تذكرة الفقهاء الجزء ٧

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-007-2
الصفحات: 481

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: ISBN: 964-319-007-2
الصفحات: 481
المشاهدات: 109505
تحميل: 3537


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 481 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 109505 / تحميل: 3537
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 7

مؤلف:
ISBN: 964-319-007-2
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وعن الحلبي - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن الـمُحْرم يستاك ، قال : « نعم ولا يُدْمي »(١) .

وعن معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « لا بأس أن يدخل الـمُحْرم الحمّام ولكن لا يتدلّك »(٢) .

وعن عمر بن يزيد عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « لا بأس بحكّ الرأس واللحية ما لم يلق الشعر ، وبحكّ الجسد ما لم يُدْمه »(٣) .

وسأل يعقوبُ بن شعيب - في الصحيح - الصادقَعليه‌السلام : عن الـمُحْرم يغتسل ، فقال : « نعم يفيض الماء على رأسه ولا يدلكه »(٤) .

مسألة ٢٨٠ : ينبغي للمُحْرم أن يغسل رأسه وبدنه برفق بحيث لا يسقط منه شي‌ء من شعر رأسه ولحيته إجماعاً ، وفَعَله(٥) عليعليه‌السلام ، وعمر ، وابنه ، وبه قال جابر وسعيد بن جبير والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي(٦) ، إلّا أنّه لا يجوز له الارتماس في الماء بحيث يغيبه فيه ، عند علمائنا ، وبه قال مالك(٧) - خلافاً لباقي العامّة(٨) - لما فيه من تغطية الرأس.

احتجّوا : بما رواه ابن عباس ، قال : ربما قال لي عمر ونحن مُحْرمون‌

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣١٣ / ١٠٧٨.

(٢) التهذيب ٥ : ٣١٤ / ١٠٨١ ، الاستبصار ٢ : ١٨٤ / ٦١١.

(٣) التهذيب ٥ : ٣١٣ / ١٠٧٧.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٣٠ / ١٠٩٣ ، التهذيب ٥ : ٣١٣ / ١٠٧٩.

(٥) في المغني والشرح الكبير : ورخص فيه عليّ.

(٦) المغني ٣ : ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٣ ، المحلّى ٧ : ٢٤٧ ، المجموع ٧ : ٣٥٥ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٣٩.

(٧) المنتقى - للباجي - ٢ : ١٩٤.

(٨) المغني ٣ : ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٣.

٣٦١

بالجحفة : تعال أباقيك(١) أيّنا أطول نفساً في الماء(٢) .

ولأنّه ليس بستر معتاد ، فأشبه صبّ الماء عليه(٣) .

وحديث عمر لا حجّة فيه ، مع احتمال أن يكون في ابتداء الإِحرام ؛ لأنّه في الميقات الذي يحرم منه ، فالظاهر أنّ غسله للإِحرام ، والفرق : أنّ في الارتماس تغطيةَ الرأس دون الصبّ.

إذا عرفت هذا ، فإنّه يجوز له غسل رأسه بالسدر والخطمي ونحوهما - وبه قال جابر بن عبد الله والشافعي وأصحاب الرأي(٤) - ولا فدية عليه.

وعن أحمد رواية : أنّ عليه الفدية ، وبه قال مالك وأبو حنيفة(٥) .

وقال أبو يوسف ومحمّد : عليه صدقة(٦) .

لنا : ما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال في الـمُحْرم الذي أوقصه بعيره : ( اغسلوه بماء وسدر ، وكفّنوه في ثوبيه ، ولا تحنّطوه ولا تخمّروا رأسه ، فإنّه يُحشر يوم القيامة ملبّياً )(٧) أمر بغسله بالسدر مع بقاء حكم الإِحرام عليه ، ولهذا منعه من الطيب وتخمير رأسه.

احتجّوا : بأنّه تستطاب رائحته ، ويزيل الشعث ، ويقتل الهوامّ(٨) .

____________________

(١) بقاه بقْياً : انتظره ورصده. لسان العرب ١٤ : ٨١ « بقي ».

(٢) سنن البيهقي ٥ : ٦٣.

(٣) المغني ٣ : ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٣.

(٤) المغني ٣ : ٢٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٣ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٣ ، المجموع ٧ : ٣٥٥.

(٥) المغني ٣ : ٢٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٣ ، المدونّة الكبرى ١ : ٣٨٩ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٤ ، المجموع ٧ : ٣٥٥.

(٦) بدائع الصنائع ٢ : ١٩١ ، المغني ٣ : ٢٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٤ ، المجموع ٧ : ٣٥٥.

(٧) صحيح البخاري ٢ : ٩٦ و ٣ : ٢٢ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٦٥ / ٩٤ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٣٠ / ٣٠٨٤ ، سنن النسائي ٥ : ١٩٦ ، سنن الدارمي ٢ : ٥٠ ، سنن البيهقي ٥ : ٧٠ ، مسند أحمد ١ : ٢١٥ ، المغني ٣ : ٢٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٤.

(٨) المغني ٣ : ٢٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٣.

٣٦٢

ونمنع التلذّذ بالرائحة ، وينتقض بالفاكهة ، وإزالة الشعث تحصل بالتراب والماء مع موافقته على تسويغه.

مسألة ٢٨١ : يجوز للمُحْرم دخول الحمّام إجماعاً ، ولا يدلك جسده فيه بقوّة لئلّا يدميه أو يزيل شعره ؛ للأصل.

ولما رواه العامّة عن ابن عباس : أنّه دخل حمّام الجحفة ، وقال : ما يعبأ الله بأوساخكم شيئاً(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « لا بأس أن يدخل الـمُحْرم الحمّام ولكن لا يتدلّك»(٢) .

