تذكرة الفقهاء الجزء ٧

تذكرة الفقهاء16%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-007-2
الصفحات: 481

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 481 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 169736 / تحميل: 5806
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٧

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٠٠٧-٢
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

مسألة ٢٩٨ : لا أعرف لأصحابنا نصّاً في كراهة نقل تراب الحرم وأحجاره إلى سائر البلاد.

وقال بعض الشافعية : يكره نقل تراب الحرم وأحجاره إلى سائر البقاع ، والبرام يجلب من الحِلّ(١) .

ولا يكره نقل ماء زمزم - وبه قال الشافعية(٢) - لأنّ عائشة كانت تنقله(٣) .

قال بعض الشافعية : لا يجوز قطع شي‌ء من ستر الكعبة ونقله وبيعه وشراؤه خلاف ما تفعله العامّة ، فإنّهم يشترونه من بني شيبة ، وربما وضعوه في أوراق المصاحف ، ومَنْ حَمَل منه شيئاً فعليه ردّه(٤) . وهو الوجه عندي ، وكذا البحث في المشاهد المقدسة.

مسألة ٢٩٩ : حرم المدينة يفارق حرم مكة في اُمور :

أ - أنّه لا كفّارة فيما يفعل فيه من صيد أو قطع شجر على ما اخترناه.

ب - أنّه يباح من شجر المدينة ما تدعو الحاجة إليه من الحشيش للمعلف.

روى العامّة عن عليعليه‌السلام ، قال : « المدينة حرام ما بين عائر إلى ثور ، لا يختلى خلاها ، ولا ينفّر صيدها ، ولا يصلح أن يقطع منها شجرة إلّا أن يعلف رجل بعيره »(٥) .

ولأنّ المدينة يقرب منها شجر كثير وزروع ، فلو منع من احتشاشها مع الحاجة ، لزم الضرر ، بخلاف مكة.

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٥١٣ ، المجموع ٧ : ٤٥٨.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٦ ، المجموع ٧ : ٤٥٧ ، فتح العزيز ٧ : ٥١٣.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٥١٣.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٥١٣ ، المجموع ٧ : ٤٥٩ - ٤٦٠.

(٥) سنن أبي داود ٢ : ٢١٦ - ٢١٧ / ٢٠٣٤ و ٢٠٣٥ ، والمغني ٣ : ٣٧٣ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٨٤ وفيها عن عليعليه‌السلام عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٣٨١

ج - لا يجب دخولها بإحرام ، بخلاف حرم مكة.

د - مَنْ أدخل صيداً إلى المدينة لا يجب عليه إرساله ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول : ( يا أبا عمير ما فعل النُّغَيْر(١) ؟ ) وهو طائر صغير ، رواه العامّة(٢) ، وظاهره إباحة إمساكه ، وإلّا لأنكر عليه.

البحث الخامس عشر : الاستمتاع بالنساء‌

مسألة ٣٠٠ : يحرم على المـُحْرم الاستمتاع بالنساء‌ بالوطء والتقبيل والنظر بشهوة والعقد له ولغيره والشهادة على العقد وإقامة الشهادة به وإن تحمّلها مُحِلاً ، وكذا الاستمناء.

وقد أجمع علماء الأمصار على تحريم الوطء.

قال الله تعالى :( فَلا رَفَثَ ) (٣) .

وروى العامّة عن ابن عمر(٤) : أنّ رجلاً سأله ، فقال : إنّي واقعت بامرأتي ونحن مُحرمان ، فقال : أفسدت حجّك انطلق أنت وأهلك فاقض ما يقضون وحلّ إذا أحلّوا ، فإذا كان العام المقبل فاحجج أنت وامرأتك واهديا هدياً ، فإن لم تجدا فصُوما ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجعتم(٥) .

[ وفي حديث ابن عباس ](٦) : ويتفرّقان من حيث يُحرمان حتى يقضيا‌

____________________

(١) النُّغَيْر : تصغير النُّغَر ، وهو : طائر يشبه العصفور ، وجمعه نِغْران. لسان العرب ٥ : ٢٢٣ « نغر ».

(٢) صحيح البخاري ٨ : ٣٧ و ٥٥ ، صحيح مسلم ٣ : ١٦٩٢ - ١٦٩٣ / ٢١٥٠ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٢٢٦ / ٣٧٢٠ ، مسند أحمد ٣ : ١١٥ ، ١١٩ ، ١٧١ ، ١٨٨ ، المغني ٣ : ٣٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٤.

(٣) البقرة : ١٩٧.

(٤) في النسخ الخطية والحجرية : ابن عباس. وما أثبتناه من المصدر.

(٥) المغني ٣ : ٣٢٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢١.

(٦) أضفناها من المصدر.

٣٨٢

حجّهما(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « والرفث الجماع »(٢) .

إذا عرفت هذا ، فقوله تعالى( فَلا رَفَثَ ) (٣) نفي يريد به النهي ، أي : لا ترفثوا ، كقوله تعالى :( لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها ) (٤) .

مسألة ٣٠١ : ولا فرق في التحريم بين الوطء في القُبُل أو الدُّبُر ، ولا بين دُبُر المرأة أو الغلام.

وكذا يحرم التقبيل للنساء وملاعبتهنّ بشهوة ، والنظر إليهنّ بشهوة ، والملامسة بشهوة من غير جماع ؛ لما روى العامّة : أنّ عمر بن عبد الله(٥) قبّل عائشة بنت طلحة مُحْرماً ، فسأل ، فاُجمع له على أن يهريق دماً(٦) . والظاهر أنّه لم يكن أنزل.

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « يا أبا سيّار إنّ حال المـُحْرم ضيّقة ، إن قبَّل امرأته على غير شهوة وهو مُحْرم ، فعليه دم شاة ، ومَنْ قبَّل امرأته على شهوة فأمنى ، فعليه جزور ، ويستغفر الله ، ومَنْ مسّ امرأته وهو مُحرم على شهوة فعليه دم شاة ، ومَنْ نظر إلى امرأته نظر شهوة فأمنى ، فعليه جزور ، وإن مسّ امرأته أو لازمها من غير شهوة ، فلا شي‌ء عليه »(٧) .

مسألة ٣٠٢ : يحرم على المـُحْرم أن يتزوّج أو يُزوّج ، فيكون وكيلاً لغيره‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٢٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢١.

(٢) الكافي ٤ : ٣٣٨ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٢٩٦ - ٢٩٧ / ١٠٠٣.

(٣) البقرة : ١٩٧.

(٤) البقرة : ٢٣٣.

(٥) في النسخ الخطية والحجرية : عبيد الله. وما أثبتناه من المصدر.

(٦) المغني ٣ : ٣٣٤.

(٧) الكافي ٤ : ٣٧٦ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٣٢٦ / ١١٢١ ، الاستبصار ٢ : ١٩١ / ٦٤١.

٣٨٣

فيه أو وليّاً ، سواء كان رجلاً أو امرأةً ، ذهب إليه علماؤنا أجمع - وبه قال عليعليه‌السلام ، وعمر وعبد الله بن عمر وزيد بن ثابت ، ومن التابعين : سعيد ابن المسيّب وسليمان بن يسار والزهري ، وبه قال في الفقهاء : مالك والشافعي والأوزاعي وأحمد بن حنبل(١) - لما رواه العامّة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ( لا يَنْكح المـُحْرم ولا يُنْكح ولا يخطب )(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « ليس للمُحْرم أن يتزوّج ولا يُزوّج ، فإن تزوّج أو زوّج فتزويجه باطل »(٣) .

وروى العامّة عن ابن عباس جواز ذلك كلّه ، وبه قال أبو حنيفة والحكم ؛ لما رواه ابن عباس : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله تزوّج ميمونة وهو مُحْرم(٤) .

ولأنّه عقد يملك به الاستمتاع ، فلا يحرّمه الإِحرام ، كشراء الإِماء(٥) .

والرواية ممنوعة ؛ فإنّ أبا رافع قال : تزوّج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ميمونة وهو حلال ، وبنى بها وهو حلال ، وكُنْتُ أنا الرسول بينهما(٦) .

وروى يزيد [ بن ](٧) الأصم عن ميمونة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

(١) المغني والشرح الكبير ٣ : ٣١٨ ، المجموع ٧ : ٢٨٧ - ٢٨٨ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٣٨ ، بداية المجتهد ١ : ٣٣١ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٠٠ ذيل الحديث ٨٤٠.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ١٠٣٠ / ١٤٠٩ و ١٠٣١ / ٤٣ ، سنن أبي داود ٢ : ١٦٩ / ١٨٤١ و ١٨٤٢ ، سنن البيهقي ٥ : ٦٩ ، الموطّأ ١ : ٣٤٨ / ٧٠ ، مسند أحمد ١ : ٦٤ ، المغني ٣ : ٣١٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٨.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٢٨ / ١١٢٨ ، الاستبصار ٢ : ١٩٣ / ٦٤٧.

(٤) صحيح مسلم ٢ : ١٠٣٢ / ٤٧ ، سنن أبي داود ٢ : ١٦٩ / ١٨٤٤ ، سنن النسائي ٥ : ١٩١ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٠١ - ٢٠٢ / ٨٤٢ - ٨٤٤.

(٥) المغني والشرح الكبير ٣ : ٣١٨ ، المجموع ٧ : ٢٨٨ ، بداية المجتهد ١ : ٣٣١ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٣٨.

(٦) سنن الترمذي ٣ : ٢٠٠ / ٨٤١ ، سنن البيهقي ٥ : ٦٦ ، المغني ٣ : ٣١٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٨.

(٧) أضفناها من المصدر.

٣٨٤

تزوّجها حلالاً ، وبنى بها حلالاً ، وماتت بـ « سرف » في الظلّة التي بنى فيها(١) ، وميمونة صاحبة القصة ، وأبو رافع كان السفير.

ولأنّ ابن عباس كان صغيراً لا يعرف حقائق الأشياء ، ولا يقف عليها ، فربما توهّم الإِحرام وليس موجوداً ، بخلاف أبي رافع.

ولأنّ سعيد بن المسيّب قال : وَهِمَ ابن عباس ، ما تزوّجها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا حلالاً(٢) .

