تذكرة الفقهاء الجزء ٧

تذكرة الفقهاء8%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-007-2
الصفحات: 481

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 481 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 169447 / تحميل: 5804
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٧

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٠٠٧-٢
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

٢٢١

الأول

في الإِحرام‌

وفيه مطالب :

الأول : في مقدّماته‌

مقدّمات الإِحرام كلّها مستحبّة ، وأمّا الإِحرام فهو ركن من أركان الحجّ إذا أخلّ به عمداً بطل حجّه.

وتشتمل المقدّمات المستحبّة على مسائل :

مسألة ١٦٥ : يستحب لمن أراد التمتّع أن يوفّر شعر رأسه ولحيته من أوّل ذي القعدة‌ ولا يمسّ منهما شيئاً بحلقٍ أو نَتْفٍ أو جزٍّ ، ويتأكّد عند هلال ذي الحجة ، فإن مسّ منهما شيئاً ، يكون قد ترك الأفضل ، ولا شي‌ء عليه ، وهو اختيار الشيخ في بعض كتبه(١) .

وقال في بعضٍ : التوفير واجب ، فإن مسّ منهما شيئاً ، وجب عليه دم يهريقه(٢) .

أمّا التوفير : فلما رواه معاوية بن عمّار - في الحسن - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « الحجّ أشهرٌ معلومات : شوّال وذو القعدة وذو الحجة ، فمَنْ أراد الحجّ وفّر شعره إذا نظر إلى هلال ذي القعدة ، ومَنْ أراد العمرة وفّر‌

____________________

(١) الجُمل والعقود ( ضمن الرسائل العشر ) : ٢٢٧.

(٢) انظر : النهاية : ٢٠٦ ، والمبسوط ١ : ٣٠٩ - ٣١٠ ، والاستبصار ٢ : ١٦١ ذيل الحديث ٥٢٥ ، والتهذيب ٥ : ٤٨ ذيل الحديث ١٤٨.

٢٢٢

شعره شهراً »(١) .

والأصل عدم الوجوب.

احتجّ الشيخ : بما رواه جميل عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن متمتّع حلق رأسه بمكة ، قال : « إن كان جاهلاً فليس عليه شي‌ء ، وإن تعمّد ذلك في أول الشهور للحج بثلاثين يوماً فليس عليه شي‌ء ، وإن تعمّد ذلك بعد الثلاثين التي(٢) يوفّر فيها الشعر للحجّ فإنّ عليه دماً يهريقه »(٣) .

وهو محمول على ما إذا حلق بعد التلبّس بالإِحرام ، ويدلّ عليه أنّ السؤال وقع عن متمتّع حلق بمكة ، وهو إنّما يكون بها بعد الإِحرام.

ولا بأس بحلق الرأس وقصّ اللحية قبل هلال ذي القعدة.

مسألة ١٦٦ : يستحب له إذا بلغ الميقات التنظيف‌ بإزالة الشَعَث وقطع الرائحة ونَتْف الإِبط وقصّ الشارب وتقليم الأظفار وحلق العانة ؛ لأنّ الإِحرام يُسنُّ له الاغتسال ، فتُسَنُّ هذه الأشياء له ، كالجمعة.

ولأنّ الإِحرام يمنع حلق الشعر وتقليم الأظفار فاستحب له فعله قبله لئلّا يحتاج إليه في إحرامه ، فلا يتمكّن منه.

قال الصادقعليه‌السلام : « إذا انتهيت إلى بعض المواقيت التي وقّت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فانتف إبطك واحلق عانتك وقلّم أظفارك وقصّ شاربك ولا يضرّك بأيّ ذلك بدأت »(٤) .

ولو كان قد أطلى قبل الإِحرام ، اجتزأ به ما لم تمض خمسة عشر يوماً ، فإن مضت ، استحب له الإِطلاء.

____________________

(١) الكافي ٤ : ٣١٧ / ١ ، التهذيب ٥ : ٤٦ / ١٣٩ ، الإستبصار ٢ : ١٦٠ / ٥٢٠.

(٢) في النسخ الخطية والحجرية : « الذي » بدل « التي » وما أثبتناه من المصدر.

(٣) الكافي ٤ : ٤٤١ / ٧ ، التهذيب ٥ : ٤٨ - ٤٩ / ١٤٩.

(٤) التهذيب ٥ : ٦١ / ١٩٣ ، والفقيه ٢ : ٢٠٠ / ٩١٣.

٢٢٣

والإِطلاء أفضل ؛ للرواية(١) .

مسألة ١٦٧ : يستحب له إذا وصل إلى الميقات وأراد الإِحرام أن يغتسل إجماعاً ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله تجرّد لإِهلاله واغتسل(٢) ، وأمر أسماء بنت عميس - وهي نفساء - أن تغتسل عند الإِحرام(٣) ، وأمر عائشة أن تغتسل عند الإِهلال بالحج وهي حائض(٤) ، رواه العامّة.

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « إذا انتهيت إلى العقيق - إلى أن قال - ثم استك واغتسل »(٥) .

وهذا الغسل ليس واجباً في قول أكثر أهل العلم(٦) .

قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أنّ الإحرام جائز بغير اغتسال ، وأنّه غير واجب(٧) .

وحكي عن الحسن أنّه قال : إذا نسي الغسل يغتسل إذا ذكر(٨) .

وليس دالاً على الوجوب.

ويستوي في استحبابه الرجل والمرأة والصبيّ.

ولا فرق بين الحائض والنفساء وغيرهما ؛ لأنّ المقصود بهذا الغسل التنظيف وقطع الرائحة الكريهة لدفع أذاها عن الناس عند اجتماعهم.

ولو كان على الحائض أو النفساء مقام بالميقات حتى تطهر ، فالأولى أن تؤخّر الإِحرام حتى تطهر وتغتسل ، ليقع إحرامها في أكمل أحوالها.

____________________

(١) الكافي ٤ : ٣٢٧ / ٦ ، التهذيب ٥ : ٦٢ - ٦٣ / ١٩٩.

(٢) سنن الترمذي ٣ : ١٩٣ / ٨٣٠ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٣ ، المغني ٣ : ٢٣٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣١.

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٨٨٧ / ١٢١٨ ، المغني ٣ : ٢٣٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣١.

(٤) صحيح مسلم ٢ : ٨٨١ / ١٢١٣ ، المغني ٣ : ٢٣٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣١.

(٥) الكافي ٤ : ٣٢٦ / ١ ، الفقيه ٢ : ٢٠٠ / ٩١٤.

(٦ - ٨) المغني ٣ : ٢٣٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣١ ، المجموع ٧ : ٢١٢.

٢٢٤

ولو تعذّر الماء أو استعماله ، تيمّم بدلاً من غسله ، قاله الشيخ(١) رحمه‌الله - وبه قال الشافعي(٢) - لأنّه غسل مشروع ، فناب عنه التيمّم كالواجب.

وقال أحمد : لا يستحب ؛ قياساً على غسل الجمعة(٣) .

مسألة ١٦٨ : لو خاف عوز الماء في الميقات ، جاز له تقديم الغسل على الميقات ، ويكون على هيئته إلى أن يبلغ الميقات ، ثم يُحْرم ما لم ينم أو يمضي عليه يوم وليلة ، لقول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن الرجل يغتسل بالمدينة لإِحرامه أيجزئه ذلك من غسل ذي الحليفة؟ قال : « نعم»(٤) .

وأرسل هشام بن سالم إلى الصادقعليه‌السلام ، قال : نحن جماعة بالمدينة نريد أن نودّعك ، فأرسل إلينا أن « اغتسلوا بالمدينة فإنّي أخاف أن يعز عليكم الماء بذي الحليفة فاغتسلوا بالمدينة والبسوا ثيابكم التي تحرمون فيها ، ثم تعالوا فرادى أو مثاني »(٥) .

إذا عرفت هذا ، فلو قدّم الغسل خوفاً من عوز الماء ثم وجده في الميقات ، استحب له إعادته.

وغسل اليوم يجزئ عن ذلك اليوم ، وغسل الليلة يجزئه عن ليلته ما لم ينم.

قال الصادقعليه‌السلام : « من اغتسل منذ طلوع الفجر [ كفاه غسله إلى الليل في كلّ موضع يجب فيه الغسل ، ومن اغتسل ليلاً ](٦) كفاه غسله إلى‌

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣١٤.

(٢) الاُم ٢ : ١٤٥ ، فتح العزيز ٧ : ٢٤٢ ، المجموع ٧ : ٢١٣.

(٣) المغني ٣ : ٢٣٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣١.

(٤) الكافي ٤ : ٣٢٨ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٦٣ / ٢٠٠.

(٥) الكافي ٤ : ٣٢٨ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٢٠١ / ٩١٨ ، التهذيب ٥ : ٦٣ - ٦٤ / ٢٠٢.

(٦) ما بين المعقوفين من المصدر.

٢٢٥

طلوع الفجر »(١) .

ولو اغتسل ثم نام قبل أن يعقد الإِحرام ، أعاد الغسل ؛ لأنّ النضر بن سويد سأل الكاظمعليه‌السلام عن الرجل يغتسل للإِحرام ثم ينام قبل أن يحرم ، قال : « عليه إعادة الغسل »(٢) .

وكذا لو لبس قميصاً مخيطاً ، أعاد الغسل استحباباً ، لأنّه منافٍ للإِحرام ، لقول الباقرعليه‌السلام : « إذا اغتسل الرجل وهو يريد أن يُحرم فلبس قميصاً قبل أن يلبّي فعليه الغسل »(٣) .

وكذا لو أكل ما لا يحل للمُحرم أكله بعد الغسل ، فإنّه يعيد الغسل استحباباً ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « إذا لبست ثوباً لا ينبغي [ لك ](٤) لبسه أو أكلت طعاماً لا ينبغي لك أكله فأعد الغسل »(٥) .

ولو قلّم أظفاره بعد الغسل قبل الإِحرام ، لم يكن عليه شي‌ء ؛ لأنّه محلّ ، ولا يعيد الغسل ؛ لقول الصادقعليه‌السلام في رجل اغتسل للإِحرام ثم قلّم أظفاره ، قال : « يمسحها بالماء ولا يعيد الغسل »(٦) .

ولو أحرم بغير غسل ، استحب إعادته ؛ لأنّه تقدمة مندوبة ، فاستحب إعادة الفعل مع الإِخلال بها ، كالأذان.

وكتب الحسن بن سعيد إلى الكاظمعليه‌السلام : رجل أحرم بغير صلاة أو بغير غسل جاهلاً أو عالماً ما عليه في ذلك؟ وكيف ينبغي أن يصنع؟

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٦٤ / ٢٠٤.

(٢) الكافي ٤ : ٣٢٨ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٦٥ / ٢٠٦ ، الاستبصار ٢ : ١٦٤ / ٥٣٧.

(٣) الكافي ٤ : ٣٢٩ / ٨ ، التهذيب ٥ : ٦٥ / ٢١٠.

(٤) أضفناها من المصدر.

(٥) التهذيب ٥ : ٧١ / ٢٣٢.

(٦) الكافي ٤ : ٣٢٨ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٢٠٢ / ٩٢٤ ، التهذيب ٥ : ٦٦ / ٢١١ ، وفيها عن الامام الباقرعليه‌السلام .