إذا ثبت هذا ، فالأفضل تركه ؛ لاشتماله على الترفّه ( وإزالة الشعث )(٣)

ولما رواه عقبة أنّه سأل الصادقعليه‌السلام عن الـمُحْرم يدخل الحمّام ، قال : « لا يدخل »(٤) وإنّما حملناه على الكراهة ، جمعاً بين الأخبار.

البحث الثالث عشر : قتل هوامّ الجسد‌

مسألة ٢٨٢ : لا يجوز للمُحْرم قتل القمل والصئبان(٥) والبراغيث وغير ذلك من هوامّ الجسد - وهو إحدى الروايتين عن أحمد(٦) - لاشتماله على الترفّه وإزالة الشعث ، فكان حراماً ، كالطيب.

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٦٣ ، وفي سنن البيهقي ٥ : ٦٣ : بأوساخنا ، وفي ترتيب مسند الشافعي ١ : ٣١٤ / ٨١٦ : بأوسخنا.

(٢) الكافي ٤ : ٣٦٦ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٢٨ / ١٠٨١ ، التهذيب ٥ : ٣١٤ / ١٠٨١ ، الاستبصار ٢ : ١٨٤ / ٦١١.

(٣) ما بين القوسين لم يرد في « ن ».

(٤) التهذيب ٥ : ٣٨٦ / ١٣٤٩ ، الإستبصار ٢ : ١٨٤ / ٦١٢.

(٥) الصؤابة : بيضة القملة ، والجمع : الصؤاب والصئبان. الصحاح ١ : ١٦٠ « صأب ».

(٦) المغني ٣ : ٢٧٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١١.

٣٦٣

ولقول الصادقعليه‌السلام : « الـمُحْرم لا ينزع القملة من جسده ولا من ثوبه متعمّداً ، وإن قتل شيئاً من ذلك خطأً فليطعم مكانها طعاماً قبضةً بيده »(١) .

ولا فرق بين أن يقتله أو يلقيه عن بدنه إلى الأرض أو يقتله بالزئبق وشبهه ؛ لأنّ تحريم قتله ليس معلّلاً بحرمته ، بل للترفّه بفقده ، فعمّ المنع إزالته كيف كان.

ولأنّ حماد بن عيسى سأل الصادقعليه‌السلام : عن الـمُحْرم يبين القملة من جسده فيلقيها ، فقال : « يطعم مكانها طعاماً »(٢) .

وفي الرواية الاُخرى عن أحمد : يُباح قتله(٣) .

إذا عرفت هذا ، فإنّه يجوز له تحويلها من مكان من جسده إلى مكان آخر منه ؛ لاشتمال دوامها في موضع واحد على أذى كثير.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « فإذا أراد أن يحوّل قملة من مكان إلى مكان فلا يضرّه »(٤) .

مسألة ٢٨٣ : لو قتل قملةً ، فَعَل حراماً ، ووجب عليه فدية كف من طعام - وبه قال عطاء(٥) - لأنّه فَعَل إزهاق نفس محرَّمة ، فكان عليه صدقة ، كالصيد.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « يُطعم مكانها طعاماً »(٦) بمجرد الإِلقاء ؛ لأنّه مظنّة القتل لها ، فأشبه رمي الصيد وجهل حاله.

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٣٦ / ١١٦٠ ، الاستبصار ٢ : ١٩٦ - ١٩٧ / ٦٦١.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٣٦ / ١١٥٨ ، الاستبصار ٢ : ١٩٦ / ٦٥٩.

(٣) المغني ٣ : ٢٧٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١١.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٣٦ - ٣٣٧ / ١١٦١ ، الفقيه ٢ : ٢٣٠ / ١٠٩١.

(٥) المغني ٣ : ٢٧٣ - ٢٧٤.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٣٦ / ١١٥٨ ، الاستبصار ٢ : ١٩٦ / ٦٥٩.

٣٦٤

وقال مالك : يفدي بحفنة من طعام. وهو مروي عن ابن عمر(١) .

وقال إسحاق : يتصدّق بتمرة فما فوقها(٢) .

وقال أحمد في إحدى الروايتين : يتصدّق بمهما كان من قليل وكثير ، وهو قول أصحاب الرأي(٣) .

وفي الرواية الاُخرى : لا شي‌ء عليه ، وبه قال سعيد بن جبير وطاوس وأبو ثور وابن المنذر(٤) .

مسألة ٢٨٤ : يجوز له أن ينحّي عن نفسه القراد والحَلَمَة ، ويلقي القراد عنه وعن بعيره ؛ لما رواه معاوية بن عمّار عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « و الـمُحْرم يلقي عنه القِرْدان(٥) كلّها إلّا القملة فإنّها من جسده ، وإن أراد أن يحوّل قملةً من مكان إلى مكان فلا يضرّه »(٦) .

وقال الشيخرحمه‌الله : يجوز للمُحْرم أن يلقي القراد عن بعيره ، وليس له أن يلقي الحَلَمَة(٧) ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « إنّ القراد ليس من البعير ، والحلمة من البعير »(٨) .

البحث الرابع عشر : قطع شجر الحرم‌

مسألة ٢٨٥ : أجمع علماء الأمصار على تحريم قطع شجر الحرم غير الإِذخر‌ وما أنبته الآدمي من البقول والزروع والرياحين.

وبالجملة فالتحريم متعلّق بما نبت بنفسه دون ما يستنبت.

____________________

(١) المغني ٣ : ٢٧٣ - ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٢.

(٢ - ٤ ) المغني ٣ : ٢٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٢.

(٥) في المصدر : « الدواب » بدل « القردان ».

(٦) الفقيه ٢ : ٢٣٠ / ١٠٩١ ، التهذيب ٥ : ٣٣٧ / ١١٦١.

