تذكرة الفقهاء الجزء ٧

تذكرة الفقهاء12%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-007-2
الصفحات: 481

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 481 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 169776 / تحميل: 5807
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٧

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٠٠٧-٢
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

ولا يكون الاشتغال به من الاول إلا مقيدا بعدم عروضه فلا يقين باشتغال الذمة بالتكليف به إلا إلى هذا الحد فلا يجب رعايته فيما بعده ولا يكون إلا من باب

______________________________

من جهة قصور المكلف لا المكلف به كما في الاول، وشرطية وجود الموضوع راجعة إلى شرطية عدم المانع من اشتغال ذمة المكلف فان الاناء المفقود مما لا قصور في مفسدته ولا في تعلق الكراهة بشربه إلا ان العلم بكراهته لا يصلح ان يكون موجبا لاشتغال الذمة به فيمتنع ان يكون وجوده شرطا للتكليف الذي هو في الحقيقة شرط نفس الارادة والكراهة ذاتا كما في القدرة أو عرضا كما في عدم الاضطرار، فوجود الموضوع والابتلاء به نظير وجود الحجة على التكليف ليس شرطا للتكليف وان كان شرطا للاشتغال في نظر العقل، وهذا واضح لدى التأمل، إنما الاشكال فيما ذكره من كون تنجز الباقي بعد الفقد بقاعدة الاشتغال إذا من المعلوم ان القاعدة المذكورة إنما تجري في كل ما يحتمل انه المنجز والباقي بعد الفقدان مما لا يحتمل فيه ذلك إذ المنجز إن كان هو العلم حال الفقدان فبطلانه ظاهر لعدم صلاحيته لذلك من جهة الفقدان، وان كان هو العلم قبل الفقدان فذلك العلم طرفاه المفقود والباقي معا قبل زمان الفقدان لا مطلقا فليس الوجه في تنجز الباقي إلا انه طرف لعلم اجمالي قائم بين التدريجيين وهما المفقود قبل فقده والباقي بعد الفقدان كما اشار إليه في الحاشية، وحينئذ فلا فرق بين الاضطرار والفقدان من هذه الجهة فبالنظر إلى العلم الاجمالي بين الدفعيين لا تنجز للباقي في المقامين، والى العلم الاجمالي بين التدرجيين يتنجز الباقي في المقامين، وصحة التقييد في الاضطرار وعدمها في الفقدان إنما يوجبان الفرق في حصول العلم الاجمالي بالتكليف بعد الفقدان وحصوله بعد الاضطرار، وذلك لا يوجب فرقا في منجزية الباقي بعد الفقدان لأن العلم الحاصل حين الفقدان لا أثر له في المنجزية بعد خروج بعض اطرافه عن محل الابتلاء. وعليك بالتأمل وهو سبحانه المستعان (قوله: ولا يكون الاشتغال به) هذا الأثر مشترك بين الاضطرار والفقدان لما عرفت ان

٣٠١

* الاحتياط في الشبهة البدوية فافهم وتأمل فانه دقيق جدا (الثاني) انه لما كان (١) النهي عن الشئ إنما هو لأجل أن يصير داعيا للمكلف نحو تركه لو لم يكن له داع آخر ولا يكاد يكون ذلك إلا فيما يمكن عادة ابتلاؤه به وأما ما لا ابتلاء به بحسبها فليس للنهي عنه موقع أصلا ضرورة أنه بلا فائدة ولا طائل بل يكون من قبيل طلب الحاصل كان الابتلاء بجميع الأطراف مما لابد منه في تأثير العلم فانه بدونه لا علم بتكليف فعلي لاحتمال تعلق الخطاب بما لا ابتلاء ومنه قد انقدح

______________________________

الفقدان من موانع الاشتغال فلا يكون الاشتغال الا قبله فهو من حدود الاشتغال وان لم يكن من حدود نفس التكليف كالاضطرار (قوله: داعيا للمكلف) يعني داعيا عقليا بحيث يكون عدمه ارجح من وجوده في نظره لما يترتب على الوجود من استحقاق العقاب (قوله: يكون ذلك) يعني صيرورته داعيا (قوله: بحسبها) اي بحسب العادة (قوله: طلب الحاصل) لحصول الغرض وهو عدم المفسدة (قوله: كان الابتلاء بجميع الأطراف) هذا جواب (لما) في قوله: لما كان النهي. وحاصل المراد: انه يعتبر في صحة النهي عن شئ كونه في معرض ابتلاء المكلف إذ لو لم يكن كذلك كان تركه مستندا إلى عدم حصول الداعي إلى فعله فلا مجال للنهي عنه لأنه من قبيل تحصيل الحاصل، وحينئذ إذا كان بعض اطراف المعلوم بالاجمال خارجا عن محل الابتلاء لا يكون ذلك العلم الاجمالي منجزا وموجبا للاحتياط فيما هو محل الابتلاء من الأطراف لاحتمال كون المعلوم منطبقا على ما هو خارج عن محل الابتلاء فلا يكون التكليف به فعليا. وتوضيح الحال: ان موضوع التكليف (تارة) يكون في معرض الابتلاء للمكلف فيحسن ان يخاطب بالاجتناب عنه مطلقا كما في بعض اواني المكلف التي

______________

(١) كما انه إذا كان فعل الشئ الذي كان متعلقا لغرض المولى مما لا يكاد عادة ان يتركه العبد وان لا يكون له داع إليه لم يكن الامر به والبعث إليه موقع اصلا كما لا يخفى. منه قدس سره

٣٠٢

تكون تحت يده (واخرى) لا يكون كذلك فلا يحسن الخطاب به الا مشروطا بالابتلاء كما في الاواني التى قد تقتضي العادة نادرا ابتلاءه بها كأواني الملك بالنسبة إلى سواد الرعية فانه لا يصح ان تقول له: اجتنب عن اناء الملك مطلقا، وان صح ان تقول له: إن دخلت بيت الملك فاجتنب الاناء الفلاني (وثالثة) لا يصح الخطاب به لا مطلقا ولا مشروطا كالثوب يلبسه انسان معين من سواد الرعية وسكان البراري والقفار بالنسبة إلى الملك فلا يحسن خطاب الملك بالاجتناب عنه مطلقا لا مطلقا ولا مشروطا، وقد عرفت في الحاشية السابقة انه لا قصور في مفسدة الموضوع المذكور من حيث اقتضائها الكراهة حيث انها مفسدة بلا مزاحم ولا في تحقق الكراهة لقدرة المكلف على الارتكاب والاجتناب غاية الأمر أنه لا يحسن الخطاب به لحصول الصوارف العادية عنه بحيث يعد النهي عنه من قبيل تحصيل الحاصل لغوا ومن هنا وقع الاشكال في اعتبار هذا الشرط في منجزية العلم الاجمالي، فمنعه بعض زعما منه أن امتناع الخطاب لا يقدح في منجزية العلم بعد تعلقه بالارادة الكامنة في نفس المولى إذ الخطاب لا موضوعية له في المنجزية به هو ملحوظ طريقا إلى تلك الارادة وحاكيا عنها، ولذا لو علمت الارادة المذكورة مع العلم بعدم الخطاب لمانع وجب موافقتها، كما أنه لو علم بالخطاب وعلم بعدم الارادة لم تجب الموافقة في نظر العقل فإذا كان المنجز هو العلم بالارادة فهو حاصل، ولو كان بعض الاطراف خارجا عن محل الابتلاء ويترتب حينئذ وجوب الاحتياط فيما هو محل الابتلاء (والجواب): أن المانع من الخطاب في المقام ليس الا كونه بحيث لا يوجب تحميلا على المكلف والقاء له في كلفة التكليف، وهذا مما لا يمنع أن يكون العلم مما يترتب عليه الأثر أعني المنجزية واشتغال الذمة إذ لو ترتب عليه ذلك كان مترتبا بعينه على الخطاب ويكون به حسنا والمفروض خلافه. وبالجملة: العلم من قبيل الخطاب فالالتزام بقبح الخطاب ولغويته وعدم ترتب اثر عليه ملازم لالتزام ذلك في العلم بعينه وهو ينافي كونه منجزا وموجبا لاشتغال ذمة العبد كما هو

٣٠٣

* أن الملاك في الابتلاء المصحح لفعلية الزجر وانقداح طلب تركه في نفس المولى فعلا هو ما إذا صح انقداح الداعي إلى فعله في نفس العبد مع اطلاعه على ما هو عليه من الحال ولو شك في ذلك كان المرجع هو البراءة لعدم القطع بالاشتغال لا إطلاق الخطاب ضرورة أنه لا مجال للتشبث به إلا فيما إذا شك في التقييد بشئ بعد الفراغ عن صحة الاطلاق بدونه

______________________________

ظاهر بادنى تأمل (قوله: ان الملاك في الابتلاء المصحح) يعني أن الميزان الذي يعرف به كون الموضوع مبتلي به وغير مبتلى به هو كون العلم به موجبا لحدوث الداعي في نفس العبد إلى الترك أو غير موجب لذلك فان كان موجبا له فالموضوع مبتلي به إذ لا معنى لتحميل العبد وايقاعه في الكلفة الا التسبب إلى ايجاد ذلك الداعي العقلي إلى الفعل أو الترك فلو لم يكن موجبا لذلك الداعي فالموضوع غير مبتلي به (قوله: ولو شك في ذلك كان المرجع) يعني لو شك في الابتلاء للشك في صحة انقداح الداعي إلى ترك المعلوم بالاجمال فالمرجع فيما هو محل الابتلاء من الاطراف اصل البراءة لعدم القطع باشتغال الذمة بالمعلوم بالاجمال ليجب فيه الاحتياط من جهة الشك في الشرط، لكن لا يخفى أن الابتلاء ليس شرطا للاشتغال والتنجز العقلي بوجوده الواقعي حتى يكون الشك فيه شكا فيه بل هو شرط بوجوده العلمي فما لم يعلم الابتلاء يعلم بعدم حكم العقل بالاشتغال، فلا يخلو التعبير من مسامحة (قوله: لا اطلاق الخطاب) يعني ليس المرجع اطلاق الخطاب كما قد يظهر من كلام شيخنا الاعظم (ره) في رسائله لأن الاطلاق إنما يكون مرجعا فيما إذا احرزت صحته وشك في مطابقته للواقع وعدمها من جهة الشك في التقييد وعدمه لا ما إذا علم بمطابقته للواقع وشك في صحته وعدمها، والمقام من الثاني لما عرفت أن الموضوع الخارج عن محل الابتلاء لا قصور في ثبوت التكليف به لثبوت مقتضيه وعدم المزاحم له غاية الامر انه لا يحسن الخطاب به للغويته وعدم ترتب فائدة عليه وذلك إنما يوجب عدم صحته لانه في ظرف ثبوته لا يكون

٣٠٤

* لا فيما شك في اعتباره في حصته (١) تأمل لعلك تعرف انشاء الله تعالى (الثالث) انه قد عرفت أنه مع فعلية التكليف المعلوم لا تفاوت بين أن يكون أطرافه محصورة وأن يكون غير محصورة (نعم) ربما يكون كثرة الأطراف في مورد موجبة لعسر موافقته القطعية باجتناب كلها أو ارتكابه أو ضرر فيها أو غيرهما مما لا يكون معه التكليف فعليا بعثا أو زجرا فعلا وليس بموجبة لذلك في غيره كما أن نفسها ربما يكون موجبة لذلك ولو كانت قليلة في مورد آخر فلابد من ملاحظة ذاك الموجب لرفع فعلية التكليف المعلوم بالاجمال أنه يكون اولا يكون في هذا المورد أو يكون مع كثرة أطرافه وملاحظة أنه مع آية مرتبة من كثرتها كما لا يخفى ولو شك في عروض الموجب فالمتبع هو إطلاق دليل التكليف لو كان وإلا فالبراءة لأجل الشك في