وأيضاً يحتمل أنّه أطلق المـُحْرم على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بمجرّد أنّه تزوّجها في الشهر الحرام في البلد الحرام ، كما قيل :

قتلوا ابن عفّان الخليفةَ مُحرماً

..................(١)

أو أنّه تزوّجها وهو حلال ثم ظهر أمر التزويج وهو مُحْرم.

وشراء الأمة قد يكون للخدمة وهو الغالب ، بخلاف عقد النكاح الذي لا يكون إلّا مقدّمةً للاستمتاع ، فلمـّا كان مقدّمةً للمُحَرَّم كان حراماً.

ولأنّ النكاح يحرم بالعدّة واختلاف الدين والردّة وكون المنكوحة اُختاً من الرضاع ، وتُعتبر له شرائط غير ثابتة في شراء الإِماء ، فافترقا.

إذا عرفت هذا ، فلو أفسد إحرامه ، لم يجز له أن يتزوّج فيه أيضاً ؛ لأنّ حكم الفاسد فيما يمنع حكم الصحيح.

مسألة ٣٠٣ : لو تزوّج المـُحْرم أو زوّج غيره وإن كان مُحلاً أو زوّجت المـُحْرمة ، فالنكاح باطل ، ولا فرق بين أن يكون المزوّجان مُحْرمين أو‌

____________________

(١) سنن الترمذي ٣ : ٣٠٣ / ٨٤٥ ، المغني ٣ : ٣١٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٨ ، وانظر : سنن أبي داود ٢ : ١٦٩ / ١٨٤٣‌

(٢) سنن أبي داود ٢ : ١٦٩ / ١٨٤٥ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٣١٩.

(٣) صدر بيت للراعي ، وعجزه :

..............

ودعا فلم أر مثله مخذولاً

ديوان الراعي النميري : ٢٣١ ، والصحاح - للجوهري - ٥ : ١٨٩٧ ، والمغني والشرح الكبير ٣ : ٣١٩.

٣٨٥

أحدهما ، عند علمائنا ؛ لأنّه منهي عنه ، وكان باطلاً ، كنكاح المرضعة.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إنّ رجلاً من الأنصار تزوّج وهو مُحْرم ، فأبطل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نكاحه »(١) .

وقال أحمد : إن زوّج المـُحْرم لم أفسخ النكاح(٢) .

وهو يدلّ على أنّه إذا كان الوليّ بمفرده أو الوكيل مُحْرماً ، لم يفسد النكاح ، هذا عند بعض أصحابه ، والمشهور عندهم : الأول(٣) .

إذا عرفت هذا ، فلو عقد المـُحْرم لغيره ، فإنّ العقد يكون باطلاً ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « المـُحْرم لا يَنْكح ولا يُنْكح ولا يشهد ، فإن نكح فنكاحه باطل »(٤) .

وأمّا الخطبة فإنّه تُكره الخطبة للمُحرم وخطبة المـُحْرمة ، ويكره للمُحْرم أن يخطب للمحلّين ؛ لأنّه تسبّب إلى الحرام ، فكان مكروهاً ، كالصرف ، بخلاف الخطبة في العدّة ، فإنّها مُحرَّمة ؛ لأنّها تكون داعيةً للمرأة إلى أن تُخبر بانقضاء العدّة قبل انقضائها رغبةً في النكاح ، فكان حراماً.

ولا فرق بين الإِمام وغيره في تحريم الوكالة والولاية في النكاح المـُحرَّم.

وقال الشافعي في أحد الوجهين : يجوز للإِمام أن يعقد للمُحْرم في حال إحرامه ؛ لأنّه يجوز له التزويج للمُحْرمين بولايته العامّة ، لأنّه موضع الحاجة(٥) .

ونمنع من الحاجة الزائدة على عقد الولي الولايةَ الخاصّة.

____________________

(١) الكافي ٤ : ٣٧٢ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٣١ / ١٠٩٧ ، التهذيب ٥ : ٣٢٨ - ٣٢٩ / ١١٣٠ ، الاستبصار ٢ : ١٩٣ / ٦٤٩.

(٢ و ٣) المغني والشرح الكبير ٣ : ٣٢٠.

(٤) الكافي ٤ : ٣٧٢ / ١ وفيه بزيادة « ولا يخطب » التهذيب ٥ : ٣٣٠ / ١١٣٦.

(٥) الحاوي الكبير ٤ : ١٢٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٧ ، والمجموع ٧ : ٢٨٤.

٣٨٦

مسألة ٣٠٤ : لا يجوز للمُحْرم أن يشهد بالعقد بين المـُحلّين‌ - ولو شهد ، انعقد النكاح عندنا ؛ لأنّ النكاح لا يعتبر فيه الشهادة - لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ( لا يَنْكح المـُحْرم ولا يُنْكح ولا يشهد )(١) .

ولقول الصادقعليه‌السلام وقد سُئل عن المـُحْرم يشهد على نكاح المـُحلّين ، قال : « لا يشهد»(٢) .

وقال الشافعي : يجوز له أن يشهد ؛ لأنّه لا مدخل للشاهد في العقد ، فأشبه الخطيب(٣) .

والفرق : أنّ الخطبة لإِيقاع العقد في حال الإِحلال وصْلةٌ إلى الحلال ، أمّا الشهادة على عقد المـُحْرم فإنّه معونة على فعل الحرام ، فكان حراماً.

مسألة ٣٠٥ : لو عقد المـُحْرم حال الإِحرام ، فإن كان عالماً بتحريم ذلك عليه ، فُرّق بينهما ولم تحلّ له أبداً ، وإن لم يكن عالماً ، فُرّق بينهما ، فإذا أحلّا أو أحلّ الزوج إن لم تكن المرأة مُحْرمةً ، جاز له العقد عليها ، ذهب إليه علماؤنا - خلافاً للعامّة - لأنّ الاحتياط يقتضي التحريم المؤبّد.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إنّ المـُحْرم إذا تزوّج وهو مُحْرمٌ فُرّق بينهما ولا يتعاودان أبداً »(٤) .

وأمّا جواز المراجعة مع الجهل وعدم الدخول : فلقول الباقرعليه‌السلام : « قضى أمير المؤمنين عليٌّعليه‌السلام في رجل ملك بُضْع امرأة وهو مُحْرمٌ قبل أن يحلّ ، فقضى أن يخلّي سبيلها ، ولم يجعل نكاحه شيئاً حتى يحلّ ، فإذا أحلّ خطبها ، إن شاء أهلها زوّجوه ، وإن شاءوا لم يزوّجوه »(٥) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ١٢٦ ، المجموع ٧ : ٢٨٤.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٣٠ / ١٠٩٥ ، التهذيب ٥ : ٣١٥ / ١٠٨٧ ، الاستبصار ٢ : ١٨٨ / ٦٣٠.

(٣) حلية العلماء ٣ : ٢٩٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٧ ، المجموع ٧ : ٢٨٤.

(٤) الكافي ٤ : ٣٧٢ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٣٢٩ / ١١٣٣.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٣٠ / ١١٣٤.

٣٨٧

فروع :

أ - لو وكّل مُحلٌّ مُحلاً في التزويج ، فعقد له الوكيل بعد إحرام الموكّل ، لم يصح النكاح ، سواء حضره الموكّل أو لا ، وسواء علم الوكيل أو لا ؛ لأنّ الوكيل نائب عن الموكّل ، ففعله مسند إليه في الحقيقة وهو مُحْرم.

ب - لو وكّل مُحْرمٌ مُحلاً في التزويج ، فعقد الوكيل والموكّل مُحْرمٌ ، بطل العقد ، وإن كان بعد إحلاله ، صحّ ، ولا يبطل ببطلان التوكيل ؛ لأنّ الإِذن في النكاح وقع مطلقاً ، لكن ما تناول حالة الإِحرام يكون باطلاً ، وما تناول حالة الإِحلال يكون صحيحاً ، والوكالة إذا اشتملت على شرط فاسد ، بطل ذلك ، وبقي مجرّد الإِذن يوجب صحة التصرف ، وكذا فساده في بعضه لا يمنع نفوذ التصرّف فيما يتناوله الإِذن على وجه الصحة ، بخلاف الصبي إذا وكّل في التزويج ، فأوقعه الوكيل بعد بلوغه ؛ لأنّ الوكالة هنا لا اعتبار بها في تلك الحال ولا في ثانيه ، ولم يوجد منه الإذن في ثاني الحال ولا في أوّله على وجه الصحة ، فافترقا.

ج - لو شهد وهو مُحْرم ، صحَّ العقد وفَعَل حراماً. ولو أقام الشهادة بذلك لم يثبت بشهادته النكاح إذا كان تحمّلها وهو مُحْرم ، قاله الشيخ(١) رحمه‌الله

والأقوى ثبوته إذا أقامها حالة الإِحلال.

ويشكل : باستلزامه إباحةَ البُضْع المـُحرَّم ، كما لو عرف العقد ، فتزوّجت بغيره.

وكما تحرم عليه الشهادة بالعقد حال إحرامه تحرم عليه إقامتها في تلك الحال ولو تحمّلها مُحلاً.

ولو قيل : إنّ التحريم مخصوص بالعقد الذي أوقعه المـُحْرم ، كان وجهاً.

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣١٧.

٣٨٨

مسألة ٣٠٦ : إذا اتّفق الزوجان على وقوع العقد حالة الإِحرام ، بطل ، وسقط المهر إن كانا عالمين أو جاهلين ولم يدخل بها ؛ لفساد أصل العقد.

ولو دخل وهي جاهلة ، ثبت المهر بما استحلّ من فرجها ، وفرّق بينهما.

ولو اختلفا فادّعى أحدهما وقوعه حالة الإِحلال وادّعى الآخر وقوعه حالة الإِحرام ، فإن كان هناك بيّنة ، حُكم بها.

ولو انتفت البيّنة ، فإن كانت الزوجةُ مُدّعيةً لوقوعه في الإِحرام وأنكر الرجل ، فالقول قوله مع اليمين ؛ عملاً بأصالة الصحّة ، فإذا حلف ، ثبت النكاح ، وليس لها المطالبة بالمهر مع عدم الدخول ، ولو كانت قَبَضَتْه ، لم يكن للزوج استعادته.

