصادقعليه‌السلام عن إحرام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أيّة ساعة؟ قال : « صلاة الظهر »(٥) .

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٢٥٢ - ٢٥٤ ، المجموع ٧ : ٢١٩.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٢٥٤ ، المجموع ٧ : ٢١٩.

(٣) أورده الرافعي في فتح العزيز ٧ : ٢٥٧.

(٤) الكافي ٤ : ٣٣١ / ١ ، التهذيب ٥ : ٧٨ / ٢٥٦.

(٥) الكافي ٤ : ٣٣٢ / ٤ ، الفقيه ٢ : ٢٠٧ / ٩٤٠ ، التهذيب ٥ : ٧٨ / ٢٥٥.

٢٣١

وقال الصادقعليه‌السلام : « لا يكون إحرام إلّا في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة »(١) .

وقالعليه‌السلام : « تصلّي للإِحرام ست ركعات تحرم في دبرها »(٢) .

إذا ثبت هذا ، فإنّ صلاة الإِحرام تفعل في جميع الأوقات وإن كان أحد الأوقات المكروهة.

وأصحّ الوجهين عند الشافعية : الكراهة في الأوقات المكروهة(٣) .

وهل تكفي الفريضة عن ركعتي الاحرام؟ يحتمل ذلك ، وهو قول الشافعي(٤) .

لكن المشهور تقديم نافلة الإِحرام على الفريضة ما لم يتضيّق وقت الفريضة ، وذلك يدلّ على عدم الاكتفاء في الاستحباب.

المطلب الثاني : في كيفيته‌

مسألة ١٧٣ : الإِحرام يشتمل على واجب وندب ، ونحن نذكر المندوب في أثناء المسائل.

وواجبات الإِحرام ثلاثة : النيّة والتلبيات الأربع ولُبس ثوبي الإِحرام.

وينبغي للحاج إذا وصل إلى الميقات أن يقلّم أظفاره ، ويأخذ من شاربه ، وينتف إبطيه أو يطلي بالنورة ، ويحلق عانته أو يطلي ، ويغتسل ، ويدعو عند الاغتسال بالمنقول ، ثم يلبس ثوبي إحرامه يأتزر بأحدهما ويتوشّح‌

____________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٠٦ / ٩٣٩ ، وفي الكافي ٤ : ٣٣١ / ٢ والتهذيب ٥ : ٧٧ / ٢٥٣ ، والاستبصار ٢ : ١٦٦ / ٥٤٨ بدون « أو نافلة ».

(٢) التهذيب ٥ : ٧٨ / ٢٥٧ ، الاستبصار ٢ : ١٦٦ / ٥٤٥.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٢٥٧ - ٢٥٨.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٢٥٨.

٢٣٢

بالآخر ، ويدعو بالمنقول ، ثم يصلّي ست ركعات الإِحرام أو ركعتيه ، فإذا فرغ من صلاته ، حمد الله وأثنى عليه ، وصلّى على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويدعو بالمنقول ، فإذا فرغ من الدعاء ، لبّى فيقول : لبّيك اللهم لبّيك لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك.

وقال الشيخ في كتبه : لبّيك اللهم لبّيك لبّيك إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبّيك(١) .

ثم لا يزال مكرّراً للتلبية مستحبّاً إلى أن يدخل مكة ويطوف ويسعى ويقصّر وقد أحلّ ، ثم ينشئ إحرام الحجّ من مكة كذلك ، ثم يمضي إلى عرفات على ما سبق ذكره.

والنظر في الواجبات‌ يتعلّق بأُمور ثلاثة :

الأول : النية‌

مسألة ١٧٤ : النيّة واجبة في الإِحرام‌ وشرطٌ فيه لو أخلّ بها لم يقع إحرامه ؛ لقوله تعالى :( وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ ) (٢) والإِخلاص النيّة ، والإِحرام عبادة.

ولقولهعليه‌السلام : ( إنّما الأعمال بالنيّات ، وإنّما لكلّ امرئ ما نوى )(٣) .

وللشافعي قولان : هذا أحدهما ، والآخر : إنّ الإِحرام ينعقد بالتلبية من غير نيّة ، ويلزمه ما لبّى به(٤) .

