تذكرة الفقهاء الجزء ٧

تذكرة الفقهاء16%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-007-2
الصفحات: 481

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 481 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 169488 / تحميل: 5804
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٧

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٠٠٧-٢
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

أخبرَني أبو محمّدٍ الحسنُ بن محمدٍ العلويّ، عن جدِّه، عن محمّدِ بنِ ميمون البزّاز قال: حدّثَنا سفيان بنُ عُيَيْنةَ، عنِ ابنِ شهاب الزُّهْريِّ قالَ: حدّثَناعليٌ بن الحسينِعليهما‌السلام - وكانَ أفضلَ هاشميًّ أدركْناه - قالَ: «أحِبُّونا حُبَّ الاسلامِ، فما زالَ حبُكم لنا حتّى صارَ شَيْناً علينا»(١) .

وروى أَبومعمّرٍ، عن عبدِ العزيزِ بنِ أَبي حازمِ قالَ: سمعتُ أَبي يقولُ: ما رأَيتُ هاشميّاً أفضلَ من علي بنِ الحسينِعليهما‌السلام (٢) .

أَخبرَني أَبومحمّدٍ الحسنُ بنُ محمّدٍ بنِ يحيى قالَ: حدّثَني جدِّي قالَ: حدّثَني أَبو محمّد الأنصاريُّ قالَ: حدّثَني ُمحمد بنُ ميمون البزّاز قالَ: حدّثَنا الحسينُ بن عَلْوانَ، عن أَبي عليٍّ زيادِ بنِ رُسْتَمَ، عن سعيدِ ابنِ كُلثوم قالَ: كنتُ عندَ الصّادقِ جعفرِ بنِ محمّدٍعليهما‌السلام فذُكِرَ أميرُ المؤمنينَ عليُّ بنُ أَبي طالبٍعليه‌السلام فأَطراه ومدحَه بما هو أَهلُهُ، ثمّ قالَ: «واللّهِ ما أكلَ عليّ بنُ أَبي طالبٍعليه‌السلام منَ الدًّنيا حراماً قطُّ حتّى مضى لسبيلهِ، وما عُرِضَ له أَمرانِ قطُّ هما للهِّ رضى الله أَخذَ بأَشدِّهما عليه في دينهِ، وما نزلتْ برسولِ اللّهِصلى‌الله‌عليه‌وآله نازلةٌ إِلاٌ دعاه فقدّمَه ثقةً به، وما أَطاقَ عملَ رسولِ اللهِّ من

__________________

(١) رواه ابن سعد بسند آخر في الطبقات ٥: ٢١٤، وابو نعيم في الحلية ٣: ١٣٦، والذهبي في سير أعلام النبلاء ٤: ٣٨٩، وابن منظور في مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٢٤٢، ونقله المجلسي في البحار ٤٦: ٥٨ / ٧٣.

وفي هامش «ش»: اهذا نهي لهم عن الغلوّ، يقول:أحبونا الحب الذي يقتضيه الاسلام ولا تتجاوزوا الحدّ فيكون غلوّاً.

(٢) علل الشرائع: ٢٣٢، حلية الاولياء ٣: ١٤١، وعن الحلية وتاريخ النسائي رواه ابن شهرآشوب في المناقب ٤: ١٥٩، تذكرة الخواص: ٢٩٧، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٧٣ / ٦٠.

١٤١

هذهِ الامّةِ غيرُه، وإنْ كانَ لَيَعْمل عملَ رجلٍ كأَنَّ وجهَه بينَ الجنّةِ والنّارِ، يَرجو ثوابَ هذه ويخافُ عقابَ هذه، ولقد أَعتقَ من مالِه أَلفَ مملوك في طلب وجهِ اللّهِ والنّجاةِ منَ النّارِ ممّا كدَّ بيديه ورشحَ منه جبينه، وأن كان ليقوتُ اهلَه بالزّيتِ والخلِّ والعجوةِ، وما كانَ لباسُه إلّا الكرابيسَ، إِذا فضلَ شيءٌ عن يدِه من كمِّه دعا بالجَلَمِ(١) فقصه، وما أَشبهه من ولدِه ولا أَهلِ بيتِه أَحدٌ أَقرب شبهاً به في لباسِه وفقهه من عليِّ بنِ الحسينِعليهما‌السلام .

ولقد دخلَ أَبو جعفر - ابنه -عليهما‌السلام عليه فإذا هو قد بلغَ منَ العبادةِ ما لم يبلُغْه أَحدٌ، فرآه قدِ اصفرّ لونُه منَ السّهرِ، ورمَصَتْ عيناه منَ البكاءِ، ودَبِرَتْ جبهته وانخرمَ أَنفُه منَ السُجودِ، ووَرِمَتْ ساقاه وقدماه منَ القيامِ في الصّلاةِ، فقالَ أَبو جعفرعليه‌السلام : «فلم أَملكْ حينَ رأَيتُه بتلكَ الحالِ البكاءَ، فبكيتُ رحمةً له(٢) ، وإذا هو يُفكِّر، فالتفتَ إِليّ بعدَ هُنيهةٍ من دخولي فقالَ: يابُنَيٌ، أَعطِني بعضَ تلكَ الصحفِ التّي فيها عبادةُ عليِّ بنِ أَبي طالبٍعليه‌السلام ، فأَعطيتُهُ، فقرأ فيها شيئاً يسيراً ثمّ تركَها من يدِه تضجُّراً وقالَ: مَنْ يَقوى على عبادةِ عليّعليه‌السلام ؟! »(٣) .

وروى محمّدُ بن الحسينِ قالَ: حدّثَنا عبدُاللّهِ بن محمّدٍ القُرشيّ قالَ: كانَ علي بنُ الحسينِعليهما‌السلام إِذا توضّأ اصفَرَّ لونُه، فيقولُ له

__________________

(١) الجَلَم: الذي يجزّ به الشعر والصوف، كالمقص «مجمع البحرين - جلم - ٦: ٣٠».

(٢) فى هامش «ش» و «م»: عليه.

(٣) ذكر ذيله ابن شهرآشوب في مناقبه ٤: ١٤٩، وأورده الطبرسي في اعلام الورى: ٢٥٤ مختصراُ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٧٤ / ٦٥.

١٤٢

أَهلُه: ما هذا الّذي يَغشاكَ؟! فيقول: «أَتدرونَ لمن أَتاهَّبُ للقيام بينَ يديه »(١) .

وروى عمرُو بنُ شمرٍ، عن جابرٍ الجعفيّ، عن أَبي جعفرعليه‌السلام قالَ: «كانَ علي بنُ الحسينِعليهما‌السلام يُصلِّي في اليوم والليلةِ أَلفَ ركعةٍ، وكانتِ الرِّيحُ تمَيِّله بمنزلةِ السُّنبلةِ»(٢) .

وروى سفيانُ الثوريُّ، عن عبيدِاللهِ بنِ عبدِ الرّحمنِ بنِ مَوْهَبٍ قالَ: ذكِرَ لعليِّ بنِ الحسينِ فضلُه فقالَ: «حَسْبُنا أَن نكونَ من صالحي قومِنا»(٣) .

أَخبرَني أَبومحمّدٍ الحسنُ بنُ محمّدٍ، عن جدّه، عن سلمة بن شَبيب، عن عُبيدِاللّهِ بنِ محمّد التّيميِّ قالَ: سمعتُ شيخاً من عبدِ القيس يقولُ: قالَ طاوُوس: دخلتُ الحِجْرَ في الليل، فإِذا عليّ بنُ الحسينِعليهما‌السلام قد دخلَ فقامَ يُصلِّي، فصلّىَ ما شاءَ الله ثمّ سجدَ، قالَ: فقلتُ: رجلٌ صالحٌ من أَهلِ بيتِ الخيرِ، لأستمعَنَّ إِلى دعائه، فسمعتهُ يقولُ في سجودِه: «عَبيدُكَ بفِنائكَ، مِسكينُكَ بفِنائكَ، فقيرُكَ بفِنائكَ، سائلُكَ بفِنائكَ ». قالَ طاووس: فما

__________________

(١) مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٢٣٦، وذكر ما يشابهه ابن سعد في طبقاته ٥: ٢١٦، وابو نعيم في حليته ٣: ١٣٣، والذهبي في سير اعلام النبلاء ٤: ٣٩٢، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٧٣ / ١٦.

(٢) مناقب ابن شهرآشوب ٤: ١٥٠، اعلام الورى:٢٥٥، وانظر الخصال: ٥١٧ / ٤ صدر الحديث، وكذا سير اعلام النبلاء ٤: ٣٩٢، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٧٤ / ٦٢.

(٣) طبقات ابن سعد٥: ٢١٤، مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٢٣٥، مناقب ابن شهرآشوب ٤: ١٦٢، اعلام الورى: ٢٥٥، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٧٤ / ٦٣.

١٤٣

دعوتُ بهنَّ في كَرْبٍ لأفُرِّجَ عنِّي(١) .

أَخبرَني أَبومحمّدٍ الحسنُ بنُ محمد، عن جدِّه، عن أحمد بن محمّدٍ الرّافعيّ، عن إِبراهيم بن عليٍّ، عن أَبيه قالَ: حججتُ معَ عليٍّ بنِ الحسينِعليه‌السلام فالْتَاثَتْ(٢) عليه النّاقةُ في سيرِها، فاَشارَ إِليها بالقضيبِ ثمّ قالَ: «آه! لولا القِصاص» وردَّ يدَه عنها(٣) .

وبهذا الاسنادِ قالَ: حج عليُّ بنُ الحسينِعليهما‌السلام ماشياً، فسارَ عشرينَ يوماً منَ المدينةِ إِلى مكّةَ(٤) .

أَخبرَني أَبو محمّدٍ الحسنُ بنُ محمّدٍ قالَ: حدّثَنا جدِّي قالَ: حدّثَنا عمّارُ بنُ أَبان َقال: حدّثَنا عبدُاللهِّ بن بُكَيْرٍ، عن زُرارة بن أَعيَنَ قالَ:سمعَ سائلٌ في جوفِ الليلِ وهويقولُ: أَينَ الزّاهدونَ في الدّنيا، الرّاغبونَ في الآخرةِ؟ فهتفَ به هاتفٌ من ناحيةِ البقيعِ يُسمَعُ صوتُه ولا يُرى شخصُه: ذاكَ علي بن الحسينِعليه‌السلام (٥) .

وروى عبدُ الرزّاقِ، عن مَعْمرٍ، عنِ الزّهريّ قالَ: لم أُدركْ أَحداً من أَهلِ هذا البيتِ - يعني بيتَ النّبيِّعليه‌السلام - أفضلَ من عليِّ

__________________

(١) سير أعلام انبلاء ٤: ٣٩٣، وفي هامشه عن ابن عساكر ١٢: ٢٠ آ، ب، مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٢٣٥، وفي كفاية الطالب: ٤٥١، وتذكرة الخواص: ٢٩٧، والفصول المهمة: ٢٠٢، باختلاف يسير، وثقله العلامة إلمجلسي في البحار ٤٦: ٧٥ / ٦٦.

(٢) التاثت الناقة: اي ابطأت في سيرها. «مجمع البحرين - لوث - ٢: ٢٦٢ ».

(٣) مناقب إبن شهرآشوب ٤: ١٥٥، اعلام الورى:٢٥٥، الفصول المهمة: ٢٠٣، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٧٦ / ٦٩.

(٤) مناقب ابن شهرآشوب ٤:١٥٥، اعلام الورى: ٢٥٦، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٧٦ / ٧٠.

(٥) مناقب ابن شهرآشوب ٤: ١٤٨، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٧٦ / ٦٧.

١٤٤

ابنِ الحسينِعليهما‌السلام (١) .