______________________________

مطابقا للواقع بخلاف سائر المطلقات مثل اكرم العالم إذا شك في تقييده بالعدالة فان الشك في التقييد المذكور إنما يوجب الشك في مطابقة اطلاق العالم الشامل للفاسق والعادل للواقع مع القطع بصحته، ولو كان غير مطابق للواقع فضمير (به) راجع إلى الاطلاق و (بشئ) متعلق بالتقييد، و (بعد) ظرف لشك، وضمير (بدونه) راجع إلى التقييد (قوله: لا فيما شك) يعني لا يتشبث بالاطلاق إذا شك في وجود ما يعتبر في صحته كالابتلاء الذي هو شرط صحة اطلاق الخطاب (قوله: أو ضرر فيها) أي في الموافقة القطعية (قوله: أو غيرهما) أي غير العسر والضرر مثل خروج بعض الاطراف عن محل الابتلاء (قوله: وليس بموجبة) معطوف على موجبة (قوله: ان نفسها) اي الموافقة القطعية (قوله: ولو كانت) يعني الاطراف (قوله: مع أية مرتبة) إذ قد تكون بعض مراتب الكثرة موجبة وبعض مراتبها غير موجبة (قوله: فالمتبع هو اطلاق دليل) من الواضح أن ادلة العسر والحرج والضرر مقيدة لأدلة

______________

(١) نعم لو كان الاطلاق في مقام يقتضي بيان التقييد بالابتلاء لو لم يكن هناك ابتلاء مصحح للتكليف كان الاطلاق وعدم بيان التقييد دالا على فعليته ووجود الابتلاء المصحح لها كما لا يخفى فافهم. منه قدس سره

٣٠٥

* التكليف الفعلي. هذا هو حق القول في المقام وما قيل في ضبط المحصور وغيره لا يخلو من الجزاف (الرابع) أنه إنما يجب عقلا رعاية الاحتياط في خصوص الاطراف مما يتوقف على اجتنابه أو ارتكابه حصول العلم باتيان الواجب أو ترك الحرام المعلومين في البين دون غيرها وان كان حاله حال بعضها في كونه محكوما بحكم واقعا. ومنه ينقدح الحال في مسألة ملاقاة شئ مع أحد أطراف النجس المعلوم بالاجمال وانه (تارة) يجب الاجتناب عن الملاقي دون ملاقيه فيما كانت الملاقاة بعد العلم إجمالا بالنجس بينها فانه إذا اجتنب عنه وطرفه اجتنب عن النجس في البين قطعا ولو لم يجتنب عما يلاقيه فانه على تقدير نجاسته لنجاسته كان فردا آخر من النجس قد شك في وجوده كشئ آخر شك في نجاسته بسب آخر.

______________________________

الاحكام الأولية وان كانت بلسان الحاكم فهي رافعة لنفس التكليف في ظرف ثبوته واقعا فمع الشك فيها يكون الشك في مطابقة الاطلاق للواقع فاصالة الاطلاق فيه حجة لولا أن الشبهة مصداقية، فالتمسك بها يتوقف على حجية اصالة العموم والاطلاق في الشبهات المصداقية. نعم تختص الشبهة في المقام بكون الأصل العقلائي فيها هو الاحتياط نظير الشك في القدرة لكون الشك في المزاحم مع احراز مقتضي التكليف وفي مثله يبني على عدم المزاحم، ومنه يظهر أنه لا يتضح الوجه في حكمه بالرجوع إلى اصالة الاطلاق ومع عدمه فالرجوع إلى البراءة إذ المرجع اصالة عدم المزاحم سواء كان هناك اطلاق أم لم يكن، وان هذا هو حق القول في المقام. فلاحظ (قوله: دون غيرها) إذ هو بعد ما لم يحتمل انطباق المعلوم بالاجمال عليه لا مقتضي للاحتياط فيه (قوله: فيما كانت الملاقاة بعد العلم) اعلم انه إذا علم اجمالا بنجاسة احد الاناءين مثلا ثم علم بملاقاة اناء ثالث لأحدهما فلا ريب في انه بعد العلم بالملاقاة يحدث علم اجمالي بنجاسة الملاقي - بالكسر - أو صاحب الملاقى - بالفتح - فيكون حينئذ علمان يشتركان في طرف واحد وهو صاحب الملاقى - بالفتح - ويختلفان بالمتلاقيين، ومقتضى حجية العلم الاجمالي وجوب الاحتياط في

٣٠٦

الملاقي - بالكسر - كما يجب في الملاقى - بالفتح - وصاحبه (وقد) يدفع وجوب الاحتياط فيه بان التكليف بالاجتناب عنه تكليف زائد على التكليف المعلوم بالاجمال والأصل فيه البراءة (وفيه) أنه يمكن دعوى ذلك بالنسبة إلى الملاقى - بالفتح - فانه يعلم اجمالا بوجوب الاجتناب إما عن الملاقي - بالكسر - أو عن صاحب الملاقى - بالفتح - والتكليف بالملاقى تكليف زائد يرجع فيه إلى أصل البراءة، ولا مرجح لملاحظة العلم بين الاصليين على ملاحظة هذا العلم الحادث بل التحقيق انه هنا علم واحد قائم بين المتلاقيين والطرف الآخر كما لو علم اجمالا اما بوجوب اكرام زيد وعمرو وإما بوجوب اكرام خالد الذي لا اشكال في وجوب الاحتياط التام فيه باكرام الجميع (وقد يدفع) كما قد يظهر من شيخنا الاعظم قدس سره في رسائله بان طهارة الملاقي - بالكسر - ونجاسته لما كانت من آثار طهارة الملاقى - بالفتح - ونجاسته، وكان ذلك موجبا لامتناع جريان الاصل في الأول في عرض جريانه في الثاني للسببية والمسببية الموجبة للترتب بينهما كما سيأتي انشاء الله بيانه في محله، كانت المعارضة بين اصالتي الطهارة أو استصحابهما في الاصليين لا غير، وبعد تساقطهما يرجع إلى اصالة الطهارة في الملاقي - بالكسر - بلا معارض (وفيه) أنه مبني على القول بأن المانع من جريان الأصل في طرف العلم الاجمالي هو المعارضة دون العلم الاجمالي المبتني على كون العلم الاجمالي علة تامة لحرمة المخالفة القطعية الحاصلة من جريان الأصل في تمام الأطراف دون وجوب الموافقة القطعية، وقد عرفت ان التحقيق هو الثاني وحينئذ لا مجال لجريان الأصل في بعض الاطراف وان لم يكن له معارض لأن اجراءه مخالفة احتمالية مضافا إلى أن أصالة الطهارة في الملاقي - بالكسر - معارضة باصالة الحل في الاصليين لانها فيهما اصل مسببي يرجع إليها بعد تعارض اصالة الطهارة فيهما وبعد التعارض يرجع إلى اصالة الحل في الملاقي - بالكسر - ولازم ذلك جواز شربه وعدم ترتيب آثار الطهارة عليه. نعم لو كان مسبوقا بالطهارة أمكن في بعض الصور معارضة أصالة الحل فيهما باستصحاب الطهارة فيه وبعد التعارض يرجع إلى اصل الطهارة فيه. لكن قد يكون الأصليان مسبوقين بالحل فيتعارض استصحاب الحل فيهما باستصحاب

٣٠٧

الطهارة فيه ثم يتعارض اصل الحل فيهما بقاعدة الطهارة فيه ويرجع فيه إلى اصل الحل لا غير. فتأمل جيدا (وقد يدفع) بما يظهر من المصنف (ره) من أن العلم القائم بين الملاقي - بالكسر - وصاحب الملاقى لما كان حادثا بعد العلم الاول لم يكن منجزا لأن احد طرفيه منجز بالعلم الأول وقد عرفت أنه إذا كان لبعض الأطراف منجز تعييني امتنع تنجيز العلم الاجمالي لمتعلقه ومن هنا لو انعكس الفرض بان تأخر العلم الاجمالي القائم بين الاصليين وجب الاحتياط في الملاقي - بالكسر - وصاحب الملاقى - بالفتح - ولم يجب الاحتياط فيه كما بينه في الصورة الثانية، ولو اقترن العلمان زمانا وجب الاحتياط في الجميع لحدوث العلمين في اطراف غير منجزة (وفيه) انك قد عرفت الاشارة سابقا إلى أن وجوب الاجتناب عن النجس إذا تعلق به العلم في زمان وبقي ممتدا بامتداد الزمان فتنجزه في كل آن يستند إلى العلم في ذلك الآن لا إلى العلم فيما قبله وحينئذ فوجوب الاجتناب عن أحد الأصليين في حال حدوث العلم الثاني يكون تنجزه مقارنا لتنجز وجوب الاجتناب إما عن الملاقي بالكسر أو عن الطرف الثالث ويكون الحال كما لو علم دفعة اما بنجاسة المتلاقيين أو بنجاسة الطرف الثالث في وجوب الاحتياط في الجميع (فان قلت): ما ذكرت من اناطة التنجز بالعلم حدوثا وبقاء هل يختص بالتكليف الممتد المنحل إلى تكاليف متعددة بتعدد الزمان كوجوب الاجتناب عن النجس أو يعم ما لم يكن كذلك كوجوب صوم أول يوم من الشهر ؟ وما الموجب لهذه الدعوى ؟ (قلت): لا فرق بين القسمين فإذا علم المكلف قبل الهلال بايام أنه يجب عليه صوم أول الشهر فمجرد حدوث العلم موجب لتنجز وجوب الصوم فإذا بقي العلم بقي التنجز. إذا انتفى العلم لحدوث شك سار ارتفع التنجز، والموجب لدعوى ذلك: أنه لو كان مجرد حدوث العلم موجبا لحدوث التنجز وبقائه كان اللازم حكم العقل بوجوب الامتثال ولو بعد ارتفاع العلم بوجوب الصوم وهو ظاهر البطلان (فان قلت): كيف يكون ظاهر البطلان مع انه لو تردد اليوم الواجب الصوم بين يومين وصام أحدهما فانه يرتفع العلم وجوب الصوم مع بقاء تنجز وجوب صوم اليوم المردد، ولذا نقول بوجوب صوم اليوم الثاني (قلت):

٣٠٨

لا نسلم أنه بعد صوم اليوم الاول من اليومين يرتفع العلم بوجوب صوم اليوم المردد بل هو بعد باق حتى لو صام الثاني منهما ايضا، غاية الامر يعلم بسقوط الوجوب للعلم بالامتثال وهو لا ينافى العلم بالثبوت فبعد صوم اليوم الاول يستند تنجز صوم اليوم المردد حينئذ إلى العلم في ذلك الزمان (فان قلت): كيف يكون العلم بوجوب صوم اليوم المردد منجزا بعد صوم أحدهما أو افطاره مع أن بعض أطرافه خارج عن محل الابتلاء فوجوب صوم اليوم الثاني إنما يكون لقاعدة الاشتغال التي هي عين وجوب دفع الضرر المحتمل لا لأجل العلم (قلت): لا يعتبر في بقاء التنجز لبقاء العلم بقاء تمام الأطراف تحت الابتلاء وانما يعتبر ذلك في حدوث التنجز وأما وجوب صوم اليوم الثاني لقاعدة الاشتغال فهو فرع منجزية العلم في تلك الحال واشغاله لذمة المكلف ولولاه لا معنى لقاعدة الاشتغال، فوجوب الاحتياط عقلا في كل واحد من الأطراف في كل آن لأجل احتمال كون الطرف هو الواجب المنجز في ذلك الآن وهو فرع تنجز المعلوم الاجمالي بالعلم في ذلك الآن، ولا فرق في ذلك بين ما قبل الشروع في واحد من الأطراف وما بعده وان حصل احتمال الموافقة في الثاني فقاعدة الاشتغال بما هي هي ليست منجزة بل هي فرع وجود منجز وشاغل لذمة المكلف يحتمل انطباقه على مجراها، فلابد من وجود ذلك المنجز وهو العلم وإن كان بعض أطرافه خارجا عن محل الابتلاء إذ لا يقدح ذلك عقلا إلا في حدوث التنجز. فتأمل (وقد يدفع) ايضا بان العلم بنجاسة الملاقي - بالكسر - أو طرف الملاقى ناشئ من العلم الاجمالي بنجاسة أحد الأصليين فيكون متأخرا عنه رتبة، وحينئذ فلا يصلح لأن ينجز متعلقه لأن أحد طرفيه متنجز بالعلم السابق رتبة، ولأجل ذلك تختلف الصور في وجوب الاجتناب عن الملاقي - بالكسر - دون الملاقى - بالفتح - أو العكس أو وجوب الاجتناب عنهما باختلاف كون العلم الذي أحد طرفيه الملاقي - بالكسر - ناشئا مما كان أحد طرفيه الملاقى (بالفتح) أو العكس أو كونهما ناشئين عن سبب ثالث (وفيه) أن العلم المذكور وإن كان ناشئا عن العلم بنجاسة أحد الأصليين إلا أن العلم بالنجاسة ليس منجزا حتى يمنع تنجيزه لطرفيه من تنجيز العلم