ولو كان الزوج هو المدّعي لوقوعه حالة الإِحرام ، فالقول قول المرأة مع اليمين ، ويحُكم بفساد العقد في حقّ الزوج ؛ لأنّه ادّعى فساده ، ويُحكم عليه بأحكام النكاح الصحيح.

ثم إن كان قد دخل بها ، وجب عليه المهر كملاً ؛ للرواية(١) ، وإن لم يكن دخل بها ، قال الشيخ : يجب نصف المهر(٢) .

والوجه : الجميع.

ولو أشكل الأمر فلم يُعلم هل وقع العقد في الإِحرام أو الإِحلال ، صحَ العقد - وبه قال الشافعي(٣) - لأصالة الصحة.

قال الشيخرحمه‌الله : والأحوط تجديده(٤) ؛ لأنّ الأول إن وقع في الإِحلال ، لم يضرّ الثاني ، وإلّا كان مبيحاً.

وإذا وطأ العاقد في الإِحرام ، لزمه المهر : إمّا المسمّى إن كان قد‌

____________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٣١ / ١٠٩٩.

(٢) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣١٨.

(٣) المجموع ٧ : ٢٨٧.

(٤) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣١٧.

٣٨٩

سمّاه ، وإلّا مهر المثل ، ويلحق به الولد ، ويفسد حجّه إن كان قبل الوقوف بالموقفين ، ويلزمها العدّة ، وإن لم يكن دخل ، فلا يلزمه شي‌ء من ذلك.

ولو عقد المـُحْرم لغيره ، كان العقد فاسداً ، ثم يُنظر فإن كان المعقود له مُحْرماً ودخل بها ، لزم العاقد بدنة.

مسألة ٣٠٧ : لا بأس للمُحْرم أن يراجع امرأته عند علمائنا‌ - وبه قال الشافعي ومالك وأحمد في إحدى الروايتين(١) - لقوله تعالى :( وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ ) (٢) .

وقوله تعالى :( فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) (٣) والإِمساك هو المراجعة ولم يُفصّل.

ولأنّه ليس باستئناف عقد ، بل إزالة مانع عن الوطء ، فأشبه التكفير عن الظهار.

وقال أحمد في الرواية الاُخرى : لا يجوز ؛ لأنّه استباحة فرج مقصود بعقد ، فلا يجوز في الإِحرام ، كعقد النكاح(٤) .

والفرق : أنّ عقد النكاح يملك به الاستمتاع ، بخلاف الرجعة ، فإنّ الاستمتاع مملوك له قبلها؛ إذ لا تخرج بالطلاق الرجعي عن حكم الزوجة ، فإنّهما يتوارثان.

على أن المشهور من مذهب أحمد : أنّ الرجعية مباحة(٥) ، فلا يصح‌

____________________

(١) مختصر المزني : ٦٦ ، حلية العلماء ٢٣ : ٢٩٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٧ ، المجموع ٧ : ٢٨٥ و ٢٩٠ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٣٩ ، المغني ٣ : ٣٤١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٠.

(٢) البقرة : ٢٢٨.

(٣) البقرة : ٢٢٩.

(٤) المغني ٣ : ٣٤١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٠ ، المجموع ٧ : ٢٩٠ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٣٩.

(٥) المغني ٣ : ٣٤١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٠.

٣٩٠

قوله : الرجعة استباحة.

مسألة ٣٠٨ : يجوز شراء الإِماء في حالة الإِحرام ، لكن لا يقربهنّ إجماعاً ؛ لأنّ الشراء لفائدة الاستخدام غالباً ، فكان سائغاً ، وسواء قصد به التسرّي أو لا ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لأنّه ليس بموضوع للاستباحة في البُضْع ، فأشبه شراء العبيد ، ولذلك اُبيح شراء مَنْ لا يحلّ وطؤها ، ولم يحرم الشراء في حال يحرم فيه الوطء.

ويؤيّده : ما رواه سعد بن سعد عن الرضاعليه‌السلام - في الصحيح - قال : سألته عن المـُحْرم يشتري الجواري ويبيع ، قال : « نعم »(١) .

إذا ثبت هذا ، فلو اشترى حالة الإِحرام أمةً للتسرّي بها حالة الإِحرام ، احتمل فساد العقد ؛ لأنّ الغرض الذي وقع لأجله مُحرَّم ، ويحتمل الصحة ؛ لأنّ الغرض عارض ، فلا يؤثّر في الصحة الأصلية.

إذا عرفت هذا ، فإنّه يجوز له مفارقة النساء حالة الإِحرام بكلّ حال من طلاق أو خُلع أو ظهار أو لعان أو غير ذلك من أسباب الفرقة إجماعاً.

ورواه أبو بصير - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « المـُحْرم يطلّق ولا يتزوّج »(٢) .

مسألة ٣٠٩ : كلّ موضع حكمنا فيه ببطلان العقد من المـُحْرم يُفرّق بينهما بغير طلاق‌ - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّ الطلاق إنّما يقع في صلب نكاح صحيح ، وهذا النكاح باطل.

وقال مالك : يُفرّق بينهما بطلقة. وكذا كلّ نكاح وقع فاسداً عنده يُفرّق بينهما بطلقة(٤) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ٣٧٣ / ٨ ، الفقيه ٢ : ٣٠٨ / ١٥٢٩ ، التهذيب ٥ : ٣٣١ / ١١٣٩.

(٢) الكافي ٤ : ٣٧٢ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٢٣١ / ١١٠٠.

(٣) حلية العلماء ٣ : ٢٩٤ ، المجموع ٧ : ٢٩٠.

(٤) الكافي في فقه أهل المدينة : ٢٣٩ ، بداية المجتهد ٢ : ٧٠ - ٧١ ، التفريع ٢ : ٧٧ ، حلية =

٣٩١

مسألة ٣١٠ : لو نظر إلى امرأته بشهوة ، فَعَل حراماً ، ولو أمنى حينئذٍ ، كان عليه جزور إن كان موسراً.

ولو نظر بغير شهوة ، لم يكن عليه شي‌ء وإن أمنى ؛ لما رواه أبو بصير عن الصادقعليه‌السلام : أنّه سأله عن رجل مُحْرم نظر إلى ساق امرأته(١) فأمنى ، فقال : « إن كان موسراً فعليه بدنة ، وإن كان وسطاً فعليه بقرة ، وإن كان فقيراً فعليه شاة »(٢) .

ولو نظر إلى غير أهله فأمنى ، كان عليه بدنة ، فإن لم يجد فبقرة ، فإن لم يجد فشاة ؛ لما رواه زرارة - في الصحيح - عن الباقرعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل مُحْرم نظر إلى غير أهله فأنزل ، قال : « عليه جزور أو بقرة ، فإن لم يجد فشاة »(٣) .

ولو حملها بشهوة فأمنى أو لم يُمنْ ، وجب عليه دم شاة ، ولو لم يكن بشهوة ، لم يكن عليه شي‌ء ولو أمنى ؛ لما رواه الحلبي عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت له : المـُحْرم يضع يده على امرأته ، قال : « لا بأس » قلت : فإنّه أراد أن ينزلها في المحمل ويضمّها إليه ، قال : « لا بأس » قلت : فإنّه أراد أن ينزلها في المحمل فلمـّا ضمّها إليه أدركته الشهوة ، قال : « ليس عليه شي‌ء إلّا أن يكون طلب ذلك »(٤) .

وسأل محمّدُ بن مسلم الصادقَعليه‌السلام : عن رجل مُحْرم حمل امرأته وهو مُحْرم فأمنى أو أمذى ، قال : « إن كان حملها ومسّها بشي‌ء من الشهوة وأمنى أو لم يُمْن أمذى أو لم يُمْذ فعليه دم يهريقه ، وإن حملها أو مسّها‌

____________________

= العلماء ٣ : ٢٩٤ ، المجموع ٧ : ٢٩٠.

(١) في المصدر : امرأة.

(٢) الكافي ٤ : ٣٧٧ / ٧ ، التهذيب ٥ : ٣٢٥ / ١١١٥.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٢٥ / ١١١٦.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٢٦ / ١١١٨.

٣٩٢

بغير شهوة فأمنى أو أمذى فليس عليه شي‌ء »(١) .

ويجوز للمُحْرم أن يُقبّل اُمّه ؛ لأنّه ليس محلّ الشهوة ، ولا داعياً إلى الجماع ، فكان سائغاَ ؛ لأنّ الحسين بن حمّاد سأل الصادقَعليه‌السلام : عن المـُحْرم يُقبِّل اُمَّه ، قال : « لا بأس به هذه قُبْلة رحمة ، إنّما تكره قُبْلة الشهوة »(٢) .

إذا ثبت هذا ، فلا فرق بين الاُمّ والاُخت وغيرهما من المـُحرَّمات المؤبَّدة.

البحث السادس عشر : في الفسوق والجدال‌

مسألة ٣١١ : يحرم على المـُحْرم الفسوقُ ، وهو : الكذب ، وهو حرام على غيره إلّا أنّه يتأكّد في حقّه.

قال الله تعالى :( فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ ) (٣) .

قال الصادقعليه‌السلام : « والفسوق : الكذب والسباب »(٤) .

وروى العامّة قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( سباب المسلم فسوق )(٥) فجعلوا الفسوق هو السباب ؛ لهذا الخبر.

وهو غير دالّ ، وسبب الغلط إيهام العكس.

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٢٦ / ١١١٩.

(٢) الكافي ٤ : ٣٧٧ / ٩ ، التهذيب ٥ : ٣٢٨ / ١١٢٧.

(٣) البقرة : ١٩٧.

(٤) الكافي ٤ : ٣٣٨ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٢٩٦ - ٢٩٧ / ١٠٠٣.

(٥) صحيح البخاري ١ : ١٩ و ٨ : ١٨ ، و ٩ : ٦٣ ، صحيح مسلم ١ : ٨١ / ١١٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٧ / ٦٩ ، و ٢ : ١٢٩٩ / ٣٩٣٩ و ٣٩٤٠ و ١٣٠٠ / ٣٩٤١ ، سنن الترمذي ٤ : ٣٥٣ / ١٩٨٣ ، و ٥ : ٢١ / ٢٦٣٥ ، سنن النسائي ٧ : ١٢٢ ، المعجم الكبير - للطبراني - ١ : ١٤٥ / ٣٢٥ ، و ١٠ : ١٢٩ / ١٠١٠٥ ، و ١٩٤ / ١٠٣٠٨ ، و ١٩٧ / ١٠٣١٦ ، المغني ٣ : ٢٧١.

