تذكرة الفقهاء الجزء ٧

تذكرة الفقهاء16%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-007-2
الصفحات: 481

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 481 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 169723 / تحميل: 5806
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٧

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٠٠٧-٢
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

للثوري وأبي حنيفة ومحمد بن الحسن(١) .

وكذا لا بأس بالممشق وهو المصبوغ بالمشق وهو المصبوغ بالمغرة ؛ لأنّه مصبوغ بطين لا بطيب ، وكذا المصبوغ بسائر الأصباغ سوى ما ذكرنا وإن كان السواد مكروهاً ؛ لأصالة الإِباحة إلّا ما ورد الشرع بتحريمه ، أو كان في معناه.

وأمّا المصبوغ بالرياحين فهو مبني على الرياحين في نفسها ، فما مُنع المـُحْرم من استعماله مُنع من المصبوغ به إذا ظهرت رائحته ، وإلّا فلا.

مسألة ٢٤١ : لو مات المـُحْرم ، لم يجز تغسيله بالكافور‌ - وهو إجماع - للأحاديث الدالّة عليه من طُرق العامّة(٢) والخاصّة :

روى محمّد بن مسلم - في الصحيح - عن الباقرعليه‌السلام : عن المـُحْرم إذا مات كيف يصنع به؟ قال : « يغطّى وجهه ، ويصنع به كما يصنع بالحلال غير أنّه لا يقربه طيباً »(٣) .

البحث الرابع : الادّهان‌

مسألة ٢٤٢ : الدهن ضربان : طيب وغير طيب.

فالطيب : البنفسج والورد والنيلوفر والبان(٤) وما في معناه ، ولا خلاف أنّ فيه الفدية على أيّ وجه استعمله.

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٠٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٣ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٨٥.

(٢) راجع : صحيح البخاري ٢ : ٩٦ و ٣ : ٢٢ ، وصحيح مسلم ٢ : ٨٦٥ / ٩٤ ، وسنن النسائي ٥ : ١٩٦ ، وسنن البيهقي ٥ : ٥٣ و ٧٠.

(٣) التهذيب ١ : ٣٣٠ / ٩٦٥ عن الإِمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام ، وفيه : « لا يقرب طيباً ».

(٤) البان : ضرب من الشجر ، طيّب الزَّهْر ، واحدتها : بأنه ، ومنه دهن البان. لسان العرب ١٣ : ٦١ ، الصحاح ٥ : ٢٠٨١ « بون ».

٣٢١

وأمّا غير الطيب مثل الشيرج والزبد والسمن فيجوز أكله إجماعاً.

قال الشيخرحمه‌الله : ولا يجوز الادّهان به على وجه ، وأمّا وجوب الكفّارة بالادّهان فلَسْتُ أعرف به نصّاً ، والأصل براءة الذمّة.

ثم قال : وقد اختلف الناس على أربعة مذاهب :

فقال أبو حنيفة : فيه الفدية على كلّ حال إلّا أن يداوي به جرحه أو شقوق رجليه.

وقال الحسن بن صالح بن حي : لا فدية فيه بحال.

وقال الشافعي : فيه الفدية في الرأس واللحية ، ولا فدية فيما عداهما ؛ ( لما فيه من ترجيل الشعر وتزيينه ، والمـُحْرم منعوت بالشّعث المعتاد له.

ولو كان أقرع أو أصلع فدهن رأسه ، أو أمرد فدهن ذقنه ، فلا فدية عليه عنده ؛ إذ ليس فيه تزيين شعر.

ولو كان محلوق الرأس ، فوجهان.

ولو كان في رأسه شجّه فجعل الدهن في داخلها ، فلا شي‌ء عليه )(١) .

وقال مالك : إن دهن به ظاهر بدنه ، ففيه الفدية ، وإن كان في بواطن بدنه ، فلا فدية.

واستدلّ -رحمه‌الله - على مذهبه : بأصالة براءة الذمّة.

وبما رواه العامّة عن ابن عمر : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ادّهن - وهو مُحْرم - بزيت(٢) (٣) .

____________________

(١) ما بين القوسين ليس في الخلاف.

(٢) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٣٠ / ٣٠٨٣ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٩٤ / ٩٦٢ ، مسند أحمد ٢ : ٥٩.

(٣) الخلاف ٢ : ٣٠٣ - ٣٠٤ ، المسألة ٩٠ ، وراجع : بدائع الصنائع ٢ : ١٩٠ ، والمبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢٢ ، والهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦٠ ، والوجيز ١ : ١٢٥ ، وفتح العزيز ٧ : ٤٦٢ ، والمهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٧ ، والمجموع ٧ : ٢٧٩ و ٢٨٢ ، والحاوي الكبير ٤ : ١٠٩ و ١١٠.

٣٢٢

إذا عرفت هذا ، فنقول : الدهن الطيب كدهن الورد والبنفسج والنيلوفر يحرم الادّهان به ، وبه قال الأوزاعي وأحمد(١) .

وكره مالك وأبو ثور وأصحاب الرأي الادّهان بدهن البنفسج(٢) .

وقال الشافعي : ليس بطيب(٣) .

وهو غلط ؛ لأنّه يتّخذ للطيب ، وتُقصد رائحته ، فكان طيباً ، كماء الورد.

وأمّا ما لا طيب فيه كالزيت والشيرج والسمن والشحم ودهن البان الساذج : فالمشهور عند علمائنا تحريم الادّهان به بعد الإِحرام اختياراً ، وذهب العامّة إلى جوازه.

قال ابن المنذر : أجمع عوام أهل العلم على أنّ للمُحْرم أن يدّهن بدنه بالشحم والزيت والسمن(٤) .

ونقل بعض العامّة جواز ذلك عن ابن عباس وأبي ذر والأسود بن يزيد وعطاء والضحّاك وغيرهم(٥) .

وقال عطاء ومالك والشافعي وأبو ثور وأحمد في رواية ، وأصحاب الرأي : لا يدّهن المـُحْرم رأسه بالزيت الذي يؤكل ؛ لأنّه يُزيل الشَّعَث ويُرجّل الشعر ويُحسّنه(٦) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٠٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٩.

(٢) المدوّنة الكبرى ١ : ٤٥٦ ، المغني ٣ : ٣٠٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٩.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٦ ، المجموع ٧ : ٢٧٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٨ ، المغني ٣ : ٣٠٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٩.

(٤) المغني ٣ : ٣٠٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩٢ ، المجموع ٧ : ٢٨٣.

(٥) المغني ٣ : ٣٠٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩٢.

(٦) المدوّنة الكبرى ١ : ٤٥٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٢ ، المجموع ٧ : ٢٧٩ و ٢٨٢ ، المغني ٣ : ٣٠٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩٢ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢٢ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦٠.

٣٢٣

وأجمعوا على إباحة استعماله في اليدين ، وإنّما الكراهة عندهم في الرأس خاصّة ؛ لأنّه محلّ الشعر(١) .

لنا : ما رواه العامّة عن ابن عمر أنّه صدع وهو مُحْرم ، فقالوا : ألا ندّهنك بالسمن؟ فقال : لا، قالوا : أليس تأكله؟ قال : ليس أكله كالادّهان به(٢) .

وعن مجاهد : إن تداوى به ، فعليه الكفّارة(٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « ولا تمسّ شيئاً من الطيب ولا من الدهن في إحرامك »(٤) .

وقالعليه‌السلام : « وادّهن بما شئت من الدهن حيت تريد أن تحرم ، فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن »(٥) .

ولو ادّهن بالدهن الطيب قبل الإِحرام ، فإن كانت رائحته تبقى إلى بعد الإِحرام ، فَعَل حراماً ، ولو ذهبت رائحته بعد الإِحرام أو ادّهن قبله بما ليس بطيب ، فإنّه جائز إجماعاً.

مسألة ٢٤٣ : لو اضطرّ إلى استعمال الأدهان الطيّبة حالة الإِحرام ، جاز له استعماله ، وتجب الفدية ؛ لما رواه الشيخ - في الصحيح - عن معاوية ابن عمّار : في مُحْرم كانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج ، قال : « إن كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين ، وإن كان تعمّد فعليه دم شاة يهريقه »(٦) .

ويجوز استعمال ما ليس بطيب بعد الإِحرام اضطراراً إجماعاً ، ولا فدية ؛ لأصالة البراءة.

____________________

(١ - ٣) المغني ٣ : ٣٠٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩٢.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٩٧ / ١٠٠٦ ، الاستبصار ٢ : ١٧٨ / ٥٩٠.

(٥) الكافي ٤ : ٣٢٩ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٠٣ / ١٠٣٢ ، الاستبصار ٢ : ١٨١ - ١٨٢ / ٦٠٣.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٠٤ / ١٠٣٨.

٣٢٤

ولما رواه هشام بن سالم - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « إذا خرج بالمـُحْرم الخراج(١) أو الدمل فليُبطّه(٢) وليداوه بسمن أو زيت »(٣) .

البحث الخامس : الاكتحال بما فيه طيب‌

مسألة ٢٤٤ : أجمع علماؤنا على أنّه لا يجوز للمُحْرم أن يكتحل بكحل فيه طيب ، سواء كان رجلاً أو امرأة ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حرّم استعمال الطيب(٤) ، وهو قول كلّ من حرّم استعمال الطيب ، وتجب به الفدية كما قلنا في الطيب ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « لا يكحل المـُحْرم عينيه بكُحْل فيه زعفران ، وليكحلها بكُحْل فارسي »(٥) .

إذا عرفت هذا ، فلا يجوز أن يكتحل للزينة ؛ لما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « لا بأس بأن تكتحل وأنت محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه ، فأمّا للزينة فلا »(٦) .

مسألة ٢٤٥ : لا يجوز للمُحْرم أن يكتحل بالسواد ، سواء كان رجلاً أو امرأةً ، إلّا عند الضرورة ، ويجوز لهما أن يكتحلا بما عداه من الأكحال إلّا إذا‌

____________________

(١) الخراج : القروح. القاموس المحيط ١ : ١٨٥ « خرج ».

(٢) بطّ الجرح : شقّه. القاموس المحيط ٢ : ٣٥١ « بطّ ».

(٣) الفقيه ٢ : ٢٢٢ / ١٠٤٠ ، التهذيب ٥ : ٣٠٤ / ١٠٣٦.

(٤) انظر : صحيح مسلم ٢ : ٨٦٦ / ٩٩ ، وصحيح البخاري ٢ : ٩٦ و ٣ : ٢٢ ، وسنن النسائي ٥ : ١٩٦ ، وسنن البيهقي ٥ : ٧٠ ، ومسند أحمد ١ : ٢١٥ ، وفيها تصريح بتحريم الطيب للميّت المـُحْرم. فللمُحْرم الحيّ أولى كما ذكره ابنا قدامة في المغني ٣ : ٢٩٦ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٨٨.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٠١ / ١٠٢٧.

(٦) الكافي ٤ : ٣٥٧ ذيل الحديث ٥ ، التهذيب ٥ : ٣٠٢ / ١٠٢٨.

