تذكرة الفقهاء الجزء ٧

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-007-2
الصفحات: 481

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: ISBN: 964-319-007-2
الصفحات: 481
المشاهدات: 109160
تحميل: 3535


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 481 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 109160 / تحميل: 3535
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 7

مؤلف:
ISBN: 964-319-007-2
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

قد يقصد أيضاً لغرض منع الشعر من الانتشار وغيره ، فإذاً الأولى النظر إلى تسميته حاسر الرأس ومستور جميع الرأس أو بعضه.

وعند أبي حنيفة لا تكمل الفدية إلّا إذا ستر ربع الرأس فصاعداً ، فإن ستر أقلّ من ذلك ، فعليه صدقة(١) .

البحث التاسع : التظليل‌

مسألة ٢٥٩ (٢) : يحرم على المـُحْرم الاستظلال حالة السير ، فلا يجوز له الركوب في المحمل وما في معناه ، كالهودج والكنيسة والعمارية وأشباه ذلك ، عند علمائنا أجمع - وبه قال ابن عمر ومالك وسفيان بن عيينة وأهل المدينة وأبو حنيفة وأحمد(٣) - لما رواه العامّة عن ابن عمر أنّه رأى على رحل عمر بن عبد الله ابن أبي ربيعة عوداً يستره من الشمس ، فنهاه(٤) .

ورأى رجلاً محرماً على رحل قد رفع ثوباً على عود يستتر به من الشمس ، فقال : اضحَ لمن أحرمت له(٥) . أي : أبرز للشمس.

ومن طريق الخاصّة : ما رواه جعفر بن المثنى الخطيب عن محمّد بن الفضيل وبشر بن إسماعيل ، قال : قال لي محمّد : ألا أُبشّرك يا ابن مثنى؟ فقلت : بلى ، فقمت إليه ، فقال : دخل هذا الفاسق آنفاً ، فجلس قبالة أبي الحسنعليه‌السلام ، ثم أقبل عليه ، فقال له : يا أبا الحسن ما تقول في المحرم أيستظلّ على المحمل؟ فقال [ له ](٦) : « لا » قال : فيستظلّ في‌

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٣٨ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢٨ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦١ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٨٧.

(٢) ورد في هامش « ن » : ليس في نسخة المصنّف بعد هذا البحث مسألة.

(٣) المغني ٣ : ٢٨٥ - ٢٨٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٧ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٢٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٨٤ ، المجموع ٧ : ٢٦٧.

(٤ و ٥ ) المغني ٣ : ٢٨٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٧ ، ونحوهما في سنن البيهقي ٥ : ٧٠.

(٦) أضفناها من المصدر.

٣٤١

الخباء؟ فقال له : « نعم » فأعاد عليه القول شبه المستهزئ يضحك ، فقال : يا أبا الحسن فما فرق بين هذا وهذا؟ فقال. « يا أبا يوسف إنّ الدين ليس بقياس كقياسكم أنتم تلعبون ، إنّا صنعنا كما صنع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقلنا كما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يركب راحلته فلا يستظلّ عليها وتؤذيه الشمس فيستر بعض جسده ببعض ، وربما ستر وجهه بيده ، فإذا نزل استظلّ بالخباء وفي‌ء البيت والجدار »(١) .

ولأنّه ستر بما يقصد به الترفّه ، فأشبه ما لو غطّاه.

ورخّص فيه ربيعة والثوري والشافعي ، وهو مروي عن عثمان وعطاء ، لما روت اُمّ الحُصين قالت : حججت مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حجّة الوداع ، فرأيت أسامة وبدلا أحدهما أخذ بخِطام(٢) ناقة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والآخر رافع ثوبه يستره من الحرّ حتى رمى جمرة العقبة(٣) .

ولأنّه يُباح له التظليل في البيت والخباء ، فجاز له [ في حال ](٤) الركوب(٥) .

والحديث ممنوع ، وجاز أن يكونعليه‌السلام مضطرّاً إلى التظليل.

ولأنّ رفع الثوب الساتر جاز أن يكون حالة النزول ؛ لأنّه ليس في الحديث أنّه كان حالة الركوب ، والفرق ظاهر ؛ فإنّ التظليل حالة النزول دافع‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٣٥٠ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣٠٩ - ٣١٠ / ١٠٦١ بتفاوت يسير في الألفاظ ، وفي الأخير : بشير بن إسماعيل.

(٢) الخطام : الحبل الذي يُقاد به البعير. لسان العرب ١٢ : ١٨٦ « خطم ».

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٩٤٤ / ٣١٢ ، سنن أبي داود ٢ : ١٦٧ / ١٨٣٤ ، مسند أحمد ٦ : ٤٠٢.

(٤) أضفناها من المغني والشرح الكبير.

(٥) المغني ٣ : ٢٨٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٧ ، فتح العزيز ٧ : ٤٣٣ - ٤٣٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٢٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٨٣ ، المجموع ٧ : ٢٦٧.

٣٤٢

للأذى ، بخلاف حالة الركوب ؛ فإنّ الفعل حالة النزول أكثر ؛ لدوامه ، بخلاف حالة الركوب.

مسألة ٢٦٠ : يجوز للمُحْرم حالة النزول الاستظلال بالسقف والشجرة‌ والخباء والخيمة لضرورة وغير ضرورة ، عند العلماء كافّة.

روى العامّة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر بقبّة من شعر ، فضُربت له بـ « نَمِرة » فأتى « عرفة » فوجد القبّة قد ضُربت له بـ « نمرة » فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس(١) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه جعفر بن المثنى عن أبي الحسنعليه‌السلام ، قال : « كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يركب راحلته فلا يستظلّ عليها وتؤذيه الشمس ، فيستر بعض جسده ببعض ، وربما ستر وجهه بيده ، وإذا نزل استظلّ بالخباء وفي البيت وبالجدار »(٢) .