أَخبرَني أَبو محمّدٍ الحسنُ بنُ محمّدٍ قالَ: حدّثَني جدِّي قال: حدّثَنا أَبو يونسَ محمّدُ بنُ أحمدَ قالَ: حدّثَني أَبي وغيرُ واحدٍ من أصحابنا: أَنّ فتىً من قُرَيشٍ جلسَ إِلى سعيدِ بنِ المُسيَّب، فطلعَ عليُّ بنُ الحسينِعليهما‌السلام فقالَ القُرَشيُّ لابنِ المُسيِّبَ: مَنْ هذا يا أَبا محمّدٍ؟ قالَ: هذا سيِّدُ العابدينَ علي بنُ الحسينِ بنِ عَليِّ بنِ أَبي طالبِعليهم‌السلام (٢) .

أخبرَني أَبومحمّدٍ الحسنُ بنُ محمّدٍ قالَ: حدّثَتي جدِّي قالَ: حدّثَني محمّدُ بنُ جعفرٍ وغيرُه قالوا: وقفَ على عليِّ بنِ الحسينِعليهما‌السلام رجلٌ من أَهلِ بيتهِ فأَسمعَه وشتمه، فلم يكلِّمْه، فلمّا انصرفَ قالَ لجلسائه: «قد سمعتم ما قالَ هذا الرّجلُ، وأَنا أًحِبُّ أَن تَبلغوا معي إِليه حتّى تَسمعوا رَدِّي عليه » قالَ: فقالوا له: نفعلُ، ولقد كنّا نُحبُ أَن تَقولَ له ونَقولَ، قالَ: فأخذ نعليه ومشى وهو يقولُ:( وَالْكَاظِمِيْنَ الْغَيْظَ وَالْعَافِيْنَ عَنِ الناس وَاللُّه يُحِبُّ الْمُحْسِنِيْنَ ) (٣) فعلمْنا أَنّه لا يقولُ له شيئاً، قالَ: فخرجَ حتَّى أَتى منزلَ الرّجلِ فصرخَ به فقالَ: «قولوا له: هذا علي بنُ الحسينِ » قالَ: فخرجَ إِلينا ًمتوثّباً للشّرِّ، وهو لا يشكُ أَنّه إِنّما جاءه مُكافِئاً له على بعضِ ما كانَ منه، فقالَ له علي بنُ الحسينِعليهما‌السلام : « يا

__________________

(١) الجرح والتعديل ٦: ١٧٩، سير أعلام النبلاء ٤: ٣٨٩، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٧٦ / ٧١.

(٢) نقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٧٦ / ٧٢.

(٣) آل عمران ٣:١٣٤.

١٤٥

أَخي إِنّكَ كنت قد وقفتَ عليّ آنِفاً فقلتَ وقلتَ، فإِن كنتَ قلتَ ما فيَّ فأَستغفرُ اللهَ منه، وِان كنتَ قلتَ ما ليسَ فيَّ فغفرَ اللّه لكَ » قالَ: فقبّلَ الرّجلُ ما بينَ عينيه وقالَ: بل قلتُ فيكَ ما ليسَ فيكَ، وأَنا أحقُ به.

قالَ الرّاوي للحديثِ: والرّجلُ هو الحسنُ بنُ الحسنِ(١) .

أَخبرَني الحسنُ بنُ محمّدٍ، عن جدِّه قالَ: حدّثَني شيخٌ من أَهلِ اليَمَنِ قد أَتتْ عليه بضعٌ وتسعونَ سنةً (بما أَخبرَني به رجلٌ )(٢) يقالُ له عبداللهُ بن محمّدٍ قالَ: سمعتُ عبدَ الرّزّاقِ يقولُ: جعلتْ جاريةٌ لعليِّ بنِ الحسينِعليهما‌السلام تَسكبُ عليه الماءَ ليتهيّأَ للصّلاةِ، فنعستْ فسقطَ الإبريقُ من يدِ الجاريةِ فشجَّه، فرفعَ رأسَه إليها فقالتْ له الجاريةُ: إِنّ اللهَّ يقولُ:( وَالكَاظِمِيْنَ الْغَيْظَ ) (٣) قالَ: « قد

__________________

(١) ذكره مختصراً ابن شهرآشوب في المناقب ٤: ١٥٧، والذهبي في سير اعلام انبلاء ٤: ٣٩٧، وفي هامشه عن ابن عساكر ١٢: ٢٤ آ، وابن منظور في مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٢٤٠، ونقله ألعلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٥٤ / ١.

(٢) كذا في «ش» و «م» و «ح »، وفي هامش «ش»، قال أخبرني رجل، وفوقه علامة النسخة، وفي هامش «م» كلمة قال وكأن المراد منه هو نفس ما في هامش «ش»، ونسخة البحار موافقة لهذه النسخة. وقد ورد الخبر في امالي الصدوق بنفس السند حيث قال: حدثنا الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيدالله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب قال: حدثني يحيى بن الحسين بن جعفر قال: حدثني شيخ من أهل اليمن يقال له: عبداللهّ ابن محمد قال: سمعت عبد الرزاق، كذا في النسخ المعتبرة من الأمالي، وفي النسخة المطبوعة من الأمالي:الحسين بن محمد بن يحيى، وهوتصحيف، وشيخه هو جدّه يحيى بن الحسن بن جعفر وما في نسخ الأمالي المخطوطة تصحيف.

(٣) آل عمران ٣: ١٣٤.

١٤٦

كظمتُ غيظي(١) » قالت:( وَالْعَافِيْنَ عَنِ النَّاسِ ) (٢) قالَ لها: «عفا اللّهُ عنكِ » قالتْ:( وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِيْنَ ) (٣) قالَ: «اذهَبي فأَنتِ حُرةٌ»(٤) .

وروى الواقديُّ قالَ: حدّثَني عبدُاللّهِ بن محمّدِ بنِ عُمَر بن عليٍّ قالَ: كانَ هشامُ بنُ إِسماعيلَ يُسيءُ جوارَنا، ولقيَ منه عليُّ بنُ الحسينِعليهما‌السلام أَذىً شديداً، فلمّا عزِلَ أَمرَ به الوليد أَن يُوقَفَ للنّاسِ ؛ قالَ: فمرَّ به عليُّ بنُ الحسينِ وقد وُقِفَ عندَ دارِ مروانَ، قالَ: فسلّمَ عليه، وكان عليُّ بنُ الحسينِعليه‌السلام قد تقدّمَ إِلى حامّتِه ألّا يعرضَ له أَحدٌ(٥) .

ورُوِيَ:أَن عليَّ بنَ الحسينِعليه‌السلام دعا مملوكَه مرّتينِ فلم يُجِبْه، ثمّ أَجابَه في الثّالثةِ، فقالَ له: «يا بنّي، أما سمعتَ صوتي؟» قالَ: بلى، قالَ: «فما بالُكَ(٦) لم تُجبْني؟» قالَ: أَمِنْتُكَ، قالَ: « الحمدُ للّهِ الّذي جعلَ مملوكي يأْمنِّي(٧) »(٨) .

__________________

(١) في «ش»: ألغيظ، وما في ألمتن من نسخة «م» و «ح » وهامش «ش» ونسخة البحار، وكذا بعض المصادر.

(٢) و (٣) آل عمران ٣: ١٣٤.

(٤) مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٢٤٠، وذكره الصدوق في أماليه: ١٦٨ / ١٢، وابن شهراشوب في مناقبه ٤: ١٥٧، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦:٦٨ / ٣٧.

(٥) انظر تاريخ الطبري ٦: ٤٢٨، كامل ابن الأثير ٤: ٥٢٦، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٥٥ / ٥.

(٦) في «م» وهامش «ش»: فمالك.

(٧) في هامش «ش» يأْمنني.

(٨) مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٢٤٠، مناقب ابن شهرآشوب ٤: ١٥٧، اعلام الورى: ٢٥٦، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٥٦ / ٦.

١٤٧

أَخبرَني أَبومحمّدٍ الحسنُ بنُ محمّدِ بن يحيى قالَ: حدّثَني جدِّي قالَ: حدّثَنا يعقوبُ بنُ يزيدَ قالَ: حدّثَنا ابنُ أَبي عُمَيرٍ، عن عبدِاللّهِ بنِ المغيرةِ، عن أَبي جعفرٍ الأعشى، عن أَبي حمزةَ الثُّمالي، عن عليِّ بنِ الحسينِعليهما‌السلام قالَ: «خرجتُ حتّى انتهيتُ إِلى هذا الحائطِ فاتكأت عليه، فإِذا رجلٌ عليه ثوبانِ أَبيضانِ يَنظُر في تجاهِ وجهي، ثمّ قالَ: يا عليَّ بنَ الحسينِ، ما لي أَراكَ كئيباً(١) حزيناً، أَعَلى الدُنيا حُزنُكَ؟ فرِزْقُ اللهِّ حاضرٌ للبَرِّ والفاجرِ؛ قالَ: قلتُ: ما على هذا أحزنُ(٢) ، واِنّه لَكَما تقولُ ؛ قالَ: فعَلى الآخرةِ؟ فهو وعد صادقٌ يَحكمُ فيه مَلِكٌ قاهرٌ ؛ [قالَ: قلتُ: ولا على هذا أَحزن، وانّه لَكَما تقولُ ؛ قالَ: ](٣) فعلامَ حزنُكَ؟ قالَ: قلتُ: أتخوَّفُ من فتنةِ ابن الزبيرِ؛ قالَ: فضحكَ ثمّ قالَ: يا علي بنَ الحسينِ، هل رأَيتَ أحداً قطُ توكَّلَ على اللّهِ فلم يَكفِه؟ قلت: لا ؛ قالَ: يا عليَّ بنَ الحسينِ، هل رأَيتَ أحداً قطُّ خافَ اللّهَ فلم ينْجِه؟ قلتُ: لا ؛ قالَ: يا عليَّ بنَ الحسينِ، هل رأَيتَ أَحداً قط قد سأَلَ اللهَ فلم يُعْطِه؟ قلتُ: لا ؛ ثمّ نظرتُ فإِذا ليسَ قُدَّامي احد(٤) »(٥) .

__________________

(١) في «م» وهامش«ش»:مكتئباً.

(٢) في هامش «ش»: حزني.

(٣) ما بين المعقوفين اثبتناه من المطبوع وبعض المصادر الاخرى كأمالي المصنف والكافي ومختصر تاريخ دمشق.

(٤) في مختصرتاريخ دمشق هنا زيادة: » يا علي هذا الخضرعليه‌السلام ناجاك».

(٥) التوحيد للصدوق:١٧ / ٣٧٣، مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٢٣٨، الكافي ٢: ٥٢ / ٢ بطريق آخر، والمصنف في اماليه:٣٤ / ٢٠٤، واخرج نحوه ابو نعيم في حليته ٣: ١٣٤، والكنجي الشافعي في كفاية الطالب: ٤٥٠، وابن الصباغ في الفصول المهمة: ٢٠٣، والمناقب لابن شهرآشوب ٤: ١٣٧، والخرائج والجرائح للراوندي ١: ٢٦٩ / ١٣،

١٤٨

أخبرني أبو محمدٍ الحسنُ بنُ محمّدٍ قالَ: حدّثَنا جدي قال: حدّثَنا أبو نصرٍ قالَ: حدّثَنا عبدُ الرّحمن بن صالحٍ قالَ: حدّثَنا يونسُ بنُ بُكَيرٍ، عنِ (ابنِ إِسحاق )(١) قالَ: كانَ بالمدينةِ كذا وكذا أَهل بيتٍ يأْتيهم رِزقُهم وما يحتاجونَ إِليه، لا يدرونَ مِن أَينَ يأْتيهم، فلمّا ماتَ عليُّ بنُ الحسينِعليهما‌السلام فَقَدُوا ذلكَ(٢) .