٣٢٥

كان فيه طيب ، فإنّه لا يجوز على حال ، وبه قال الشافعي(١) .

وقال أبو حنيفة : يجوز الاكتحال بما فيه طيب(٢) .

وكره عطاء والحسن البصري ومجاهد الاكتحال بالإِثْمد(٣) .

وروي عن ابن عمر أنّه قال : يكتحل المـُحْرم بكلّ كُحْل ليس فيه طيب(٤) .

قال مالك : لا بأس أن يكتحل المـُحْرم من حَرٍّ يجده في عينيه بالإِثمد وغيره(٥) .

وعن أحمد أنّه قال : يكتحل المـُحْرم ما لم يُرْد به الزينة ، قيل له : الرجال والنساء ، قال : نعم(٦) .

لنا على المنع من الأسود كالإِثْمد وشبهه : ما رواه العامّة : أنّ عليّاًعليه‌السلام قدم من اليمن فوجد فاطمةعليها‌السلام ممّن حلّ ، فلبست ثياباً صبيغاً واكتحلت ، فأنكر ذلك عليها ، فقالت : ( أبي أمرني بهذا ) فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( صَدَقَتْ صَدَقَتْ )(٧) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « لا يكتحل الرجل والمرأة المـُحْرمان بالكُحْل الأسود إلّا من علّة »(٨) .

____________________

(١) مختصر المزني : ٦٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٢١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٣ ، المجموع ٧ : ٣٥٣.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٦٣.

(٣) المغني ٣ : ٣١٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٢.

(٤) المغني ٣ : ٣١٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٢ ، المجموع ٧ : ٣٥٤.

(٥) المدوّنة الكبرى ١ : ٤٥٧ ، المغني ٣ : ٣١٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٢.

(٦) المغني ٣ : ٣١٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٢.

(٧) صحيح مسلم ٢ : ٨٨٨ / ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٤ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٤ / ٣٠٧٤ ، سنن النسائي ٥ : ١٤٤ ، المغني ٣ : ٣١٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٢.

(٨) التهذيب ٥ : ٣٠١ / ١٠٢٣.

٣٢٦

ولقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( الحاج أشعث أغبر )(١) وهو ينافي الاكتحال.

مسألة ٢٤٦ : لو اكتحل الرجل والمرأة بالإِثْمد أو الأسود ، فَعَلا محرّماً عند أكثر علمائنا(٢) ، ولا تجب به الفدية ، عملاً بأصالة البراءة السالم عن معارضٍ من نصٍّ أو غيره.

قال الشافعي : إن فَعَلا ، فلا أعلم عليهما فيه فدية بشي‌ء(٣) .

ولا خلاف في زوال التحريم مع الضرورة.

ولا يجوز الاكتحال بما فيه زينة ، لقول الصادقعليه‌السلام : « تكتحل المرأة [ المـُحرمة ](٤) بالكُحْل كلّه إلّا كحلاً أسود للزينة »(٥) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « لا تكتحل المرأة المـُحْرمة بالسواد ، إنّ السواد زينة »(٦) . وهو يدلّ على التعليل ، فيطّرد الحكم باطّرادها.

وقال الشافعي : يحرم الاكتحال بما فيه طيب - خلافاً لأبي حنيفة(٧) - وما لا طيب فيه يجوز الاكتحال به. نَقَله المزني(٨) .

وله قول آخر : إنّه يكره(٩) .

____________________

(١) أورده الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣١٣ ذيل المسألة ١٠٦.

(٢) منهم : الشيخ المفيد في المقنعة : ٦٨ ، والشيخ الطوسي في النهاية : ٢٢٠ ، والمبسوط ١ : ٣٢١ ، وسلّار في المراسم : ١٠٦ ، وابن إدريس في السرائر : ١٢٨.

(٣) الْأُمّ ٢ : ١٥٠ ، المجموع ٧ : ٣٥٣ - ٣٥٤ ، المغني ٣ : ٣١٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٢.

(٤) أضفناها من المصدر.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٠١ / ١٠٢٤.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٠١ / ١٠٢٥.

(٧) فتح العزيز ٧ : ٤٦٣.

(٨) فتح العزيز ٧ : ٤٦٣ ، مختصر المزني : ٦٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٢١ ، المجموع ٧ : ٣٥٣.

(٩) فتح العزيز ٧ : ٤٦٣ ، المجموع ٧ : ٣٥٣.

٣٢٧

وتوسّط آخرون من أصحابه : إن لم يكن فيه زينة كالتوتيا الأبيض ، لم يكره ، وإن كان فيه زينة كالإِثْمد ، كره ، إلّا لحاجة الرَّمَد(١) .

البحث السادس : النظر في المرآة‌

مسألة ٢٤٧ : اختلف علماؤنا في تحريم النظر في المرآة على المـُحرم ، فقال بعضهم بالتحريم(٢) ، وبعضهم بالكراهة(٣) .

واحتجّ الأوّل : بما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( المـُحْرم الأشعث الأغبر )(٤) .

وفي آخر : ( إنّ الله يباهي بأهل عرفة ملائكته فيقول : يا ملائكتي انظروا إلى عبادي قد أتوني شعثاً غبراً ضاحين )(٥) (٦) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه حمّاد - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « لا تنظر في المرآة للزينة »(٧) .

واحتجّ الآخرون : بأصالة الإِباحة.

وقال أحمد : لا ينظر في المرآة لإِزالة شعث أو تسوية شعر أو شي‌ء من‌

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٦٣ ، المجموع ٧ : ٣٥٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٢١.

(٢) كالشيخ المفيد في المقنعة : ٦٢ ، والشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٣٢١ ، والنهاية : ٢٢٠ ، وأبي الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ٢٠٣ ، وابن إدريس في السرائر : ١٢٨.

(٣) كالشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣١٩ ، المسألة ١١٩ ، وابن حمزة في الوسيلة : ١٦٤ ، والمحقّق في المختصر النافع : ٨٥.

(٤) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٣٠٣ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٣٤.

(٥) أي : بارزين ، من قولك : ضحيت للشمس : إذا برزت لها. الصحاح ٦ : ٢٤٠٧ « ضحا ».

(٦) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٣٠٣ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٢٤ ، وفي سنن البيهقي ٥ : ٥٨ نحوه.

(٧) التهذيب ٥ : ٣٠٢ / ١٠٢٩ ، وفيه : « لا تنظر في المرآة وأنت مُحْرم فإنّها من الزينة ».

٣٢٨

الزينة ، فإن نظر لحاجة كمداواة جرح أو إزالة شعر ينبت في عينيه وغير ذلك ممّا أباح الشرع له فِعْلَه ، فلا بأس ، وعلى كلّ حال لا فدية فيه(١) .

البحث السابع : لُبْس الحُليّ للزينة‌

مسألة ٢٤٨ : لا يجوز للمرأة في حال الإِحرام لُبْس الحُليّ للزينة‌ وما لم تعتد لُبْسه في حال الإِحرام ؛ لقول الصادقعليه‌السلام في المـُحْرمة : « إنّها تلبس الحُليّ كلّه إلّا حُليّاً مشهوراً للزينة »(٢) .

وسأل يعقوبُ بن شعيب الصادقَعليه‌السلام عن المرأة تلبس الحُليّ ، قال : « تلبس المـَسَك والخلخالين »(٣) .

ومنع أحمد بن حنبل من الخلخال وما أشبهه من الحُليّ ، مثل : السوار والدُّمْلج(٤) .

وروي عن عطاء أنّه كان يكره للمُحْرمة الحرير والحُليّ(٥) .

وكرهه الثوري وأبو ثور(٦) .

وعن قتادة أنّه كان لا يرى بأساً أن تلبس المرأة الخاتم والقرط(٧) وهي محرمة ، وكره السوارين والدُّمْلجين والخلخالين(٨) .

وظاهر مذهب أحمد : الجواز ، وهو قول ابن عمر وعائشة وأصحاب الرأي ، لأنّ عائشة قالت : تلبس المـُحْرمة ما تلبس وهي حلال من خزّها وقزّها وحُليّها ، وعلى كلّ حال لا فدية فيه عند أحمد(٩) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٠٣ - ٣٠٤.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٢٠ / ١٠١٦ ، التهذيب ٥ : ٧٥ - ٧٦ / ٢٤٩ ، الاستبصار ٢ : ٣١٠ / ١١٠٥.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٢٠ / ١٠١٩.

(٤ - ٦ ) المغني ٣ : ٣١٥ - ٣١٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣١ - ٣٣٢.

(٧) القرط : نوع من حُليّ الاُذن. لسان العرب ٧ : ٣٧٤ « قرط ».

(٨ و ٩ ) المغني ٣ : ٣١٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٢.

٣٢٩

وأمّا لُبْس القُفّازين ففيه الفدية عنده(١) ، وكذا عندنا ؛ لأنّها لبست ما نُهيت عن لُبْسه في الإِحرام ، فلزمتها الفدية ، كالنقاب ، وقد قال الصادقعليه‌السلام : « تلبس المرأة المـُحْرمة الحُليّ كلّه إلّا القُرْط المشهور والقلادة المشهورة »(٢) .

مسألة ٢٤٩ : الحُليّ الذي تعتاد المرأة لُبْسه في الإِحلال يجوز لها لُبْسه في الإِحرام إذا لم تُظهره للزوج ؛ لما فيه من جذب الشهوة إلى إيقاع المنهيّ عنه.

ولما رواه عبد الرحمن بن الحجّاج - في الصحيح - أنّه سأل أبا الحسنعليه‌السلام : عن المرأة يكون عليها الحُليّ والخلخال والمسكة والقرطان من الذهب والورق تحرم فيه وهو عليها وقد كانت تلبسه في بيتها قبل حجّها أتنزعه إذا أحرمت أو تتركه على حاله؟ قال : « تحرم فيه وتلبسه من غير أن تظهره للرجال في مركبها ومسيرها »(٣) .

مسألة ٢٥٠ : لا يجوز للمُحْرم أن يلبس الخاتم للزينة ، ويستحب للسنّة ؛ لأنّ الروايات الدالّة على تحريم لُبْس الحُليّ للزينة والاكتحال بالسواد للزينة والنظر في المرآة للزينة دلّت بمفهومها على تعليل الحرمة بالزينة ، فتثبت في لُبْس الخاتم ؛ لوجود العلّة.

ولأنّ مسمعاً سأل الصادقعليه‌السلام : أيلبس المـُحْرم الخاتم؟ قال : « لا يلبسه للزينة »(٤) .

وأمّا استحبابه للسنّة : فلأنّ محمد بن إسماعيل قال : رأيت العبد‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٣١٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٢.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٢٠ / ١٠١٤.

(٣) الكافي ٤ : ٣٤٥ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٧٥ / ٢٤٨ ، الاستبصار ٢ : ٣١٠ / ١١٠٤.

(٤) التهذيب ٥ : ٧٣ / ٢٤٢ ، الاستبصار ٢ : ١٦٥ - ١٦٦ / ٥٤٤.