٢٢٦

فكتب : « يعيده »(١) .

ويجوز الادّهان بعد الغسل قبل الإِحرام ؛ لأنّه محلّ.

ولأنّ ابن أبي يعفور سأل الصادقعليه‌السلام : ما تقول في دهنة بعد الغسل للإِحرام؟ فقال : «قبل وبعد ومع ليس به بأس »(٢) .

هذا إذا لم يكن الدهن فيه طيب ، ولو كان فيه طيب يبقى إلى بعد الإِحرام ، لم يجز ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « الرجل يدّهن بأيّ دهن شاء إذا لم يكن فيه مسك ولا عنبر ولا زعفران ولا ورس قبل أن يغتسل »(٣) .

مسألة ١٦٩ : يكره أن يتطيّب للإِحرام قبله إذا كانت رائحته لا تبقى إلى بعد الإِحرام ، ولو كانت رائحته تبقى إلى بعد الإِحرام ، كان محرّماً ، ووجب عليه إزالته عند علمائنا أجمع - وبه قال عليعليه‌السلام ، وعمر بن الخطاب ومالك ومحمد بن الحسن(٤) - لما رواه العامّة عن يعلى بن اُميّة ، قال : كنّا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالجعرانة ، فأتاه رجل عليه مقطّعة - يعني جبّة - وهو مضمّخ(٥) بالخلوق في بعضها ، وعليه ردعٌ(٦) من زعفران ، فقال : يا رسول الله إنّي أحرمت بالعمرة وهذه عليّ ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ما كنت صانعاً في حجّك؟ ) قال : كنت أنزع هذه المقطّعة وأغسل‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٣٢٧ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٧٨ - ٧٩ / ٢٦٠.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٠١ / ٩١٨ ، وفي التهذيب ٥ : ٣٠٣ / ١٠٣٤ ، والاستبصار ٢ : ١٨٢ / ٦٠٥ مضمراً.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٠١ / ٩٢٠.

(٤) المغني ٣ : ٢٣٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣٣ ، معالم السنن - للخطّابي - ٢ : ٢٨٧ ، المجموع ٧ : ٢٢٢ ، فتح العزيز ٧ : ٢٤٩ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٤٤.

(٥) التضمّخ : التلطّخ بالطيب وغيره والإِكثار منه. النهاية - لابن الأثير - ٣ : ٩٩.

(٦) في النسخ الخطية والحجرية : درع ، ولعلّها تصحيف. وردع : أي لطخُ لم يعمّه كلّه. النهاية - لابن الأثير - ٢ : ٢١٥.

٢٢٧

هذا الخلوق ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ما كنت صانعاً في حجّك فاصنعه في عمرتك )(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الكاظمعليه‌السلام : يلبس المحرم الثوب المشبع بالعصفر ، فقال : « إذا لم يكن فيه طيب فلا بأس به »(٢) .

وسأل إسماعيل بن الفضل الصادقعليه‌السلام : عن المحرم يلبس الثوب قد أصابه الطيب ، قال : « إذا ذهب ريح الطيب فليلبسه »(٣) .

وقال الشافعي : يستحب له أن يتطيّب قبل الإِحرام للإِحرام ، سواء كان طيباً يبقى عينه ، كالغالية والمسك ، أو تبقى رائحته ، كالبخور والعود والنّدّ(٤) - وبه قال عبد الله بن الزبير وسعد بن أبي وقّاص واُمّ حبيبة وعائشة ومعاوية وأبو حنيفة وأبو يوسف وأحمد ، ورواه العامّة عن ابن عباس وابن الحنفية وأبي سعيد الخدري وعروة والشعبي(٥) - لأنّ عائشة قالت : كنت أطيّب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لإحرامه قبل أن يُحرم ، ولحلّه قبل أن يطوف(٦) .

ونمنع الرواية ، ونحمله على ما لا تبقى رائحته إلى بعد الإِحرام.

إذا ثبت هذا ، فلو لبس ثوباً مطيّباً ثم أحرم ، وكانت رائحته تبقى إلى بعد الإِحرام ، وجب عليه نزعه ، أو إزالة الطيب عنه ، فإن لم يفعل وجب الفداء.

ويجي‌ء على مذهب الشافعي : أنّه لا يجب الفداء إلّا إذا نزعه ثم لبسه ؛

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٨٣٦ / ٧ ، سنن البيهقي ٥ : ٥٦ بتفاوت ، وأورده الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٢٨٨ - ٢٨٩ ذيل المسألة ٦٤.

(٢) التهذيب ٥ : ٦٧ / ٢١٧ ، الاستبصار ٢ : ١٦٥ / ٥٤٠.

(٣) الكافي ٤ : ٣٤٣ / ١٩ ، الفقيه ٢ : ٢١٧ / ٩٩ ، التهذيب ٥ : ٦٨ - ٦٩ / ٢٢٣.

(٤) الندّ : ضرب من الطيب يدخّن به. لسان العرب ٣ : ٤٢١ « ندد ».

(٥) الحاوي الكبير ٤ : ٧٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧٤ ، فتح العزيز ٧ : ٢٤٧ - ٢٤٨ ، المجموع ٧ : ٢١٨ و ٢٢١ - ٢٢٢ ، المغني ٣ : ٢٣٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣٢ - ٢٣٣.

(٦) صحيح مسلم ٢ : ٨٤٦ / ٣٣ ، الموطّأ ١ : ٣٢٨ / ١٧ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٤.

٢٢٨

لأنّه لبس ثوباً مطيّباً بعد إحرامه(١) .

ولو نقل الطيب من موضع من الثوب إليه ، [ لزمته الفدية ](٢) (٣) .

ولو تطيّب فسال الطيب من موضعه إلى موضع آخر ، ففيه للشافعي وجهان :

أحدهما : لا يجب الفداء ؛ لأنّه يجري مجرى الناسي.

والثاني : يجب ؛ لأنّه حصل بسببه. واعتماده على الأول(٤) .

مسألة ١٧٠ : لا يجوز تطيّب إزار الإِحرام وردائه حالة الإِحرام ولا قبله‌ إذا كانت رائحته تبقى إلى بعد الإِحرام.

وللشافعي قولان :

أحدهما : المنع ؛ لأنّه قد ينزع الثوب ثم يلبسه ، فيكون كما لو استأنف لبس ثوب مطيّب.

وأصحّهما عندهم : الجواز ، كتطيّب البدن(٥) .

ولو طيّب بدنه فتعطّر ثوبه تبعاً ، فلا بأس به عنده(٦) .

والخلاف من العامّة فيما إذا قصد تطييب الثوب ، فإن جوّزوا تطييب الثوب للإِحرام ، فلا بأس باستدامة ما عليه بعد الإِحرام ، كما في البدن(٧) .

لكن لو نزعه ثم لبسه ففي الفدية لهم وجهان :

أحدهما : لا تلزم ؛ لأنّ العادة في الثوب أن ينزع ويعاد.

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٢٥١ - ٢٥٢ ، المجموع ٧ : ٢١٨.

(٢) أضفناها من المصدر.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٢٥٠ ، المجموع ٧ : ٢١٨.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٢٥٠ ، المجموع ٧ : ٢١٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧٥.

(٥) فتح العزيز ٧ : ٢٥٠ - ٢٥١.

(٦) فتح العزيز ٧ : ٢٥١ ، المجموع ٧ : ٢١٩.

(٧) فتح العزيز ٧ : ٢٥١ ، المجموع ٧ : ٢١٨.

٢٢٩

وأصحّهما : اللزوم كما لو أخذ القمل(١) من بدنه ثمّ ردّه(٢) .

وللشافعي ثلاثة أوجه :

فقال في وجه باستحباب التطييب للإِحرام.

وفي آخر : إنّه مباح ليس بمسنون.

وفي آخر : إنّه لا يجوز للنساء التطييب.

وله آخر : إنّه لا يستحب لهنّ(٣) :

ولا فرق بين التطييب الذي يبقى له أثر وجرم وبين غيره.

ومنع أبو حنيفة ممّا يبقى جرمه ولا يثبت(٤) .

وعند مالك يكره التطيّب بما تبقى رائحته بعد الإِحرام(٥) .

وإذا تطيّب للإِحرام فلا بأس عند الشافعي باستدامة ما تطيّب به ، ولا يجي‌ء فيه الوجوه المذكورة في أنّ المرأة المتطيّبة إذا لزمتها الفدية يلزمها إزالة الطيب ؛ لأنّ هذا محقّق حقّ لله تعالى ، والمساهلة فيه أكثر(٦) .

والحقّ : أنّ الاستدامة كالابتداء في التحريم ؛ للإِجماع على تحريم الطيب على المحرم ، ولم يفصّلوا بين استئنافه واستدامته.

مسألة ١٧١ : لا يستحب للمرأة الخضاب قبل الإِحرام بل يكره للزينة ، وسيأتي.

وقال الشافعي : يستحب للمرأة أن تخضب بالحنّاء يديها إلى الكوعين قبل الإِحرام ، وتمسح وجهها أيضاً بشي‌ء من الحناء يسيراً ، ولا‌

____________________

(١) في المصدر : أخذ الطيب.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٢٥١ - ٢٥٢ ، المجموع ٧ : ٢١٨ - ٢١٩.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٢٤٨ - ٢٤٩ ، المجموع ٧ : ٢١٨.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٢٤٩.

(٥) بداية المجتهد ١ : ٣٢٨ ، فتح العزيز ٧ : ٢٤٩ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٣٧.

(٦) فتح العزيز ٧ : ٢٤٩ - ٢٥٠ ، المجموع ٧ : ٢١٨.

٢٣٠

يختص أصل الاستحباب بالإِحرام ، بل هو محبوب لها في جميع الأحوال ، نعم يكره الخضاب للخليّة في سائر الأحوال عنده(١) .

ولا فرق في حالة الإِحرام بين الخليّة وذات الزوج ، وإنّما يستحب عنده تعميم اليد بالخضاب دون التنقّش ، والتطريف ، وهو : خضب أطراف الأصابع ، ووافقنا على كراهية الخضاب بعد الإِحرام(٢) .

مسألة ١٧٢ : أفضل أوقات الإِحرام بعد زوال الشمس عقيب فريضة الظهر ، فيبدأ أوّلاً بعد الزوال بركعتي الإِحرام المندوبة قبل فريضة الظهر بحيث يكون الإِحرام عقيب صلاة الظهر ، وإن اتّفق أن يكون الإِحرام في غير هذا الوقت ، كان جائزاً ، لكن الأفضل أن يكون الإِحرام بعد صلاة فريضة ، وأفضل ذلك بعد صلاة الظهر ، فإن لم يكن وقت صلاة فريضة ، صلّى ست ركعات ، وينوي بها صلاة الإِحرام ، ويُحرم في دبرها ، وإن لم يتمكّن من ذلك ، أجزأه ركعتان.

وينبغي أن يقرأ في الاُولى منهما بعد التوجّه : الحمد والإِخلاص ، وفي الثانية : الحمد والجحد ، فإذا فرغ منهما أحرم عقيبهما ؛ لما روى العامّة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، صلّى بذي الحليفة ركعتين ثم أحرم(٣) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « لا يضرّك بليل أحرمت أو نهار ، إلّا أنّ أفضل ذلك عند زوال الشمس »(٤) .