أخبرَني أَبو محمّدٍ الحسنُ بنُ محمّدٍ قالَ: حدّثَنا جدِّي قالَ: حدّثَنا أَبونصرٍ قالَ: حدّثَنا محمّدُ بنُ عليِّ بنِ عبدِاللّهِ قالَ: حدّثَني أَبي قالَ: حدّثَنا عبدُاللّه بن هارونَ قالَ: حدّثَني عمرُو بنُ دينارٍ قالَ: حضرتْ زيدَ بنَ أُسامة بن زيدٍ الوفاةُ فجعلَ يبكي، فقالَ له عليُّ بنُ الحسينِعليهما‌السلام : «ما يُبكيكَ؟» قالَ: يُبكيني أَنّ عليَّ خمسةَ عشرَأَلفَ دينارٍ ولم أَتركْ لها وفاءً؛ فقالَ له عليُّ بنُ الحسينِعليه‌السلام : «لا تَبكِ، فهي عَلَيَّ، وأَنتَ منها بريء » فقضاها عنه(٣) .

وروى هارونُ بنُ موسى(٤) قالَ: حدّثَنا عبدُ الملك بن عبدِ العزيزِ

__________________

ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٣٧ / ٣٣.

(١) كذا في «م» والبحار، وفي «ح »: أبي اسحاق، كما في «ش»: علي بن اسحاق.

ويونس بن بكيرالشيباني يروي عن محمد بن اسحاق كما في تهذيب التهذيب١١:٤٣٥، ونقل ابن منظور في مختصرتاريخ دمشق عين الحديث عن محمد بن اسحاق. وهو الأنسب.

(٢) مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٢٣٨، وذكره ابو نعيم في حلية الاولياء ٣: ١٣٦، باختلاف يسير، وابن حجر في تهذيب التهذيب ٧: ٢٧٠ و ١١: ٣٨٢، وابن شهرآشوب في مناقبه ٤: ١٥٣، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٦ه / ٧.

(٣) مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٢٣٩، وانظر حلية الاولياء ٣: ١٤١، وتذكرة الخواص: ٢٩٨، مناقب آل أبي طالب ٤: ١٦٣، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٥٦ / ٨.

(٤) هارون بن موسى هذا من مشايخ يحيى بن الحسن العبيدلي، انظر غاية الاختصار: ٢٢، ٢٤، ٣٢، وقد روى عن عبد الله بن نافع الزبيري في ص ٣٢ من غاية الاختصار، وهو

١٤٩

قالَ: لمّا وليَ عبدُ الملك بن مروانَ الخلافةَ ردَّ إلى عليِّ بنِ الحسينِ صلواتُ اللّهِ عليهما صدقاتِ رسولِ اللّهِ وعليٌِ بنِ أَبي طالبِ صلواتُ الله عليهما، وكانتا مضمومتينِ، فخرجَ عمرُ بنُ عليٍّ إِلى عبدِ الملكِ يتظلّمُ إِليه من نفسه ؛(١) فقال له عبد الملك: أقولُ كما قال ابن أَبي الحقيق:

إِنَّا إِذَاَ مَالَتْ دَوَاعِي الْهَوَى

وَأنصَتَ السَّامِعُ لَلْقَائِل

وَاصْطَرَعَ النَّاسُ بِأَلْبَابهِمْ

نقضي بحُكْمٍ عَادِلٍ َفاصِلِ

لا نَجْعل الْباطِلَ حَقاً وَلاَ

نُلِظًّ(٢) دُوْنَ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ

نَخَافُ أَنْ تَسْفَهَ أَحلامُنَا فنَخْمُلَ

الدَّهرَمعَ الْخَاملِ(٣)

أخبرَني أَبو محمّد الحسنُ بنُ محمّدٍ قالَ: حدّثَنا جدِّي قالَ: حدّثَنا أَبوجعفرٍ محمّدُ بن إِسماعيلَ قالَ: حجَّ عليُّ بنُ الحسينِعليهما‌السلام فاستجهرَ(٤) الناس من جمالهِ، وتَشوّفوا إِليه وجعلوا يقولونَ: مَنْ هذا؟! مَن هذا؟! تعظيماً له وِاجلاللاً لمرتبتِه، وكانَ الفرزدقُ هناكَ

__________________

هارون بن موسى بن عبدالله المدني مولى آل عثمان الذي عنونه ابن حجر وذكر روايته عن عبدالله بن نافع الزبيري في وروايته عن عبد الملك ابن الماجشون، وعبد الملك بن الماجشون هو عبد الملك بن عبد العزيز بن عبدالله بن أبي سلمة الماجشون التيمي مولاهم أبو مروان المدني المتوفى سنة ٢١٢ أو ٢١٤، ومن هذا كله يظهر أن الرواية مأخوذة من كتاب يحيى بن الحسن العبيدلي.

(١) في هامش «ش»: أي من اختلال احوال نفسه.

(٢) اُلظّ به: لازمه لا يفارقه. «الصحاح - لظظ - ٣: ١١٧٨ ».

(٣) نقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ١٢١ / ١١.

(٤) لم نعثر على هذه الصيغة في بعض الموسوعات اللغوية المفصلة، وفي هامش النسختين «ش» و «م»: جهرت ألرجل وأجتهرته [أصح - كما في هامش «ش»] اذا استحسنته، وما أحسن جهره وجهرته.

١٥٠

فانشأ يقولُ:

هذَا الَّذِيْ تَعْرِفُ الْبَطْحاءُ وَطْاتَهُ

وَالبيْتُ يعْرفُهُ وَالْحِلُّ وَالْحرَمُ

هذَا ابنُ خيْرِ عِبَادِ الله كلّهِمُ

هذَا التقيُّ النًّقِيُّ الطاهِرُ الْعَلَمُ

يَكَادُ يُمسِكُهُ عِرْفان رَاحتِهِ

رُكنُ الحَطِيْمِ إِذَا ماجَاءَ يَسْتَلمُ

يُغْضيْ حياءً وَيغْضَى منْ مَهَابتِهِ

فمَا يُكلَّمُ إلا حينَ يبتَسِمُ

أَيُّ الْخلائقِ لَيْسَتْ في رِقابهِمُ

لأوَّلِيّةِ هذَا أَولهُ نعَمُ

منْ يَعْرِفِ اللهَّ يَعْرِفْ أَوَّلِيّةََ ذَا

فَالدِّيْنُ مِنْ بَيْتِ هذَا نَالَهُ الأممُ

إِذَا رَأتهُ قرَيْشٌ قالَ قائلهَا

إِلى مَكَارِمِ هذَا يَنْتَهِي الْكَرَمُ(١)

 أخبرَني أَبومحمّدٍ الحسنُ بنُ محمّدٍ، عن جدِّه قالَ: حدّثَني داودُ ابن القاسمِ قالَ: حدّثَنا الحسينُ بنُ زيد، عن عمِّه عمر بن عليٍّ، عن أَبيه عليِّ بنِ الحسينِعليهما‌السلام أَنّه كانَ يقولُ: «لم أَرَ مثلَ التّقدُّم في الدُّعاءِ، فإِنّ العبدَ ليسَ يَحضرُه الأجابةُ في كلِّ وقتٍ(٢) ».

وكانَ ممّا حُفِظَ عنه منَ الدُّعاءِ حينَ بلغَه تَوجُّهُ مُسْرِفِ بنِ عُقْبةَ إِلى المدينةِ:

«ربِّ كم من نعمةٍ أَنعمتَ بها عليَّ قلَّ لكَ عندَها شكري، وكم

__________________

(١) ديوان الفرزدق ٢: ١٧٨، وانظرالاغاني ٢١: ٣٧٦، الاختصاص: ١٩١، حلية الاولياء ٣: ١٣٩، مرآة الجنان ١: ٢٣٩، حياة الحيوان مادة - أسد - ١: ٩، مناقب ابن شهرآشوب ٤: ١٦٩، كفاية الطالب: ٤٥١، الفصول المهمة: ٢٠٧، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ١٢١ / ١٣، وثمة رواية أخرى للواقعة في المصادر آنفة الذكر.

(٢) جاء في هامش «ش» ما نصّه: هذا أمرمنه بالدعاء أيام الرخاء ليكون مفزعاً وعدّة أيام البلاء، فربما يوافق وقت الشدة الوقت الذي لا يستجاب الدعاء فيه.

١٥١

من بليّةٍ ابتليتَني بها قلَّ لكَ عندَها صبري، فيا مَنْ قل عند َنعمتِه شكري فلم يَحرِمْني، وقلَّ(١) عندَ بلائه صبري فلم يَخذًلني، يا ذا المعروف الذي ( لا ينقطع )(٢) أبداً، ويا ذا النّعماءِ الّتي لا تُحصى عدداً، صلِّ على محمّدٍ ( وآلِ محمّدٍ )(٣) وادفعْ عنِّي شرّه، فإِنِّي أَدرأُ بكَ في نحرِه، وأَستعيذُ بكَ من شرِّه » فقدمَ مسرفُ بنُ عُقْبةَ المدينةَ وكانَ يقال: لا يُريدُ غيرَعليِّ بنِ الحسينِ ؛ فسَلِمَ منه وأَكرمَه وحباه ووَصَلَه(٤) .

وجاءَ الحديثُ من غير وجهٍ: أنَّ مُسْرِفَ بنَ عُقْبةَ لمّا قدمَ المدينةَ أَرسلَ إِلى علي بنِ الحسينِعليهما‌السلام فأتاه، فلمّا صارَ إِليه قرّبَه وأَكرمَه وقالَ له: وصّاني أَميرُ المؤمنينَ ببرِّكَ وتمييزِكَ من غيركَ ؛ فجزّاه خيراً ؛ ثمّ قالَ: أَسرِجوا له بغلتي، وقالَ له: انصرِفْ إِلى أَهلِكَ، فإِنِّي أَرى أَنْ قد أَفزعْناهم وأَتعبْناكَ بمشيِكَ إِلينا، ولو كانَ بأَيدينا ما نَقوى به على صِلَتِكَ بقدرِ حقِّكَ لَوَصلْناكَ ؛ فقالَ له عليُّ بنُ الحسينِعليهما‌السلام : « ما أَعذرَني للأمير(٥) ! » وركبَ ؛ فقالَ لجلسائه: هذا الخيِّرُ لا شرّ َفيه، معَ موضعِه من رسولِ اللّهِ ومكانِه منه(٦) .

وجاءَتِ الرِّوايةُ: أَنّ عليَّ بنَ الحسينِعليه‌السلام كانَ في مسجدِ رسولِ اللّهِصلى‌الله‌عليه‌وآله ذاتَ يومٍ إِذ سمعَ قوماً يُشبِّهونَ اللهَّ

__________________

(١) في هامش «ش»: ويا من قل.

(٢) في هامش «ش» و «م»: لاينقضي ولا ينقطع.

(٣) في هامش «ش»: وآله.

(٤) مناقب آل أبي طالب ٤: ١٦٤، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ١٢٢ / ١٤.

(٥) في هامش «ش»: أي أعذِر الأمير، كما يقول: ما أضربني لزيد.

(٦) انظر تاريخ الطبري ٥: ٤٩٣، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ١٢٢.

١٥٢

تعالى بخلقِه، ففَزِعَ لذِلكَ وارتاعَ له، ونهضَ حتّى أَتى قبر َرسولِ اللّهِصلى‌الله‌عليه‌وآله فوقفَ عندَه ورفعَ صوتَه يناجي ربَه، فقالَ في مُناجاتِه له:

«إِلهي بَدَتْ قدرتُكَ ولم تَبدُ هيئةٌ فجهلوكَ، (وقدّروكَ بالتّقديرِ على غيرِ ما به أَنتَ )(١) ، شبّهوكَ وأَنا بريءُ يا إِلهي منَ الّذينَ بالتّشبيهِ طلبوكَ، ليسَ كمثلِكَ(٢) شيءٌ إِلهي ولم يدركوكَ، وظاهرُ ما بهم من نعمةٍ دليلُهم عليكَ لو عرفوكَ، وفي خلقِكَ يا إِلهي مَندُوْحَةٌ أَن يناولوكَ(٣) ، بل سَوَّوْكَ بخلقِكَ فمِنْ ثَمَّ لم يَعرفوكَ، واتّخذوا بعضَ آياتِك ربّاً فبذلكَ وصفوكَ، فتعاليتَ يا إِلهي عمّا به المشَبِّهونَ نَعَتُوكَ »(٤) .