٣٣٠

الصالحعليه‌السلام وهو مُحْرم وعليه خاتم وهو يطوف طواف الفريضة(١) .

إذا عرفت هذا ، فإنّه يجوز للمرأة لُبْس الخاتم من الذهب ؛ للأصل.

ولأنّه يجوز لها لُبْسه حالة الإِحلال ، فيستصحب الحكم ما لم تقصد به الزينة.

ولما رواه عمّار عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « تلبس المـُحْرمة الخاتم من الذهب »(٢) .

إذا عرفت هذا ، فيجوز أن تلبس المرأة الحرير حالة الإِحرام على كراهية ، ولا يكره الذهب والخزّ ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « لا بأس أن تُحْرم المرأة في الذهب والخزّ ، وليس يكره إلّا الحرير المحض »(٣) .

البحث الثامن : تغطية الرأس‌

مسألة ٢٥١ : يحرم على الرجل حالة الإِحرام تغطية رأسه اختيارا‌ً بإجماع العلماء ؛ لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه نهى عن العمائم والبرانس(٤) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه زرارة - في الصحيح - عن الباقرعليه‌السلام ، قال : قلت له : الرجل المـُحْرم يريد أن ينام يغطّي وجهه من الذباب؟ قال : « نعم ولا يخمّر رأسه »(٥) .

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٧٣ / ٢٤١ ، الاستبصار ٢ : ١٦٥ / ٥٤٣.

(٢) التهذيب ٥ : ٧٦ / ٢٥٠.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٢٠ / ١٠٢٠.

(٤) الموطّأ ١ : ٣٢٥ / ٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٦٥ / ١٨٢٣ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٧٧ / ٢٩٢٩ ، سنن الترمذي ٣ : ١٩٤ - ١٩٥ / ٨٣٣ ، سنن النسائي ٥ : ١٣٢ و ١٣٣ ، سنن البيهقي ٥ : ٤٩.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٠٧ / ١٠٥١ ، الاستبصار ٢ : ١٨٤ / ٦١٤.

٣٣١

إذا عرفت هذا ، فإنّه لا فرق بين أن يستر رأسه بمخيط ، كالقلنسوة ، أو بغير مخيط ، كالعمامة والإِزار والخرقة وكلّ ما يعدّ ساتراً ، وإذا ستر ، لزمه الفداء ؛ لأنّه باشر محظوراً ، كما لو حلق ، وإذا غطّى رأسه ، ألقى الغطاء واجباً ، وجدّد التلبية مستحبّاً.

ولو توسّد بوسادة فلا بأس ، وكذا لو توسّد بعمامة مكورة(١) ؛ لأنّ المتوسّد يطلق عليه عرفاً أنّه مكشوف الرأس.

ولا فرق في التحريم بين تغطية الرأس بالمعتاد ، كالعمامة والقلنسوة ، أو بغيره ، كالزنبيل والقرطاس ، أو خضب رأسه بحنّاء ، أو طيّنه بطين ، أو حمل على رأسه متاعاً أو مكتلاً أو طبقاً ونحوه عند علمائنا.

وذكر الشافعي عن عطاء أنّه لا بأس به ، ولم يعترض عليه(٢) .

وهو يُشعر بموافقته ؛ إذ من عادته الردّ على المذهب الذي لا يرتضيه.

وقال ابن المنذر وجماعة من الشافعية : إنّه نصّ في بعض كتبه على وجوب الفدية(٣) ، فبعض الشافعية قطع بالأول ولم يُثبت الثاني(٤) ، وبعضهم قال : إنّ في المسألة قولين(٥) .

ووافقنا أبو حنيفة(٦) على التحريم ووجوب الفدية ؛ لأنّه غطّى رأسه بما يستره ، فوجبت الفدية ، كغيره.

احتجّ الآخرون : بأنّه قصد نقل المتاع لا تغطية الرأس.

ولو ستر رأسه بيديه ، فلا شي‌ء عليه ؛ لأنّ الستر بما هو متّصل به لا يثبت له حكم الستر. وكذا لو وضع يديه على فرجه ، لم يجزئه في الستر.

____________________

(١) كَوْر العمامة : إدارتها على الرأس. لسان العرب ٥ : ١٥٥ « كور ».

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٣٥ ، المجموع ٧ : ٢٥٣.

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ١٠٢ ، فتح العزيز ٧ : ٤٣٥ ، المجموع ٧ : ٢٥٣.

(٤ و ٥) فتح العزيز ٧ : ٤٣٥ ، المجموع ٧ : ٢٥٢ - ٢٥٣.

(٦) انظر : فتح العزيز ٧ : ٤٣٥.

٣٣٢

ولأنّ المـُحْرم مأمور بمسح رأسه ، وذلك يكون بوضع يده عليه.

وجوّز الحنابلة للمُحْرم أن يطلي رأسه بالعسل أو الصمغ ؛ ليجتمع الشعر ويتلبّد ، فلا يتخلّله الغبار ، ولا يصيبه الشَّعَث ، ولا يقع فيه الدبيب ؛ لما رواه ابن عمر ، قال : رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يُهلّ ملبّداً(١) (٢) .

مسألة ٢٥٢ : يحرم عليه أن يرتمس في الماء بحيث يعلو الماء على رأسه‌ - وبه قال مالك(٣) - لأنّه مشتمل على تغطية الرأس.

ولما رواه عبد الله بن سنان - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « ولا ترتمس في ماء يدخل فيه رأسك »(٤) .

وفي الصحيح عن حريز عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « لا يرتمس المـُحرم في الماء »(٥) .

ويجوز أن يغسل رأسه ويفيض عليه الماء إجماعاً ؛ لأنّه لا يطلق عليه اسم التغطية ، وليس هو في معناها ، كالارتماس.

ولما رواه حريز - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « إذا اغتسل المـُحْرم من الجنابة صبّ على رأسه الماء يميّز الشعر بأنامله بعضه من بعض »(٦) .

وكذا يجوز للمُحْرم أن يدلك رأسه ويحكّه بيده ؛ لأنّ زرارة سأله عن المـُحْرم هل يحكّ رأسه أو يغسله بالماء؟ فقال : « يحكّ رأسه ما لم يتعمّد قتل دابّة »(٧) .

____________________

(١) سنن النسائي ٥ : ١٣٦.

(٢) المغني ٣ : ٣٠٩ - ٣١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٨.

(٣) المنتقى - للباجي - ٢ : ١٩٥.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٠٧ / ١٠٤٨.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٢٦ / ١٠٦٤ ، التهذيب ٥ : ٣٠٧ / ١٠٤٩.

(٦) التهذيب ٥ : ٣١٣ - ٣١٤ / ١٠٨٠.

(٧) الكافي ٤ : ٣٦٦ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٢٣٠ / ١٠٩٢.

٣٣٣

ولا يحلّ للمُحْرم أن يضع الطيب في رأسه بحيث يبقى إلى بعد الإِحرام ؛ لما تقدّم من تحريم استعمال الطيب.

وخالف فيه الجمهور(١) .

ولو خضب رأسه ، وجبت الفدية ، سواء كان الخضاب ثخيناً أو رقيقاً ؛ لأنّه ساتر ، وبه قال الشافعي(٢) .

وفصّل أصحابه بين الثخين والرقيق ، فأوجبوا الفدية في الأول دون الثاني(٣) .

وليس بمعتمد.

وكذا لو وضع عليه مرهماً له جرم يستر رأسه.

ولو طلى رأسه بعسل أو لبن ثخين فكذلك ، خلافاً للشافعي(٤) .

ولو طيّن رأسه ، وجبت الفدية عندنا.

وللشافعية وجهان كالوجهين فيما إذا طلى بالطين عورته وصلّى هل تجزئه؟(٥) .

مسألة ٢٥٣ : لا يشترط في وجوب الفدية استيعاب الرأس بالستر ، بل تجب الفدية بستر بعض الرأس كما تجب بستر جميعه ، لأنّ المنع من تغطية الجميع يقتضي المنع من تغطية بعضه ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( لا تخمّروا رأسه )(٦) والنهي عنه يُحرّم فِعْلَ بعضه.

____________________

(١) المغني ٣ : ٣١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٩.

(٢) المغني ٣ : ٣٠٨ - ٣٠٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٦.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٣٦ - ٤٣٧ ، المجموع ٧ : ٢٥٣.

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ١١٠.

(٥) فتح العزيز ٧ : ٤٣٦ ، المجموع ٧ : ٢٥٣.

(٦) صحيح البخاري ٢ : ٩٦ و ٣ : ٢٢ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٨٥ - ٦٨٦ / ٩٣ و ٩٤ و ٩٦ و ٩٨ و ٩٩ ، سنن النسائي ٥ : ١٩٦ و ١٩٧ ، سنن البيهقي ٥ : ٧٠ ، مسند أحمد ١ : ٢١٥.

٣٣٤

وكذلك لمـّا قال تعالى :( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ ) (١) حرم حلق بعضه.

ولا فرق بين أن يكون ذلك لعذر أو لغير عذر ، فإنّ العذر لا يُسقط الفدية ، كما قال تعالى :( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ ) (٢) .

ولو افتقر إلى تعصيب الرأس بعصابة ، جاز عند الحاجة - وبه قال عطاء(٣) - لأنّه في محلّ الحاجة والضرورة ، وقد قال تعالى :( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (٤) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « لا بأس أن يعصب المـُحْرم رأسه من الصداع »(٥) .

وسأل محمّدُ بن مسلم الصادقعليه‌السلام : عن المحرم يضع عصام(٦) القربة على رأسه إذا استقى ، فقال : « نعم »(٧) .

واختلفت العامّة في الاُذنين هل يحرم سترهما؟ فنصّ الشافعي على تسويغه(٨) .

ومنع أحمد منه(٩) ؛ لما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : ( الاُذنان من الرأس )(١٠) .

____________________

(١ و ٢ ) البقرة : ١٩٦.

(٣) المغني ٣ : ٣٠٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٦.

(٤) الحج : ٧٨.

(٥) الكافي ٤ : ٣٥٩ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٠٨ - ٣٠٩ / ١٠٥٦.

(٦) العصام : رباط القِرْبة وسيرها الذي تُحمل به. الصحاح ٥ : ١٩٨٧ « عصم ».

(٧) الفقيه ٢ : ٢٢١ / ١٠٢٤.

(٨ و ٩ ) المغني ٣ : ٣٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٦.

(١٠) سنن أبي داود ١ : ٣٣ / ١٣٤ ، سنن الترمذي ١ : ٥٣ / ٣٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٥٢ / ٤٤٣ - ٤٤٥ ، سنن البيهقي ١ : ٦٦ و ٦٧ ، سنن الدار قطني ١ : ٩٧ / ١ - ٣ ، مسند أحمد ٥ : ٢٦٤ و ٢٦٨.

٣٣٥

ولو ستر بعض رأسه بيده ففي التحريم إشكال.

وجوّزه العامّة ؛ لأنّ الستر بما هو متّصل به لا يثبت له حكم الستر(١) .

