تذكرة الفقهاء الجزء ٧

تذكرة الفقهاء8%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-007-2
الصفحات: 481

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 481 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 169344 / تحميل: 5804
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٧

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٠٠٧-٢
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

يجب بقتلها فدية ، أو وحشي ، كالغزلان وحمر الوحش وبقرة ، ويجب الجزاء بقتله إجماعاً.

وما ليس بمأكول أقسامه ثلاثة :

ما لا جزاء فيه إجماعاً ، كالحيّة والعقرب وشبههما.

وما يجب فيه الجزاء عند العامّة ولا نصّ لأصحابنا فيه.

والأولى فيه عدم الجزاء ؛ لأصالة البراءة ، كالمتولّد بين ما يجب فيه الجزاء وما لا يجب كالسِّمْع المتولّد بين الضبع والذئب ، والمتولّد بين الحمار الوحشي والأهلي.

ومختلف فيه ، كجوارح الطير وسباع البهائم ، ولا يجب فيه الجزاء عندنا.

ويجوز قتل صغار السباع وإن لم تكن محذورة ، وقتل الزنابير والبراغيث والقمل ، إلّا أنّه إذا قتل القمل على بدنه ، لا شي‌ء عليه ، وإن أزاله عن جسمه ، فعليه الفداء(١) . هذا آخر كلامه.

لكن روى أصحابنا أنّ الزنبور إن قتله خطأ ، لا شي‌ء عليه ، وإن قتله عمداً ، كان عليه أن يتصدّق بشي‌ء من الطعام ؛ لأنّ معاوية بن عمار روى - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام وسأله عن مُحْرم قتل زنبوراً ، فقال : « إن كان خطأ فلا شي‌ء » قلت : بل عمداً ، قال : « يطعم شيئاً من الطعام »(٢) .

إذا ثبت هذا فكلّ ما أدخله الإِنسان إلى الحرم من السباع أسيراً فإنّه يجوز له إخراجه منه ؛ لأنّ قتله مباح ، فإخراجه أولى.

وسُئل الصادقعليه‌السلام عن رجل أدخل فهذاً الى الحرم أَلَهُ أن يُخرجه؟ فقال : « هو سبع ، وكلّ ما أدخلت من السبع الحرم أسيراً فلك أن‌

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٣٨ - ٣٣٩.

(٢) الكافي ٤ : ٣٦٤ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٣٦٥ / ١٢٧١.

٢٨١

تخرجه »(١) .

مسألة ٢١٢ : الجراد عندنا من صيد البرّ يحرم قتله ، ويضمنه الـمُحْرم في الحِلّ ، والـمُحلّ في الحرم ، عند علمائنا - وبه قال عليعليه‌السلام وابن عباس وعمر ، وأكثر أهل العلم(٢) - لما رواه العامّة عن ابن عمر أنّه قال لكعب في جرادتين : ما فعلت في تينك(٣) ؟ قال : بَخٍ درهمان خير من مائة جرادة(٤) .

ومن طريق الخاصّة : قول الباقرعليه‌السلام : « الـمُحْرم لا يأكل الجراد »(٥) .

وقال أبو سعيد الخدري : هو من صيد البحر(٦) . وللشافعي قول غريب إنّه من صيد البحر ؛ لأنّه يتولّد من روث السمك(٧) - وعن أحمد روايتان(٨) - لما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنّه من صيد البحر(٩) .

قال أبو داود : الظاهر أنّهعليه‌السلام قال : ( إنّه من صيد البرّ ) فوَهَم الراوي(١٠) .

____________________

(١) الفقيه ٢ : ١٧٢ / ٧٦٠ ، التهذيب ٥ : ٣٦٧ / ١٢٨١.

(٢) المغني ٣ : ٥٤٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٦ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٣ ، المجموع ٧ : ٢٩٦ و ٣٣١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩٠.

(٤) الاُم ٢ : ١٩٦ ، مختصر المزني : ٧٢ ، المغني ٣ : ٥٤٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٦ ، المجموع ٧ : ٣٣٢.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٦٣ / ١٢٦٢.

(٦) الحاوي الكبير ٤ : ٣٣٢ ، المغني ٣ : ٥٤٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٦.

(٧) فتح العزيز ٧ : ٤٩٠.

(٨) المغني ٣ : ٥٤٤ و ٥٤٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٦.

(٩) سنن أبي داود ٢ : ١٧١ / ١٨٥٣ و ١٨٥٤ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٠٧.

(١٠) راجع سنن أبي داود ٢ : ١٧١ ذيل الحديث ١٨٥٤ ، والمغني ٣ : ٥٤٥ ، والشرح الكبير ٣ : ٣١٦.

٢٨٢

مسألة ٢١٣ : الـمُحرَّم على الـمُحْرم مطلقاً وعلى الـمُحلّ في الحرم إنّما هو صيد البرّ ، أمّا صيد البحر فإنّه سائغ لكلّ أحد ، ولا فدية فيه ، بالنصّ والإِجماع :

قال الله تعالى :( أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيّارَةِ ) (١) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « لا بأس أن يصيد الـمُحْرم السمك ويأكله طريّه ومالحه ويتزوّد »(٢) .

وأجمع أهل العلم كافّة على أنّ صيد البحر مباح للمُحْرم اصطياده وأكله وبيعه وشراؤه.

إذا ثبت هذا ، فإنّ صيد البحر هو ما يعيش في الماء ويبيض ويفرخ فيه ، كالسمك وأشباهه ممّا يحل ، وكالسلحفاة والسرطان ونحوهما.

فإن كان ممّا يعيش في البرّ والبحر معاً ، اعتبر بالبيض والفرخ ، فإن كان ممّا يبيض ويفرخ في البحر ، فهو صيد البحر ، وإن كان يبيض ويفرخ في البرّ ، فهو صيد البرّ ، لا نعلم فيه خلافاً ، إلّا من عطاء ؛ فإنّه حُكي عنه أنّ ما يعيش في البرّ - كالسلحفاة والسرطان - فيه الجزاء ؛ لأنّه يعيش في البرّ ، فأشبه طير الماء(٣) .

وهو ممنوع ؛ لأنّه يبيض ويفرخ في الماء ، فأشبه السمك.

وأمّا طير الماء كالبطّ ونحوه ، فإنّه صيد البرّ في قول عامّة أهل العلم(٤) ، وفيه الجزاء ؛ لأنّه يبيض ويفرخ في البرّ ، فكان من صيده ، كسائر طيوره.

____________________

(١) المائدة : ٩٦.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٦٥ / ١٢٧٠.

(٣) المغني ٣ : ٥٤٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٥.

(٤) المغني ٣ : ٥٤٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٥.

٢٨٣

و [ عن ](١) عطاء : أنّه قال : حيث يكون أكثر فهو صيده(٢) .

وليس بجيّد ؛ لما تقدّم ، وإقامته في البحر ؛ لطلب الرزق والمعيشة منه ، كالصيّاد.

ولو كان لجنس من الحيوان نوعان : بحري وبرّي ، كالسلحفاة ، فلكلّ نوعٍ حكمُ نفسه ، كالبقر منه الوحشي محرّم ومنه الإِنسي محلّل.

مسألة ٢١٣ : لو صاد الـمُحْرم صيداً ، لم يملكه ، سواء كان في الحلّ أو في الحرم إجماعاً ؛ لعموم :( وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً ) (٣) .

وسأل محمدُ بن مسلم الصادقَعليه‌السلام عن ظبي دَخَل الحرم ، قال : « لا يؤخذ ولا يمسّ ، إنّ الله تعالى يقول :( وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) (٤) »(٥) .

إذا ثبت هذا ، فلو تلف في يده ، كان ضمانه عليه ؛ لأنّه سبب في الإِتلاف.

وقال الصادقعليه‌السلام : « لا يحرم أحد ومعه شي‌ء من الصيد حتى يُخرجه من ملكه ، فإن أدخله الحرم وجب عليه أن يخلّيه ، فإن لم يفعل حتى يدخل الحرم ومات لزمه الفداء »(٦) .

وسأل بكيرُ بن أعين الباقرَعليه‌السلام : عن رجل أصاب ظبياً فأدخله الحرم فمات الظبي في الحرم ، فقال : « إن كان حين أدخله خلّى سبيله فلا‌

____________________

(١) في النسخ الخطية والحجرية : قال ، وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٢) المغني ٣ : ٥٤٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٥.

(٣) المائدة : ٩٦.

(٤) آل عمران : ٩٧.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٦٢ / ١٢٥٨.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٦٢ / ١٢٥٧.

٢٨٤

شي‌ء عليه ، وإن كان أمسكه حتى مات فعليه الفداء »(١) .

أمّا لو كان الصيد في منزله ، لم يجب عليه إرساله ، ولا يزول ملكه عنه ؛ لأصالة بقاء الملك على مالكه.

وروى صفوان - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت له : الصيد يكون عند الرجل من الوحش في أهله أو من الطير يحرم وهو في منزله ، قال : « لا بأس لا يضرّه »(٢) .

مسألة ٢١٤ : إذا اضطرّ الـمُحْرم الى أكل الصيد ، أكل منه - كما يأكل من الميتة‌ - قدر ما يمسك به الرمق ، ولا يجوز له الشبع ولا التجاوز عن ذلك إجماعاً.

ولو وجد المضطرّ إلى أكله ميتةً ، فلعلمائنا قولان :

قال بعضهم : يأكل الميتة(٣) - وبه قال الحسن البصري والثوري وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن(٤) - لأنّ الصيد إذا ذبح صار ميتة فساواها في التحريم ، وامتاز بإيجاب الجزاء وما يتعلّق به من هتك حرمة الإِحرام ، فكان أكل الميتة أولى.

ولقول عليعليه‌السلام : « إذا اضطرّ الـمُحْرم إلى الصيد وإلى الميتة فليأكل الميتة التي أحلّ الله له »(٥) .

وقال بعضهم : يأكل الصيد ويُفديه(٦) - وبه قال الشافعي وإسحاق وابن‌

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٦٢ / ١٢٥٩.

(٢) الكافي ٤ : ٣٨٢ / ٩ ، التهذيب ٥ : ٣٦٢ - ٣٦٣ / ١٢٦٠ ، وفيهما : صفوان عن جميل.

(٣) كما في السرائر : ١٣٣ ، وقوّاه ابن إدريس.

(٤) المغني ٣ : ٢٩٦ و ١١ : ٧٩ ، الشرح الكبير ١١ : ١٠٣.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٦٨ / ١٢٨٤ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٩ / ٧١٥.

(٦) كما في السرائر : ١٣٣ ، وهو قول السيد المرتضى ، انظر : جُمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٧٢.

٢٨٥

المنذر وأبو يوسف(١) - لأنّه مع الضرورة والفدية يخرج من الإِثم ، فيكون واجداً للمذبوح حلالاً ، فلا تحلّ له الميتة.

ولأنّ تحريم الصيد عارض وتحريم الميتة ذاتي ، فيكون الأول أولى بالتناول.