فهذا طرفٌ ممّا وردَ منَ الحديثِ في فضائلِ زينِ العابدينَعليه‌السلام .
وقد روى عنه فقهاءُ العامّةِ منَ العلومِ ما لا يُحصى كثرةً، وحُفِظَ عنه منَ المواعظِ والأدعيةِ وفضائلِ القرآنِ والحلالِ والحرام والمغازي والأيّامِ ما هو مشهورٌ بينَ العلماءِ، ولو قَصَدْنا إِلى شرحِ ذلكَ لَطَالَ به الخطابُ وتقضّى به الزّمانُ.

وقد رَوَتِ الشِّيعةُ له آياتٍ معُجزاتٍ وبراهينَ واضحاتٍ لم

__________________

(١) العبارة في «ش» مضطربة ومكررة، وأثبتناها من «م».

(٢) في «م» وهامش «ش»: ليس مثلك.

(٣) في هامش «ش»: يعني في خلقك مستغنىً باعتبار الاستدلال عن تناول ذلك والكلام فيها نفسها، وحقيقة المناولة ان تتناول ذاته عزّت.

(٤) نقله العلامة المجلسي في البحار ٣: ٢٩٣ / ١٥، وذكره الصدوق في الأمالي: ٤٨٧ عن الأمام الرضاعليه‌السلام وكذا في التوحيد: ١٢٤ / ٢، والعيون ا: ١١٦ / ٥.

١٥٣

يَتَّسِعْ لذكرِها المكانُ، ووجودُها في كتبِهم المصنّفةِ ينوبُ مَنابَ إيرادِها في هذا الكتابِ، واللهُّ الموفٌق للصّوابِ.

* * *

١٥٤

باب ذكر أولادِ عليِّ بنِ الحسينِ عليهما السّلامُ

وولد عليّ بن الحسينِعليهما‌السلام خمسةَ عشرَولداً:

محمّدٌ المُكنّى أَبا جعفرٍ الباقرعليه‌السلام ، أًمُه أُمّ عبدِاللهِ بنتُ الحسنِ بنِ عليِّ بنِ أَبي طالبعليهم‌السلام .

وعبدُاللهِّ والحسنُ والحسينُ، أُمُّهم أُمُّ ولدٍ.

وزيدٌ وعمرُ، لأم ولدٍ.

والحسين الأصغرُ وعبدُ الرّحمنِ وسُليمان، لأمّ ولدٍ.

وعلي - وكانَ أَصغرَ ولدِ عليِّ بنِ الحسينِ - وخديجةُ، أًمُّهما أُمُّ ولدٍ
ومحمّدٌ الأصغرُ، أُمُّه أمُّ ولدٍ.

وفاطمةُ وعليّةُ وأُمُّ كلثوم، أُمًّهنَّ أُمُّ ولدٍ.

* * *

١٥٥

١٥٦

باب ذكر الإمامِ بعدَ عليِّ بنِ الحسينِ عليهما السلامُ

وتاريخ مولدِه، ودلائلِ إِمامتِه، ومبلغ سنَّه،

ومدّة خلافتِه، ووقت وفاتِه وسببها،

وموضع قبرِه، وعدد أولادِه، ومختصر من أخبارِه

وكانَ الباقرُ أَبو جعفرٍ محمّدُ بنُ عليِّ بنِ الحسينِعليهم‌السلام من بينِ إِخوته خليفةَ أَبيه علي بنِ الحسينِ ووصيه والقائمَ بالإمامةِ من بعدِه، وبرز على جماعتِهم بالفضلِ في العلمِ والزُهدِ والسؤْدَدِ، وكانَ أَنبهَهم ذِكراً وأَجلَّهم في العامّةِ والخاصّةِ وأَعظمَهم قدراً، ولم يَظهْر عن أَحدٍ من ولدِ الحسن والحسينِعليهما‌السلام من علم الدِّينِ والأثارِ والسُّنّةِ وعلمِ القرانِ والسيرِ وفنونِ الأداب ما ظهرَ عن أَبي جعفرٍعليه‌السلام ، وروى عنه معالمَ الدِّينِ بقايا اَلصّحابةِ ووجوهُ التّابعينَ ورؤساءُ فقهاءِ المسلمينَ، وصارَ بالفضلِ به عَلَماً لأهلِه تُضْرَبُ به الأمثالُ، وتَسيرُ بوصفِه الأثارُ والأشعارُ؛ وفيه يقول القُرظيُّ:

يَابَاقِرَ الْعِلْمِ لاهْلِ التُّقَى

وَخَيْرَمَنْ لبى على الأجبُلِ(١)

وقالَ مالكُ بنُ أَعيَنَ الجُهَنيّ فيه:

إذَا طَلَبَ النَاسُ عِلْمَ الْقُرَا

نِ كَانَتْ قُرَيْش عَلَيْهِ عِيَالا

وَإنْ قِيْلَ: أيْنَ ابْنُ بِنْتِ الَّنب

يِ؟ نِلْتَ بِذَاكَ فُرُوْعَاً طِوَالا

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ٤: ٤٠٣، مختصر تاريخ دمشق ٢٣: ٧٨.

١٥٧

نُجُوْم تَهَلّلُ لِلْمُدْلِجين

جِبَالٌ تُوَرِّثُ عِلْمَاً جِبالا(١)

ووُلِدَعليه‌السلام بالمدينةِ سنةَ سبعٍ وخمسينَ منَ الهجرة، وقُبِضَ فيها سنةَ أَربعَ عشرةَ ومائة، وسنه يومئذٍ سبعٌ وخمسونَ سنة، وهو هاشميّ من هاشِمِيَّيْنِ علوي من علوييْنِ، وقبرُه بالبقيعِ من مدينةِ الرّسولِ عليهِ واله السّلامُ.

روى ميمون القداحُ، عن جعفر بنِ محمّدٍ، عن أَبيه قالَ: «دخلتُ على جابرِ بنِ عبدِاللهِ رحمةُ اللهِّ عليه فسلَّمتُ عليه، فردَّ عليَّ السّلامَ ثم قالَ لي: مَنْ أَنتَ؟ - وذلكَ بعدَما كُفّ بصرُه - فقلتُ: محمّدُ بنُ عليِّ بنِ الحسين ؛ فقالَ: يا بُني ادْنُ منِّي، فدنوتُ منه فقبّلَ يَدَي ثمّ أَهوى إلى رجليّ يقبِّلها فتنحّيتُ عنه، ثمّ قالَ لي: إِنّ رسولَ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله يُقرئُكَ السّلامَ، فقلتُ: وعلى رسولِ اللهِ السّلامُ ورحمةُ اللهِ وبركاتُه، وكيفَ ذلكَ يا جابرُ؟ فقالَ: كنتُ معَه ذاتَ يومٍ فقالَ لي: يا جابر، لعلكَ أَنْ تبقى حتّى تلقى رجلاً من ولدي يقالُ له ُمحمّد بنُ عليِّ بنِ الحسينِ، يَهبُ اللهُ له النُورَ والحكمَةَ فاقْرِئْه منِّي السّلامَ »(٢) .

وكانَ في وصيّةِ أَميرِ المؤمنينَعليه‌السلام إلى ولدِه ذكرُ محمّدِ بنِ

__________________

(١) معجم الشعراء للمرزباني: ٢٦٨، سير اعلام النبلاء ٤:٤٠٤.

(٢) انظر الكافي ١: ٣٩٠ / ٢، امالي الصدوق: ٢٨٩ / ٩، كمال الدين ١: ٢٥٤ / ٣، علل الشرائع: ١: ٢٣٣، مختصر تاريخ دمشق ٢٣: ٧٨، الفصول المهمة: ٢١١، المناقب لابن شهرآشوب ٤: ١٩٦، وقد ورد فيها مضمون الخبر بطرق مختلفة.وقد روى هذا الخبر في غاية الاختصار: ١٠٤ باسناده الى محمد بن الحسن العبيدلي، قال: أخبرني ابن أبي بزة:أخبرنا عبداللهّ بن ميمون عن جعفر بن محمد عن أبيه ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٢٢٧ / ٨.

١٥٨

عليٍّ والوَصاة به.

وسمّاه رسول الله وعرفَه بباقرِ العلمِ(١) ، على ما رواه أصحابُ الأثارِ، وبما ِرويَ عن جابرِ بن عبدِاللهِ في حديثٍ مجرّدٍ أَنّه قالَ: قالَ لي رسولُ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله : «يوشَكُ أَن تبقى حتى تلقى ولداً لي منَ الحسينِ يقالُ له: محمّدُ يَبقرُ علمَ الدينِ بقراً، فإذا لقيتَه فأقرِئْه منّي السلامَ »(٢) .

وروتِ الشّيعةُ في خبر اللوح الّذي هبطَ به جَبْرِئيْلُعليه‌السلام على رسولِ اللّهِصلى‌الله‌عليه‌وآله منَ الجنةِ، فاَعطاه فاطمةَعليها‌السلام وفيه أَسماءُ الأئمّةِ من بعدِه، وكانَ فيه: «محمّدُ ابنُ عليٍّ الإمام بعدَ أَبيهِ »(٣) .

وروتْ أيضاً: أنّ اللّه تباركَ وتعالى أنزلَ إلى نبيِّه عليه وآله السّلامُ كتاباً مختوماً باثني عشرَ خاتماً، وأمَرَه أن يدفعَه إلى أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالبعليه‌السلام وياْمرَه أن يَفُضَّ أولَ خاتمٍ فيه ويعملَ بما تحتَه، ثم يدفعه عندَ وفاتِه إلى ابنهِ الحسنِعليه‌السلام وياْمره أَن يَفضُّ الخاتمَ الثانيَ ويعملَ بما تحتَه، ثم يدفعه عندَ حضورِ وفاتِه إِلى أَخيهِ الحسينِ وياْمره أَن يفضَّ الخاتمَ الثالثَ ويعمل بما تحتَه، ثمّ يدفعه الحسينُ عندَ وفاتَه إلى ابنهِ عليّ بنِ الحسينِعليهما‌السلام ويأمره بمثلِ ذلكَ ويدفعه عليُّ بنُ الحسين عندَ وفاتهِ إلى ابنهِ محمّدِ بنِ علي الأكبرِعليه‌السلام ويأمره بمثلِ ذلكَ، ثمّ يدفعه محمّدُ بنَ عليٍّ إِلى

__________________

(١) في هامش «ش« و «م»: العلوم.

(٢) مناقب آل أبي طالب ٤: ١٩٧، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٢٢٢ / ٦.

(٣) انظر ص ١٣٨ من هذا الكتاب.

١٥٩

ولدِه حتّى ينتهي إِلى آخرِ الأئمّةِعليهم‌السلام أجمعين(١) .

ورَوَوْا أَيضاً نصوصاً كثيرةً عليه بالأمامةِ بعدَ أَبيه عنِ النّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله وعن أَمير المؤمنينَ وعنِ الحسينِ وعليّ بنِ الحسينِعليهم‌السلام .

وقد رَوى النّاسُ من فضائلهِ ومناقبِه ما يكثر به الخطبُ إِن أَثبتْناه، وفيما نذكرُه منه كفايةٌ فيما نقصدُه في معناه إِنْ شاءَ اللّهُ.