٣٠٩

ومنه ظهر أنه لا مجال لتوهم ان قضية تنجز الاجتناب عن المعلوم هو الاجتناب عنه ايضا، ضرورة ان العلم به إنما يوجب تنجز الاجتناب عنه لا تنجز الاجتناب عن فرد آخر لم يعلم حدوثه وإن احتمل

______________________________

الثاني لأنه علم بالموضوع وهو لا يصلح للمنجزية بل المنجز هو العلم بوجوب الاجتناب عن أحدهما الناشئ من العلم بالنجاسة وهو مما لا يكون علة للعلم بوجوب الاجتناب الذى طرفه الملاقي (بالكسر) أصلا بل هما معلولان لعلة واحدة فلا يصلح أن يكون احدهما مانعا عن منجزية الآخر، وعلى هذا فلم يتضح الوجه فيما هو المشهور من طهارة الملاقي لأحد أطراف الشبهة، وان كان هو الذي يقتضيه المذاق الفقهي. وكأن الوجه فيه: أن السبق الزماني لأحد العلمين موجب لاستناد التنجز إليه دون اللاحق وإن قلنا بأن التنجز يستند إلى العلم حدوثا وبقاء - كما ذكرناه آنفا - إذ غاية ما يقتضي اقتران العلمين حدوث احدهما مع بقاء الآخر، لكن ذلك لا ينافي استناد التنجز عند العقلاء إلى السابق، فان الانحلال الموجب لسقوط العلم المنحل عن التأثير ليس حقيقيا - كما عرفت - ولا عقليا ايضا - كما يقتضيه النظر الدقيق - بل هو عقلائي، والعقلاء مع اختلاف العلمين بالسبق واللحوق لا يرون للاحق أثرا في المنجزية، لا بنحو الاستقلال ولا بنحو الانضمام، وحينئذ يتعين التفصيل بين الصور - كما ذكره المصنف (ره) - ثم انه لا مجئ لشبهة معارضة أصل الطهارة في الملاقي (بالكسر) لاصل الحل في الاصليين على مسلك المصنف - رحمه الله - وما بعده لأن العلم الاجمالي بين الاصليين لما كان منجزا استند سقوط الاصول إليه فلا يرجع إلى الاصل في الملاقي بالكسر الا بعد تنجيز العلم القائم بين الاصليين المانع من جريان الاصول فيهما ففي رتبة جريان الاصل في الملاقي (بالكسر) لا مجال لجريان الاصول في الاصليين حتى تتوهم المعارضة بينهما بل تختص المعارضة على مسلك الشيخ - رحمه الله - لا غير كما ذكرنا (قوله: ومنه ظهر انه لا مجال لتوهم) يعني ما ذكره من قوله:

٣١٠

(واخرى) يجب الاجتناب عما لاقاه دونه فيما لو علم اجمالا نجاسته أو نجاسة شئ آخر ثم حدث العلم بالملاقات والعلم بنجاسة الملاقى أو ذاك الشئ ايضا فان حال (١) الملاقى في هذه الصورة بعينها حال ما لاقاه في الصورة السابقة في عدم كونه طرفا للعلم الاجمالي وانه فرد آخر على تقدير نجاسته واقعا غير معلوم النجاسة اصلا لا اجمالا ولا تفصيلا

______________________________

كان فردا آخر. وغرضه بهذا الكلام الاشارة إلى ما عن ظاهر ابن زهرة من أن المتنجس من شؤون نفس النجس فوجوب الاجتناب عن النجس يقتضي الاجتناب عنه وعما لاقاه نظير وجوب اكرام زيد المقتضي لاكرامه واكرام ولده وخادمه وسائر توابعه، فالخروج عن عهدة وجوب الاجتناب عن النجس المعلوم بالاجمال يتوقف على الاجتناب عن الملاقي لاحتمال انطباقه على الملاقى (بالفتح) المقتضي وجوب اجتنابه حينئذ لاجتناب ملاقية حينئذ، ويكون الحال كما لو قسم أحد الاناءين قسمين فانه يجب الاحتياط فيهما ولا يرجع في أحدهما إلى أصل الطهارة أو غيره من الاصول النافية. وحاصل دفع المصنف - رحمه الله - له: المنع عن ذلك وان الملاقاة للنجس تقتضي تنجس الملاقي له فيحدث فرد آخر للنجس يجب الاجتناب عنه كما يجب الاجتناب عن الملاقى غاية الأمر ان للنجس فردين ذاتيا وعرضيا، ولذلك لا تجري أحكام النجس على المتنجس به فان نجاسة البول تذهب بالغسل مرتين وليس كذلك المتنجس به بل إما أن تذهب بالغسل مرة لو كان اطلاق أو يحتاج إلى الغسل ثلاثا لو لم يكن اطلاق. فتأمل (قوله: واخرى يجب الاجتناب) معطوف على قوله: تارة يجب الاجتناب... الخ (قوله: عما لاقاه دونه) يعني عن الملاقى (بالكسر) دون الملاقى (بالفتح) (قوله: فان حال الملاقي) يعني الملاقى (بالفتح) ووجه كون حاله في هذه الصورة حال الملاقى (بالكسر) في الصورة السابقة أنه طرف لعلم اجمالي قائم بينه وبين شئ قد تنجز بعلم سابق على هذا العلم قائم به والملاقي بالكسر فصار كأنه مشكوك بدوا لانحلال العلم الذي هو طرفه بتنجز أحد طرفيه بالعلم السابق، وحيث أن المصنف - رحمه الله - يدعى الانحلال الحقيقي

______________

(١) وان لم يكن احتمال نجاسة ما لاقاه الا من قبل ملاقاته. منه قدس سره

٣١١

(وكذا) لو علم بالملاقات ثم حدث العلم الاجمالي ولكن كان الملاقي خارجا عن محل الابتلاء في حال حدوثه وصار مبتلي به بعده (وثالثة) يجب الاجتناب عنهما فيما لو حصل العلم الاجمالي بعد العلم بالملاقاة ضرورة انه حينئذ يعلم اجمالا اما بنجاسة الملاقي والملاقى أو بنجاسة الآخر كما لا يخفى فيتنجز التكليف بالاجتناب عن النجس في البين وهو الواحد أو الاثنان (المقام الثاني): في دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين

______________________________

بتنجز أحد أطراف العلم قال غير معلوم النجاسة... الخ، ولو كان يرى الانحلال الحكمي لقال: ليس طرفا لعلم اجمالي منجز (قوله: وكذا لو علم) يعني يجب الاجتناب عن الملاقي بالكسر ايضا دون الملاقى لو علم بملاقاة اناء مثلا لآخر ثم خرج الملاقى بالفتح عن محل الابتلاء ثم علم اجمالا بنجاسته قبل الملاقاة أو اناء ثالث فانه حينئذ يحدث علم اجمالي بنجاسة الملاقي بالكسر أو صاحب الملاقى بالفتح فيحدث بسببه علم بوجوب الاجتناب عن أحدهما فيجب الاحتياط فيهما والعلم الاجمالي بنجاسة الملاقى بالفتح أو صاحبه لا أثر له لخروجه عن محل الابتلاء فإذا اتفق ان صار في محل الابتلاء لا يجب الاجتناب عنه لما تقدم في الملاقي بالكسر في الصورة السابقة من أنه فرد آخر مشكوك بدوا وليس طرفا لعلم اجمالي منجز. هذا وقد عرفت في الصورة السابقة الاشكال الجاري في هذين الفرضين بعينه الموجب للاحتياط فلاحظ (قوله: عنهما) يعني المتلاقيين.

الأقل والأكثر الارتباطيان

(قوله: الارتباطيين) المراد من الأكثر الارتباطي هو المركب من أمرين أو أمور يترتب عليها غرض واحد أو أغراض متعددة متلازمة في مقام الثبوت والسقوط بحيث لا يترتب الأثر المقصود على بعضها الا في ظرف وجود الباقي ومن هنا لا يسقط الأمر ببعضها الا في ظرف سقوط الأمر بالباقي ويقابله الأكثر

٣١٢

(والحق) أن العلم الاجمالي بثبوت التكليف بينهما ايضا يوجب الاحتياط عقلا باتيان الأكثر لتنجزه به حيث تعلق بثبوته فعلا (وتوهم) انحلاله إلى العلم بوجوب الأقل تفصيلا والشك في وجوب الاكثر بدوا ضرورة لزوم الاتيان بالاقل لنفسه شرعا

______________________________

الاستقلالي فان كل واحد من أجزائه يترتب عليه الغرض مطلقا ولو في ظرف عدم الباقي كصوم شهر رمضان فان صوم كل يوم يترتب عليه الغرض ولو مع عدم صوم بقية أيامه، وعلى هذا فلا يعتبر في محلا الكلام أن يكون الأقل ارتباطيا بل لو كان الأقل بسيطا والأكثر المركب من ذلك الأقل وغيره ارتباطيا كان محلا للكلام من حيث البراءة والاشتغال (قوله: والحق أن العلم الاجمالي بثبوت) من الواضح أن الأقل لما كان داخلا في الاكثر وبعضا منه كان الوجوب النفسي على تقدير ثبوته للأكثر ثابتا للأقل أيضا غايته أنه لم يثبت له وحده بل ثبت له مع غيره، وحينئذ فلا اجمال في المعلوم حتى يسري الاجمال إلى العلم ويحكم بأن التكليف الثابت للأقل أو الأكثر معلوم بالاجمال، بل التكليف للأقل معلوم تفصيلا وللزائد على الأقل مشكوك بدوا، وحينئذ كان اللازم على المصنف - رحمه الله - التصدي لوجه منجزية العلم بالتكليف على النحو المذكور لوجوب الأكثر، مع أن الزائد على الأقل مما لم يعلم لا تفصيلا ولا إجمالا فهو لا معلوم ولا مما يحتمل انطباق المعلوم عليه، ولا يحسن قياس العلم المذكور بالعلم الاجمالي المردد بين المتباينين لوضوح الفرق بينهما فان المعلوم بالاجمال هناك محتمل الانطباق على كل واحد من الاطراف، والمعلوم هنا معلوم الانطباق على الاقل تفصيلا وعدم الانطباق على الاكثر كذلك، ولذا لا ريب في حصول مثل هذا العلم في الاقل والاكثر الاستقلالي، مع أنه لا مجال لتوهم وجوب الاحتياط فيه باتيان الأكثر وحيثية الارتباط والاستقلال لا دخل لها في وجود العلم الاجمالي وعدمه كما هو ظاهر بأدنى تأمل. نعم لو كان بناؤه على امكان ثبوت الوجوب الغيري للأجزاء المبتني على أخذ الحدود

٣١٣

أو لغيره كذلك أو عقلا ومعه لا يوجب تنجزه لو كان متعلقا بالاكثر (فاسد) قطعا لاستلزام الانحلال المحال بداهة توقف لزوم الاقل فعلا إما لنفسه أو لغيره على تنجز التكليف مطلقا ولو كان متعلقا بالاكثر فلو كان لزومه كذلك مستلزما لعدم تنجزه