مسألة ٢٦١ : لو افتقر حالة السير إلى الاستظلال لعلّة ومرض وشدّة حَرٍّ أو بردٍ أو مطر ، جاز له الاستظلال ، وتجب الفدية ؛ لما رواه سعد بن سعد الأشعري عن الرضاعليه‌السلام ، قال : سألته عن المـُحْرم يظلّل على نفسه ، فقال : « أمن علّة؟ » فقلت : تؤذيه الشمس وهو مُحْرم ، فقال : « هي علّة يظلّ ويفدي »(٣) .

وسأل إبراهيمُ بن أبي محمود ، الرضاعليه‌السلام : عن المـُحْرم يظلّل على محمله ويفدي إذا كانت الشمس والمطر يضرّ به ، قال : « نعم » قلت : كم الفداء؟ قال : « شاة »(٤) .

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٨٨٩ / ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٥ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٤ / ٣٠٧٤، سنن الدارمي ٢ : ٤٧.

(٢) الكافي ٤ : ٣٥٠ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣٠٩ - ٣١٠ / ١٠٦١.

(٣) التهذيب ٥ : ٣١٠ - ٣١١ / ١٠٦٤ ، الاستبصار ٢ : ١٨٦ / ٦٢٤.

(٤) الكافي ٤ : ٣٥١ / ٩ ، التهذيب ٥ : ٣١١ / ١٠٦٦ ، الاستبصار ٢ : ١٨٧ / ٦٢٦.

٣٤٣

ولأنّه في محلّ الحاجة ، فكان سائغاً.

إذا عرفت هذا ، فإنّه لا يجوز للمُحْرم إذا لم يكن مضطرّاً إلى التظليل أن يظلّل على نفسه وإن التزم الكفّارة ، وإنّما يسوغ التظليل للمُحْرم بشرطين : العلّة والتزام الكفّارة.

روى عبد الله بن المغيرة - في الصحيح - عن الكاظمعليه‌السلام : اُظلّل وأنا مُحرم؟ قال : « لا » قلت : أفاُظلّل واُكفّر؟ قال : « لا » قلت : فإن مرضت؟ قال : « ظلّل وكفّر »(١) .

مسألة ٢٦٢ : يجوز للمرأة التظليل على نفسها حالة السير ، كما جاز للعليل ؛ لضعف مزاجها ، وقبوله للانفعال بسرعة ، فساغ لها التظليل ؛ دفعاً للحرج الحاصل من تركه ، فأشبهت العليل والنازل.

وروى محمّد بن مسلم - في الصحيح - عن أحدهماعليهما‌السلام ، قال : سألته عن المـُحْرم يركب القبّة ، فقال : « لا » قلت : فالمرأة المـُحْرمة ، قال : « نعم »(٢) .

وكذا الصبي يجوز له التظليل ؛ لما قلناه في المرأة.

ولما رواه حريز - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « لا بأس بالقبّة على النساء والصبيان وهم مُحرمون ، ولا يرتمس المحرم في الماء ولا الصائم »(٣) .

قال الشيخرحمه‌الله : قد رخص للنساء في التظليل ، وتركه أفضل على كلّ حال(٤) .

____________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٢٥ / ١٠٥٩ ، التهذيب ٥ : ٣١٣ / ١٠٧٥ ، الاستبصار ٢ : ١٨٧ / ٦٢٧.

(٢) التهذيب ٥ : ٣١٢ / ١٠٧٠.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٢٦ / ١٠٦٤ ، التهذيب ٥ : ٣١٢ / ١٠٧١.

(٤) النهاية : ٢٢١ ، المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٢١.

٣٤٤

مسألة ٢٦٣ : لو زامل المريضَ أو المرأةَ أو الصبيَّ رجلٌ صحيح ، اختصّ المريض والمرأة والصبي بالتظليل على المحمل ، وكشف الصحيح محمله ؛ لقيام المانع من التظليل في حقّه ، وهو الإِحرام السالم عن أحد الأعذار المـُسوّغة له.

ولما رواه بكر بن صالح ، قال : كتبت إلى أبي جعفر الثانيعليه‌السلام : إنّ عمّتي معي وهي زميلتي ويشتدّ عليها الحَرّ إذا أحرمَتْ ، فترى [ أن ](١) اُظلّل عليَّ وعليها؟ فكتب : « ظلِّل عليها وحدها »(٢) .

مسألة ٢٦٤ : إذا استظلّ حالة الاختيار ، وجب عليه الفداء‌ - وهو رواية عن أحمد ، وقول أهل المدينة(٣) - لأنّه ستر رأسه بما يستدام ويلازمه غالباً ، فأشبه ما لو ستره بشي‌ء يُلاقيه.

ولأنّ الفداء يجب للضرورة فبدونها أولى.

ولأنّ محمد بن إسماعيل بن بزيع ، قال : سأله رجل عن الظلال للمُحْرم من أذى مطر أو شمس وأنا أسمعه ، فأمره أن يفدي(٤) شاة يذبحها بمنى(٥) .

وأحمد وإن منع التظليل إلّا أنّه لم يوجب الفدية ، فقيل له : إنّ أهل المدينة يقولون : عليه دم ، قال : نعم أهل المدينة يغلطون(٦) .

إذا عرفت هذا ، فلا فرق بين أن يقع التظليل في إحرام العمرة المتمتّع بها وإحرام الحج.

وقال الشيخ في بعض كتبه : لو وقع التظليل في إحرام العمرة المتمتَّع‌

____________________

(١) أضفناها من المصدر.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٢٦ / ١٠٦١ ، التهذيب ٥ : ٣١١ / ١٠٦٨ ، الاستبصار ٢ : ١٨٥ / ٦١٦.