(٧) التهذيب ٥ : ٣٣٨.

(٨) الفقيه ٢ : ٢٣٢ / ١١٠٧.

٣٦٥

لما رواه العامّة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من قولهعليه‌السلام : ( لا يُختلى شوكها ولا يُعضد شجرها )(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « كلّ شي‌ء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين إلّا ما أنبتّه أنت وغرسته »(٢) .

واعلم أنّ النابت إمّا شجر أو غيره.

أمّا الشجر : فيحرم قطع كلّ شجر رطب حرمي وقلعه ، فخرج بالرطب : الشجر اليابس ، فإنّه لا شي‌ء في قطعه ، كما لو قطع صيداً ميّتاً.

وخرج بالحرمي أشجار الحِلّ ، فلا يجوز أن يقلع شجرة من أشجار الحرم وينقلها إلى الحِلّ محافظة على حرمتها ، فإن فَعَل ، فعليه الردّ.

أمّا لو نقل من بقعة من الحرم إلى بقعة اُخرى منه ، فإنّه لا يؤمر بالردّ ، ويضمن لو تلفت بالنقل.

ولا فرق في التحريم بين أن ينقله إلى الحِلّ أو الحرم.

ولو نبتت في الموضع المنقول إليه ، فإن كان في الحرم ، فلا جزاء فيه ؛ لأنّه لم يُتلفها ولم يُزِلْ حرمتها.

ولو كان في الحِلّ ، فكذلك عند الشافعي ؛ لأنّه لم يتحقّق منه الإِتلاف(٣) .

ومقتضى مذهبنا : وجوب الردّ ، فإن تلفت ضمن ، وإلّا فلا ؛ لأنّه أزال حرمتها بالنقل ، فوجب الردّ.

وأمّا غير الشجر كالحشيش ، فلا يجوز قطعه ؛ للخبر(٤) ، ولو قَطَعه ضمنه.

____________________

(١) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٣٦١ - ٣٦٢ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٧٧.

(٢) الفقيه ٢ : ١٦٦ / ٧١٨ ، التهذيب ٥ : ٣٨٠ / ١٣٢٥.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٥١١ ، المجموع ٧ : ٤٤٨.

(٤) تقدّم في صدر المسألة.

٣٦٦

مسألة ٢٨٦ : يحرم قطع الشوك والعوسج وشبهه من الأشجار المؤذية‌ - وبه قال أحمد(١) - لعموم قولهعليه‌السلام : ( لا يعضد شجرها )(٢) .

وقال الشافعي : لا يحرم - وبه قال عطاء ومجاهد وعمرو بن دينار - لأنّه مُؤذٍ ، فأشبه السباع من الحيوان(٣) .

ونمنع المساواة ، والفرق : إمكان الاحتراز غالباً عن الشوك ، وقلّة ضرره ، بخلاف السباع ، ولأنّها تقصد الأذى.

وليس له أخذ ورق الشجر - وبه قال أحمد(٤) - لقولهعليه‌السلام : ( لا يُخبط(٥) شوكها ولا يُعضد شجرها )(٦) .

ولأنّ ما حرم أخذه حرم كلّ شي‌ء منه ، كريش الطائر.

وقال الشافعي : له أخذه ؛ لأنّه لا يضرّ به(٧) . وكان عطاء يرخّص في أخذ ورق السنا(٨) للإِسهال ، ولا ينزع من أصله(٩) ، ورخص فيه عمرو بن دينار(١٠) .

ونمنع عدم تضرّر الشجرة به ، فإنّه يضعفها ، وربما أدّى إلى تلفها.

وكذا يحرم أغصان الشجرة ؛ لأنّ منفعتها به أقوى من منفعة الورق.

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٨.

(٢) صحيح البخاري ٣ : ١٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٨٩ / ٤٤٨ ، سنن أبي داود ٢ : ٢١٢ / ٢٠١٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢١١ ، سنن البيهقي ٥ : ١٩٥.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٥١١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٦ ، المجموع ٧ : ٤٤٨ ، المغني ٣ : ٣٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٨.

(٤) المغني ٣ : ٣٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٨.

(٥) الخبط : خبط ورق العضاة من الطلح ونحوه ، يخبط ، يُضرب بالعصا فيتناثر. لسان العرب ٧ : ٢٨١ « خبط ».

(٦) صحيح مسلم ٢ : ٩٨٩ / ٤٤٨.

(٧) فتح العزيز ٧ : ٥١١ ، المجموع ٧ : ٤٤٩ ، المغني ٣ : ٣٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٨.

(٨) السنا : نبت يتداوى به. لسان العرب ١٤ : ٤٠٥ « سنا ».

(٩ و ١٠) المغني ٣ : ٣٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٨.

٣٦٧

مسألة ٢٨٧ : تجب في قطع الشجر الفدية‌ عند أكثر علمائنا(١) - وبه قال ابن عباس وعطاء وأبو حنيفة وأحمد والشافعي في أصحّ قوليه(٢) - لما رواه العامّة عن ابن عباس أنّه قال : في الدوحة بقرة ، وفي الجزلة شاة(٣) .

والدوحة : الشجرة الكبيرة ، والجزلة : الشجرة الصغيرة.

ومن طريق الخاصّة : قول أحدهماعليهما‌السلام : « إذا كان في دار الرجل شجرة من شجر الحرم ولم تُنزع فأراد نزعها ، نزعها وكفّر بذبح بقرة يتصدّق بلحمها على المساكين »(٤) .

ولأنّه ممنوع من إتلافه ؛ لحرمة الحرم ، فكان مضموناً عليه ، كالصيد.