______________________________

الذهنية في موضوع الوجوب الغيري كان اجمال المعلوم وتردده بين الاقل بشرط لا والاكثر محققا، إلا أن الذي صرح به في مقدمة الواجب خلافه وان كان قد يظهر منه هنا ارتضاؤه، كما سيأتي الاشارة إليه في وجه الانحلال. هذا ومما يمكن أن يوجه به اجمال العلم بنحو يقتضي الاحتياط أن الاقل وان كان معلوما وجوبه إلا أنه لا اطلاق له من حيث انفراده عن الزائد واجتماعه معه، بل هو مهمل من حيث الحالين، والاجمال الاحوالي كالاجمال الافرادي يقتضي عدم جواز الاقتصار على الاقل في حال الانفراد للشك في وجوبه في تلك الحال، وكأن المصنف - رحمه الله - اكتفى في وجه منجزية الاكثر بما سيأتي في نقض دعوى الانحلال. فتأمل وانتظر (قوله: أو لغيره كذلك) يعني شرعا بناء على وجوب المقدمة شرعا أو عقلا بناء على وجوبها عقلا لا غير، وهذا مبني على أخذ الحدود الذهنية في موضوع التكليف الغيري كما أشرنا إليه (قوله: فاسد قطعا) لان العلم تفصيلا بالوجوب المردد بنى النفسي والغيري للأقل ناشئ من العلم اجمالي بالوجوب النفسي اجمالا، وقد تقدم في مبحث الانحلال أن مثله لا يوجب الانحلال فراجع. نعم لو قرر الانحلال بالعلم التفصيلي بالوجوب النفسي للأقل بناء على ثبوت الوجوب النفسي للأجزاء - كما أشرنا إليه في الحاشية السابقة - لم يكن مجال لهذا الاشكال إذ ليس لنا الا علم واحد وهو هذا العلم كما عرفت لا علمان ينشأ أحدهما من الآخر (قوله: لاستلزام الانحلال المحال) يعني الخلف (قوله: لزوم الاقل فعلا) يعني تنجز الاقل والا فلزومه واقعا لا يتوقف على تنجز التكليف مطلقا ولو كان متعلقا بالاكثر بل يكفي فيه ثبوت التكليف واقعا إما للاقل أو للاكثر وهو معلوم فيكون لزوم الاقل إما لنفسه أو لغيره معلوما. نعم

٣١٤

الا إذا كان متعلقا بالاقل كان خلفا، مع انه يلزم من وجوده عدمه لاستلزامه عدم تنجز التكليف على كل حال المستلزم لعدم لزوم الاقل مطلقا المستلزم لعدم الانحلال وما يلزم من وجوده عدمه محال (نعم) انما ينحل إذا كان الاقل ذا مصلحة ملزمة فان وجوبه حينئذ يكون معلوما له وإنما كان الترديد لاحتمال ان يكون الاكثر

______________________________

تنجز التكليف بالأقل المردد بين النفسي والغيري يتوقف على تنجز التكليف النفسي مطلقا ولو كان قائما بالأكثر إذ لو لم يكن منجزا على تقدير قيامه بالاكثر امتنع تنجز التكليف بالاقل لو كان غيريا، لأن تنجز التكليف الغيري للأقل تابع لتنجز التكليف النفسي للاكثر، فلا يمكن الحكم بتنجز الاول على تقدير ثبوته إلا في فرض تنجز الثاني فلو كان تنجز الاول يستنتج منه عدم تنجز الثاني كان خلفا للفرض (قوله: مع انه يلزم من وجوده عدمه) الضمائر البارزة راجعة إلى الانحلال (قوله: لاستلزامه عدم) يعني ان الانحلال يقتضي عدم تنجز التكليف النفسي على تقدير كونه متعلقا بالاكثر، وهو يقتضي عدم تنجز الاقل مطلقا ولو كان واجبا غيريا لما عرفت من تبعية تنجز الوجوب الغيري لتنجز الوجوب النفسي، وإذا لم يتنجز وجوب الاقل لو كان غيريا امتنع الانحلال لانه يتوقف على تنجز وجوب الأقل مطلقا. فتأمل. ثم إنك عرفت الاشارة في تقرير الاشكالين إلى أنهما يتوقفان على التلازم بين الوجوب النفسي والغيري في مرتبة التنجز كما هما متلازمان في جميع مراتب الحكم السابقة على هذه المرتبة، ولو منع ذلك لم يتم كل من الاشكالين (أما) الاول فلمنع ما ذكر في تقريره من توقف لزوم الأقل مطلقا على تنجز التكليف مطلقا ولو كان متعلقا بالاكثر إذ لا موجب لهذا التوقف الا التلازم المذكور، فلو منع منع التوقف المذكور وجاز الالتزام بتنجيز الأقل مطلقا وعدم تنجز التكليف النفسي لو كان متعلقا بالأكثر (وأما) الثاني فلمنع قوله: المستلزم - يعني عدم تنجز التكليف على كل حال - لعدم لزوم الاقل، إذ لا موجب ايضا لهذا الاستلزام إلا ما ذكرنا من التلازم فلو منع منع الاستلزام. ثم ان نظير هذين الاشكالين يجري

٣١٥

على الانحلال الحقيقي بالعلم بالوجوب النفسي للأقل كما عرفت بيانه في الحاشية على قوله: والحق ان العلم الاجمالي... الخ، فيقال: يتوقف تنجز وجوب الأقل لنفسه على تنجز الاكثر لو كان هو الواجب فلا يمكن ان يترتب عدم الثاني على نفس الاول لأنه خلف كما يقال: الانحلال بالعلم التفصيلي يستلزم عدم تنجز الاكثر وهو يستلزم عدم تنجز الاقل مطلقا وهو يستلزم عدم الانحلال، وسند توقف في الاول والاستلزام في الثاني هو التلازم بين الوجوبات النفسية الضمنية في مرتبة التنجز بمعني أنه لو ثبت وجوب واحد لجملة اشياء بنحو الارتباط بينها فانه وان انحل إلى وجوبات ضمنية متعددة بتعدد تلك الاشياء إلا أنها لما كانت متلازمة في مقام الأثر والثبوت والسقوط امتنع التفكيك بينها في التنجز بحيث يتنجز بعضها ولا يتنجز البعض الآخر، فلو بني على جواز التكفيك بينها فيه جاز منع التوقف والاستلزام كما تقدم حرفا فحرفا فلاحظ. وحيث عرفت أن التحقيق والمختار للمصنف (ره) أن الأجزاء واجبة بالوجوب النفسي، فدعوى الانحلال ينبغي ان تكون بالعلم التفصيلي بوجوب الاقل لنفسه، وحينئذ يتوقف منع الانحلال على اثبات التلازم بين الوجوبات الضمنية النفسية. فنقول: لا تلازم بين تلازمها في مقام الثبوت والسقوط وتلازمها في مقام التنجز لاختلاف المناط في المقامين، فان المناط في تلازمها في مقام الثبوت والسقوط تلازمها في الغرض والمصلحة وجودا وعدما الذي هو الوجه في الثبوت والسقوط، والمناط في مقام التنجز هو البيان وهي غير متلازمة فيه فان العلم التفصيلي بوجوب الاقل لنفسه إنما يصلح بيانا على وجوب الأقل لنفسه ولا يصلح بيانا على وجوب الزائد، وكيف وقد عرفت انه مشكوك محضا بحيث لا يحتمل انطباق المعلوم عليه اصلا فكيف يمكن أن يتنجز ؟ وهل يمكن دعوى كون التنجز بلا بيان ؟ وبالجملة: لابد في المقام من الالتزام باحد امور: (الاول) تنجز وجوب الزائد على الاقل بمجرد العلم بوجوب الاقل (الثاني) عدم تنجز الاقل وعدم تنجز الزائد (الثالث) التفكيك بين الاقل والزائد في التنجز، وحيث أن الاول غير ممكن لانه تنجيز بلا بيان، وكذا

٣١٦

* الثاني للعلم بجوب الاقل الصالح لمنجزيته، فيتعين الثالث، والرجوع إلى طريقة العقلاء في الاحتجاج والاعتذار يلحق ما ذكرنا بالبديهيات إذ لا ريب في صحة الاحتجاج عند ترك الاقل بالعلم بوجوبه، وفى صحة الاعتذار عند ترك الجزء المشكوك بالجهل بوجوبه. فلاحظ، ولو، بنى على كون الاجزاء واجبة بالوجوب الغيري فان بنينا على أن العلم التفصيلي القائم على ثبوت التكليف في بعض الاطراف يقتضي انحلاله حقيقة كما هو ظاهر المصنف (ره) في مبحث الانحلال فالعلم الاجمالي بالوجوب النفسي لابد من انحلاله حقيقة حينئذ بالعلم التفصيلي بوجوب الأقل لنفسه أو لغيره وبعد انحلاله حقيقة لا منجز لوجوب الزائد على الاقل فيدور الأمر حينئذ بين الاحتمالات الثلاثة المتقدمة، ولابد من تعين الثالث منها لعين الوجه المتقدم، وان بنينا على انحلاله حكما فلابد من الالتزام به هنا لعين الوجه السابق في مبحث الانحلال وليس معنى انحلاله حكما الا عدم صلاحيته لمنجزية المعلوم بالاجمال الصالح للانطباق على الأكثر، وحينئذ فلا منجز لوجوب الاكثر اجمالا ولا تفصيلا فتنتهي النوبة أيضا إلى التردد بين المحتملات الثلاثة ويتعين الاخير منها، وبذلك يتضح لك عدم تمامية نقض الانحلال بالنحو الذي ذكره المصنف (ره) على جميع المباني (نعم هنا) شبهة اخرى تقتضي الاحتياط وهي أن العلم التفصيلي بوجوب الاقل إذا نجزه واشتغلت به ذمة المكلف لابد من الاحتياط بالاكثر لان الاقتصار على اتيان الأقل بوجوب الشك في سقوط وجوب الأقل، ومن الواضح أن الشك في السقوط مجرى لقاعدة الاشتغال فما لم يأت بالاكثر يشك في سقوط وجوب الاقل، ولابد له من إحراز سقوطه (ويمكن) الجواب عنها بأن الشك في السقوط إنما يرجع فيه إلى قاعدة الاشتغال لو كان منشؤه الشك في اتيان المكلف به وليس في المقام كذلك للعلم باتيان الاقل وانما منشؤه الشك في كون وجوبه استقلاليا أو في ضمن الاكثر إذ على تقدير كونه ضمنيا لا يسقط الا في ظرف سقوط وجوب الزائد المتوقف على اتيانه لتلازم الوجوبات الضمنية في الثبوت والسقوط، وعلى تقدير كونه استقلاليا يسقط بمجرد إتيان الاقل، وحيث كان منشأ الشك في سقوط وجوب الاقل ذلك لا الشك في اتيان الاقل فالمرجح فيه

٣١٧

ذا مصلحتين

______________________________

اصل البراءة (ومن) هذا يظهر لك الجواب عن الشبهة التي ذكرناها في الحاشية على قوله: والحق ان العلم الاجمالي... الخ الراجعة إلى اجمال الاقل المعلوم من حيث الاحوال، وحاصل الجواب: ان الانفراد مما يعلم بعدم اخذه قيدا في الاقل والا فهو خارج حينئذ عما نحن فيه ويكون الواجب حينئذ مرددا بين اخذه بشرط لا واخذه بشرط شئ بل الشك إنما هو في أخذ الاقل موضوعا للوجوب لا بشرط واخذه بشرط شئ والاتيان به وحده وإن كان يوجب الشك في وجوبه في هذا الحال فيشك في سقوط وجوبه، إلا أن منشأ الشك في سقوطه الشك في ثبوت الوجوب الملازم له لغيره وفى مثله يرجع إلى البراءة (فان قلت): هذا بعينه جاء في التردد بين وجوبه بشرط لا ووجوبه بشرط شئ لو اقتصر على الاتيان به وحده إذ الشك في السقوط ناشئ من الشك في وجوب غيره معه فليرجع فيه إلى البراءة، مع أنه لا ريب في الرجوع إلى قاعدة الاشتغال (قلت) الرجوع إلى قاعدة الاشتغال ليس للشك في سقوط التكليف بذات الاقل بل للشك في سقوط التكليف بالامر المردد بين شرط لا وشرط شئ فانه يعلم اجمالا بوجوب احد الأمرين من شرط لا وشرط شئ فيتنجز المعلوم بالاجمال، فالاقتصار على ذات الاقل يوجب الشك في سقوط التكليف بذلك الأمر المردد في حصوله خارجا، فالشك في السقوط للشك في اتيان الموضوع الواجب لا لشئ آخر. فلاحظ (ثم إنه) يمكن أن يقرب الانحلال بالعلم التفصيلي بحرمة ترك الأقل بنحو لا يوقف على امكان التفكيك بين الوجوبات النفسية الضمنية أو بين الوجوب الغيري والنفسي كما كان يتوقف عليه انحلاله بالعلم التفصيلي بوجوب الاقل تركنا ذكره خوف الاطالة واعتمادا على ذكرنا له في الحاشية القديمة على الكتاب فليراجع وليتأمل فان المقام به حقيق واليه سبحانه نبتهل في فيض العناية والتوفيق (قوله: ذا مصلحتين) يعني غير متلازمتين بحيث يمكن انفكاك احدهما عن الاخرى فتترتب احداهما على الأقل لو اقتصر عليه وتترتبان معا على الاكثر، وهذا هو المسمى بالاكثر الاستقلالي، ولهذا كان خارجا عن محل الكلام في المقام إذ

٣١٨

أو مصلحة أقوي من مصلحة الأقل فالعقل في مثله وان استقل بالبراءة بلا كلام الا انه خارج عما هو محل النقض والابرام في المقام. هذا مع أن الغرض الداعي إلى الأمر لا يكاد يحرز الا بالأكثر بناء على ما ذهب إليه المشهور من العدلية من تبعيه الأوامر والنواهي للمصالح والمفساد في المأمور بها المنهي عنها وكون الواجبات الشرعية ألطافا في الواجبات العقلية وقد مر اعتبار موافقة الغرض وحصوله عقلا في إطاعة الأمر وسقوطه فلابد من إحرازه في إحرازها كما لا يخفى

______________________________

هو في الارتباطي (قوله: أو مصلحة أقوى) يعني غير متلازمة المراتب كما تقدم.