(٣) المغني ٣ : ٢٨٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٧.

(٤) في النسخ الخطية والحجرية : يهدي. وما أثبتناه من المصدر.

(٥) الكافي ٤ : ٣٥١ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٣١١ / ١٠٦٥ ، الاستبصار ٢ : ١٨٦ / ٦٢٥.

(٦) المغني ٣ : ٢٨٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٧.

٣٤٥

بها ، لزمه كفّارتان ؛ لما رواه أبو علي بن راشد ، قال : قلت لهعليه‌السلام : جعلت فداك إنّه يشتدّ عليّ كشف الظلال ، لأنّي محرور تشتدّ الشمس عليّ ، فقال : « ظلّل وأرق دماً » فقلت له : دماً أو دمين ، قال : « للعمرة؟ » قلت : إنّا نُحرم بالعمرة وندخل مكة فنحلّ ونحرم بالحجّ ، قال : « فأرق دمين »(١) .

ومع صحة السند نحمله على الاستحباب.

وقال بعض الشافعية : إذا لم تمسّ المظلّة رأسه ، فلا فدية ، وإن مسّته ، وجبت الفدية(٢)

البحث العاشر : إزالة الشعر‌

مسألة ٢٦٥ : يحرم على المـُحْرم إزالة شي‌ء من شعره ، قليلاً كان أو كثيراً ، على رأسه أو على بدنه أو لحيته بإجماع العلماء.

قال الله تعالى :( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) (٣) .

وما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال لكعب بن عجرة : ( لعلّك تؤذيك هوامّ رأسك ) قال : نعم يا رسول الله ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( احلق رأسك ، وصُمْ ثلاثة أيّام ، أو أطعم ستة مساكين ، أو أنسك شاة )(٤) وهو يدلّ على المنع من الحلق قبل ذلك.

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « مرّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على كعب بن عُجْرَة الأنصاري والقمل يتناثر من رأسه ،

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣١١ / ١٠٦٧.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٣٣.

(٣) البقرة : ١٩٦.

(٤) صحيح البخاري ٣ : ١٢ - ١٣ ، المعجم الكبير - للطبراني - ١٩ : ١٠٩ - ٢٢٠ ، سنن البيهقي ٥ : ٥٥ ، الموطّأ ١ : ٤١٧ / ٢٣٨ بتفاوت ، وأورد نصّه ابن قدامة في المغني ٣ : ٣٠١.

٣٤٦

فقال : أتؤذيك هوامّك؟ فقال : نعم ، قال : فاُنزلت هذه الآية( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) (١) فأمره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فحلق رأسه ، وجعل عليه صيام ثلاثة أيام والصدقة على ستة مساكين لكلّ مسكين مُدّان ، والنسك شاة »(٢) .

وقال ابن عباس : ( مَرِيضاً ) أي : برأسه قروح( أَوْ بِهِ أَذىً ) ، أي : قمل(٣) .

وسواء حلق لعذر أو لغير عذر ، فإنّ الفدية واجبة عليه ؛ للآية(٤) ، وإذا وجبت مع العذر فمع عدمه أولى.

مسألة ٢٦٦ : ولا فرق بين شعر الرأس في ذلك وبين شعر البدن في قول أهل العلم ؛ لما تقدّم في قول الصادقعليه‌السلام : « ولا يحلق الشعر »(٥) وهو يتناول شعر الرأس وغيره.

ولاشتماله على التنظيف والترفّه ، فلزمته الفدية ، كشعر الرأس ، بل الحاصل من الترفّه والتنظيف فيه أكثر من الرأس.

وقال أهل الظاهر : لا يجب في شعر غير الرأس(٦) ، لقوله تعالى :( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ ) (٧) .

وهو استدلال بمفهوم اللقب ، وليس حجّةً إجماعاً من المحقّقين.

ولا فرق بين أن يزيل الشعر بالإِطلاء أو الحلق أو النتف عن الرأس أو‌

____________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) الكافي ٤ : ٣٥٨ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٣٣ / ١١٤٧ ، الاستبصار ٢ : ١٩٥ / ٦٥٦.

(٣) المغني ٣ : ٣٠٢ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٦ ، تفسير ابن عباس : ٢٧.

(٤) البقرة : ١٩٦.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٠٦ / ١٠٤٤ ، الاستبصار ٢ : ١٨٣ / ٦٠٨.

(٦) المجموع ٧ : ٢٤٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٨٣ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٧.

(٧) البقرة : ١٩٦.

٣٤٧

البدن.

ولو قطع يده وعليها شعرات ، فلا فدية ؛ لأنّ الشعر غير مقصود بالإِبانة ، وكذا لو كشط جلدة الرأس ، كما لو قتل الصغيرة لا يجب المهر ؛ لأنّ البُضْع تابع عند القتل.

ولو أرضعت الكبيرةُ الصغيرة ، بطل النكاح ، ووجب المهر.

ولو مشط لحيته أو رأسه ، فانتفت شعرات ، فعليه الفدية.

ولو شكّ هل كانت الشعرات منسلّةً فانفصلت وانتتفت بالمشط ، فالأقرب : وجوب الفدية ، وهو أحد قولي الشافعي ، والثاني : لا تجب(١) .

مسألة ٢٦٧ : الكفّارة تجب بحلق جميع الرأس وبعضه ، قليلاً كان أو كثيراً ، لكن تختلف ، ففي حلق جميع الرأس : دم ، وكذا فيما يسمّى حلق الرأس وإن كان بعضه.

وفي حلق ثلاث شعرات صدقة بمهما كان ؛ لأنّ الدم معلّق على حلق الرأس ، وهو إنّما يصدق حقيقةً في الجميع ، فيبقى الباقي على أصل البراءة.