وسأل الحلبي الصادقعليه‌السلام عن إحرام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أيّة ساعة؟ قال : « صلاة الظهر »(٥) .

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٢٥٢ - ٢٥٤ ، المجموع ٧ : ٢١٩.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٢٥٤ ، المجموع ٧ : ٢١٩.

(٣) أورده الرافعي في فتح العزيز ٧ : ٢٥٧.

(٤) الكافي ٤ : ٣٣١ / ١ ، التهذيب ٥ : ٧٨ / ٢٥٦.

(٥) الكافي ٤ : ٣٣٢ / ٤ ، الفقيه ٢ : ٢٠٧ / ٩٤٠ ، التهذيب ٥ : ٧٨ / ٢٥٥.

٢٣١

وقال الصادقعليه‌السلام : « لا يكون إحرام إلّا في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة »(١) .

وقالعليه‌السلام : « تصلّي للإِحرام ست ركعات تحرم في دبرها »(٢) .

إذا ثبت هذا ، فإنّ صلاة الإِحرام تفعل في جميع الأوقات وإن كان أحد الأوقات المكروهة.

وأصحّ الوجهين عند الشافعية : الكراهة في الأوقات المكروهة(٣) .

وهل تكفي الفريضة عن ركعتي الاحرام؟ يحتمل ذلك ، وهو قول الشافعي(٤) .

لكن المشهور تقديم نافلة الإِحرام على الفريضة ما لم يتضيّق وقت الفريضة ، وذلك يدلّ على عدم الاكتفاء في الاستحباب.

المطلب الثاني : في كيفيته‌

مسألة ١٧٣ : الإِحرام يشتمل على واجب وندب ، ونحن نذكر المندوب في أثناء المسائل.

وواجبات الإِحرام ثلاثة : النيّة والتلبيات الأربع ولُبس ثوبي الإِحرام.

وينبغي للحاج إذا وصل إلى الميقات أن يقلّم أظفاره ، ويأخذ من شاربه ، وينتف إبطيه أو يطلي بالنورة ، ويحلق عانته أو يطلي ، ويغتسل ، ويدعو عند الاغتسال بالمنقول ، ثم يلبس ثوبي إحرامه يأتزر بأحدهما ويتوشّح‌

____________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٠٦ / ٩٣٩ ، وفي الكافي ٤ : ٣٣١ / ٢ والتهذيب ٥ : ٧٧ / ٢٥٣ ، والاستبصار ٢ : ١٦٦ / ٥٤٨ بدون « أو نافلة ».

(٢) التهذيب ٥ : ٧٨ / ٢٥٧ ، الاستبصار ٢ : ١٦٦ / ٥٤٥.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٢٥٧ - ٢٥٨.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٢٥٨.

٢٣٢

بالآخر ، ويدعو بالمنقول ، ثم يصلّي ست ركعات الإِحرام أو ركعتيه ، فإذا فرغ من صلاته ، حمد الله وأثنى عليه ، وصلّى على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويدعو بالمنقول ، فإذا فرغ من الدعاء ، لبّى فيقول : لبّيك اللهم لبّيك لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك.

وقال الشيخ في كتبه : لبّيك اللهم لبّيك لبّيك إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبّيك(١) .

ثم لا يزال مكرّراً للتلبية مستحبّاً إلى أن يدخل مكة ويطوف ويسعى ويقصّر وقد أحلّ ، ثم ينشئ إحرام الحجّ من مكة كذلك ، ثم يمضي إلى عرفات على ما سبق ذكره.

والنظر في الواجبات‌ يتعلّق بأُمور ثلاثة :

الأول : النية‌

مسألة ١٧٤ : النيّة واجبة في الإِحرام‌ وشرطٌ فيه لو أخلّ بها لم يقع إحرامه ؛ لقوله تعالى :( وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ ) (٢) والإِخلاص النيّة ، والإِحرام عبادة.

ولقولهعليه‌السلام : ( إنّما الأعمال بالنيّات ، وإنّما لكلّ امرئ ما نوى )(٣) .

وللشافعي قولان : هذا أحدهما ، والآخر : إنّ الإِحرام ينعقد بالتلبية من غير نيّة ، ويلزمه ما لبّى به(٤) .

وليس بجيّد ؛ لما تقدّم.

____________________

(١) وجدنا هذه العبارة في النهاية ونكتها ١ : ٤٧١ ، وانظر : المبسوط - للطوسي - ١ : ٣١٦.

(٢) البيّنة : ٥.

(٣) صحيح البخاري ١ : ٢ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٦٢ / ٢٢٠١.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٢٠٠ - ٢٠١ ، المجموع ٧ : ٢٢٤.

٢٣٣

والواجب في النيّة أن يقصد بقلبه إلى اُمور أربعة : ما يحرم به من حجّ أو عمرة متقرّباً به إلى الله تعالى ، ويذكر ما يحرم له من تمتّع أو قران أو إفراد ، ويذكر الوجوب أو الندب وما يحرم له من حجّة الاسلام أو غيرها.

ولو نوى الإِحرام مطلقاً ولم يذكر لا حجّاً ولا عمرةً ، انعقد إحرامه ، وكان له صرفه إلى أيّهما شاء إن كان في أشهر الحجّ ؛ لأنّها عبادة منويّة.

ولما رواه العامّة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، خرج من المدينة لا يسمّي حجّاً ولا عمرةً ينتظر القضاء ، فنزل عليه القضاء وهو بين الصفا والمروة ، فأمر أصحابه مَن كان منهم أهلّ ولم يكن معه هدي أن يجعلوها عمرةً(١) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه ابن بابويه عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قال : لمـّا رجع من اليمن وجد فاطمةعليها‌السلام قد أحلّت ، فجاء إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مستنبئاً(٢) ومُحرشاً(٣) على فاطمةعليها‌السلام ، فقال : « أنا أمرت الناس فبم أهللت أنت يا علي؟ » فقال : « إهلالاً كإهلال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله » فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « كُن على إحرامك مثلي ، فأنت شريكي في هديي » وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ساق معه مائة بدنة ، فجعل لعليعليه‌السلام منها أربعاً وثلاثين ، ولنفسه ستّاً وستّين ، ونحرها كلّها بيده ، ثم أخذ من كلّ بدنة جذوةً(٤) ، ثم طبخها في قدر ، وأكلا منها وتحسّيا(٥) من المرق ، فقال : « قد أكلنا الآن منها جميعاً » ولم يعطيا الجزّارين جلودها ولا‌

____________________

(١) سنن البيهقي ٥ : ٦ ، اختلاف الحديث : ٢٢٧ ، وأورده ابن قدامة في المغني ٣ : ٢٥١.

(٢) في المصدر : مستفتياً.

(٣) أراد : ما يوجب عتابها. مجمع البحرين ٤ : ١٣٣.

(٤) أي : قطعة.

(٥) أي : شربا منه شيئاً بعد شي‌ء. والحسوة : الجرعة من الشراب مل‌ء الفم. مجمع البحرين ١ : ٩٩.

٢٣٤

جلالها(١) ولا قلائدها ولكن تصدّق(٢) بها ، وكان عليعليه‌السلام يفتخر على الصحابة ويقول : «مَن فيكم مثلي وأنا شريك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هديي بيده »(٣) .

ولأنّ الإِحرام بالحجّ يخالف غيره من إحرام سائر العبادات ؛ لأنّه لا يخرج منه بالفساد.

وإذا عقد عن غيره ، أو تطوّعاً وعليه فرضه ، وقع عن فرضه ، فجاز أن ينعقد مطلقاً.

وإذا ثبت أنّه ينعقد مطلقاً ، فإن صرفه إلى الحجّ ، صار حجّاً ، وإن صرفه إلى العمرة ، صار عمرةً ، وإلى أيّ أنواع الحجّ صرفه من تمتّع أو قران أو إفراد ، انصرف إليه.

ولو صرفه إلى الحجّ والعمرة معاً ، لم يصح عندنا ، خلافاً للعامّة.

فروع :

أ - لو عقده مطلقاً قبل أشهر الحجّ ، انعقد للعمرة ؛ لأنّه إحرام لا يصح لغيرها ، فانصرف إليها.

ب - لو كان عليه حجّ واجب أو عمرة واجبة‌ وأطلق الإِحرام ، فالأقرب انصراف المطلق إلى ما وجب عليه.

ج - يصح إبهام الإِحرام ، وهو : أن يُحرم بما أحرم به فلان ، فإن علم ما أحرم به فلان ، انعقد إحرامه مثله.

____________________

(١) جلال جمع ، مفردها : جلّ ، وجلّ الدابّة : الذي تلبسه لتصان به. لسان العرب ١١ : ١١٩ « جلل ».

(٢) كذا ، وفي المصدر : تصدّقا.

(٣) الفقيه ٢ : ١٥٣ - ١٥٤ / ٦٦٥.

٢٣٥

ولو لم يعلم وتعذّر علمه بموت أو غيبة ، قال الشيخ : يتمتّع احتياطاً للحجّ والعمرة(١) .

ولو بان أنّ فلاناً لم يُحْرم ، انعقد مطلقاً ، وكان له صرفه إلى أيّ نسك شاء ، وكذا لو لم يعلم هل أحرم فلان أم لا ؛ لأصالة عدم إحرامه.

د - لو لم يعيّن ثم شرع في الطواف قبل التعيين ، قال بعض العامّة(٢) : ينعقد حجّاً ، وينوي الحجّ ، ويقع هذا الطواف طواف القدوم ، ولا يصير معتمراً ؛ لأنّ الطواف ركن في العمرة ، فلا يقع بغير نيّة ، وطواف القدوم لا يحتاج إلى النيّة ، فيصير حاجّاً.

ويحتمل عدم اعتداده بطوافه ، لأنّه لم يطف في حجّ ولا عمرة.

ه - تعيين الإِحرام أولى من إطلاقه‌ - وبه قال مالك والشافعي في أحد قوليه - لأنّه إذا عيّن علم بما هو متلبّس به ، فيكون أولى من عدم العلم(٣) .

وقال الشافعي في الآخر : الإِطلاق أولى ؛ لأنّ النبيعليه‌السلام أطلق الإِحرام(٤) .

والرواية مرسلة ، والشافعي لا يعمل بالمراسيل المفردة(٥) ، فكيف مع مخالفتها للروايات الدالّة على أنّهعليه‌السلام عيّن ما أحرم به.

مسألة ١٧٥ : لو أحرم بنسك ثم نسيه ، تخيّر بين الحجّ والعمرة إذا لم يتعيّن عليه أحدهما ، قاله الشيخ في المبسوط(٦) ؛ لأنّه قبل الإِحرام يجوز ابتداء أيّ النسكين شاء فمع عدم علم التعيين يستمرّ هذا الجواز ؛ عملاً

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣١٧.

(٢) انظر : بلغة السالك ١ : ٢٦٨.

(٣ و ٤) المغني ٣ : ٢٥١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٨٤ ، فتح العزيز ٧ : ٢٠٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧٧ ، المجموع ٧ : ٢٢٧.