شبهة الغرض

(قوله: هذا مع أن الغرض الداعي) هذا وجه آخر لوجوب الاحتياط (وتوضيحه): أن المشهور بين العدلية أن الأمر بالشئ ناشئ عن غرض للآمر في ذلك الشئ فيكون الامر دائما معلو لذلك الغرض، فالعلم بالأمر يستلزم العلم بالغرض لأن العلم بالمعلول يستلزم العلم بالعلة، وحينئذ فيجب بحكم العقل العلم بحصول ذلك الغرض ومع الاقتصار على فعل الاقل يشك في حصوله فلابد من الاحتياط ليحصل العلم بحصوله، فالشك في المقام راجع إلى الشك في محصل الغرض بعد الجزم بثوبته لا في أصل ثبوته مع العلم بمحصله على تقدير ثبوته كما في الشبهة البدوية والشك في المحصل موضوع لقاعدة الاشتغال لا لاصالة البراءة (قوله: بناء على ما ذهب) أما بناء على ما ذهب إليه جماعة من كون الغرض يحصل بنفس الامر لا بفعل المأمور به فلا موجب للاحتياط حينئذ للعلم بحصول الغرض بمجرد الأمر (قوله: وكون الواجبات) الظاهر أن المراد أن الواجبات الشرعية مقربات للواجبات العقلية كما يشهد به قوله تعالى: (إن الصلاة

٣١٩

* ولا وجه للتفصي عنه (تارة) بعدم ابتناء مسألة البراءة والاحتياط على ما ذهب إليه مشهور العدلية وجريانها على ما ذهب إليه الأشاعرة المنكرين لذلك أو بعض العدلية المكتفين بكون المصلحة في نفس الامر دون المأمور به (وأخرى) بان حصول المصلحة واللطف في العبادات لا يكاد يكون الا باتيانها على وجه الامتثال وحينئذ كان لاحتمال اعتبار معرفة اجزائها تفصيلا ليؤتى بها مع قصد الوجه مجال ومعه لا يكاد يقطع بحصول اللطف والمصلحة الداعية إلى الامر فلم يبق الا التخلص عن تبعة مخالفته

______________________________

تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي... الآية) لا أن الواجبات الشرعية واجبات عقلية لو اطلع العقل على جهاتها، والامر سهل (قوله: ولا وجه للتفصي عنه تارة) المتفصي بذلك شيخنا المرتضى (قده) في رسائله، وحاصل ما ذكره أولا: ان النزاع في البراءة والاشتغال في هذه المسألة من حيث التردد في الوجوب بين الاقل والاكثر مع التغافل عن حيثية الشك في الغرض ومقتضاها، بشهادة أن النزاع في هذه المسالة لا يختص بمذهب دون غيره بل تجري على جميع المذاهب، (قوله: وأخرى بأن حصول) هذا هو الوجه الثاني، وحاصله: ان الشك في محصل الغرض وان كان موضوعا لقاعدة الاشتغال إلا أنه حيث يمكن القطع بحصوله وهو متعذر في العبادات لاحتمال توقف حصول الغرض فيها على الجزم بالنية وهو ممتنع مع الشك والتردد في الواجب بين الاقل والاكثر فيسقط حكم العقل بوجوب الجزم بحصول الغرض ويبقى حكمه من حيث تردد الوجوب بين الاقل والاكثر الذي هو وجوب فعل الاقل للعلم بوجوبه وجواز ترك الاكثر للجهل بوجوبه (قوله: على وجه الامتثال) يعني على وجه الاطاعة (قوله: كان لاحتمال) (كان) تامة فاعلها قوله: (مجال) و (لاحتمال) متعلق بها، (قوله: اعتبار معرفة) يعني اعتبار المعرفة في تحقق الامتثال المعتبر في صحة العبادة وحصول الغرض منها (قوله: ومعه) الضمير راجع إلى احتمال الاعتبار

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

وعن الحلبي - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن الـمُحْرم يستاك ، قال : « نعم ولا يُدْمي »(١) .

وعن معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « لا بأس أن يدخل الـمُحْرم الحمّام ولكن لا يتدلّك »(٢) .

وعن عمر بن يزيد عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « لا بأس بحكّ الرأس واللحية ما لم يلق الشعر ، وبحكّ الجسد ما لم يُدْمه »(٣) .

وسأل يعقوبُ بن شعيب - في الصحيح - الصادقَعليه‌السلام : عن الـمُحْرم يغتسل ، فقال : « نعم يفيض الماء على رأسه ولا يدلكه »(٤) .

مسألة ٢٨٠ : ينبغي للمُحْرم أن يغسل رأسه وبدنه برفق بحيث لا يسقط منه شي‌ء من شعر رأسه ولحيته إجماعاً ، وفَعَله(٥) عليعليه‌السلام ، وعمر ، وابنه ، وبه قال جابر وسعيد بن جبير والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي(٦) ، إلّا أنّه لا يجوز له الارتماس في الماء بحيث يغيبه فيه ، عند علمائنا ، وبه قال مالك(٧) - خلافاً لباقي العامّة(٨) - لما فيه من تغطية الرأس.

احتجّوا : بما رواه ابن عباس ، قال : ربما قال لي عمر ونحن مُحْرمون‌

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣١٣ / ١٠٧٨.

(٢) التهذيب ٥ : ٣١٤ / ١٠٨١ ، الاستبصار ٢ : ١٨٤ / ٦١١.

(٣) التهذيب ٥ : ٣١٣ / ١٠٧٧.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٣٠ / ١٠٩٣ ، التهذيب ٥ : ٣١٣ / ١٠٧٩.

(٥) في المغني والشرح الكبير : ورخص فيه عليّ.

(٦) المغني ٣ : ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٣ ، المحلّى ٧ : ٢٤٧ ، المجموع ٧ : ٣٥٥ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٣٩.

(٧) المنتقى - للباجي - ٢ : ١٩٤.

(٨) المغني ٣ : ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٣.

٣٦١

بالجحفة : تعال أباقيك(١) أيّنا أطول نفساً في الماء(٢) .

ولأنّه ليس بستر معتاد ، فأشبه صبّ الماء عليه(٣) .

وحديث عمر لا حجّة فيه ، مع احتمال أن يكون في ابتداء الإِحرام ؛ لأنّه في الميقات الذي يحرم منه ، فالظاهر أنّ غسله للإِحرام ، والفرق : أنّ في الارتماس تغطيةَ الرأس دون الصبّ.

إذا عرفت هذا ، فإنّه يجوز له غسل رأسه بالسدر والخطمي ونحوهما - وبه قال جابر بن عبد الله والشافعي وأصحاب الرأي(٤) - ولا فدية عليه.

وعن أحمد رواية : أنّ عليه الفدية ، وبه قال مالك وأبو حنيفة(٥) .

وقال أبو يوسف ومحمّد : عليه صدقة(٦) .

لنا : ما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال في الـمُحْرم الذي أوقصه بعيره : ( اغسلوه بماء وسدر ، وكفّنوه في ثوبيه ، ولا تحنّطوه ولا تخمّروا رأسه ، فإنّه يُحشر يوم القيامة ملبّياً )(٧) أمر بغسله بالسدر مع بقاء حكم الإِحرام عليه ، ولهذا منعه من الطيب وتخمير رأسه.

احتجّوا : بأنّه تستطاب رائحته ، ويزيل الشعث ، ويقتل الهوامّ(٨) .

____________________

(١) بقاه بقْياً : انتظره ورصده. لسان العرب ١٤ : ٨١ « بقي ».

(٢) سنن البيهقي ٥ : ٦٣.

(٣) المغني ٣ : ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٣.

(٤) المغني ٣ : ٢٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٣ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٣ ، المجموع ٧ : ٣٥٥.

(٥) المغني ٣ : ٢٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٣ ، المدونّة الكبرى ١ : ٣٨٩ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٤ ، المجموع ٧ : ٣٥٥.

(٦) بدائع الصنائع ٢ : ١٩١ ، المغني ٣ : ٢٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٤ ، المجموع ٧ : ٣٥٥.

(٧) صحيح البخاري ٢ : ٩٦ و ٣ : ٢٢ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٦٥ / ٩٤ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٣٠ / ٣٠٨٤ ، سنن النسائي ٥ : ١٩٦ ، سنن الدارمي ٢ : ٥٠ ، سنن البيهقي ٥ : ٧٠ ، مسند أحمد ١ : ٢١٥ ، المغني ٣ : ٢٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٤.

(٨) المغني ٣ : ٢٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٣.

٣٦٢

ونمنع التلذّذ بالرائحة ، وينتقض بالفاكهة ، وإزالة الشعث تحصل بالتراب والماء مع موافقته على تسويغه.

مسألة ٢٨١ : يجوز للمُحْرم دخول الحمّام إجماعاً ، ولا يدلك جسده فيه بقوّة لئلّا يدميه أو يزيل شعره ؛ للأصل.

ولما رواه العامّة عن ابن عباس : أنّه دخل حمّام الجحفة ، وقال : ما يعبأ الله بأوساخكم شيئاً(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « لا بأس أن يدخل الـمُحْرم الحمّام ولكن لا يتدلّك»(٢) .

إذا ثبت هذا ، فالأفضل تركه ؛ لاشتماله على الترفّه ( وإزالة الشعث )(٣)

ولما رواه عقبة أنّه سأل الصادقعليه‌السلام عن الـمُحْرم يدخل الحمّام ، قال : « لا يدخل »(٤) وإنّما حملناه على الكراهة ، جمعاً بين الأخبار.

البحث الثالث عشر : قتل هوامّ الجسد‌

مسألة ٢٨٢ : لا يجوز للمُحْرم قتل القمل والصئبان(٥) والبراغيث وغير ذلك من هوامّ الجسد - وهو إحدى الروايتين عن أحمد(٦) - لاشتماله على الترفّه وإزالة الشعث ، فكان حراماً ، كالطيب.

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٦٣ ، وفي سنن البيهقي ٥ : ٦٣ : بأوساخنا ، وفي ترتيب مسند الشافعي ١ : ٣١٤ / ٨١٦ : بأوسخنا.

(٢) الكافي ٤ : ٣٦٦ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٢٨ / ١٠٨١ ، التهذيب ٥ : ٣١٤ / ١٠٨١ ، الاستبصار ٢ : ١٨٤ / ٦١١.

(٣) ما بين القوسين لم يرد في « ن ».

(٤) التهذيب ٥ : ٣٨٦ / ١٣٤٩ ، الإستبصار ٢ : ١٨٤ / ٦١٢.

(٥) الصؤابة : بيضة القملة ، والجمع : الصؤاب والصئبان. الصحاح ١ : ١٦٠ « صأب ».

(٦) المغني ٣ : ٢٧٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١١.

٣٦٣

ولقول الصادقعليه‌السلام : « الـمُحْرم لا ينزع القملة من جسده ولا من ثوبه متعمّداً ، وإن قتل شيئاً من ذلك خطأً فليطعم مكانها طعاماً قبضةً بيده »(١) .

ولا فرق بين أن يقتله أو يلقيه عن بدنه إلى الأرض أو يقتله بالزئبق وشبهه ؛ لأنّ تحريم قتله ليس معلّلاً بحرمته ، بل للترفّه بفقده ، فعمّ المنع إزالته كيف كان.