وسأل سعيدُ الأعرج الصادقَعليه‌السلام عن المحرم يستتر من الشمس بعود أو بيده ، فقال : « لا ، إلّا من علّة »(٢) .

مسألة ٢٥٤ : لو غطّى رأسه ناسياً ، ألقى الغطاء وجوباً ، وجدّد التلبية استحباباً ، ولا شي‌ء عليه.

أمّا وجوب الإِلقاء : فلأنّ استدامة التغطية مع الذكر كابتدائها ؛ لما فيه من الترفّه ، بل هو في الاستدامة أقوى منه في الابتداء ، فإيجاب الفدية فيه أولى.

وأمّا استحباب التلبية : فلأنّ حريز بن عبد الله سأل الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - عن محرم غطّى رأسه ناسياً ، قال : « يُلقي القناع عن رأسه ، ويلبّي ، ولا شي‌ء عليه »(٣) .

وكذا لو غطّاه حال نومه ؛ لما رواه الحلبي - في الصحيح - أنّه سأل الصادقعليه‌السلام : عن المـُحْرم يغطّي رأسه ناسياً أو نائماً ، قال : « يلبّي إذا ذكر(٤) »(٥) .

ولأنّ التغطية تنافي الإِحرام ، لأنّها مُحرَّمة فيه ، فاستحبّ تجديد ما ينعقد به ، وهو التلبية.

مسألة ٢٥٥ : يجوز للمُحْرم تغطية وجهه‌ عند علمائنا أجمع - وبه قال عليعليه‌السلام ، وعمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقّاص‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٠٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٦.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٢٧ / ١٠٦٩.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٠٧ / ١٠٥٠ ، الاستبصار ٢ : ١٨٤ / ٦١٣.

(٤) في النسخ الخطية والحجرية : « ركب » وما أثبتناه من المصدر.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٢٧ / ١٠٧٠.

٣٣٦

وابن عباس وابن الزبير وزيد بن ثابت وجابر ومروان بن الحكم والقاسم وطاوس والثوري والشافعي وإسحاق وأحمد في إحدى الروايتين(١) - لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : ( إحرام الرجل في رأسه ، وإحرام المرأة في وجهها )(٢) والتفصيل قاطع للشركة.

وعن ابن عباس : أنّ مُحْرماً وقصت به ناقته غداة عرفات ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( خمّروا وجهه ولا تخمّروا رأسه ، فإنّه يحشر يوم القيامة ملبّياً )(٣) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه زرارة - في الصحيح - قال : قلت لأبي جعفر الباقرعليه‌السلام : الرجل المـُحْرم يريد أن ينام يغطّي وجهه من الذباب؟ قال : « نعم ولا يخمّر رأسه »(٤) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « المـُحْرمة لا تتنقّب ، لأنّ إحرام المرأة في وجهها ، وإحرام الرجل في رأسه »(٥) .

وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد في الرواية الاُخرى : يحرم عليه تغطية وجهه ، كالمرأة ، لتساويهما في تحريم الطيب ، فكذا التغطية.

ولأنّه قد روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في المـُحْرم الذي وقصت به‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٣١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٩ ، الْأُم ٧ : ٢٤١ ، المجموع ٧ : ٢٦٨ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٨٥ ، وليس في المصادر : عليعليه‌السلام .

(٢) سنن الدار قطني ٢ : ٢٩٤ / ٢٦٠ ، المغني ٣ : ٣١٠ - ٣١١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٠.

(٣) سنن البيهقي ٣ : ٣٩٣.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٠٧ / ١٠٥١ ، الاستبصار ٢ : ١٨٤ / ٦١٤.

(٥) الكافي ٤ : ٣٤٥ - ٣٤٦ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٢١٩ / ١٠٠٩ ، وفيهما : عن الصادق عن أبيهعليهما‌السلام .

٣٣٧

ناقته : ( ولا تخمّروا وجهه ولا رأسه )(١) (٢) .

ويبطل القياس بلبْس القُفّازين ، والحديث ممنوع ، فإنّ المشهور فيه : ( ولا تخمّروا رأسه )(٣) .

مسألة ٢٥٦ : وإحرام المرأة في وجهها ، فيحرم عليها تغطية وجهها حال إحرامها ، كما يحرم على الرجل تغطية رأسه ، ولا نعلم فيه خلافاً - إلّا ما روي عن أسماء أنّها كانت تغطّي وجهها وهي مُحْرمة(٤) ، ويحتمل أنّها كانت تُغطّيه بالسدل عند الحاجة ، فلا يكون اختلافاً - لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : ( إحرام الرجل في رأسه وإحرام المرأة في وجهها )(٥) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « إحرام الرجل في رأسه وإحرام المرأة في وجهها»(٦) .

إذا عرفت هذا ، فقد اجتمع في حقّ المـُحْرمة فعلان لا يمكن فعل أحدهما إلاّ بفعل ما ينافي الآخر : ستر الرأس وكشف الوجه ، فالقدر اليسير من الوجه الذي يلي الرأس يجوز لها ستره ، إذ لا يمكن استيعاب الرأس بالستر إلّا بستر ذلك الجزء ، وهذا أولى من تسويغ كشف جزء من الرأس تبعا لكشف‌

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٨٦٦ / ٩٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٣٠ / ٣٠٨٤ ، سنن النسائي ٥ : ١٩٦.

(٢) المغني ٣ : ٣١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٩ ، فتح العزيز ٧ : ٤٤٦ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٨ ، المجموع ٧ : ٢٦٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٨٥ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٩٩.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ٩٦ و ٣ : ٢٢ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٦٥ - ٨٦٧ / ٩٣ و ٩٤ و ٩٦ و ٩٩ و ١٠٠ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٩٣ و ٥ : ٧٠ ، سنن الدارمي ٢ : ٥٠ ، سنن النسائي ٥ : ١٩٥ - ١٩٧ ، المغني ٣ : ٣١١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٠.

(٤) المغني ٣ : ٣١١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٠.

(٥) سنن الدار قطني ٢ : ٢٩٤ / ٢٦٠ ، المغني ٣ : ٣١٠ - ٣١١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٠.

(٦) الكافي ٤ : ٣٤٥ - ٣٤٦ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٢١٩ / ١٠٠٩.

٣٣٨

جميع الوجه ، لأنّ الستر أحوط من الكشف.

ولأنّ المقصود إظهار شعار الإِحرام بالاحتراز عن التنقّب ، وستر الجزء المذكور لا يقدح فيه ، والرأس عورة كلّه ، فيُستر.

إذا ثبت هذا ، فإنّه يجوز لها أن تسدل ثوباً على وجهها فوق رأسها إلى طرف أنفها متجافياً عنه بخشبة وشبهها ، كما يجوز للرجل الاستظلال نازلاً ، عند علمائنا أجمع - وهو قول عامّة أهل العلم(١) - لما رواه العامّة عن عائشة ، قالت : كان الرُكْبان يمرّون بنا ونحن مُحْرمات مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإذا حاذَوْنا سدلت إحدانا جِلْبابها من رأسها على وجهها ، فإذا جاوزونا كشفناه(٢) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه حريز - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام قال : « المـُحْرمة تسدل الثوب على وجهها إلى الذقن »(٣) .

ولأنّ بالمرأة حاجة إلى ستر وجهها ، فلا يحرم عليها على الإِطلاق ، كالعورة.

ولا فرق بين أن تفعل ذلك لحاجة من دفع حَرٍّ أو بَرْدٍ أو فتنةٍ أو لغير حاجة.

قال الشيخرحمه‌الله : ينبغي أن يكون الثوب متجافياً عن وجهها بحيث لا يصيب البشرة ، فإن أصابها ثم زال أو أزالته بسرعة ، فلا شي‌ء عليها ، وإلّا وجب الدم(٤) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٣١١ - ٣١٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٩ ، فتح العزيز ٧ : ٤٤٩ ، المجموع ٧ : ٢٦٢ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٨٦ ، بداية المجتهد ١ :٣٢٧.

(٢) سنن أبي داود ٢ : ١٦٧ / ١٨٣٣ ، المغني ٣ : ٣١٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٩.

(٣) الفقيه ٢ : ٢١٩ / ١٠٠٧.

(٤) انظر : المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٢٠.

٣٣٩

ويشكل بأنّ السدل لا يكاد يسلم من إصابة البشرة ، ولو كان شرطاً ، لبيّن ؛ لأنّه موضع الحاجة.

مسألة ٢٥٧ : يحرم على المرأة النقاب حالة الإِحرام ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( ولا تتنقّب المرأة ولا تلبس القُفّازين )(١) .

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إحرام المرأة في وجهها »(٢) .

ورواه العامّة أيضاً عن النبيعليه‌السلام (٣) .

وكذا يحرم عليها لُبْس البُرْقع ؛ لاشتماله على ستر الوجه.

ويجوز لها بعد الإِحلال أن تطوف متنقّبةً من غير كراهة له ؛ فإنّ المقتضي للمنع هو الإِحرام.

وكرهه عطاء ثم رجع عنه(٤) . وطافت عائشة متنقّبة(٥) .

مسألة ٢٥٨ : قد بيّنّا أنّه تجب الفدية بستر بعض الرأس كما تجب بستر جميعه.

وضبطه الشافعي بأن يكون المستور قدراً يقصد ستره لغرض من الأغراض ، كشدّ عصابة وإلصاق لصوقٍ لشجّةٍ ونحوها.

ثم قال : لو شدّ خيطاً على رأسه ، لم يضرّ ، ولا تجب الفدية ؛ لأنّ ذلك لا يمنع من تسميته حاسر الرأس(٦) .

وهو ينقض الضابط المذكور ؛ فإنّ شدّ المقدار الذي يحويه شدّ الخيط‌

____________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ١٩ ، سنن أبي داود ٢ : ١٦٥ / ١٨٢٥ ، سنن النسائي ٥ : ١٣٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٤٦.

(٢) الكافي ٤ : ٣٤٥ - ٣٤٦ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٢١٩ / ١٠٠٩.

(٣) سنن الدار قطني ٢ : ٢٩٤ / ٢٦٠ ، المغني ٣ : ٣١٠ - ٣١١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٠.

(٤) المغني ٣ : ٣١٢ - ٣١٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٠.

(٥) المغني ٣ : ٣١٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٠.

(٦) فتح العزيز ٧ : ٤٣٧ - ٤٣٨ ، المجموع ٧ : ٢٥٣.

٣٤٠

قد يقصد أيضاً لغرض منع الشعر من الانتشار وغيره ، فإذاً الأولى النظر إلى تسميته حاسر الرأس ومستور جميع الرأس أو بعضه.

وعند أبي حنيفة لا تكمل الفدية إلّا إذا ستر ربع الرأس فصاعداً ، فإن ستر أقلّ من ذلك ، فعليه صدقة(١) .

