تذكرة الفقهاء الجزء ٧

تذكرة الفقهاء12%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-007-2
الصفحات: 481

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 481 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 169753 / تحميل: 5806
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٧

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٠٠٧-٢
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

عذافر ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ليس التعزية إلا عند القبر ثم ينصرفون لا يحدث في الميت حدث فيسمعون الصوت

أي الصبر ، يقال ( عزيته ) أي صبرته والمراد بها طلب التسلي عن المصاب والتصبر عن الحزن والانكسار بإسناد الأمر إلى الله ، ونسبته إلى عدله وحكمته وذكر ما وعد الله على الصبر مع الدعاء للميت والمصاب لتسليته عن مصيبته ، وهي مستحبة إجماعا ولا كراهة فيها بعد الدفن عندنا انتهى.

وقال : في النهاية التعزية مستحبة قبل الدفن وبعده بلا خلاف بين العلماء في ذلك إلا الثوري فإنه قال : لا يستحب التعزية بعد الدفن.

وقال في التذكرة : قال : الشيخ التعزية بعد الدفن أفضل وهو جيد.

وقال : المحقق في المعتبر : التعزية مستحبة وأقلها أن يراه صاحب التعزية وباستحبابها قال : أهل العلم مطلقا ، خلافا للثوري فإنه كرهها بعد الدفن ثم قال فأما رواية إسحاق بن عمار فليس بمناف لما ذكرنا لاحتمال أنه يريد عند القبر. بعد الدفن أو قبله. وقال : الشيخ بعد الدفن أفضل وهو حق انتهى.

وقال في المنتهى : قال الشيخ في المبسوط يكره الجلوس للتعزية يومين أو ثلاثة وخالف فيه ابن إدريس وهو الحق انتهى ، ولنرجع إلى بيان ما يستفاد من الخبر بعد ما نبهناك على ما ذهب إليه الأصحاب.

فاعلم : أن الظاهر منقوله عليه‌السلام : « ليس التعزية إلا عند القبر » عند انحصار التعزية فيما يقع عند القبر بعد الدفن كما هو الظاهر أو مطلقا كما نقلنا عن المحقق ، ولعله على ما ذكره الشيخ في المبسوط ، لكن فيه أنه لا يدل إلا على عدم استحباب التعزية بعد ذلك لا كراهتها ، مع أن مقتضى الجمع بين الأخبار انحصار السنة المؤكدة في ذلك.

وقوله عليه‌السلام : « ثم ينصرفون » يدل على كراهة المقام عند القبر بعد الدفن

١٢١

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال التعزية لأهل المصيبة بعد ما يدفن.

٣ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن الحجال ، عن إسحاق بن عمار قال ليس التعزية إلا عند القبر ثم ينصرفون لا يحدث في الميت حدث فيسمعون الصوت.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال التعزية الواجبة بعد الدفن.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن القاسم بن محمد ، عن

إلا بقدر التعزية.

وقوله عليه‌السلام : « فيسمعون الصوت » يدل على إمكان سماع ما يحدث في القبر ولا استبعاد في ذلك وإن كان نادرا لمخالفته للحكمة غالبا.

الحديث الثاني : حسن.

قوله عليه‌السلام : « بعد ما يدفن » حمل على أن المراد أن تأخيرها عنه أفضل من تقديمها عليه كما قال به الشيخ والفاضلان ، فإن تعريف المبتدأ باللام يدل على الحصر ، فالمراد حصر التعزية الكاملة والسنة الأكيدة منها فيه.

الحديث الثالث : موثق. وهو الخبر الأول مع اختلاف في السند إلى إسحاق.

الحديث الرابع : مرسل.

قوله عليه‌السلام : « التعزية الواجبة » حمل على تأكد الاستحباب وهو مؤيد لما ذكرنا من الجمع والحمل.

الحديث الخامس : ضعيف. إن كان القاسم الجوهري أو كان مسئولا وإلا فمجهول.

١٢٢

الحسين بن عثمان قال لما مات إسماعيل بن أبي عبد اللهعليه‌السلام خرج أبو عبد اللهعليه‌السلام فتقدم السرير بلا حذاء ولا رداء.

قوله عليه‌السلام : « بلا حذاء ولا رداء » يدل على استحباب كون صاحب التعزية كذلك مطلقا أو في خصوص جنازة الابن وأيد الأولى بأنه وضع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله رداءه في جنازة سعد ، ويدل على خصوص وضع الرداء ما سيأتي من الأخبار ، وقد ورد النهي عنه في رواية السكوني عن الصادق عن آبائهعليهم‌السلام قال : قال رسول الله :صلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثة ما أدري أيهم أعظم جرما؟ الذي يمشي مع الجنازة بغير رداء ، والذي يقول قفوا ، والذي يقول : استغفروا له غفر الله لكم؟

قال في الذكرى : بعد إيراد هذه الرواية ومنه يعلم كراهية مشي غير صاحب الجنازة بغير رداء ، ويظهر من ابن حمزة تحريمه ، أما صاحب الجنازة فخلعه ليتميز عن غيره ، لخبر ابن أبي عمير وخبر أبي بصير ذكره الجعفي وابن حمزة والفاضلان وذكر ابن الجنيد أيضا التميز بطرح بعض زيه بإرسال طرف العمامة أو أخذ مئزر من فوقها على الأب والأخ ، ولا يجوز على غيرهما وابن حمزة منع هنا مع تجويزه الامتياز ، فكأنه خص التميز في غير الأب والأخ بهذا النوع من الامتياز ، وأنكر ابن إدريس الامتياز بهذين لعدم الدليل عليهما وزعم أنه من خصوصيات الشيخ ، ورده الفاضلان بأحاديث الامتياز ، ولعله إنما أنكر هذا النوع من الامتياز ، والظاهر أن الأخبار لا تتناوله ، ثم لم نقف على دليل الشيخ عليه ولا على اختصاص الأب والأخ.

وقال : أبو الصلاح يتحفى ويحل أزراره في جنازة أبيه وجده لأبيه خاصة ويرده ما تقدم انتهى.

وقال : العلامة في المختلف قال أبو الصلاح : يستحب للرجل أن يتحفى ويحل أزراره في جنازة أبيه وجده لأبيه دون من عداهم ، فإن قصد بالاستثناء التحريم منعناه عملا بالأصل ، وإن قصد انتفاء الاستحباب منعناه أيضا لأن المقتضي

١٢٣

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ينبغي لصاحب المصيبة أن يضع رداءه حتى يعلم الناس أنه صاحب المصيبة.

٧ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن رفاعة النخاس ، عن رجل ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال عزى أبو عبد اللهعليه‌السلام رجلا بابن له فقال :

للاستحباب هناك ليس إلا تميزه عن غيره وهو متحقق هنا ، ويؤيده رواية الحسين ابن عثمان انتهى.

أقول : إذا سمعت ما تلونا عليك فاعلم : أن الظاهر من الأخبار استحباب وضع الرداء لصاحب الجنازة أي الجماعة الذين يعدون من أصحاب تلك المصيبة لعموم الأخبار وكراهة ذلك أو حرمته لغيرهم ، وإثبات الحرمة مشكل ، وكذا إثبات مرجوحية سائر أنواع الامتياز ، والقول باستحبابها أيضا لا يخلو من إشكال. وإن كان التعليل الوارد في بعض الأخبار يشهد بذلك كما لا يخفى ، وأما التحفي فظاهر هذا الخبر ، استحبابه إما في مطلق المصيبة أو في مصيبة الابن ، والأولى الاقتصار على الابن وإن كان العموم لا يخلو من قوة والله يعلم.

الحديث السادس : حسن.

قوله عليه‌السلام : « ينبغي » ظاهره استحباب وضع الرداء لصاحب المصيبة ، والظاهر الرجوع في ذلك إلى العرف كما ذكرناه ولا يبعد أن يكون المراد بالرداء الثوب المتعارف الذي يلبسه الناس فوق الثياب ليكون وضعه علة للامتياز ، ومن هذا التعليل فهموا غير ذلك من أنواع الامتياز خصوصا في الأزمنة التي لا يصلح وضع الرداء للامتياز والله يعلم.

الحديث السابع : مرسل.

قوله عليه‌السلام : « رجلا بابن له » أي بسبب فقد ابنه.

١٢٤

الله خير لابنك منك وثواب الله خير لك من ابنك فلما بلغه جزعه بعد عاد إليه فقال له قد مات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فما لك به أسوة فقال إنه كان مرهقا فقال إن أمامه ثلاث خصال شهادة أن لا إله إلا الله ورحمة الله وشفاعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

قوله عليه‌السلام : « الله خير لابنك منك » لما كان الغالب أن الحزن على الأولاد يكون لتوهم أمرين باطلين. أحدهما : أنه على تقدير وجود الولد يصل نفع الوالد إليه ، أو أن هذه النشأة خير له من النشأة الأخرى ، والحياة خير له من الممات فأزالعليه‌السلام وهمه : بأن الله تعالى ورحمته خير لابنك منك ومما تتصور من نفع توصله إليه على تقدير الحياة ، والموت مع رحمة الله خير من الحياة.

وثانيهما : توقع النفع منه مع حياته أو الاستئناس به فأزالعليه‌السلام ذلك الوهم أيضا بأن ما عوضك الله من الثواب على فقده خير لك من كل نفع تتوهمه أو تقدره في حياته.

قوله عليه‌السلام : « فعاد إليه » يفهم منه استحباب تكرار التعزية مع بقاء الجزع.

قوله عليه‌السلام . « فما لك به أسوة ».

قال : في القاموس : « الأسوة » ويضم القدوة وما يأتسي به الحزين ، والجمع إسى ويضم وأساه تأسيه فتأسى عزاه فتعزى.

وقال في النهاية : الأسوة بكسر الهمزة وضمها القدوة. أقول : يحتمل هذا الكلام : وجهين.

الأول : أن يكون المراد بالأسوة القدوة : والمعنى أنك تتأسى به ويلزمك التأسي به في الموت فلأي شيء تجزع مع أنك بعد الموت تجتمع مع ابنك ، والغرض أنه لو كان لأحد بقاء في الدنيا كان ذلك لأشرف الخلائق ، فإذا لم يبق هو في الدنيا فكيف تطمع أنت في البقاء ، ويحتمل أن يكون الغرض أنه ينبغي لك مع علمك بالموت أن تصلح أحوال نفسك ولا تحزن على فقد غيرك كما ورد في

١٢٥

فلن تفوته واحدة منهن إن شاء الله.

٨ ـ الحسين بن محمد ، عن أحمد بن إسحاق ، عن سعدان بن مسلم ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ينبغي لصاحب المصيبة أن لا يلبس رداء وأن يكون في قميص

خبر آخر أنهم قالوا : لصاحب مصيبة غفلت عن المصيبة الكبرى وجزعت للمصيبة الصغرى.