وقال بعض علمائنا : لا ضمان فيه وإن حرم(٥) - وبه قال مالك وأبو ثور وداود وابن المنذر والشافعي في القديم(٦) - لأصالة البراءة.

[ و ](٧) لأنّ الإِحرام لا يوجب ضمان الشجر ، فكذلك الحرم.

مسألة ٢٨٨ : يحرم قطع حشيش الحرم إذا كان رطباً ؛ للخبر ، إلّا ما استثني من الإِذخر وما أنبته الآدميون ؛ لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( لا يُحْتش حشيشها )(٨) .

____________________

(١) منهم : الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٤٠٨ ، المسألة ٢٨١ ، والمبسوط ٢ : ٣٥٤ ، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ٢٠٤ ، والقاضي ابن البرّاج في المهذّب ١ : ٢٢٣.

(٢) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٠٤ ، المغني ٣ : ٣٦٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٩ - ٣٨٠ ، الْأُم ٢ : ١٠٨ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣١٣ ، الوجيز ١ : ١٢٩ ، فتح العزيز ٧ : ٥١١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٥ - ٢٢٦ ، المجموع ٧ : ٤٥٠ و ٤٥١.

(٣) المغني ٣ : ٣٦٧ - ٣٦٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٠.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٨١ / ١٣٣١.

(٥) قال به ابن إدريس في السرائر : ١٣٠.

(٦) المغني ٣ : ٣٦٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٠ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٤٥١ ، حلية العلماء ٣٠ : ٣٢٢ ، فتح العزيز ٧ : ٥١١.

(٧) أضفناها لأجل السياق.

(٨) المغني ٣ : ٢٦٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٩.

٣٦٨

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « إنّ علي بن الحسينعليهما‌السلام كان يتّقي الطاقة من العُشْب ينتفها من الحرم » قال : « وقد نتف طاقة وهو يطلب أن يعيدها في مكانها »(١) .

ورأى زين العابدينعليه‌السلام شخصا يقلع العشب من حول الفسطاط ، فقالعليه‌السلام : « إنّ هذا لا يقلع »(٢) .

وقال الشافعي : لا يجوز قطعه مطلقاً ؛ للخبر ، فإن قَطَعه ، فعليه قيمته إن لم يخلف ، وإن أخلف فلا ، بخلاف الشجر ؛ فإنّ الغالب فيه الإِخلاف ، فأشبه سنّ الصبي(٣) .

إذا عرفت هذا ، فلو كان يابساً ، لم يكن في قطعه شي‌ء ، كما في الشجر.

نعم لا يجوز قلعه ، فإن قَلَعه ، فعليه الضمان ؛ لأنّه لو لم يقلع لنبت ثانياً ، ذكره بعض الشافعية(٤) ، ولا بأس به.

مسألة ٢٨٩ : يجوز للمُحْرم أن يترك إبله لترعى في حشيش الحرم ، وتسريح البهائم فيه لترعى وإن حرم عليه قلعه عند علمائنا - وبه قال عطاء والشافعي(٥) - لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( إلّا علف الدوابّ )(٦) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « يُخلّى البعير في‌

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٧٩ / ١٣٢٣.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٧٩ / ١٣٢٢.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٥١٢.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٤١٢ ، المجموع ٧ : ٤٥٢.

(٥) المغني ٣ : ٣٦٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣١٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٢ ، فتح العزيز ٧ : ٥١٢ ، المجموع ٧ : ٤٥٢ - ٤٥٣.

(٦) أورده الماوردي في الحاوي الكبير ٤ : ٣١٢ ، والشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٤٠٩ ، المسألة ٢٨٢.

٣٦٩

الحرم يأكل ما شاء »(١) .

ولأنّ الهدايا في زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كانت تدخل الحرم وتكثر فيه ، ولم ينقل أنّه [ كانت ](٢) تُشدّ(٣) أفواهها.

ولأنّ الحاجة ماسّة إلى ذلك ، فكان سائغاً ، كالإِذخر.

وقال أحمد وأبو حنيفة : لا يجوز ؛ لأنّ ما حرم إتلافه لا يجوز أن يرسل عليه ما يتلفه ، كالصيد(٤) .

والفرق : الحاجة ، ولأنّ الصيد منهي عن قتله مباشرةً وتولّداً ، بخلاف الحشيش.

ولو اختلى الحشيش ليعلفه البهائم ، فللشافعية وجهان :

أحدهما : الجواز ، كما لو سرحها فيه.

والثاني : المنع ؛ لقولهعليه‌السلام : ( لا يختلى خلاها )(٥) (٦) .

مسألة ٢٩٠ : شجر الفواكه والنخل يجوز قلعه ، سواء أنبته الله تعالى أو الآدميون ، وسواء كانت مُثمرةً ، كالنخل والكرم ، أو غير مثمرة ، كالصنوبر والخلاف - وبه قال أبو حنيفة(٧) - لأنّ تحريم الحرم مختص بما كان وحشياً من‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٢٣١ / ٥ ، الفقيه ٢ : ١٦٦ / ٧١٩ ، التهذيب ٥ : ٣٨١ / ١٣٢٩.

(٢) أضفناها لأجل السياق.

(٣) في النسخ الخطية والحجرية : شدّ. وما أثبتناه هو الصحيح.

(٤) المغني ٣ : ٣٦٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٩ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٠٤ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٧٥ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٢ - ٣٢٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣١٢ ، فتح العزيز ٧ : ٥١٢.

(٥) صحيح البخاري ٣ : ١٩ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٨٧ / ١٣٥٣ ، سنن النسائي ٥ : ٢١١ ، سنن البيهقي ٥ : ١٩٥.