وليس بجيّد ؛ لما تقدّم.

____________________

(١) وجدنا هذه العبارة في النهاية ونكتها ١ : ٤٧١ ، وانظر : المبسوط - للطوسي - ١ : ٣١٦.

(٢) البيّنة : ٥.

(٣) صحيح البخاري ١ : ٢ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٦٢ / ٢٢٠١.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٢٠٠ - ٢٠١ ، المجموع ٧ : ٢٢٤.

٢٣٣

والواجب في النيّة أن يقصد بقلبه إلى اُمور أربعة : ما يحرم به من حجّ أو عمرة متقرّباً به إلى الله تعالى ، ويذكر ما يحرم له من تمتّع أو قران أو إفراد ، ويذكر الوجوب أو الندب وما يحرم له من حجّة الاسلام أو غيرها.

ولو نوى الإِحرام مطلقاً ولم يذكر لا حجّاً ولا عمرةً ، انعقد إحرامه ، وكان له صرفه إلى أيّهما شاء إن كان في أشهر الحجّ ؛ لأنّها عبادة منويّة.

ولما رواه العامّة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، خرج من المدينة لا يسمّي حجّاً ولا عمرةً ينتظر القضاء ، فنزل عليه القضاء وهو بين الصفا والمروة ، فأمر أصحابه مَن كان منهم أهلّ ولم يكن معه هدي أن يجعلوها عمرةً(١) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه ابن بابويه عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قال : لمـّا رجع من اليمن وجد فاطمةعليها‌السلام قد أحلّت ، فجاء إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مستنبئاً(٢) ومُحرشاً(٣) على فاطمةعليها‌السلام ، فقال : « أنا أمرت الناس فبم أهللت أنت يا علي؟ » فقال : « إهلالاً كإهلال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله » فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « كُن على إحرامك مثلي ، فأنت شريكي في هديي » وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ساق معه مائة بدنة ، فجعل لعليعليه‌السلام منها أربعاً وثلاثين ، ولنفسه ستّاً وستّين ، ونحرها كلّها بيده ، ثم أخذ من كلّ بدنة جذوةً(٤) ، ثم طبخها في قدر ، وأكلا منها وتحسّيا(٥) من المرق ، فقال : « قد أكلنا الآن منها جميعاً » ولم يعطيا الجزّارين جلودها ولا‌

____________________

(١) سنن البيهقي ٥ : ٦ ، اختلاف الحديث : ٢٢٧ ، وأورده ابن قدامة في المغني ٣ : ٢٥١.

(٢) في المصدر : مستفتياً.

(٣) أراد : ما يوجب عتابها. مجمع البحرين ٤ : ١٣٣.

(٤) أي : قطعة.

(٥) أي : شربا منه شيئاً بعد شي‌ء. والحسوة : الجرعة من الشراب مل‌ء الفم. مجمع البحرين ١ : ٩٩.

٢٣٤

جلالها(١) ولا قلائدها ولكن تصدّق(٢) بها ، وكان عليعليه‌السلام يفتخر على الصحابة ويقول : «مَن فيكم مثلي وأنا شريك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هديي بيده »(٣) .

ولأنّ الإِحرام بالحجّ يخالف غيره من إحرام سائر العبادات ؛ لأنّه لا يخرج منه بالفساد.

وإذا عقد عن غيره ، أو تطوّعاً وعليه فرضه ، وقع عن فرضه ، فجاز أن ينعقد مطلقاً.

وإذا ثبت أنّه ينعقد مطلقاً ، فإن صرفه إلى الحجّ ، صار حجّاً ، وإن صرفه إلى العمرة ، صار عمرةً ، وإلى أيّ أنواع الحجّ صرفه من تمتّع أو قران أو إفراد ، انصرف إليه.

ولو صرفه إلى الحجّ والعمرة معاً ، لم يصح عندنا ، خلافاً للعامّة.

فروع :

أ - لو عقده مطلقاً قبل أشهر الحجّ ، انعقد للعمرة ؛ لأنّه إحرام لا يصح لغيرها ، فانصرف إليها.