٣٩٣

وقال ابن عباس : الفسوق : المعاصي. وهو قول ابن عمر وعطاء وإبراهيم(١) .

وقال الكاظمعليه‌السلام : « والفسوق : الكذب »(٢) .

مسألة ٣١٢ : ويحرم على المـُحْرم الجدال ، وفسّره الصادقعليه‌السلام بقول الرجل لغيره : لا والله وبلى والله(٣) . وكذا قال الكاظم(٤) عليه‌السلام .

وقال ابن عباس : الجدال هو أن تماري صاحبك حتى تغضبه(٥) . وهو قريب ممّا فسّره الإِمامانعليهما‌السلام .

وقال مجاهد :( وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ ) (٦) أي : لا مجادلة ، ولا شكّ في الحجّ أنّه في ذي الحجّة(٧) . وما قلناه أولى.

إذا عرفت هذا ، فإنّه يستحب للمُحْرم قلّة الكلام إلّا بخير.

وروى العامة عن الحسين بن عليعليهما‌السلام ، قال : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه »(٨) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « إذا أحرمت فعليك بتقوى الله وذكر الله وقلّة الكلام إلّا بخير ، فإنّ تمام الحجّ والعمرة أن يحفظ‌

____________________

(١) تفسير الماوردي ١ : ٢٥٩ ، تفسير الطبري ٢ : ١٥٦ ، تفسير القرطبي ٢ : ٤٠٧ ، المغني ٣ : ٢٧١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٥ - ٣٣٦.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٩٧ / ١٠٠٥.

(٣) الكافي ٤ : ٣٣٨ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٢٩٧ / ١٠٠٣.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٩٧ / ١٠٠٥.

(٥) تفسير الطبري ٢ : ١٥٨ ، المغني ٣ : ٢٧١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٦.

(٦) البقرة : ١٩٧.

(٧) تفسير القرطبي ٢ : ٤٠٧ ، تفسير الطبري ٢ : ١٦٠ ، المغني ٣ : ٢٧١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٦.

(٨) المعجم الكبير - للطبراني - ٣ : ١٣٨ / ٢٨٨٦ ، المعجم الصغير - للطبراني - ٢ : ١١١ ، مسند أحمد ١ : ٢٠١ ، المغني ٣ : ٢٧١ - ٢٧٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٦.

٣٩٤

المرء لسانه إلّا من خير كما قال تعالى ، فإنّ الله يقول :( فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ ) (١) فالرفث : الجماع ، والفسوق : الكذب ، والجدال : قول الرجل : لا والله وبلى والله »(٢) .

ولأنّ ترك الكلام فيما لا ينفع ممّا يقتضي صيانة النفس عن اللغو والوقوع في الكذب وما لا يحلّ ، فإنّ مَنْ كثر كلامه كثر سقطه وقد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت )(٣) فيستحب ترك الكلام فيما لا يتعلّق بالذكر والبحث في العلوم مطلقاً ، إلّا أنّه في حال الإِحرام أشدّ استحباباً ؛ لأنّه حال عبادة واستغفار واستشعار بطاعة الله تعالى ، فيشبه الاعتكاف.

ولا يعارض ذلك ما رواه العامّة عن عمر أنّه كان إذا ركب ناقته وهو محْرمٌ يقول :

كأنّ راكبها غصن بمروحة

إذا تدلّت به أو شارب ثمل(٤)

وفِعْلُ عمر لا حجّة فيه ، خصوصاً مع معارضة فعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

مسألة ٣١٣ : لو ارتدّ في أثناء الحجّ والعمرة ، لم تُفسدهما ، ولا يعتدّ بما فَعَله في زمان الردّة - وهو قول بعض الشافعية(٥) - لأصالة الصحّة ، وبراءة الذمّة ، والخروج عن العهدة بامتثال الأمر.

وقال بعض الشافعية : إنّها تُفسدهما ، سواء طال زمانها أو قصر(٦) .

____________________

(١) البقرة : ١٩٧.

(٢) الكافي ٤ : ٣٣٧ - ٣٣٨ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٢٩٦ / ١٠٠٣.

(٣) صحيح مسلم ١ : ٦٨ / ٤٧ ، صحيح البخاري ٨ : ٣٩ ، سنن الترمذي ٤ : ٦٥٩ / ٢٥٠٠ ، الموطّأ ٢ : ٩٢٩ / ٢٢ ، المغني ٣ : ٢٧١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٦.

(٤) سنن البيهقي ٥ : ٦٨ ، المغني ٣ : ٢٧٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٦.

(٥ و ٦ ) فتح العزيز ٧ : ٤٧٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٤٢ ، المجموع ٧ : ٤٠٠.

٣٩٥

وعلى القول بالفساد لهُمْ وجهان :

أظهرهما : أنّه يبطل النسك بالكلية حتى لا يمضي فيه لا في الردّة ولا إذا عاد إلى الإِسلام ؛ لأنّ الردّة تُحْبط العبادة.

[ والثاني : أنّ سبيل الفساد هاهنا كسبيله عند الجماع ، فيمضي فيه لو عاد إلى الإِسلام ](١) لكن لا تجب الكفّارة ، كما أنّ إفساد الصوم بالردّة لا يتعلّق به الكفّارة.

وعلى القول بالصحة لهُمْ ثلاثة أوجه :

أحدها : أنّه ينعقد على الصحة ، فإن رجع في الحال فذاك ، وإلّا فسد نسكه ، وعليه الفدية والقضاء والمضيّ في الفاسد.

والثاني : أنّه ينعقد فاسداً ، وعليه القضاء والمضيّ فيه ، سواء مكث أو رجع في الحال ، وإن مكث ، وجبت الفدية ، وهل هي بدنة أو شاة؟ خلاف.

والثالث : لا ينعقد أصلاً ، كما لا تنعقد الصلاة مع الحدث(٢) .

القسم الثاني : في مكروهات الإِحرام‌

أ : يكره للمُحْرم النوم على الفراش المصبوغة ، وليس بحرام ؛ لما رواه أبو بصير - في الصحيح - عن الباقرعليه‌السلام ، قال : « يكره للمُحْرم أن ينام على الفراش الأصفر أو المرفقة الصفراء »(٣) .

ب : يكره الإِحرام في الثوب المصبوغ بالسواد أو المعصفر ، ويتأكّد في السواد والنوم عليه.

____________________

(١) أضفناها من المصدر.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٧٩.

(٣) التهذيب ٥ : ٦٨ / ٢٢١.

٣٩٦

ج : يكره الإِحرام في الثياب الوسخة وإن كانت طاهرةً.

د : لُبْس الثياب المعلمة.

ه - : استعمال الحِنّاء للزينة.

و: النقاب للمرأة على إشكال.

ز : دخول الحمّام وتدليك الجسد فيه.

ح : تلبية المنادي ، بل يقول : يا سعد ؛ لأنّه في مقام التلبية لله تعالى ، فكره لغيره.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « ليس للمُحْرم أن يلبّي مَن دعاه حتى ينقضي إحرامه » قلت : كيف يقول؟ قال : « يقول : يا سعد »(١) .

ط : استعمال الرياحين.

مسألة ٣١٤ : يجوز للمُحْرم أن يلبس الهميان ، وهو قول جمهور العلماء(٢) .

قال ابن عبد البرّ : أجمع فقهاء الأمصار متقدّموهم ومتأخّروهم على جواز ذلك(٣) .

وكرهه ابن عمر ومولاه نافع(٤) .

لما رواه العامّة عن ابن عباس قال : رخص رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للمُحْرم في الهميان أن يربطه إذا كانت فيه نفقته(٥) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « كان أبيعليه‌السلام يشدّ على بطنه نفقته يستوثق ، فإنّها تمام حجّه »(٦) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ٣٦٦ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٣٨٦ / ١٣٤٨.

(٢) المغني ٣ : ٢٨٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٥.

(٣) المغني ٣ : ٢٨٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٥ - ٢٨٦.

(٤ و ٥) المغني ٣ : ٢٨٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٦.

(٦) الفقيه ٢ : ٢٢١ / ١٠٢٨ ، وانظر : الكافي ٤ : ٣٤٣ - ٣٤٤ ذيل الحديث ٢.

٣٩٧

ولشدّة الحاجة إلى ذلك.

وقول ابن عمر لا حجّة له فيه.

مسألة ٣١٥ : يجوز للمحرم أن يلبس السلاح عند الحاجة إجماعا ، إلاّ من الحسن البصري ، فإنّه كرهه(١) .

والحقُّ الأول ؛ لما رواه العامّة : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله صالح أهل الحديبية على أن لا يدخلوها إلّا بجُلْبان السلاح(٢) ، يعني القراب بما فيه.

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « إنّ المـُحْرم(٣) إذا خاف العدوّ فلبس السلاح ، فلا كفّارة عليه »(٤) .

وللحاجة إليه.

وقد دلّ هذا الحديث من حيث المفهوم على التحريم مع عدم الخوف ، وهو أحد قولي علمائنا(٥) .

مسألة ٣١٦ : يجوز أن يؤدّب الرجل عبده عند الحاجة إليه حالة إحرامه ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « لا بأس أن يؤدّب المـُحْرم عبده ما بينه وبين عشرة أسواط »(٦) .

وإذا قتل المـُحْرم حيواناً وشكّ في أنّه صيد ، لم يكن عليه شي‌ء ؛ لأصالة البراءة.

ولو علم أنّه صيد وشكّ في أيّ صيد هو ، لزمه دم شاة ؛ لأنّه أقلّ مراتب‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٢٨٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٧.

(٢) سنن أبي داود ٢ : ١٦٧ / ١٨٣٢ ، المغني ٣ : ٢٨٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٧.

(٣) في النسخ الخطية والحجرية : المسلم ، وما أثبتناه من المصدر.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٨٧ / ١٣٥١.

(٥) كالشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٣٢٢ ، والقاضي ابن البرّاج في المهذّب ١ : ٢٢١ ، وابن إدريس في السرائر : ١٢٨.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٨٧ / ١٣٥٣.