البحث التاسع : التظليل‌

مسألة ٢٥٩ (٢) : يحرم على المـُحْرم الاستظلال حالة السير ، فلا يجوز له الركوب في المحمل وما في معناه ، كالهودج والكنيسة والعمارية وأشباه ذلك ، عند علمائنا أجمع - وبه قال ابن عمر ومالك وسفيان بن عيينة وأهل المدينة وأبو حنيفة وأحمد(٣) - لما رواه العامّة عن ابن عمر أنّه رأى على رحل عمر بن عبد الله ابن أبي ربيعة عوداً يستره من الشمس ، فنهاه(٤) .

ورأى رجلاً محرماً على رحل قد رفع ثوباً على عود يستتر به من الشمس ، فقال : اضحَ لمن أحرمت له(٥) . أي : أبرز للشمس.

ومن طريق الخاصّة : ما رواه جعفر بن المثنى الخطيب عن محمّد بن الفضيل وبشر بن إسماعيل ، قال : قال لي محمّد : ألا أُبشّرك يا ابن مثنى؟ فقلت : بلى ، فقمت إليه ، فقال : دخل هذا الفاسق آنفاً ، فجلس قبالة أبي الحسنعليه‌السلام ، ثم أقبل عليه ، فقال له : يا أبا الحسن ما تقول في المحرم أيستظلّ على المحمل؟ فقال [ له ](٦) : « لا » قال : فيستظلّ في‌

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٣٨ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢٨ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦١ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٨٧.

(٢) ورد في هامش « ن » : ليس في نسخة المصنّف بعد هذا البحث مسألة.

(٣) المغني ٣ : ٢٨٥ - ٢٨٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٧ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٢٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٨٤ ، المجموع ٧ : ٢٦٧.

(٤ و ٥ ) المغني ٣ : ٢٨٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٧ ، ونحوهما في سنن البيهقي ٥ : ٧٠.

(٦) أضفناها من المصدر.

٣٤١

الخباء؟ فقال له : « نعم » فأعاد عليه القول شبه المستهزئ يضحك ، فقال : يا أبا الحسن فما فرق بين هذا وهذا؟ فقال. « يا أبا يوسف إنّ الدين ليس بقياس كقياسكم أنتم تلعبون ، إنّا صنعنا كما صنع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقلنا كما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يركب راحلته فلا يستظلّ عليها وتؤذيه الشمس فيستر بعض جسده ببعض ، وربما ستر وجهه بيده ، فإذا نزل استظلّ بالخباء وفي‌ء البيت والجدار »(١) .

ولأنّه ستر بما يقصد به الترفّه ، فأشبه ما لو غطّاه.

ورخّص فيه ربيعة والثوري والشافعي ، وهو مروي عن عثمان وعطاء ، لما روت اُمّ الحُصين قالت : حججت مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حجّة الوداع ، فرأيت أسامة وبدلا أحدهما أخذ بخِطام(٢) ناقة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والآخر رافع ثوبه يستره من الحرّ حتى رمى جمرة العقبة(٣) .

ولأنّه يُباح له التظليل في البيت والخباء ، فجاز له [ في حال ](٤) الركوب(٥) .

والحديث ممنوع ، وجاز أن يكونعليه‌السلام مضطرّاً إلى التظليل.

ولأنّ رفع الثوب الساتر جاز أن يكون حالة النزول ؛ لأنّه ليس في الحديث أنّه كان حالة الركوب ، والفرق ظاهر ؛ فإنّ التظليل حالة النزول دافع‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٣٥٠ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣٠٩ - ٣١٠ / ١٠٦١ بتفاوت يسير في الألفاظ ، وفي الأخير : بشير بن إسماعيل.

(٢) الخطام : الحبل الذي يُقاد به البعير. لسان العرب ١٢ : ١٨٦ « خطم ».

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٩٤٤ / ٣١٢ ، سنن أبي داود ٢ : ١٦٧ / ١٨٣٤ ، مسند أحمد ٦ : ٤٠٢.

(٤) أضفناها من المغني والشرح الكبير.

(٥) المغني ٣ : ٢٨٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٧ ، فتح العزيز ٧ : ٤٣٣ - ٤٣٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٢٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٨٣ ، المجموع ٧ : ٢٦٧.

٣٤٢

للأذى ، بخلاف حالة الركوب ؛ فإنّ الفعل حالة النزول أكثر ؛ لدوامه ، بخلاف حالة الركوب.

مسألة ٢٦٠ : يجوز للمُحْرم حالة النزول الاستظلال بالسقف والشجرة‌ والخباء والخيمة لضرورة وغير ضرورة ، عند العلماء كافّة.

روى العامّة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر بقبّة من شعر ، فضُربت له بـ « نَمِرة » فأتى « عرفة » فوجد القبّة قد ضُربت له بـ « نمرة » فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس(١) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه جعفر بن المثنى عن أبي الحسنعليه‌السلام ، قال : « كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يركب راحلته فلا يستظلّ عليها وتؤذيه الشمس ، فيستر بعض جسده ببعض ، وربما ستر وجهه بيده ، وإذا نزل استظلّ بالخباء وفي البيت وبالجدار »(٢) .

مسألة ٢٦١ : لو افتقر حالة السير إلى الاستظلال لعلّة ومرض وشدّة حَرٍّ أو بردٍ أو مطر ، جاز له الاستظلال ، وتجب الفدية ؛ لما رواه سعد بن سعد الأشعري عن الرضاعليه‌السلام ، قال : سألته عن المـُحْرم يظلّل على نفسه ، فقال : « أمن علّة؟ » فقلت : تؤذيه الشمس وهو مُحْرم ، فقال : « هي علّة يظلّ ويفدي »(٣) .

وسأل إبراهيمُ بن أبي محمود ، الرضاعليه‌السلام : عن المـُحْرم يظلّل على محمله ويفدي إذا كانت الشمس والمطر يضرّ به ، قال : « نعم » قلت : كم الفداء؟ قال : « شاة »(٤) .

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٨٨٩ / ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٥ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٤ / ٣٠٧٤، سنن الدارمي ٢ : ٤٧.

(٢) الكافي ٤ : ٣٥٠ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣٠٩ - ٣١٠ / ١٠٦١.

(٣) التهذيب ٥ : ٣١٠ - ٣١١ / ١٠٦٤ ، الاستبصار ٢ : ١٨٦ / ٦٢٤.

(٤) الكافي ٤ : ٣٥١ / ٩ ، التهذيب ٥ : ٣١١ / ١٠٦٦ ، الاستبصار ٢ : ١٨٧ / ٦٢٦.

٣٤٣

ولأنّه في محلّ الحاجة ، فكان سائغاً.

إذا عرفت هذا ، فإنّه لا يجوز للمُحْرم إذا لم يكن مضطرّاً إلى التظليل أن يظلّل على نفسه وإن التزم الكفّارة ، وإنّما يسوغ التظليل للمُحْرم بشرطين : العلّة والتزام الكفّارة.

روى عبد الله بن المغيرة - في الصحيح - عن الكاظمعليه‌السلام : اُظلّل وأنا مُحرم؟ قال : « لا » قلت : أفاُظلّل واُكفّر؟ قال : « لا » قلت : فإن مرضت؟ قال : « ظلّل وكفّر »(١) .

مسألة ٢٦٢ : يجوز للمرأة التظليل على نفسها حالة السير ، كما جاز للعليل ؛ لضعف مزاجها ، وقبوله للانفعال بسرعة ، فساغ لها التظليل ؛ دفعاً للحرج الحاصل من تركه ، فأشبهت العليل والنازل.

وروى محمّد بن مسلم - في الصحيح - عن أحدهماعليهما‌السلام ، قال : سألته عن المـُحْرم يركب القبّة ، فقال : « لا » قلت : فالمرأة المـُحْرمة ، قال : « نعم »(٢) .

وكذا الصبي يجوز له التظليل ؛ لما قلناه في المرأة.

ولما رواه حريز - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « لا بأس بالقبّة على النساء والصبيان وهم مُحرمون ، ولا يرتمس المحرم في الماء ولا الصائم »(٣) .

قال الشيخرحمه‌الله : قد رخص للنساء في التظليل ، وتركه أفضل على كلّ حال(٤) .

____________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٢٥ / ١٠٥٩ ، التهذيب ٥ : ٣١٣ / ١٠٧٥ ، الاستبصار ٢ : ١٨٧ / ٦٢٧.

(٢) التهذيب ٥ : ٣١٢ / ١٠٧٠.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٢٦ / ١٠٦٤ ، التهذيب ٥ : ٣١٢ / ١٠٧١.

(٤) النهاية : ٢٢١ ، المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٢١.

٣٤٤

مسألة ٢٦٣ : لو زامل المريضَ أو المرأةَ أو الصبيَّ رجلٌ صحيح ، اختصّ المريض والمرأة والصبي بالتظليل على المحمل ، وكشف الصحيح محمله ؛ لقيام المانع من التظليل في حقّه ، وهو الإِحرام السالم عن أحد الأعذار المـُسوّغة له.

ولما رواه بكر بن صالح ، قال : كتبت إلى أبي جعفر الثانيعليه‌السلام : إنّ عمّتي معي وهي زميلتي ويشتدّ عليها الحَرّ إذا أحرمَتْ ، فترى [ أن ](١) اُظلّل عليَّ وعليها؟ فكتب : « ظلِّل عليها وحدها »(٢) .

مسألة ٢٦٤ : إذا استظلّ حالة الاختيار ، وجب عليه الفداء‌ - وهو رواية عن أحمد ، وقول أهل المدينة(٣) - لأنّه ستر رأسه بما يستدام ويلازمه غالباً ، فأشبه ما لو ستره بشي‌ء يُلاقيه.

ولأنّ الفداء يجب للضرورة فبدونها أولى.

ولأنّ محمد بن إسماعيل بن بزيع ، قال : سأله رجل عن الظلال للمُحْرم من أذى مطر أو شمس وأنا أسمعه ، فأمره أن يفدي(٤) شاة يذبحها بمنى(٥) .

وأحمد وإن منع التظليل إلّا أنّه لم يوجب الفدية ، فقيل له : إنّ أهل المدينة يقولون : عليه دم ، قال : نعم أهل المدينة يغلطون(٦) .

إذا عرفت هذا ، فلا فرق بين أن يقع التظليل في إحرام العمرة المتمتّع بها وإحرام الحج.

وقال الشيخ في بعض كتبه : لو وقع التظليل في إحرام العمرة المتمتَّع‌

____________________

(١) أضفناها من المصدر.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٢٦ / ١٠٦١ ، التهذيب ٥ : ٣١١ / ١٠٦٨ ، الاستبصار ٢ : ١٨٥ / ٦١٦.

(٣) المغني ٣ : ٢٨٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٧.

(٤) في النسخ الخطية والحجرية : يهدي. وما أثبتناه من المصدر.

(٥) الكافي ٤ : ٣٥١ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٣١١ / ١٠٦٥ ، الاستبصار ٢ : ١٨٦ / ٦٢٥.

(٦) المغني ٣ : ٢٨٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٧.