أَخبرَني الشّريفُ أَبو محمّدٍ الحسنُ بنُ محمّدٍ قالَ: حدَّثني جدَي قالَ: حدثَنا محمدُ بنُ القاسم الشيبانيّ قالَ: حدّثَنا عبدُ الرّحمن بن صالح الأزديّ، عن أَبي مالكٍ الجَنْبيّ(٢) ، عن عبدِاللهِ بنِ عطاءٍ المكِّيِّ قالَ: ما رأَيت العلماءَ عندَ أحدٍ قطُ أَصغرَمنهم عند أَبي جعفرٍ محمّدِ بنِ عليِّ ابنِ الحسينِعليهم‌السلام ، ولقد رأَيتُ الحَكَمَ بن عُتَيْبَةَ - معَ جلالتِه في القوم - بينَ يديه كأَنّه صبيّ بين يَدَيْ مُعَلِّمه(٣) .

وكانَ جابر بنُ يزيدَ الجعفيّ إِذا روى عن محمّدِ بنِ عليٍّعليهما‌السلام شيئاً قالَ: حدّثَني وصيُّ الأوصياءِ ووارثُ علم الأنبياءِ محمّدُ ابنُ عليِّ بنِ الحسينِعليهم‌السلام .

__________________

(١) انظر الكافي ١: ٢٢٠ / ١، ٢، أمالي الصدوق: ٣٢٨ / ٢، كمال الدين: ٢٣١ / ٣٥، غيبة النعماني: ٥٢ / ٣، ٤، أمالي الطوسي ٢: ٥٦.

(٢) كذا واضحاً في «ش» و «م» و «ح » وفي ذيل الكلمة في «ش»: «هكذا وكأنه اشارة الى أنّه هو الموجود في نسخة قرئت على المصنف، وقد تكررت الحكاية عن نسخة قرئت على الشيخ - يعني المصنف - كما مرّ. وفي هامش «ش»: «الجنبي لا غير، » وقد سقط (عن أبي مالك الجنبي ) من نسخة البحار، وفي المطبوع من الارشاد (الجهني ) وهو تصحيف من النسّاخ، وعلى هذه النسخة المصحفة بنى بعض المعاصرين الوهم الذي عقده في كتابه واعترض على المصنف وغيره.

(٣) مختصر تاريخ دمشق٢٣: ٧٩، حلية الاولياء ٣: ١٨٦، مناقب آل أبي طالب ٤: ١٨٠ و ٢٠٤، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٢٨٦ / ٢.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

قد يقصد أيضاً لغرض منع الشعر من الانتشار وغيره ، فإذاً الأولى النظر إلى تسميته حاسر الرأس ومستور جميع الرأس أو بعضه.

وعند أبي حنيفة لا تكمل الفدية إلّا إذا ستر ربع الرأس فصاعداً ، فإن ستر أقلّ من ذلك ، فعليه صدقة(١) .

البحث التاسع : التظليل‌

مسألة ٢٥٩ (٢) : يحرم على المـُحْرم الاستظلال حالة السير ، فلا يجوز له الركوب في المحمل وما في معناه ، كالهودج والكنيسة والعمارية وأشباه ذلك ، عند علمائنا أجمع - وبه قال ابن عمر ومالك وسفيان بن عيينة وأهل المدينة وأبو حنيفة وأحمد(٣) - لما رواه العامّة عن ابن عمر أنّه رأى على رحل عمر بن عبد الله ابن أبي ربيعة عوداً يستره من الشمس ، فنهاه(٤) .

ورأى رجلاً محرماً على رحل قد رفع ثوباً على عود يستتر به من الشمس ، فقال : اضحَ لمن أحرمت له(٥) . أي : أبرز للشمس.

ومن طريق الخاصّة : ما رواه جعفر بن المثنى الخطيب عن محمّد بن الفضيل وبشر بن إسماعيل ، قال : قال لي محمّد : ألا أُبشّرك يا ابن مثنى؟ فقلت : بلى ، فقمت إليه ، فقال : دخل هذا الفاسق آنفاً ، فجلس قبالة أبي الحسنعليه‌السلام ، ثم أقبل عليه ، فقال له : يا أبا الحسن ما تقول في المحرم أيستظلّ على المحمل؟ فقال [ له ](٦) : « لا » قال : فيستظلّ في‌

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٣٨ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢٨ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦١ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٨٧.

(٢) ورد في هامش « ن » : ليس في نسخة المصنّف بعد هذا البحث مسألة.

(٣) المغني ٣ : ٢٨٥ - ٢٨٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٧ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٢٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٨٤ ، المجموع ٧ : ٢٦٧.

(٤ و ٥ ) المغني ٣ : ٢٨٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٧ ، ونحوهما في سنن البيهقي ٥ : ٧٠.

(٦) أضفناها من المصدر.

٣٤١

الخباء؟ فقال له : « نعم » فأعاد عليه القول شبه المستهزئ يضحك ، فقال : يا أبا الحسن فما فرق بين هذا وهذا؟ فقال. « يا أبا يوسف إنّ الدين ليس بقياس كقياسكم أنتم تلعبون ، إنّا صنعنا كما صنع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقلنا كما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يركب راحلته فلا يستظلّ عليها وتؤذيه الشمس فيستر بعض جسده ببعض ، وربما ستر وجهه بيده ، فإذا نزل استظلّ بالخباء وفي‌ء البيت والجدار »(١) .

ولأنّه ستر بما يقصد به الترفّه ، فأشبه ما لو غطّاه.

ورخّص فيه ربيعة والثوري والشافعي ، وهو مروي عن عثمان وعطاء ، لما روت اُمّ الحُصين قالت : حججت مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حجّة الوداع ، فرأيت أسامة وبدلا أحدهما أخذ بخِطام(٢) ناقة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والآخر رافع ثوبه يستره من الحرّ حتى رمى جمرة العقبة(٣) .

ولأنّه يُباح له التظليل في البيت والخباء ، فجاز له [ في حال ](٤) الركوب(٥) .

والحديث ممنوع ، وجاز أن يكونعليه‌السلام مضطرّاً إلى التظليل.

ولأنّ رفع الثوب الساتر جاز أن يكون حالة النزول ؛ لأنّه ليس في الحديث أنّه كان حالة الركوب ، والفرق ظاهر ؛ فإنّ التظليل حالة النزول دافع‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٣٥٠ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣٠٩ - ٣١٠ / ١٠٦١ بتفاوت يسير في الألفاظ ، وفي الأخير : بشير بن إسماعيل.

(٢) الخطام : الحبل الذي يُقاد به البعير. لسان العرب ١٢ : ١٨٦ « خطم ».

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٩٤٤ / ٣١٢ ، سنن أبي داود ٢ : ١٦٧ / ١٨٣٤ ، مسند أحمد ٦ : ٤٠٢.

(٤) أضفناها من المغني والشرح الكبير.

(٥) المغني ٣ : ٢٨٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٧ ، فتح العزيز ٧ : ٤٣٣ - ٤٣٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٢٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٨٣ ، المجموع ٧ : ٢٦٧.

٣٤٢

للأذى ، بخلاف حالة الركوب ؛ فإنّ الفعل حالة النزول أكثر ؛ لدوامه ، بخلاف حالة الركوب.

مسألة ٢٦٠ : يجوز للمُحْرم حالة النزول الاستظلال بالسقف والشجرة‌ والخباء والخيمة لضرورة وغير ضرورة ، عند العلماء كافّة.

روى العامّة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر بقبّة من شعر ، فضُربت له بـ « نَمِرة » فأتى « عرفة » فوجد القبّة قد ضُربت له بـ « نمرة » فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس(١) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه جعفر بن المثنى عن أبي الحسنعليه‌السلام ، قال : « كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يركب راحلته فلا يستظلّ عليها وتؤذيه الشمس ، فيستر بعض جسده ببعض ، وربما ستر وجهه بيده ، وإذا نزل استظلّ بالخباء وفي البيت وبالجدار »(٢) .

مسألة ٢٦١ : لو افتقر حالة السير إلى الاستظلال لعلّة ومرض وشدّة حَرٍّ أو بردٍ أو مطر ، جاز له الاستظلال ، وتجب الفدية ؛ لما رواه سعد بن سعد الأشعري عن الرضاعليه‌السلام ، قال : سألته عن المـُحْرم يظلّل على نفسه ، فقال : « أمن علّة؟ » فقلت : تؤذيه الشمس وهو مُحْرم ، فقال : « هي علّة يظلّ ويفدي »(٣) .

وسأل إبراهيمُ بن أبي محمود ، الرضاعليه‌السلام : عن المـُحْرم يظلّل على محمله ويفدي إذا كانت الشمس والمطر يضرّ به ، قال : « نعم » قلت : كم الفداء؟ قال : « شاة »(٤) .

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٨٨٩ / ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٥ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٤ / ٣٠٧٤، سنن الدارمي ٢ : ٤٧.

(٢) الكافي ٤ : ٣٥٠ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣٠٩ - ٣١٠ / ١٠٦١.

(٣) التهذيب ٥ : ٣١٠ - ٣١١ / ١٠٦٤ ، الاستبصار ٢ : ١٨٦ / ٦٢٤.

(٤) الكافي ٤ : ٣٥١ / ٩ ، التهذيب ٥ : ٣١١ / ١٠٦٦ ، الاستبصار ٢ : ١٨٧ / ٦٢٦.

٣٤٣

ولأنّه في محلّ الحاجة ، فكان سائغاً.

إذا عرفت هذا ، فإنّه لا يجوز للمُحْرم إذا لم يكن مضطرّاً إلى التظليل أن يظلّل على نفسه وإن التزم الكفّارة ، وإنّما يسوغ التظليل للمُحْرم بشرطين : العلّة والتزام الكفّارة.

روى عبد الله بن المغيرة - في الصحيح - عن الكاظمعليه‌السلام : اُظلّل وأنا مُحرم؟ قال : « لا » قلت : أفاُظلّل واُكفّر؟ قال : « لا » قلت : فإن مرضت؟ قال : « ظلّل وكفّر »(١) .

مسألة ٢٦٢ : يجوز للمرأة التظليل على نفسها حالة السير ، كما جاز للعليل ؛ لضعف مزاجها ، وقبوله للانفعال بسرعة ، فساغ لها التظليل ؛ دفعاً للحرج الحاصل من تركه ، فأشبهت العليل والنازل.

وروى محمّد بن مسلم - في الصحيح - عن أحدهماعليهما‌السلام ، قال : سألته عن المـُحْرم يركب القبّة ، فقال : « لا » قلت : فالمرأة المـُحْرمة ، قال : « نعم »(٢) .

وكذا الصبي يجوز له التظليل ؛ لما قلناه في المرأة.

ولما رواه حريز - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « لا بأس بالقبّة على النساء والصبيان وهم مُحرمون ، ولا يرتمس المحرم في الماء ولا الصائم »(٣) .

قال الشيخرحمه‌الله : قد رخص للنساء في التظليل ، وتركه أفضل على كلّ حال(٤) .

____________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٢٥ / ١٠٥٩ ، التهذيب ٥ : ٣١٣ / ١٠٧٥ ، الاستبصار ٢ : ١٨٧ / ٦٢٧.

(٢) التهذيب ٥ : ٣١٢ / ١٠٧٠.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٢٦ / ١٠٦٤ ، التهذيب ٥ : ٣١٢ / ١٠٧١.

(٤) النهاية : ٢٢١ ، المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٢١.

٣٤٤

مسألة ٢٦٣ : لو زامل المريضَ أو المرأةَ أو الصبيَّ رجلٌ صحيح ، اختصّ المريض والمرأة والصبي بالتظليل على المحمل ، وكشف الصحيح محمله ؛ لقيام المانع من التظليل في حقّه ، وهو الإِحرام السالم عن أحد الأعذار المـُسوّغة له.