٣٩٨

الصيد.

ولقول الصادقعليه‌السلام في رجل أكل من لحم صيد لا يدري ما هو وهو مُحْرمٌ ، قال : « عليه شاة »(١) .

ويجوز أن يكون مع المـُحْرم لحم الصيد إذا لم يأكله ، وتركه إلى وقت إحلاله ثم يأكله إذا لم يكن صاده هو ؛ لأنّ علي بن مهزيار سأله عن المـُحْرم معه لحم من لحوم الصيد في زاده ، هل يجوز أن يكون معه ولا يأكله ويُدخله مكة وهو مُحْرم فإذا أحلّ أكله؟ فقال : « نعم إذا لم يكن صاده »(٢) .

ويجوز إخراج الفهد من الحرم ؛ لأنّ إسماعيل بن الفضل الهاشمي سأل الصادقعليه‌السلام ، فقال له : فهود تُباع على باب المسجد ينبغي لأحد أن يشتريها ويخرج بها؟ قال : « لا بأس »(٣) .

وفي الصحيح عن محمد بن أبي عمير عن بعض أصحابه عن الصادقعليه‌السلام ، أنّه سُئل عن رجل أدخل فهداً إلى الحرم ، له أن يخرجه؟

فقال : « هو سبُع ، وكلّما أدخلت من السباع(٤) الحرم أسيراً فلك أن تخرجه »(٥) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ٣٩٧ / ٧ ، التهذيب ٥ : ٣٨٤ / ١٣٤٢.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٨٥ / ١٣٤٥.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٨٥ / ١٣٤٦.

(٤) في المصدر : « السَّبُع ».

(٥) التهذيب ٥ : ٣٦٧ / ١٢٨١.

٣٩٩

المطلب الرابع : في كفّارات الإِحرام‌

وفيه بابان :

الأول : في كفّارات(١) الصيد.

وفيه مباحث :

الأوّل : فيما لكفّارته بدل على الخصوص‌

وهو خمسة :

الأوّل : قتل النعامة‌.

مقدّمة : دابّة الصيد تضمن بمثلها من النَّعَم عند أكثر العلماء(٢) ؛ لقوله تعالى :( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (٣) .

وما رواه العامّة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جعل في الضبع كبشاً(٤) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه أبو الصباح - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن قول الله عزّ وجلّ في الصيد( وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (٥) قال : « في الظبي شاة ، وفي حمار وحش بقرة ، وفي النعامة جزور »(٦) .

وقال أبو حنيفة : الواجب القيمة ؛ لأنّ الصيد ليس بمثلي ، فتجب القيمة ، ويجوز صرفها في المثل(٧) .

____________________

(١) في « ن » كفّارة.

(٢) المغني ٣ : ٥٤٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦١.

(٣) المائدة : ٩٥.

(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٣١ / ٣٠٨٥ ، سنن الدار قطني ٢ : ٢٤٦ / ٤٨ ، سنن البيهقي ٥ : ١٨٣ ، المغني ٣ : ٥٤٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦١.

(٥) المائدة : ٩٥.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٤١ / ١١٨٠.

(٧) بدائع الصنائع ٢ : ١٩٨ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦٩ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : =

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

ومنه يظهر أنّ تعريفهعليه‌السلام لتلك الفقرات هو تعريف خاصّ ، يجب ملاحظته في فهم كلامهعليه‌السلام في المقام.

٤ ـ وأخيراً : توجد في نفس نهج البلاغة كلمات وخطب أُخرى تصرّح باحتمال تواجد الحقّ مع القلّة ، مثل : «لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلّة أهله »(١) ، أو« إنّ هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا بقلّة »(٢) .

وعليه ، فيجب أن نفهم كلام الإمامعليه‌السلام في المقام بشكل يتّفق مع كلماته وخطبه في سائر الموارد.

( محمّد ـ أمريكا ـ )

لم يذكر فيه كسر ضلع الزهراء :

س : إذا ثبتت مسألة كسر ضلع الزهراء عليها‌السلام عند علمائنا الأجلاّء ، فلماذا لم يرد ذكرها في نهج البلاغة؟ علماً أنّ الإمام علي عليه‌السلام ذكر معظم ما جرى له في حياته في خطبه المجموعة في نهج البلاغة؟

ج : أوّلاً : إنّ الشريف الرضيقدس‌سره جمع خطب أمير المؤمنينعليه‌السلام ورسائله وكلماته القصار ، وكان نظره إلى الجانب الأدبي والبلاغي في كلامهعليه‌السلام ، ولم يجمع كُلّ كلام الإمامعليه‌السلام ، حتّى أنّه لم يورد في بعض الأحيان الخطبة بأكملها ، بل أورد قسماً منها.

وعليه ، فلا يرد الإشكال إذا لم ترد مسألة كسر الضلع في نهج البلاغة صريحاً ، مع أنّه أشارعليه‌السلام إلى مظلومية الزهراءعليها‌السلام بإشارات يفهمها اللبيب ، وبعبارات بليغة ، وجمل ظريفة ، حيث قالعليه‌السلام ـ عند دفن فاطمةعليها‌السلام ، كالمناجي به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عند قبره ـ :

__________________

١ ـ شرح نهج البلاغة ١٠ / ٢٦١.

٢ ـ المصدر السابق ٩ / ٩٥.

٤٤١

« السَلامُ عَلَيكَ يا رَسولَ اللهِ عَنّي وَعَن ابنَتِكَ النازِلَة في جِوارِكَ ، وَالسَريعَةِ اللِحاقِ بِكَ! قَلَّ يا رَسولَ الله عَن صَفِيّتِكَ صَبري ، وَرَقّ عَنها تَجَلُدي ، إلاّ أنَّ فِي التَأسّي لي بِعَظيمِ فُرقَتِكَ ، وَفَادِحِ مُصيبَتِكَ مَوضِعَ تَعَزّ ، فلقد وَسّدتُكَ في مَلحودةِ قَبرك ، وفاضَت بينَ نَحري وصَدري نفسُكَ ، إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، فَلَقَد استُرجِعت الوَديعة ، وأخذتِ الرَهينة!

أمّا حُزني فَسَرمَدٌ ، وأمّا لَيلي فَمُسَهّدٌ ، إلى أن يَختارَ اللهُ لي دارك التي أنتَ بِها مُقيم ، وسَتُنَبئكَ ابنتُكَ بِتَضافُرِ أُمّتك عَلَى هَضمِها ، فَأحفِها السُؤالَ ، واستَخبِرها الحالَ ، هذا وَلَم يَطُلِ العَهدُ ، ولَم يَخلُ مِنكَ الذكر ، والسلام عليكما سَلامَ مُودّعٍ ، لا قالٍ ولا سَئمٍ ، فإن أنصَرِف فَلا عَن مَلالةٍ ، وَإن أُقِم فلا عَن سُوء ظَنّ بما وَعَدَ اللهُ الصابِرينَ »(١) .

وفي الختام ننبّهك إلى عدّة نقاط :

١ ـ ليست كُلّ الخطب قد وصلت إلينا ، لأنّ أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام وشيعتهم ـ وعلى مرّ العصور ـ كانوا مظلومين مقهورين ، وفي حالة تقية ، وكذلك الأيادي الأثيمة دمّرت الكثير من تراث أهل البيتعليهم‌السلام .

وبناء عليه إذا لم ترد مسألة كسر الضلع في خطب أمير المؤمنينعليه‌السلام الواصلة إلينا ، فإنّ هذا لا يعني أنّهمعليهم‌السلام لم يذكروا هذه المسألة في خطبهم ، بالأخصّ مع تصريحهمعليهم‌السلام إلى هذا المطلب في أحاديثهم ورواياتهم الواصلة إلينا.

٢ ـ إنّ مقام الخطبة غير مقام الكلام والحديث ، ففي الخطبة تراعى المسائل البلاغية والإشارات إلى المطالب التي لم يمكن التصريح بها ، لأنّ الخطبة تكون في الملأ العام ، وهذا بخلاف الأحاديث الخاصّة ، والتي تقال لخواص الأصحاب.

٣ ـ إنّ من أكثر المسائل التي حاول النواصب طمسها وامحاءها هي مسألة مظلومية الزهراءعليها‌السلام ، لأنّها المصداق البارز للتبرّي الذي بُني عليه التشيّع بعد

__________________

١ ـ شرح نهج البلاغة ١٠ / ٢٦٥.

٤٤٢

التولّي ، وكذلك هو الدليل القاطع على فضائح القوم ، فحاول الخصم بكُلّ جهده أن لا تصل هذه الحقائق.

فبعد هذا ، كُلّ ما وصل إلينا من مصاديق مظلومية الزهراءعليها‌السلام فهو من المعجزات ، وبسبب تضحيات العلماء ، الذين ضحّوا بكُلّ شيء لأجل إيصال هذه الحقائق.

( علي ـ ـ )

الخطبة الشقشقية في مصادر سنّية :

س : ناقشي صديق سنّي حول الخطبة الشقشقية لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، وأنّها لا صحّة لها لعدم وجود خلاف بين الإمام والخلفاء ، ولم تذكرها كتب علماء أهل السنّة القدماء ، فهل بإمكانكم تزويدي بمصادر الخطبة في كتب السنّة.

ج : إنّ الخطبة الشقشقية من خطب أمير المؤمنينعليه‌السلام المشهورات ، وقد روتها العامّة والخاصّة ، وشرحوها ، وضبطوا ألفاظها من دون غمز في متنها ، ولا طعن في أسانيدها.

وتكاد أن تكون هذه الخطبة هي الباعث الأوّل ، والسبب الأكبر لمحاولة تزييف نهج البلاغة بإثارة الشبهات الواهية حوله ، وتوجيه الاتهامات الباطلة لجامعه الشريف الرضي بوضعها ، وما علموا أنّ هذه الخطبة بالخصوص مثبّتة في مصنّفات العلماء المشهورة ، وخطوطهم المعروفة قبل أن تلد الرضي أُمُّه ، وإليك طائفة من علماء السنّة الذين رووها ، أو استشهدوا ببعض مقاطعها.