(٥) كما في المغني ٣ : ٢٥٢ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٣٦.

(٦) المبسوط ١ : ٣١٧.

٢٣٦

باستصحاب الحال.

ولأنّه لو أحرم بالحجّ ، جاز له فسخه إلى العمرة على ما تقدّم.

وقال الشيخ في الخلاف : يجعله عمرةً - وبه قال أحمد(١) - لأنّه لا يخلو إمّا أن يكون إحرامه بالحجّ أو بالعمرة ، فإن كان بالحجّ ، فقد بيّنّا أنّه يجوز فسخه إلى عمرته يتمتّع بها ، وإن كان بالعمرة ، صحّ لها ، فقد صحّت للعمرة على الوجهين ، وإذا أحرم بالعمرة ، لم يمكنه جعلها حجّةً مع القدرة على إتيان أفعال العمرة ، فلهذا قلنا : يجعلها عمرة(٢) .

وقال أبو حنيفة : يجب عليه أن ينوي القران - وهو أحد قولي الشافعي - لأنّ الشكّ لحق به في فعله بعد التلبّس بالعبادة ، فلم يكن له الاجتهاد ، وإنّما يرجع إلى اليقين ، كما لو(٣) شكّ في عدد الركعات ، بخلاف الإِناءين والقبلة ؛ لأنّ عليهما أمارات يرجع إليها عند الاشتباه ، وأمّا هنا فإنّه شكّ في فعل نفسه ولا أمارة على ذلك إلّا ذكره ، فلم يرجع إلّا إليه(٤) .

وهو معارض ببراءة الذمّة من المعيّن.

أمّا لو تعيّن أحدهما عليه ، فالوجه : انصرافه إليه.

وقال الشافعي في القديم : يتحرّى ويبني على ما يغلب على ظنّه ؛ لأنّه اشتباه في شرط من شرائط العبادة ، وكان له الاجتهاد فيه ، كالإِناءين والقبلة(٥) .

ونمنع حكم الأصل.

____________________

(١) المغني ٣ : ٢٥٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧٨.

(٢) الخلاف ٢ : ٢٩٠ - ٢٩١ ، المسألة ٦٨.

(٣) في « ط ، ف » : « كمن » ، بدل « كما لو »

(٤ و ٥) المغني ٣ : ٢٥٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٨٥ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٢ ، المجموع ٧ : ٢٣٣ ، فتح العزيز ٧ : ٢٢٢ - ٢٢٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧٨.

٢٣٧

إذا ثبت هذا ، فلو أحرم بهما معاً ، لم يصح ، قال الشيخ : ويتخيّر(١) .

وكذا لو شكّ هل أحرم بهما أو بأحدهما ، فعل أيّهما شاء.

ولو تجدّد الشك بعد الطواف ، جعلها عمرةً متمتّعاً بها إلى الحجّ.

مسألة ١٧٦ : لو نوى الإِحرام بنسك ولبّى بغيره ، انعقد ما نواه دون ما تلفّظ به ؛ لأنّ الاعتبار بالنيّة ، والتلفّظ ليس واجباً ، فلا اعتبار به.

ولأنّ أحمد بن محمد سأل الرضاعليه‌السلام : كيف أصنع إذا أردت أن أتمتّع؟ فقال : « لبّ بالحجّ وانو المتعة ، فإذا دخلت مكة طفت بالبيت وصلّيت الركعتين خلف المقام وسعيت بين الصفا والمروة [ وقصرت ](٢) وفسختها وجعلتها متعة »(٣) .

ولا بدّ من تعيين النوع من تمتّع أو قران أو إفراد.

وقال الشافعي في أحد وجهيه : لا يفتقر المتمتّع إلى النيّة(٤) .

وليس بجيّد ؛ لقوله تعالى :( وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ ) (٥) والتمتّع عبادة.

ولأنّها أفعال مختلفة ، فلا بدّ من النيّة ، ليتميّز بعضها عن الآخر.

ويستحب أن يذكر في لفظه ما يقصده من أنواع الحجّ - وبه قال أحمد(٦) - لما رواه العامّة عن أنس ، قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : ( لبّيك عمرةً وحجّاً )(٧) .

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣١٧.

(٢) أضفناها من المصدر.

(٣) التهذيب ٥ : ٨٦ / ٢٨٥ ، الاستبصار ٢ : ١٧٢ / ٥٦١.

(٤) لم نعثر عليه.

(٥) البيّنة : ٥.

(٦) المغني ٣ : ٢٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦٦.

(٧) صحيح مسلم ٢ : ٩٠٥ ذيل الحديث ١٢٣٢ ، و ٩١٥ / ٢١٥ ، سنن أبي داود ٢ : ١٥٧ / ١٧٩٥ ، سنن النسائي ٥ : ١٥٠ ، سنن البيهقي ٥ : ٤٠.

٢٣٨

وقال أبو سعيد : خرجنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نصرخ بالحجّ(١) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « إنّ عليّاًعليه‌السلام رفع صوته بالتلبية بحجّ وعمرة »(٢) .

ولو اتّقى ، كان الأفضل الإِضمار.

النظر الثاني : في لُبس الثوبين‌

مسألة ١٧٧ : إذا أراد الإِحرام ، وجب عليه نزع ثيابه ، ولُبس ثوبي الإِحرام يأتزر بأحدهما ويرتدي بالآخر ؛ لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ( وتلبس إزاراً ومُلاءة )(٣) (٤) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « والبس ثوبيك »(٥) .

ويجب أن يكون الثوبان ممّا تصح فيهما الصلاة ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « كلّ ثوب تصلّي فيه فلا بأس أن تُحرم فيه »(٦) .

فلا يجوز الإِحرام في الابريسم المحض للرجال ؛ لأنّ لُبسه محرّم ، فلا يكون عبادةً.

والأقرب : جواز لُبس النساء الحرير المحض حالة الإِحرام ، اختاره‌

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٩١٤ / ١٢٤٧ ، مسند أحمد ٣ : ٥ ، سنن البيهقي ٥ : ٣١.

(٢) التهذيب ٥ : ٨٥ / ٢٨٢ ، الاستبصار ٢ : ١٧١ / ٥٦٤.

(٣) الملاءة ، بالضم ممدود : الرَّيطة ، وهي : الملاءة إذا كانت قطعة واحدة ولم تكن لفِقَين. الصحاح ١ : ٧٣ « ملأ » و ٣ : ١١٢٨ « ريط ».

(٤) لم نجده في المصادر الحديثية.

(٥) الكافي ٤ : ٣٢٦ / ١ ، و ٤٥٤ / ١ و ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٠٠ / ٩١٤ ، التهذيب ٥ : ١٦٨ / ٥٥٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٥١ / ٨٨١.

(٦) الفقيه ٢ : ٢١٥ / ٩٧٦.

٢٣٩

المفيد(١) - خلافاً للشيخ(٢) - لما رواه يعقوب بن شعيب - في الصحيح - قال : قلت للصادقعليه‌السلام : المرأة تلبس القميص تزرّه عليها وتلبس الخزّ والحرير والديباج فقال : « نعم لا بأس به »(٣) .

احتجّ الشيخ -رحمه‌الله - بما رواه عيص - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « المرأة المـُحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير والقفّازين(٤) »(٥) .

وهو محمول على الكراهة.

مسألة ١٧٨ : يستحب الإِحرام في الثياب القطن ، وأفضلها البيض ؛ لما رواه العامّة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : ( خير ثيابكم البيض ، فألبسوها أحياءكم ، وكفّنوا بها موتاكم )(٦) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « كان ثوبا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اللذان أحرم فيهما يمانيّين عَبْريّ وأظفار(٧) ، وفيهما كفّن »(٨) .

ولا بأس بالثوب الأخضر والمعصفر وغيرهما ؛ لأنّ أبا العلاء الخفاف رأى الباقرعليه‌السلام وعليه بُرد أخضر وهو مُحرم(٩) .

____________________

(١) أحكام النساء ( ضمن مصنّفات الشيخ المفيد ) ٩ : ٣٥.

(٢) انظر : المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٢٠.

(٣) التهذيب ٥ : ٧٤ / ٢٤٦ ، الاستبصار ٢ : ٣٠٩ / ١١٠٠.

(٤) القفّاز ، بالضم والتشديد : شي‌ء يعمل لليدين يحشى بقطن ، ويكون له أزرار تزرّ على الساعدين من البرد تلبسه المرأة في يديها ، وهما قفّازان. الصحاح ٣ : ٨٩٣ « قفز ».

(٥) التهذيب ٥ : ٧٣ / ٢٤٣ ، الاستبصار ٢ : ٣٠٨ / ١٠٩٩.

(٦) أورده ابنا قدامة في المغني والشرح الكبير ٣ : ٢٣٤ ، وبتفاوت في سنن ابن ماجة ٢ : ١١٨١ / ٣٥٦٦ ، وسنن البيهقي ٥ : ٣٣ ، والمستدرك - للحاكم - ٤ : ١٨٥.

(٧) كذا في النسخ الخطية والحجرية والفقيه ، وفي الكافي : « ظفار ».

(٨) الكافي ٤ : ٣٣٩ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢١٤ / ٩٧٥.

(٩) الكافي ٤ : ٣٣٩ - ٣٤٠ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٢١٥ / ٩٧٨.

٢٤٠

وسأل علي بن جعفر أخاه الكاظمعليه‌السلام : يلبس المـُحرم الثوب المشبع بالعُصفر؟ فقال : « إذا لم يكن فيه طيب فلا بأس »(١) .

ويكره الثياب السود ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « لا يحرم في الثوب الأسود ولا يكفّن به الميّت»(٢) .

مسألة ١٧٩ : يكره المعصفر إذا كان مشبعاً ، ولا يكره إذا لم يكن مشبعاً عند علمائنا‌ - وبه قال الشافعي وأحمد(٣) - لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ( ولتلبس بعد ذلك ما أحبّت من ألوان الثياب من معصفر أو خزّ )(٤) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه أبان بن تغلب عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن الثوب يكون مصبوغاً بالعُصفر ثم يغسل ألبسه وأنا مُحرم؟ قال : « نعم ليس العُصفر من الطيب ولكن أكره أن تلبس ما يشهرك به الناس »(٥) .

وقال أبو حنيفة : العُصفر طيب تجب به الفدية على المـُحرم ، كالورس والزعفران(٦) .

وهو ممنوع ، وقد نصّ الصادقعليه‌السلام على أنّه ليس بطيب(٧) .

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٦٧ / ٢١٧ ، الاستبصار ٢ : ١٦٥ / ٥٤٠.

(٢) الكافي ٤ : ٣٤١ / ١٣ ، الفقيه ٢ : ٢١٥ / ٩٨٣ ، التهذيب ٥ : ٦٦ / ٢١٤.

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ١١١ ، المجموع ٧ : ٢٨٢ ، المغني ٣ : ٣٠٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٣.

(٤) سنن أبي داود ٢ : ١٦٦ / ١٨٢٧ ، سنن البيهقي ٥ : ٥٢ ، المستدرك - للحاكم - ١ : ٤٨٦ ، وأورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٣٠٠ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٣٣.