ولما رواه بكر بن صالح ، قال : كتبت إلى أبي جعفر الثانيعليه‌السلام : إنّ عمّتي معي وهي زميلتي ويشتدّ عليها الحَرّ إذا أحرمَتْ ، فترى [ أن ](١) اُظلّل عليَّ وعليها؟ فكتب : « ظلِّل عليها وحدها »(٢) .

مسألة ٢٦٤ : إذا استظلّ حالة الاختيار ، وجب عليه الفداء‌ - وهو رواية عن أحمد ، وقول أهل المدينة(٣) - لأنّه ستر رأسه بما يستدام ويلازمه غالباً ، فأشبه ما لو ستره بشي‌ء يُلاقيه.

ولأنّ الفداء يجب للضرورة فبدونها أولى.

ولأنّ محمد بن إسماعيل بن بزيع ، قال : سأله رجل عن الظلال للمُحْرم من أذى مطر أو شمس وأنا أسمعه ، فأمره أن يفدي(٤) شاة يذبحها بمنى(٥) .

وأحمد وإن منع التظليل إلّا أنّه لم يوجب الفدية ، فقيل له : إنّ أهل المدينة يقولون : عليه دم ، قال : نعم أهل المدينة يغلطون(٦) .

إذا عرفت هذا ، فلا فرق بين أن يقع التظليل في إحرام العمرة المتمتّع بها وإحرام الحج.

وقال الشيخ في بعض كتبه : لو وقع التظليل في إحرام العمرة المتمتَّع‌

____________________

(١) أضفناها من المصدر.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٢٦ / ١٠٦١ ، التهذيب ٥ : ٣١١ / ١٠٦٨ ، الاستبصار ٢ : ١٨٥ / ٦١٦.

(٣) المغني ٣ : ٢٨٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٧.

(٤) في النسخ الخطية والحجرية : يهدي. وما أثبتناه من المصدر.

(٥) الكافي ٤ : ٣٥١ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٣١١ / ١٠٦٥ ، الاستبصار ٢ : ١٨٦ / ٦٢٥.

(٦) المغني ٣ : ٢٨٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٧.

٣٤٥

بها ، لزمه كفّارتان ؛ لما رواه أبو علي بن راشد ، قال : قلت لهعليه‌السلام : جعلت فداك إنّه يشتدّ عليّ كشف الظلال ، لأنّي محرور تشتدّ الشمس عليّ ، فقال : « ظلّل وأرق دماً » فقلت له : دماً أو دمين ، قال : « للعمرة؟ » قلت : إنّا نُحرم بالعمرة وندخل مكة فنحلّ ونحرم بالحجّ ، قال : « فأرق دمين »(١) .

ومع صحة السند نحمله على الاستحباب.

وقال بعض الشافعية : إذا لم تمسّ المظلّة رأسه ، فلا فدية ، وإن مسّته ، وجبت الفدية(٢)

البحث العاشر : إزالة الشعر‌

مسألة ٢٦٥ : يحرم على المـُحْرم إزالة شي‌ء من شعره ، قليلاً كان أو كثيراً ، على رأسه أو على بدنه أو لحيته بإجماع العلماء.

قال الله تعالى :( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) (٣) .

وما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال لكعب بن عجرة : ( لعلّك تؤذيك هوامّ رأسك ) قال : نعم يا رسول الله ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( احلق رأسك ، وصُمْ ثلاثة أيّام ، أو أطعم ستة مساكين ، أو أنسك شاة )(٤) وهو يدلّ على المنع من الحلق قبل ذلك.

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « مرّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على كعب بن عُجْرَة الأنصاري والقمل يتناثر من رأسه ،

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣١١ / ١٠٦٧.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٣٣.

(٣) البقرة : ١٩٦.

(٤) صحيح البخاري ٣ : ١٢ - ١٣ ، المعجم الكبير - للطبراني - ١٩ : ١٠٩ - ٢٢٠ ، سنن البيهقي ٥ : ٥٥ ، الموطّأ ١ : ٤١٧ / ٢٣٨ بتفاوت ، وأورد نصّه ابن قدامة في المغني ٣ : ٣٠١.

٣٤٦

فقال : أتؤذيك هوامّك؟ فقال : نعم ، قال : فاُنزلت هذه الآية( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) (١) فأمره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فحلق رأسه ، وجعل عليه صيام ثلاثة أيام والصدقة على ستة مساكين لكلّ مسكين مُدّان ، والنسك شاة »(٢) .

وقال ابن عباس : ( مَرِيضاً ) أي : برأسه قروح( أَوْ بِهِ أَذىً ) ، أي : قمل(٣) .

وسواء حلق لعذر أو لغير عذر ، فإنّ الفدية واجبة عليه ؛ للآية(٤) ، وإذا وجبت مع العذر فمع عدمه أولى.

مسألة ٢٦٦ : ولا فرق بين شعر الرأس في ذلك وبين شعر البدن في قول أهل العلم ؛ لما تقدّم في قول الصادقعليه‌السلام : « ولا يحلق الشعر »(٥) وهو يتناول شعر الرأس وغيره.

ولاشتماله على التنظيف والترفّه ، فلزمته الفدية ، كشعر الرأس ، بل الحاصل من الترفّه والتنظيف فيه أكثر من الرأس.

وقال أهل الظاهر : لا يجب في شعر غير الرأس(٦) ، لقوله تعالى :( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ ) (٧) .

وهو استدلال بمفهوم اللقب ، وليس حجّةً إجماعاً من المحقّقين.

ولا فرق بين أن يزيل الشعر بالإِطلاء أو الحلق أو النتف عن الرأس أو‌

____________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) الكافي ٤ : ٣٥٨ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٣٣ / ١١٤٧ ، الاستبصار ٢ : ١٩٥ / ٦٥٦.

(٣) المغني ٣ : ٣٠٢ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٦ ، تفسير ابن عباس : ٢٧.

(٤) البقرة : ١٩٦.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٠٦ / ١٠٤٤ ، الاستبصار ٢ : ١٨٣ / ٦٠٨.

(٦) المجموع ٧ : ٢٤٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٨٣ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٧.

(٧) البقرة : ١٩٦.

٣٤٧

البدن.

ولو قطع يده وعليها شعرات ، فلا فدية ؛ لأنّ الشعر غير مقصود بالإِبانة ، وكذا لو كشط جلدة الرأس ، كما لو قتل الصغيرة لا يجب المهر ؛ لأنّ البُضْع تابع عند القتل.

ولو أرضعت الكبيرةُ الصغيرة ، بطل النكاح ، ووجب المهر.

ولو مشط لحيته أو رأسه ، فانتفت شعرات ، فعليه الفدية.

ولو شكّ هل كانت الشعرات منسلّةً فانفصلت وانتتفت بالمشط ، فالأقرب : وجوب الفدية ، وهو أحد قولي الشافعي ، والثاني : لا تجب(١) .

مسألة ٢٦٧ : الكفّارة تجب بحلق جميع الرأس وبعضه ، قليلاً كان أو كثيراً ، لكن تختلف ، ففي حلق جميع الرأس : دم ، وكذا فيما يسمّى حلق الرأس وإن كان بعضه.

وفي حلق ثلاث شعرات صدقة بمهما كان ؛ لأنّ الدم معلّق على حلق الرأس ، وهو إنّما يصدق حقيقةً في الجميع ، فيبقى الباقي على أصل البراءة.

وأمّا وجوب الفدية في القليل : فلما ورد عنهمعليهم‌السلام : « أنّ مَنْ مسَّ شعر رأسه ولحيته فسقط شي‌ء من شعره يتصدّق بشي‌ء »(٢) .

وقال الشافعي : يجب بحلق ثلاث شعرات دم ، لأنّه شعر آدمي يصدق عليه اسم الجمع المطلق(٣) .

والفرق بين الكثير والقليل ظاهر.

وقال أبو حنيفة : لا يجب الدم إلّا بحلق ربع الرأس ؛ لأنّ الربع يقوم‌

____________________

(١) الوجيز ١ : ١٢٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٥ ، المجموع ٧ : ٢٤٨.

(٢) الكافي ٤ : ٣٦١ / ١١ ، الفقيه ٢ : ٢٢٩ / ١٠٨٩ ، التهذيب ٥ : ٣٣٨ - ٣٣٩ / ١١٧١ ، الاستبصار ٢: ١٩٨ / ٦٦٩.

(٣) الوجيز ١ : ١٢٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢١ ، المجموع ٧ : ٣٧٤ ، مختصر المزني : ٦٦ ، المغني ٣ : ٥٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٠.

٣٤٨

مقام الكلّ ، فإنّه يصدق : رأيت رجلاً ، وإن كان لم يشاهد سوى جانب منه(١) .

ونمنع حقيقة الإِطلاق ، ولهذا يصحّ نفيه.

ورؤية الرجل مجاز إمّا لأنّه ليس هو الهيكل المحسوس ، بل شي‌ء مجرّد ، وإمّا لأنّه أجزاء أصلية.

ولأنّ الإِنسان ليس مربّعاً ، بل إذا رأى ما يعرفونه قال : رأيته ، ولو رأى صفحة وجهه.

وقال مالك : إذا حلق من رأسه ما أماط عنه الأذى ، وجب الدم ، قلّ أو كثر(٢) .

وعن أحمد روايتان : إحداهما : أنّه يجب بثلاث شعرات ، كقول الشافعي ، والثانية : بأربع شعرات(٣) .

ولو نتف شعرة أو شعرتين ، فعندنا تجب صدقة ، وللشافعي أقوال :

أحدها : يجب في الشعرة الواحدة مُدٌّ من طعام ، وفي الشعرتين مُدّان ، وفي الثلاث دم شاة ؛ لأنّ تبعيض الدم عسر ، والشرع(٤) قد عدل الحيوان بالطعام في جزاء الصيد وغيره ، والشعرة الواحدة هي النهاية في القلّة ، والمدّ أقلّ ما وجب في الكفّارات ، فقُوبلت به.

الثاني : أنّه يجب في الشعرة الواحدة درهم ، وفي الشعرتين درهمان ؛ لأنّ‌

____________________

(١) الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦١ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩٢ ، المغني ٣ : ٥٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٦ ، المجموع ٧ : ٣٧٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٦.

(٢) المدوّنة الكبرى ١ : ٤٣٠ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٥ - ٣٦٦ ، المغني ٣ : ٥٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٦ ، المجموع ٧ : ٣٧٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٧.

(٣) المغني ٣ : ٥٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٠ ، المجموع ٧ : ٣٧٤ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٦.

(٤) ورد في النسخ الخطية والحجرية : والشعر ، وذلك تصحيف ، وما أثبتناه من فتح العزيز ، وهو الظاهر من المهذّب للشيرازي.

٣٤٩

تبعيض الدم عسر ، وكانت الشاة تُقوّم في عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بثلاثة دراهم تقريباً ، فاعتبرت تلك القيمة عند الحاجة إلى التوزيع.

الثالث : أنّ في الشعرة ثُلثَ دم ، وفي الشعرتين ثُلثي الدم ، تقسيطاً للواجب في الشعرات الثلاث على الآحاد.

الرابع : أنّ الدم الكامل يجب بالشعرة الواحدة ؛ لأنّ محظورات الإِحرام لا تختلف بالقلّة والكثرة ، كالطيب واللُّبْس(١) .

مسألة ٢٦٨ : لو حلق رأسه لأذى ، لم يكن مُحرَّماً ، ولا تسقط الفدية ؛ لنصّ القرآن(٢) .

ولو كثرت الهوامّ في رأسه ، أو كانت به جراحة ، وأحوجه أذاها إلى الحلق ، جاز له ذلك ، ويجب الفداء ، كما في حديث كعب بن عُجْرَة ، وقد تقدّم(٣) .