(٦) فتح العزيز ٧ : ٥١٢ ، المجموع ٧ : ٤٥٣‌

(٧) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٠٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١٠ - ٢١١ ، المغني ٣ : ٣٦٢ - ٣٦٣.

٣٧٠

الصيد ، فكذا من الشجر.

وقول الصادقعليه‌السلام : « لا ينزع من شجر مكة إلّا النخل وشجر الفواكه »(١) .

وكذا يجوز قلع ما أنبته الإِنسان من شجر الفواكه كلّها ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « كلّ شي‌ء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين إلّا ما أنبتّه أنت وغرسته »(٢) .

وبه قال أبو حنيفة ؛ تشبيهاً للمستنبتات بالحيوان الإِنسي وبالزرع(٣) .

قال الشيخرحمه‌الله : وما أنبته الله تعالى في الحِلّ إذا قلعه المـُحلّ ونَقَله إلى الحرم ثم قَطَعه ، فلا ضمان عليه ، وما أنبته الله إذا نبت في ملك الإِنسان ، جاز له قلعه ، وإنّما لا يجوز له قلع ما نبت في المباح(٤) .

وقال الشافعي : كلّ ما ينبت في الحرم فهو حرام سواء أنبته الله تعالى أو الآدميّون(٥) ؛ لعموم قولهعليه‌السلام : ( لا يُعضد شجرها )(٦) .

ولأنّها شجرة تنبت في الحرم ، فأشبه ما لم ينبته الآدميون.

والحديث قد استثني فيه في بعض الروايات ( إلّا ما أنبته الآدمي ).

ولأنّ أدلّتنا أخصّ.

وللفرق بين الأهلي من الشجر ، كالنخل والجواز واللوز ، والوحشي ،

____________________

(١) الفقيه ٢ : ١٦٦ / ٧٢٠ ، التهذيب ٥ : ٣٧٩ - ٣٨٠ / ١٣٢٤.

(٢) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في ص ٣٦٥ ، الهامش (٢)

(٣) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٠٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١١ ، فتح العزيز ٧ : ٥١٢.

(٤) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٥٤.

(٥) فتح العزيز ٧ : ٥١١ و ٥١٢ ، المجموع ٧ : ٤٤٧ و ٤٥٠.

(٦) صحيح البخاري ٣ : ١٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٨٩ / ٤٤٨ ، سنن أبي داود ٢ : ٢١٢ / ٢٠١٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢١١ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٣٨ / ٣١٠٩ ، سنن البيهقي ٥ : ١٩٥.

٣٧١

كالدَّوْح(١) والسَّلَم(٢) ، كالصيد.

إذا عرفت هذا ، فسواء كان الشجر الذي أنبته الآدمي ممّا جنسه أن يُنبته الآدميّون أو لم يكن جنسه من ذلك يجوز قلعه مطلقاً - خلافاً للشافعي(٣) - لعموم قول الصادقعليه‌السلام : « إلّا ما أنبتّه أنت وغرسته »(٤) .

ولا بأس بقطع شجر الإِذخر إجماعاً.

وكذا لا بأس بعودي المحالة للحاجة إلى ذلك.

ولقول الباقرعليه‌السلام : « رخص رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في قطع عودي المـَحالَة - وهي البكرة التي يُستقى بها(٥) - من شجر الحرم والإِذخر »(٦) .

وكذلك لا بأس بأن يقلع الإِنسان شجرة تنبت في منزله بعد بنائه له ، ولو نبتت قبل بنائه ، لم يجز له قلعها ؛ لقول الصادقعليه‌السلام في الشجرة يقلعها الرجل من منزله في الحرم ، فقال : « إن بنى المنزل والشجرة فيه فليس له أن يقلعها ، وإن كانت نبتت في منزله فله قلعها(٧) »(٨) .

ويجوز أن يقلع اليابس من الشجر والحشيش ، لأنّه ميّت فلم تبق له حرمة ، وكذا قطع ما انكسر ولم يبن ؛ لأنّه قد تلف ، فهو بمنزلة الميّت والظفر المنكسر.

____________________

(١) الدوح جمع الدوحة ، وهي : الشجرة العظيمة من أيّ الشجر كان. الصحاح ١ : ٣٦١ « دوح ».

(٢) السَّلَم : شجر من العظاة ، واحدتها سَلَمة. الصحاح ٥ : ١٩٥٠ « سلم ».

(٣) فتح العزيز ٧ : ٥١٢ ، المجموع ٧ : ٤٥٠.

(٤) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في ص ٣٦٥ ، الهامش (٢)

(٥) النهاية - لابن الأثير - ٤ : ٣٠٤ « محل ».

(٦) التهذيب ٥ : ٣٨١ / ١٣٣٠.

(٧) في المصدر : « وهو له فليقلعها » بدل « فله قلعها ».

(٨) الكافي ٤ : ٢٣١ / ٦ ، التهذيب ٥ : ٣٨٠ / ١٣٢٧.

٣٧٢

ويجوز أخذ الكَمْأَة(١) والفقْع(٢) من الحرم ، لأنّه لا أصل له ، فهو كالثمرة الموضوعة على الأرض.

ولو انكسر غصن شجرة أو سقط ورقها ، فإن كان بغير فعل الآدمي ، جاز الانتفاع به إجماعاً؛ لتناول النهي القطع وهذا لم يقطع ، وإن كان بفعل آدمي ، فالأقرب جوازه(٣) ؛ لأنّه بعد القطع يكون كاليابس ، وتحريم الفعل لا ينافي جواز استعماله.

ومنعه بعض العامّة ؛ قياساً على الصيد يذبحه المـُحْرم(٤) .

وقال آخرون : يباح لغير القاطع ، والفرق : أنّ الصيد يُعتبر في ذبحه الأهليةُ ، وهي منفية عن المـُحْرم ، بخلاف قطع الشجرة ؛ فإنّ الدابّة لو قطعته جاز الانتفاع به(٥) .