ولأنّ حماد بن عيسى سأل الصادقعليه‌السلام : عن الـمُحْرم يبين القملة من جسده فيلقيها ، فقال : « يطعم مكانها طعاماً »(٢) .

وفي الرواية الاُخرى عن أحمد : يُباح قتله(٣) .

إذا عرفت هذا ، فإنّه يجوز له تحويلها من مكان من جسده إلى مكان آخر منه ؛ لاشتمال دوامها في موضع واحد على أذى كثير.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « فإذا أراد أن يحوّل قملة من مكان إلى مكان فلا يضرّه »(٤) .

مسألة ٢٨٣ : لو قتل قملةً ، فَعَل حراماً ، ووجب عليه فدية كف من طعام - وبه قال عطاء(٥) - لأنّه فَعَل إزهاق نفس محرَّمة ، فكان عليه صدقة ، كالصيد.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « يُطعم مكانها طعاماً »(٦) بمجرد الإِلقاء ؛ لأنّه مظنّة القتل لها ، فأشبه رمي الصيد وجهل حاله.

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٣٦ / ١١٦٠ ، الاستبصار ٢ : ١٩٦ - ١٩٧ / ٦٦١.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٣٦ / ١١٥٨ ، الاستبصار ٢ : ١٩٦ / ٦٥٩.

(٣) المغني ٣ : ٢٧٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١١.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٣٦ - ٣٣٧ / ١١٦١ ، الفقيه ٢ : ٢٣٠ / ١٠٩١.

(٥) المغني ٣ : ٢٧٣ - ٢٧٤.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٣٦ / ١١٥٨ ، الاستبصار ٢ : ١٩٦ / ٦٥٩.

٣٦٤

وقال مالك : يفدي بحفنة من طعام. وهو مروي عن ابن عمر(١) .

وقال إسحاق : يتصدّق بتمرة فما فوقها(٢) .

وقال أحمد في إحدى الروايتين : يتصدّق بمهما كان من قليل وكثير ، وهو قول أصحاب الرأي(٣) .

وفي الرواية الاُخرى : لا شي‌ء عليه ، وبه قال سعيد بن جبير وطاوس وأبو ثور وابن المنذر(٤) .

مسألة ٢٨٤ : يجوز له أن ينحّي عن نفسه القراد والحَلَمَة ، ويلقي القراد عنه وعن بعيره ؛ لما رواه معاوية بن عمّار عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « و الـمُحْرم يلقي عنه القِرْدان(٥) كلّها إلّا القملة فإنّها من جسده ، وإن أراد أن يحوّل قملةً من مكان إلى مكان فلا يضرّه »(٦) .

وقال الشيخرحمه‌الله : يجوز للمُحْرم أن يلقي القراد عن بعيره ، وليس له أن يلقي الحَلَمَة(٧) ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « إنّ القراد ليس من البعير ، والحلمة من البعير »(٨) .

البحث الرابع عشر : قطع شجر الحرم‌

مسألة ٢٨٥ : أجمع علماء الأمصار على تحريم قطع شجر الحرم غير الإِذخر‌ وما أنبته الآدمي من البقول والزروع والرياحين.

وبالجملة فالتحريم متعلّق بما نبت بنفسه دون ما يستنبت.

____________________

(١) المغني ٣ : ٢٧٣ - ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٢.

(٢ - ٤ ) المغني ٣ : ٢٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٢.

(٥) في المصدر : « الدواب » بدل « القردان ».

(٦) الفقيه ٢ : ٢٣٠ / ١٠٩١ ، التهذيب ٥ : ٣٣٧ / ١١٦١.

(٧) التهذيب ٥ : ٣٣٨.

(٨) الفقيه ٢ : ٢٣٢ / ١١٠٧.

٣٦٥

لما رواه العامّة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من قولهعليه‌السلام : ( لا يُختلى شوكها ولا يُعضد شجرها )(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « كلّ شي‌ء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين إلّا ما أنبتّه أنت وغرسته »(٢) .

واعلم أنّ النابت إمّا شجر أو غيره.

أمّا الشجر : فيحرم قطع كلّ شجر رطب حرمي وقلعه ، فخرج بالرطب : الشجر اليابس ، فإنّه لا شي‌ء في قطعه ، كما لو قطع صيداً ميّتاً.

وخرج بالحرمي أشجار الحِلّ ، فلا يجوز أن يقلع شجرة من أشجار الحرم وينقلها إلى الحِلّ محافظة على حرمتها ، فإن فَعَل ، فعليه الردّ.

أمّا لو نقل من بقعة من الحرم إلى بقعة اُخرى منه ، فإنّه لا يؤمر بالردّ ، ويضمن لو تلفت بالنقل.

ولا فرق في التحريم بين أن ينقله إلى الحِلّ أو الحرم.

ولو نبتت في الموضع المنقول إليه ، فإن كان في الحرم ، فلا جزاء فيه ؛ لأنّه لم يُتلفها ولم يُزِلْ حرمتها.

ولو كان في الحِلّ ، فكذلك عند الشافعي ؛ لأنّه لم يتحقّق منه الإِتلاف(٣) .

ومقتضى مذهبنا : وجوب الردّ ، فإن تلفت ضمن ، وإلّا فلا ؛ لأنّه أزال حرمتها بالنقل ، فوجب الردّ.

وأمّا غير الشجر كالحشيش ، فلا يجوز قطعه ؛ للخبر(٤) ، ولو قَطَعه ضمنه.

____________________

(١) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٣٦١ - ٣٦٢ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٧٧.

(٢) الفقيه ٢ : ١٦٦ / ٧١٨ ، التهذيب ٥ : ٣٨٠ / ١٣٢٥.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٥١١ ، المجموع ٧ : ٤٤٨.

(٤) تقدّم في صدر المسألة.

٣٦٦

مسألة ٢٨٦ : يحرم قطع الشوك والعوسج وشبهه من الأشجار المؤذية‌ - وبه قال أحمد(١) - لعموم قولهعليه‌السلام : ( لا يعضد شجرها )(٢) .

وقال الشافعي : لا يحرم - وبه قال عطاء ومجاهد وعمرو بن دينار - لأنّه مُؤذٍ ، فأشبه السباع من الحيوان(٣) .

ونمنع المساواة ، والفرق : إمكان الاحتراز غالباً عن الشوك ، وقلّة ضرره ، بخلاف السباع ، ولأنّها تقصد الأذى.

وليس له أخذ ورق الشجر - وبه قال أحمد(٤) - لقولهعليه‌السلام : ( لا يُخبط(٥) شوكها ولا يُعضد شجرها )(٦) .

ولأنّ ما حرم أخذه حرم كلّ شي‌ء منه ، كريش الطائر.

وقال الشافعي : له أخذه ؛ لأنّه لا يضرّ به(٧) . وكان عطاء يرخّص في أخذ ورق السنا(٨) للإِسهال ، ولا ينزع من أصله(٩) ، ورخص فيه عمرو بن دينار(١٠) .

ونمنع عدم تضرّر الشجرة به ، فإنّه يضعفها ، وربما أدّى إلى تلفها.

وكذا يحرم أغصان الشجرة ؛ لأنّ منفعتها به أقوى من منفعة الورق.

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٨.

(٢) صحيح البخاري ٣ : ١٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٨٩ / ٤٤٨ ، سنن أبي داود ٢ : ٢١٢ / ٢٠١٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢١١ ، سنن البيهقي ٥ : ١٩٥.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٥١١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٦ ، المجموع ٧ : ٤٤٨ ، المغني ٣ : ٣٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٨.

(٤) المغني ٣ : ٣٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٨.

(٥) الخبط : خبط ورق العضاة من الطلح ونحوه ، يخبط ، يُضرب بالعصا فيتناثر. لسان العرب ٧ : ٢٨١ « خبط ».

(٦) صحيح مسلم ٢ : ٩٨٩ / ٤٤٨.

(٧) فتح العزيز ٧ : ٥١١ ، المجموع ٧ : ٤٤٩ ، المغني ٣ : ٣٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٨.

(٨) السنا : نبت يتداوى به. لسان العرب ١٤ : ٤٠٥ « سنا ».

(٩ و ١٠) المغني ٣ : ٣٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٨.

٣٦٧

مسألة ٢٨٧ : تجب في قطع الشجر الفدية‌ عند أكثر علمائنا(١) - وبه قال ابن عباس وعطاء وأبو حنيفة وأحمد والشافعي في أصحّ قوليه(٢) - لما رواه العامّة عن ابن عباس أنّه قال : في الدوحة بقرة ، وفي الجزلة شاة(٣) .

والدوحة : الشجرة الكبيرة ، والجزلة : الشجرة الصغيرة.

ومن طريق الخاصّة : قول أحدهماعليهما‌السلام : « إذا كان في دار الرجل شجرة من شجر الحرم ولم تُنزع فأراد نزعها ، نزعها وكفّر بذبح بقرة يتصدّق بلحمها على المساكين »(٤) .

ولأنّه ممنوع من إتلافه ؛ لحرمة الحرم ، فكان مضموناً عليه ، كالصيد.

وقال بعض علمائنا : لا ضمان فيه وإن حرم(٥) - وبه قال مالك وأبو ثور وداود وابن المنذر والشافعي في القديم(٦) - لأصالة البراءة.

[ و ](٧) لأنّ الإِحرام لا يوجب ضمان الشجر ، فكذلك الحرم.

مسألة ٢٨٨ : يحرم قطع حشيش الحرم إذا كان رطباً ؛ للخبر ، إلّا ما استثني من الإِذخر وما أنبته الآدميون ؛ لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( لا يُحْتش حشيشها )(٨) .

____________________

(١) منهم : الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٤٠٨ ، المسألة ٢٨١ ، والمبسوط ٢ : ٣٥٤ ، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ٢٠٤ ، والقاضي ابن البرّاج في المهذّب ١ : ٢٢٣.

(٢) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٠٤ ، المغني ٣ : ٣٦٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٩ - ٣٨٠ ، الْأُم ٢ : ١٠٨ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣١٣ ، الوجيز ١ : ١٢٩ ، فتح العزيز ٧ : ٥١١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٥ - ٢٢٦ ، المجموع ٧ : ٤٥٠ و ٤٥١.

(٣) المغني ٣ : ٣٦٧ - ٣٦٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٠.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٨١ / ١٣٣١.

(٥) قال به ابن إدريس في السرائر : ١٣٠.

(٦) المغني ٣ : ٣٦٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٠ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٤٥١ ، حلية العلماء ٣٠ : ٣٢٢ ، فتح العزيز ٧ : ٥١١.

(٧) أضفناها لأجل السياق.

(٨) المغني ٣ : ٢٦٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٩.

٣٦٨

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « إنّ علي بن الحسينعليهما‌السلام كان يتّقي الطاقة من العُشْب ينتفها من الحرم » قال : « وقد نتف طاقة وهو يطلب أن يعيدها في مكانها »(١) .

ورأى زين العابدينعليه‌السلام شخصا يقلع العشب من حول الفسطاط ، فقالعليه‌السلام : « إنّ هذا لا يقلع »(٢) .

وقال الشافعي : لا يجوز قطعه مطلقاً ؛ للخبر ، فإن قَطَعه ، فعليه قيمته إن لم يخلف ، وإن أخلف فلا ، بخلاف الشجر ؛ فإنّ الغالب فيه الإِخلاف ، فأشبه سنّ الصبي(٣) .

إذا عرفت هذا ، فلو كان يابساً ، لم يكن في قطعه شي‌ء ، كما في الشجر.

نعم لا يجوز قلعه ، فإن قَلَعه ، فعليه الضمان ؛ لأنّه لو لم يقلع لنبت ثانياً ، ذكره بعض الشافعية(٤) ، ولا بأس به.

مسألة ٢٨٩ : يجوز للمُحْرم أن يترك إبله لترعى في حشيش الحرم ، وتسريح البهائم فيه لترعى وإن حرم عليه قلعه عند علمائنا - وبه قال عطاء والشافعي(٥) - لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( إلّا علف الدوابّ )(٦) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « يُخلّى البعير في‌

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٧٩ / ١٣٢٣.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٧٩ / ١٣٢٢.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٥١٢.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٤١٢ ، المجموع ٧ : ٤٥٢.

(٥) المغني ٣ : ٣٦٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣١٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٢ ، فتح العزيز ٧ : ٥١٢ ، المجموع ٧ : ٤٥٢ - ٤٥٣.