وأمّا وجوب الفدية في القليل : فلما ورد عنهمعليهم‌السلام : « أنّ مَنْ مسَّ شعر رأسه ولحيته فسقط شي‌ء من شعره يتصدّق بشي‌ء »(٢) .

وقال الشافعي : يجب بحلق ثلاث شعرات دم ، لأنّه شعر آدمي يصدق عليه اسم الجمع المطلق(٣) .

والفرق بين الكثير والقليل ظاهر.

وقال أبو حنيفة : لا يجب الدم إلّا بحلق ربع الرأس ؛ لأنّ الربع يقوم‌

____________________

(١) الوجيز ١ : ١٢٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٥ ، المجموع ٧ : ٢٤٨.

(٢) الكافي ٤ : ٣٦١ / ١١ ، الفقيه ٢ : ٢٢٩ / ١٠٨٩ ، التهذيب ٥ : ٣٣٨ - ٣٣٩ / ١١٧١ ، الاستبصار ٢: ١٩٨ / ٦٦٩.

(٣) الوجيز ١ : ١٢٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢١ ، المجموع ٧ : ٣٧٤ ، مختصر المزني : ٦٦ ، المغني ٣ : ٥٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٠.

٣٤٨

مقام الكلّ ، فإنّه يصدق : رأيت رجلاً ، وإن كان لم يشاهد سوى جانب منه(١) .

ونمنع حقيقة الإِطلاق ، ولهذا يصحّ نفيه.

ورؤية الرجل مجاز إمّا لأنّه ليس هو الهيكل المحسوس ، بل شي‌ء مجرّد ، وإمّا لأنّه أجزاء أصلية.

ولأنّ الإِنسان ليس مربّعاً ، بل إذا رأى ما يعرفونه قال : رأيته ، ولو رأى صفحة وجهه.

وقال مالك : إذا حلق من رأسه ما أماط عنه الأذى ، وجب الدم ، قلّ أو كثر(٢) .

وعن أحمد روايتان : إحداهما : أنّه يجب بثلاث شعرات ، كقول الشافعي ، والثانية : بأربع شعرات(٣) .

ولو نتف شعرة أو شعرتين ، فعندنا تجب صدقة ، وللشافعي أقوال :

أحدها : يجب في الشعرة الواحدة مُدٌّ من طعام ، وفي الشعرتين مُدّان ، وفي الثلاث دم شاة ؛ لأنّ تبعيض الدم عسر ، والشرع(٤) قد عدل الحيوان بالطعام في جزاء الصيد وغيره ، والشعرة الواحدة هي النهاية في القلّة ، والمدّ أقلّ ما وجب في الكفّارات ، فقُوبلت به.

الثاني : أنّه يجب في الشعرة الواحدة درهم ، وفي الشعرتين درهمان ؛ لأنّ‌

____________________

(١) الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦١ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩٢ ، المغني ٣ : ٥٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٦ ، المجموع ٧ : ٣٧٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٦.

(٢) المدوّنة الكبرى ١ : ٤٣٠ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٥ - ٣٦٦ ، المغني ٣ : ٥٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٦ ، المجموع ٧ : ٣٧٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٧.

(٣) المغني ٣ : ٥٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٠ ، المجموع ٧ : ٣٧٤ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٦.

(٤) ورد في النسخ الخطية والحجرية : والشعر ، وذلك تصحيف ، وما أثبتناه من فتح العزيز ، وهو الظاهر من المهذّب للشيرازي.

٣٤٩

تبعيض الدم عسر ، وكانت الشاة تُقوّم في عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بثلاثة دراهم تقريباً ، فاعتبرت تلك القيمة عند الحاجة إلى التوزيع.

الثالث : أنّ في الشعرة ثُلثَ دم ، وفي الشعرتين ثُلثي الدم ، تقسيطاً للواجب في الشعرات الثلاث على الآحاد.

الرابع : أنّ الدم الكامل يجب بالشعرة الواحدة ؛ لأنّ محظورات الإِحرام لا تختلف بالقلّة والكثرة ، كالطيب واللُّبْس(١) .

مسألة ٢٦٨ : لو حلق رأسه لأذى ، لم يكن مُحرَّماً ، ولا تسقط الفدية ؛ لنصّ القرآن(٢) .

ولو كثرت الهوامّ في رأسه ، أو كانت به جراحة ، وأحوجه أذاها إلى الحلق ، جاز له ذلك ، ويجب الفداء ، كما في حديث كعب بن عُجْرَة ، وقد تقدّم(٣) .

وكذا لو كان كثير الشعر يؤذيه الحَرّ ، جاز له الحلق مع الفداء.

ولو كان الضرر اللاحق من نفس الشعر ، مثل أن ينبت في عينه أو طال حاجباه فغطيا عينيه ، فله قلع ما في العين ، وقطع ما استرسل على عينيه ، ولا فدية عليه ، لأنّ الشعر آذاه ، فكان له دفع أذيّته بغير فدية ، كالصيد إذا صال عليه.

ولو كان الأذى من غير الشعر لكن لا يتمكّن من إزالة الأذى إلّا بإزالة الشعر ، كالقُمَّل والقروح برأسه ، أو صُداع برأسه ، أو شدّة الحَرّ عليه لكثرة شعره ، فعليه الفدية ؛ لأنّه قطع الشعر لإِزالة ضرر غيره ، فأشبه أكل الصيد للمخمصة.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ١١٥ ، الوجيز ١ : ١٢٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٧ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢١ ، المجموع ٧ : ٣٧٠ - ٣٧١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٧.

(٢) البقرة : ١٩٦.