مسألة ٢٩١ : الشجرة إذا كان أصلها في الحرم وفرعها في الحِلّ ، حرم قطعها وقطع غصنها ؛ لأنّها في الحرم.

ولما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن شجرة أصلها في الحرم وفرعها في الحِلّ ، فقال : « حرم فرعها لمكان أصلها » قال : قلت : فإنّ أصلها في الحلّ وفرعها في الحرم ، قال : « حرام أصلها لمكان فرعها »(٦) والغصن تابع.

وإن كان بالعكس ، فكذلك.

وسوّغ بعض العامّة قطع الغصن في الأخير ؛ لأنّه تابع لأصله ، كالتي‌

____________________

(١) الكَمْأَة واحدها : كَمْءٌ ، وهو نبات ينقّض الأرض فيخرج. لسان العرب ١ : ١٤٨ « كمأ ».

(٢) الفقْع - بالفتح والكسر - : الأبيض الرخو من الكَمْأَة ، وهو أردأها. لسان العرب ٨ : ٢٥٥ « فقع ».

(٣) في « ف » : الجواز.

(٤ و ٥) المغني ٣ : ٣٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٨.

(٦) الكافي ٤ : ٢٣١ / ٤ ، الفقيه ٢ : ١٦٥ / ٧١٧ ، التهذيب ٥ : ٣٧٩ / ١٣٢١.

٣٧٣

قبلها(١) .

وليس بجيّد ؛ لأنّه في الحرم.

وإذا كان الأصل في الحِلّ والغصن في الحرم فقَطَع واحدٌ الغصنَ ، ضمنه.

ولو قطع آخرٌ الأصلَ بعد قطع الغصن ، فالأقرب عدم التحريم ؛ لأنّ المقتضي له هو استتباع قطع الغصن لقطعه وقد زال بقطع الغصن.

ولو كان بعض الأصل في الحِلّ وبعضه في الحرم ، ضمن الغصن ، سواء كان في الحِلّ أو الحرم ، تغليباً لحرمة الحرم ، كما لو وقف صيد بعض قوائمه في الحِلّ وبعضها في الحرم.

مسألة ٢٩٢ : لو قلع شجرةً من الحرم فغرسها في مكان آخر منه فماتت ، ضمنها ؛ لإِتلافه.

ولو غرسها في مكان آخر من الحرم فنبتت ، لم يكن عليه ضمان ؛ لعدم الإِتلاف ولم تزل حرمتها.

ولو غرسها في الحِلّ فنبتت ، وجب عليه ردّها ؛ لأنّه أزال حرمتها ، فإن تعذّر ردّها ، أو ردّها ويبست ، ضمنها.

ولو غرسها في الحِلّ فقلعها غيره منه ، قال بعض العامّة : يضمن الثاني ؛ لأنّه المتلف لها ، بخلاف الصيد إذا نفّره إنسان من الحرم فقتله الآخر في الحلّ ، فإنّ الضمان على المنفّر ؛ لأنّ الشجر لا ينتقل بنفسه ، ولا تزول حرمته بإخراجه ، ولهذا يجب على قالعه ردّه ، وأمّا الصيد فإنّه يكون تارة في الحِلّ واُخرى في الحرم ، فمن نفّره فقد أذهب حرمته ، فوجب عليه جزاؤه ، والشجر لا تفوت حرمته بالإِخراج ، فكان الضمان على المـُتْلف ؛ لأنّه أتلف‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٦٩ - ٣٧٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٢.

٣٧٤

شجراً من الحرم(١) .

مسألة ٢٩٣ : يضمن المـُحْرم الشجرة الكبيرة ببقرة ، والصغيرة بشاة ، والحشيش بقيمته ، والغصن بأرشه - وبه قال الشافعي وأحمد(٢) - لما رواه العامّة عن ابن عباس أنّه قال : في الدوحة بقرة ، وفي الجزلة شاة(٣) .

والدوحة : الشجرة الكبيرة ، والجزلة : الشجرة الصغيرة.

ومن طريق الخاصّة : قول أحدهماعليهما‌السلام : « إذا كان في دار الرجل شجرة من شجر الحرم ولم تنزع ، فإن أراد نزعها نزعها ، وكفّر بذبح بقرة ، وتصدّق بلحمها على المساكين »(٤) .

وقال أصحاب الرأي : يضمن الجميع بالقمية ؛ لأنّه لا مقدّر فيه ، فأشبه الحشيش(٥) .

وليس بجيّد ؛ لأنّه أحد نوعي ما يحرم إتلافه ، فكان فيه مقدّر ، كالصيد.

ولو قطع غصناً أو قلع حشيشاً فعاد عوضه ، فالوجه : بقاء الضمان ؛ لأنّ الثاني غير الأول.

إذا عرفت هذا ، فالمرجع في الصغر والكبر إلى العرف.

وقال بعض الشافعية : ضبط الشجرة المضمونة بالشاة أن تقع قريبةً من‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٦٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨١.

(٢) الْأُم ٢ : ٢٠٨ ، مختصر المزني : ٧١ ، الوجيز ١ : ١٢٩ ، فتح العزيز ٧ : ٥١١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٥ - ٢٢٦ ، المجموع ٧ : ٤٥١ و ٤٩٦ ، المغني ٣ : ٣٦٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٩ و ٣٨٠.

(٣) المغني ٣ : ٣٦٧ - ٣٦٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٠.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٨١ / ١٣٣١.

(٥) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٠٣ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٧٥ ، المحلّى ٧ : ٢٦١ ، المغني ٣ : ٣٦٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٠ ، المجموع ٧ : ٤٩٦.