الثاني : أن يكون المراد بالأسوة ما يتأسى به الحزين أي ينبغي أن يحصل لك به وبسبب مصيبته وتذكرها تأسي وتعز عن كل مصيبة لأنه من أعظم المصائب ، وتذكر المصائب العظيمة يهون صغارها لما سيأتي عن أبي جعفرعليه‌السلام أنه قال : إن أصبت بمصيبة في نفسك أو في مالك أو في ولدك فاذكر مصابك برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فإن الخلائق لم يصابوا بمثله قط ، وقيل المراد أنك من أهل التأسي برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن أمته فينبغي أن يكون مصيبتك بفقده أعظم وما ذكرنا أظهر.

قوله عليه‌السلام : « إنه كان مرهقا » بالتشديد على صيغة المفعول.

قال في النهاية : الرهق السفه وغشيان المحارم وفيه فلان مرهق : أي متهم بسوء وسفه ، ويروي مرهق أي ذو رهق.

وقال في القاموس : « الرهق » محركة السفه والنوك والخفة وركوب الشر والظلم وغشيان المحارم « والمرهق » كمكرم من أدرك وكمعظم الموصوف بالرهق ومن يظن به السوء.

أقول : المراد « إن حزني » ليس بسبب فقده بل بسبب أنه كان يغشى المحارم وأخاف أن يكون معاقبا معذبا فعزاهعليه‌السلام بذكر وسائل النجاة وأسباب الرجاء.

الحديث الثامن : مجهول. بسعدان ، ويمكن أن يعد حسنا لأنهم ذكروا في سعدان أن له أصلا ويكون كتابه من الأصول مدح له.

قوله عليه‌السلام : « وأن يكون في قميص حتى يعرف فيه » إيماء إلى أن المراد

١٢٦

حتى يعرف.

٩ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن الحكم قال رأيت موسىعليه‌السلام يعزي قبل الدفن وبعده.

١٠ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن مهران قال كتب أبو جعفر الثانيعليه‌السلام إلى رجل ذكرت مصيبتك بعلي ابنك وذكرت أنه كان أحب ولدك إليك وكذلك الله عز وجل إنما يأخذ من الوالد وغيره أزكى ما عند أهله

بالرداء الثوب الأعلى الذي يلبسه أصناف الناس غالبا ليصير نزعه سببا للامتياز ، والكلام في الاستدلال بالتعليل على سائر أفراد الامتياز ما مر.

الحديث التاسع : حسن. كالصحيح بل لا يقصر عن الصحيح.

قوله عليه‌السلام : « قبل الدفن وبعده » أي يجمعهما في كل جنازة أو كان يفعل تارة هكذا وتارة هكذا ، ويدل على جواز التعزية قبل الدفن واستحبابه على التقديرين وعلى حصول التعزية بها قبل الدفن خاصة على الثاني فيدل على ما ذكرنا من التأويل في الأخبار السابقة.

الحديث العاشر : ضعيف. والظاهر أن مهزيار مكان ابن مهران كما سيجيء في آخر الكتاب هذا المضمون وفيه علي بن مهزيار ، لكن سيأتي رواية سهل عن علي بن مهران في باب غسل الأطفال.

قوله عليه‌السلام : « ذكرت » يدل على أنه شكا فيما كتب إليهعليه‌السلام فقد ابنه.

قوله عليه‌السلام : « أزكى » أي أطهر وأحسن ما عند أهله أي أهل هذا المأخوذ.

قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله :« وأحسن عزاك مقصورا أو ممدودا » أي صبرك. في القاموس العزي الصبر أو حسنه كالتعزوة ، عزي كرضى عزاء فهو عز وعزاه تعزية.

قوله عليه‌السلام : « وربط على قلبك » أي ألقى الله على قلبك صبرا. قال في

١٢٧

ليعظم به أجر المصاب بالمصيبة فأعظم الله أجرك وأحسن عزاك وربط على قلبك إنه قدير وعجل الله عليك بالخلف وأرجو أن يكون الله قد فعل إن شاء الله تعالى.

(باب)

(ثواب من عزى حزينا ً)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، عن آبائهعليهم‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من عزى حزينا كسي في الموقف حلة يحبر بها.

القاموس : ربط جأشه رباطة اشتد قلبه والله على قلبه. ألهمه الصبر وقواه انتهى.

أقول. منه قوله تعالى «وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ »(١) .

قوله عليه‌السلام : « وأرجو أن يكون الله قد فعل » بشارة له بأنهعليه‌السلام قد دعا له بالخلف واستجيب دعاؤه.

باب ثواب من عزى حزيناً

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

قوله عليه‌السلام : « حلة يحبر بها » قال في القاموس : الحلة بالضم إزار ورداء بردا وغيره ولا يكون حلة الا من ثوبين أو ثوب له بطانة.

وقال : فيه الحبر بالكسر الأثر أو أثر النعمة والحسن وبالفتح السرور كالحبور والحبرة والحبر محركة وأحبره سره والنعمة كالحبرة وقال : تحبير الخط والشعر وغيرهما تحسينه.

وقال في النهاية : الحبر بالكسر وقد يفتح الجمال والهيئة الحسنة يقال حبرت الشيء تحبيرا إذا حسنته.

أقول : قد ظهر أنه يمكن أن يقرأ على المجهول مشددا أي يحسن ويزين

__________________

(١) سورة الكهف : ١٤.

١٢٨

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن وهب ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من عزى مصابا كان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجر المصاب شيئا.

(باب)

(المرأة تموت وفي بطنها صبي يتحرك )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في المرأة تموت ويتحرك الولد في بطنها أيشق بطنها ويخرج الولد؟

بها ، ومخففا أي يسر بها ، وروي في الذكرى : يحبى بها من الحبوة والعطاء ثم قال وروي تحبر بها أي يسر بها.

الحديث الثاني : ضعيف. وروى العامة مثله عن عبد الله بن مسعود عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

باب المرأة تموت وفي بطنها ولد يتحرك

الحديث الأول : حسن.

قوله عليه‌السلام « نعم ويخاط بطنها » المشهور بين الأصحاب أنه يجب الشق حينئذ وإخراج الولد توصلا إلى بقاء الحي ، قالوا : ولا عبرة بكونه مما يعيش عادة كما ذكره المحقق وغيره تمسكا بإطلاق الروايات.

وقال بعض المتأخرين : لو علم موته حال القطع انتهى وجوبه ، وإطلاق الروايات تقتضي عدم الفرق في الجانب بين الأيمن والأيسر ، بل لا يعلم خصوص شق الجانب أيضا ، وقيده الشيخان في المقنعة والنهاية وابن بابويه بالجانب الأيسر ، وأما خياطة المحل بعد القطع فقد نص عليه المفيد في المقنعة والشيخ في المبسوط وأتباعهما كما ورد في هذه الرواية وإن خلا عنه غيرها ، وردها المحقق في المعتبر بالقطع وبأنه لا ضرورة إلى ذلك فإن المصير إلى البلاء : ولا يخفى أن القطع لا

١٢٩

قال فقال نعم ويخاط بطنها :

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن وهب بن وهب ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام إذا ماتت المرأة وفي بطنها ولد يتحرك فيتخوف عليه فشق بطنها وأخرج الولد.

وقال في المرأة يموت ولدها في بطنها فيتخوف عليها قال لا بأس أن يدخل

يضر لأن مراسيل ابن أبي عمير في حكم المسانيد وضعف التعليل ظاهر.

الحديث الثاني : ضعيف. والظاهر أنه سقط عن أبيه بعد ابن خالد كما يشهد به ما مر آنفا في الباب السابق.

قوله عليه‌السلام : « ولد يتحرك » ظاهره أن مناط الوجوب الحركة ، ويمكن أن يكون المناط العلم بالحياة ، وعبر بها عنها لأنها لا يعلم غالبا إلا بها لكن العلم بغير ذلك نادر.

قوله عليه‌السلام : « لا بأس » لا خلاف بين الأصحاب في وجوب التقطيع والإخراج مع الخوف على الأم ونقل فيه الشيخ في الخلاف الإجماع واستدل بهذه الرواية.

قال في المعتبر :( وهب هذا ) عامي لا يعمل بما يتفرد به ، والوجه أنه إن مكن التوصل إلى إسقاطه صحيحا بشيء من العلاجات. وإلا توصل إلى إخراجه بالأرفق ويتولى ذلك النساء فإن تعذر النساء فالرجال المحارم فإن تعذر جاز أن يتولاه غيرهم دفعا عن نفس الحي.

أقول : ضعفه منجبر بعمل الأصحاب على ما هو دأبهم وما ذكره من التفصيل لا يأبى عنه الخبر واعلم أن ظاهرقوله عليه‌السلام لا بأس : الجواز ويمكن أن يكون هذا النوع من التعبير لرفع توهم الحذر عن مباشرة الرجل ذلك على كل حال كما في قوله تعالى «فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما »(١) وقوله تعالى «فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا »(٢) ويحتمل أن يكون المراد عدم البأس مع عدم رفق النساء وإن

__________________

(١) سورة البقرة ، ١٥٨.

(٢) سورة النساء : ١٠١.

١٣٠

الرجل يده فيقطعه ويخرجه إذا لم ترفق به النساء.

(باب)

(غسل الأطفال والصبيان والصلاة عليهم )

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن موسى ، عن زرارة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال السقط إذا تم له أربعة أشهر غسل.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد بن عثمان ، عن الحلبي وزرارة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه سئل عن الصلاة على الصبي متى يصلى

أمكنهن الإخراج بغير رفق فلا ينافي الوجوب مع عدمهن أو عدم قدرتهن أصلا والله يعلم.

باب غسل الأطفال والصبيان والصلاة عليهم

الحديث الأول : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « السقط » إلخ ظاهر الأصحاب الاتفاق على وجوب تغسيل السقط إذا تمت له أربعة أشهر كما يدل عليه هذا الخبر.

قال في المعتبر لا يغسل السقط إلا إذا استكمل شهورا أربعة وهو مذهب علمائنا ، ثم استدل عليه بهذا الخبر وخبر سماعة الاتي وقال : لا مطعن على الروايتين بانقطاع سند الأولى وضعف سماعة عن سند الثانية لأنه لا معارض لهما مع قبول الأصحاب لهما ، وأما الصلاة عليه فلا وهو اتفاق علمائنا ، ثم قال : ولو كان السقط أقل من أربعة أشهر لم يغسل ولم يكفن ولم يصل عليه بل يلف في خرقة ويدفن ، ذكر ذلك الشيخان وهو مذهب العلماء.