(٣) تقدّم في المسألة ٢٦٥.

٣٥٠

لا يقال : القُمَّل من ضرر الشعر والحَرّ سببه كثرة الشعر فتساويا.

لأنّا نقول : ليس القُمَّل من الشعر وإنّما لا يتمكّن من المقام في الرأس إلّا به ، فهو محلّ له لا سبب فيه.

وكذا الحَرّ من الزمان بدليل أنّ الشعر يوجد في زمن البرد ، فلا يتأذّى به.

وهذا تفصيل حسن لا بأس به ، ذكره بعض الشافعية(١) .

تنبيه : لو نتف إبطه ، وجب عليه الفدية ؛ لأنّه أزال الشعر للترفّه ، فكان عليه الفداء ، كغيره.

ولما رواه حريز - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « إذا نتف الرجل إبطه بعد الإِحرام فعليه دم »(٢) .

إذا عرفت هذا ، فليس الحكم منوطاً بالحلق بل بالإِزالة والإِبانة إمّا بنتف أو إحراق أو غيره.

مسألة ٢٦٩ : النسيان مُسقط للفدية في الطيب واللباس وما عدا الوطء من الاستمتاعات ، كالقُبْلة واللمس بشهوة ، وسيأتي.

وهل يُسقط الفديةَ في الحلق والقلم؟ فيه للشافعية وجهان :

أحدهما : لا تجب ، كما في الاستمتاعات.

والثاني : الوجوب(٣) .

وهو المعتمد ؛ لأنّ الإِتلافات يتساوى عمدها وخطؤها ، كما في ضمان الأموال.

وأمّا المجنون والمغمى عليه والصبي غير المميّز : فالأقرب عدم الضمان‌

____________________

(١) كذا في النسخ الخطيّة والحجرية ، وذكر هذا التفصيل بعينه ابن قدامة في المغني ٣ : ٣٠٢ من دون نسبة إلى بعض الشافعية.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٢٨ / ١٠٧٩ ، التهذيب ٥ : ٣٤٠ / ١١٧٧ ، الاستبصار ٢ : ١٩٩ / ٦٧٥.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٦٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٠ ، المجموع ٧ : ٣٤٠ - ٣٤١.

٣٥١

في حقّهم ؛ لعدم التكليف عليهم ، بخلاف الناسي ، فإنّه يفعل ما يتعاطاه ، والنسيان عذر في سقوط الإِثم لا في إزالة الفداء.

مسألة ٢٧٠ : يجوز للمُحْرم أن يحلق شعر المـُحلّ ، ولا شي‌ء عليه - وبه قال الشافعي ومالك وأحمد ، وهو محكي عن مجاهد(١) - لأنّ المـُحلّ يسوغ له حلق رأسه ، فجاز للمُحْرم فعله به ، كما لو فَعَله المـُحلّ ؛ لأنّ المـُحرّم إنّما هو إزالة شعر المـُحْرم عن نفسه.

ولأنّه لم يتعلّق بمنبته حرمه الإِحرام ، فجاز للمُحْرِم حلقه ، كشعر البهيمة.

ولأنّه يجوز له أن يطيبه ويلبسه ، فأشبه المـُحلّ إذا حلقه.

ولأصالة براءة الذمّة.

وقال أبو حنيفة : لا يجوز له ، فإن فَعَل ، فعليه صدقة ؛ لقوله تعالى( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ ) (٢) معناه لا يحلق بعضٌ رؤوسَ بعض.

ولأنّ المـُحْرم ممنوع منه بكلّ حال ، وما كان كذلك مُنع منه في حقّ غيره ، كقتل الصيد ، بخلاف اللباس ، فإنّه ليس بممنوع منه بكلّ حال(٣) .

والآية خطاب للمُحْرِمين ، لقوله تعالى :( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ ) (٤) .

ولأنّ المـُحِلّ غير ممنوع من حلق الرأس إجماعاً ، والصيد إذا أتلفه المـُحرم بكلّ حال ضمنه ، وهنا مُنع من شعر المـُحرم ؛ لما فيه من الترفّه وزوال الشعث في الإِحرام ، وهو غير موجود في شعر المـُحلّ.

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٦٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٤ ، المجموع ٧ : ٢٤٨ و ٣٤٥ و ٣٥٠ ، المغني ٣ : ٥٢٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٤ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٧٢.

(٢) البقرة : ١٩٦.

(٣) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٧٢ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦٢ ، بدائع الصنائع ٢. ١٩٣ ، المغني ٣ : ٥٢٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٤ ، المجموع ٧ : ٢٤٨ ، و ٣٤٥ و ٣٥٠ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٩.

(٤) البقرة : ١٩٦.

٣٥٢

مسألة ٢٧١ : لا يجوز للمُحْرم ولا للمُحلّ أن يحلقا رأس المـُحْرم مع علمهما بحاله إجماعاً ؛ لقوله تعالى :( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ ) (١) .

والمراد : أن لا يحلقه بنفسه ولا بغيره ، بل انصراف ذلك إلى الغير أولى ، فإنّ الإِنسان لا يمكنه أن يحلق رأس نفسه إلّا نادراً.

ولا فدية على واحد منهما عَلِما أو جَهِلا ، أذن لهما أو لا ؛ لأصالة براءة الذمّة ، والتحريم لا يستلزم الفدية ، كما في كثيرٍ من المحرّمات.

وقال أبو حنيفة : إذا كان الحالق مُحلاً ، وجب عليه صدقة نصف صاع ، وعلى المحرم فدية ، وإن كان مُحْرماً ، فإن كان بإذنه ، فعلى الآذن الفدية ، وعلى الحالق صدقة(٢) .

وقال الشافعي : إذا حلق الحلال أو الحرام شعر الحرام ، فقد أساء.