٣٧٥

سُبْع الكبيرة ، فإنّ الشاة من البقرة سُبْعُها(١) .

والمتوسّطة صغيرة ؛ لأصالة البراءة ، ولأنّ اسم الصغيرة يتناول ما ليست بكبيرة.

مسألة ٢٩٤ : حدّ الحرم - الذي لا يحلّ الصيد فيه ولا قطع شجره‌ - بريد في بريد ؛ لما رواه زرارة - في الصحيح - عن الباقرعليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : « حرّم الله حرمه بريداً في بريد أن يختلى خلاه ويُعضد شجره إلّا الإِذخر أو يصاد طيره ، وحرّم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المدينة ما بين لابتيها صيدها ، وحرّم ما حولها بريداً في بريد أن يختلى خلاها ويعضد شجرها إلّا عودي الناضح(٢) »(٣) .

مسألة ٢٩٥ : قال الشيخرحمه‌الله : واعلم أنّ للمدينة حرماً مثل حرم مكّة‌ ، وحدّه ما بين لابتيها ، وهو من ظلّ عائر إلى ظلّ وُعير لا يُعْضد شجرها ، ولا بأس أن يؤكل صيدها إلّا ما صيد بين الحرّتين(٤) .

واللابة : الحرّة ، والحرّة : الحجارة السوداء.

وفي هذا الكلام اضطراب ، وينبغي أن يقال : وحدّه من ظلّ عائر إلى ظلّ وعير ، لا يُعْضد شجرها ، ولا بأس أن يؤكل صيدها إلّا ما صيد بين الحرّتين ، لأنّ الحرّتين غير ظلّ عائر وظلّ وُعير ، والحرّتان بين الظلّين ؛ لأنّه قال : لا يعضد الشجر فيما بين الظلّين ، ولا بأس أن يؤكل الصيد إلّا ما صيد بين الحرّتين ، فدلّ على دخول الحرّتين في الظلّين ، وإلّا تناقض الكلام ، ولو كانت الحرّتان هُما حدّ حرم المدينة الأول ، لما حلّ الصيد في شي‌ء من حرم المدينة.

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٥١١ ، المجموع ٧ : ٤٥١.

(٢) في المصدر : « عودي محالة الناضح ».

(٣) التهذيب ٥ : ٣٨١ - ٣٨٢ / ١٣٣٢.

(٤) النهاية : ٢٨٦ - ٢٨٧ ، المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٨٦.

٣٧٦

والشيخ -رحمه‌الله - عوّل في التحريم على رواية زرارة عن الباقرعليه‌السلام ، السابقة(١) .

والشافعي ألحق حرم المدينة بحرم مكة في التحريم في أصحّ الوجهين عنده ، وبه قال مالك وأحمد(٢) - وهو المشهور عندنا - لما روى العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( إنّ إبراهيم حرّم مكة وإنّي حرّمت المدينة مثل ما حرّم إبراهيم مكة ، لا ينفّر صيدها ولا يُعْضد شجرها ولا يُخْتلى خلاها )(٣) .

وروي أنّه قال : ( إنّي اُحرّم ما بين لابتي المدينة أن يقطع عضاهها(٤) أو يُقْتل صيدها )(٥) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ مكة حرم الله حرّمها إبراهيم ، وإنّ المدينة حرمي ما بين لابتيها حرم لا يُعْضد شجرها ، وهو ما بين ظلّ عائر إلى ظلّ وُعير [ و ](٦) ليس صيدها كصيد مكة يؤكل هذا ولا يؤكل ذاك وهو بريد »(٧) .

____________________

(١) سبقت في المسألة (٢٩٤).

(٢) الوجيز ١ : ١٢٩ - ١٣٠ ، فتح العزيز ٧ : ٥١٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٦ ، المجموع ٧ : ٤٨٠ و ٤٩٧ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٢ ، المغني ٣ : ٣٧٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٢ - ٣٨٣.

(٣) أورده - كما في المتن - الرافعي في فتح العزيز ٧ : ٥١٣ - ٥١٤ ، وفي صحيح مسلم ٢ : ٩٩٢ / ١٣٦٢ ، وسنن البيهقي ٥ : ١٩٨ بتفاوت واختصار.

(٤) في « ط ، ف ، ن » والطبعة الحجرية : أغصانها. وذلك تصحيف ، وما أثبتناه من المصادر.

(٥) صحيح مسلم ٢ : ٩٩٢ / ١٣٦٣ ، وسنن البيهقي ٥ : ١٩٧ ، وأورده الرافعي في فتح العزيز ٧ : ٥١٤.

(٦) أضفناها من المصدر.

(٧) الكافي ٤ : ٥٦٤ - ٥٦٥ / ٥ ، التهذيب ٦ : ١٢ / ٢٣.

٣٧٧

وقال أبو حنيفة : لا يحرم(١) . وهو الوجه الثاني للشافعي(٢) .

وعلى قول التحريم عند الشافعي ففي ضمان صيدها وشجرها قولان :

الجديد - وبه قال مالك - لا يضمن ؛ لأنّه ليس بمحلّ النسك ، فأشبه مواضع الحمى ، وإنّما أثبتنا التحريم ؛ للنصوص.

والقديم - وبه قال أحمد - أنّه يضمن.

وعلى هذا فما جزاؤه؟ وجهان :

أحدهما : أنّ جزاءه كجزاء حرم مكة ؛ لاستوائهما في التحريم.

والثاني - وبه قال أحمد - أنّ جزاءه أخذ سلب الصائد وقاطع الشجر ؛ لما روي أنّ سعد بن أبي وقاص أخذ سَلَب رجل قتلَ صيداً في المدينة ، قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : ( من رأى رجلاً يصطاد بالمدينة فليسلبه )(٣) .