١ ـ الإنصاف في الإمامة لابن قبة الرازي ، كان من المعتزلة ، ومن تلامذة أبي القاسم البلخي شيخ المعتزلة ، ثمّ انتقل إلى مذهب الإمامية.

٤٤٣

٢ ـ أبو القاسم البلخي الكعبي ، المتوفّى سنة ٣١٧ هـ ، إمام البغداديين من المعتزلة ، له تصانيف تضمّن بعضها كثيراً من الخطبة الشقشقية ، كما شهد لنا بذلك ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة(١) .

٣ ـ العقد الفريد لابن عبد ربّه المالكي ، المتوفّى سنة ٣٢٨ هـ ، كما نقل ذلك العلامة المجلسي في البحار(٢) .

ويؤيّد ما نقله المجلسي : أنّ القطيفي ـ في كتاب الفرقة الناجية ـ نصّ على أنّها في الجزء الرابع من العقد الفريد ، ثمّ جاءت الأيدي الأمينة على ودائع العلم! فحذفتها عند النسخ أو عند الطبع ، وكم لهم من أمثالها.

٤ ـ المغني للقاضي عبد الجبار المعتزلي ، المتوفّى ٤١٥ هـ.

٥ ـ نثر الدرر ، وكتاب نزهة الأديب للوزير أبي سعيد الآبي ، المتوفّى ٤٢٢ هـ.

٦ ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي(٣) .

٧ ـ تذكرة الخواص لابن الجوزي : ١٣٣.

هذا ، وأنّ كتب الأدب ومعاجم اللغة ، لا تخلو من ذكر الخطبة الشقشقية :

أ ـ مجمع الأمثال للميداني ١ / ٣٦٩.

ب ـ النهاية لابن الأثير(٤) .

ج ـ لسان العرب لابن منظور في مادّة شقشق(٥) .

د ـ تاج العروس للزبيدي(٦) .

__________________

١ ـ شرح نهج البلاغة ١ / ٢٠٥.

٢ ـ بحار الأنوار ٢٩ / ٥٠٦.

٣ ـ شرح نهج البلاغة ١ / ١٥١.

٤ ـ النهاية لابن الأثير ٢ / ٤٩٠.

٥ ـ لسان العرب ١٠ / ١٨٥.

٦ ـ تاج العروس ٦ / ٣٩٨.

٤٤٤

( يوسف العاملي. المغرب )

حول عبارة خطرك يسير :

س : جاء في نهج البلاغة في باب حكم أمير المؤمنين عليه‌السلام عبارة هي : وخطرك يسير ـ أي الدنيا ـ ووجدت في كتاب آخر : وخطرك كبير ، فما هو الأصل؟

ج : بحسب المصادر الموجودة عندنا العبارة المذكورة هكذا : « وخطرك يسير »(١) ، ووردت عبارة : « وخطرك حقير »(٢) ، كنسخة أُخرى من عبارة : خطرك يسير.

نعم ، ووردت عبارة : « وخطرك كبير » في بعض المصادر(٣) .

__________________

١ ـ شرح نهج البلاغة ١٨ / ٢٢٤ ، خصائص الأئمّة : ٧١ ، روضة الواعظين : ٤٤١ ، شرح الأخبار ٢ / ٣٩٢ ، مناقب آل أبي طالب ١ / ٣٧١ ، عدة الداعي : ١٩٥ ، تاريخ مدينة دمشق ٢٤ / ٤٠١ ، ينابيع المودّة ١ / ٤٣٨.

٢ ـ شرح نهج البلاغة ١٨ / ٢٢٦.

٣ ـ كشف الغمّة ١ / ٧٦ ، بحار الأنوار ٧٥ / ٢٣.

٤٤٥
٤٤٦

الوحدة الإسلامية :

( عبد الحميد صالح المعراج ـ السعودية ـ )

تتحقّق بالتمسّك بوصية الرسول :

س : كيف يتمّ التقريب بين المذهب السنّي والمذهب الشيعي؟ بحيث نتوصّل إلى وحدة باطنية ووحدة ظاهرية ، حيث يتمّ الإقناع لكُلّ من السنّي والشيعي ، بحيث لا يبقى مجال لينكر أحدهما على الآخر ، وبالتالي يعيش كُلّ منهما في سعادة واطمئنان وسلام.

ج : إنّ التمسّك بوصية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هو الحلّ الوحيد لإيجاد التقريب ، والتوصّل إلى الوحدة الباطنية ، وذلك يتمّ ببحث أُمور :

١ ـ ما هي وصية الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لأُمّته؟ الجواب : حديث الثقلين.

٢ ـ هل جاء في حديث الثقلين « الكتاب والعترة » أو « الكتاب والسنّة »؟ الجواب : ورد في حديث الثقلين « الكتاب والعترة » ، كما ورد به الكثير من الأخبار الصحيحة في الصحاح والمسانيد المعتبرة(١) ، وأمّا ما ورد من الوصية

__________________

١ ـ أُنظر : فضائل الصحابة : ١٥ ، الجامع الكبير ٥ / ٣٢٨ ، تحفة الأحوذي ١٠ / ١٩٦ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٧ / ٤١٨ ، كتاب السنّة : ٣٣٧ و ٦٢٩ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ / ٤٥ و ١٣٠ ، خصائص أمير المؤمنين : ٩٣ ، المعجم الصغير ١ / ١٣٥ ، المعجم الأوسط ٤ / ٣٣ و ٥ / ٨٩ ، المعجم الكبير ٣ / ٦٦ و ٥ / ١٥٤ و ١٦٦ و ١٧٠ و ١٨٢ ، شرح نهج البلاغة ٩ / ١٣٣ ، نظم درر السمطين : ٢٣٢ ، كنز العمّال ١ / ١٧٢ و ١٨٦ ، تفسير القرآن العظيم ٤ / ١٢٢ ، المحصول ٤ / ١٧٠ ، الإحكام للآمدي ١ / ٢٤٦ ، الطبقات الكبرى ٢ / ١٩٤ ، علل الدارقطني ٦ / ٢٣٦ ، أنساب الأشراف : ١١١ و ٤٣٩ ، البداية والنهاية ٥ / ٢٢٨ ، السيرة

٤٤٧

بالكتاب والسنّة ، فهو حديث ضعيف صرّح بضعفه كبار محدّثي علماء القوم(١) .

٣ ـ من هم أهل البيت؟ الجواب : ورد في تفسير آية التطهير أنّهم : النبيّ وعلي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام .

٤ ـ هل النساء من أهل البيت؟ حيث يستدلّ بسياق الآية على دخولهن في مصداق أهل البيت؟ الجواب : السياق حجّة إذا لم يرد دليل آخر يخالفه ويخرجه عن السياق ، ولكن الروايات المعتبرة خصّصت أهل البيت بهؤلاء ، وأخرجت غيرهم ، حيث أنّ أُمّ سلمة سألت النبيّ : وأنا منهم؟ فأجاب : «إنّك على خير »(٢) .

وبعد كُلّ هذا ، فإنّ التمسّك بوصية النبيّ لأُمّته خير طريق لإيجاد الوحدة.

( عمر بن محمّد ـ السعودية ـ سنّي )

مطلوبة بين المسلمين :

س : الحقيقة أنّكم إخواننا في الإسلام ، ونحن الآن في عصر العولمة والتقدّم ، ولعلّنا نستفيد من هذا التقدّم بدفع عجلة الانصهار الطائفي إلى الأمام ، أعني لابدّ للشيعة والسنّة أن يكونوا على قلب واحد لمواجهة الآفة الكبرى أمريكا وإسرائيل ، نحن يا أخواني نعبد الله ، ونحجّ ونصوم ، وقبلتنا

__________________

النبوية لابن كثير ٤ / ٤١٦ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ٦ و ١٢ / ٢٣٢ ، ينابيع المودّة ١ / ٧٤ و ٩٥ و ٩٩ و ١٠٥ و ١١٢ و ١١٩ و ١٢٣ و ١٣٢ و ٣٤٥ و ٣٤٩ و ٢ / ٤٣٢ و ٤٣٨ و ٣ / ٦٥ و ١٤١ و ٢٩٤ ، النهاية لابن الأثير ١ / ٢١١ و ٣ / ١٧٧ ، لسان العرب ٤ / ٥٣٨ و ١١ / ٨٨ ، تاج العروس ٧ / ٢٤٥.

١ ـ كنز العمّال ١ / ١٨٧ ، العلل ١ / ٩ ، الضعفاء الكبير ٢ / ٢٥١ ، الكامل في ضعفاء الرجال ٤ / ٦٩.

٢ ـ مسند أبي يعلى ١٢ / ٤٥٦ ، المعجم الكبير ٣ / ٥٣ ، شواهد التنزيل ٢ / ١١٥ ، تاريخ مدينة دمشق ١٤ / ١٤٢ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ١٣.

٤٤٨

واحدة ، وأنا في الحقيقة يا إخواني لا أفرّق بين المذهبين ، لماذا هذا التراشق والتشكيك بالدين بينكم وبين السنّة؟

أتمنّى أن يأتي اليوم الذي نكون به في خندق واحد ضدّ أمريكا واليهود ، دعونا نعمل للأجيال القادمة ، نزرع لهم الحبّ والوآم قبل أن نزرع الحقد.

في عام ١٩٤٨ م دفعت السفارة البريطانية للكتّاب من الشيعة والسنّة لتأليف كتب معادية للطرفين ، والهدف هو إشعال الفتنة بين المسلمين ، نتمنّى من الله العزيز الحكيم أن يصفّي القلوب ، وتذوب الشوائب ، ويرتفع علم الإسلام خفّاقاً رغماً عن أمريكا ، مع تحياتي للجميع.

ج : نحن نعتقد بالوحدة الإسلامية ، وأنّ المسلمين بأمسّ الحاجة إلى التقارب والاتحاد ، بالأخصّ في وقتنا الحاضر ، ولكن هذا لا يعني ترك الحوار الهادئ الهادف للوصول إلى الحقيقة في المسائل العلمية ، فإنّ الأُمم والحضارات والمدارس الفكرية لا يمكن أن تصل إلى مرحلة الترقّي إلاّ بالتقارب الفكري والحوار الهادف.

فالوحدة مطلوبة ، والحوار الهادف مطلوب أيضاً ، بشرط أن لا يخرج الحوار عن أُسسه العلمية.