٣٤٥

بها ، لزمه كفّارتان ؛ لما رواه أبو علي بن راشد ، قال : قلت لهعليه‌السلام : جعلت فداك إنّه يشتدّ عليّ كشف الظلال ، لأنّي محرور تشتدّ الشمس عليّ ، فقال : « ظلّل وأرق دماً » فقلت له : دماً أو دمين ، قال : « للعمرة؟ » قلت : إنّا نُحرم بالعمرة وندخل مكة فنحلّ ونحرم بالحجّ ، قال : « فأرق دمين »(١) .

ومع صحة السند نحمله على الاستحباب.

وقال بعض الشافعية : إذا لم تمسّ المظلّة رأسه ، فلا فدية ، وإن مسّته ، وجبت الفدية(٢)

البحث العاشر : إزالة الشعر‌

مسألة ٢٦٥ : يحرم على المـُحْرم إزالة شي‌ء من شعره ، قليلاً كان أو كثيراً ، على رأسه أو على بدنه أو لحيته بإجماع العلماء.

قال الله تعالى :( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) (٣) .

وما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال لكعب بن عجرة : ( لعلّك تؤذيك هوامّ رأسك ) قال : نعم يا رسول الله ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( احلق رأسك ، وصُمْ ثلاثة أيّام ، أو أطعم ستة مساكين ، أو أنسك شاة )(٤) وهو يدلّ على المنع من الحلق قبل ذلك.

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « مرّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على كعب بن عُجْرَة الأنصاري والقمل يتناثر من رأسه ،

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣١١ / ١٠٦٧.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٣٣.

(٣) البقرة : ١٩٦.

(٤) صحيح البخاري ٣ : ١٢ - ١٣ ، المعجم الكبير - للطبراني - ١٩ : ١٠٩ - ٢٢٠ ، سنن البيهقي ٥ : ٥٥ ، الموطّأ ١ : ٤١٧ / ٢٣٨ بتفاوت ، وأورد نصّه ابن قدامة في المغني ٣ : ٣٠١.

٣٤٦

فقال : أتؤذيك هوامّك؟ فقال : نعم ، قال : فاُنزلت هذه الآية( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) (١) فأمره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فحلق رأسه ، وجعل عليه صيام ثلاثة أيام والصدقة على ستة مساكين لكلّ مسكين مُدّان ، والنسك شاة »(٢) .

وقال ابن عباس : ( مَرِيضاً ) أي : برأسه قروح( أَوْ بِهِ أَذىً ) ، أي : قمل(٣) .

وسواء حلق لعذر أو لغير عذر ، فإنّ الفدية واجبة عليه ؛ للآية(٤) ، وإذا وجبت مع العذر فمع عدمه أولى.

مسألة ٢٦٦ : ولا فرق بين شعر الرأس في ذلك وبين شعر البدن في قول أهل العلم ؛ لما تقدّم في قول الصادقعليه‌السلام : « ولا يحلق الشعر »(٥) وهو يتناول شعر الرأس وغيره.

ولاشتماله على التنظيف والترفّه ، فلزمته الفدية ، كشعر الرأس ، بل الحاصل من الترفّه والتنظيف فيه أكثر من الرأس.

وقال أهل الظاهر : لا يجب في شعر غير الرأس(٦) ، لقوله تعالى :( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ ) (٧) .

وهو استدلال بمفهوم اللقب ، وليس حجّةً إجماعاً من المحقّقين.

ولا فرق بين أن يزيل الشعر بالإِطلاء أو الحلق أو النتف عن الرأس أو‌

____________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) الكافي ٤ : ٣٥٨ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٣٣ / ١١٤٧ ، الاستبصار ٢ : ١٩٥ / ٦٥٦.

(٣) المغني ٣ : ٣٠٢ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٦ ، تفسير ابن عباس : ٢٧.

(٤) البقرة : ١٩٦.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٠٦ / ١٠٤٤ ، الاستبصار ٢ : ١٨٣ / ٦٠٨.

(٦) المجموع ٧ : ٢٤٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٨٣ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٧.

(٧) البقرة : ١٩٦.

٣٤٧

البدن.

ولو قطع يده وعليها شعرات ، فلا فدية ؛ لأنّ الشعر غير مقصود بالإِبانة ، وكذا لو كشط جلدة الرأس ، كما لو قتل الصغيرة لا يجب المهر ؛ لأنّ البُضْع تابع عند القتل.

ولو أرضعت الكبيرةُ الصغيرة ، بطل النكاح ، ووجب المهر.

ولو مشط لحيته أو رأسه ، فانتفت شعرات ، فعليه الفدية.

ولو شكّ هل كانت الشعرات منسلّةً فانفصلت وانتتفت بالمشط ، فالأقرب : وجوب الفدية ، وهو أحد قولي الشافعي ، والثاني : لا تجب(١) .

مسألة ٢٦٧ : الكفّارة تجب بحلق جميع الرأس وبعضه ، قليلاً كان أو كثيراً ، لكن تختلف ، ففي حلق جميع الرأس : دم ، وكذا فيما يسمّى حلق الرأس وإن كان بعضه.

وفي حلق ثلاث شعرات صدقة بمهما كان ؛ لأنّ الدم معلّق على حلق الرأس ، وهو إنّما يصدق حقيقةً في الجميع ، فيبقى الباقي على أصل البراءة.

وأمّا وجوب الفدية في القليل : فلما ورد عنهمعليهم‌السلام : « أنّ مَنْ مسَّ شعر رأسه ولحيته فسقط شي‌ء من شعره يتصدّق بشي‌ء »(٢) .

وقال الشافعي : يجب بحلق ثلاث شعرات دم ، لأنّه شعر آدمي يصدق عليه اسم الجمع المطلق(٣) .

والفرق بين الكثير والقليل ظاهر.

وقال أبو حنيفة : لا يجب الدم إلّا بحلق ربع الرأس ؛ لأنّ الربع يقوم‌

____________________

(١) الوجيز ١ : ١٢٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٥ ، المجموع ٧ : ٢٤٨.

(٢) الكافي ٤ : ٣٦١ / ١١ ، الفقيه ٢ : ٢٢٩ / ١٠٨٩ ، التهذيب ٥ : ٣٣٨ - ٣٣٩ / ١١٧١ ، الاستبصار ٢: ١٩٨ / ٦٦٩.

(٣) الوجيز ١ : ١٢٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢١ ، المجموع ٧ : ٣٧٤ ، مختصر المزني : ٦٦ ، المغني ٣ : ٥٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٠.

٣٤٨

مقام الكلّ ، فإنّه يصدق : رأيت رجلاً ، وإن كان لم يشاهد سوى جانب منه(١) .

ونمنع حقيقة الإِطلاق ، ولهذا يصحّ نفيه.

ورؤية الرجل مجاز إمّا لأنّه ليس هو الهيكل المحسوس ، بل شي‌ء مجرّد ، وإمّا لأنّه أجزاء أصلية.

ولأنّ الإِنسان ليس مربّعاً ، بل إذا رأى ما يعرفونه قال : رأيته ، ولو رأى صفحة وجهه.

وقال مالك : إذا حلق من رأسه ما أماط عنه الأذى ، وجب الدم ، قلّ أو كثر(٢) .

وعن أحمد روايتان : إحداهما : أنّه يجب بثلاث شعرات ، كقول الشافعي ، والثانية : بأربع شعرات(٣) .

ولو نتف شعرة أو شعرتين ، فعندنا تجب صدقة ، وللشافعي أقوال :

أحدها : يجب في الشعرة الواحدة مُدٌّ من طعام ، وفي الشعرتين مُدّان ، وفي الثلاث دم شاة ؛ لأنّ تبعيض الدم عسر ، والشرع(٤) قد عدل الحيوان بالطعام في جزاء الصيد وغيره ، والشعرة الواحدة هي النهاية في القلّة ، والمدّ أقلّ ما وجب في الكفّارات ، فقُوبلت به.

الثاني : أنّه يجب في الشعرة الواحدة درهم ، وفي الشعرتين درهمان ؛ لأنّ‌

____________________

(١) الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦١ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩٢ ، المغني ٣ : ٥٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٦ ، المجموع ٧ : ٣٧٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٦.

(٢) المدوّنة الكبرى ١ : ٤٣٠ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٥ - ٣٦٦ ، المغني ٣ : ٥٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٦ ، المجموع ٧ : ٣٧٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٧.

(٣) المغني ٣ : ٥٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٠ ، المجموع ٧ : ٣٧٤ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٦.

(٤) ورد في النسخ الخطية والحجرية : والشعر ، وذلك تصحيف ، وما أثبتناه من فتح العزيز ، وهو الظاهر من المهذّب للشيرازي.

٣٤٩

تبعيض الدم عسر ، وكانت الشاة تُقوّم في عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بثلاثة دراهم تقريباً ، فاعتبرت تلك القيمة عند الحاجة إلى التوزيع.

الثالث : أنّ في الشعرة ثُلثَ دم ، وفي الشعرتين ثُلثي الدم ، تقسيطاً للواجب في الشعرات الثلاث على الآحاد.

الرابع : أنّ الدم الكامل يجب بالشعرة الواحدة ؛ لأنّ محظورات الإِحرام لا تختلف بالقلّة والكثرة ، كالطيب واللُّبْس(١) .

مسألة ٢٦٨ : لو حلق رأسه لأذى ، لم يكن مُحرَّماً ، ولا تسقط الفدية ؛ لنصّ القرآن(٢) .

ولو كثرت الهوامّ في رأسه ، أو كانت به جراحة ، وأحوجه أذاها إلى الحلق ، جاز له ذلك ، ويجب الفداء ، كما في حديث كعب بن عُجْرَة ، وقد تقدّم(٣) .

وكذا لو كان كثير الشعر يؤذيه الحَرّ ، جاز له الحلق مع الفداء.

ولو كان الضرر اللاحق من نفس الشعر ، مثل أن ينبت في عينه أو طال حاجباه فغطيا عينيه ، فله قلع ما في العين ، وقطع ما استرسل على عينيه ، ولا فدية عليه ، لأنّ الشعر آذاه ، فكان له دفع أذيّته بغير فدية ، كالصيد إذا صال عليه.

ولو كان الأذى من غير الشعر لكن لا يتمكّن من إزالة الأذى إلّا بإزالة الشعر ، كالقُمَّل والقروح برأسه ، أو صُداع برأسه ، أو شدّة الحَرّ عليه لكثرة شعره ، فعليه الفدية ؛ لأنّه قطع الشعر لإِزالة ضرر غيره ، فأشبه أكل الصيد للمخمصة.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ١١٥ ، الوجيز ١ : ١٢٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٧ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢١ ، المجموع ٧ : ٣٧٠ - ٣٧١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٧.

(٢) البقرة : ١٩٦.

(٣) تقدّم في المسألة ٢٦٥.

٣٥٠

لا يقال : القُمَّل من ضرر الشعر والحَرّ سببه كثرة الشعر فتساويا.

لأنّا نقول : ليس القُمَّل من الشعر وإنّما لا يتمكّن من المقام في الرأس إلّا به ، فهو محلّ له لا سبب فيه.

وكذا الحَرّ من الزمان بدليل أنّ الشعر يوجد في زمن البرد ، فلا يتأذّى به.