الحديث الثاني : حسن.

قوله عليه‌السلام : « إذا عقل الصلاة » اعلم أن الأصحاب اختلفوا في حكم الصلاة على الطفل فذهب الأكثر ومنهم الشيخ والمرتضى وابن إدريس إلى أنه يشترط في

١٣١

عليه قال إذا عقل الصلاة قلت متى تجب الصلاة عليه فقال إذا كان ابن ست سنين والصيام إذا أطاقه.

٣ ـ علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن زرارة قال رأيت ابنا لأبي عبد اللهعليه‌السلام في حياة أبي جعفرعليه‌السلام يقال له : عبد الله فطيم قد درج

وجوب الصلاة عليه بلوغ الحد الذي يمرن فيه على الصلاة وهو ست سنين.

وقال : المفيد في المقنعة لا يصل على الصبي حتى يعقل الصلاة وقال ابن الجنيد : يجب على المستهل. وقال ابن أبي عقيل : لا تجب الصلاة على الصبي حتى تبلغ.

أقول : في هذا الخبر إجمال واقتصر المفيد (ره) على القول به بذكر لفظه ولم يبين المراد ويحتمل أن يكون الراوي علم أن عقل الصلاة حد التمرين ومراده بالوجوب هنا مطلق الثبوت ، أو وجوب التمرين على الولي فالمعنى أنه متى يعقل الصلاة بحيث يؤمر بها تمرينا.

فقال : إذا كان ابن ست سنين ، ويؤيده ما رواه محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهماعليهما‌السلام في الصبي متى يصلي فقال : إذا عقل الصلاة قلت : متى يعقل الصلاة ويجب عليه قال : لست سنين ولو لم يكن مراد السائل ذلك يظهر من أخبار أخر أن هذا هو حد عقل الصلاة كما هو الغالب في الأطفال أيضا وسيأتي حكم تمرين الصلاة والصيام في أبوابها إن شاء الله.

الحديث الثالث : حسن.

قوله عليه‌السلام : « قد درج » أي كان ابتداء مشيه قال : في القاموس درج دروجا ودرجانا مشى.

قوله عليه‌السلام : « ذاك شر لك » أي كونك مولى لي شرف لك وفخر فإنكار ذلك شر لك والملعون كأنه غضب من ذلك.

قوله عليه‌السلام : « في جنازة الغلام » وفي التهذيب في جنان الغلام وما هنا هو

١٣٢

فقلت له يا غلام من ذا الذي إلى جنبك لمولى لهم فقال هذا مولاي فقال له المولى يمازحه لست لك بمولى فقال ذلك شر لك فطعن في جنازة الغلام

الظاهر ، وهو كناية عن الموت.

قال في النهاية : في حديث عليعليه‌السلام والله لود معاوية أنه ما بقي من بني هاشم إلا طعن في نيطه ، يقال : طعن في نيطه أي في جنازته ومن ابتدأ في شيء أو دخله فقد طعن فيه ويروي طعن على ما لم يسم فاعله ، « والنيط نياط القلب » وهو علاقته ، وقال : في خبر ، تقول العرب إذا أخبرت عن موت إنسان رمى في جنازته لأن الجنازة تصير مرميا فيها ، والمراد بالرمي الحمل والوضع انتهى ، ويحتمل أن يكون الطعن بمعناه المعروف والجنازة كناية عن الشخص وبعض المعاصرين قرأ احتار بالحاء المهملة والتاء المثناة من فوق والراء المهملة.

قال في القاموس : الحتار من كل شيء كفافه وما استدار به وحلقة الدبر أو ما بينه وبين القبل ، أو الخط بين الخصيتين ، وريق الجفن وشيء في أقصى فم البعير انتهى.

قال : بعض أفاضل المعاصرين أظن الجميع تحريفا من النساخ وأنه طعن في حياته الغلام أي في حياة أبي جعفرعليه‌السلام أي أصابه الطاعون في حياته وعلى تقدير جنان وحتارا أيضا يكون المعنى إصابة الطاعون في ذلك المكان ، وأما كون طعن مبنيا للفاعل وعود ضميره إلى المولى أو مبنيا للمفعول ونائب فاعله المولى ففي غاية البعد لفظا ومعنى وتركيبا فإن استعمال الطعن المتعارف بمثل الرمح ونحوه في معنى الوكز ونحوه غير معروف ، ولو سلم فالمعهود المتعارف أن يقال طعنه في جنانه وحمله على الطعن بالرمح ونحوه لا يليق والمقام والذوق لا يقبلان كون المولى ضربه ضربة في ذلك المكان فمات منها أو طعنة بالرمح كذلك انتهى ولا يخفى غرابته.

١٣٣

فمات فأخرج في سفط إلى البقيع فخرج أبو جعفرعليه‌السلام وعليه جبة خز صفراء وعمامة خز صفراء ومطرف خز أصفر فانطلق يمشي إلى البقيع وهو معتمد علي والناس يعزونه على ابن ابنه فلما انتهى إلى البقيع تقدم أبو جعفرعليه‌السلام فصلى عليه وكبر عليه أربعا ثم أمر به فدفن ثم أخذ بيدي فتنحى بي ثم قال إنه لم يكن يصلى على الأطفال إنما كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه يأمر بهم فيدفنون

قوله عليه‌السلام : « في سقط » وهو معرب معروف.

قوله عليه‌السلام : « ومطرف خز » قال في القاموس : المطرف كمكرم رداء من خز مربع ذو أعلام.

وقال الجوهري : المطرف والمطرف واحد المطارف وهي أردية من خز مربعة لها أعلام. أقول : يدل الخبر على استحباب التزين ولبس الثياب الصفر.

قوله عليه‌السلام : « فكبر عليه أربعا » محمول على التقية كما مر.

قوله عليه‌السلام : « إنه لم يكن يصلي » على البناء للمجهول أي في زمن النبي وأمير المؤمنين ( صلى الله عليهما ).

قوله عليه‌السلام : « فيدفنون من وراء » في التهذيب والاستبصار من وراء وراء مكررا.

قال في النهاية في حديث الشفاعة : يقول : إبراهيم إني كنت خليلا من وراء وراء هكذا يقال مبينا على الفتح أي من خلف حجاب ، ومنه حديث معقل أنه حدث ابن زياد بحديث فقال : شيء سمعته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أو من وراء وراء ، أي ممن جاء خلفه وبعده ، ويقال : لولد الولد وراء انتهى.

أقول : الظاهر أنه على التقديرين ، كناية إما عن عدم الإحضار في محضر الجماعة للصلاة ، أو عدم إحضار الناس في إعلامهم للصلاة ، ويحتمل بعيدا أن يكون من وراء وراء بيانا للضمير في يدفنون أي كان يأمر في أولاد أولاده بذلك ، أو

١٣٤

من وراء ولا يصلي عليهم وإنما صليت عليه من أجل أهل المدينة كراهية أن يقولوا لا يصلون على أطفالهم.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن خالد والحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى بن عمران ، عن ابن مسكان ، عن زرارة قال مات ابن لأبي جعفرعليه‌السلام فأخبر بموته فأمر به فغسل وكفن ومشى معه وصلى عليه وطرحت خمرة فقام عليها ثم قام على قبره حتى فرغ منه ثم انصرف وانصرفت

يكون المراد أنه كان يفعل ذلك بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعد الأزمنة المتصلة بعصرهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيكون الغرض بيان استمرار هذا الحكم من زمان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الأعصار بعده ليظهر كون فعلهم على خلافه بدعة ، غاية الظهور كل ذلك خطر بالبال والأول عندي أظهر والله يعلم.

قوله عليه‌السلام : « كراهية أن يقولوا ».

أقول : المشهور بين الأصحاب استحباب الصلاة على من لم يبلغ ست سنين إذا ولد حيا والظاهر من هذا الخبر وكثير من الأخبار وسيأتي بعضها وعدم استحبابها قبل الست ، ويظهر منها إن ما ورد من الأمر بالصلاة قبل ذلك محمول على التقية.

فإن قيل : ظاهر هذا الخبر عدم شرعية الصلاة على غير البالغ مطلقا ولم يقل به أحد.

قلت مقتضى الجمع بين الأخبار الحمل على ما قبل الست بأن يكون اللام للعهد ، أي مثل هذه الأطفال مع أنه يمكن أن يقال إطلاق الطفل على غير البالغ مطلقا غير معلوم في اللغة والعرف القديم كما لا يخفى على من راجع كلام اللغويين واستعمالات القدماء. وبالجملة الأحوط بالنظر إلى الأخبار ترك الصلاة عليهم قبل ذلك والله يعلم.

الحديث الرابع : صحيح.

قوله عليه‌السلام : « خمرة » قال في القاموس : الخمرة حصيرة صغيرة من

١٣٥

معه حتى إني لأمشي معه فقال أما إنه لم يكن يصلى على مثل هذا وكان ابن ثلاث سنين كان عليعليه‌السلام يأمر به فيدفن ولا يصلى عليه ولكن الناس صنعوا شيئا فنحن نصنع مثله قال قلت فمتى تجب الصلاة عليه فقال إذا عقل الصلاة وكان ابن ست سنين قال قلت فما تقول في الولدان فقال سئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عنهم فقال الله أعلم بما كانوا عاملين.

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن إسماعيل ، عن عثمان بن عيسى ، عن زرعة ، عن سماعة ، عن أبي الحسن الأولعليه‌السلام قال سألته عن السقط إذا

السعف.

أقول : لعلهم طرحوا ليجلس عليها فلم يجلس ، وظاهر هذا الخبر استحباب القيام حتى يدفن ، ولعله محمول على التقية كما أن الصلاة أيضا كانت لها.

قوله عليه‌السلام : « متى تجب عليه الصلاة » يحتمل صلاة الجنازة وصلاة التمرينقوله عليه‌السلام : « الله علم بما كانوا عاملين » أقول سيأتي شرح هذا الكلام وتفصيل القول فيه في باب الأطفال إن شاء الله تعالى.

الحديث الخامس : موثق. إن اعتبرنا توثيق نصر بن الصباح لعلي بن إسماعيل كما حكم الشهيد الثاني بصحة خبره ، وحسن موثق إن لم نعتبره.

قوله عليه‌السلام : « إذا استوى خلقه » استدل بهذا الخبر على ما عليه الفتوى كما ذكرنا ، ولا يخفى أن الحكم فيه وقع معلقا على استواء الخلقة لا على بلوغ الأربعة إلا أن يدعى التلازم بين الأمرين وإثباته مشكل.

ثم اعلم أن ظاهر بعض الأصحاب أنه يلف في خرقة ويدفن بعد الغسل.