ولقول الصادقعليه‌السلام وقد سأله عن الـمُحْرم يضطرّ فيجد الميتة والصيد أيّهما يأكل؟ قال : « يأكل من الصيد ، أما يحبّ أن يأكل من ماله؟ » قلت : بلى ، قال : « إنما عليه الفداء فليأكل وليفده »(٢) .

وقال بعض علمائنا : إن كان الصيد حيّاً ، لم يجز له ذبحه ؛ لأنّه يصير ميتة إجماعاً ، فليأكل الميتة ، وإن كان مذبوحاً فإن كان الذابح مُحْرماً فهو كالميتة ؛ لأنّه لا فرق بينهما ، وإن كان مُحلاً فإن كان في الحرم ، فهو ميتة أيضا ، وإن كان في الحلّ فإن كان المحرم المضطر قادرا على الفداء ، أكل الصيد ولم يأكل الميتة ، وإن لم يكن قادراً ، أكل الميتة(٣) .

مسألة ٢١٥ : قد بيّنّا تحريم إمساك الصيد على الـمُحْرم ، فيضمنه لو فعل ، فلو أمسكه حتى حلّ ، لزمه إرساله ، وليس له ذبحه ، فإن ذبحه ، ضمن وحرم أكله ؛ لأنّه صيد ضمنه بحرمة الإِحرام ، فلم يبح أكله ، كما لو ذبحه حال إحرامه.

هذا إذا كان في الحرم ، أمّا لو كان الصيد في الحلّ فأمسكه وهو مُحْرم ، ضمنه ، لأنّ الصيد حرام على الـمُحْرم وإن كان في الحِلّ ، فإن أمسكه حتى حلّ ، جاز له ذبحه ، وفي الضمان إشكال من حيث تعلّقه به بسبب الإِمساك.

مسألة ٢١٦ : مَنْ ملك صيداً في الحِلّ وأدخله الحرم ، وجب عليه‌

____________________

(١) المهذب - للشيرازي - ١ : ٢٥٧ - ٢٥٨ ، المجموع ٩ : ٤٩ ، المغني ٣ : ٢٩٦ و ١١ : ٧٩ ، الشرح الكبير ١١ : ١٠٣ ، وانظر : حلية العلماء ٣ : ٣٢٠.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٦٨ / ١٢٨٣.

(٣) كما في السرائر : ١٣٣.

٢٨٦

إرساله ، وزال ملكه عنه ، ولو تلف في يده أو أتلفه ، كان عليه ضمانه - وبه قال ابن عباس وعائشة وابن عمر وعطاء وطاوس وإسحاق وأحمد وأصحاب الرأي(١) - لأنّ الحرم سبب مُحرِّم للصيد ، ويوجب ضمانه ، فيحرم استدامة إمساكه ، كالإِحرام.

ولأنّ محمد بن مسلم روى - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن ظبي دخل الحرم ، قال : « لا يؤخذ ولا يُمسّ ، إنّ الله تعالى يقول :( وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) »(٢) .

وسأل بكيرُ بن أعين الباقرَعليه‌السلام عن رجل أصاب ظبياً فأدخله الحرم فمات الظبي في الحرم ، فقال : « إن كان حين أدخله خلّى سبيله فلا شي‌ء عليه ، وإن كان أمسكه حتى مات فعليه الفداء »(٣) .

وقال الشافعي : لو أدخل الحرم صيداً مملوكاً له ، كان له أن يمسكه ، ويذبحه كيف شاء ، كالنعم ؛ لأنّه صيد الحِلّ دون الحرم(٤) .

وليس بجيّد.

ولو كان مقصوص الجناح ، أمسكه حتى ينبت ريشه ويُخلّي سبيله ، أو يودعه من ثقة حتى ينبت ريشه ؛ لأنّ حفظه واجب وإنّما يتمّ بذلك.

ولما رواه الحكم بن عتيبة(٥) ، قال : سألت الباقرعليه‌السلام : ما تقول في رجل اُهدي له حمام أهلي - وهو في الحرم - [ من غير الحرم ](٦) ؟ فقال :

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٥٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٧ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٨.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٦٢ / ١٢٥٨ ، والآية ٩٧ من سورة آل عمران.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٦٢ / ١٢٥٩.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٥٠٩ ، المجموع ٧ : ٤٤٢ و ٤٩١ ، المغني ٣ : ٣٥٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٧.

(٥) في النسخ الخطية والحجرية عيينة. وما أثبتناه هو الموافق للمصدر.

(٦) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطية والحجرية : غير المحرم. وما أثبتناه هو الموافق =

٢٨٧

« أمّا إن كان مستوياً خلّيت سبيله ، وإن كان غير ذلك أحسنت إليه حتى إذا استوى ريشه خلّيت سبيله »(١) .

ولأنّ تخليته تتضمّن إتلافه ؛ لأنّه لا يتمكّن من الامتناع عن صغار الحيوان.

مسألة ٢١٧ : حمام الحرم لا يحلّ صيده وإن كان في الحِلّ ؛ لأنّه يصدق عليه أنّه صيد الحرم ، فيدخل تحت قولهعليه‌السلام : ( لا يُنفَّر صيدها )(٢) .

وما رواه علي بن جعفر - في الصحيح - قال : سألت الكاظمعليه‌السلام عن حمام الحرم يصاد في الحِلّ ، فقال : « لا يصاد حمام الحرم حيث كان إذا علم أنّه من حمام الحرم »(٣) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ صيد الحرم يضمنه المسلم والكافر والحُرّ والعبد والكبير والصغير والرجل والمرأة إجماعاً ؛ لأنّ الحرمة تعلّقت بمحلّه بالنسبة إلى الجميع ، فوجب على الجميع ضمانه كالآدمي ، وللعمومات الدالّة عليه.

مسألة ٢١٨ : لو رمى المحلّ من الحِلّ صيداً في الحرم فقتله ، أو أرسل كلبه عليه فقتله ، أو قتل صيداً على فرع شجرة في الحرم أصلها في الحِلّ ، ضمنه في جميع هذه الصُور عند علمائنا أجمع - وبه قال الثوري والشافعي وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي وأحمد في إحدى الروايتين(٤) -

____________________

= للمصدر.

(١) التهذيب ٥ : ٣٤٨ / ١٢٠٧.

(٢) صحيح البخاري ٣ : ١٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٨٨ / ١٣٥٥ ، سنن أبي داود ٢ : ٢١٢ / ٢٠١٧ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٣٨ / ٣١٠٩ ، سنن النسائي ٥ : ٢١١ ، سنن البيهقي ٥ : ١٩٥ ، مسند أحمد ١ : ١١٩ و ٢٥٣.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٤٨ / ١٢٠٩.

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ٣٠٨ - ٣٠٩ و ٣٢٣ و ٣٢٤ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٩ ، المجموع ٧ : ٤٤٤ و ٤٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢١ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٨٥ و ١٠٣ ، بدائع الصنائع =

٢٨٨

لقولهعليه‌السلام : ( لا ينفّر صيدها )(١) ولم يفرّق بين أن يكون المنفّر في الحلّ أو في الحرم.

ولأنّه أصاب الصيد في موضع أمنه.

وقال أحمد في الرواية الثانية : لا ضمان عليه في ذلك كلّه(٢) .

ولو رمى من الحرم صيداً في الحلّ ، أو أرسل كلبه عليه ، ضمنه - وبه قال الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين(٣) - لأنّ الصيد مُحرَّم على مَنْ في الحرم.

ولما رواه مسمع عن الصادقعليه‌السلام في رجل حَلٍّ في الحرم رمى صيداً خارجاً من الحرم فقتله ، فقال : « عليه الجزاء لأنّ الآفة جاءت الصيد من ناحية الحرم »(٤) .

ولقول عليعليه‌السلام وقد سُئل عن شجرة أصلها في الحرم وأغصانها في الحِلّ على غصن منها طير رماه فصرعه ، قال : « عليه جزاؤه إذا كان أصلها في الحرم »(٥) .

وقال أحمد في الرواية الاُخرى : لا ضمان عليه(٦) .

فروع :

أ - لو رمى من الحِلّ الى صيد في الحِلّ ، أو أرسل كلباً في الحِلّ الى صيد في الحِلّ لكن قطع السهمُ في مروره بهذا الحرمَ ، أو تخطّى الكلب طرف‌

____________________

= ٢ : ٢١١ ، المغني ٣ : ٣٥٤ - ٣٥٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٣.

(١) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في الهامش (٢) من ص ٢٨٧.

(٢) المغني ٣ : ٣٥٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٣.

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ٣٢٤ ، المجموع ٧ : ٤٩٧ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٩ ، المغني ٣ : ٣٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٤.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٦٢ / ١٢٥٦.

(٥) الكافي ٤ : ٢٣٨ / ٢٩ ، التهذيب ٥ : ٣٨٦ / ١٣٤٧.

(٦) المغني ٣ : ٣٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٤.

٢٨٩

الحرم ، قال الشيخرحمه‌الله : لا يضمنه - وبه قال أصحاب الرأي وأحمد وأبو ثور وابن المنذر والشافعية في أحد الوجهين(١) - لأصالة البراءة(٢) .

وفي الوجه الثاني : عليه الضمان(٣) .

ب - لو رمى من الحِلّ صيداً في الحِلّ فقتل صيداً في الحرم ، ضمنه ، وبه قال الثوري وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي(٤) ، خلافاً لأبي ثور ؛ فإنّه قال : لا جزاء فيه(٥) .

وهو خطأ ؛ لأنّه قتل صيداً في الحرم.

ج - لو أرسل كلبه على صيد في الحِلّ فدخل الكلب الحرم فقتل صيداً آخر غيره فيه ، فلا ضمان - وبه قال الثوري والشافعي وأبو ثور وأحمد وأصحاب الرأي(٦) - لأنّ الكلب دخل باختيار نفسه لا بإرساله ، فكان كما لو استرسل.

د - لو أرسل كلبه على صيد فدخل الصيد الحرم فتبعه الكلب فقتله في الحرم ، فالأقوى الضمان - وبه قال عطاء وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد(٧) - لأنّه قتل صيداً حرمياً بإرسال كلبه عليه فضمنه ، كما لو قتله بسهمه.

وقال الشافعي : لا ضمان. وبه قال أبو ثور وابن المنذر وأحمد في‌

____________________

(١) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٩٩ ، المغني ٣ : ٣٥٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٢٤ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٩ - ٥١٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٥ ، المجموع ٧ : ٤٤٣‌

(٢) الخلاف ٢ : ٤١٢ ، المسألة ٢٨٨.

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ٣٢٤ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٩ - ٥١٠ ، المهذب - للشيرازي - ١ : ٢٢٥ ، المجموع ٧ : ٤٤٣.

(٤) المغني ٣ : ٣٥٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٥ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٩ ، فتح العزيز ٧ : ٥١٠.

(٥) المغني ٣ : ٣٥٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٥.

(٦) الحاوي الكبير ٤ : ٣٢٤ ، فتح العزيز ٧ : ٥١٠ ، المغني ٣ : ٣٥٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٥.

(٧) المغني ٣ : ٣٥٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٥.

٢٩٠

إحدى الروايتين(١) .

وفي الاُخرى : إن كان الصيد قريباً من الحرم ، ضمنه ، وإن كان بعيداً ، لم يضمنه. وبه قال مالك(٢) .