ب - لو كان عليه حجّ واجب أو عمرة واجبة‌ وأطلق الإِحرام ، فالأقرب انصراف المطلق إلى ما وجب عليه.

ج - يصح إبهام الإِحرام ، وهو : أن يُحرم بما أحرم به فلان ، فإن علم ما أحرم به فلان ، انعقد إحرامه مثله.

____________________

(١) جلال جمع ، مفردها : جلّ ، وجلّ الدابّة : الذي تلبسه لتصان به. لسان العرب ١١ : ١١٩ « جلل ».

(٢) كذا ، وفي المصدر : تصدّقا.

(٣) الفقيه ٢ : ١٥٣ - ١٥٤ / ٦٦٥.

٢٣٥

ولو لم يعلم وتعذّر علمه بموت أو غيبة ، قال الشيخ : يتمتّع احتياطاً للحجّ والعمرة(١) .

ولو بان أنّ فلاناً لم يُحْرم ، انعقد مطلقاً ، وكان له صرفه إلى أيّ نسك شاء ، وكذا لو لم يعلم هل أحرم فلان أم لا ؛ لأصالة عدم إحرامه.

د - لو لم يعيّن ثم شرع في الطواف قبل التعيين ، قال بعض العامّة(٢) : ينعقد حجّاً ، وينوي الحجّ ، ويقع هذا الطواف طواف القدوم ، ولا يصير معتمراً ؛ لأنّ الطواف ركن في العمرة ، فلا يقع بغير نيّة ، وطواف القدوم لا يحتاج إلى النيّة ، فيصير حاجّاً.

ويحتمل عدم اعتداده بطوافه ، لأنّه لم يطف في حجّ ولا عمرة.

ه - تعيين الإِحرام أولى من إطلاقه‌ - وبه قال مالك والشافعي في أحد قوليه - لأنّه إذا عيّن علم بما هو متلبّس به ، فيكون أولى من عدم العلم(٣) .

وقال الشافعي في الآخر : الإِطلاق أولى ؛ لأنّ النبيعليه‌السلام أطلق الإِحرام(٤) .

والرواية مرسلة ، والشافعي لا يعمل بالمراسيل المفردة(٥) ، فكيف مع مخالفتها للروايات الدالّة على أنّهعليه‌السلام عيّن ما أحرم به.

مسألة ١٧٥ : لو أحرم بنسك ثم نسيه ، تخيّر بين الحجّ والعمرة إذا لم يتعيّن عليه أحدهما ، قاله الشيخ في المبسوط(٦) ؛ لأنّه قبل الإِحرام يجوز ابتداء أيّ النسكين شاء فمع عدم علم التعيين يستمرّ هذا الجواز ؛ عملاً

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣١٧.

(٢) انظر : بلغة السالك ١ : ٢٦٨.

(٣ و ٤) المغني ٣ : ٢٥١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٨٤ ، فتح العزيز ٧ : ٢٠٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧٧ ، المجموع ٧ : ٢٢٧.

(٥) كما في المغني ٣ : ٢٥٢ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٣٦.

(٦) المبسوط ١ : ٣١٧.

٢٣٦

باستصحاب الحال.

ولأنّه لو أحرم بالحجّ ، جاز له فسخه إلى العمرة على ما تقدّم.

وقال الشيخ في الخلاف : يجعله عمرةً - وبه قال أحمد(١) - لأنّه لا يخلو إمّا أن يكون إحرامه بالحجّ أو بالعمرة ، فإن كان بالحجّ ، فقد بيّنّا أنّه يجوز فسخه إلى عمرته يتمتّع بها ، وإن كان بالعمرة ، صحّ لها ، فقد صحّت للعمرة على الوجهين ، وإذا أحرم بالعمرة ، لم يمكنه جعلها حجّةً مع القدرة على إتيان أفعال العمرة ، فلهذا قلنا : يجعلها عمرة(٢) .