وأوجب الشهيد (ره) ومن تأخر عنه تكفينه بالقطع الثلاث ، وتحنيطه أيضا ، والظاهر من الخبر وجوب التكفين على ما هو المعهود لأنه المتبادر من الكفن عند الإطلاق والأحوط التحنيط أيضا لعموم الأخبار.

١٣٦

استوى خلقه يجب عليه الغسل واللحد والكفن فقال كل ذلك يجب عليه.

٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن علي بن مهران ، عن محمد بن الفضيل قال كتبت إلى أبي جعفرعليه‌السلام أسأله عن السقط كيف يصنع به فكتب

قوله عليه‌السلام : « واللحد » قال الجوهري : اللحد بالتسكين الشق في جانب القبر ، واللحد بالضم لغة : فيه تقول ألحدت القبر لحدا وألحدت أيضا فهو ملحد ، أقول : يمكن أن يكون هنا اسما مصدرا وظاهره وجوب اللحد للميت ، والمشهور بينهم استحبابه بل لا خلاف بينهم في ذلك.

قال في التذكرة : ويستحب أن يجعل له لحد ومعناه أنه إذا بلغ الحافر أرض القبر حفر في حائطه مما يلي القبلة مكانا يوضع فيه الميت ، وهو أفضل من الشق ومعناه أن يحفر في قعر القبر شقا شبه النهر يضع الميت فيه ويسقف عليه بشيء ذهب إليه علماؤنا وبه قال : الشافعي وأكثر أهل العلم.

وقال أبو حنيفة : الشق أفضل لكل حال ، ثم قال : يستحب أن يكون اللحد واسعا بقدر ما يتمكن فيه الجالس من الجلوس انتهى.

أقول : يمكن حمل الخبر على الاستحباب المؤكد مع أن الوجوب في عرف الأخبار أعم من المعنى المصطلح والأولى عدم الترك.

الحديث السادس : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « يدفن بدمه » الظاهر أن المراد أنه لا يغسل بل يدفن ملطخا بالدم ، وقيل المراد أنه يدفن معه ما فضل من الدم عن المرأة عند الولادة ولا يخفى بعده.

وحمل القوم هذا الخبر على ما إذا لم يتم له أربعة أشهر كما مر وقالوا يلف في خرقة ويدفن ، واستدلوا على حكم هذا النوع من السقط بهذا الخبر مع أنه خال عن ذكر اللف وبعضهم عبروا عن هذا النوع بمن لم يلجه الروح.

وقال : الشهيد الثاني (ره) المراد به من نقص سنه عن أربعة أشهر وقد صرح

١٣٧

عليه‌السلام إلي أن السقط يدفن بدمه في موضعه.

٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عمرو بن سعيد ، عن علي بن عبد الله قال سمعت أبا الحسن موسىعليه‌السلام يقول إنه لما قبض إبراهيم بن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جرت فيه ثلاث سنن أما واحدة فإنه لما مات انكسفت الشمس فقال الناس انكسفت الشمس لفقد ابن رسول الله فصعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا أيها الناس إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يجريان بأمره مطيعان له لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإن انكسفتا أو واحدة منهما فصلوا ثم

في المعتبر أن مدار وجوب الغسل وعدمه على بلوغ أربعة أشهر وعدمه كما نقلنا عنه سابقا وهو الأظهر كما عرفت من الأخبار.

قوله عليه‌السلام : « في موضعه » لعل المراد أنه لا يلزم نقله إلى المقابر لأن ذلك حكم من ولجته الروح ومات ، بل يدفن في الدار التي وقع فيها السقط لا خصوص موضع السقط والله يعلم.

الحديث السابع : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « آيتان من آيات الله » أي علامتان من علاماته تدلان على وجوب القادر الحكيم وقدرته وعلمه.

قوله عليه‌السلام : « مطيعان » وفي بعض النسخ مطيعان له وهو المراد.

قوله عليه‌السلام : « لا ينكسفان لموت أحد » أي بمحض الموت ، بل إذا كان ذلك بسبب فعل الأمة واستحقوا العذاب والتخويف يمكن أن ينكسفا لذلك ، فلا ينافي ما روي في الأخبار من انكسافهما لشهادة الحسين ( صلوات الله عليه ) ولعنة الله على قاتله فإنها كانت بفعل الأمة الملعونة ، واستحقوا بذلك التخويف والعذاب بخلاف فوت إبراهيمعليه‌السلام فإنه لم يكن بفعل الأمة.

قوله عليه‌السلام : « يا علي قم فجهز ابني » لعل تقديم صلاة الكسوف هنا لتضييق

١٣٨

نزل عن المنبر فصلى بالناس صلاة الكسوف فلما سلم قال يا علي قم فجهز ابني فقام عليعليه‌السلام فغسل إبراهيم وحنطه وكفنه ثم خرج به ومضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى انتهى به إلى قبره فقال الناس إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نسي أن يصلي على إبراهيم لما دخله من الجزع عليه فانتصب قائما ثم قال يا أيها الناس أتاني جبرئيلعليه‌السلام بما قلتم زعمتم أني نسيت أن أصلي على ابني لما دخلني من الجزع ألا وإنه ليس كما ظننتم ولكن اللطيف الخبير فرض عليكم خمس صلوات وجعل لموتاكم من كل صلاة تكبيرة وأمرني أن لا أصلي إلا على من صلى ثم قال يا علي انزل فألحد ابني فنزل فألحد إبراهيم في لحده فقال الناس إنه لا ينبغي لأحد أن ينزل في قبر

وقته ، وتوسعة وقت التجهيز على ما هو المشهور بين الأصحاب في مثله.

قال في القاموس : جهاز الميت والعروس والمسافر : « بالكسر والفتح » وما يحتاجون إليه وقد جهزه تجهيزا.

قوله عليه‌السلام : « زعمتم » أي قلتم ويطلق غالبا على القول الباطل أو الذي يشك فيه.

قال في القاموس : الزعم مثلثة ، القول الحق والباطل والكذب وأكثر ما يقال فيما يشك فيه انتهى.

قوله عليه‌السلام : « من كل صلاة » يدل على وجوب التكبيرات الخمس مع التعليل كما مر.

قوله عليه‌السلام : « إلا على من صلى » أي لزم تمرينه بالصلاة كما سيأتي تفسيره ويدل على عدم مشروعية الصلاة على من يبلغ الست بتوسط الأخبار الأخرى.

قوله عليه‌السلام : « فألحد ابني » بفتح الحاء أو بكسره من باب الأفعال في القاموس لحد القبر كمنع ، والحدة عمل له لحدا : والميت دفنه.

أقول : يدل على شرعية اللحد وعمومه للأطفال أيضا ، ويدل على عدم كراهة

١٣٩

ولده إذ لم يفعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يا أيها الناس إنه ليس عليكم بحرام أن تنزلوا في قبور أولادكم ولكني لست آمن إذا حل أحدكم الكفن عن ولده أن يلعب به الشيطان فيدخله عند ذلك من الجزع ما يحبط أجره ثم انصرفصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٨ ـ علي ، عن علي بن شيرة ، عن محمد بن سليمان ، عن حسين الحرشوش ، عن هشام بن سالم قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام إن الناس يكلمونا ويردون علينا قولنا إنه لا يصلى على الطفل لأنه لم يصل فيقولون لا يصلى إلا على من صلى فنقول نعم فيقولون أرأيتم لو أن رجلا نصرانيا أو يهوديا أسلم ثم مات من ساعته فما الجواب فيه فقال قولوا لهم أرأيت لو أن هذا الذي أسلم الساعة ثم افترى على إنسان ما كان يجب عليه في فريته فإنهم سيقولون يجب عليه الحد فإذا قالوا هذا قيل لهم فلو أن هذا الصبي الذي لم يصل افترى على إنسان هل

نزول مطلق ذي الرحم كما ذكره الأكثر ، وقد مر الكلام فيه ولم أر من الأصحاب من تعرض لهذا الخبر ، ويدل على كراهة نزول الوالد في قبر الولد وعدم حرمته ويدل على مطلوبية حل عقد الكفن وعلى أن الجزع الشديد يحبط الأجر وعلى الإحباط في الجملة.

الحديث الثامن : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « على من وجبت عليه الصلاة » أي لزم تمرينه ويلزم عليه بسبب التمرين ، وحاصل الجواب أن مناط وجوب الصلاة كون الميت بحيث تلزمه الصلاة ولا مدخل للفعل في ذلك ، وهذا الخبر يدل على أن ما ورد من الصلاة على الطفل الذي لم يبلغ الست محمول على التقية. وأن الصلاة عليه غير مطلوب فإنه الظاهر من قوله لا يصلي.

ويمكن أن يأول بأن المراد : عدم وجوب الصلاة عليه قبل ذلك ، بأن يكون المخالف الذي عورض في ذلك قائلا بالوجوب ، ويؤيده قوله وإنما يجب أن

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

وعن الحلبي - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن الـمُحْرم يستاك ، قال : « نعم ولا يُدْمي »(١) .

وعن معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « لا بأس أن يدخل الـمُحْرم الحمّام ولكن لا يتدلّك »(٢) .

وعن عمر بن يزيد عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « لا بأس بحكّ الرأس واللحية ما لم يلق الشعر ، وبحكّ الجسد ما لم يُدْمه »(٣) .

وسأل يعقوبُ بن شعيب - في الصحيح - الصادقَعليه‌السلام : عن الـمُحْرم يغتسل ، فقال : « نعم يفيض الماء على رأسه ولا يدلكه »(٤) .

مسألة ٢٨٠ : ينبغي للمُحْرم أن يغسل رأسه وبدنه برفق بحيث لا يسقط منه شي‌ء من شعر رأسه ولحيته إجماعاً ، وفَعَله(٥) عليعليه‌السلام ، وعمر ، وابنه ، وبه قال جابر وسعيد بن جبير والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي(٦) ، إلّا أنّه لا يجوز له الارتماس في الماء بحيث يغيبه فيه ، عند علمائنا ، وبه قال مالك(٧) - خلافاً لباقي العامّة(٨) - لما فيه من تغطية الرأس.

احتجّوا : بما رواه ابن عباس ، قال : ربما قال لي عمر ونحن مُحْرمون‌

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣١٣ / ١٠٧٨.

(٢) التهذيب ٥ : ٣١٤ / ١٠٨١ ، الاستبصار ٢ : ١٨٤ / ٦١١.

(٣) التهذيب ٥ : ٣١٣ / ١٠٧٧.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٣٠ / ١٠٩٣ ، التهذيب ٥ : ٣١٣ / ١٠٧٩.

(٥) في المغني والشرح الكبير : ورخص فيه عليّ.