وهذا تفصيل حسن لا بأس به ، ذكره بعض الشافعية(١) .

تنبيه : لو نتف إبطه ، وجب عليه الفدية ؛ لأنّه أزال الشعر للترفّه ، فكان عليه الفداء ، كغيره.

ولما رواه حريز - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « إذا نتف الرجل إبطه بعد الإِحرام فعليه دم »(٢) .

إذا عرفت هذا ، فليس الحكم منوطاً بالحلق بل بالإِزالة والإِبانة إمّا بنتف أو إحراق أو غيره.

مسألة ٢٦٩ : النسيان مُسقط للفدية في الطيب واللباس وما عدا الوطء من الاستمتاعات ، كالقُبْلة واللمس بشهوة ، وسيأتي.

وهل يُسقط الفديةَ في الحلق والقلم؟ فيه للشافعية وجهان :

أحدهما : لا تجب ، كما في الاستمتاعات.

والثاني : الوجوب(٣) .

وهو المعتمد ؛ لأنّ الإِتلافات يتساوى عمدها وخطؤها ، كما في ضمان الأموال.

وأمّا المجنون والمغمى عليه والصبي غير المميّز : فالأقرب عدم الضمان‌

____________________

(١) كذا في النسخ الخطيّة والحجرية ، وذكر هذا التفصيل بعينه ابن قدامة في المغني ٣ : ٣٠٢ من دون نسبة إلى بعض الشافعية.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٢٨ / ١٠٧٩ ، التهذيب ٥ : ٣٤٠ / ١١٧٧ ، الاستبصار ٢ : ١٩٩ / ٦٧٥.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٦٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٠ ، المجموع ٧ : ٣٤٠ - ٣٤١.

٣٥١

في حقّهم ؛ لعدم التكليف عليهم ، بخلاف الناسي ، فإنّه يفعل ما يتعاطاه ، والنسيان عذر في سقوط الإِثم لا في إزالة الفداء.

مسألة ٢٧٠ : يجوز للمُحْرم أن يحلق شعر المـُحلّ ، ولا شي‌ء عليه - وبه قال الشافعي ومالك وأحمد ، وهو محكي عن مجاهد(١) - لأنّ المـُحلّ يسوغ له حلق رأسه ، فجاز للمُحْرم فعله به ، كما لو فَعَله المـُحلّ ؛ لأنّ المـُحرّم إنّما هو إزالة شعر المـُحْرم عن نفسه.

ولأنّه لم يتعلّق بمنبته حرمه الإِحرام ، فجاز للمُحْرِم حلقه ، كشعر البهيمة.

ولأنّه يجوز له أن يطيبه ويلبسه ، فأشبه المـُحلّ إذا حلقه.

ولأصالة براءة الذمّة.

وقال أبو حنيفة : لا يجوز له ، فإن فَعَل ، فعليه صدقة ؛ لقوله تعالى( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ ) (٢) معناه لا يحلق بعضٌ رؤوسَ بعض.

ولأنّ المـُحْرم ممنوع منه بكلّ حال ، وما كان كذلك مُنع منه في حقّ غيره ، كقتل الصيد ، بخلاف اللباس ، فإنّه ليس بممنوع منه بكلّ حال(٣) .

والآية خطاب للمُحْرِمين ، لقوله تعالى :( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ ) (٤) .

ولأنّ المـُحِلّ غير ممنوع من حلق الرأس إجماعاً ، والصيد إذا أتلفه المـُحرم بكلّ حال ضمنه ، وهنا مُنع من شعر المـُحرم ؛ لما فيه من الترفّه وزوال الشعث في الإِحرام ، وهو غير موجود في شعر المـُحلّ.

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٦٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٤ ، المجموع ٧ : ٢٤٨ و ٣٤٥ و ٣٥٠ ، المغني ٣ : ٥٢٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٤ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٧٢.

(٢) البقرة : ١٩٦.

(٣) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٧٢ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦٢ ، بدائع الصنائع ٢. ١٩٣ ، المغني ٣ : ٥٢٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٤ ، المجموع ٧ : ٢٤٨ ، و ٣٤٥ و ٣٥٠ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٩.

(٤) البقرة : ١٩٦.

٣٥٢

مسألة ٢٧١ : لا يجوز للمُحْرم ولا للمُحلّ أن يحلقا رأس المـُحْرم مع علمهما بحاله إجماعاً ؛ لقوله تعالى :( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ ) (١) .

والمراد : أن لا يحلقه بنفسه ولا بغيره ، بل انصراف ذلك إلى الغير أولى ، فإنّ الإِنسان لا يمكنه أن يحلق رأس نفسه إلّا نادراً.

ولا فدية على واحد منهما عَلِما أو جَهِلا ، أذن لهما أو لا ؛ لأصالة براءة الذمّة ، والتحريم لا يستلزم الفدية ، كما في كثيرٍ من المحرّمات.

وقال أبو حنيفة : إذا كان الحالق مُحلاً ، وجب عليه صدقة نصف صاع ، وعلى المحرم فدية ، وإن كان مُحْرماً ، فإن كان بإذنه ، فعلى الآذن الفدية ، وعلى الحالق صدقة(٢) .

وقال الشافعي : إذا حلق الحلال أو الحرام شعر الحرام ، فقد أساء.

ثم إن حلق بأمره ، فالفدية على المحلوق ، لأنّ فعل الحالق بأمره يضاف إليه ، ألا ترى(٣) أنّه لو حلف لا يحلق رأسه فأمر غيره ، فحلق ، يحنث في يمينه.

ولأنّ يده ثابتة على الشعر ، وهو مأمور بحفظه إمّا على سبيل الوديعة أو العارية ، وكلاهما إذا تلف في يده بأمره يضمن.

وإن حلق لا بأمره يُنظر إن كان نائماً أو مكرهاً أو مغمى عليه ، فقولان :

أصحّهما : أنّ الفدية على الحالق - وبه قال مالك وأحمد - لأنّه المقصّر ولا تقصير من المحلوق.

والثاني - وبه قال أبو حنيفة - أنّها على المحلوق ، لأنّه المرتفق به(٤) .

____________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٤ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩٦ ، المجموع ٧ : ٣٤٥.

(٣) في النسخ الخطيّة والحجرية : فإنّ الأقوى ، بدل ألا ترى ، وما أثبتناه من فتح العزيز.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٤٦٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٠ ، المجموع ٧ : ٣٤٥ - ٣٤٦ ، =

٣٥٣

وأصحاب الشافعي بنوا القولين على أنّ استحفاظ الشعر في يد المـُحْرم جارٍ مجرى الوديعة أو مجرى العارية.

وفيه جوابان :

إن قلنا بالأول ، فالفدية على الحالق ، كما أنّ ضمان الوديعة على المـُتْلف دون المـُودع ، وإن قلنا بالثاني ، وجبت على المحلوق وجوب الضمان على المستعير.

قالوا : والأول أظهر ؛ لأنّ العارية هي التي يمسكها لمنفعة نفسه ، وقد يريد المـُحْرم الإِزالة دون الإِمساك.

وأيضاً فإنّه لو احترق شعره بتطاير الشرر ولم يقدر على التطفئة ، فلا فدية عليه ، ولو كان كالمستعير ، لوجبت عليه الفدية.

قالوا : فإن قلنا : الفدية على الحالق ، فإن فدى ، فلا بحث ، وإن امتنع مع القدرة ، فهل للمحلوق مطالبته بإخراجها؟ فيه وجهان : فالأكثر على أنّ له ذلك ، بناءً على أنّ المـُحْرم كالمودع خصم فيما يؤخذ منه ويتلف في يده.

وإذا أخرج المحلوق [ الفدية ](١) بإذن الحالق ، جاز ، وبغير إذنه لا يجوز في أصحّ الوجهين ، كما لو أخرجها أجنبي بغير إذنه.

وإن قلنا : الفدية على المحلوق ، فإن فدى بالهدي أو الطعام ، رجع بأقلّ الأمرين من الطعام أو قيمة الشاة على الحالق ، ولا يرجع بما زاد ، لأنّ الفدية على التخيير ، وهو متطوّع بالزيادة.

وإن فدى بالصوم ، فوجهان : أظهرهما : لا ، وعلى الثاني بم يرجع؟ وجهان :

____________________

= حلية العلماء ٣ : ٣٠٢ و ٣٠٤ ، المغني ٣ : ٥٣٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٣.

(١) أضفناها من المصدر.

٣٥٤

أظهرهما : بثلاثة أمداد من طعام ؛ لأنّ صوم كلّ يوم مقابل مُدٍّ.

والثاني بما يرجع به لو فدى بالهدي أو الإِطعام.

ثم إذا رجع فإنّما يرجع بعد الإِخراج في أصحّ الوجهين.

والثاني : أنّ له أن يأخذ منه ثم يخرج.

وهل للحالق أن يفدي على هذا القول؟

أمّا بالصوم فلا ؛ لأنّه متحمّل ، والصوم لا يتحمّل.

وأمّا بغيره فنعم ، ولكن بإذن المحلوق ؛ لأنّ في الفدية معنى التقرّب ، فلا بدّ من نيّة مَنْ وَجَبَتْ عليه.

وإن لم يكن نائماً ولا مغمى عليه ولا مُكرهاً ، لكنه سكت عن الحلق ولم يمنع منه ، فقولان :

أحدهما : أنّ الحكم كما لو كان نائماً ، لأنّ السكوت ليس بأمر ، فإنّ السكوت على إتلاف المال لا يكون أمراً بالإِتلاف.

وأصحّهما : أنّه كما لو حلق بأمره ؛ لأنّ الشعر إمّا كالوديعة عنده أو كالعارية ، وعلى التقديرين يجب الدفع عنه(١) .

ولو أمر حلال حلالاً بحلق شعر حرام وهو نائم ، فالفدية على الآمر عند الشافعي إن لم يعرف الحالق الحال ، وإن عرف ، فعليه في أصحّ الوجهين(٢) .

وهذه الفروع كلّها ساقطة عندنا ؛ لأنّ الحالق لا كفّارة عليه عندنا ، وأمّا المحلوق فإن كان الحلق بإذنه ضمن ، وإلّا فلا.

البحث الحادي عشر : القَلْم‌

مسألة ٢٧٢ : أجمع فقهاء الأمصار كافّة‌ على أنّ المـُحْرم ممنوع من‌

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٦٩ - ٤٧٠ ، المجموع ٧ : ٣٤٦ - ٣٤٩.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٧٠ ، المجموع ٧ : ٣٤٩.

٣٥٥

قصّ أظفاره مع الاختيار ؛ لأنّه إزالة جزء يترفّه به فحرم ، كإزالة الشعر.

ولما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمّار عن أبي الحسنعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل أحرم فنسي أن يقلّم أظفاره ، قال : فقال : « يدعها » قال : قلت : إنّها طوال ، قال : « وإن كانت» قلت : إنّ رجلاً أفتاه بأن يقلّمها وأن يغتسل ويُعيد إحرامه ، ففَعَل ، قال : « عليه دم »(١) .