ثم إن حلق بأمره ، فالفدية على المحلوق ، لأنّ فعل الحالق بأمره يضاف إليه ، ألا ترى(٣) أنّه لو حلف لا يحلق رأسه فأمر غيره ، فحلق ، يحنث في يمينه.

ولأنّ يده ثابتة على الشعر ، وهو مأمور بحفظه إمّا على سبيل الوديعة أو العارية ، وكلاهما إذا تلف في يده بأمره يضمن.

وإن حلق لا بأمره يُنظر إن كان نائماً أو مكرهاً أو مغمى عليه ، فقولان :

أصحّهما : أنّ الفدية على الحالق - وبه قال مالك وأحمد - لأنّه المقصّر ولا تقصير من المحلوق.

والثاني - وبه قال أبو حنيفة - أنّها على المحلوق ، لأنّه المرتفق به(٤) .

____________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٤ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩٦ ، المجموع ٧ : ٣٤٥.

(٣) في النسخ الخطيّة والحجرية : فإنّ الأقوى ، بدل ألا ترى ، وما أثبتناه من فتح العزيز.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٤٦٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٠ ، المجموع ٧ : ٣٤٥ - ٣٤٦ ، =

٣٥٣

وأصحاب الشافعي بنوا القولين على أنّ استحفاظ الشعر في يد المـُحْرم جارٍ مجرى الوديعة أو مجرى العارية.

وفيه جوابان :

إن قلنا بالأول ، فالفدية على الحالق ، كما أنّ ضمان الوديعة على المـُتْلف دون المـُودع ، وإن قلنا بالثاني ، وجبت على المحلوق وجوب الضمان على المستعير.

قالوا : والأول أظهر ؛ لأنّ العارية هي التي يمسكها لمنفعة نفسه ، وقد يريد المـُحْرم الإِزالة دون الإِمساك.

وأيضاً فإنّه لو احترق شعره بتطاير الشرر ولم يقدر على التطفئة ، فلا فدية عليه ، ولو كان كالمستعير ، لوجبت عليه الفدية.

قالوا : فإن قلنا : الفدية على الحالق ، فإن فدى ، فلا بحث ، وإن امتنع مع القدرة ، فهل للمحلوق مطالبته بإخراجها؟ فيه وجهان : فالأكثر على أنّ له ذلك ، بناءً على أنّ المـُحْرم كالمودع خصم فيما يؤخذ منه ويتلف في يده.

وإذا أخرج المحلوق [ الفدية ](١) بإذن الحالق ، جاز ، وبغير إذنه لا يجوز في أصحّ الوجهين ، كما لو أخرجها أجنبي بغير إذنه.

وإن قلنا : الفدية على المحلوق ، فإن فدى بالهدي أو الطعام ، رجع بأقلّ الأمرين من الطعام أو قيمة الشاة على الحالق ، ولا يرجع بما زاد ، لأنّ الفدية على التخيير ، وهو متطوّع بالزيادة.

وإن فدى بالصوم ، فوجهان : أظهرهما : لا ، وعلى الثاني بم يرجع؟ وجهان :

____________________

= حلية العلماء ٣ : ٣٠٢ و ٣٠٤ ، المغني ٣ : ٥٣٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٣.

(١) أضفناها من المصدر.

٣٥٤

أظهرهما : بثلاثة أمداد من طعام ؛ لأنّ صوم كلّ يوم مقابل مُدٍّ.

والثاني بما يرجع به لو فدى بالهدي أو الإِطعام.

ثم إذا رجع فإنّما يرجع بعد الإِخراج في أصحّ الوجهين.

والثاني : أنّ له أن يأخذ منه ثم يخرج.

وهل للحالق أن يفدي على هذا القول؟

أمّا بالصوم فلا ؛ لأنّه متحمّل ، والصوم لا يتحمّل.

وأمّا بغيره فنعم ، ولكن بإذن المحلوق ؛ لأنّ في الفدية معنى التقرّب ، فلا بدّ من نيّة مَنْ وَجَبَتْ عليه.

وإن لم يكن نائماً ولا مغمى عليه ولا مُكرهاً ، لكنه سكت عن الحلق ولم يمنع منه ، فقولان :

أحدهما : أنّ الحكم كما لو كان نائماً ، لأنّ السكوت ليس بأمر ، فإنّ السكوت على إتلاف المال لا يكون أمراً بالإِتلاف.

وأصحّهما : أنّه كما لو حلق بأمره ؛ لأنّ الشعر إمّا كالوديعة عنده أو كالعارية ، وعلى التقديرين يجب الدفع عنه(١) .

ولو أمر حلال حلالاً بحلق شعر حرام وهو نائم ، فالفدية على الآمر عند الشافعي إن لم يعرف الحالق الحال ، وإن عرف ، فعليه في أصحّ الوجهين(٢) .

وهذه الفروع كلّها ساقطة عندنا ؛ لأنّ الحالق لا كفّارة عليه عندنا ، وأمّا المحلوق فإن كان الحلق بإذنه ضمن ، وإلّا فلا.

البحث الحادي عشر : القَلْم‌

مسألة ٢٧٢ : أجمع فقهاء الأمصار كافّة‌ على أنّ المـُحْرم ممنوع من‌

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٦٩ - ٤٧٠ ، المجموع ٧ : ٣٤٦ - ٣٤٩.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٧٠ ، المجموع ٧ : ٣٤٩.

٣٥٥

قصّ أظفاره مع الاختيار ؛ لأنّه إزالة جزء يترفّه به فحرم ، كإزالة الشعر.