(٦) المغني ٣ : ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٣ ، المحلّى ٧ : ٢٤٧ ، المجموع ٧ : ٣٥٥ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٣٩.

(٧) المنتقى - للباجي - ٢ : ١٩٤.

(٨) المغني ٣ : ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٣.

٣٦١

بالجحفة : تعال أباقيك(١) أيّنا أطول نفساً في الماء(٢) .

ولأنّه ليس بستر معتاد ، فأشبه صبّ الماء عليه(٣) .

وحديث عمر لا حجّة فيه ، مع احتمال أن يكون في ابتداء الإِحرام ؛ لأنّه في الميقات الذي يحرم منه ، فالظاهر أنّ غسله للإِحرام ، والفرق : أنّ في الارتماس تغطيةَ الرأس دون الصبّ.

إذا عرفت هذا ، فإنّه يجوز له غسل رأسه بالسدر والخطمي ونحوهما - وبه قال جابر بن عبد الله والشافعي وأصحاب الرأي(٤) - ولا فدية عليه.

وعن أحمد رواية : أنّ عليه الفدية ، وبه قال مالك وأبو حنيفة(٥) .

وقال أبو يوسف ومحمّد : عليه صدقة(٦) .

لنا : ما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال في الـمُحْرم الذي أوقصه بعيره : ( اغسلوه بماء وسدر ، وكفّنوه في ثوبيه ، ولا تحنّطوه ولا تخمّروا رأسه ، فإنّه يُحشر يوم القيامة ملبّياً )(٧) أمر بغسله بالسدر مع بقاء حكم الإِحرام عليه ، ولهذا منعه من الطيب وتخمير رأسه.

احتجّوا : بأنّه تستطاب رائحته ، ويزيل الشعث ، ويقتل الهوامّ(٨) .

____________________

(١) بقاه بقْياً : انتظره ورصده. لسان العرب ١٤ : ٨١ « بقي ».

(٢) سنن البيهقي ٥ : ٦٣.

(٣) المغني ٣ : ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٣.

(٤) المغني ٣ : ٢٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٣ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٣ ، المجموع ٧ : ٣٥٥.

(٥) المغني ٣ : ٢٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٣ ، المدونّة الكبرى ١ : ٣٨٩ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٤ ، المجموع ٧ : ٣٥٥.

(٦) بدائع الصنائع ٢ : ١٩١ ، المغني ٣ : ٢٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٤ ، المجموع ٧ : ٣٥٥.

(٧) صحيح البخاري ٢ : ٩٦ و ٣ : ٢٢ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٦٥ / ٩٤ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٣٠ / ٣٠٨٤ ، سنن النسائي ٥ : ١٩٦ ، سنن الدارمي ٢ : ٥٠ ، سنن البيهقي ٥ : ٧٠ ، مسند أحمد ١ : ٢١٥ ، المغني ٣ : ٢٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٤.

(٨) المغني ٣ : ٢٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٣.

٣٦٢

ونمنع التلذّذ بالرائحة ، وينتقض بالفاكهة ، وإزالة الشعث تحصل بالتراب والماء مع موافقته على تسويغه.

مسألة ٢٨١ : يجوز للمُحْرم دخول الحمّام إجماعاً ، ولا يدلك جسده فيه بقوّة لئلّا يدميه أو يزيل شعره ؛ للأصل.

ولما رواه العامّة عن ابن عباس : أنّه دخل حمّام الجحفة ، وقال : ما يعبأ الله بأوساخكم شيئاً(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « لا بأس أن يدخل الـمُحْرم الحمّام ولكن لا يتدلّك»(٢) .

إذا ثبت هذا ، فالأفضل تركه ؛ لاشتماله على الترفّه ( وإزالة الشعث )(٣)

ولما رواه عقبة أنّه سأل الصادقعليه‌السلام عن الـمُحْرم يدخل الحمّام ، قال : « لا يدخل »(٤) وإنّما حملناه على الكراهة ، جمعاً بين الأخبار.

البحث الثالث عشر : قتل هوامّ الجسد‌

مسألة ٢٨٢ : لا يجوز للمُحْرم قتل القمل والصئبان(٥) والبراغيث وغير ذلك من هوامّ الجسد - وهو إحدى الروايتين عن أحمد(٦) - لاشتماله على الترفّه وإزالة الشعث ، فكان حراماً ، كالطيب.

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٦٣ ، وفي سنن البيهقي ٥ : ٦٣ : بأوساخنا ، وفي ترتيب مسند الشافعي ١ : ٣١٤ / ٨١٦ : بأوسخنا.

(٢) الكافي ٤ : ٣٦٦ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٢٨ / ١٠٨١ ، التهذيب ٥ : ٣١٤ / ١٠٨١ ، الاستبصار ٢ : ١٨٤ / ٦١١.

(٣) ما بين القوسين لم يرد في « ن ».

(٤) التهذيب ٥ : ٣٨٦ / ١٣٤٩ ، الإستبصار ٢ : ١٨٤ / ٦١٢.

(٥) الصؤابة : بيضة القملة ، والجمع : الصؤاب والصئبان. الصحاح ١ : ١٦٠ « صأب ».

(٦) المغني ٣ : ٢٧٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١١.

٣٦٣

ولقول الصادقعليه‌السلام : « الـمُحْرم لا ينزع القملة من جسده ولا من ثوبه متعمّداً ، وإن قتل شيئاً من ذلك خطأً فليطعم مكانها طعاماً قبضةً بيده »(١) .

ولا فرق بين أن يقتله أو يلقيه عن بدنه إلى الأرض أو يقتله بالزئبق وشبهه ؛ لأنّ تحريم قتله ليس معلّلاً بحرمته ، بل للترفّه بفقده ، فعمّ المنع إزالته كيف كان.

ولأنّ حماد بن عيسى سأل الصادقعليه‌السلام : عن الـمُحْرم يبين القملة من جسده فيلقيها ، فقال : « يطعم مكانها طعاماً »(٢) .

وفي الرواية الاُخرى عن أحمد : يُباح قتله(٣) .

إذا عرفت هذا ، فإنّه يجوز له تحويلها من مكان من جسده إلى مكان آخر منه ؛ لاشتمال دوامها في موضع واحد على أذى كثير.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « فإذا أراد أن يحوّل قملة من مكان إلى مكان فلا يضرّه »(٤) .

مسألة ٢٨٣ : لو قتل قملةً ، فَعَل حراماً ، ووجب عليه فدية كف من طعام - وبه قال عطاء(٥) - لأنّه فَعَل إزهاق نفس محرَّمة ، فكان عليه صدقة ، كالصيد.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « يُطعم مكانها طعاماً »(٦) بمجرد الإِلقاء ؛ لأنّه مظنّة القتل لها ، فأشبه رمي الصيد وجهل حاله.

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٣٦ / ١١٦٠ ، الاستبصار ٢ : ١٩٦ - ١٩٧ / ٦٦١.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٣٦ / ١١٥٨ ، الاستبصار ٢ : ١٩٦ / ٦٥٩.

(٣) المغني ٣ : ٢٧٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١١.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٣٦ - ٣٣٧ / ١١٦١ ، الفقيه ٢ : ٢٣٠ / ١٠٩١.

(٥) المغني ٣ : ٢٧٣ - ٢٧٤.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٣٦ / ١١٥٨ ، الاستبصار ٢ : ١٩٦ / ٦٥٩.

٣٦٤

وقال مالك : يفدي بحفنة من طعام. وهو مروي عن ابن عمر(١) .

وقال إسحاق : يتصدّق بتمرة فما فوقها(٢) .

وقال أحمد في إحدى الروايتين : يتصدّق بمهما كان من قليل وكثير ، وهو قول أصحاب الرأي(٣) .

وفي الرواية الاُخرى : لا شي‌ء عليه ، وبه قال سعيد بن جبير وطاوس وأبو ثور وابن المنذر(٤) .

مسألة ٢٨٤ : يجوز له أن ينحّي عن نفسه القراد والحَلَمَة ، ويلقي القراد عنه وعن بعيره ؛ لما رواه معاوية بن عمّار عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « و الـمُحْرم يلقي عنه القِرْدان(٥) كلّها إلّا القملة فإنّها من جسده ، وإن أراد أن يحوّل قملةً من مكان إلى مكان فلا يضرّه »(٦) .

وقال الشيخرحمه‌الله : يجوز للمُحْرم أن يلقي القراد عن بعيره ، وليس له أن يلقي الحَلَمَة(٧) ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « إنّ القراد ليس من البعير ، والحلمة من البعير »(٨) .

البحث الرابع عشر : قطع شجر الحرم‌

مسألة ٢٨٥ : أجمع علماء الأمصار على تحريم قطع شجر الحرم غير الإِذخر‌ وما أنبته الآدمي من البقول والزروع والرياحين.

وبالجملة فالتحريم متعلّق بما نبت بنفسه دون ما يستنبت.

____________________

(١) المغني ٣ : ٢٧٣ - ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٢.

(٢ - ٤ ) المغني ٣ : ٢٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٢.

(٥) في المصدر : « الدواب » بدل « القردان ».

(٦) الفقيه ٢ : ٢٣٠ / ١٠٩١ ، التهذيب ٥ : ٣٣٧ / ١١٦١.

(٧) التهذيب ٥ : ٣٣٨.

(٨) الفقيه ٢ : ٢٣٢ / ١١٠٧.

٣٦٥

لما رواه العامّة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من قولهعليه‌السلام : ( لا يُختلى شوكها ولا يُعضد شجرها )(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « كلّ شي‌ء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين إلّا ما أنبتّه أنت وغرسته »(٢) .

واعلم أنّ النابت إمّا شجر أو غيره.

أمّا الشجر : فيحرم قطع كلّ شجر رطب حرمي وقلعه ، فخرج بالرطب : الشجر اليابس ، فإنّه لا شي‌ء في قطعه ، كما لو قطع صيداً ميّتاً.

وخرج بالحرمي أشجار الحِلّ ، فلا يجوز أن يقلع شجرة من أشجار الحرم وينقلها إلى الحِلّ محافظة على حرمتها ، فإن فَعَل ، فعليه الردّ.

أمّا لو نقل من بقعة من الحرم إلى بقعة اُخرى منه ، فإنّه لا يؤمر بالردّ ، ويضمن لو تلفت بالنقل.

ولا فرق في التحريم بين أن ينقله إلى الحِلّ أو الحرم.

ولو نبتت في الموضع المنقول إليه ، فإن كان في الحرم ، فلا جزاء فيه ؛ لأنّه لم يُتلفها ولم يُزِلْ حرمتها.

ولو كان في الحِلّ ، فكذلك عند الشافعي ؛ لأنّه لم يتحقّق منه الإِتلاف(٣) .