ه - لا يجوز له أكل الصيد في هذه المواضع أجمع ، سواء ضمنه أو لا ؛ لأنّه صيد حرمي قُتل في الحرم ، فكان ميتةً.

ولو رمى الـمُحلّ صيداً في الحِلّ فجرحه فتحامل الصيد فدخل الحرم فمات فيه ، قال بعض العامّة : يحلّ أكله ولا جزاء فيه ؛ لأنّ الذكاة حصلت في الحِلّ(٣) .

و - لو رمى الى صيد في الحِلّ فمضى الصيد‌ ودخل في الحرم فأصابه السهم ، وجب عليه الضمان.

ز - لو وقف صيد بعض قوائمه في الحِلّ وبعضها في الحرم فقتله قاتل ، ضمنه ، سواء أصاب ما هو في الحِلّ أو الحرم ؛ تغليباً للحرمة ، وبه قال أبو ثور وأصحاب الرأي وأحمد(٤) .

ح - لو نفّر صيداً من الحرم فأصابه شي‌ء حال نفوره ، ضمنه ؛ لأنّه تسبّب إلى إتلافه ، فكان كما لو أتلفه بشَركة(٥) .

ولو سكن من نفوره ثم أصابه شي‌ء ، فلا ضمان ، وهو قول الثوري(٦) .

مسألة ٢١٩ : لو رمى صيداً فجرحه ومضى لوجهه ولم يعلم حياته‌ ولا‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ٣٢٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٥ ، المجموع ٧ : ٤٤٣ ، المغني ٣ : ٣٥٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٥.

(٢) المغني ٣ : ٣٥٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٥ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٤٣٥.

(٣) المغني ٣ : ٣٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٦‌

(٤) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٩٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١١ ، المغني ٣ : ٣٦٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٦.

(٥) الشَّرَك : حبائل الصائد. لسان العرب ١٠ : ١٥٠ « شرك ».

(٦) المغني ٣ : ٣٦٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٦.

٢٩١

موته ، كان عليه الفداء عند علمائنا ؛ تغليباً للإِتلاف عملاً بالسبب ، واحتياطاً للبراءة.

ولأنّ علي بن جعفر سأل أخاه الكاظمعليه‌السلام : عن رجل رمى صيداً وهو مُحْرم ، فكسر يده أو رجله ، فمضى الصيد على وجهه فلم يدر الرجل ما صنع الصيد ، قال : « عليه الفداء كاملاً إذا لم يدر ما صنع الصيد »(١) .

قال الشيخرحمه‌الله : لو رآه بعد كسر يده أو رجله قد رعى وصلح ، وجب عليه ربع الفداء(٢) ؛ لأنّ علي بن جعفر سأل الكاظمعليه‌السلام عن رجل رمى صيداً وهو محرم فكسر يده أو رجله وتركه فرعى الصيد ، قال : « عليه ربع الفداء »(٣) .

مسألة ٢٢٠ : لو كان الصيد يؤمّ الحرم وهو في الحِلّ ، لم يجز للمُحلّ قتله ، قاله الشيخ(٤) رحمه‌الله ؛ لما رواه عقبة بن خالد عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل قضى حجّه ثم أقبل حتى إذا خرج من الحرم فاستقبله صيد قريباً من الحرم والصيد متوجّه نحو الحرم فرماه فقتله ، ما عليه في ذلك شي‌ء؟ قال : « يفديه على نحوه »(٥) .

وقال بعض علمائنا : إنّه مكروه لا محرَّم(٦) ؛ لما رواه عبد الرحمن بن الحجّاج عن الصادقعليه‌السلام ، في الرجل يرمي الصيد وهو يؤمّ الحرم فتصيبه الرمية فيتحامل بها حتى يدخل الحرم فيموت فيه ، قال : « ليس عليه شي‌ء ، إنّما هو بمنزلة رجل نصب شبكة في الحِلّ فوقع فيها صيد فاضطرب حتى دخل‌

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٥٩ / ١٢٤٦.

(٢) النهاية : ٢٢٨ ، المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٤٣ ، التهذيب ٥ : ٣٥٩ ، ذيل الحديث ١٢٤٦.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٥٩ / ١٢٤٧ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٥ / ٦٩٨.

(٤) النهاية : ٢٢٨ ، المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٤٣.

(٥) الكافي ٤ : ٣٩٧ / ٨ ، التهذيب ٥ : ٣٦٠ / ١٢٥١.

(٦) كما في شرائع الإِسلام ١ : ٢٩١.

٢٩٢

الحرم فمات فيه » قلت : هذا عندهم من القياس ، قال : « لا ، إنّما شبّهتُ لك شيئاً بشي‌ء»(١) .

وأمّا الكراهة : فلما رواه ابن أبي عمير - في الصحيح - عن بعض أصحابنا عن الصادقعليه‌السلام ، قال : [ كان ](٢) يكره أن يرمي الصيد وهو يؤمّ الحرم(٣) .

مسألة ٢٢١ : يكره الصيد فيما بين البريد والحرم ، وليس محرّماً ؛ للأصل.

وقال الشيخرحمه‌الله : يحرم ويفديه(٤) ؛ لما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « إذا كنت مُحلاً في الحِلّ فقتلت صيداً فيما بينك وبين البريد الى الحرم ، فإنّ عليك جزاءه ، فإن فقأت عينه أو كسرت قرنه ، تصدّقت بصدقة »(٥) .

و الوجه : حمل الرواية على الاستحباب.

مسألة ٢٢٢ : لو نزع عن جسده قملة فقتلها ، أو رمى بها ، فليطعم مكانها كفّاً من طعام ؛ لأنّ حمّاد بن عيسى سأل الصادقعليه‌السلام عن الـمُحْرم يبين القملة عن جسده فيلقيها ، قال : « يُطعم مكانها طعاماً »(٦) .

وروى حسين بن أبي العلاء عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « الـمُحْرم لا ينزع القملة من جسده ولا من ثوبه متعمّداً ، وإن قتل شيئاً من ذلك خطأً ، فليطعم مكانها طعاماً قبضةً بيده »(٧) .

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٦٠ / ١٢٥٢ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٧ / ٧٠٤.

(٢) أضفناها من المصدر.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٥٩ / ١٢٤٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٦ / ٧٠١.

(٤) النهاية : ٢٢٨ ، التهذيب ٥ : ٣٦١ ذيل الحديث ١٢٥٤.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٦١ / ١٢٥٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٧ / ٧٠٥.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٣٦ / ١١٥٨ ، الاستبصار ٢ : ١٩٦ / ٦٥٩.

(٧) التهذيب ٥ : ٣٣٦ / ١١٦٠ ، الاستبصار ١ : ١٩٦ - ١٩٧ / ٦٦١.

٢٩٣

ويجوز أن يأخذ ما عدا القملة من جسده ، وإن أراد أن يحوّل القملة من مكان الى مكان ، فعل ، وليس عليه شي‌ء ، لقول الصادقعليه‌السلام : « الـمُحْرم يلقي عنه الدواب كلّها إلّا القملة فإنّها من جسده ، وإن أراد أن يحوّل قملة من مكان الى مكان فلا يضرّه »(١) .

ويجوز أن يرمي القُراد(٢) والحَلَم(٣) عن بدنه لأنّ عبد الله بن سنان سأل الصادقعليه‌السلام : إن وجدت عليّ قُراداً أو حَلَمةً أطرحهما؟ قال : « نعم وصغار لهما إنّهما رقيا في غير مرقاهما »(٤) .

ويجوز أن يرمي القراد عن بعيره دون الحلم ؛ لأنّ معاوية بن عمّار قال : « وإن ألقى الـمُحْرم - يعني القُراد - عن بعيره فلا بأس ، ولا يلقي الحَلَمة »(٥) .

مسألة ٢٢٣ : قد بيّنّا أنّه لا يجوز إخراج شي‌ء من الصيد من الحرم.

وقال الشيخرحمه‌الله : يكره شراء القماري وما أشبهها وإخراجها من مكة(٦) .

ومنعه ابن إدريس(٧) ، وهو المعتمد ؛ لأنّ عيص بن القاسم سأل الصادقعليه‌السلام : عن شراء القماري يخرج من مكة والمدينة ، فقال : « ما اُحبّ أن يخرج منها شي‌ء »(٨) .

واعلم أنّ الشيخ -رحمه‌الله - منع من صيد حمام الحرم حيث كان‌

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٣٦ - ٣٣٧ / ١١٦١.

(٢) القُراد : ما يتعلّق بالبعير ونحوه ، وهو كالقمل للإِنسان. مجمع البحرين ٣ : ١٢٧ « قرد ».

(٣) الحَلَم جمع حَلمة ، وهي القراد الضخم. مجمع البحرين ٦ : ٥٠ « حلم ».

(٤) الكافي ٤ : ٣٦٢ / ٤ ، الفقيه ٢ : ٢٢٩ / ١٠٨٥ ، التهذيب ٥ : ٣٣٧ / ١٤٦٢.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٣٨ / ١١٦٧.

(٦) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٤١.

(٧) السرائر : ١٣١.

(٨) الفقيه ٢ : ١٦٨ / ٧٣٤ ، التهذيب ٥ : ٣٤٩ / ١٢١٢ ، وفيه : « منهما » بدل « منها ».

٢٩٤

للمُحلّ والـمُحرم(١) ، وجوّزه ابن إدريس(٢) .

والحقّ ما قاله الشيخ ؛ لأنّ علي بن جعفر سأل أخاه الكاظمعليه‌السلام عن حمام الحرم يصاد في الحِلّ ، فقال : « لا يُصاد حمام الحرم حيث كان إذا علم أنّه من حمام الحرم »(٣) .

إذا ثبت هذا ، فإنّ صيد الحرم يضمن بالدلالة والإِشارة كصيد الإِحرام ، والواجب عليهما جزاء واحد ، وبه قال أحمد(٤) .

ولا فرق بين كون الدالّ في الحِلّ أو الحرم.

وقال بعض العامّة : لا جزاء على الدالّ إذا كان في الحلّ ، والجزاء على المدلول وحده ، كالحلال إذا دلّ مُحرماً على صيد(٥) .

والحقّ ما قلناه ؛ لأنّ قتل الصيد الحرمي حرام على الدالّ ، فيضمنه بالدلالة ، كما لو كان في الحرم ؛ لحقّية أنّ صيد الحرم محرّم على كل واحد ؛ لقولهعليه‌السلام : ( لا يٌنفَّر صيدها )(٦) وهو عامّ في حقّ كلّ واحد.

ولأنّ صيد الحرم معصوم بمحلّه ، فحرم قتله عليهما ، كالملتجئ الى الحرم ، وإذا ثبت تحريمه عليهما ، فيُضمن بالدلالة ممّن يحرم عليه قتله ، كما يُضمن بدلالة الـمُحْرم عليه.

مسألة ٢٢٤ : لا فرق في تحريم الصيد بين الوحشي في أصله إذا استأنس أو بقي على توحّشه ، كما أنّه لا فرق في إباحة الأهلي بين أن يتوحّش أو لا.

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٤١.