(٥) التهذيب ٥ : ٦٩ / ٢٢٤ ، الاستبصار ٢ : ١٦٥ / ٥٤١.

(٦) بدائع الصنائع ٢ : ١٨٩ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٧ ، المجموع ٧ : ٢٨٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ١١١ ، المغني ٣ : ٣٠٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٣.

(٧) الكافي ٤ : ٣٤٢ / ١٧ ، الفقيه ٢ : ٢١٦ / ٩٩٠ ، التهذيب ٥ : ٦٩ / ٢٢٤ ، الاستبصار =

٢٤١

مسألة ١٨٠ : يجوز الإِحرام في الممتزج من الحرير وغيره ؛ لخروجه عن اسم الابريسم بالمزج.

ولأنّ الصادقعليه‌السلام سُئل عن الخميصة(١) سُداها إبريسم ولُحمتها من غَزل ، قال : « لا بأس بأن يحرم فيها ، إنّما يكره الخالص منه(٢) »(٣) .

وكذا يجوز الإِحرام في ثوب قد أصابه طيب إذا غسل وذهبت رائحته - وبه قال الشافعي(٤) - لأنّ الرائحة المقصودة من الطيب قد زالت بالغسل أو طول المكث أو بتجديد صبغ آخر عليه فزال الترفّه.

ولأنّ الكاظمعليه‌السلام سُئل عن الثوب المصبوغ بالزعفران أغسله واُحرم فيه؟ قال : « لا بأس به»(٥) .

وسأل إسماعيل بن الفضل الصادقَعليه‌السلام عن المـُحرم غسل الثوب قد أصابه الطيب ، فقال : « إذا ذهب ريح الطيب فليلبسه »(٦) .

ولو أصاب ثوبه شي‌ء من خلوق الكعبة وزعفرانها ، لم يكن به بأس وإن لم يغسله ؛ لأنّ عبد الله بن سنان سأل الصادقعليه‌السلام عن خلوق الكعبة يصيب ثوب المـُحرم ، قال : « لا بأس به ولا يغسله فإنّه طهور »(٧) .

ويكره النوم على الفُرش المصبوغة ؛ لقول الباقرعليه‌السلام : « يكره‌

____________________

= ٢ : ١٦٥ / ٥٤١.

(١) الخميصة : كساءٌ أسودٌ مربّعٌ له علمان ، فإن لم يكن معلماً فليس بخميصة. الصحاح ٣ : ١٠٣٨ « خمص ».

(٢) في النسخ الخطية والحجرية : « منها » وما أثبتناه من الكافي والتهذيب.

(٣) الكافي ٤ : ٣٣٩ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٦٧ / ٢١٥ ، وبتفاوت يسير في الفقيه ٢ : ٢١٧ / ٩٩٢.

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ٩٩ - ١٠٠.

(٥) التهذيب ٥ : ٦٧ / ٢١٨.

(٦) الكافي ٤ : ٣٤٣ / ١٩ ، التهذيب ٥ : ٦٨ - ٦٩ / ٢٢٣ بتفاوت يسير.

(٧) التهذيب ٥ : ٦٩ / ٢٢٥.

٢٤٢

للمُحرم أن ينام على الفراش الأصفر والمِرفقة(١) الصفراء »(٢) .

ويكره الإِحرام في الثياب الوسخة قبل الغسل ؛ لاستحباب التنظيف ، وقد تقدّم.

وسئل أحدهماعليهما‌السلام عن الثوب الوسخ يُحرم فيه المـُحرم ، فقال : « لا ، ولا أقول : إنّه حرام ، لكن تطهيره أحبّ إليّ ، وطهره غسله »(٣) .

مسألة ١٨١ : ولا يلبس ثوباً يزرّه ولا مدرعة ولا خُفّين ولا سراويل ، كما يحرم عليه لُبس المخيط ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « لا تلبس وأنت تريد الإِحرام ثوباً تزرّه ولا مدرعة ، ولا تلبس سراويل إلّا أن لا يكون لك إزار ، ولا الخُفّين إلّا أن لا يكون لك نعلان »(٤) .

ولا بأس بلُبس الطيلسان ، ولا يزرّه على نفسه ؛ لأنّه بمنزلة الرداء ، وإنّما لا يزرّه ؛ لأنّه حينئذٍ يتنزّل منزلة المخيط ؛ لقول الصادقعليه‌السلام في المـُحرم يلبس الطيلسان المزرور ، قال : « نعم في كتاب عليعليه‌السلام : ولا تلبس طيلساناً حتى تحلّ أزراره » وقال : « إنّما كره ذلك مخافة أن يزرّه الجاهل عليه ، فأمّا الفقيه فلا بأس بلُبسه »(٥) .

وأمّا السراويل فهي مخيطة يحرم لُبسها على المـُحرم إلّا أن لا يجد إزاراً ، فيجوز له لُبسها ، ولا فدية عليه - وبه قال الشافعي وأحمد(٦) - لما رواه العامة‌

____________________

(١) المرفقة : أي المخدّة. مجمع البحرين ٥ : ١٧٢.

(٢) التهذيب ٥ : ٦٨ / ٢٢١.

(٣) التهذيب ٥ : ٦٨ / ٢٢٢.

(٤) التهذيب ٥ : ٦٩ - ٧٠ / ٢٢٧ بتفاوت يسير.

(٥) الفقيه ٢ : ٢١٧ / ٩٩٥.

(٦) الحاوي الكبير ٤ : ٩٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٥ ، المجموع ٧ : ٢٥٤ و ٢٥٩ و ٢٦٦ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٢ - ٤٥٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٨٥ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٧ ، المغني ٣ : ٢٧٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨١.

٢٤٣

عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ( إذا لم يجد المـُحرم نعلين لبس خُفّين ، وإذا لم يجد إزاراً لبس سراويل )(١) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « ولا تلبس سراويل إلّا أن لا يكون لك إزار »(٢) .

وقال أبو حنيفة ومالك : إذا لبس السراويل ، وجب عليه الفدية ؛ لأنّ ما وجب بلبسه الفدية مع وجود الإِزار وجب للُبسه الفدية مع عدمه كالقميص(٣) .

والفرق : أنّ القميص يمكنه أن يستر به عورته ولا يلبسه وإنّما يأتزر به ، وهذا يجب عليه لُبسه ليستر عورته ، ولا يمكنه ستر عورته إلّا بلبسه على صفته.

مسألة ١٨٢ : ويحرم عليه لُبس القباء بالإِجماع ؛ لأنّه مخيط ، فإن لم يجد ثوباً ، جاز له أن يلبس القباء مقلوباً ، ولا يُدخل يديه في يدي القباء ، ولا فدية عليه حينئذٍ - وبه قال أبو حنيفة(٤) - لأنّه لو توشّح بالقميص لم تجب الفدية فكذا القباء.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إذا اضطرّ المـُحرم إلى القباء ولم يجد ثوباً غيره فليلبسه مقلوباً ، ولا يُدخل يديه في يدي القباء »(٥) .

وقال الشافعي ومالك وأحمد : يجب الفداء ؛ لأنّه مُحرم لبس مخيطا على العادة في لبسه ، فوجبت عليه الفدية(٦) .

____________________

(١) سنن البيهقي ٥ : ٥٠ ، سنن الدار قطني ٢ : ٢٢٨ / ٥٦.

(٢) التهذيب ٥ : ٦٩ - ٧٠ / ٢٢٧.

(٣) المغني ٣ : ٢٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨١ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٧ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٣ ، المجموع ٧ : ٢٦٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٩٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٨٥.

(٤) المغني ٣ : ٢٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٧ ، فتح العزيز ٧ : ٤٤١ ، المجموع ٧ : ٢٦٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٨٥.

(٥) التهذيب ٥ : ٧٠ / ٢٢٨.

(٦) الوجيز ١ : ١٢٤ ، فتح العزيز ٧ : ٤٤١ ، المجموع ٧ : ٢٦٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٨٥ ، =

٢٤٤

ونمنع لُبسه على العادة.

ولو أدخل كتفيه في القباء ولم يُدخل يديه في كُمّيه ولم يلبسه مقلوباً ، كان عليه الفداء - وبه قال الشافعي(١) - لعموم ما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من قولهعليه‌السلام : ( لا يلبس المـُحرم القميص ولا الأقبية )(٢) خرج منه ما لو لبسه مقلوباً ؛ للضرورة ، وعملاً بما تقدّم ، فيبقى الباقي على المنع.

وقال أبو حنيفة : لا شي‌ء عليه(٣) .

قال الشيخرحمه‌الله : متى توشّح به كالرداء لا شي‌ء عليه بلا خلاف(٤) .

قال ابن إدريس : ليس المراد من القلب جعل ظاهره إلى باطنه وبالعكس ، بل المراد منه النكس بأن يجعل ذيله فوق أكتافه(٥) .

وهو حسن ؛ لما روي عن الصادقعليه‌السلام : « من اضطرّ إلى ثوب وهو مُحْرم وليس معه إلّا قباء فلينكّسه وليجعل أعلاه أسفله ويلبسه »(٦) .

مسألة ١٨٣ : يجوز للمُحْرم أن يلبس النعلين ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ للضرورة الداعية إليه.

ولو لم يجد النعلين ، لبس الخُفّين ، ويقطعهما إلى ظاهر القدم ، كالشمشكين ، ولا يجوز له لُبْسهما قبل القطع - وبه قال الشافعي ومالك وأبو‌

____________________

= المغني ٣ : ٢٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٧.

(١) كما في الخلاف - للشيخ الطوسي - ٢ : ٢٩٨ ، المسألة ٧٩.

(٢) أورده الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٢٩٨ ذيل المسألة ٧٩ ، وانظر : سنن الدار قطني ٢ : ٢٣٢ / ٦٨ ، وسنن البيهقي ٥ : ٥٠.

(٣) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٢٩٨ ، المسألة ٧٩.

(٤) الخلاف ٢ : ٢٩٨ ، المسألة ٧٩.

(٥) السرائر : ١٢٧.

(٦) الكافي ٤ : ٣٤٧ / ٥.

٢٤٥

حنيفة(١) - لما رواه العامّة عن النبيعليه‌السلام : ( فإن لم يجد نعلين فليلبس خُفّين ، وليقطعهما حتى يكونا الى الكعبين )(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الباقرعليه‌السلام في المـُحْرم يلبس الخُفّ إذا لم يكن له نعل ، قال : « نعم ولكن يشقّ ظهر القدم »(٣) .

وقال بعض أصحابنا : يلبسهما صحيحين(٤) - وبه قال أحمد وعطاء بن أبي رباح - لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( السراويل لمن لا يجد إزاراً ، والخُفّ لمن لا يجد نعلين )(٥) (٦) .

ولأنّ فاقد الإِزار يلبس السراويل من غير فتق فكذا الخُفّ.

ولا منافاة في الحديث لقولنا ، واللُّبْس مع الفتق غير ممكن في السراويل.

ويجوز أيضاً أن يلبس الجُرْمُوقين إذا لم يجد النعلين ؛ لقول الصادقعليه‌السلام وقد سأله رفاعة عن المـُحْرم يلبس الجوربين ، قال : « نعم والخفّين إذا اضطرّ إليهما »(٧) .