ومقتضى مذهبنا : وجوب الردّ ، فإن تلفت ضمن ، وإلّا فلا ؛ لأنّه أزال حرمتها بالنقل ، فوجب الردّ.

وأمّا غير الشجر كالحشيش ، فلا يجوز قطعه ؛ للخبر(٤) ، ولو قَطَعه ضمنه.

____________________

(١) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٣٦١ - ٣٦٢ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٧٧.

(٢) الفقيه ٢ : ١٦٦ / ٧١٨ ، التهذيب ٥ : ٣٨٠ / ١٣٢٥.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٥١١ ، المجموع ٧ : ٤٤٨.

(٤) تقدّم في صدر المسألة.

٣٦٦

مسألة ٢٨٦ : يحرم قطع الشوك والعوسج وشبهه من الأشجار المؤذية‌ - وبه قال أحمد(١) - لعموم قولهعليه‌السلام : ( لا يعضد شجرها )(٢) .

وقال الشافعي : لا يحرم - وبه قال عطاء ومجاهد وعمرو بن دينار - لأنّه مُؤذٍ ، فأشبه السباع من الحيوان(٣) .

ونمنع المساواة ، والفرق : إمكان الاحتراز غالباً عن الشوك ، وقلّة ضرره ، بخلاف السباع ، ولأنّها تقصد الأذى.

وليس له أخذ ورق الشجر - وبه قال أحمد(٤) - لقولهعليه‌السلام : ( لا يُخبط(٥) شوكها ولا يُعضد شجرها )(٦) .

ولأنّ ما حرم أخذه حرم كلّ شي‌ء منه ، كريش الطائر.

وقال الشافعي : له أخذه ؛ لأنّه لا يضرّ به(٧) . وكان عطاء يرخّص في أخذ ورق السنا(٨) للإِسهال ، ولا ينزع من أصله(٩) ، ورخص فيه عمرو بن دينار(١٠) .

ونمنع عدم تضرّر الشجرة به ، فإنّه يضعفها ، وربما أدّى إلى تلفها.

وكذا يحرم أغصان الشجرة ؛ لأنّ منفعتها به أقوى من منفعة الورق.

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٨.

(٢) صحيح البخاري ٣ : ١٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٨٩ / ٤٤٨ ، سنن أبي داود ٢ : ٢١٢ / ٢٠١٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢١١ ، سنن البيهقي ٥ : ١٩٥.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٥١١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٦ ، المجموع ٧ : ٤٤٨ ، المغني ٣ : ٣٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٨.

(٤) المغني ٣ : ٣٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٨.

(٥) الخبط : خبط ورق العضاة من الطلح ونحوه ، يخبط ، يُضرب بالعصا فيتناثر. لسان العرب ٧ : ٢٨١ « خبط ».

(٦) صحيح مسلم ٢ : ٩٨٩ / ٤٤٨.

(٧) فتح العزيز ٧ : ٥١١ ، المجموع ٧ : ٤٤٩ ، المغني ٣ : ٣٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٨.

(٨) السنا : نبت يتداوى به. لسان العرب ١٤ : ٤٠٥ « سنا ».

(٩ و ١٠) المغني ٣ : ٣٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٨.

٣٦٧

مسألة ٢٨٧ : تجب في قطع الشجر الفدية‌ عند أكثر علمائنا(١) - وبه قال ابن عباس وعطاء وأبو حنيفة وأحمد والشافعي في أصحّ قوليه(٢) - لما رواه العامّة عن ابن عباس أنّه قال : في الدوحة بقرة ، وفي الجزلة شاة(٣) .

والدوحة : الشجرة الكبيرة ، والجزلة : الشجرة الصغيرة.

ومن طريق الخاصّة : قول أحدهماعليهما‌السلام : « إذا كان في دار الرجل شجرة من شجر الحرم ولم تُنزع فأراد نزعها ، نزعها وكفّر بذبح بقرة يتصدّق بلحمها على المساكين »(٤) .

ولأنّه ممنوع من إتلافه ؛ لحرمة الحرم ، فكان مضموناً عليه ، كالصيد.

وقال بعض علمائنا : لا ضمان فيه وإن حرم(٥) - وبه قال مالك وأبو ثور وداود وابن المنذر والشافعي في القديم(٦) - لأصالة البراءة.

[ و ](٧) لأنّ الإِحرام لا يوجب ضمان الشجر ، فكذلك الحرم.

مسألة ٢٨٨ : يحرم قطع حشيش الحرم إذا كان رطباً ؛ للخبر ، إلّا ما استثني من الإِذخر وما أنبته الآدميون ؛ لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( لا يُحْتش حشيشها )(٨) .

____________________

(١) منهم : الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٤٠٨ ، المسألة ٢٨١ ، والمبسوط ٢ : ٣٥٤ ، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ٢٠٤ ، والقاضي ابن البرّاج في المهذّب ١ : ٢٢٣.

(٢) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٠٤ ، المغني ٣ : ٣٦٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٩ - ٣٨٠ ، الْأُم ٢ : ١٠٨ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣١٣ ، الوجيز ١ : ١٢٩ ، فتح العزيز ٧ : ٥١١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٥ - ٢٢٦ ، المجموع ٧ : ٤٥٠ و ٤٥١.

(٣) المغني ٣ : ٣٦٧ - ٣٦٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٠.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٨١ / ١٣٣١.

(٥) قال به ابن إدريس في السرائر : ١٣٠.

(٦) المغني ٣ : ٣٦٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٠ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٤٥١ ، حلية العلماء ٣٠ : ٣٢٢ ، فتح العزيز ٧ : ٥١١.

(٧) أضفناها لأجل السياق.

(٨) المغني ٣ : ٢٦٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٩.

٣٦٨

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « إنّ علي بن الحسينعليهما‌السلام كان يتّقي الطاقة من العُشْب ينتفها من الحرم » قال : « وقد نتف طاقة وهو يطلب أن يعيدها في مكانها »(١) .

ورأى زين العابدينعليه‌السلام شخصا يقلع العشب من حول الفسطاط ، فقالعليه‌السلام : « إنّ هذا لا يقلع »(٢) .

وقال الشافعي : لا يجوز قطعه مطلقاً ؛ للخبر ، فإن قَطَعه ، فعليه قيمته إن لم يخلف ، وإن أخلف فلا ، بخلاف الشجر ؛ فإنّ الغالب فيه الإِخلاف ، فأشبه سنّ الصبي(٣) .

إذا عرفت هذا ، فلو كان يابساً ، لم يكن في قطعه شي‌ء ، كما في الشجر.

نعم لا يجوز قلعه ، فإن قَلَعه ، فعليه الضمان ؛ لأنّه لو لم يقلع لنبت ثانياً ، ذكره بعض الشافعية(٤) ، ولا بأس به.

مسألة ٢٨٩ : يجوز للمُحْرم أن يترك إبله لترعى في حشيش الحرم ، وتسريح البهائم فيه لترعى وإن حرم عليه قلعه عند علمائنا - وبه قال عطاء والشافعي(٥) - لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( إلّا علف الدوابّ )(٦) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « يُخلّى البعير في‌

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٧٩ / ١٣٢٣.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٧٩ / ١٣٢٢.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٥١٢.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٤١٢ ، المجموع ٧ : ٤٥٢.

(٥) المغني ٣ : ٣٦٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣١٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٢ ، فتح العزيز ٧ : ٥١٢ ، المجموع ٧ : ٤٥٢ - ٤٥٣.

(٦) أورده الماوردي في الحاوي الكبير ٤ : ٣١٢ ، والشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٤٠٩ ، المسألة ٢٨٢.

٣٦٩

الحرم يأكل ما شاء »(١) .

ولأنّ الهدايا في زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كانت تدخل الحرم وتكثر فيه ، ولم ينقل أنّه [ كانت ](٢) تُشدّ(٣) أفواهها.

ولأنّ الحاجة ماسّة إلى ذلك ، فكان سائغاً ، كالإِذخر.

وقال أحمد وأبو حنيفة : لا يجوز ؛ لأنّ ما حرم إتلافه لا يجوز أن يرسل عليه ما يتلفه ، كالصيد(٤) .

والفرق : الحاجة ، ولأنّ الصيد منهي عن قتله مباشرةً وتولّداً ، بخلاف الحشيش.

ولو اختلى الحشيش ليعلفه البهائم ، فللشافعية وجهان :

أحدهما : الجواز ، كما لو سرحها فيه.

والثاني : المنع ؛ لقولهعليه‌السلام : ( لا يختلى خلاها )(٥) (٦) .

مسألة ٢٩٠ : شجر الفواكه والنخل يجوز قلعه ، سواء أنبته الله تعالى أو الآدميون ، وسواء كانت مُثمرةً ، كالنخل والكرم ، أو غير مثمرة ، كالصنوبر والخلاف - وبه قال أبو حنيفة(٧) - لأنّ تحريم الحرم مختص بما كان وحشياً من‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٢٣١ / ٥ ، الفقيه ٢ : ١٦٦ / ٧١٩ ، التهذيب ٥ : ٣٨١ / ١٣٢٩.

(٢) أضفناها لأجل السياق.

(٣) في النسخ الخطية والحجرية : شدّ. وما أثبتناه هو الصحيح.

(٤) المغني ٣ : ٣٦٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٩ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٠٤ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٧٥ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٢ - ٣٢٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣١٢ ، فتح العزيز ٧ : ٥١٢.

(٥) صحيح البخاري ٣ : ١٩ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٨٧ / ١٣٥٣ ، سنن النسائي ٥ : ٢١١ ، سنن البيهقي ٥ : ١٩٥.

(٦) فتح العزيز ٧ : ٥١٢ ، المجموع ٧ : ٤٥٣‌

(٧) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٠٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١٠ - ٢١١ ، المغني ٣ : ٣٦٢ - ٣٦٣.

٣٧٠

الصيد ، فكذا من الشجر.

وقول الصادقعليه‌السلام : « لا ينزع من شجر مكة إلّا النخل وشجر الفواكه »(١) .

وكذا يجوز قلع ما أنبته الإِنسان من شجر الفواكه كلّها ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « كلّ شي‌ء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين إلّا ما أنبتّه أنت وغرسته »(٢) .

وبه قال أبو حنيفة ؛ تشبيهاً للمستنبتات بالحيوان الإِنسي وبالزرع(٣) .

قال الشيخرحمه‌الله : وما أنبته الله تعالى في الحِلّ إذا قلعه المـُحلّ ونَقَله إلى الحرم ثم قَطَعه ، فلا ضمان عليه ، وما أنبته الله إذا نبت في ملك الإِنسان ، جاز له قلعه ، وإنّما لا يجوز له قلع ما نبت في المباح(٤) .