(٢) السرائر : ١٣١.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٤٨ / ١٢٠٩.

(٤) المغني ٣ : ٣٥٣ - ٣٥٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٢.

(٥) المغني ٣ : ٣٥٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٢.

(٦) تقدمت الإِشارة إلى مصادره في المسألة ٢١٧.

٢٩٥

ويجب الجزاء في الأول بقسميه عند علمائنا - وبه قال الشافعي(١) - لأنّ الوحشي وإن استأنس لا يخرج عنه حكم توحّشه الأصلي ، كما أنّه لو توحّش إنسي لا يحرم التعرّض له ؛ إبقاءً لحكمه الأصلي.

وقال مالك : لا جزاء في المستأنس(٢) . وليس بجيّد.

ولا فرق في وجوب الجزاء بين أن يكون الصيد مملوكاً لإِنسان أو مباحاً. - إلّا أنّه يجب في المملوك مع الجزاء ما بين قيمته حيّاً ومذبوحاً للمالك - لظاهر القرآن(٣) .

وقال المزني من الشافعية : لا جزاء في الصيد المملوك(٤) . وليس بمعتمد.

إذا ثبت هذا ، فكما يحرم التعرّض للصيد يحرم التعرّض لأجزائه بالجرح والقطع ؛ لأنّ النبيعليه‌السلام قال في الحرم : ( لا ينفّر صيدها )(٥) ومعلوم أنّ الجرح والقطع أعظم من التنفير.

وكذا يحرم بيض الصيد وفرخه ولبنه على ما سيأتي.

البحث الثاني : لبس الثياب المخيطة‌

مسألة ٢٢٥ : يحرم على الـمُحْرم الرجل لُبْس الثياب المخيطة‌ عند علماء الأمصار.

قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أنّ الـمُحْرم ممنوع من لُبْس‌

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٨٥ ، المجموع ٧ : ٢٩٧.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٨٦‌

(٣) المائدة : ٩٥.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٨ ، المجموع ٧ : ٢٩٧.

(٥) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في المسألة ٢١٧.

٢٩٦

القميص والعمامة والسراويل والخُفّ والبُرْنُس(١) (٢) .

لما روى العامّة : أنّ رجلاً سأل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما يلبس الـمُحْرم من الثياب؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( لا يلبس القميص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البَرانس ولا الخِفاف إلّا أحداً لا يجد نعلين فليلبس الخُفّين ، وليقطعهما أسفل من الكعبين ، ولا يلبس من الثياب شيئاً مسّه الزعفران ولا الورس »(٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « لا تلبس وأنت تريد الإِحرام ثوباً تزرّه ولا تدرعه ، ولا تلبس سراويل إلّا أن لا يكون لك إزار ، ولا الخُفّين إلّا أن لا يكون لك نعلان »(٤) .

وقد ألحق أهل العلم بما نصّ النبيعليه‌السلام عليه ما في معناه ، فالجُبّة والدراعة وشبههما ملحق بالقميص ، والتُبّان(٥) والران(٦) وشبههما ملحق بالسراويل ، والقلنسوة وشبهها مُساوٍ للبُرْنس ، والساعدان والقُفّازان(٧) وشبههما مساوية للخُفّين(٨) .

____________________

(١) البُرْنُس : قلنسوة طويلة ، وكان النُسّاك يلبسونها في صدر الإِسلام. الصحاح ٣ : ٩٠٨ « برنس ».

(٢) المغني ٣ : ٢٧٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٠ ، المجموع ٧ : ٢٥٤.

(٣) المغني ٣ : ٢٧٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٠ ، وفي صحيح مسلم ٢ : ٨٣٤ / ١١٧٧ ، وسنن ابن ماجة ٢ : ٩٧٧ / ٢٩٢٩ ، وسنن النسائي ٥ : ١٣١ - ١٣٢ ، والموطّأ ١ : ٣٢٤ - ٣٢٥ / ٨ بتفاوت.

(٤) التهذيب ٥ : ٦٩ - ٧٠ / ٢٢٧.

(٥) التُبّان : سروال صغير مقدار شبر يستر العورة المغلّظة يكون للملّاحين. الصحاح ٥ : ٢٠٨٦ « تبن ».

(٦) الران كالخُفّ إلّا أنه لا قدم له ، وهو أطول من الخُفّ. القاموس المحيط ٤ : ٢٣٠ « رين ».

(٧) القُفّاز : شي‌ء يُعمل لليدين يُحشى بقطن ، ويكون له أزرار تزرّ على الساعدين من البرد ، تلبسه المرأة في يديها ، وهما قُفّازان. الصحاح ٣ : ٨٩٢ « قفز ».

(٨) المعني ٣ : ٢٧٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٠.

٢٩٧

إذا عرفت هذا ، فيحرم لُبْس الثياب المخيطة وغيرها إذا شابهها ، كالدرع المنسوج والمعقود ، كجبة اللّبد والملصق بعضه ببعض ، حملاً على المخيط ؛ لمشابهته إيّاه في المعنى من الترفّه والتنعّم.

مسألة ٢٢٦ : لو لم يجد الإِزار ، لبس السراويل ، وإذا لم يجد النعلين ، لبس الخُفّين بإجماع العلماء ؛ لما رواه العامّة عن ابن عباس ، قال : سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يخطب بعرفات ، يقول : ( مَنْ لم يجد نعلين فليلبس الخُفّين ، ومن لم يجد إزاراً فليلبس سراويل للمُحْرم )(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « لا تلبس سراويل إلاّ أن لا يكون لك إزار »(٢) .

وعن الباقرعليه‌السلام في الـمُحْرم يلبس الخُفّ إذا لم يكن له نعل ، قال : « نعم ، ولكن يشقّ ظهر القدم »(٣) .

إذا عرفت هذا ، فإذا لبس السراويل أو الخُفّ للضرورة ، لم يكن عليه فدية عند علمائنا - وبه قال عطاء وعكرمة والثوري والشافعي وإسحاق(٤) - لأصالة البراءة ، ولتسويغ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله اللُّبس لهما ؛ لأنّه أمر بلُبْسه ولم يذكر فدية.

وقال أبو حنيفة ومالك : على مَنْ لبس السراويل فدية ؛ لورود النهي عن لبسه(٥) ، ولأنّ ما وجبت الفدية بلُبْسه مع وجود الإِزار وجبت مع عدمه‌

____________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ٢٠ ، المغني ٣ : ٢٧٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨١.

(٢) التهذيب ٥ : ٦٩ - ٧٠ / ٢٢٧.

(٣) الفقيه ٢ : ٢١٨ / ٩٩٧.

(٤) المغني ٣ : ٢٧٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨١ ، الحاوي الكبير ٤ : ٩٨ ، الوجيز ١ : ١٢٤ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٥ ، المجموع ٧ : ٢٦٦ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٧.

(٥) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في ص ٢٩٦ ، الهامش (٣)

٢٩٨

كالقميص(١) .

والنهي مخصوص بحديث ابن عباس ، والقميص يمكنه أن يتّزر به من غير لُبْس ويستتر به ، بخلاف السراويل.

مسألة ٢٢٧ : يحرم عليه لبس الخفّين وما يستر ظهر القدم اختيارا ، ويجوز في حال الضرورة ، لما تقدّم من الأحاديث.

وهل يجب عليه شقّهما؟ قال الشيخرحمه‌الله : نعم(٢) . وبه قال عروة ابن الزبير ومالك والثوري والشافعي وإسحاق وابن المنذر وأصحاب الرأي(٣) ؛ لما رواه العامّة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( فإن لم يجد نعلين فليلبس خُفّين وليقطعهما حتى يكونا الى الكعبين )(٤) .

ومن طريق الخاصّة : قول الباقرعليه‌السلام في الـمُحْرم يلبس الخُفّ ، قال : « نعم ولكن يشقّ ظهر القدم »(٥) .

وقال بعض علمائنا : لا يجب شقّهما(٦) . ورواه العامّة عن عليعليه‌السلام (٧) ، وبه قال عطاء وعكرمة وسعيد بن سالم(٨) - وعن أحمد روايتان‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٢٧٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨١ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٧ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٩٧ ، الحاوي الكبير ٤ : ٩٨ ، المجموع ٧ : ٢٦٦ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٣.

(٢) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٢٠ ، الخلاف ٢ : ٢٩٥ ، المسألة ٧٥.

(٣) المغني ٣ : ٢٧٧ - ٢٧٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٢ ، الاُم ٢ : ١٤٧ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٥ ، المجموع ٧ : ٢٦٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٣ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٧ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٩٦.

(٤) المغني ٣ : ٢٧٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٢ ، صحيح البخاري ٣ : ٢٠ - ٢١ ، سنن أبي داود ٢ : ١٦٥ / ١٨٢٣ ، سنن النسائي ٥ : ١٣٥ ، سنن الدار قطني ٢ : ٢٣٠ / ٦٣ ، سنن البيهقي ٥ : ٤٩.

(٥) الفقيه ٢ : ٢١٨ / ٩٩٧.

(٦) ابن إدريس في السرائر : ١٢٧ ، والمحقّق في شرائع الإِسلام ١ : ٢٥٠.

(٧) المغني ٣ : ٢٧٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨١ - ٢٨٢‌

(٨) المغني ٣ : ٢٧٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨١ - ٢٨٢ ، المجموع ٧ : ٢٦٥.

٢٩٩

كالقولين(١) - لما رواه العامّة عن عليعليه‌السلام : « قطع الخفّين فساد يلبسهما كما هُما »(٢) .

ولأنّه ملبوس اُبيح لعدم غيره ، فلا يجب قطعه كالسراويل.

ولأنّ قطعه لا يُخرجه عن حالة الحظر ، فإنّ المقطوع يحرم لُبْسه مع وجود النعل كلُبْس الصحيح.

ولاشتماله على إتلاف ماليّته.

فروع :

أ - لا يجوز له لُبْس المقطوع من الخُفّين مع وجود النعلين ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله شرط في لُبْسهما عدم النعل ، فلو لبسه وجبت الفدية - وبه قال مالك وأحمد(٣) - لأنّه مخيط بعضو على قدره ، فوجب على الـمُحْرم الفدية بلُبْسه كالقُفّازين.

وقال أبو حنيفة : لا فدية عليه - وللشافعي قولان كالمذهبين(٤) - لأنّه لو كان لُبْسهما محرّماً تجب به الفدية لما أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بقطعهما ؛ لعدم [ الفائدة فيه ](٥) (٦) .

والجواب : القطع واللُّبس بعده إنّما يجوز مع عدم النعلين ، فالفائدة سقوط الدم والعقاب مع القطع وعدم النعل.

____________________

(١) المغني ٣ : ٢٧٧ - ٢٧٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨١ - ٢٨٢.

(٢) المغني ٣ : ٢٧٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٢.

(٣) المدوّنة الكبرى ١ : ٤٦٣ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٧ ، المغني ٣ : ٢٧٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٣.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٣ - ٤٥٤ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٧ ، المغني ٣ : ٢٧٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٣‌

(٥) في النسخ الخطية والحجرية : لعدم الفدية ، وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٦) المغني ٣ : ٢٧٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٣ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٧.