وكذا لو كان كثير الشعر يؤذيه الحَرّ ، جاز له الحلق مع الفداء.

ولو كان الضرر اللاحق من نفس الشعر ، مثل أن ينبت في عينه أو طال حاجباه فغطيا عينيه ، فله قلع ما في العين ، وقطع ما استرسل على عينيه ، ولا فدية عليه ، لأنّ الشعر آذاه ، فكان له دفع أذيّته بغير فدية ، كالصيد إذا صال عليه.

ولو كان الأذى من غير الشعر لكن لا يتمكّن من إزالة الأذى إلّا بإزالة الشعر ، كالقُمَّل والقروح برأسه ، أو صُداع برأسه ، أو شدّة الحَرّ عليه لكثرة شعره ، فعليه الفدية ؛ لأنّه قطع الشعر لإِزالة ضرر غيره ، فأشبه أكل الصيد للمخمصة.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ١١٥ ، الوجيز ١ : ١٢٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٧ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢١ ، المجموع ٧ : ٣٧٠ - ٣٧١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٧.

(٢) البقرة : ١٩٦.

(٣) تقدّم في المسألة ٢٦٥.

٣٥٠

لا يقال : القُمَّل من ضرر الشعر والحَرّ سببه كثرة الشعر فتساويا.

لأنّا نقول : ليس القُمَّل من الشعر وإنّما لا يتمكّن من المقام في الرأس إلّا به ، فهو محلّ له لا سبب فيه.

وكذا الحَرّ من الزمان بدليل أنّ الشعر يوجد في زمن البرد ، فلا يتأذّى به.

وهذا تفصيل حسن لا بأس به ، ذكره بعض الشافعية(١) .

تنبيه : لو نتف إبطه ، وجب عليه الفدية ؛ لأنّه أزال الشعر للترفّه ، فكان عليه الفداء ، كغيره.

ولما رواه حريز - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « إذا نتف الرجل إبطه بعد الإِحرام فعليه دم »(٢) .

إذا عرفت هذا ، فليس الحكم منوطاً بالحلق بل بالإِزالة والإِبانة إمّا بنتف أو إحراق أو غيره.

مسألة ٢٦٩ : النسيان مُسقط للفدية في الطيب واللباس وما عدا الوطء من الاستمتاعات ، كالقُبْلة واللمس بشهوة ، وسيأتي.

وهل يُسقط الفديةَ في الحلق والقلم؟ فيه للشافعية وجهان :

أحدهما : لا تجب ، كما في الاستمتاعات.

والثاني : الوجوب(٣) .

وهو المعتمد ؛ لأنّ الإِتلافات يتساوى عمدها وخطؤها ، كما في ضمان الأموال.

وأمّا المجنون والمغمى عليه والصبي غير المميّز : فالأقرب عدم الضمان‌

____________________

(١) كذا في النسخ الخطيّة والحجرية ، وذكر هذا التفصيل بعينه ابن قدامة في المغني ٣ : ٣٠٢ من دون نسبة إلى بعض الشافعية.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٢٨ / ١٠٧٩ ، التهذيب ٥ : ٣٤٠ / ١١٧٧ ، الاستبصار ٢ : ١٩٩ / ٦٧٥.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٦٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٠ ، المجموع ٧ : ٣٤٠ - ٣٤١.

٣٥١

في حقّهم ؛ لعدم التكليف عليهم ، بخلاف الناسي ، فإنّه يفعل ما يتعاطاه ، والنسيان عذر في سقوط الإِثم لا في إزالة الفداء.

مسألة ٢٧٠ : يجوز للمُحْرم أن يحلق شعر المـُحلّ ، ولا شي‌ء عليه - وبه قال الشافعي ومالك وأحمد ، وهو محكي عن مجاهد(١) - لأنّ المـُحلّ يسوغ له حلق رأسه ، فجاز للمُحْرم فعله به ، كما لو فَعَله المـُحلّ ؛ لأنّ المـُحرّم إنّما هو إزالة شعر المـُحْرم عن نفسه.

ولأنّه لم يتعلّق بمنبته حرمه الإِحرام ، فجاز للمُحْرِم حلقه ، كشعر البهيمة.

ولأنّه يجوز له أن يطيبه ويلبسه ، فأشبه المـُحلّ إذا حلقه.

ولأصالة براءة الذمّة.

وقال أبو حنيفة : لا يجوز له ، فإن فَعَل ، فعليه صدقة ؛ لقوله تعالى( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ ) (٢) معناه لا يحلق بعضٌ رؤوسَ بعض.

ولأنّ المـُحْرم ممنوع منه بكلّ حال ، وما كان كذلك مُنع منه في حقّ غيره ، كقتل الصيد ، بخلاف اللباس ، فإنّه ليس بممنوع منه بكلّ حال(٣) .

والآية خطاب للمُحْرِمين ، لقوله تعالى :( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ ) (٤) .

ولأنّ المـُحِلّ غير ممنوع من حلق الرأس إجماعاً ، والصيد إذا أتلفه المـُحرم بكلّ حال ضمنه ، وهنا مُنع من شعر المـُحرم ؛ لما فيه من الترفّه وزوال الشعث في الإِحرام ، وهو غير موجود في شعر المـُحلّ.

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٦٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٤ ، المجموع ٧ : ٢٤٨ و ٣٤٥ و ٣٥٠ ، المغني ٣ : ٥٢٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٤ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٧٢.

(٢) البقرة : ١٩٦.

(٣) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٧٢ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦٢ ، بدائع الصنائع ٢. ١٩٣ ، المغني ٣ : ٥٢٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٤ ، المجموع ٧ : ٢٤٨ ، و ٣٤٥ و ٣٥٠ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٩.

(٤) البقرة : ١٩٦.

٣٥٢

مسألة ٢٧١ : لا يجوز للمُحْرم ولا للمُحلّ أن يحلقا رأس المـُحْرم مع علمهما بحاله إجماعاً ؛ لقوله تعالى :( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ ) (١) .

والمراد : أن لا يحلقه بنفسه ولا بغيره ، بل انصراف ذلك إلى الغير أولى ، فإنّ الإِنسان لا يمكنه أن يحلق رأس نفسه إلّا نادراً.

ولا فدية على واحد منهما عَلِما أو جَهِلا ، أذن لهما أو لا ؛ لأصالة براءة الذمّة ، والتحريم لا يستلزم الفدية ، كما في كثيرٍ من المحرّمات.

وقال أبو حنيفة : إذا كان الحالق مُحلاً ، وجب عليه صدقة نصف صاع ، وعلى المحرم فدية ، وإن كان مُحْرماً ، فإن كان بإذنه ، فعلى الآذن الفدية ، وعلى الحالق صدقة(٢) .

وقال الشافعي : إذا حلق الحلال أو الحرام شعر الحرام ، فقد أساء.

ثم إن حلق بأمره ، فالفدية على المحلوق ، لأنّ فعل الحالق بأمره يضاف إليه ، ألا ترى(٣) أنّه لو حلف لا يحلق رأسه فأمر غيره ، فحلق ، يحنث في يمينه.

ولأنّ يده ثابتة على الشعر ، وهو مأمور بحفظه إمّا على سبيل الوديعة أو العارية ، وكلاهما إذا تلف في يده بأمره يضمن.

وإن حلق لا بأمره يُنظر إن كان نائماً أو مكرهاً أو مغمى عليه ، فقولان :

أصحّهما : أنّ الفدية على الحالق - وبه قال مالك وأحمد - لأنّه المقصّر ولا تقصير من المحلوق.

والثاني - وبه قال أبو حنيفة - أنّها على المحلوق ، لأنّه المرتفق به(٤) .

____________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٤ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩٦ ، المجموع ٧ : ٣٤٥.

(٣) في النسخ الخطيّة والحجرية : فإنّ الأقوى ، بدل ألا ترى ، وما أثبتناه من فتح العزيز.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٤٦٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٠ ، المجموع ٧ : ٣٤٥ - ٣٤٦ ، =

٣٥٣

وأصحاب الشافعي بنوا القولين على أنّ استحفاظ الشعر في يد المـُحْرم جارٍ مجرى الوديعة أو مجرى العارية.

وفيه جوابان :

إن قلنا بالأول ، فالفدية على الحالق ، كما أنّ ضمان الوديعة على المـُتْلف دون المـُودع ، وإن قلنا بالثاني ، وجبت على المحلوق وجوب الضمان على المستعير.

قالوا : والأول أظهر ؛ لأنّ العارية هي التي يمسكها لمنفعة نفسه ، وقد يريد المـُحْرم الإِزالة دون الإِمساك.

وأيضاً فإنّه لو احترق شعره بتطاير الشرر ولم يقدر على التطفئة ، فلا فدية عليه ، ولو كان كالمستعير ، لوجبت عليه الفدية.

قالوا : فإن قلنا : الفدية على الحالق ، فإن فدى ، فلا بحث ، وإن امتنع مع القدرة ، فهل للمحلوق مطالبته بإخراجها؟ فيه وجهان : فالأكثر على أنّ له ذلك ، بناءً على أنّ المـُحْرم كالمودع خصم فيما يؤخذ منه ويتلف في يده.

وإذا أخرج المحلوق [ الفدية ](١) بإذن الحالق ، جاز ، وبغير إذنه لا يجوز في أصحّ الوجهين ، كما لو أخرجها أجنبي بغير إذنه.

وإن قلنا : الفدية على المحلوق ، فإن فدى بالهدي أو الطعام ، رجع بأقلّ الأمرين من الطعام أو قيمة الشاة على الحالق ، ولا يرجع بما زاد ، لأنّ الفدية على التخيير ، وهو متطوّع بالزيادة.

وإن فدى بالصوم ، فوجهان : أظهرهما : لا ، وعلى الثاني بم يرجع؟ وجهان :

____________________

= حلية العلماء ٣ : ٣٠٢ و ٣٠٤ ، المغني ٣ : ٥٣٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٣.

(١) أضفناها من المصدر.

٣٥٤

أظهرهما : بثلاثة أمداد من طعام ؛ لأنّ صوم كلّ يوم مقابل مُدٍّ.

والثاني بما يرجع به لو فدى بالهدي أو الإِطعام.

ثم إذا رجع فإنّما يرجع بعد الإِخراج في أصحّ الوجهين.

والثاني : أنّ له أن يأخذ منه ثم يخرج.

وهل للحالق أن يفدي على هذا القول؟

أمّا بالصوم فلا ؛ لأنّه متحمّل ، والصوم لا يتحمّل.

وأمّا بغيره فنعم ، ولكن بإذن المحلوق ؛ لأنّ في الفدية معنى التقرّب ، فلا بدّ من نيّة مَنْ وَجَبَتْ عليه.

وإن لم يكن نائماً ولا مغمى عليه ولا مُكرهاً ، لكنه سكت عن الحلق ولم يمنع منه ، فقولان :

أحدهما : أنّ الحكم كما لو كان نائماً ، لأنّ السكوت ليس بأمر ، فإنّ السكوت على إتلاف المال لا يكون أمراً بالإِتلاف.

وأصحّهما : أنّه كما لو حلق بأمره ؛ لأنّ الشعر إمّا كالوديعة عنده أو كالعارية ، وعلى التقديرين يجب الدفع عنه(١) .

ولو أمر حلال حلالاً بحلق شعر حرام وهو نائم ، فالفدية على الآمر عند الشافعي إن لم يعرف الحالق الحال ، وإن عرف ، فعليه في أصحّ الوجهين(٢) .

وهذه الفروع كلّها ساقطة عندنا ؛ لأنّ الحالق لا كفّارة عليه عندنا ، وأمّا المحلوق فإن كان الحلق بإذنه ضمن ، وإلّا فلا.