ولما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمّار عن أبي الحسنعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل أحرم فنسي أن يقلّم أظفاره ، قال : فقال : « يدعها » قال : قلت : إنّها طوال ، قال : « وإن كانت» قلت : إنّ رجلاً أفتاه بأن يقلّمها وأن يغتسل ويُعيد إحرامه ، ففَعَل ، قال : « عليه دم »(١) .

واعلم أنّ علماءنا نصّوا على أنّ مَنْ قلّم ظُفْره بإفتاء غيره ، فأدمى إصبعه ، كان على الـمُفتي دم شاة ؛ لهذه الرواية.

إذا ثبت هذا ، فليس الحكم مخصوصاً بالقَلْم ، بل بمطلق الإِزالة ، فإنّها تزال للتنظيف والترفّه ، فيلحق بالقَلْمِ الكسْرُ والقطْعُ.

ولو قطع يده أو إصبعه وعليها الظفر ، فلا فدية عليه ؛ لأنّ الظفر تابع غير مقصود بالإِبانة.

مسألة ٢٧٣ : لو احتاج إلى مداواة قرحة ولا يمكنه إلّا بقصّ أظفاره ، جاز له ذلك ، ووجبت الفدية - خلافاً لبعض العامّة(٢) - لأنّه أزال ما مُنع من إزالته لضرر في غيره ، فكان كما لو حلق رأسه لضرر القمل.

ولما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل الـمُحْرم تطول أظفاره ، قال : « لا يقصّ شيئاً منها إن استطاع ، فإن كانت تؤذيه فليقصّها وليُطعم مكان كلّ ظُفْر قبضةً من طعام »(٣) .

مسألة ٢٧٤ : لو أزال بعض الظُفْر تعلّق به ما يتعلّق بالظُفْر جميعه ؛ لأنّه بعض من جملة مضمونة.

وكذا لو أخذ بعض شعره ، فإنّه يكون كأخذ الشعرة بأجمعها.

ولو أخذ من بعض جوانب الظُفْر ولم يأت على رأسه كلّه ، ففيه ما في‌

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣١٤ / ١٠٨٢.

(٢) هو ابن القاسم صاحب مالك كما في المغني ٣ : ٣٠٣ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٧٥.

(٣) الكافي ٤ : ٣٦٠ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٢٨ / ١٠٧٧ ، التهذيب ٥ : ٣١٤ / ١٠٨٣.

٣٥٦

الظُفْر.

وقالت الشافعية : إن قلنا : يجب في الظُفْر الواحد ثلث دم أو درهم ، فالواجب فيه ما يقتضيه الحساب ، وإن قلنا : يجب مُدٌّ ، فلا سبيل إلى تبعيضه(١) .

مسألة ٢٧٥ : لو انكسر ظُفْره ، كان له إزالته بلا خلاف بين العلماء ؛ لأنّه يؤذيه ويؤلمه ، فكان له إزالته ، كالشعر النابت في عينه والصيد الصائل عليه.

وهل تجب فيه الفدية؟ إشكال ينشأ : من أصالة براءة الذمّة ومشابهته للصيد الصائل ، ومن الرواية الصحيحة عن الصادقعليه‌السلام وقد سأله معاوية بن عمّار : عن الـمُحْرم تطول أظفاره إلى أن ينكسر بعضها فيؤذيه : « فليقصّها وليُطعم مكان كلّ ظفر قبضةً من طعام »(٢) لأنّ العمل بالرواية متعيّن.

ولو قصّ المكسور خاصّةً ، لم يكن عليه شي‌ء عند قوم على ما تقدّم من الإِشكال.

ولو أزال منه ما بقي ممّا لم ينكسر ، ضمنه بما يضمن به الظُفْر ؛ لأنّه أزال بعض الظُفْر ابتداءً من غير علّة ، فوجب ضمانه ، وكذا لو أزاله تبعاً.

البحث الثاني عشر : إخراج الدم‌

مسألة ٢٧٦ : اختلف علماؤنا في جواز الحجامة للمُحْرم اختياراً ، فمنع منه المفيد وابن إدريس(٣) ، وبه قال مالك(٤) ، وكان الحسن البصري يرى‌

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٦٧.

(٢) الكافي ٤ : ٣٦٠ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٢٨ / ١٠٧٧ ، التهذيب ٥ : ٣١٤ / ١٠٨٣.

(٣) المقنعة : ٦٨ ، السرائر : ١٢٨.

(٤) المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٤٠ ، المجموع ٧ : ٣٥٥ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٥ ، المغني =

٣٥٧

في الحجامة دماً(١) .

واختار ابن بابويه الجواز(٢) ، وهو قول أكثر العامّة(٣) .

وللشيخ قولان(٤) .

احتجّ المفيد : بما رواه الحسن الصيقل عن الصادقعليه‌السلام : عن الـمُحْرم يحتجم ، قال : « لا ، إلّا أن يخاف على نفسه التلف ولا يستطيع الصلاة » وقال : « إذا أذاه الدم فلا بأس به ويحتجم ولا يحلق الشعر »(٥) .

واحتجّ المجوّزون : بما رواه العامّة عن ابن عباس : انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله احتجم - وهو مُحْرم - في رأسه(٦) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « لا بأس أن يحتجم الـمُحْرم ما لم يحلق أو يقطع الشعر »(٧) .

وهما محمولان على الاحتياج إليه ؛ جمعاً بين الأدلّة.

مسألة ٢٧٧ : يجوز الحجامة مع الضرورة ودعوى الحاجة ، وكذا الفصد بلا خلاف ، دفعاً للضرر(٨) ، وكذا يجوز قطع العضو عند الحاجة ، والختان من غير فدية ؛ للأصل.

ولو احتاج في الحجامة إلى قطع شعر ، قَطَعَه ؛ لما رواه العامّة عن النبي‌

____________________

= ٣ : ٢٨٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٤.