وقال الشافعي : كلّ ما ينبت في الحرم فهو حرام سواء أنبته الله تعالى أو الآدميّون(٥) ؛ لعموم قولهعليه‌السلام : ( لا يُعضد شجرها )(٦) .

ولأنّها شجرة تنبت في الحرم ، فأشبه ما لم ينبته الآدميون.

والحديث قد استثني فيه في بعض الروايات ( إلّا ما أنبته الآدمي ).

ولأنّ أدلّتنا أخصّ.

وللفرق بين الأهلي من الشجر ، كالنخل والجواز واللوز ، والوحشي ،

____________________

(١) الفقيه ٢ : ١٦٦ / ٧٢٠ ، التهذيب ٥ : ٣٧٩ - ٣٨٠ / ١٣٢٤.

(٢) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في ص ٣٦٥ ، الهامش (٢)

(٣) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٠٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١١ ، فتح العزيز ٧ : ٥١٢.

(٤) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٥٤.

(٥) فتح العزيز ٧ : ٥١١ و ٥١٢ ، المجموع ٧ : ٤٤٧ و ٤٥٠.

(٦) صحيح البخاري ٣ : ١٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٨٩ / ٤٤٨ ، سنن أبي داود ٢ : ٢١٢ / ٢٠١٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢١١ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٣٨ / ٣١٠٩ ، سنن البيهقي ٥ : ١٩٥.

٣٧١

كالدَّوْح(١) والسَّلَم(٢) ، كالصيد.

إذا عرفت هذا ، فسواء كان الشجر الذي أنبته الآدمي ممّا جنسه أن يُنبته الآدميّون أو لم يكن جنسه من ذلك يجوز قلعه مطلقاً - خلافاً للشافعي(٣) - لعموم قول الصادقعليه‌السلام : « إلّا ما أنبتّه أنت وغرسته »(٤) .

ولا بأس بقطع شجر الإِذخر إجماعاً.

وكذا لا بأس بعودي المحالة للحاجة إلى ذلك.

ولقول الباقرعليه‌السلام : « رخص رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في قطع عودي المـَحالَة - وهي البكرة التي يُستقى بها(٥) - من شجر الحرم والإِذخر »(٦) .

وكذلك لا بأس بأن يقلع الإِنسان شجرة تنبت في منزله بعد بنائه له ، ولو نبتت قبل بنائه ، لم يجز له قلعها ؛ لقول الصادقعليه‌السلام في الشجرة يقلعها الرجل من منزله في الحرم ، فقال : « إن بنى المنزل والشجرة فيه فليس له أن يقلعها ، وإن كانت نبتت في منزله فله قلعها(٧) »(٨) .

ويجوز أن يقلع اليابس من الشجر والحشيش ، لأنّه ميّت فلم تبق له حرمة ، وكذا قطع ما انكسر ولم يبن ؛ لأنّه قد تلف ، فهو بمنزلة الميّت والظفر المنكسر.

____________________

(١) الدوح جمع الدوحة ، وهي : الشجرة العظيمة من أيّ الشجر كان. الصحاح ١ : ٣٦١ « دوح ».

(٢) السَّلَم : شجر من العظاة ، واحدتها سَلَمة. الصحاح ٥ : ١٩٥٠ « سلم ».

(٣) فتح العزيز ٧ : ٥١٢ ، المجموع ٧ : ٤٥٠.

(٤) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في ص ٣٦٥ ، الهامش (٢)

(٥) النهاية - لابن الأثير - ٤ : ٣٠٤ « محل ».

(٦) التهذيب ٥ : ٣٨١ / ١٣٣٠.

(٧) في المصدر : « وهو له فليقلعها » بدل « فله قلعها ».

(٨) الكافي ٤ : ٢٣١ / ٦ ، التهذيب ٥ : ٣٨٠ / ١٣٢٧.

٣٧٢

ويجوز أخذ الكَمْأَة(١) والفقْع(٢) من الحرم ، لأنّه لا أصل له ، فهو كالثمرة الموضوعة على الأرض.

ولو انكسر غصن شجرة أو سقط ورقها ، فإن كان بغير فعل الآدمي ، جاز الانتفاع به إجماعاً؛ لتناول النهي القطع وهذا لم يقطع ، وإن كان بفعل آدمي ، فالأقرب جوازه(٣) ؛ لأنّه بعد القطع يكون كاليابس ، وتحريم الفعل لا ينافي جواز استعماله.

ومنعه بعض العامّة ؛ قياساً على الصيد يذبحه المـُحْرم(٤) .

وقال آخرون : يباح لغير القاطع ، والفرق : أنّ الصيد يُعتبر في ذبحه الأهليةُ ، وهي منفية عن المـُحْرم ، بخلاف قطع الشجرة ؛ فإنّ الدابّة لو قطعته جاز الانتفاع به(٥) .

مسألة ٢٩١ : الشجرة إذا كان أصلها في الحرم وفرعها في الحِلّ ، حرم قطعها وقطع غصنها ؛ لأنّها في الحرم.

ولما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن شجرة أصلها في الحرم وفرعها في الحِلّ ، فقال : « حرم فرعها لمكان أصلها » قال : قلت : فإنّ أصلها في الحلّ وفرعها في الحرم ، قال : « حرام أصلها لمكان فرعها »(٦) والغصن تابع.

وإن كان بالعكس ، فكذلك.

وسوّغ بعض العامّة قطع الغصن في الأخير ؛ لأنّه تابع لأصله ، كالتي‌

____________________

(١) الكَمْأَة واحدها : كَمْءٌ ، وهو نبات ينقّض الأرض فيخرج. لسان العرب ١ : ١٤٨ « كمأ ».

(٢) الفقْع - بالفتح والكسر - : الأبيض الرخو من الكَمْأَة ، وهو أردأها. لسان العرب ٨ : ٢٥٥ « فقع ».

(٣) في « ف » : الجواز.

(٤ و ٥) المغني ٣ : ٣٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٨.

(٦) الكافي ٤ : ٢٣١ / ٤ ، الفقيه ٢ : ١٦٥ / ٧١٧ ، التهذيب ٥ : ٣٧٩ / ١٣٢١.

٣٧٣

قبلها(١) .

وليس بجيّد ؛ لأنّه في الحرم.

وإذا كان الأصل في الحِلّ والغصن في الحرم فقَطَع واحدٌ الغصنَ ، ضمنه.

ولو قطع آخرٌ الأصلَ بعد قطع الغصن ، فالأقرب عدم التحريم ؛ لأنّ المقتضي له هو استتباع قطع الغصن لقطعه وقد زال بقطع الغصن.

ولو كان بعض الأصل في الحِلّ وبعضه في الحرم ، ضمن الغصن ، سواء كان في الحِلّ أو الحرم ، تغليباً لحرمة الحرم ، كما لو وقف صيد بعض قوائمه في الحِلّ وبعضها في الحرم.

مسألة ٢٩٢ : لو قلع شجرةً من الحرم فغرسها في مكان آخر منه فماتت ، ضمنها ؛ لإِتلافه.

ولو غرسها في مكان آخر من الحرم فنبتت ، لم يكن عليه ضمان ؛ لعدم الإِتلاف ولم تزل حرمتها.

ولو غرسها في الحِلّ فنبتت ، وجب عليه ردّها ؛ لأنّه أزال حرمتها ، فإن تعذّر ردّها ، أو ردّها ويبست ، ضمنها.

ولو غرسها في الحِلّ فقلعها غيره منه ، قال بعض العامّة : يضمن الثاني ؛ لأنّه المتلف لها ، بخلاف الصيد إذا نفّره إنسان من الحرم فقتله الآخر في الحلّ ، فإنّ الضمان على المنفّر ؛ لأنّ الشجر لا ينتقل بنفسه ، ولا تزول حرمته بإخراجه ، ولهذا يجب على قالعه ردّه ، وأمّا الصيد فإنّه يكون تارة في الحِلّ واُخرى في الحرم ، فمن نفّره فقد أذهب حرمته ، فوجب عليه جزاؤه ، والشجر لا تفوت حرمته بالإِخراج ، فكان الضمان على المـُتْلف ؛ لأنّه أتلف‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٦٩ - ٣٧٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٢.

٣٧٤

شجراً من الحرم(١) .

مسألة ٢٩٣ : يضمن المـُحْرم الشجرة الكبيرة ببقرة ، والصغيرة بشاة ، والحشيش بقيمته ، والغصن بأرشه - وبه قال الشافعي وأحمد(٢) - لما رواه العامّة عن ابن عباس أنّه قال : في الدوحة بقرة ، وفي الجزلة شاة(٣) .

والدوحة : الشجرة الكبيرة ، والجزلة : الشجرة الصغيرة.

ومن طريق الخاصّة : قول أحدهماعليهما‌السلام : « إذا كان في دار الرجل شجرة من شجر الحرم ولم تنزع ، فإن أراد نزعها نزعها ، وكفّر بذبح بقرة ، وتصدّق بلحمها على المساكين »(٤) .

وقال أصحاب الرأي : يضمن الجميع بالقمية ؛ لأنّه لا مقدّر فيه ، فأشبه الحشيش(٥) .

وليس بجيّد ؛ لأنّه أحد نوعي ما يحرم إتلافه ، فكان فيه مقدّر ، كالصيد.

ولو قطع غصناً أو قلع حشيشاً فعاد عوضه ، فالوجه : بقاء الضمان ؛ لأنّ الثاني غير الأول.

إذا عرفت هذا ، فالمرجع في الصغر والكبر إلى العرف.

وقال بعض الشافعية : ضبط الشجرة المضمونة بالشاة أن تقع قريبةً من‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٦٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨١.

(٢) الْأُم ٢ : ٢٠٨ ، مختصر المزني : ٧١ ، الوجيز ١ : ١٢٩ ، فتح العزيز ٧ : ٥١١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٥ - ٢٢٦ ، المجموع ٧ : ٤٥١ و ٤٩٦ ، المغني ٣ : ٣٦٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٩ و ٣٨٠.

(٣) المغني ٣ : ٣٦٧ - ٣٦٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٠.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٨١ / ١٣٣١.

(٥) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٠٣ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٧٥ ، المحلّى ٧ : ٢٦١ ، المغني ٣ : ٣٦٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٠ ، المجموع ٧ : ٤٩٦.

٣٧٥

سُبْع الكبيرة ، فإنّ الشاة من البقرة سُبْعُها(١) .

والمتوسّطة صغيرة ؛ لأصالة البراءة ، ولأنّ اسم الصغيرة يتناول ما ليست بكبيرة.