واعلم أنّ علماءنا نصّوا على أنّ مَنْ قلّم ظُفْره بإفتاء غيره ، فأدمى إصبعه ، كان على الـمُفتي دم شاة ؛ لهذه الرواية.

إذا ثبت هذا ، فليس الحكم مخصوصاً بالقَلْم ، بل بمطلق الإِزالة ، فإنّها تزال للتنظيف والترفّه ، فيلحق بالقَلْمِ الكسْرُ والقطْعُ.

ولو قطع يده أو إصبعه وعليها الظفر ، فلا فدية عليه ؛ لأنّ الظفر تابع غير مقصود بالإِبانة.

مسألة ٢٧٣ : لو احتاج إلى مداواة قرحة ولا يمكنه إلّا بقصّ أظفاره ، جاز له ذلك ، ووجبت الفدية - خلافاً لبعض العامّة(٢) - لأنّه أزال ما مُنع من إزالته لضرر في غيره ، فكان كما لو حلق رأسه لضرر القمل.

ولما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل الـمُحْرم تطول أظفاره ، قال : « لا يقصّ شيئاً منها إن استطاع ، فإن كانت تؤذيه فليقصّها وليُطعم مكان كلّ ظُفْر قبضةً من طعام »(٣) .

مسألة ٢٧٤ : لو أزال بعض الظُفْر تعلّق به ما يتعلّق بالظُفْر جميعه ؛ لأنّه بعض من جملة مضمونة.

وكذا لو أخذ بعض شعره ، فإنّه يكون كأخذ الشعرة بأجمعها.

ولو أخذ من بعض جوانب الظُفْر ولم يأت على رأسه كلّه ، ففيه ما في‌

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣١٤ / ١٠٨٢.

(٢) هو ابن القاسم صاحب مالك كما في المغني ٣ : ٣٠٣ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٧٥.

(٣) الكافي ٤ : ٣٦٠ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٢٨ / ١٠٧٧ ، التهذيب ٥ : ٣١٤ / ١٠٨٣.

٣٥٦

الظُفْر.

وقالت الشافعية : إن قلنا : يجب في الظُفْر الواحد ثلث دم أو درهم ، فالواجب فيه ما يقتضيه الحساب ، وإن قلنا : يجب مُدٌّ ، فلا سبيل إلى تبعيضه(١) .

مسألة ٢٧٥ : لو انكسر ظُفْره ، كان له إزالته بلا خلاف بين العلماء ؛ لأنّه يؤذيه ويؤلمه ، فكان له إزالته ، كالشعر النابت في عينه والصيد الصائل عليه.

وهل تجب فيه الفدية؟ إشكال ينشأ : من أصالة براءة الذمّة ومشابهته للصيد الصائل ، ومن الرواية الصحيحة عن الصادقعليه‌السلام وقد سأله معاوية بن عمّار : عن الـمُحْرم تطول أظفاره إلى أن ينكسر بعضها فيؤذيه : « فليقصّها وليُطعم مكان كلّ ظفر قبضةً من طعام »(٢) لأنّ العمل بالرواية متعيّن.

ولو قصّ المكسور خاصّةً ، لم يكن عليه شي‌ء عند قوم على ما تقدّم من الإِشكال.

ولو أزال منه ما بقي ممّا لم ينكسر ، ضمنه بما يضمن به الظُفْر ؛ لأنّه أزال بعض الظُفْر ابتداءً من غير علّة ، فوجب ضمانه ، وكذا لو أزاله تبعاً.

البحث الثاني عشر : إخراج الدم‌

مسألة ٢٧٦ : اختلف علماؤنا في جواز الحجامة للمُحْرم اختياراً ، فمنع منه المفيد وابن إدريس(٣) ، وبه قال مالك(٤) ، وكان الحسن البصري يرى‌

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٦٧.

(٢) الكافي ٤ : ٣٦٠ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٢٨ / ١٠٧٧ ، التهذيب ٥ : ٣١٤ / ١٠٨٣.

(٣) المقنعة : ٦٨ ، السرائر : ١٢٨.

(٤) المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٤٠ ، المجموع ٧ : ٣٥٥ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٥ ، المغني =

٣٥٧

في الحجامة دماً(١) .

واختار ابن بابويه الجواز(٢) ، وهو قول أكثر العامّة(٣) .

وللشيخ قولان(٤) .

احتجّ المفيد : بما رواه الحسن الصيقل عن الصادقعليه‌السلام : عن الـمُحْرم يحتجم ، قال : « لا ، إلّا أن يخاف على نفسه التلف ولا يستطيع الصلاة » وقال : « إذا أذاه الدم فلا بأس به ويحتجم ولا يحلق الشعر »(٥) .

واحتجّ المجوّزون : بما رواه العامّة عن ابن عباس : انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله احتجم - وهو مُحْرم - في رأسه(٦) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « لا بأس أن يحتجم الـمُحْرم ما لم يحلق أو يقطع الشعر »(٧) .

وهما محمولان على الاحتياج إليه ؛ جمعاً بين الأدلّة.

مسألة ٢٧٧ : يجوز الحجامة مع الضرورة ودعوى الحاجة ، وكذا الفصد بلا خلاف ، دفعاً للضرر(٨) ، وكذا يجوز قطع العضو عند الحاجة ، والختان من غير فدية ؛ للأصل.

ولو احتاج في الحجامة إلى قطع شعر ، قَطَعَه ؛ لما رواه العامّة عن النبي‌

____________________

= ٣ : ٢٨٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٤.

(١) المغني ٣ : ٢٨٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٤.

(٢) المقنع : ٧٣ ، الفقيه ٢ : ٢٢٢ / ١٠٣٣.

(٣) المغني ٣ : ٢٨٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٤ ، المجموع ٧ : ٣٥٥.

(٤) قال بعدم الجواز في المبسوط ١ : ٣٢١ ، والنهاية : ٢٢٠ ، وبالجواز في الخلاف ٢ : ٣١٥ ، المسألة ١١٠.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٠٦ / ١٠٤٤ ، الاستبصار ٢ : ١٨٣ / ٦٠٨.

(٦) سنن أبي داود ٢ : ١٦٧ - ١٦٨ / ١٨٣٦.

(٧) التهذيب ٥ : ٣٠٦ / ١٠٤٦ ، الاستبصار ٢ : ١٨٣ / ٦١٠.

(٨) في النسخ الخطية ونسخة بدل في الطبعة الحجرية : للضرورة.

٣٥٨

صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنّه احتجم في طريق مكّة وهو مُحْرم وسط(١) رأسه(٢) ، ومن ضرورة ذلك قطع الشعر.

ومن طريق الخاصّة : ما رواه مهران بن أبي نصر وعلي بن إسماعيل بن عمّار عن أبي الحسنعليه‌السلام ، قالا : سألناه ، فقال في حلق القفا للمُحْرم : « إن كان أحد منكم يحتاج إلى الحجامة فلا بأس به ، وإلّا فيلزم ما جرى عليه الموسى إذا حلق »(٣) .

ولأنّه يباح إزالة الشعر أجمع لضرر القمل ، فكذا هنا.

إذا عرفت هذا ، فإنّ الفدية واجبة عليه - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك وأحمد وأبو ثور وابن المنذر(٤) - لقوله تعالى :( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) (٥) .

ولأنّ حلقه لإِزالة ضرر عنه ، فلزمته الكفّارة ، كما لو حلقه لإِزالة قملة.

وقال أبو يوسف ومحمد : يتصدّق بشي‌ء(٦) .

مسألة ٢٧٨ : يجوز للمُحْرم أن يبطّ خُراجه ويشقّ الدمل‌ إذا احتاج إلى‌

____________________

(١) في النسخ الخطية والطبعة الحجرية : وشرط بدل وسط ، وما أثبتناه من المصادر.

والشَّرْطُ : بَزْغُ الحجّام بالمشرط ، وبَزَغَ دَمَه : أي أساله. لسان العرب ٧ : ٣٣٢ و ٨ : ٤٣٢ « شرط ، بزغ ».

(٢) صحيح البخاري ٣ : ١٩ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٦٢ - ٨٦٣ / ١٢٠٣ ، سنن النسائي ٥ : ١٩٤ ، سنن البيهقي ٥ : ٦٥ ، المغني ٣ : ٢٨٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٥.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٠٦ - ٣٠٧ / ١٠٤٧.

(٤) المجموع ٧ : ٣٥٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩٣ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦٢ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٧٤ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٤٢٨ ، المغني ٣ : ٢٨٣ - ٢٨٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٥.

(٥) البقرة : ١٩٦.

(٦) بدائع الصنائع ٢ : ١٩٣ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦٢ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٧٤ ، المغني ٣ : ٢٨٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٥.

٣٥٩

ذلك ، ولا فدية عليه إجماعاً ؛ لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه احتجم وهو مُحْرم(١) .

ومن طريق الخاصّة : رواية معاوية بن عمّار - الصحيحة - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن الـمُحْرم يعصر الدمل ويربط عليه الخرقة ، فقال : « لا بأس »(٢) .

وروى هشام بن سالم - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « إذا خرج بالمحرم الخراج والدمل فليبطّه وليداوه بزيت أو بسمن »(٣) .

ولأنّه في محلّ الحاجة ولا يستتبع ترفّهاً ، فكان سائغاً ، كشرب الدواء.

ويجوز أن يقلع ضرسه مع الحاجة إليه ؛ لأنّه تداوٍ ، وليس بترفّهٍ ، فكان سائغاً ، كشرب الدواء.

ولما رواه الحسن الصيقل أنّه سأل الصادقعليه‌السلام : عن الـمُحْرم يؤذيه ضرسه أيقلعه؟ قال : « نعم لا بأس به »(٤) .

ولو لم يحتج إلى قلعه ، كان عليه دم.

مسألة ٢٧٩ : لا يدلك الـمُحْرم جسده بعنف لئلّا يدميه أو يقلع شعره ، وكذا لا يستقصي في سواكه لئلّا يُدْمي فاه ، ولا يدلك وجهه في غسل الوضوء وغيره لئلّا يسقط من شعر لحيته شي‌ء ، لما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام : عن الـمُحْرم كيف يحكّ رأسه؟ قال : « بأظافيره ما لم يُدْم أو يقطع الشعر »(٥) .

____________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ١٩ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٦٢ / ١٢٠٢ ، سنن الترمذي ٣ : ١٩٩ / ٨٣٩ ، سنن أبي داود ٢ : ١٦٧ - ١٦٨ / ١٨٣٥ و ١٨٣٦ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٩ / ٣٠٨٢ ، سنن النسائي ٥ : ١٩٣ ، سنن البيهقي ٥ : ٦٤ و ٦٥ ، الموطّأ ١ : ٣٤٩ / ٧٤.

(٢) الكافي ٤ : ٣٥٩ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٢٢٢ / ١٠٣٨.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٢٢ / ١٠٤٠ ، التهذيب ٥ : ٣٠٤ / ١٠٣٦.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٢٢ / ١٠٣٦.

(٥) التهذيب ٥ : ٣١٣ / ١٠٧٦.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481