ولو وجد النعلين ، لم يجز له لُبس الخُفّين المقطوعين ولا الجُرْمُوقين ولا الشمشكين ؛ لأنّهعليه‌السلام شرط في لُبْسهما عدم وجدان النعلين.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ٩٧ ، المجموع ٧ : ٢٦١ و ٢٦٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٨٦ ، المغني ٣ : ٢٧٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٢.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ١٦٩ ، سنن أبي داود ٢ : ١٦٥ / ١٨٢٣ ، سنن النسائي ٥ : ١٣٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٧٨ / ٢٩٣٢ ، سنن الدار قطني ٢ : ٢٢٩ / ٥٩ ، سنن الترمذي ٣ : ١٩٦ ذيل الحديث ٨٣٤.

(٣) الفقيه ٢ : ٢١٨ / ٩٩٧.

(٤) قال به ابن إدريس في السرائر : ١٢٧.

(٥) سنن النسائي ٥ : ١٣٢ - ١٣٣ وفيه : ( الخُفّين ).

(٦) المغني ٣ : ٢٧٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨١ - ٢٨٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٨٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٩٧ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٧ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٩٦.

(٧) الفقيه ٢ : ٢١٧ / ٩٩٦.

٢٤٦

وقال بعض الشافعية : يجوز(١) . وهو غلط.

وكذا لا يجوز له لُبْس القباء مقلوباً مع وجود الإِزار.

ولو لم يجد رداءً ، لم يجز له لُبْس القميص.

ولو عدم الإِزار ، جاز له التوشّح بالقميص وبالقباء المقلوب ، لقول الصادقعليه‌السلام : « وإن لم يكن له رداء طرح قميصه على عنقه أو قباءه بعد أن ينكّسه »(٢) .

مسألة ١٨٤ : يجوز أن يلبس المـُحْرم أكثر من ثوبين يتّقي بذلك الحَرّ أو البرد ، وأن يُغيّرهما ، لأنّ الحلبي سأل الصادقعليه‌السلام عن الثوبين يرتدي بهما ، قال : « نعم والثلاثة يتّقي بها الحَرَّ والبرد» وسأله عن المـُحْرم يُحوّل ثيابه ، قال : « نعم » وسأله : يغسلها إن أصابها شي‌ء ، قال : « نعم إذا احتلم فيها فليغسلها »(٣) .

ويكره للمُحْرم أن يغسل ثوبي إحرامه إلّا إذا أصابهما نجاسة ؛ لقول أحدهماعليهما‌السلام : « لا يغسل الرجل ثوبه الذي يُحْرم فيه حتى يحلّ وإن توسّخ ، إلّا أن تصيبه جنابة أو شي‌ء فيغسله »(٤) .

إذا ثبت هذا ، فقد بيّنّا أنّه يجوز له تبديل ثيابه ، لكن يستحب له أن يطوف في ثوبيه اللذين أحرم فيهما ؛ لأنّهما وقعت ابتداء العبادة فيهما فيستحب استدامتها فيهما.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « لا بأس بأن يُغيّر المـُحْرم ثيابه ولكن إذا دخل مكة لبس ثوبي إحرامه اللذين أحرم فيهما ، وكره أن يبيعهما »(٥) .

____________________

(١) المهذب - للشيرازي - ١ : ٢١٥ ، المجموع ٧ : ٢٥٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٨٦ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٣ ، المغني ٣ : ٢٧٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٣ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٧.

(٢) التهذيب ٥ : ٧٠ / ٢٢٩.

(٣) التهذيب ٥ : ٧٠ / ٢٣٠.

(٤) الكافي ٤ : ٣٤١ / ١٤ ، الفقيه ٢ : ٢١٥ / ٩٨٠ ، التهذيب ٥ : ٧١ / ٢٣٤.

(٥) الكافي ٤ : ٣٤١ / ١١ ، الفقيه ٢ : ٢١٨ / ١٠٠٠ ، التهذيب ٥ : ٧١ / ٢٣٣.

٢٤٧

مسألة ١٨٥ : يجوز الإِحرام في الثياب المعلمة ، واجتنابه أفضل ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « لا بأس أن يُحْرم الرجل في الثوب المعلم ، ويدعه أحبّ إليَّ إذا قدر على غيره »(١) .

ويكره بيع الثوب الذي أحرم فيه ؛ لقول معاوية بن عمّار - في الصحيح - : كان الصادقعليه‌السلام يكره للمُحْرم أن يبيع ثوباً أحرم فيه(٢) .

ولو أحرم وعليه قميص ، نزعه ولا يشقّه ، وهو قول أكثر العلماء(٣) ؛ لما روى العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه أتاه رجل فقال : يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جُبّة بعد ما تضمّخ بطيب؟ فنظر إليه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ساعة ثم سكت فجاءه الوحي ، فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( أمّا الطيب الذي بك فاغسله ، وأمّا الجبّة فانزعها ثم أصنع في عمرتك ما تصنع في حجّك )(٤) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام في رجل أحرم وعليه قميصه ، فقال : « ينزعه(٥) ولا يشقّه ، وإن كان لبسه بعد ما أحرم شقّه وأخرجه ممّا يلي رجليه »(٦) .

قال الشيخرحمه‌الله : إذا لبسه بعد ما أحرم ، وجب عليه أن يشقّه ، ويُخْرجه من قدميه ؛ للرواية السابقة وغيرها(٧) .

____________________

(١) الفقيه ٢ : ٢١٦ / ٩٨٦ ، التهذيب ٥ : ٧١ / ٢٣٥.

(٢) التهذيب ٥ : ٧٢ / ٢٣٦ ، وفيه مضمراً.

(٣) المغني ٣ : ٢٦٧ ، معالم السنن - للخطّابي - ٢ : ٣٤٣.

(٤) صحيح مسلم ٢ : ٨٣٧ / ٨.

(٥) في النسخ الخطّية والحجرية : « يدعه » وما أثبتناه هو الموافق للمصدر.

(٦) التهذيب ٥ : ٧٢ / ٢٣٨.

(٧) التهذيب ٥ : ٧٢ ذيل الحديث ٢٣٦.

٢٤٨

النظر الثالث : في التلبيات‌

مسألة ١٨٦ : التلبيات الأربع واجبة وشرط في إحرام المتمتّع والمـُفْرِد ، فلا ينعقد إحرامهما إلّا بها ، والأخرس يُشير بها ويعقد قلبه بها ، وأمّا القارن : فإنّه ينعقد إحرامه بها أو الإِشعار أو التقليد لما يسوقه ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ، وبه قال أبو حنيفة والثوري(١) ؛ لقوله تعالى :( فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ ) (٢) .

قال ابن عباس : الإِهلال(٣) .

وعن عطاء وطاوس وعكرمة : هو التلبية(٤) .

وما رواه العامّة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ( أتاني جبرئيل فأمرني أن آمر أصحابي أو مَنْ معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية أو بالإِهلال )(٥) وظاهر الأمر الوجوب.

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « إذا فرغت من صلاتك وعقدت ما تريد فقُمْ وامش هنيئة ، فإذا استوت بك الأرض ماشياً كُنْتَ أو راكباً فلَبِّ »(٦) الحديث.

وقال أصحاب مالك : إنّها واجبة يجب بتركها الدم(٧) .

____________________

(١) بدائع الصنائع ٢ : ١٦١ ، تحفة الفقهاء ١ : ٤٠٠ ، المغني ٣ : ٢٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦٤ ، فتح العزيز ٧ : ٢٠٢ ، المجموع ٧ : ٢٢٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧٧.

(٢) البقرة : ١٩٧.

(٣ و ٤ ) المغني ٣ : ٢٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦٤ - ٢٦٥.

(٥) سنن الترمذي ٣ : ١٩١ - ١٩٢ / ٨٢٩ ، ترتيب مسند الشافعي ١ : ٣٠٦ / ٧٩٤.

(٦) التهذيب ٥ : ٩١ / ٣٠٠.

(٧) المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٠٧ ، المغني ٣ : ٢٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦٤.

٢٤٩

وقال الشافعي : إنّها مستحبّة ليست واجبةً ، وينعقد الإِحرام بالنيّة ، ولا حاجة الى التلبية - وبه قال أحمد والحسن بن صالح بن حي - لأنّ التلبية ذكر ، فلا يجب في الحجّ ، كسائر الأذكار(١) .

وليس بجيّد ، لما يأتي من بيان الوجوب.

مسألة ١٨٧ : والتلبيات الأربع هي الواجبة ؛ للإِجماع على عدم وجوب الزائد عليها ؛ لما رواه الشافعي عن الصادقعليه‌السلام عن الباقرعليه‌السلام عن جابر ، قال : تلبية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لبّيك اللّهم لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك(٢) .

وقالعليه‌السلام : ( خُذُوا عنّي مناسككم )(٣) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « فإذا فرغت من صلاتك وعقدت ما تريد فقُمْ وامش هنيئة فاذا استوت بك الأرض ماشيا كنت أو راكبا فلبّ ، والتلبية أن تقول : لبّيك اللهم لبّيك لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبّيك لبّيك ذا المعارج لبّيك لبّيك داعياً الى دار السلام ، لبّيك لبّيك غفّار الذنوب ، لبّيك لبّيك أهل التلبية ، لبّيك لبّيك ذا الجلال والإِكرام ، لبّيك لبّيك تبدئ والمعاد إليك ، لبّيك لبّيك تستغني ويفتقر إليك ، لبّيك لبّيك مرهوبا ومرغوبا إليك ، لبّيك لبّيك إله الخلق ، لبّيك لبّيك ذا النعماء والفضل الحسن الجميل ، لبّيك لبّيك كشّاف الكروب ، لبّيك لبّيك عبدك وابن عبديك ، لبّيك لبّيك يا كريم لبّيك ».

____________________

(١) المجموع ٧ : ٢٢٥ و ٢٤٥ و ٢٤٦ ، المغني ٣ : ٢٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦٤.

(٢) الاُم ٢ : ١٥٥ ، ترتيب مسند الشافعي ١ : ٣٠٤ / ٧٩٠.

(٣) سنن البيهقي ٥ : ١٢٥.

٢٥٠

« تقول هذا في دبر كلّ صلاة مكتوبة أو نافلة ، وحين ينهض بك بعيرك ، وإذا علوت شرفاً أو هبطت وادياً أو لقيت راكباً أو استيقظت من منامك ، وبالأسحار ، وأكثر ما استطعت واجهر بها ، وإن تركت بعض التلبية فلا يضرّك غير أنّ تمامها أفضل ».

« واعلم أنّه لا بدّ لك من التلبيات الأربع التي كُنّ في أول الكلام هي الفريضة ، وهي التوحيد، وبها لبّى المرسلون ، وأكثر من ذي المعارج فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يكثر منها ، وأوّل مَنْ لبّى إبراهيمعليه‌السلام ، قال : إن الله يدعوكم الى أن تحجّوا بيته ، فأجابوه بالتلبية ، فلم يبق أحد أخذ ميثاقه بالموافاة في ظهر رجل ولا بطن امرأة إلّا أجاب بالتلبية »(١) .

ولأنّها عبادة لها تحليل وتحريم ، فكان فيها نطق واجب ، كالصلاة.