٣٠٠

ب - يجوز لُبْس النعل مطلقاً ، ولا يجب قطع شي‌ء منها ، ولا فدية حينئذٍ ؛ لورود الأمر بلُبْسهما مطلقاً ، والأصل عدم التخصيص.

وقال أحمد : يجب قطع القيد في النعل والعقب ، وتجب به الفدية لو لم يقطعهما(١) . وبه قال عطاء(٢) .

ج - لو وجد نعلاً لا يتمكّن من لُبْسه ، لبس الخُفّ ، ولا فدية ؛ لأنّه بتعذّر استعماله أشبه المعدوم ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد ، وفي الثانية : تجب الفدية ؛ لأنّ النبيعليه‌السلام قال : ( مَنْ لم يجد نعلين فليلبس الخُفّين )(٣) وهذا واجد(٤) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ المراد الوجدان مع التمكّن من الاستعمال.

د - الجَوْربان(٥) كالخُفّين في المنع من لُبْسهما مع التمكّن من النعلين ، وجوازه مع عدمه ؛ لأنّه بمعناه.

وروى الحلبي - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « وأيّ مُحْرم هلكت نعلاه فلم يكن له نعلان فله أن يلبس الخُفّين إن اضطرّ الى ذلك ، والجوربين يلبسهما إذا اضطرّ الى لبسهما »(٦) .

ه - ليس للمُحْرم أن يعقد عليه الرداء ولا غيره إلّا الإِزار والهميان ، وليس له أن يجعل لذلك زرّاً ولا عروة ؛ لأنّ يونس بن يعقوب سأل الصادقعليه‌السلام : عن الـمُحْرم يشدّ الهميان وسطه ، فقال : « نعم ، وما خيره بعد نفقته »(٧) .

____________________

(١و٢) المغني ٣ : ٢٨٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٤.

(٣) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في ص ٢٩٧ ، الهامش (١)

(٤) المغني ٣ : ٢٨٠ - ٢٨١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٤ - ٢٨٥.

(٥) الجَوْرَبُ معرّب ، والجمع : الجواربة ، والهاء للعجمة. الصحاح ١ : ٩٩ « جرب ».

(٦) التهذيب ٥ : ٣٨٤ / ١٣٤١.

(٧) الفقيه ٢ : ٢٢١ / ١٠٢٧.

٣٠١

و يجوز له أن يعقد إزاره عليه ؛ لأنّه يحتاج اليه لستر العورة ، فيباح ، كاللباس للمرأة ، ويعقد الهميان.

و - تجب الفدية باللّبس طال الزمان أو قصر‌ - وبه قال الشافعي(١) - لأنّه باشر محظور الإِحرام ، فلزمه الفداء ، كما لو حلق.

وقال أبو حنيفة : إنّما تلزم الفدية التامّة إذا استدام الُّلبْس يوماً كاملاً ، فإن كان أقلّ ، فعليه صدقة(٢) .

ز - تجب الفدية بلُبْس القباء وإن لم يدخل يديه في كُمّيه ، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد(٣) .

وقال أبو حنيفة : لا تجب لو أخرج يديه من كُمّيه(٤) .

ولو ألقى على نفسه قباءً أو فرجياً وهو مضطجع ، قال بعض الشافعية : إن أخذ من بدنه ما إذا قام عُدّ لابسه ، فعليه الفدية ، وإن كان بحيث لو قام أو قعد لم يستمسك عليه إلّا بمزيد أمر فلا(٥) .

مسألة ٢٢٨ : يجوز للمرأة لُبْس المخيط إجماعاً ، لأنّها عورة ، وليست كالرجال.

وكذا يجوز لها أن تلبس الغلالة(٦) إذا كانت حائضا إجماعاً ، لتقي ثيابها‌

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٤٠ - ٤٤١ ، المجموع ٧ : ٢٥٩.

(٢) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢٥ - ١٢٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٨٧ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٤١.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٤١ ، المجموع ٧ : ٢٥٤ و ٢٦٦ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٩٦ ، المغني ٣ : ٢٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٧.

(٤) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢٥ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٨٤ ، فتح العزيز ٧ : ٤٤١ ، المجموع ٧ : ٢٦٦ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٩٦ ، المغني ٣ : ٢٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٧.

(٥) فتح العزيز ٧ : ٤٤١ - ٤٤٢ ، المجموع ٧ : ٢٥٤.

(٦) الغِلالة : ثوب رقيق يُلبس على الجسد تحت الثياب ، تتّقي به الحائض عن التلويث. مجمع =

٣٠٢

من الدم ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « تلبس المرأة الـمُحْرمة الحائض تحت ثيابها غِلالة »(١) .

ولا يجوز للمرأة لُبْس القُفّازين ، ولا لُبْس شي‌ء من الحُلّي ما لم تجر عادتها بلُبْسه قبل الإِحرام.

ولا يجوز لها لبس البُرْقَع ؛ لأنّ الباقرعليه‌السلام كره للمُحْرمة البُرْقع والقُفّازين(٢) .

والمراد بالقفّازين شي‌ء تتّخذه المرأة لليدين يحشى بقطن ، ويكون له أزرار تزرّ على الساعدين من البرد تلبسه المرأة.

وبه قال عليعليه‌السلام ، وعائشة وابن عمر وعطاء وطاوس ومجاهد والنخعي ومالك وأحمد وإسحاق(٣) .

وللشافعي قولان : أحدهما : الجواز(٤) ، وبه قال أبو حنيفة والثوري وسعد بن أبي وقّاص ؛ فإنّه أمر بناته أن يلبسن القُفّازين(٥) .

لما رواه العامّة عن عليعليه‌السلام ، قال : « لا تتنقب المرأةُ الحرامُ ولا تلبس القُفّازين »(٦) .

____________________

= البحرين ٥ : ٤٣٧ « غلل ».

(١) الفقيه ٢ : ٢١٩ / ١٠١١ ، التهذيب ٥ : ٧٦ / ٢٥١.

(٢) الفقيه ٢ : ٢١٩ / ١٠١٢.

(٣) المغني ٣ : ٣١٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٤ ، المجموع ٧ : ٢٦٩ ، المحلّى ٧ : ٨٢ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٨.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٥ ، الوجيز ١ : ١٢٤ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٤ ، المجموع ٧ : ٢٦٣ ، المغني ٣ : ٣١٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣١.

(٥) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢٨ ، المغني ٣ : ٣١٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٤ ، المجموع ٧ : ٢٦٩.

(٦) صحيح البخاري ٣ : ١٩ ، سنن الترمذي ٣ : ١٩٤ - ١٩٥ / ٨٣٣ ، سنن أبي داود ٢ : ١٦٥ / ١٨٢٥ ، سنن النسائي ٥ : ١٣٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٤٦ ، وفيها : ابن عمر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٣٠٣

ومن طريق الخاصّة : ما تقدم(١) .

ويجوز للمرأة أن تلبس الخلخال والـمَسَك بفتح الميم ؛ وهو سِوار من ذَبْلٍ(٢) أو عاجٍ.

فرع : الخنثى المشكل لا يجب عليه اجتناب المخيط ؛ لأصالة البراءة.

مسألة ٢٢٩ : يحرم لُبْس السلاح لغير ضرورة ؛ لما فيه من منافاته للخضوع والتذلّل.

وقيل : يكره(٣) ؛ للأصل.

البحث الثالث : الطيب‌

مسألة ٢٣٠ : يحرم على الـمُحْرم الرجل والمرأة الطيب أكلاً وشمّاً وإطلاءً بإجماع علماء الأمصار ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال في الـمُحْرم الذي وقصت(٤) به ناقته : ( لا تمسّوه بطيب )(٥) ومنع الحيّ لأجل الإِحرام المتحقّق عيناً أولى من الميّت الـمُحْرم وَهْماً.

وما رواه الخاصّة - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « لا يمسّ الـمُحْرم شيئاً من الطيب ولا من الريحان ولا يتلذّذ به ، فمن ابتلى بشي‌ء من ذلك فليتصدّق بقدر ما صنع بقدر شبعه » يعني من الطعام(٦) .

____________________

(١) من حديث الإِمام الباقرعليه‌السلام .

(٢) الذَّبْل : شي‌ء كالعاج ، وهو ظهر السُّلحفاة البحرية ، يتّخذ منه السوار. الصحاح ٤ : ١٧٠١ « ذبل ».

(٣) كما في شرائع الإِسلام ١ : ٢٥١.

(٤) الوَقْص : كسر العنق. النهاية - لابن الأثير - ٥ : ٢١٤ « وقص ».

(٥) صحيح البخاري ٣ : ٢٢ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٦٦ / ٩٩ ، سنن النسائي ٥ : ١٩٥ ، مسند أحمد ١ : ٢١٥.

(٦) التهذيب ٥ : ٢٩٧ / ١٠٠٧ ، الاستبصار ٢ : ١٧٨ / ٥٩١.

٣٠٤

إذا عرفت هذا ، فالـمُحْرم إذا مات وهو محرم ، لا يجوز تغسيله بالكافور ، ولا يحنّط به ولا بغيره من أنواع الطيب.

مسألة ٢٣١ : الطيب ما تطيب رائحته ، ويتّخذ للشمّ ، كالمسك والعنبر والكافور والزعفران وماء الورد ، والأدهان الطيّبة ، كدهن البنفسج والورس ، والمعتبر أن يكون معظم الغرض منه التطيّب ، أو يظهر فيه هذا الغرض.

وقد اختلف علماؤنا في تعميم التحريم وعدمه ، فالمشهور : التعميم ، لما تقدّم.

وللشيخرحمه‌الله قول آخر : إنّ المحرّم إنّما هو المسك والعنبر والعود والكافور والزعفران والوَرْس(١) ، بفتح الواو وسكون الراء ، وهو نبت أحمر قاني يوجد على قشور شجرة يُنحت منها ويُجمع ، وهو يشبه الزعفران المسحوق ، يُجلب من اليمن ، طيّب الريح.

لما روي عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال : « إنّما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء : المسك والعنبر والوَرْس والزعفران غير أنّه يكره للمُحْرم الأدهان الطيّبة الريح »(٢) .

وتُحمل على شدّة التحريم.

إذا عرفت هذا ، فالنبات الطيب أقسامه ثلاثة :

الأول : ما لا ينبت للطيب ولا يُتّخذ منه ، كنبات الصحراء من الشِّيْح والقَيْصُوم والخُزامي والإِذخر والدار صيني والمصطكي والزنجبيل والسعد وحَبَق الماء - بالحاء المفتوحة غير المعجمة ، والباء المنقطعة تحتها نقطة المفتوحة ، والقاف - وهو الحَنْدَقُوقى ، وقيل : الفُوذَنْج(٣) ، والفواكه ، كالتفّاح والسفرجل‌

____________________

(١) النهاية : ٢١٩.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٩٩ / ١٠١٣ ، الاستبصار ٢ : ١٧٩ / ٥٩٦.

(٣) الصحاح ٤ : ١٤٥٥ « حبق ».

٣٠٥

والنارنج والاُتْرُج ، وهذا كلّه ليس بمحرَّم ، ولا تتعلّق به كفّارة إجماعاً.