وقال أبو حنيفة : يجب عليه أن ينوي القران - وهو أحد قولي الشافعي - لأنّ الشكّ لحق به في فعله بعد التلبّس بالعبادة ، فلم يكن له الاجتهاد ، وإنّما يرجع إلى اليقين ، كما لو(٣) شكّ في عدد الركعات ، بخلاف الإِناءين والقبلة ؛ لأنّ عليهما أمارات يرجع إليها عند الاشتباه ، وأمّا هنا فإنّه شكّ في فعل نفسه ولا أمارة على ذلك إلّا ذكره ، فلم يرجع إلّا إليه(٤) .

وهو معارض ببراءة الذمّة من المعيّن.

أمّا لو تعيّن أحدهما عليه ، فالوجه : انصرافه إليه.

وقال الشافعي في القديم : يتحرّى ويبني على ما يغلب على ظنّه ؛ لأنّه اشتباه في شرط من شرائط العبادة ، وكان له الاجتهاد فيه ، كالإِناءين والقبلة(٥) .

ونمنع حكم الأصل.

____________________

(١) المغني ٣ : ٢٥٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧٨.

(٢) الخلاف ٢ : ٢٩٠ - ٢٩١ ، المسألة ٦٨.

(٣) في « ط ، ف » : « كمن » ، بدل « كما لو »

(٤ و ٥) المغني ٣ : ٢٥٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٨٥ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٢ ، المجموع ٧ : ٢٣٣ ، فتح العزيز ٧ : ٢٢٢ - ٢٢٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧٨.

٢٣٧

إذا ثبت هذا ، فلو أحرم بهما معاً ، لم يصح ، قال الشيخ : ويتخيّر(١) .

وكذا لو شكّ هل أحرم بهما أو بأحدهما ، فعل أيّهما شاء.

ولو تجدّد الشك بعد الطواف ، جعلها عمرةً متمتّعاً بها إلى الحجّ.

مسألة ١٧٦ : لو نوى الإِحرام بنسك ولبّى بغيره ، انعقد ما نواه دون ما تلفّظ به ؛ لأنّ الاعتبار بالنيّة ، والتلفّظ ليس واجباً ، فلا اعتبار به.

ولأنّ أحمد بن محمد سأل الرضاعليه‌السلام : كيف أصنع إذا أردت أن أتمتّع؟ فقال : « لبّ بالحجّ وانو المتعة ، فإذا دخلت مكة طفت بالبيت وصلّيت الركعتين خلف المقام وسعيت بين الصفا والمروة [ وقصرت ](٢) وفسختها وجعلتها متعة »(٣) .

ولا بدّ من تعيين النوع من تمتّع أو قران أو إفراد.

وقال الشافعي في أحد وجهيه : لا يفتقر المتمتّع إلى النيّة(٤) .

وليس بجيّد ؛ لقوله تعالى :( وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ ) (٥) والتمتّع عبادة.

ولأنّها أفعال مختلفة ، فلا بدّ من النيّة ، ليتميّز بعضها عن الآخر.

ويستحب أن يذكر في لفظه ما يقصده من أنواع الحجّ - وبه قال أحمد(٦) - لما رواه العامّة عن أنس ، قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : ( لبّيك عمرةً وحجّاً )(٧) .

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣١٧.

(٢) أضفناها من المصدر.

(٣) التهذيب ٥ : ٨٦ / ٢٨٥ ، الاستبصار ٢ : ١٧٢ / ٥٦١.

(٤) لم نعثر عليه.

(٥) البيّنة : ٥.

(٦) المغني ٣ : ٢٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦٦.

(٧) صحيح مسلم ٢ : ٩٠٥ ذيل الحديث ١٢٣٢ ، و ٩١٥ / ٢١٥ ، سنن أبي داود ٢ : ١٥٧ / ١٧٩٥ ، سنن النسائي ٥ : ١٥٠ ، سنن البيهقي ٥ : ٤٠.

٢٣٨

وقال أبو سعيد : خرجنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نصرخ بالحجّ(١) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « إنّ عليّاًعليه‌السلام رفع صوته بالتلبية بحجّ وعمرة »(٢) .

ولو اتّقى ، كان الأفضل الإِضمار.