(٦) أورده الماوردي في الحاوي الكبير ٤ : ٣١٢ ، والشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٤٠٩ ، المسألة ٢٨٢.

٣٦٩

الحرم يأكل ما شاء »(١) .

ولأنّ الهدايا في زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كانت تدخل الحرم وتكثر فيه ، ولم ينقل أنّه [ كانت ](٢) تُشدّ(٣) أفواهها.

ولأنّ الحاجة ماسّة إلى ذلك ، فكان سائغاً ، كالإِذخر.

وقال أحمد وأبو حنيفة : لا يجوز ؛ لأنّ ما حرم إتلافه لا يجوز أن يرسل عليه ما يتلفه ، كالصيد(٤) .

والفرق : الحاجة ، ولأنّ الصيد منهي عن قتله مباشرةً وتولّداً ، بخلاف الحشيش.

ولو اختلى الحشيش ليعلفه البهائم ، فللشافعية وجهان :

أحدهما : الجواز ، كما لو سرحها فيه.

والثاني : المنع ؛ لقولهعليه‌السلام : ( لا يختلى خلاها )(٥) (٦) .

مسألة ٢٩٠ : شجر الفواكه والنخل يجوز قلعه ، سواء أنبته الله تعالى أو الآدميون ، وسواء كانت مُثمرةً ، كالنخل والكرم ، أو غير مثمرة ، كالصنوبر والخلاف - وبه قال أبو حنيفة(٧) - لأنّ تحريم الحرم مختص بما كان وحشياً من‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٢٣١ / ٥ ، الفقيه ٢ : ١٦٦ / ٧١٩ ، التهذيب ٥ : ٣٨١ / ١٣٢٩.

(٢) أضفناها لأجل السياق.

(٣) في النسخ الخطية والحجرية : شدّ. وما أثبتناه هو الصحيح.

(٤) المغني ٣ : ٣٦٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٩ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٠٤ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٧٥ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٢ - ٣٢٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣١٢ ، فتح العزيز ٧ : ٥١٢.

(٥) صحيح البخاري ٣ : ١٩ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٨٧ / ١٣٥٣ ، سنن النسائي ٥ : ٢١١ ، سنن البيهقي ٥ : ١٩٥.

(٦) فتح العزيز ٧ : ٥١٢ ، المجموع ٧ : ٤٥٣‌

(٧) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٠٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١٠ - ٢١١ ، المغني ٣ : ٣٦٢ - ٣٦٣.

٣٧٠

الصيد ، فكذا من الشجر.

وقول الصادقعليه‌السلام : « لا ينزع من شجر مكة إلّا النخل وشجر الفواكه »(١) .

وكذا يجوز قلع ما أنبته الإِنسان من شجر الفواكه كلّها ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « كلّ شي‌ء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين إلّا ما أنبتّه أنت وغرسته »(٢) .

وبه قال أبو حنيفة ؛ تشبيهاً للمستنبتات بالحيوان الإِنسي وبالزرع(٣) .

قال الشيخرحمه‌الله : وما أنبته الله تعالى في الحِلّ إذا قلعه المـُحلّ ونَقَله إلى الحرم ثم قَطَعه ، فلا ضمان عليه ، وما أنبته الله إذا نبت في ملك الإِنسان ، جاز له قلعه ، وإنّما لا يجوز له قلع ما نبت في المباح(٤) .

وقال الشافعي : كلّ ما ينبت في الحرم فهو حرام سواء أنبته الله تعالى أو الآدميّون(٥) ؛ لعموم قولهعليه‌السلام : ( لا يُعضد شجرها )(٦) .

ولأنّها شجرة تنبت في الحرم ، فأشبه ما لم ينبته الآدميون.

والحديث قد استثني فيه في بعض الروايات ( إلّا ما أنبته الآدمي ).

ولأنّ أدلّتنا أخصّ.

وللفرق بين الأهلي من الشجر ، كالنخل والجواز واللوز ، والوحشي ،

____________________

(١) الفقيه ٢ : ١٦٦ / ٧٢٠ ، التهذيب ٥ : ٣٧٩ - ٣٨٠ / ١٣٢٤.

(٢) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في ص ٣٦٥ ، الهامش (٢)

(٣) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٠٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١١ ، فتح العزيز ٧ : ٥١٢.

(٤) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٥٤.

(٥) فتح العزيز ٧ : ٥١١ و ٥١٢ ، المجموع ٧ : ٤٤٧ و ٤٥٠.

(٦) صحيح البخاري ٣ : ١٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٨٩ / ٤٤٨ ، سنن أبي داود ٢ : ٢١٢ / ٢٠١٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢١١ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٣٨ / ٣١٠٩ ، سنن البيهقي ٥ : ١٩٥.

٣٧١

كالدَّوْح(١) والسَّلَم(٢) ، كالصيد.

إذا عرفت هذا ، فسواء كان الشجر الذي أنبته الآدمي ممّا جنسه أن يُنبته الآدميّون أو لم يكن جنسه من ذلك يجوز قلعه مطلقاً - خلافاً للشافعي(٣) - لعموم قول الصادقعليه‌السلام : « إلّا ما أنبتّه أنت وغرسته »(٤) .

ولا بأس بقطع شجر الإِذخر إجماعاً.

وكذا لا بأس بعودي المحالة للحاجة إلى ذلك.

ولقول الباقرعليه‌السلام : « رخص رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في قطع عودي المـَحالَة - وهي البكرة التي يُستقى بها(٥) - من شجر الحرم والإِذخر »(٦) .

وكذلك لا بأس بأن يقلع الإِنسان شجرة تنبت في منزله بعد بنائه له ، ولو نبتت قبل بنائه ، لم يجز له قلعها ؛ لقول الصادقعليه‌السلام في الشجرة يقلعها الرجل من منزله في الحرم ، فقال : « إن بنى المنزل والشجرة فيه فليس له أن يقلعها ، وإن كانت نبتت في منزله فله قلعها(٧) »(٨) .

ويجوز أن يقلع اليابس من الشجر والحشيش ، لأنّه ميّت فلم تبق له حرمة ، وكذا قطع ما انكسر ولم يبن ؛ لأنّه قد تلف ، فهو بمنزلة الميّت والظفر المنكسر.

____________________

(١) الدوح جمع الدوحة ، وهي : الشجرة العظيمة من أيّ الشجر كان. الصحاح ١ : ٣٦١ « دوح ».

(٢) السَّلَم : شجر من العظاة ، واحدتها سَلَمة. الصحاح ٥ : ١٩٥٠ « سلم ».

(٣) فتح العزيز ٧ : ٥١٢ ، المجموع ٧ : ٤٥٠.

(٤) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في ص ٣٦٥ ، الهامش (٢)

(٥) النهاية - لابن الأثير - ٤ : ٣٠٤ « محل ».

(٦) التهذيب ٥ : ٣٨١ / ١٣٣٠.

(٧) في المصدر : « وهو له فليقلعها » بدل « فله قلعها ».

(٨) الكافي ٤ : ٢٣١ / ٦ ، التهذيب ٥ : ٣٨٠ / ١٣٢٧.

٣٧٢

ويجوز أخذ الكَمْأَة(١) والفقْع(٢) من الحرم ، لأنّه لا أصل له ، فهو كالثمرة الموضوعة على الأرض.

ولو انكسر غصن شجرة أو سقط ورقها ، فإن كان بغير فعل الآدمي ، جاز الانتفاع به إجماعاً؛ لتناول النهي القطع وهذا لم يقطع ، وإن كان بفعل آدمي ، فالأقرب جوازه(٣) ؛ لأنّه بعد القطع يكون كاليابس ، وتحريم الفعل لا ينافي جواز استعماله.

ومنعه بعض العامّة ؛ قياساً على الصيد يذبحه المـُحْرم(٤) .

وقال آخرون : يباح لغير القاطع ، والفرق : أنّ الصيد يُعتبر في ذبحه الأهليةُ ، وهي منفية عن المـُحْرم ، بخلاف قطع الشجرة ؛ فإنّ الدابّة لو قطعته جاز الانتفاع به(٥) .

مسألة ٢٩١ : الشجرة إذا كان أصلها في الحرم وفرعها في الحِلّ ، حرم قطعها وقطع غصنها ؛ لأنّها في الحرم.

ولما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن شجرة أصلها في الحرم وفرعها في الحِلّ ، فقال : « حرم فرعها لمكان أصلها » قال : قلت : فإنّ أصلها في الحلّ وفرعها في الحرم ، قال : « حرام أصلها لمكان فرعها »(٦) والغصن تابع.

وإن كان بالعكس ، فكذلك.

وسوّغ بعض العامّة قطع الغصن في الأخير ؛ لأنّه تابع لأصله ، كالتي‌

____________________

(١) الكَمْأَة واحدها : كَمْءٌ ، وهو نبات ينقّض الأرض فيخرج. لسان العرب ١ : ١٤٨ « كمأ ».

(٢) الفقْع - بالفتح والكسر - : الأبيض الرخو من الكَمْأَة ، وهو أردأها. لسان العرب ٨ : ٢٥٥ « فقع ».

(٣) في « ف » : الجواز.

(٤ و ٥) المغني ٣ : ٣٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٨.

(٦) الكافي ٤ : ٢٣١ / ٤ ، الفقيه ٢ : ١٦٥ / ٧١٧ ، التهذيب ٥ : ٣٧٩ / ١٣٢١.

٣٧٣

قبلها(١) .

وليس بجيّد ؛ لأنّه في الحرم.

وإذا كان الأصل في الحِلّ والغصن في الحرم فقَطَع واحدٌ الغصنَ ، ضمنه.

ولو قطع آخرٌ الأصلَ بعد قطع الغصن ، فالأقرب عدم التحريم ؛ لأنّ المقتضي له هو استتباع قطع الغصن لقطعه وقد زال بقطع الغصن.

ولو كان بعض الأصل في الحِلّ وبعضه في الحرم ، ضمن الغصن ، سواء كان في الحِلّ أو الحرم ، تغليباً لحرمة الحرم ، كما لو وقف صيد بعض قوائمه في الحِلّ وبعضها في الحرم.

مسألة ٢٩٢ : لو قلع شجرةً من الحرم فغرسها في مكان آخر منه فماتت ، ضمنها ؛ لإِتلافه.

ولو غرسها في مكان آخر من الحرم فنبتت ، لم يكن عليه ضمان ؛ لعدم الإِتلاف ولم تزل حرمتها.

ولو غرسها في الحِلّ فنبتت ، وجب عليه ردّها ؛ لأنّه أزال حرمتها ، فإن تعذّر ردّها ، أو ردّها ويبست ، ضمنها.

ولو غرسها في الحِلّ فقلعها غيره منه ، قال بعض العامّة : يضمن الثاني ؛ لأنّه المتلف لها ، بخلاف الصيد إذا نفّره إنسان من الحرم فقتله الآخر في الحلّ ، فإنّ الضمان على المنفّر ؛ لأنّ الشجر لا ينتقل بنفسه ، ولا تزول حرمته بإخراجه ، ولهذا يجب على قالعه ردّه ، وأمّا الصيد فإنّه يكون تارة في الحِلّ واُخرى في الحرم ، فمن نفّره فقد أذهب حرمته ، فوجب عليه جزاؤه ، والشجر لا تفوت حرمته بالإِخراج ، فكان الضمان على المـُتْلف ؛ لأنّه أتلف‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٦٩ - ٣٧٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٢.

٣٧٤

شجراً من الحرم(١) .

مسألة ٢٩٣ : يضمن المـُحْرم الشجرة الكبيرة ببقرة ، والصغيرة بشاة ، والحشيش بقيمته ، والغصن بأرشه - وبه قال الشافعي وأحمد(٢) - لما رواه العامّة عن ابن عباس أنّه قال : في الدوحة بقرة ، وفي الجزلة شاة(٣) .

والدوحة : الشجرة الكبيرة ، والجزلة : الشجرة الصغيرة.

ومن طريق الخاصّة : قول أحدهماعليهما‌السلام : « إذا كان في دار الرجل شجرة من شجر الحرم ولم تنزع ، فإن أراد نزعها نزعها ، وكفّر بذبح بقرة ، وتصدّق بلحمها على المساكين »(٤) .

وقال أصحاب الرأي : يضمن الجميع بالقمية ؛ لأنّه لا مقدّر فيه ، فأشبه الحشيش(٥) .