إذا عرفت هذا ، فإنّ الزائد على الأربع مستحب - وبه قال أصحاب أبي حنيفة(٢) - لما تقدّم.

وقال الشافعي : إنّه غير مستحب. وبه قال أحمد(٣) - وقال بعضهم : إنّ الزائد مكروه(٤) - لما رواه الشافعي عن الصادق عن الباقرعليهما‌السلام عن جابر - وقد تقدّم(٥) - وما داوم عليه النبيعليه‌السلام أولى.

ونحن نقول : إنّما فَعَلهعليه‌السلام بياناً للواجب ، فلهذا لم يزد.

ويستحب الإِكثار من ذكر « ذي المعارج ».

مسألة ١٨٨ : يستحب رفع الصوت بالتلبية - وهو قول العلماء‌ - لأنّ « جبرئيل قال للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : مُرْ أصحابك بالعجّ والثجّ ، والعجّ :

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٩١ - ٩٢ / ٣٠٠.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٢٦٣.

(٣) الأم ٢ : ٢٠٤ ، فتح العزيز ٧ : ٢٦٣ ، المغني ٣ : ٢٥٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦٤.

(٤) انظر : المجموع ٧ : ٢٤٥.

(٥) تقدّم في صفحة ٢٤٩.

٢٥١

رفع الصوت بالتلبية ، والثجّ : نحر البُدْن »(١) والأمر هنا ليس للوجوب ؛ لأصالة براءة الذمّة.

ويستحب الجهر بها كلّما ركب أو هبط وادياً أو علا أكمةً(٢) ، وبالأسحار ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « واجهر بها كلّما ركبت وكلّما نزلت وكلّما هبطت وادياً أو علوت أكمةً أو لقيت راكباً ، وبالأسحار »(٣) .

وقال الباقر والصادقعليهما‌السلام : « قال جابر بن عبد الله : ما مشى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الروحاء(٤) حتى بُحّت أصواتنا »(٥) .

ولأنّه من شعائر العبادة ، فأشبه الأذان ، ولاشتمال الإِجهار على تنبيه الغافلين.

وليس على النساء إجهار بالتلبية ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « ليس على النساء جهر بالتلبية»(٦) .

والأخرس يُشير إلى التلبية بإصبعه وتحريك لسانه وعقد قلبه بها ؛ لقول عليعليه‌السلام : « تلبية الأخرس وتشهّده وقراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه وإشارته بإصبعه »(٧) .

ولا يجوز التلبية إلّا بالعربية مع القدرة - خلافاً لأبي حنيفة(٨) - لأنّه المأمور به ، ولأنّه ذكر مشروع ، فلا يجوز بغير العربية ، كالأذان.

____________________

(١) الكافي ٤ : ٣٣٦ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٢١٠ / ٩٦٠ ، التهذيب ٥ : ٩٢ / ٣٠٢.

(٢) الأكمة : تلّ صغير. مجمع البحرين ٦ : ٨.

(٣) التهذيب ٥ : ٩٢ / ٣٠١.

(٤) الروحاء : موضع بين الحرمين على ثلاثين أو أربعين ميلاً من المدينة. القاموس المحيط ١ : ٢٢٥.

(٥) التهذيب ٥ : ٩٢ / ٣٠٢.

(٦) الكافي ٤ : ٣٣٦ - ٣٣٧ / ٧ ، التهذيب ٥ : ٩٣ / ٣٠٤.

(٧) الكافي ٤ : ٣٣٥ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٩٣ / ٣٠٥.

(٨) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٦١.

٢٥٢

احتجّ : بالقياس على التكبير(١) .

ونمنع الأصل.

مسألة ١٨٩ : لا يشترط في التلبية الطهارة من الحدثين إجماعاً ؛ لأنّ النبيعليه‌السلام قال لعائشة حين حاضت : ( افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت )(٢) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « لا بأس أن تلبّي وأنت على غير طهور وعلى كلّ حال »(٣) .

وقال الباقرعليه‌السلام : « لا بأس أن يلبّي الجنب »(٤) .

مسألة ١٩٠ : يستحب أن يذكر في تلبيته ما يُحْرم به من حجّ أو عمرة‌ - وبه قال أحمد(٥) - لما رواه العامة في حديث أنس ، قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : ( لبّيك عمرةً وحجّاً )(٦) .

وقال ابن عباس : قدم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه وهُمْ يُلبّون بالحجّ(٧) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام في التلبية : « لبّيك‌

____________________

(١) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٦١.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ١٩٥ ، سنن البيهقي ٥ : ٨٦ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٤ ، ترتيب مسند الشافعي ١ : ٣٩٠ / ١٠٠٣.

(٣) الكافي ٤ : ٣٣٦ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٢١٠ / ٩٦٢ ، التهذيب ٥ : ٩٣ / ٣٠٦.

(٤) الفقيه ٢ : ٢١١ / ٩٦٣.

(٥) المغني ٣ : ٢٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦٦.

(٦) صحيح مسلم ٢ : ٩٠٥ ذيل الحديث ١٢٣٢ ، و ٩١٥ / ٢١٥ ، سنن أبي داود ٢ : ١٥٧ / ١٧٩٥ ، سنن النسائي ٥ : ١٥٠ ، سنن البيهقي ٥ : ٤٠ ، وأورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٢٥٩ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٦٦.

(٧) سنن النسائي ٥ : ٢٠١ ، وأورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٢٦٠ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٦٦.

٢٥٣

بحجّة تمامها عليك »(١) .

وقال الشافعي : لا يستحب(٢) ؛ لما رواه جابر قال : ما سمّى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في تلبيته حجّاً ولا عمرةً(٣) .

وسمع ابن عمر رجلاً يقول : لبّيك بعمرة ، فضرب صدره وقال : تعلمه ما في نفسك(٤) .

وحديَث جابر معارض بما رواه العامّة عنه قال : كنّا مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ونحن نقول : لبّيك بالحجّ(٥) . وبغيره من الروايات.

وقول ابن عمر ليس حجّةً ، خصوصاً مع معارضته لأحاديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

إذا عرفت هذا ، فيستحب أن يذكر في تلبيته الحجّ والعمرة معاً ، فإن لم يمكنه ؛ للتقية أو غيرها ، اقتصر على ذكر الحجّ ، فإذا دخل مكة ، طاف وسعى وقصّر ، وجعلها عمرةً ؛ لقول الصادقعليه‌السلام عن رجل لبّى بالحجّ مُفرداً ثم دخل مكة فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ، قال : « فليحلّ ، وليجعلها متعةً ، إلّا أن يكون ساق الهدي ، فلا يستطيع أن يحلّ حتى يبلغ الهدي محلّه »(٦) .

مسألة ١٩١ : يستحب تكرار التلبية والإِكثار منها على كلّ حال عند الإِشراف والهبوط وأدبار الصلوات وتجدّد الأحوال واصطدام الرفاق والأسحار‌

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٩٢ / ٣٠١.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٢٠٨ ، المجموع ٧ : ٢٢٧ ، المغني ٣ : ٢٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦٦.

(٣ و ٤) سنن البيهقي ٥ : ٤٠ ، وأورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٢٥٩ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٦٦.

(٥) صحيح مسلم ٢ : ٨٨٦ / ١٢١٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٤٠ ، وأورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٢٥٩ - ٢٦٠ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٦٦ وفيها : قدمنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

(٦) التهذيب ٥ : ٨٩ / ٢٩٣ ، الاستبصار ٢ : ١٧٤ / ٥٧٥.

٢٥٤

بإجماع العلماء ، إلّا مالكاً ، فإنّه قال : لا يلبّي عند اصطدام الرفاق(١) .

والحقّ ما قلناه ؛ لما روى العامة عن جابر : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يلبّي في حجّه إذا لقي راكباً أو علا أكَمَةً أو هبط وادياً وفي أدبار الصلوات المكتوبة ومن آخر الليل(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام وقد ذكر التلبيات : « تقول هذا في دبر كلّ صلاة مكتوبة أو نافلة وحين ينهض بك بعيرك وإذا علوت شرفاً أو هبطت وادياً أو لقيت راكباً أو استيقظت من منامك وبالأسحار »(٣) .

مسألة ١٩٢ : يقطع المتمتّع التلبية إذا شاهد بيوت مكة ؛ لما رواه الحلبي - في الحسن - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « المتمتّع إذا نظر الى بيوت مكة قطع التلبية »(٤) .

وأمّا المـُفْرد والقارن فإنّهما يقطعان التلبية يوم عرفة عند الزوال ؛ لرواية معاوية بن عمّار عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « إذا دخلت مكة(٥) وأنت متمتّع فنظرت الى بيوت مكة [ فاقطع التلبية ، وحدّ بيوت مكة ](٦) التي كانت قبل اليوم إذا بلغت عقبة المدنيين فاقطع التلبية ، وعليك بالتكبير والتهليل والثناء على الله ما استطعت ، وإن كنت قارناً(٧) بالحجّ فلا تقطع التلبية حتى يوم عرفة الى زوال الشمس ، وإن كنت معتمراً فاقطع التلبية إذا دخلت الحرم »(٨) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٢٦٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦٧.

(٢) أورده أبو إسحاق الشيرازي في المهذّب ١ : ٢١٣ ، والرافعي في فتح العزيز ٧ : ٢٦٠ ، وابنا قدامة في المغني ٣ : ٢٦١ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٦٧.

(٣) الكافي ٤ : ٣٣٥ - ٣٣٦ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٩١ / ٣٠٠.

(٤) الكافي ٤ : ٣٩٩ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٩٤ / ٣٠٧ ، الاستبصار ٢ : ١٧٦ / ٥٨١.

(٥) في النسخ الخطية والحجرية : بيوت مكة وما أثبتناه موافق للمصدر.

(٦) أضفناها من المصدر.

(٧) في النسخ الخطية والحجرية : مقرناً. وما أثبتناه هو الموافق للمصدر.

(٨) التهذيب ٥ : ٩٤ / ٣٠٩.

٢٥٥

قال الشيخرحمه‌الله : المعتمر عمرة مفردة إن كان أحرم من خارج مكة ، قَطَع التلبية إذا دخل الحرم ، وإن كان ممّن خرج من مكة للإِحرام ، قَطَعها إذا شاهد الكعبة(١) .

وقيل بالتخيير بينها من غير تفصيل(٢) .

قال الصادقعليه‌السلام : « مَنْ دَخَل مكة مفرداً للعمرة فليقطع التلبية حين تضع الإِبل أخفافها في الحرم »(٣) .

وسأل يونس بن يعقوب الصادقعليه‌السلام عن الرجل يعتمر عمرة مفردة من أين يقطع التلبية؟ قال : « إذا رأيت بيوت ذي طوى فاقطع التلبية »(٤) .

وروى عمر بن يزيد عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « ومن خرج من مكة يريد العمرة ثم دخل معتمرا لم يقطع التلبية حتى ينظر إلى الكعبة »(٥) .

مسألة ١٩٣ : يستحب لمن حجّ على طريق المدينة أن يرفع صوته بالتلبية‌ إذا علت راحلته البيداء إن كان راكباً ، وإن كان ماشياً فحيث يُحْرم ، وإن كان على غير طريق المدينة ، لبّى من موضعه إن شاء ، وإن مشى خطوات ثم لبّى ، كان أفضل ، وبه قال مالك(٦) .