النظر الثاني : في لُبس الثوبين‌

مسألة ١٧٧ : إذا أراد الإِحرام ، وجب عليه نزع ثيابه ، ولُبس ثوبي الإِحرام يأتزر بأحدهما ويرتدي بالآخر ؛ لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ( وتلبس إزاراً ومُلاءة )(٣) (٤) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « والبس ثوبيك »(٥) .

ويجب أن يكون الثوبان ممّا تصح فيهما الصلاة ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « كلّ ثوب تصلّي فيه فلا بأس أن تُحرم فيه »(٦) .

فلا يجوز الإِحرام في الابريسم المحض للرجال ؛ لأنّ لُبسه محرّم ، فلا يكون عبادةً.

والأقرب : جواز لُبس النساء الحرير المحض حالة الإِحرام ، اختاره‌

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٩١٤ / ١٢٤٧ ، مسند أحمد ٣ : ٥ ، سنن البيهقي ٥ : ٣١.

(٢) التهذيب ٥ : ٨٥ / ٢٨٢ ، الاستبصار ٢ : ١٧١ / ٥٦٤.

(٣) الملاءة ، بالضم ممدود : الرَّيطة ، وهي : الملاءة إذا كانت قطعة واحدة ولم تكن لفِقَين. الصحاح ١ : ٧٣ « ملأ » و ٣ : ١١٢٨ « ريط ».

(٤) لم نجده في المصادر الحديثية.

(٥) الكافي ٤ : ٣٢٦ / ١ ، و ٤٥٤ / ١ و ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٠٠ / ٩١٤ ، التهذيب ٥ : ١٦٨ / ٥٥٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٥١ / ٨٨١.

(٦) الفقيه ٢ : ٢١٥ / ٩٧٦.

٢٣٩

المفيد(١) - خلافاً للشيخ(٢) - لما رواه يعقوب بن شعيب - في الصحيح - قال : قلت للصادقعليه‌السلام : المرأة تلبس القميص تزرّه عليها وتلبس الخزّ والحرير والديباج فقال : « نعم لا بأس به »(٣) .

احتجّ الشيخ -رحمه‌الله - بما رواه عيص - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « المرأة المـُحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير والقفّازين(٤) »(٥) .

وهو محمول على الكراهة.

مسألة ١٧٨ : يستحب الإِحرام في الثياب القطن ، وأفضلها البيض ؛ لما رواه العامّة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : ( خير ثيابكم البيض ، فألبسوها أحياءكم ، وكفّنوا بها موتاكم )(٦) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « كان ثوبا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اللذان أحرم فيهما يمانيّين عَبْريّ وأظفار(٧) ، وفيهما كفّن »(٨) .

ولا بأس بالثوب الأخضر والمعصفر وغيرهما ؛ لأنّ أبا العلاء الخفاف رأى الباقرعليه‌السلام وعليه بُرد أخضر وهو مُحرم(٩) .

____________________

(١) أحكام النساء ( ضمن مصنّفات الشيخ المفيد ) ٩ : ٣٥.

(٢) انظر : المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٢٠.

(٣) التهذيب ٥ : ٧٤ / ٢٤٦ ، الاستبصار ٢ : ٣٠٩ / ١١٠٠.

(٤) القفّاز ، بالضم والتشديد : شي‌ء يعمل لليدين يحشى بقطن ، ويكون له أزرار تزرّ على الساعدين من البرد تلبسه المرأة في يديها ، وهما قفّازان. الصحاح ٣ : ٨٩٣ « قفز ».

(٥) التهذيب ٥ : ٧٣ / ٢٤٣ ، الاستبصار ٢ : ٣٠٨ / ١٠٩٩.

(٦) أورده ابنا قدامة في المغني والشرح الكبير ٣ : ٢٣٤ ، وبتفاوت في سنن ابن ماجة ٢ : ١١٨١ / ٣٥٦٦ ، وسنن البيهقي ٥ : ٣٣ ، والمستدرك - للحاكم - ٤ : ١٨٥.

(٧) كذا في النسخ الخطية والحجرية والفقيه ، وفي الكافي : « ظفار ».

(٨) الكافي ٤ : ٣٣٩ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢١٤ / ٩٧٥.

(٩) الكافي ٤ : ٣٣٩ - ٣٤٠ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٢١٥ / ٩٧٨.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481