وكذا ما ينبته الآدميون لغير قصد الطيب ، كالحنّاء والعصفر ، لما روي : أنّ أزواج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كنّ يحرمن في المعصفرات(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « لا بأس أن تشمّ الإذخر والقيصوم والخزامي والشّيح وأشباهه وأنت محرم »(٢) .

وسأل عمّار الساباطي الصادقعليه‌السلام : عن المحرم أيأكل الأترج؟

قال : « نعم » قلت : فإنّ له رائحة طيبة ، فقال : « إنّ الأترج طعام ليس هو من الطيب»(٣) .

وسأل عبد الله بن سنان الصادقعليه‌السلام : عن الحنّاء ، فقال : « إنّ المحرم ليمسّه ويداوي به بعيره ، وما هو بطيب ، وما به بأس »(٤) .

الثاني : ما ينبته الآدميون للطيب ولا يُتّخذ منه طيب ، كالريحان الفارسي والمرزجوش والنرجس والبَرَم ، قال الشيخرحمه‌الله : فهذا لا تتعلّق به كفّارة ، ويكره استعماله(٥) . وبه قال ابن عباس وعثمان بن عفان والحسن ومجاهد وإسحاق ومالك وأبو حنيفة ؛ لأنّه لا يُتّخذ للطيب ، فأشبه العُصْفر(٦) .

وقال الشافعي في الجديد : تجب به الفدية ، ويكون محرّماً. وبه قال جابر وابن عمر وأبو ثور - وفي القديم : لا تتعلّق به الفدية ؛ لأنّها لا تبقى لها‌

____________________

(١) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٢٩٧ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٩١ ، وفي الطبقات الكبرى - لابن سعد - ٨ : ٧٢ : يحججن ، بدل يحرمن.

(٢) الكافي ٤ : ٣٥٥ / ١٤ ، الفقيه ٢ : ٢٢٥ / ١٠٥٧ ، التهذيب ٥ : ٣٠٥ / ١٠٤١.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٠٦ / ١٠٤٣ ، الإستبصار ٢ : ١٨٣ / ٦٠٧.

(٤) الكافي ٤ : ٣٥٦ / ١٨ ، الفقيه ٢ : ٢٢٤ / ١٠٥٢ ، التهذيب ٥ : ٣٠٠ / ١٠١٩ ، الاستبصار ٢ : ١٨١ / ٦٠٠.

(٥) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٥٢.

(٦) المغني ٣ : ٢٩٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩١ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩١ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢٣.

٣٠٦

رائحة إذا جفّت(١) ، وعن أحمد روايتان(٢) - لأنّه يُتّخذ للطيب ، فأشبه الورد(٣) .

الثالث : ما يُقصد شمّه ويُتّخذ منه الطيب ، كالياسمين والورد والنيلوفر.

والظاهر أنّ هذا يحرم شمّه ، وتجب منه الفدية - وبه قال الشافعي(٤) - لأنّ الفدية تجب فيما يُتّخذ منه ، فكذا في أصله.

وقال مالك وأبو حنيفة : لا تجب(٥) .

مسألة ٢٣٢ : ما يُطلب للتطيّب واتّخاذ الطيب منه حرام ، كالزعفران وإن كان يُقصد للصبغ والتداوي ، وكذا الوَرْس.

وما يُطلب للأكل أو التداوي غالباً لا يحرم ، كالقَرَنْفُل والسنبل والدار صيني وسائر الأبازير الطيّبة.

وفي البنفسج للشافعي قولان :

أحدهما : أنّه ليس بطيب ؛ لأنّ الغرض منه التداوي.

والثاني : أنّه طيب(٦) .

وقيل في الجمع : إنّه أراد بالأول الجافّ ، فإنّه حينئذٍ لا يصلح إلّا للتداوي(٧) .

وقيل : أراد بنفسج الشام والعراق ؛ فإنّه لا يتطيّب به(٨) .

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٥٧ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٦ ، المجموع ٧ : ٢٧٨.

(٢) المغني ٣ : ٢٩٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩١.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٦ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٧ ، المجموع ٧ : ٢٧٨ ، المغني ٣ : ٢٩٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩١.

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ١٠٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٦ ، المجموع ٧ : ٢٧٧.

(٥) انظر : المدوّنة الكبرى ١ : ٤٥٦ ، وحلية العلماء ٣ : ٢٩٠.

(٦) الاُم ٢ : ١٥٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٠٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٦ ، المجموع ٧ : ٢٧٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩٠.

(٧ و ٨) فتح العزيز ٧ : ٤٥٧.

٣٠٧

وقيل : أراد المربي بالسكر(١) .

وفي النيلوفر له قولان(٢) .

والريحان طيب عند بعض الشافعية(٣) .

والحِنّاء ليس بطيب ، ولا يجب على المـُحْرم باستعماله فدية ، ولا يحرم استعماله بل يكره للزينة - وبه قال الشافعي(٤) - لما رواه العامّة : أنّ أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كُنّ يختضبن بالحِنّاء(٥) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « إنّه ليس بطيب ، وإنّ المـُحْرم ليمسّه ويداوي به بعيره »(٦) .

وقال أبو حنيفة : يحرم وتجب به الفدية(٧) ؛ لقول النبيعليه‌السلام لاُمّ سلمة : ( لا تطيبي وأنت مُحْرمة ، ولا تمسّي الحِنّاء فإنّه طيب )(٨) .

ولأنّ له رائحة مستلذّة ، فأشبه الوَرْس.

والرواية ضعيفة رواها ابن لهيعة وهو ضعيف ، وروى غيره : ( لا تمسّي‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ١٠٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٦ ، المجموع ٧ : ٢٧٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٧.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٦ ، المجموع ٧ : ٢٧٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩٠.

(٣) الْأُم ٢ : ١٥٢ ، المجموع ٧ : ٢٧٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٧.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٦ ، المجموع ٧ : ٢٨٢ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩١ ، المغني ٣ : ٣١٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٤.

(٥) أورده ابن سعد في الطبقات ٨ : ٧٢ ، وأبو إسحاق الشيرازي في المهذّب ١ : ٢١٦ ، وابنا قدامة في المغني ٣ : ٣١٧ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٣٤.

(٦) الكافي ٤ : ٣٥٦ / ١٨ ، الفقيه ٢ : ٢٢٤ / ١٠٥٢ ، التهذيب ٥ : ٣٠٠ / ١٠١٩ ، الاستبصار ٢ : ١٨١ / ٦٠٠ بتفاوت.

(٧) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢٥ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩١ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩١ ، المجموع ٧ : ٢٨٢.

(٨) المعجم الكبير - للطبراني - ٢٣ : ٤١٨ / ١٠١٢.

٣٠٨

الحِنّاء فإنّه خضاب )(١) .

وينتقض القياس بالفواكه.

والعُصْفر ليس بطيب ، ويجوز للمُحْرم لُبْس المعصفر ، ولا فدية فيه - وبه قال الشافعي وأحمد(٢) - لأنّ النبيعليه‌السلام سوّغ لبس المـُعَصْفر(٣) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه علي بن جعفر - في الصحيح - عن أخيه الكاظمعليه‌السلام ، قال : سألته يلبس المـُحْرم الثوب المشبع بالعُصْفر؟ فقال : « إذا لم يكن فيه طيب فلا بأس به »(٤) .

وقال أبو حنيفة : العُصْفر طيب تجب به الفدية ، قياساً على الوَرْس(٥) .

ونمنع الإِلحاق.

ولا بأس بخَلُوق الكعبة وشمّ رائحته ، سواء كان عالماً أو جاهلاً ، عامداً أو ناسياً ؛ لأصالة البراءة.

ولما رواه حمّاد بن عثمان - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، أنّه سأله عن خَلُوق الكعبة وخَلُوق القبر يكون في ثوب الإِحرام ، فقال : « لا بأس به هُما طهوران »(٦) .

وقال الشافعي : إن جهل أنّه طيب فبان طيباً رطباً ، فإن غسله في الحال ، وإلّا وجبت الفدية، وإن علمه طيباً فوضع يده عليه يعتقده يابساً فبان رطباً ،

____________________

(١) المعجم الكبير - للطبراني - ٢٣ : ٤١٩ / ١٠١٣ وفيه : ( لا تمتشطي بالحِنّاء ).

(٢) الحاوي الكبير ٤ : ١١١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩٠ ، المجموع ٧ : ٢٨٢ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢٦ ، المغني ٣ : ٣٠٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩١.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ١٦٦ / ١٨٢٧ ، سنن البيهقي ٥ : ٤٧ و ٥٢.

(٤) التهذيب ٥ : ٦٧ / ٢١٧ ، الاستبصار ٢ : ١٦٥ / ٥٤٠.

(٥) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٨٩ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩٠ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٧.

(٦) التهذيب ٥ : ٢٩٩ / ١٠١٦.

٣٠٩

فقولان ؛ لأنّه مسّ طيباً ، فوجبت الفدية(١) .

والملازمة ممنوعة ؛ لأنّ هذا الموضع ممّا تمسّ الحاجة إلى الدخول إليه ، وربما حصل زحام.

مسألة ٢٣٣ : يحرم لُبْس الثوب مسّه طيب ، ذهب اليه علماء الأمصار ؛ لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ( لا تلبسوا شيئاً من الثياب مسّه الزعفران ولا الوَرْس )(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « لا تمسّ الريحان وأنت مُحْرم ولا تمسّ شيئاً فيه زعفران ، ولا تأكل طعاماً فيه زعفران ، ولا ترتمس في ماء يدخل فيه رأسك »(٣) .

إذا ثبت هذا ، فلا فرق بين صبغ الثوب بالطيب وغمسه فيه وتبخيره به.

وكذا لا يجوز افتراشه والنوم عليه والجلوس ، فمتى لبسه أو نام عليه ، وجبت الفدية - وبه قال الشافعي وأحمد(٤) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن لُبْس ما مسّه الزعفران(٥) ، ولم يُفرّق بين الرطب واليابس ، ولا بين ما ينفض وما لا ينفض.

وقال أبو حنيفة : إن كان رطباً يلي بدنه أو يابساً ينفض ، فعليه الفدية ، وإلّا فلا ؛ لأنّه غير مستعمل لجرم الطيب في بدنه ، فلا فدية عليه ، كما لو‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ١١٣ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦١ - ٤٦٢ ، المجموع ٧ : ٢٧٢.

(٢) صحيح البخاري ٣ : ١٩ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٣٤ / ١١٧٧ ، سنن الترمذي ٣ : ١٩٥ / ٨٣٣ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٧٧ / ٢٩٢٩ ، الموطّأ ١ : ٣٢٥ / ٨ ، سنن البيهقي ٥ : ٤٩.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٠٧ / ١٠٤٨.

(٤) الوجيز ١ : ١٢٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦١ ، المجموع ٧ : ٢٧٢ ، المغني ٣ : ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٨.

(٥) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في الهامش (٢)

٣١٠

جلس عند العطّارين(١) .

والفرق : أنّ الجلوس ليس بتطيّب.

فروع :

أ - لو غسل الثوب حتى ذهب الطيب ، جاز لبُسْه إجماعاً.

ولأنّ الصادقعليه‌السلام سُئل عن الثوب للمُحرم يصيبه الزعفران ثم يغسل ، فقال : « لا بأس به إذا ذهب »(٢) .