( رضا ـ البحرين ـ )

تتحقّق بالحوار الهادف :

س : ما هو رأيكم في التقريب بين المذاهب الإسلامية؟ وما هو المطلوب ، تقريب المذاهب أم توحيدها؟ وما الذي يترتّب على ذلك؟

ج : الآية القرآنية الواردة في الوحدة :( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ ) (١) ، ورد في تفسيرها عند الشعية والسنّة : أنّ المراد بحبل الله هو الكتاب والعترة ، وذلك يفهم بوضوح عند مراجعة حديث الثقلين المتواتر : «إنّي

__________________

١ ـ آل عمران : ١٠٣.

٤٤٩

تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما فلن تضلوا بعدي أبداً ».

فالوحدة الحقيقية : التمحور حول الكتاب والعترة ، والتمسّك بهما ، وأخذ معالم الدين منهما ، ولا يمكن أن نفرّق بينهما «لن يفترقا » ، ولن تفيد التأبيد ، يعني إلى يوم قيام الساعة.

هذا ، وإنّ العقل يحتّم على جميع المسلمين : أن يتركوا المنابزات بالألقاب ، والسباب والشتائم ، وكُلّ شيء يكون سبباً للنفرة ، ويتّحد المسلمون في قبال العدو المشترك ، الذي لا يفتأ عن العمل للإحاطة بالمسلمين.

ومع كُلّ هذا ، فإنّ الاختلاف في الرأي حقيقة ثابتة لا يمكن إنكارها ، ولكن كيف نتعامل مع هذا الاختلاف؟

الوحدة الإسلامية والتقارب يحتّمان على الجميع ، أن يجلسوا على طاولة الحوار الهادف الهادئ لبحث الاختلافات قربة إلى الله تعالى ، متجنّبين عن كُلّ ما يسبّب النفرة ، فإن توصّلوا إلى حلّ فهو المطلوب ، وإلاّ فالاختلاف لا يفسد للودّ قضية.

فالوحدة والتقارب يعني ترك النزاع والالتجاء إلى البحث العلمي الموضوعي المبتني على أُسس علمية.

( أُسامة ـ الأردن ـ سنّي )

لتحقيقها نظرتان :

س : الأحبة في الله ، أعرّفكم بنفسي ، فأنا شافعي من مدرسة فقهية مجدّدة في الأردن ، معجب بجهودكم المباركة ، مبغض لكُلّ نصب وتجسيم وتفريق بين المسلمين ، تخلّصت بفضل الله من التعصّب ، غير أنّي أتمنّى منكم بيان جهودكم في التقريب.

أرجو أن تواصلوني بنصائحكم من أجل توصيل الفائدة للسنّة المعتدلين.

٤٥٠

ج : إنّ للتقريب نظرتان : نظرة تقول : بأن يتّحد المسلمون فيما اتفقوا عليه ، ويتركوا فيما اختلفوا فيه لا يبحثونه بالمرّة ، ونظرة تقول : بأن يتّحد المسلمون فيما اتفقوا عليه ويكون سبباً لتقاربهم ، وأمّا فيما اختلفوا فيه فيجلسون على طاولة الحوار الهادف الهادئ متقرّبين بذلك إلى الله تعالى فيتحاوروا ، فإذا توصّلوا إلى نتيجة فيما اختلفوا فيه فهو المطلوب ، وإذا لم يتوصّلوا إلى حلّ فيما اختلفوا فيه ، فتبقى إخوتهم ومحبّتهم ويواصلوا الحوار.

وهذه النظرية الثانية هي التي يركّز عليها المركز ، وبنى منهجه على وفقها ، وكلّنا أمل في أن يدوم الاتصال فيما بيننا.

٤٥١
٤٥٢

الوضوء :

( أحمد جعفر ـ البحرين ـ ١٩ سنة ـ طالب جامعة )

ما ورد في كيفيته من كتاب الغارات لا يعتمد عليه :

س : طالعت كتاب الغارات للثقفي ، فوجدت فيه طريقة الوضوء ، فكان الحديث عن الإمام علي عليه‌السلام يشرح فيه طريقة الوضوء ، وفي الحديث طريقة الوضوء جاءت مطابقة لطريقة وضوء أهل السنّة ، فما هي الحقيقة حول هذا الحديث؟

ج : إنّ الرواية المذكورة في كتاب الغارات لا يمكن الاعتماد عليها(١) ، وذلك لمعارضتها لروايات متواترةٍ صحيحة تصف الوضوء على طريقة الإمامية المتعارفة المتبعة ، لذا فهي ساقطة عن الاعتبار ، وقد روى هذه الرواية الشيخ المفيدقدس‌سره في أماليه بنفس السند(٢) ، إلاّ أنّ نصّها يؤكّد طريقة وضوء الإمامية خلاف النصّ الوارد في كتاب الغارات ، ممّا جعل المحقّق النوريقدس‌سره ـ صاحب المستدرك على الوسائل ـ أن يعتبر ما ورد في نصّ كتاب الغارات هو من تصحيف العامّة ، أي من تحريفهم(٣) .

لذا فلا طعن في سندها ، إلاّ أنّ نصّها مخالف لروايات متواترة تعارضها ، وبذلك فلا يعتنى بهذه الرواية ولا الأخذ بها ، فإنّ وضوء الإمامية قد وردت فيه روايات صحيحة صريحة متواترة فضلاً عن إجماع الطائفة دون معارض.

__________________

١ ـ الغارات ١ / ٢٤٤.

٢ ـ الأمالي للشيخ المفيد : ٢٦٠.

٣ ـ مستدرك الوسائل ١ / ٣٠٦.

٤٥٣

( الكويت ـ ـ )

كيفيته :

س : كيف يتم الوضوء؟

ج : إنّ الوضوء يتمّ بعدّة أُمور :

أوّلاً : غسل الوجه ، ما بين قصاص الشعر إلى طرف الذقن طولاً ، وما اشتملت عليه الإصبع الوسطى والإبهام عرضاً ، والابتداء بأعلى الوجه إلى الأسفل ، ولا يجوز العكس.

ثانياً : غسل اليدين من المرفقين إلى أطراف الأصابع ، ولا يصحّ العكس.

ثالثاً : مسح مقدّم الرأس بما بقي من بلل اليد ، بمقدار ثلاثة أصابع مضمومة عرضاً ، وقدر إصبع طولاً ، وأن يكون المسح من الأعلى إلى الأسفل بباطن الكفّ اليمنى.

رابعاً : مسح القدمين من أطراف الأصابع إلى الكعبين.

( سامي مراد ـ الكويت ـ )

غسل اليد من المرفق :

س : قال الله تعالى في آية الوضوء :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ ) (١) .

فأرجو أن توضّحوا لي : لماذا يكون وضوؤنا إلى الأصابع؟ وليس إلى المرافق؟ كما في الآية ، أي إنّنا عندما نريد أن نتوضّأ نغسل أيدينا من المرافق إلى الأصابع؟

ج : قال تعالى :( فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ ) ، والأيدي جمع يد ، وهي العضو الخاصّ الذي به القبض والبسط والبطش وغير ذلك ، وهو : ما

__________________

١ ـ المائدة : ٦.

٤٥٤

بين المنكب وأطراف الأصابع ، وبما أنّ المعظم من مقاصد اليد تحصل بما دون المرفق إلى أطراف الأصابع ، سُمّي هذا المقطع باليد أيضاً ، فصار اللفظ بذلك مشتركاً ، كالمشترك بين الكلّ والأبعاض ، وهذا الاشتراك هو الموجب لذكر القرينة المعيّنة إذا أُريد به أحد المعاني ، ولذلك قيّد تعالى قوله :( وَأَيْدِيَكُمْ ) بقوله :( إِلَى الْمَرَافِقِ ) ، ليتعيّن أنّ المراد غسل اليد التي تنتهي إلى المرافق.

فتبيّن : أنّ قوله تعالى :( إِلَى الْمَرَافِقِ ) قيد لقوله :( أَيْدِيَكُمْ ) ، فيكون الغسل المتعلّق بها مطلقاً غير مقيّد بالغاية ، يمكن أن يبدأ فيه من المرفق إلى أطراف الأصابع ، وهو الذي يأتي به الإنسان طبعاً إذا غسل يده في غير حال الوضوء من سائر الأحوال ، أو يبدأ من أطراف الأصابع ويختم بالمرفق ، لكن الأخبار الواردة من طريق أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام تفتي بالنحو الأوّل دون الثاني ، وبعبارة أسهل نقول :

١ ـ إنّ لفظ الأيدي في الآية الشريفة مشترك بين كونه ما بين المنكب وأطراف الأصابع ، أو ما بين المرفق وأطراف الأصابع.

٢ ـ هذا الاشتراك يحتاج إلى قرينة تعيّنه.

٣ ـ قوله تعالى :( إِلَى الْمَرَافِقِ ) قرينة على تعيين المراد من اليد ، فقوله تعالى :( إِلَى الْمَرَافِقِ ) قيد لقوله تعالى :( وَأَيْدِيَكُمْ ) ، لا قيداً لقوله تعالى :( فاغْسِلُواْ ) ، ولا معنى لكونه قيداً لهما جميعاً.

٤ ـ وبعد هذا ، فإنّ الآية غير ناظرة إلى أنّ الغسل من أين يبدأ فيه ، فحينئذ يرجع فيه إلى السنّة.

٥ ـ إنّ الأُمّة أجمعت على صحّة وضوء من بدأ في الغسل بالمرافق وانتهى إلى أطراف الأصابع ، وهذا يؤيّد مدّعانا من الاستفادة من الآية القرآنية.

٤٥٥

( جنيد عباس ـ غانا ـ )

كيفية وضوء رسول الله :

س : من فضلكم كيف كان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله يتوضّأ؟ لأنّي أرى بعض المسلمين يفعلون شيئاً ، وآخرون يفعلون شيئاً آخر ، لذلك أُريد البيان الكامل منكم.