البحث الحادي عشر : القَلْم‌

مسألة ٢٧٢ : أجمع فقهاء الأمصار كافّة‌ على أنّ المـُحْرم ممنوع من‌

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٦٩ - ٤٧٠ ، المجموع ٧ : ٣٤٦ - ٣٤٩.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٧٠ ، المجموع ٧ : ٣٤٩.

٣٥٥

قصّ أظفاره مع الاختيار ؛ لأنّه إزالة جزء يترفّه به فحرم ، كإزالة الشعر.

ولما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمّار عن أبي الحسنعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل أحرم فنسي أن يقلّم أظفاره ، قال : فقال : « يدعها » قال : قلت : إنّها طوال ، قال : « وإن كانت» قلت : إنّ رجلاً أفتاه بأن يقلّمها وأن يغتسل ويُعيد إحرامه ، ففَعَل ، قال : « عليه دم »(١) .

واعلم أنّ علماءنا نصّوا على أنّ مَنْ قلّم ظُفْره بإفتاء غيره ، فأدمى إصبعه ، كان على الـمُفتي دم شاة ؛ لهذه الرواية.

إذا ثبت هذا ، فليس الحكم مخصوصاً بالقَلْم ، بل بمطلق الإِزالة ، فإنّها تزال للتنظيف والترفّه ، فيلحق بالقَلْمِ الكسْرُ والقطْعُ.

ولو قطع يده أو إصبعه وعليها الظفر ، فلا فدية عليه ؛ لأنّ الظفر تابع غير مقصود بالإِبانة.

مسألة ٢٧٣ : لو احتاج إلى مداواة قرحة ولا يمكنه إلّا بقصّ أظفاره ، جاز له ذلك ، ووجبت الفدية - خلافاً لبعض العامّة(٢) - لأنّه أزال ما مُنع من إزالته لضرر في غيره ، فكان كما لو حلق رأسه لضرر القمل.

ولما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل الـمُحْرم تطول أظفاره ، قال : « لا يقصّ شيئاً منها إن استطاع ، فإن كانت تؤذيه فليقصّها وليُطعم مكان كلّ ظُفْر قبضةً من طعام »(٣) .

مسألة ٢٧٤ : لو أزال بعض الظُفْر تعلّق به ما يتعلّق بالظُفْر جميعه ؛ لأنّه بعض من جملة مضمونة.

وكذا لو أخذ بعض شعره ، فإنّه يكون كأخذ الشعرة بأجمعها.

ولو أخذ من بعض جوانب الظُفْر ولم يأت على رأسه كلّه ، ففيه ما في‌

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣١٤ / ١٠٨٢.

(٢) هو ابن القاسم صاحب مالك كما في المغني ٣ : ٣٠٣ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٧٥.

(٣) الكافي ٤ : ٣٦٠ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٢٨ / ١٠٧٧ ، التهذيب ٥ : ٣١٤ / ١٠٨٣.

٣٥٦

الظُفْر.

وقالت الشافعية : إن قلنا : يجب في الظُفْر الواحد ثلث دم أو درهم ، فالواجب فيه ما يقتضيه الحساب ، وإن قلنا : يجب مُدٌّ ، فلا سبيل إلى تبعيضه(١) .

مسألة ٢٧٥ : لو انكسر ظُفْره ، كان له إزالته بلا خلاف بين العلماء ؛ لأنّه يؤذيه ويؤلمه ، فكان له إزالته ، كالشعر النابت في عينه والصيد الصائل عليه.

وهل تجب فيه الفدية؟ إشكال ينشأ : من أصالة براءة الذمّة ومشابهته للصيد الصائل ، ومن الرواية الصحيحة عن الصادقعليه‌السلام وقد سأله معاوية بن عمّار : عن الـمُحْرم تطول أظفاره إلى أن ينكسر بعضها فيؤذيه : « فليقصّها وليُطعم مكان كلّ ظفر قبضةً من طعام »(٢) لأنّ العمل بالرواية متعيّن.

ولو قصّ المكسور خاصّةً ، لم يكن عليه شي‌ء عند قوم على ما تقدّم من الإِشكال.

ولو أزال منه ما بقي ممّا لم ينكسر ، ضمنه بما يضمن به الظُفْر ؛ لأنّه أزال بعض الظُفْر ابتداءً من غير علّة ، فوجب ضمانه ، وكذا لو أزاله تبعاً.

البحث الثاني عشر : إخراج الدم‌

مسألة ٢٧٦ : اختلف علماؤنا في جواز الحجامة للمُحْرم اختياراً ، فمنع منه المفيد وابن إدريس(٣) ، وبه قال مالك(٤) ، وكان الحسن البصري يرى‌

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٦٧.

(٢) الكافي ٤ : ٣٦٠ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٢٨ / ١٠٧٧ ، التهذيب ٥ : ٣١٤ / ١٠٨٣.

(٣) المقنعة : ٦٨ ، السرائر : ١٢٨.

(٤) المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٤٠ ، المجموع ٧ : ٣٥٥ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٥ ، المغني =

٣٥٧

في الحجامة دماً(١) .

واختار ابن بابويه الجواز(٢) ، وهو قول أكثر العامّة(٣) .

وللشيخ قولان(٤) .

احتجّ المفيد : بما رواه الحسن الصيقل عن الصادقعليه‌السلام : عن الـمُحْرم يحتجم ، قال : « لا ، إلّا أن يخاف على نفسه التلف ولا يستطيع الصلاة » وقال : « إذا أذاه الدم فلا بأس به ويحتجم ولا يحلق الشعر »(٥) .

واحتجّ المجوّزون : بما رواه العامّة عن ابن عباس : انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله احتجم - وهو مُحْرم - في رأسه(٦) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « لا بأس أن يحتجم الـمُحْرم ما لم يحلق أو يقطع الشعر »(٧) .

وهما محمولان على الاحتياج إليه ؛ جمعاً بين الأدلّة.

مسألة ٢٧٧ : يجوز الحجامة مع الضرورة ودعوى الحاجة ، وكذا الفصد بلا خلاف ، دفعاً للضرر(٨) ، وكذا يجوز قطع العضو عند الحاجة ، والختان من غير فدية ؛ للأصل.

ولو احتاج في الحجامة إلى قطع شعر ، قَطَعَه ؛ لما رواه العامّة عن النبي‌

____________________

= ٣ : ٢٨٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٤.

(١) المغني ٣ : ٢٨٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٤.

(٢) المقنع : ٧٣ ، الفقيه ٢ : ٢٢٢ / ١٠٣٣.

(٣) المغني ٣ : ٢٨٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٤ ، المجموع ٧ : ٣٥٥.

(٤) قال بعدم الجواز في المبسوط ١ : ٣٢١ ، والنهاية : ٢٢٠ ، وبالجواز في الخلاف ٢ : ٣١٥ ، المسألة ١١٠.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٠٦ / ١٠٤٤ ، الاستبصار ٢ : ١٨٣ / ٦٠٨.

(٦) سنن أبي داود ٢ : ١٦٧ - ١٦٨ / ١٨٣٦.

(٧) التهذيب ٥ : ٣٠٦ / ١٠٤٦ ، الاستبصار ٢ : ١٨٣ / ٦١٠.

(٨) في النسخ الخطية ونسخة بدل في الطبعة الحجرية : للضرورة.

٣٥٨

صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنّه احتجم في طريق مكّة وهو مُحْرم وسط(١) رأسه(٢) ، ومن ضرورة ذلك قطع الشعر.

ومن طريق الخاصّة : ما رواه مهران بن أبي نصر وعلي بن إسماعيل بن عمّار عن أبي الحسنعليه‌السلام ، قالا : سألناه ، فقال في حلق القفا للمُحْرم : « إن كان أحد منكم يحتاج إلى الحجامة فلا بأس به ، وإلّا فيلزم ما جرى عليه الموسى إذا حلق »(٣) .

ولأنّه يباح إزالة الشعر أجمع لضرر القمل ، فكذا هنا.

إذا عرفت هذا ، فإنّ الفدية واجبة عليه - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك وأحمد وأبو ثور وابن المنذر(٤) - لقوله تعالى :( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) (٥) .

ولأنّ حلقه لإِزالة ضرر عنه ، فلزمته الكفّارة ، كما لو حلقه لإِزالة قملة.

وقال أبو يوسف ومحمد : يتصدّق بشي‌ء(٦) .

مسألة ٢٧٨ : يجوز للمُحْرم أن يبطّ خُراجه ويشقّ الدمل‌ إذا احتاج إلى‌

____________________

(١) في النسخ الخطية والطبعة الحجرية : وشرط بدل وسط ، وما أثبتناه من المصادر.

والشَّرْطُ : بَزْغُ الحجّام بالمشرط ، وبَزَغَ دَمَه : أي أساله. لسان العرب ٧ : ٣٣٢ و ٨ : ٤٣٢ « شرط ، بزغ ».

(٢) صحيح البخاري ٣ : ١٩ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٦٢ - ٨٦٣ / ١٢٠٣ ، سنن النسائي ٥ : ١٩٤ ، سنن البيهقي ٥ : ٦٥ ، المغني ٣ : ٢٨٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٥.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٠٦ - ٣٠٧ / ١٠٤٧.

(٤) المجموع ٧ : ٣٥٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩٣ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦٢ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٧٤ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٤٢٨ ، المغني ٣ : ٢٨٣ - ٢٨٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٥.

(٥) البقرة : ١٩٦.

(٦) بدائع الصنائع ٢ : ١٩٣ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦٢ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٧٤ ، المغني ٣ : ٢٨٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٥.

٣٥٩

ذلك ، ولا فدية عليه إجماعاً ؛ لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه احتجم وهو مُحْرم(١) .

ومن طريق الخاصّة : رواية معاوية بن عمّار - الصحيحة - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن الـمُحْرم يعصر الدمل ويربط عليه الخرقة ، فقال : « لا بأس »(٢) .

وروى هشام بن سالم - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « إذا خرج بالمحرم الخراج والدمل فليبطّه وليداوه بزيت أو بسمن »(٣) .

ولأنّه في محلّ الحاجة ولا يستتبع ترفّهاً ، فكان سائغاً ، كشرب الدواء.

ويجوز أن يقلع ضرسه مع الحاجة إليه ؛ لأنّه تداوٍ ، وليس بترفّهٍ ، فكان سائغاً ، كشرب الدواء.

ولما رواه الحسن الصيقل أنّه سأل الصادقعليه‌السلام : عن الـمُحْرم يؤذيه ضرسه أيقلعه؟ قال : « نعم لا بأس به »(٤) .

ولو لم يحتج إلى قلعه ، كان عليه دم.

مسألة ٢٧٩ : لا يدلك الـمُحْرم جسده بعنف لئلّا يدميه أو يقلع شعره ، وكذا لا يستقصي في سواكه لئلّا يُدْمي فاه ، ولا يدلك وجهه في غسل الوضوء وغيره لئلّا يسقط من شعر لحيته شي‌ء ، لما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام : عن الـمُحْرم كيف يحكّ رأسه؟ قال : « بأظافيره ما لم يُدْم أو يقطع الشعر »(٥) .

____________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ١٩ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٦٢ / ١٢٠٢ ، سنن الترمذي ٣ : ١٩٩ / ٨٣٩ ، سنن أبي داود ٢ : ١٦٧ - ١٦٨ / ١٨٣٥ و ١٨٣٦ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٩ / ٣٠٨٢ ، سنن النسائي ٥ : ١٩٣ ، سنن البيهقي ٥ : ٦٤ و ٦٥ ، الموطّأ ١ : ٣٤٩ / ٧٤.

(٢) الكافي ٤ : ٣٥٩ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٢٢٢ / ١٠٣٨.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٢٢ / ١٠٤٠ ، التهذيب ٥ : ٣٠٤ / ١٠٣٦.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٢٢ / ١٠٣٦.

(٥) التهذيب ٥ : ٣١٣ / ١٠٧٦.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481