ب - لو انقطعت رائحة الطيب لطول الزمان عليه ، أو صُبغ بغيره بحيث لا تظهر له رائحة إذا رشّ بالماء ، جاز استعماله - وبه قال سعيد بن المسيّب والحسن البصري والنخعي والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي(٣) - لزوال الرائحة المقتضية للتحريم.

وكرهه مالك(٤) .

ج - لو فرش فوق الثوب المطيّب ثوباً يمنع الرائحة والمباشرة ، فلا فدية بالجلوس عليه والنوم‌. ولو كان الحائل ثياب نومه ، فالوجه : المنع ؛ لأنّه كما مُنع من استعمال الطيب في بدنه مُنع من استعماله في ثوبه.

د - لو أصاب ثوبه طيب ، وجب عليه غسله أو نزعه ، فلو كان معه من الماء ما لا يكفيه لغسل الطيب وطهارته ، غسل به الطيب ؛ لأنّ للوضوء بدلاً.

ه- - لو جعل الطيب في خرقة وشمّها ، وجب عليه الفداء ؛ للعمومات.

وقال الشافعي : لا فدية عليه(٥) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٨.

(٢) الفقيه ٢ : ٢١٦ / ٩٨٨ ، التهذيب ٥ : ٦٨ / ٢٢٠.

(٣) المغني ٣ : ٢٩٩ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٩ ، المجموع ٧ : ٢٧٣.

(٤) المدوّنة الكبرى ١ : ٣٦٢ ، المغني ٣ : ٢٩٩.

(٥) الْأُم ٢ : ١٥٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ١١٢ - ١١٣.

٣١١

مسألة ٢٣٤ : يكره له الجلوس عند العطّارين ، ويُمسك على أنفه لو جاز في زُقاق العطّارين ، ولا يقبض على أنفه من الرائحة الكريهة ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « وأمسك على أنفك من الريح الطيّبة ولا تُمسك من الريح النتنة »(١) .

ويجوز الجلوس عند الكعبة وهي تُجمّر ، وبه قال الشافعي(٢) .

ولا يجوز الجلوس عند رجل متطيّب ولا في سوق العطّارين ؛ لأنّه يشمّ الطيب حينئذٍ.

وقال الشافعي : إن جلس لحاجة أو غرض غير الطيب ، كره ، وإن جلس لشمّ الطيب ، فقولان :

أحدهما : الجواز من غير كراهة ، كالجلوس الى الكعبة.

والثاني : الكراهة(٣) .

قال الشيخرحمه‌الله : لو كان الطيب يابساً مسحوقاً ، فإن علق ببدنه منه شي‌ء ، فعليه الفدية ، وإن لم يعلق بحال ، فلا فدية ، وإن كان يابساً غير مسحوق ، فإن علق ببدنه رائحته ، فعليه الفدية.

وقال الشافعي : إن علق به رائحة ، فقولان(٤) .

قال الشيخرحمه‌الله : لو مسّ طيباً ذاكراً لإِحرامه ، عالماً بالتحريم ، رطباً ، كالمسك والغالية والكافور المبلول بماء ورد وشبهه ، فعليه الفدية في أيّ موضع كان من بدنه ، وكذا لو تسعّطه أو حقن. وبه قال الشافعي.

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٩٧ - ١٠٠٦ ، الاستبصار ٢ : ١٧٨ - ٥٩٠.

(٢) مختصر المزني : ٦٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ١١٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٧ ، المجموع ٧ : ٢٧٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٠.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٦٠ ، المجموع ٧ : ٢٧١.

(٤) الخلاف ٢ : ٣٠٦ ، المسألة ٩٤ ، وراجع : الوجيز ١ : ١٢٥ ، وفتح العزيز ٧ : ٤٦٠ ، والمهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٧ ، والمجموع ٧ : ٢٧٢.

٣١٢

وقال أبو حنيفة : لو ابتلع الطيب فلا فدية عليه.

وكذا لو حشا جرحه بطيب(١) .

ولو داس بنعله طيباً فعلق بنعله ، فإن تعمّد ذلك ، وجبت الفدية ؛ لأنّه مستعمل للطيب ، كما لو علق بثوبه ، وإن لم يتعمّد ، لم يكن عليه شي‌ء.

ولو اضطرّ المـُحْرم الى سعوط فيه مسك ، جاز له التسعّط به ؛ للرواية(٢) .

ولو لم تكن ضرورة ، فالوجه : المنع ، ووجوب الفدية ، وبه قال الشافعي(٣) . وكذا لو احتقن به ، خلافاً لأبي حنيفة(٤) .

مسألة ٢٣٥ : يحرم على المـُحْرم أكل ما فيه طيب عمداً ، وتجب به الفدية على جميع الأحوال عند علمائنا أجمع ؛ لعموم الأخبار الدالّة على المنع من أكل طعام فيه طيب أو شربه واستعمال الطيب مطلقاً.

وقول الصادقعليه‌السلام : « واتّق الطيب في زادك »(٥) .

وقول الباقرعليه‌السلام : « مَنْ أكل زعفراناً متعمّداً أو طعاماً فيه طيب فعليه دم ، وإن كان ناسياً فلا شي‌ء عليه ويستغفر الله ويتوب اليه »(٦) .

وقال مالك : إن مسّته النار ، فلا فدية - وهو قول أصحاب الرأي(٧) - لأنّه استحال بالطبخ عن كونه طيباً ، فيكون سائغاً ، سواء بقيت أوصافه أو لم تبق(٨) .

____________________

(١) الخلاف ٢ : ٣٠٦ ، المسألة ٩٣ ، وراجع : الأُم ٢ : ١٥٢ ، وفتح العزيز ٧ : ٤٥٩ و ٤٦٠ ، والمجموع ٧ : ٢٧٠ - ٢٧١.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٢٤ - ١٠٥٤.

(٣) الْأُم ٢ : ١٥٢ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٠ ، المجموع ٧ : ٢٧١.

(٤) انظر : فتح العزيز ٧ : ٤٦٠.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٩٧ / ١٠٠٦ ، الاستبصار ٢ : ١٧٨ / ٥٩٠.

(٦) الكافي ٤ : ٣٥٤ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٢٣ / ١٠٤٦.

(٧ و ٨) المغني ٣ : ٣٠٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٩ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٠٤ ، المدوّنة =

٣١٣

وليس بجيّد ؛ لأنّ الترفّه والاستمتاع حاصل من حيث المباشرة ، فأشبه ما لو كان نيئاً.

مسألة ٢٣٦ : لو طيّب بعض العضو كان كما لو طيّب كلّه ، ويجب الفداء عند علمائنا ، وبه قال الشافعي(١) .

وقال أبو حنيفة : إن طيّب جميع العضو كالرأس واليد ، وجبت الفدية التامّة ، وإلّا فلا ، بل يجب صدقة لو طيّب بعض العضو(٢) .

لنا : أنّه مُسْتعمِل للطيب ، فدخل تحت عموم النهي.

وكذا البحث في اللُّبْس لو لبس بعض العضو أو غطّى بعض رأسه كان كما لو ستر الجميع.

ولو اضطرّ الى أكل طعام فيه طيب أو مسّه ، أكل أو لَمَس وقَبَض على أنفه ، للضرورة ، ولا شي‌ء عليه.

ويجوز له شراء الطيب إجماعاً ، لأنّه غير المنهي عنه فيبقى على الإِباحة الأصلية.

وكذا يشتري المخيط والجواري ؛ لأنّه غير الاستمتاع بهما ، بخلاف النكاح الذي لا يقصد به إلّا الاستمتاع ، فلهذا مُنع منه.

وكما يُمنع المـُحْرم من ابتداء الطيب كذا يُمنع من استدامته ، سواء صبغ ثوبه به ، كالمـُمْسَك والمـُزعفَر والمـُعنبَر ، أو غمسه فيه ، كما لو غمسه في ماء الورد وماء الكافور ، أو بجرّه به ، كالندّ(٣) والعود.

____________________

= الكبرى ١ : ٤٥٧ ، الموطأ ١ : ٣٣٠ ذيل الحديث ٢١ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩١ ، حلية العلماء ٣ : ٢٨٩.

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٦٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩١ ، المجموع ٧ : ٢٧٠ - ٢٧١ ، المغني ٣ : ٥٣٣.

(٢) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢٢ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٨٩ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٠ ، المغني ٣ : ٥٣٣.

(٣) الندّ : ضرب من الطيب يدخّن به. لسان العرب ٣ : ٤٢١ « ندد ».

٣١٤

ولو غمس ثوبه في ماء الفواكه الطيّبة ، كالاُتْرُج والتفّاح وشبهه ، لم يكن به بأس.

قال الشيخرحمه‌الله : يستحب للمُحْرم إذا نسي وتطيّب أن يكلّف مُحلاً غسْله ، ولا يباشره بنفسه ، فإن باشره بنفسه ، فلا شي‌ء عليه(١) . وهو جيّد.

مسألة ٢٣٧ : لو أكل طعاماً فيه زعفران أو طيب آخر ، أو استعمل مخلوطاً بالطيب في غير الأكل ، فإن استهلك الطيب فيه فلم يبق له ريح ولا طعم ولا لون ، فالأقرب أنّه لا فدية فيه ، وبه قال الشافعي(٢) .

وإن ظهرت هذه الأوصاف فيه ، وجبت الفدية قطعاً.

وإن بقيت الرائحة وحدها ، فكذلك ؛ لأنّها الغرض الأعظم من الطيب.

وإن بقي اللون وحده ، فطريقان للشافعية ، أحدهما : أنّ المسألة على قولين : أظهرهما : أنّه لا تجب فدية ؛ لأنّ اللون ليس بمقصود أصلي.

الطريق الثاني : القطع بعدم وجوب الفدية.

ولو بقي الطعم وحده ، فطريقان : أظهرهما : أنّه كالريح ، والثاني : أنّه كاللون(٣) .

ولو أكل الجلنجبين(٤) ، نُظر في استهلاك الورد فيه وعدمه.

ولو خفيت رائحة الطيب أو الثوب المطيّب بمرور الزمان عليه أو بغبار وغيره ، قال الشافعي : إن كان بحيث لو أصابه الماء فاحت الرائحة منه ، لم يجز استعماله ، فان بقي اللون ، فوجهان مبنيّان على الخلاف المذكور في أنّ اللون هل يعتبر؟ والصحيح عندهم : أنّه لا يعتبر(٥) .

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٥٢.

(٢) الأُم ٢ : ١٥٢ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٨ ، المجموع ٧ : ٢٧٣.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٥٨ - ٤٥٩ ، المجموع ٧ : ٢٧٣.

(٤) في « ف ، ن » : الجكنجبين.

(٥) فتح العزيز ٧ : ٤٥٩ ، المجموع ٧ : ٢٧٣.

٣١٥

ولو مزج ماء ورد بماء مطلق فذهبت رائحته ، فقولان :

أحدهما : تجب الفدية باستعماله ؛ للعلم بوصول الطيب اليه.

والثاني - وهو الأصحّ عندهم - : لا تجب الفدية ؛ لفوات مقصود الطيب(١) .