وليس بجيّد ؛ لأنّه أحد نوعي ما يحرم إتلافه ، فكان فيه مقدّر ، كالصيد.

ولو قطع غصناً أو قلع حشيشاً فعاد عوضه ، فالوجه : بقاء الضمان ؛ لأنّ الثاني غير الأول.

إذا عرفت هذا ، فالمرجع في الصغر والكبر إلى العرف.

وقال بعض الشافعية : ضبط الشجرة المضمونة بالشاة أن تقع قريبةً من‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٦٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨١.

(٢) الْأُم ٢ : ٢٠٨ ، مختصر المزني : ٧١ ، الوجيز ١ : ١٢٩ ، فتح العزيز ٧ : ٥١١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٥ - ٢٢٦ ، المجموع ٧ : ٤٥١ و ٤٩٦ ، المغني ٣ : ٣٦٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٩ و ٣٨٠.

(٣) المغني ٣ : ٣٦٧ - ٣٦٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٠.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٨١ / ١٣٣١.

(٥) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٠٣ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٧٥ ، المحلّى ٧ : ٢٦١ ، المغني ٣ : ٣٦٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٠ ، المجموع ٧ : ٤٩٦.

٣٧٥

سُبْع الكبيرة ، فإنّ الشاة من البقرة سُبْعُها(١) .

والمتوسّطة صغيرة ؛ لأصالة البراءة ، ولأنّ اسم الصغيرة يتناول ما ليست بكبيرة.

مسألة ٢٩٤ : حدّ الحرم - الذي لا يحلّ الصيد فيه ولا قطع شجره‌ - بريد في بريد ؛ لما رواه زرارة - في الصحيح - عن الباقرعليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : « حرّم الله حرمه بريداً في بريد أن يختلى خلاه ويُعضد شجره إلّا الإِذخر أو يصاد طيره ، وحرّم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المدينة ما بين لابتيها صيدها ، وحرّم ما حولها بريداً في بريد أن يختلى خلاها ويعضد شجرها إلّا عودي الناضح(٢) »(٣) .

مسألة ٢٩٥ : قال الشيخرحمه‌الله : واعلم أنّ للمدينة حرماً مثل حرم مكّة‌ ، وحدّه ما بين لابتيها ، وهو من ظلّ عائر إلى ظلّ وُعير لا يُعْضد شجرها ، ولا بأس أن يؤكل صيدها إلّا ما صيد بين الحرّتين(٤) .

واللابة : الحرّة ، والحرّة : الحجارة السوداء.

وفي هذا الكلام اضطراب ، وينبغي أن يقال : وحدّه من ظلّ عائر إلى ظلّ وعير ، لا يُعْضد شجرها ، ولا بأس أن يؤكل صيدها إلّا ما صيد بين الحرّتين ، لأنّ الحرّتين غير ظلّ عائر وظلّ وُعير ، والحرّتان بين الظلّين ؛ لأنّه قال : لا يعضد الشجر فيما بين الظلّين ، ولا بأس أن يؤكل الصيد إلّا ما صيد بين الحرّتين ، فدلّ على دخول الحرّتين في الظلّين ، وإلّا تناقض الكلام ، ولو كانت الحرّتان هُما حدّ حرم المدينة الأول ، لما حلّ الصيد في شي‌ء من حرم المدينة.

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٥١١ ، المجموع ٧ : ٤٥١.

(٢) في المصدر : « عودي محالة الناضح ».

(٣) التهذيب ٥ : ٣٨١ - ٣٨٢ / ١٣٣٢.

(٤) النهاية : ٢٨٦ - ٢٨٧ ، المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٨٦.

٣٧٦

والشيخ -رحمه‌الله - عوّل في التحريم على رواية زرارة عن الباقرعليه‌السلام ، السابقة(١) .

والشافعي ألحق حرم المدينة بحرم مكة في التحريم في أصحّ الوجهين عنده ، وبه قال مالك وأحمد(٢) - وهو المشهور عندنا - لما روى العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( إنّ إبراهيم حرّم مكة وإنّي حرّمت المدينة مثل ما حرّم إبراهيم مكة ، لا ينفّر صيدها ولا يُعْضد شجرها ولا يُخْتلى خلاها )(٣) .

وروي أنّه قال : ( إنّي اُحرّم ما بين لابتي المدينة أن يقطع عضاهها(٤) أو يُقْتل صيدها )(٥) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ مكة حرم الله حرّمها إبراهيم ، وإنّ المدينة حرمي ما بين لابتيها حرم لا يُعْضد شجرها ، وهو ما بين ظلّ عائر إلى ظلّ وُعير [ و ](٦) ليس صيدها كصيد مكة يؤكل هذا ولا يؤكل ذاك وهو بريد »(٧) .

____________________

(١) سبقت في المسألة (٢٩٤).

(٢) الوجيز ١ : ١٢٩ - ١٣٠ ، فتح العزيز ٧ : ٥١٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٦ ، المجموع ٧ : ٤٨٠ و ٤٩٧ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٢ ، المغني ٣ : ٣٧٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٢ - ٣٨٣.

(٣) أورده - كما في المتن - الرافعي في فتح العزيز ٧ : ٥١٣ - ٥١٤ ، وفي صحيح مسلم ٢ : ٩٩٢ / ١٣٦٢ ، وسنن البيهقي ٥ : ١٩٨ بتفاوت واختصار.

(٤) في « ط ، ف ، ن » والطبعة الحجرية : أغصانها. وذلك تصحيف ، وما أثبتناه من المصادر.

(٥) صحيح مسلم ٢ : ٩٩٢ / ١٣٦٣ ، وسنن البيهقي ٥ : ١٩٧ ، وأورده الرافعي في فتح العزيز ٧ : ٥١٤.

(٦) أضفناها من المصدر.

(٧) الكافي ٤ : ٥٦٤ - ٥٦٥ / ٥ ، التهذيب ٦ : ١٢ / ٢٣.

٣٧٧

وقال أبو حنيفة : لا يحرم(١) . وهو الوجه الثاني للشافعي(٢) .

وعلى قول التحريم عند الشافعي ففي ضمان صيدها وشجرها قولان :

الجديد - وبه قال مالك - لا يضمن ؛ لأنّه ليس بمحلّ النسك ، فأشبه مواضع الحمى ، وإنّما أثبتنا التحريم ؛ للنصوص.

والقديم - وبه قال أحمد - أنّه يضمن.

وعلى هذا فما جزاؤه؟ وجهان :

أحدهما : أنّ جزاءه كجزاء حرم مكة ؛ لاستوائهما في التحريم.

والثاني - وبه قال أحمد - أنّ جزاءه أخذ سلب الصائد وقاطع الشجر ؛ لما روي أنّ سعد بن أبي وقاص أخذ سَلَب رجل قتلَ صيداً في المدينة ، قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : ( من رأى رجلاً يصطاد بالمدينة فليسلبه )(٣) .

وهذا ليس بشي‌ء على مذهبنا.

وعلى هذا ففيما يُسلب للشافعي وجهان :

الذي أورده أكثر أصحابه أنّه يسلب منه ما يسلبه القاتل من قتيل الكفّار.

والثاني : لا ينحى بهذا نحو سَلَب القتيل في الجهاد ، وإنّما المراد من السَّلَب هاهنا الثياب فحسب(٤) .

وعلى الوجهين ففي مصرفه وجهان مشهوران لهم :

أظهرهما : انّه للسالب كسَلَب القتيل ، وقد روي أنّهم كلّموا سعداً في هذا السَّلَب ، فقال : ما كنت لأردّ طعمةً أطعمنيها رسول الله صلّى الله عليه‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٧٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٣ ، المجموع ٧ : ٤٩٧.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٥١٣ ، المجموع ٧ : ٤٨٠.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٥١٤ ، المجموع ٧ : ٤٨٠ - ٤٨١ و ٤٩٧ ، وراجع : المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٢ ، والمغني ٣ : ٣٧١ - ٣٧٢ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٨٤ و ٣٨٥.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٥١٤ ، المجموع ٧ : ٤٨١.

٣٧٨

وآله.

والثاني : أنّه لمحاويج المدينة وفقرائها ، كما أنّ جزاء صيد مكة لفقرائها.

ولهم وجه ثالث : أنّه يوضع في بيت المال ، وسبيله سبيل السهم المـُـرصد للمصالح(١) .

مسألة ٢٩٦ : صيدُ وَجٍّ وشجرهُ مباح - ووجّ : وادٍ بالطائف ، وليس المراد منه نفس البلد - قاله علماؤنا ، وبه قال أحمد(٢) ؛ لأصالة الإِباحة ، وعدم شغل الذمّة من واجب أو عقوبة.

وقال الشافعي : إنّه محرَّم ؛ لما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : ( صيدُ وَجّ وعضاهها محرَّم )(٣) (٤) والعضاة كلّ شجر عظيم له شوك.

ونمنع صحة الحديث ؛ فإنّ أحمد طعن فيه(٥) .

وللشافعي قول آخر : إنّه مكروه(٦) .

وعلى الأول هل يتعلّق به ضمان؟ بعض الشافعية مَنَع منه ؛ إذ لم يرد في الضمان نقل ، لكن يؤدّب ، وبعضهم قال : نعم ، وحكمه حكم حرم المدينة(٧) .

وأمّا النقيع(٨) فليس بحرم ، لكن حماه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لإِبل‌

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٥١٤ ، المجموع ٧ : ٤٨١ - ٤٨٢.

(٢) المغني ٣ : ٣٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٦.

(٣) مسند أحمد ١ : ١٦٥ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٠٠ ، سنن أبي داود ٢ : ٢١٥ - ٢١٦ / ٢٠٣٢.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٥١٩ - ٥٢٠ ، المجموع ٧ : ٤٨٣ ، المغني ٣ : ٣٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٦.

(٥) المغني ٣ : ٣٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٦.

(٦) فتح العزيز ٧ : ٥١٨.

(٧) فتح العزيز ٧ : ٥٢٠‌

(٨) النقيع : موضع قرب المدينة كان لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حماه لخيله ، وكان يجتمع فيه =

٣٧٩

الصدقة ونَعَم الجزية(١) ، فلا تُملك أشجاره وحشيشه.

وفي وجوب الضمان على من أتلفها للشافعية وجهان :

أحدهما : لا يجب ، كما لا يجب في صيده شي‌ء.

وأظهرهما عندهم : الوجوب ؛ لأنّه ممنوع منه ، فكانت مضمونةً عليه ، بخلاف الصيد ؛ فإنّ الاصطياد فيه جائز ، وعلى هذا فضمانها القيمة ، ومصرفه مصرف نعم الصدقة والجزية(٢) .

مسألة ٢٩٧ : قد بيّنّا تحريم قطع شجر الحرم‌ إذا كان نابتا بنفسه دون ما يستنبت.

وللشافعي في الثاني قولان : أحدهما : التحريم. والثاني : الكراهة ، فيندرج في التحريم قطع الطرفاء والأراك والعضاة وغيرها من أشجار الفواكه ؛ لأنّها تنبت بنفسها(٣) . وكذا العوسج عند الشافعية(٤) .

لكن سوّغ أصحابنا قطع شجر الأراك وذي الشوك ، كالعوسج وشبهه.

ثم فرّع الشافعية على إباحة ما يستنبت : أنّه لو استنبت بعض ما ينبت بنفسه على خلاف الغالب ، أو نبت بعض ما يستنبت ، لهم خلاف في إلحاقه بأيّ الصنفين :

حكى الجويني عن الأصحاب : النظر إلى الجنس والأصل ، فأوجب الضمان في الصورة الاُولى دون الثانية.

وحكى غيره : أنّ النظر إلى القصد والحال ، فيعكس الحكم فيهما(٥) .

____________________

= الماء. معجم البلدان ٥ : ٣٠١ « نقيع » النهاية - لابن الأثير - ٥ : ١٠٨.

(١) فتح العزيز ٧ : ٥٢١ ، وسنن البيهقي ٥ : ٢٠١.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٥٢١ - ٥٢٢.

(٣ و ٤ ) فتح العزيز ٧ : ٥١٢ ، المجموع ٧ : ٤٥٠ ، وفيهما نسب تحريم قطع العوسج إلى بعض الشافعية.

(٥) فتح العزيز ٧ : ٥١٢ ، المجموع ٧ : ٤٥٠.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481