مسألة ٢٩٤ : حدّ الحرم - الذي لا يحلّ الصيد فيه ولا قطع شجره‌ - بريد في بريد ؛ لما رواه زرارة - في الصحيح - عن الباقرعليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : « حرّم الله حرمه بريداً في بريد أن يختلى خلاه ويُعضد شجره إلّا الإِذخر أو يصاد طيره ، وحرّم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المدينة ما بين لابتيها صيدها ، وحرّم ما حولها بريداً في بريد أن يختلى خلاها ويعضد شجرها إلّا عودي الناضح(٢) »(٣) .

مسألة ٢٩٥ : قال الشيخرحمه‌الله : واعلم أنّ للمدينة حرماً مثل حرم مكّة‌ ، وحدّه ما بين لابتيها ، وهو من ظلّ عائر إلى ظلّ وُعير لا يُعْضد شجرها ، ولا بأس أن يؤكل صيدها إلّا ما صيد بين الحرّتين(٤) .

واللابة : الحرّة ، والحرّة : الحجارة السوداء.

وفي هذا الكلام اضطراب ، وينبغي أن يقال : وحدّه من ظلّ عائر إلى ظلّ وعير ، لا يُعْضد شجرها ، ولا بأس أن يؤكل صيدها إلّا ما صيد بين الحرّتين ، لأنّ الحرّتين غير ظلّ عائر وظلّ وُعير ، والحرّتان بين الظلّين ؛ لأنّه قال : لا يعضد الشجر فيما بين الظلّين ، ولا بأس أن يؤكل الصيد إلّا ما صيد بين الحرّتين ، فدلّ على دخول الحرّتين في الظلّين ، وإلّا تناقض الكلام ، ولو كانت الحرّتان هُما حدّ حرم المدينة الأول ، لما حلّ الصيد في شي‌ء من حرم المدينة.

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٥١١ ، المجموع ٧ : ٤٥١.

(٢) في المصدر : « عودي محالة الناضح ».

(٣) التهذيب ٥ : ٣٨١ - ٣٨٢ / ١٣٣٢.

(٤) النهاية : ٢٨٦ - ٢٨٧ ، المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٨٦.

٣٧٦

والشيخ -رحمه‌الله - عوّل في التحريم على رواية زرارة عن الباقرعليه‌السلام ، السابقة(١) .

والشافعي ألحق حرم المدينة بحرم مكة في التحريم في أصحّ الوجهين عنده ، وبه قال مالك وأحمد(٢) - وهو المشهور عندنا - لما روى العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( إنّ إبراهيم حرّم مكة وإنّي حرّمت المدينة مثل ما حرّم إبراهيم مكة ، لا ينفّر صيدها ولا يُعْضد شجرها ولا يُخْتلى خلاها )(٣) .

وروي أنّه قال : ( إنّي اُحرّم ما بين لابتي المدينة أن يقطع عضاهها(٤) أو يُقْتل صيدها )(٥) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ مكة حرم الله حرّمها إبراهيم ، وإنّ المدينة حرمي ما بين لابتيها حرم لا يُعْضد شجرها ، وهو ما بين ظلّ عائر إلى ظلّ وُعير [ و ](٦) ليس صيدها كصيد مكة يؤكل هذا ولا يؤكل ذاك وهو بريد »(٧) .

____________________

(١) سبقت في المسألة (٢٩٤).

(٢) الوجيز ١ : ١٢٩ - ١٣٠ ، فتح العزيز ٧ : ٥١٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٦ ، المجموع ٧ : ٤٨٠ و ٤٩٧ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٢ ، المغني ٣ : ٣٧٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٢ - ٣٨٣.

(٣) أورده - كما في المتن - الرافعي في فتح العزيز ٧ : ٥١٣ - ٥١٤ ، وفي صحيح مسلم ٢ : ٩٩٢ / ١٣٦٢ ، وسنن البيهقي ٥ : ١٩٨ بتفاوت واختصار.

(٤) في « ط ، ف ، ن » والطبعة الحجرية : أغصانها. وذلك تصحيف ، وما أثبتناه من المصادر.

(٥) صحيح مسلم ٢ : ٩٩٢ / ١٣٦٣ ، وسنن البيهقي ٥ : ١٩٧ ، وأورده الرافعي في فتح العزيز ٧ : ٥١٤.

(٦) أضفناها من المصدر.

(٧) الكافي ٤ : ٥٦٤ - ٥٦٥ / ٥ ، التهذيب ٦ : ١٢ / ٢٣.

٣٧٧

وقال أبو حنيفة : لا يحرم(١) . وهو الوجه الثاني للشافعي(٢) .

وعلى قول التحريم عند الشافعي ففي ضمان صيدها وشجرها قولان :

الجديد - وبه قال مالك - لا يضمن ؛ لأنّه ليس بمحلّ النسك ، فأشبه مواضع الحمى ، وإنّما أثبتنا التحريم ؛ للنصوص.

والقديم - وبه قال أحمد - أنّه يضمن.

وعلى هذا فما جزاؤه؟ وجهان :

أحدهما : أنّ جزاءه كجزاء حرم مكة ؛ لاستوائهما في التحريم.

والثاني - وبه قال أحمد - أنّ جزاءه أخذ سلب الصائد وقاطع الشجر ؛ لما روي أنّ سعد بن أبي وقاص أخذ سَلَب رجل قتلَ صيداً في المدينة ، قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : ( من رأى رجلاً يصطاد بالمدينة فليسلبه )(٣) .

وهذا ليس بشي‌ء على مذهبنا.

وعلى هذا ففيما يُسلب للشافعي وجهان :

الذي أورده أكثر أصحابه أنّه يسلب منه ما يسلبه القاتل من قتيل الكفّار.

والثاني : لا ينحى بهذا نحو سَلَب القتيل في الجهاد ، وإنّما المراد من السَّلَب هاهنا الثياب فحسب(٤) .

وعلى الوجهين ففي مصرفه وجهان مشهوران لهم :

أظهرهما : انّه للسالب كسَلَب القتيل ، وقد روي أنّهم كلّموا سعداً في هذا السَّلَب ، فقال : ما كنت لأردّ طعمةً أطعمنيها رسول الله صلّى الله عليه‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٧٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٣ ، المجموع ٧ : ٤٩٧.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٥١٣ ، المجموع ٧ : ٤٨٠.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٥١٤ ، المجموع ٧ : ٤٨٠ - ٤٨١ و ٤٩٧ ، وراجع : المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٢ ، والمغني ٣ : ٣٧١ - ٣٧٢ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٨٤ و ٣٨٥.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٥١٤ ، المجموع ٧ : ٤٨١.

٣٧٨

وآله.

والثاني : أنّه لمحاويج المدينة وفقرائها ، كما أنّ جزاء صيد مكة لفقرائها.

ولهم وجه ثالث : أنّه يوضع في بيت المال ، وسبيله سبيل السهم المـُـرصد للمصالح(١) .

مسألة ٢٩٦ : صيدُ وَجٍّ وشجرهُ مباح - ووجّ : وادٍ بالطائف ، وليس المراد منه نفس البلد - قاله علماؤنا ، وبه قال أحمد(٢) ؛ لأصالة الإِباحة ، وعدم شغل الذمّة من واجب أو عقوبة.

وقال الشافعي : إنّه محرَّم ؛ لما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : ( صيدُ وَجّ وعضاهها محرَّم )(٣) (٤) والعضاة كلّ شجر عظيم له شوك.

ونمنع صحة الحديث ؛ فإنّ أحمد طعن فيه(٥) .

وللشافعي قول آخر : إنّه مكروه(٦) .

وعلى الأول هل يتعلّق به ضمان؟ بعض الشافعية مَنَع منه ؛ إذ لم يرد في الضمان نقل ، لكن يؤدّب ، وبعضهم قال : نعم ، وحكمه حكم حرم المدينة(٧) .

وأمّا النقيع(٨) فليس بحرم ، لكن حماه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لإِبل‌

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٥١٤ ، المجموع ٧ : ٤٨١ - ٤٨٢.

(٢) المغني ٣ : ٣٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٦.

(٣) مسند أحمد ١ : ١٦٥ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٠٠ ، سنن أبي داود ٢ : ٢١٥ - ٢١٦ / ٢٠٣٢.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٥١٩ - ٥٢٠ ، المجموع ٧ : ٤٨٣ ، المغني ٣ : ٣٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٦.

(٥) المغني ٣ : ٣٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٦.

(٦) فتح العزيز ٧ : ٥١٨.

(٧) فتح العزيز ٧ : ٥٢٠‌

(٨) النقيع : موضع قرب المدينة كان لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حماه لخيله ، وكان يجتمع فيه =

٣٧٩

الصدقة ونَعَم الجزية(١) ، فلا تُملك أشجاره وحشيشه.

وفي وجوب الضمان على من أتلفها للشافعية وجهان :

أحدهما : لا يجب ، كما لا يجب في صيده شي‌ء.

وأظهرهما عندهم : الوجوب ؛ لأنّه ممنوع منه ، فكانت مضمونةً عليه ، بخلاف الصيد ؛ فإنّ الاصطياد فيه جائز ، وعلى هذا فضمانها القيمة ، ومصرفه مصرف نعم الصدقة والجزية(٢) .

مسألة ٢٩٧ : قد بيّنّا تحريم قطع شجر الحرم‌ إذا كان نابتا بنفسه دون ما يستنبت.

وللشافعي في الثاني قولان : أحدهما : التحريم. والثاني : الكراهة ، فيندرج في التحريم قطع الطرفاء والأراك والعضاة وغيرها من أشجار الفواكه ؛ لأنّها تنبت بنفسها(٣) . وكذا العوسج عند الشافعية(٤) .

لكن سوّغ أصحابنا قطع شجر الأراك وذي الشوك ، كالعوسج وشبهه.

ثم فرّع الشافعية على إباحة ما يستنبت : أنّه لو استنبت بعض ما ينبت بنفسه على خلاف الغالب ، أو نبت بعض ما يستنبت ، لهم خلاف في إلحاقه بأيّ الصنفين :

حكى الجويني عن الأصحاب : النظر إلى الجنس والأصل ، فأوجب الضمان في الصورة الاُولى دون الثانية.

وحكى غيره : أنّ النظر إلى القصد والحال ، فيعكس الحكم فيهما(٥) .

____________________

= الماء. معجم البلدان ٥ : ٣٠١ « نقيع » النهاية - لابن الأثير - ٥ : ١٠٨.

(١) فتح العزيز ٧ : ٥٢١ ، وسنن البيهقي ٥ : ٢٠١.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٥٢١ - ٥٢٢.

(٣ و ٤ ) فتح العزيز ٧ : ٥١٢ ، المجموع ٧ : ٤٥٠ ، وفيهما نسب تحريم قطع العوسج إلى بعض الشافعية.

(٥) فتح العزيز ٧ : ٥١٢ ، المجموع ٧ : ٤٥٠.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481