مسألة ٢٣٨ : استعمال الطيب عبارة عن شمّه أو إلصاق الطيب بالبدن‌ أو الثوب أو نشبت(٢) الرائحة بإحداهما قصداً للعرف ، فلو تحقّق الريح دون العين بجلوسه في حانوت عطّار أو في بيت يجمّره ساكنوه ، وجبت الفدية إن قصد تعلّق الرائحة به ، وإلّا فلا.

والشافعي أطلق القول بعدم وجوب الفدية(٣) .

ولو احتوى على مجمرة ، لزمت الفدية عندنا وعنده(٤) أيضاً.

وقال أبو حنيفة : لا تجب الفدية(٥) .

ولو مسّ جرم العود فلم تعبق(٦) به رائحته ، فلا فدية.

وللشافعي قولان(٧) .

ولو حمل مسكاً في فأرة مصمومة الرأس ، فلا فدية إذا لم يشمّها ، وبه قال الشافعي(٨) .

ولو كانت غير مصمومة ، فللشافعية وجهان(٩) .

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٥٩ ، المجموع ٧ : ٢٧٣.

(٢) نشب الشي‌ء في الشي‌ء : علق فيه. الصحاح ١ : ٢٢٤ « نشب ».

(٣) الْأُم ٢ : ١٥٢ ، الوجيز ١ : ١٢٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٠ ، المجموع ٧ : ٢٧١.

(٤) الوجيز ١ : ١٢٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٠ ، المجموع ٧ : ٢٧١.

(٥) فتح العزيز ٧ : ٤٦٠.

(٦) عبق : لزم ، لزق. لسان العرب ١٠ : ٢٣٤ « عبق ».

(٧) الوجيز ١ : ١٢٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٠.

(٨) الوجيز ١ : ١٢٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٠ ، المجموع ٧ : ٢٧٢.

(٩) الوجيز ١ : ١٢٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦١.

٣١٦

وقال بعضهم : إنّ حمل الفأرة تطيّب(١) .

ولو جعل الطيب المسحوق في خرقة وشمّها ، فعليه الفداء.

وقال الشافعي : لا فدية عليه ، ولا يكون محرّماً(٢) .

ولو طيّب فراشه ونام عليه ، حرم ، ولزمه الفداء.

ولا فرق بين أن يتّفق الإِلصاق بظاهر البدن أو داخله ، كما لو أكله أو احتقن به أو تسعّط.

وللشافعية قول آخر : إنّه لا تجب الفدية في الحقنة والسعوط(٣) .

ولو مسّ طيباً فلم يعبق ببدنه شي‌ء من جرمه ولكن عبقت به الرائحة ، لزمه الفداء - وهو أحد قولي الشافعي(٤) - لأنّ المقصود الرائحة وقد حصلت.

والثاني : لا تجب ؛ لأنّ الرائحة قد تحصل بالمجاورة(٥) .

ولو لم تعبق به الرائحة ، فلا شي‌ء عليه.

ولو شدّ المسك أو العنبر أو الكافور في طرف ثوبه ، أو وضعته المرأة في جيبها ، أو لبست الحليّ المحشوّ به ، وجبت الفدية.

ولو شمّ الورد فقد تطيّب به ، وكذا لو شمّ ماء الورد.

وقال الشافعي : لا يجب بشمّ ماء الورد شي‌ء إلاّ أن يصبّه على بدنه أو ثوبه ، لأنّ الطريق فيه الصبّ على الثوب أو البدن(٦) .

ولو داس بنعله طيبا ، لزمته الفدية - وبه قال الشافعي(٧) - لأنّها ملبوسة له بحال.

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٦١.

(٢) الحاوي الكبير ٤ : ١١٢ - ١١٣ ، والْأُم ٢ : ١٥٢.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٦٠ ، المجموع ٧ : ٢٧١.

(٤ و٥ ) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٧ ، المجموع ٧ : ٢٧٢ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٠.

(٦) فتح العزيز ٧ : ٤٦٠ ، المجموع ٧ : ٢٧٢.

(٧) فتح العزيز ٧ : ٤٦١ ، المجموع ٧ : ٢٧٣.

٣١٧

ولو نام أو جلس على أرض أو فراش مطيّبين ، فإن فرش فوقهما ثوباً وإن كان رقيقاً ، فلا بأس إذا لم يشمّ طيبهما وإلّا فلا.

مسألة ٢٣٩ : إنّما يحرم استعمال الطيب مع القصد ، فلو تطيّب ناسياً أو جاهلاً بكونه طيباً أو بكون الطيب محرّماً ، فلا فدية - وبه قال الشافعي(١) - كما لو تكلّم في الصلاة ناسياً أو أكل في رمضان.

وقال أبو حنيفة ومالك والمزني : تجب الفدية على الناسي والجاهل(٢) .

وعن أحمد روايتان(٣) .

ولو علم أنّه طيب ولم يعلم أنّه يعبق ، لزمته الفدية.

ولو علم تحريم الاستعمال وجهل وجوب الفدية ، وجبت الفدية ، لأنّه إذا علم التحريم ، كان حقّه الامتناع.

ولو علم تحريم الطيب وجهل كون الممسوس طيباً ، لم تجب الفدية - وهو قول أكثر الشافعية(٤) - لأنّه إذا جهل كون الشي‌ء طيباً فقد جهل تحريم استعماله.

وحكى الجويني وجهاً آخر : أنّه تجب الفدية(٥) .

ولو مسّ طيباً رطباً وهو يظنّ أنّه يابس لا يعلق شي‌ء منه به ، فالأقرب عدم الفدية - وهو أحد قولي الشافعي(٦) - لأنّ جهله برطوبته كجهله بكونه طيباً.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٠ ، المجموع ٧ : ٣٤٠ و ٣٤٣ ، الوجيز ١ : ١٢٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦١ ، مختصر المزني : ٦٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٠ ، صحيح مسلم بشرح النووي هامش إرشاد الساري ٥ : ١٨٦.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٦١ ، المجموع ٧ : ٣٤٠ و ٣٤٣ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٣٨٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٠ ، صحيح مسلم بشرح النووي هامش إرشاد الساري ٥ : ١٨٦.

(٣) المغني ٣ : ٥٣٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥٤ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦١ ، المجموع ٧ : ٣٤٣ ، صحيح مسلم بشرح النووي هامش إرشاد الساري ٥ : ٣٤٠.

(٤ و ٥ ) فتح العزيز ٧ : ٤٦١ ، المجموع ٧ : ٣٤٠.

(٦) فتح العزيز ٧ : ٤٦١ - ٤٦٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٠ ، المجموع ٧ : ٣٤٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠١.

٣١٨

والثاني : تجب الفدية ؛ لأنّه قصد الطيب مع العلم بكونه طيباً(١) .

وقال الشيخرحمه‌الله : لو كان الطيب يابساً مسحوقاً ، فإن علق بيده شي‌ء منه ، فعليه الفدية ، وإن لم يعلق بحال ، فلا فدية ، ولو كان يابساً غير مسحوق ، كالعود والعنبر والكافور ، فإن علق بيده رائحته ، فعليه الفدية ؛ للاحتياط وعموم الأخبار(٢) . وهو جيّد.

مسألة ٢٤٠ : لو لصق الطيب ببدنه أو ثوبه على وجه لا يوجب الفدية‌ بأن كان يابساً أو ألقته الريح ، وجب عليه المبادرة إلى غسله أو تنحيته أو معالجته بما يقطع رائحته ، ويأمر غيره بإزالة ذلك عنه.

ولو باشره بنفسه ، فالأقرب أنّه لا يضرّه ؛ لأنّه قصد الإِزالة.

فإن أخّره قادراً ولم يُزله مع الإِمكان ، وجب الفداء.

ولو كان زمناً لا يقدر على إزالته أو مكتوفاً لا يتمكّن ، فلا فدية.

ولو اكره على التطيّب ، فلا فدية.

ولو اُكره على التطيّب ، فلا فدية.

ولا خلاف بين أهل العلم في تحريم لُبْس ثوب فيه طيب من وَرْس أو زعفران وغيرهما مع رطوبته أو تبخيره به ، فكلّ ما صُبغ بزعفران أو وَرْس ، أو غُمس في ماء ورد أو بُخّر بعود ، فليس للمُحْرم لُبْسه ولا الجلوس عليه ولا النوم عليه ؛ لأنّه استعمال له ، فأشبه لُبْسه ، ومتى لبسه أو استعمله ، فعليه الفداء ، وبه قال الشافعي وأحمد(٣) .

وقال أبو حنيفة : إن كان رطباً يلي بدنه أو يابساً ينفض ، فعليه الفدية ،

____________________

= حلية العلماء ٣ : ٣٠١

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٦٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٠ ، المجموع ٧ : ٣٤٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠١.

(٢) الخلاف ٢ : ٣٠٦ ، المسألة ٩٤.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٦١ ، المجموع ٧ : ٢٧٢ ، المغني ٣ : ٢٩٨ - ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٨.

٣١٩

وإلّا فلا ؛ لأنّه ليس بمتطيّب(١) .

وهو خطأ ؛ لأنّه مُحْرم استعمل ثوباً مطيّباً ، فلزمته الفدية ، كالرطب.

فإن غسله حتى ذهب ما فيه من الطيب ، فلا بأس به بإجماع العلماء.

ولو انقطعت رائحة الثوب لطول الزمن عليه ، أو لكونه صُبغ بغيره فغلب عليه بحيث لا تفوح له رائحة إذا رشّ فيه الماء ، فلا بأس باستعماله ؛ لزوال الطيب منه ، وبه قال سعيد بن المسيّب والنخعي والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ، وهو مروي عن عطاء وطاوس(٢) .

وكره ذلك مالك إلّا أن يغسل ويذهب لونه ؛ لأنّ عين الزعفران ونحوه موجودة فيه(٣) .

وليس بجيّد ، لأنّه إنّما نهي عنه لأجل رائحته والتلذّذ به وقد ذهبت بالكلّية.

ولو لم تكن له رائحة في الحال لكن كان بحيث لو رشّ فيه ماء فاح ريحه ، ففيه الفدية ؛ لأنّه متطيّب ؛ لأنّ رائحته تظهر عند رشّ الماء فيه ، والماء لا رائحة له ، وإنّما هي من الصبغ الذي فيه.

ولو فرش فوق الثوب ثوباً صفيقاً يمنع الرائحة والمباشرة ، فلا فدية عليه بالجلوس والنوم عليه.

ولو كان الحائل بينهما ثياب بدنه ، وجب الفداء ؛ لأنّه ممنوع من استعمال الطيب في الثوب الذي عليه ، كما مُنع من استعماله في بدنه.

ولا بأس بالثوب المـُعَصْفر - وهو المصبوغ بالعُصْفُر - للرواية(٤) ، خلافاً

____________________

(١) المغني ٣ : ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٨.

(٢) المغني ٣ : ٢٩٩ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٩.

(٣) المغني ٣ : ٢٩٩ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٣٦٢.

(٤) التهذيب ٥ : ٦٧ / ٢١٧ ، الاستبصار ٢ : ١٦٥ / ٥٤٠.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481