ج : روى الشيخ الكلينيقدس‌سره عن زرارة وبكير أنّهما سألا أبا جعفرعليه‌السلام عن وضوء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فدعا بطشت ، أو تور فيه ماء ، فغمس يده اليمنى ، فغرف بها غرفة ، فصبّها على وجهه ، فغسل بها وجهه ، ثمّ غمس كفّه اليسرى ، فغرف بها غرفة ، فأفرغ على ذراعه اليمنى ، فغسل بها ذراعه من المرفق إلى الكفّ ، لا يردّها إلى المرفق ، ثمّ غمس كفّه اليمنى ، فأفرغ بها على ذراعه اليسرى من المرفق ، وصنع بها مثل ما صنع باليمنى ، ثمّ مسح رأسه وقدميه ببلل كفّه ، لم يحدث لهما ماء جديداً(١) .

__________________

١ ـ الكافي ٣ / ٢٥.

٤٥٦

وطئ الزوجة من الدبر :

( عبد الله ـ الكويت ـ سنّي ـ ٢٥ سنة ـ دبلوم تجارة )

محلّ نقاش عند أهل السنّة :

س : في البداية أودّ أن أقول : بأنّني لم أجد موقعاً في الإنترنت مثل موقعكم هذا ، حيث أنّني من محبّي معرفة الإسلام الحقّ ، وهذا الموقع وضّح لي الكثير من الأشياء ، التي كانت تخفى عليّ أنا ، المهمّ أحبّ أن أقول : بأنّني سنّي المذهب حتّى الآن ، ولكن أحبّ أن أوضّح لكم بعض الأُمور ، أنا اقتنعت من مذهب الشيعة ، حيث أنّني فهمت الكثير من هذا الموقع ، وجزاكم الله خيراً ، حيث أنّني لم أكن أعرف معنى السجود على التربة ، وجمع الصلوات ، والخمس ، وزواج المتعة.

المهمّ أنّ موضوعي ليس زواج المتعة ، بل هو بعض الفتاوى التي تصدر من مراجع الشيعة ، مثل ما يلي : علماء الشيعة يجوّزون في الزواج أن يدخل الرجل بزوجته من الدبر ، وهذا متّفق عليه عند المراجع كُلّهم ، أنا أعلم بأنّه مكروه كراهية شديدة ، والمرأة إن رفضت لا تعتبر ناشزة ، ولكن هل هذا جائز فعلاً؟ أعني بذلك أنّه هل توجد أدلّة تبيّن لنا ـ نحن الباحثون عن الحقّ ـ لماذا هذا جائز عند الشيعة ، وليس جائز عند السنّة؟

وهل يوجد من علماء السنّة من الأوّلين إلى الآن ، من جوّز الدخول على المرأة من الدبر؟ وإن كان يوجد فأرجو ذكر أسمائهم ، حيث أنّه هناك آية قرآنية تبيّن فيها أن تأتي المرأة من ما أمرنا الله ، أو ليس هذا اجتهاد مقابل النصّ

٤٥٧

القرآني؟ أرجو التوضيح ، لأنّ الشيعة هم ينادون بأنّهم يندّدون ويبغضون من يجتهد مقابل النصّ ، مثل عمر بن الخطّاب.

آسف على الإطالة ، ولكنّي أبحث عن الحقّ ، وقد أُعجبت بمذهب أهل البيت ، ولكن رأيت من يمثّل أهل البيت لهم فتاوى غريبة ، كالتي ذكرتها ، وأنا أُريد أن أسير في طريق أهل البيت ، ولكن يوجد فتاوى كالتي ذكرتها ، والمزيد ما لم أذكره أجد فيه غرابة واجتهاد مقابل النصّ القرآني.

على العموم أنا إنسان في طريق الاستبصار ، فقد فهمت كُلّ عقائد أهل البيت ، ولكنّي أعجب من فتاوى العلماء الذين سوف يكون واحد منهم مرجعي ، فأرجو منكم التوضيح التام للأمر الذي ذكرته ، وسوف يكون بيننا تواصل إن شاء الله تعالى.

ج : إنّ موضوع إتيان النساء في أدبارهنّ مختلف فيه عند الشيعة ، فمنهم من يفتي بكراهته ، ومنهم من يحرّمه ، ولكُلّ من الفريقين أدلّة ونصوص قرآنية وروائية لا مجال لنا أن نتعرّض لسردها وتأييدها أو ردّها ، ولكن نشير إلى الآية التي ذكرتموها ، وهي :( فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ ) (١) ، فلا يظهر المراد منها على وجه تختصّ بالقُبل ، كما هو ظاهر للمتأمّل ، بل كما يجوز هذا الوجه ، يحتمل أيضاً أن يكون المراد هو حلّية مطلق الإتيان ، ورفع الحظر الذي كان في حالة الحيض.

ثمّ إنّ المتتبّع المنصف يرى أنّ الموضوع هو محلّ النقاش عند السنّة أيضاً ، فعلى سبيل المثال نذكر هنا هذه الرواية التي تجوّز هذا الأمر عندهم : عن أبي سعيد : أنّ رجلاً أصاب امرأته في دبرها ، فأنكر الناس ذلك عليه ، وقالوا : نعيّرها ، فأنزل الله عزّ وجلّ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) (٢) .

__________________

١ ـ البقرة : ٢٢٢.

٢ ـ البقرة : ٢٢٣.

٤٥٨

قال أبو جعفر : فذهب قوم إلى أنّ وطئ المرأة في دبرها جائز ، واحتجّوا في ذلك بهذا الحديث ، وتأوّلوا هذه الآية على إباحة ذلك(١) .

وأخيراً : لابأس أن نشير إلى نقطة هامّة في المقام ، وهو أنّه في طريق البحث عن العقيدة والمذهب الصحيح لا ينبغي أن نتحقّق في المواضيع الهامشية ، بل يجب علينا أن نبحث في الأُسس والأركان ، ثمّ إنّ رضينا وقنعنا بها نقبل بالتفاصيل بصورة عامّة.

ولا يعقل أن نتساءل في كُلّ مورد عن الأدلّة والتفاصيل ، بل نرجع فيها إلى ذوي الخبرة والاختصاص ، فالمسائل والفروع الفقهية هي محلّ بحث ونقاش حتّى الآن ، وهذا لا يخدش في أصل العقيدة والمذهب بعد ما أثبتنا صحّته بالدلائل العقلية والنقلية.

( عبد الله ـ الكويت ـ سنّي ـ ٢٥ سنة ـ دبلوم تجارة )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : السلام عليكم يا أتباع الحقّ ، في الحقيقة أنّني استلمت ردّكم على سؤالي ، وأنا أشكركم جدّاً على جهدكم المتواصل ، لتوصيل مذهب أهل البيت للناس ، ولكن للأسف قليل من الناس من يعرف قدر أهل بيت رسول الله ، المهمّ أنّني قرأت الإجابات ، وإنّني أصارحكم بأنّني لم اقتنع بشكل كامل ، ولكن أصبحت الصورة أوضح والحمد لله.

ولكن مشكلتي هي أنّني لا أملك الوقت الكامل لأطّلع على الكتب التي وضعتم عناوينها ورقم صفحاتها ، وذلك بسبب عملي الطويل وبقائي خارج البيت ، وهذا الموضوع بالنسبة لي مهمّ جدّاً ، فلو تكرّمتم أن تكتبوا لي النصوص الموجودة في الكتب السنّية التي ذكرتموها عن إتيان المرأة في الدبر.

__________________

١ ـ شرح معاني الآثار ٣ / ٤٠ ، جامع البيان ٢ / ٥٣٧ ، فتح الباري ٨ / ١٤١ ، فيض القدير ١ / ٨٨ ، نيل الأوطار ٦ / ٣٥٥ ، الدرّ المنثور ١ / ٢٦٥ ، فتح القدير ١ / ٢٢٩.

٤٥٩

ج : نذكر لكم بعض النصوص المشار إليها في جوابنا لكم ؛ ففي مجال إتيان النساء في أدبارهنّ ، أخرج البخاري عن ابن عمر في آية( فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) (١) ، أنّه قال : يأتيها في الدبر(٢) .

ونقل الطبري عن نافع قال : « كان ابن عمر إذا قرئ القرآن لم يتكلّم ، قال : فقرأت ذات يوم هذه الآية( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) فقال : أتدري فيمن نزلت هذه الآية؟ قلت : لا ، قال : نزلت في إتيان النساء في أدبارهنّ »(٣) .

وعن أبي سعيد الخدري : « أنّ رجلاً أصاب امرأته في دبرها ، فأنكر الناس ذلك عليه ، وقالوا : نعيّرها ، فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية ، وعلّقه النسائي عن هشام بن سعيد عن زيد : وهذا السبب في نزول هذه الآية مشهور »(٤) .

وعن أبي سعيد الخدري قال : أبعر رجل امرأته على عهد رسول الله ، فقالوا : أبعر فلان امرأته ، فأنزل الله( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ) (٥) .

وعن مالك قال : « ما أدركت أحداً أقتدي به في ديني يشكّ في أنّه حلال ، يعني وطء المرأة في دبرها ، ثمّ قرأ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ) ، قال : فأيّ شيء أبين من هذا وما أشكّ فيه »(٦) .

وأخرج ابن جرير في كتاب النكاح من طريق ابن وهب عن مالك : أنّه مباح(٧) .

__________________

١ ـ البقرة : ٢٢٣.

٢ ـ صحيح البخاري ٦ / ١٦٠ ، فتح الباري ٨ / ١٤١ ، عمدة القاري ١٨ / ١٥٤.

٣ ـ جامع البيان ٢ / ٥٣٥ ، صحيح البخاري ٥ / ١٦٠ ، عمدة القاري ١٨ / ١٥٣ ، أحكام القرآن لابن العربي ١ / ٢٣٨ ، الجامع لأحكام القرآن ٣ / ٩١ ، تفسير القرآن العظيم ١ / ٢٦٩.

٤ ـ فتح الباري ٨ / ١٤٢.

٥ ـ مسند أبي يعلى ٢ / ٣٥٥.

٦ ـ أحكام القرآن للجصّاص ١ / ٤٢٦ ، المجموع ١٦ / ٤٢٠ ، المغني لابن قدامة ٨ / ١٣١ ، عمدة القاري ١٨ / ١٥٥ ، تفسير القرآن العظيم ١ / ٢٧٢.

٧ ـ الدرّ المنثور ١ / ٢٦٦.

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481