وهذا ليس بشي‌ء على مذهبنا.

وعلى هذا ففيما يُسلب للشافعي وجهان :

الذي أورده أكثر أصحابه أنّه يسلب منه ما يسلبه القاتل من قتيل الكفّار.

والثاني : لا ينحى بهذا نحو سَلَب القتيل في الجهاد ، وإنّما المراد من السَّلَب هاهنا الثياب فحسب(٤) .

وعلى الوجهين ففي مصرفه وجهان مشهوران لهم :

أظهرهما : انّه للسالب كسَلَب القتيل ، وقد روي أنّهم كلّموا سعداً في هذا السَّلَب ، فقال : ما كنت لأردّ طعمةً أطعمنيها رسول الله صلّى الله عليه‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٧٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٣ ، المجموع ٧ : ٤٩٧.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٥١٣ ، المجموع ٧ : ٤٨٠.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٥١٤ ، المجموع ٧ : ٤٨٠ - ٤٨١ و ٤٩٧ ، وراجع : المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٢ ، والمغني ٣ : ٣٧١ - ٣٧٢ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٨٤ و ٣٨٥.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٥١٤ ، المجموع ٧ : ٤٨١.

٣٧٨

وآله.

والثاني : أنّه لمحاويج المدينة وفقرائها ، كما أنّ جزاء صيد مكة لفقرائها.

ولهم وجه ثالث : أنّه يوضع في بيت المال ، وسبيله سبيل السهم المـُـرصد للمصالح(١) .

مسألة ٢٩٦ : صيدُ وَجٍّ وشجرهُ مباح - ووجّ : وادٍ بالطائف ، وليس المراد منه نفس البلد - قاله علماؤنا ، وبه قال أحمد(٢) ؛ لأصالة الإِباحة ، وعدم شغل الذمّة من واجب أو عقوبة.

وقال الشافعي : إنّه محرَّم ؛ لما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : ( صيدُ وَجّ وعضاهها محرَّم )(٣) (٤) والعضاة كلّ شجر عظيم له شوك.

ونمنع صحة الحديث ؛ فإنّ أحمد طعن فيه(٥) .

وللشافعي قول آخر : إنّه مكروه(٦) .

وعلى الأول هل يتعلّق به ضمان؟ بعض الشافعية مَنَع منه ؛ إذ لم يرد في الضمان نقل ، لكن يؤدّب ، وبعضهم قال : نعم ، وحكمه حكم حرم المدينة(٧) .

وأمّا النقيع(٨) فليس بحرم ، لكن حماه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لإِبل‌

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٥١٤ ، المجموع ٧ : ٤٨١ - ٤٨٢.

(٢) المغني ٣ : ٣٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٦.

(٣) مسند أحمد ١ : ١٦٥ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٠٠ ، سنن أبي داود ٢ : ٢١٥ - ٢١٦ / ٢٠٣٢.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٥١٩ - ٥٢٠ ، المجموع ٧ : ٤٨٣ ، المغني ٣ : ٣٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٦.

(٥) المغني ٣ : ٣٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٦.

(٦) فتح العزيز ٧ : ٥١٨.

(٧) فتح العزيز ٧ : ٥٢٠‌

(٨) النقيع : موضع قرب المدينة كان لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حماه لخيله ، وكان يجتمع فيه =

٣٧٩

الصدقة ونَعَم الجزية(١) ، فلا تُملك أشجاره وحشيشه.

وفي وجوب الضمان على من أتلفها للشافعية وجهان :

أحدهما : لا يجب ، كما لا يجب في صيده شي‌ء.

وأظهرهما عندهم : الوجوب ؛ لأنّه ممنوع منه ، فكانت مضمونةً عليه ، بخلاف الصيد ؛ فإنّ الاصطياد فيه جائز ، وعلى هذا فضمانها القيمة ، ومصرفه مصرف نعم الصدقة والجزية(٢) .

مسألة ٢٩٧ : قد بيّنّا تحريم قطع شجر الحرم‌ إذا كان نابتا بنفسه دون ما يستنبت.

وللشافعي في الثاني قولان : أحدهما : التحريم. والثاني : الكراهة ، فيندرج في التحريم قطع الطرفاء والأراك والعضاة وغيرها من أشجار الفواكه ؛ لأنّها تنبت بنفسها(٣) . وكذا العوسج عند الشافعية(٤) .

لكن سوّغ أصحابنا قطع شجر الأراك وذي الشوك ، كالعوسج وشبهه.

ثم فرّع الشافعية على إباحة ما يستنبت : أنّه لو استنبت بعض ما ينبت بنفسه على خلاف الغالب ، أو نبت بعض ما يستنبت ، لهم خلاف في إلحاقه بأيّ الصنفين :

حكى الجويني عن الأصحاب : النظر إلى الجنس والأصل ، فأوجب الضمان في الصورة الاُولى دون الثانية.

وحكى غيره : أنّ النظر إلى القصد والحال ، فيعكس الحكم فيهما(٥) .

____________________

= الماء. معجم البلدان ٥ : ٣٠١ « نقيع » النهاية - لابن الأثير - ٥ : ١٠٨.

(١) فتح العزيز ٧ : ٥٢١ ، وسنن البيهقي ٥ : ٢٠١.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٥٢١ - ٥٢٢.

(٣ و ٤ ) فتح العزيز ٧ : ٥١٢ ، المجموع ٧ : ٤٥٠ ، وفيهما نسب تحريم قطع العوسج إلى بعض الشافعية.

(٥) فتح العزيز ٧ : ٥١٢ ، المجموع ٧ : ٤٥٠.

٣٨٠