(١) المغني ٣ : ٢٨٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٤.

(٢) المقنع : ٧٣ ، الفقيه ٢ : ٢٢٢ / ١٠٣٣.

(٣) المغني ٣ : ٢٨٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٤ ، المجموع ٧ : ٣٥٥.

(٤) قال بعدم الجواز في المبسوط ١ : ٣٢١ ، والنهاية : ٢٢٠ ، وبالجواز في الخلاف ٢ : ٣١٥ ، المسألة ١١٠.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٠٦ / ١٠٤٤ ، الاستبصار ٢ : ١٨٣ / ٦٠٨.

(٦) سنن أبي داود ٢ : ١٦٧ - ١٦٨ / ١٨٣٦.

(٧) التهذيب ٥ : ٣٠٦ / ١٠٤٦ ، الاستبصار ٢ : ١٨٣ / ٦١٠.

(٨) في النسخ الخطية ونسخة بدل في الطبعة الحجرية : للضرورة.

٣٥٨

صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنّه احتجم في طريق مكّة وهو مُحْرم وسط(١) رأسه(٢) ، ومن ضرورة ذلك قطع الشعر.

ومن طريق الخاصّة : ما رواه مهران بن أبي نصر وعلي بن إسماعيل بن عمّار عن أبي الحسنعليه‌السلام ، قالا : سألناه ، فقال في حلق القفا للمُحْرم : « إن كان أحد منكم يحتاج إلى الحجامة فلا بأس به ، وإلّا فيلزم ما جرى عليه الموسى إذا حلق »(٣) .

ولأنّه يباح إزالة الشعر أجمع لضرر القمل ، فكذا هنا.

إذا عرفت هذا ، فإنّ الفدية واجبة عليه - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك وأحمد وأبو ثور وابن المنذر(٤) - لقوله تعالى :( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) (٥) .

ولأنّ حلقه لإِزالة ضرر عنه ، فلزمته الكفّارة ، كما لو حلقه لإِزالة قملة.

وقال أبو يوسف ومحمد : يتصدّق بشي‌ء(٦) .

مسألة ٢٧٨ : يجوز للمُحْرم أن يبطّ خُراجه ويشقّ الدمل‌ إذا احتاج إلى‌

____________________

(١) في النسخ الخطية والطبعة الحجرية : وشرط بدل وسط ، وما أثبتناه من المصادر.

والشَّرْطُ : بَزْغُ الحجّام بالمشرط ، وبَزَغَ دَمَه : أي أساله. لسان العرب ٧ : ٣٣٢ و ٨ : ٤٣٢ « شرط ، بزغ ».

(٢) صحيح البخاري ٣ : ١٩ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٦٢ - ٨٦٣ / ١٢٠٣ ، سنن النسائي ٥ : ١٩٤ ، سنن البيهقي ٥ : ٦٥ ، المغني ٣ : ٢٨٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٥.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٠٦ - ٣٠٧ / ١٠٤٧.

(٤) المجموع ٧ : ٣٥٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩٣ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦٢ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٧٤ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٤٢٨ ، المغني ٣ : ٢٨٣ - ٢٨٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٥.

(٥) البقرة : ١٩٦.

(٦) بدائع الصنائع ٢ : ١٩٣ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦٢ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٧٤ ، المغني ٣ : ٢٨٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٥.

٣٥٩

ذلك ، ولا فدية عليه إجماعاً ؛ لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه احتجم وهو مُحْرم(١) .

ومن طريق الخاصّة : رواية معاوية بن عمّار - الصحيحة - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن الـمُحْرم يعصر الدمل ويربط عليه الخرقة ، فقال : « لا بأس »(٢) .

وروى هشام بن سالم - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « إذا خرج بالمحرم الخراج والدمل فليبطّه وليداوه بزيت أو بسمن »(٣) .

ولأنّه في محلّ الحاجة ولا يستتبع ترفّهاً ، فكان سائغاً ، كشرب الدواء.

ويجوز أن يقلع ضرسه مع الحاجة إليه ؛ لأنّه تداوٍ ، وليس بترفّهٍ ، فكان سائغاً ، كشرب الدواء.

ولما رواه الحسن الصيقل أنّه سأل الصادقعليه‌السلام : عن الـمُحْرم يؤذيه ضرسه أيقلعه؟ قال : « نعم لا بأس به »(٤) .

ولو لم يحتج إلى قلعه ، كان عليه دم.

مسألة ٢٧٩ : لا يدلك الـمُحْرم جسده بعنف لئلّا يدميه أو يقلع شعره ، وكذا لا يستقصي في سواكه لئلّا يُدْمي فاه ، ولا يدلك وجهه في غسل الوضوء وغيره لئلّا يسقط من شعر لحيته شي‌ء ، لما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام : عن الـمُحْرم كيف يحكّ رأسه؟ قال : « بأظافيره ما لم يُدْم أو يقطع الشعر »(٥) .

____________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ١٩ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٦٢ / ١٢٠٢ ، سنن الترمذي ٣ : ١٩٩ / ٨٣٩ ، سنن أبي داود ٢ : ١٦٧ - ١٦٨ / ١٨٣٥ و ١٨٣٦ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٩ / ٣٠٨٢ ، سنن النسائي ٥ : ١٩٣ ، سنن البيهقي ٥ : ٦٤ و ٦٥ ، الموطّأ ١ : ٣٤٩ / ٧٤.

(٢) الكافي ٤ : ٣٥٩ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٢٢٢ / ١٠٣٨.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٢٢ / ١٠٤٠ ، التهذيب ٥ : ٣٠٤ / ١٠٣٦.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٢٢ / ١٠٣٦.

(٥) التهذيب ٥ : ٣١٣ / ١٠٧٦.

٣٦٠