وللشافعي قولان :

قال في القديم : يستحب(٧) أن يُهلّ خلف الصلاة نافلةً كانت أو فريضةً. وبه قال أبو حنيفة وأحمد.

____________________

(١) النهاية : ٢١٦ ، المبسوط - للطوسي - ١ : ٣١٧.

(٢) كما في شرائع الإِسلام ١ : ٢٤٨ ، وراجع : الفقيه ٢ : ٢٧٧ ذيل الحديث ١٣٥٦.

(٣) الاستبصار ٢ : ١٧٧ / ٥٨٦ ، التهذيب ٥ : ٩٥ / ٣١٣ ، وليس فيه « مكة ».

(٤) الفقيه ٢ : ٢٧٧ / ١٣٥٤ ، التهذيب ٥ : ٩٥ / ٣١٤ ، الاستبصار ٢ : ١٧٧ / ٥٨٧.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٧٦ - ٢٧٧ / ١٣٥٠ ، التهذيب ٥ : ٩٥ - ٩٦ / ٣١٥ ، الاستبصار ٢ : ١٧٧ / ٥٨٨.

(٦) انظر : المدوّنة الكبرى ١ : ٣٦١ ، والمجموع ٧ : ٢٢٣.

(٧) في « ن » : المستحب.

٢٥٦

والجديد : أن يلبّي إذا انبعثت به راحلته إن كان راكباً ، وإذا أخذ في السير إن كان راجلاً(١) .

لنا : ما رواه العامّة عن ابن عباس ، قال : اغتسل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم لبس ثيابه ، فلمـّا أتى ذا الحليفة صلّى ركعتين ثم قعد على بعيره ، فلمـّا استوى به على البيداء أحرم بالحجّ(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن يلبّي حتى يأتي(٣) البيداء »(٤) .

وأما التفصيل : فيدلّ عليه قول الصادقعليه‌السلام : « إن كنت ماشياً فاجهر بإهلالك وتلبيتك من المسجد ، وإن كنت راكباً فإذا علت بك راحلتك البيداء »(٥) .

إذا عرفت هذا ، فالمراد استحباب الإِجهار بالتلبية عند البيداء ، وبينها وبين ذي الحليفة ميل ، ولا يجوز مجاوزة الميقات بغير إحرام ، وإنّما ينعقد الإِحرام بالتلبية ، فيجب إيقاعها في ذي الحليفة ، ويستحب الإِجهار بها بالبيداء.

مسألة ١٩٤ : لا يلبّي في مسجد عرفة - وبه قال مالك(٦) - لما بيّنّاه من أنّ التلبية تُقطع يوم عرفة قبل الزوال.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١١ ، المجموع ٧ : ٢٢٣ ، فتح العزيز ٧ : ٢٥٨ - ٢٥٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ٨١ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٣٧ ، المغني ٣ : ٢٣٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣٥.

(٢) سنن الدار قطني ٢ : ٢١٩ - ٢٢٠ / ٢١ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٣.

(٣) في النسخ الخطية والحجرية : لم يكن يكبّر حتى أتى. وما أثبتناه هو الموافق للمصدر.

(٤) التهذيب ٥ : ٨٤ / ٢٧٩ ، الاستبصار ٢ : ١٧٠ / ٥٦١.

(٥) التهذيب ٥ : ٨٥ / ٢٨١ ، الاستبصار ٢ : ١٧٠ - ١٧١ / ٥٦٣.

(٦) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٢٩٢ ، المسألة ٧٠ ، وانظر : المدوّنة الكبرى ١ : ٣٦٤.

٢٥٧

وقال الشافعي : إنّه مستحب(١) .

وليس بمعتمد.

وكذا لا يلبّي في حال الطواف - وبه قال الشافعي وسالم بن عبد الله وابن عيينة(٢) - لما رواه العامّة عن ابن عمر قال : لا يلبّي الطائف(٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول الباقرعليه‌السلام : « إذا قدموا مكة وطافوا بالبيت أحلّوا ، وإذا لبّوا أحرموا ، فلا يزال يحلّ ويعقد حتى يخرج إلى منى بلا حجّ ولا عمرة »(٤) .

ولأنّا بيّنّا أنّ المتمتّع يقطع التلبية عند مشاهدة بيوت مكة.

مسألة ١٩٥ : قد بيّنّا أنّ الإِحرام إنّما ينعقد بالتلبيات الأربع في حقّ المتمتّع والمـُفْرد ، وأمّا القارن فإنّه يتخيّر بين أن يعقد إحرامه بالتلبيات الأربع أو بالإِشعار أو التقليد أيّها فَعَل انعقد إحرامه به ، وكان الباقي مستحباً.

والإِشعار : أن يشقّ سنام البعير من الجانب الأيمن ، ويلطخ صفحته بالدم ليعلم أنّه صدقة ، وهو مختص بالإِبل.

والتقليد : أن يجعل في رقبة الهدي نعلا قد صلّى فيه ، أو يجعل في رقبة الهدي خيطا أو سيراً وما أشبههما ليعلم أنّه صدقة ، وهو مشترك بين الأنعام الثلاثة.

وهذا هو المشهور ، ذهب اليه الشيخ(٥) رحمه‌الله وأتباعه(٦) .

____________________

(١) الوجيز ١ : ١١٧ ، فتح العزيز ٧ : ٢٦٠ - ٢٦١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٣ ، المجموع ٧ : ٢٤٥ ، وحكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٢٩٢ ، المسألة ٧٠.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٣ ، المجموع ٧ : ٢٤٥ ، فتح العزيز ٧ : ٢٦٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٨١ ، المغني ٣ : ٢٦٤. الشرح الكبير ٣ : ٢٦٨.

(٣) أورده الرافعي في فتح العزيز ٧ : ٢٦٢.

(٤) التهذيب ٥ : ٣١ - ٩٣ ، الاستبصار ٢ : ١٥٦ / ٥١١.

(٥) النهاية : ٢١٤.

(٦) منهم : القاضي ابن البراج في المهذّب ١ : ٢١٤ - ٢١٥.

٢٥٨

وقال السيد المرتضى وابن إدريس من علمائنا : لا ينعقد إحرام الأصناف الثلاثة إلّا بالتلبية(١) .

والوجه : ما قاله الشيخ ؛ لما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال: « يوجب الإِحرام ثلاثة أشياء : التلبية والإِشعار والتقليد ، فإذا فَعَل شيئاً من هذه الثلاثة فقد أحرم »(٢) .

إذا عرفت هذا ، فينبغي أن تُشعر البُدْن وهي باركة يشقّ سنامها الأيمن ، وتُنحر - وهي قائمة - من قِبَل الأيمن ؛ لأنّ أبا الصباح الكناني سأل الصادقعليه‌السلام عن البدن كيف تشعر؟ فقال : «تُشعر وهي باركة يشقّ سنامها الأيمن ، وتُنحر - وهي قائمة - من قِبَل الأيمن »(٣) .

إذا عرفت هذا ، فلو كانت البُدْن كثيرةً وأراد إشعارها ، دخل بين كلّ بدنتين ، وأشعر إحداهما من الجانب الأيمن والاُخرى من الأيسر ، للرواية عن الصادقعليه‌السلام (٤) ، وللتخفيف.

مسألة ١٩٦ : إذا عقد نيّة الإِحرام ولبس ثوبيه ثم لم يلبّ ولم يشعر ولم يقلّد ، جاز له أن يفعل ما يحرم على المـُحْرم فعله ، ولا كفّارة عليه ، فإن لبّى أو أشعر أو قلّد إن كان قارناً ، حرم عليه ذلك ، ووجبت عليه الكفّارة بفعله ؛ لأنّ الإِحرام إنّما ينعقد بأحد الثلاثة ، فإذا لم يفعلها لم يكن محرماً ، لأنّ حفص بن البختري سأل الصادقعليه‌السلام عمّن عقد الإِحرام في مسجد الشجرة ثم وقع على أهله قبل أن يلبّي ، قال : « ليس عليه شي‌ء »(٥) .

مسألة ١٩٧ : يستحب لمن أراد الإِحرام أن يشترط على ربّه‌ عند عقد‌

____________________

(١) الانتصار : ١٠٢ ، السرائر ١٢٤ - ١٢٥‌

(٢) التهذيب ٥ : ٤٣ - ٤٤ / ١٢٩.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٠٩ / ٩٥٥.

(٤) التهذيب ٥ : ٤٣ / ١٢٨‌

(٥) الفقيه ٢ : ٢٠٨ / ٩٤٦.

٢٥٩

الإحرام : إن لم تكن حجّةً فعمرة ، وأن يُحلّه حيث حبسه ، سواء كان حجّه تمتّعاً أو قراناً أو إفراداً ، وكذا في إحرام العمرة - وبه قال عليعليه‌السلام ، وعمر بن الخطّاب وابن مسعود وعمّار وعلقمة وشريح وسعيد بن المسيّب وعكرمة والشافعي وأبو حنيفة وأحمد(١) - لما رواه العامّة عن ابن عباس أنّ ضُباعة أتت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالت : يا رسول الله إنّي اُريد الحجّ فكيف أقول؟ قال : ( قُولي : لبّيك اللّهم لبّيك ومحلّي من الأرض حيث تحبسني ، فإنّ لك على ربّك ما استثنيت )(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « إذا أردت الإِحرام والتمتّع فقُلْ : اللّهم إنّي اُريد ما أمرت به من التمتّع بالعمرة الى الحجّ ، فيسِّر لي ذلك وتقبّله منّي وأعنّي عليه وحلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت عليّ أحرم لك شعري وبشري من النساء والطيب والثياب ، وإن شئت قلت حين ينهض بك بعيرك ، وإن شئت فأخّره حتى تركب بعيرك وتستقبل القبلة »(٣) .

وعن الفضيل بن يسار عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « المعتمر عمرة مفردة يشترط على ربّه أن يُحلّه حيث حبسه ، ومُفرد الحج يشترط على ربّه إن لم تكن حجّةً فعمرة »(٤) .

وأنكره [ ابن ](٥) عمر وطاوس وسعيد بن جبير والزهري ومالك ؛ لأنّ ابن‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٢٤٨ - ٢٤٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٤٣ ، المحلّى ٧ : ١١٤.

(٢) سنن الترمذي ٣ : ٢٧٨ / ٩٤١ ، سنن أبي داود ٢ : ١٥١ - ١٥٢ / ١٧٧٦ ، سنن النسائي ٥ : ١٦٨ ، وأورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٢٤٩ - ٢٥٠ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٣٨.

(٣) التهذيب ٥ : ٧٩ / ٢٦٣.

(٤) الكافي ٤ : ٣٣٥ / ١٥ ، التهذيب ٥ : ٨١ - ٨٢ / ٢٧١.

(٥) اضفناها من المصادر ولاقتضاء السياق ، ولكن قال البيهقي في سننه الكبرى ٥ : ٢٢٣ : وعندي أنّ أبا عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب لو بلغه حديث ضباعة بنت الزبير لصار إليه ولم ينكر الاشتراط كما لم ينكره أبوه.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481