تذكرة الفقهاء الجزء ٧

تذكرة الفقهاء4%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-007-2
الصفحات: 481

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 481 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 169474 / تحميل: 5804
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٧

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٠٠٧-٢
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

الولي ، لم يلزمه أن يحلله ، ويلزمه أن ينفق عليه إلى أن يفرغ ؛ لأنّه شرع في واجب عليه ، فلزمه الإِتمام.

ولو شرع في حجّ تطوّع ثم حجر الحاكم عليه ، فكذلك ؛ لأُنّه بدخوله فيه وجب عليه الإِكمال.

أمّا لو شرع فيه بعد الحجر ، فإن استوت نفقته سفراً وحضراً ، أو كان يتكسّب في طريقه بقدر حاجته ، لم يكن له أن يحلله ، وإن زادت نفقة السفر ولم يكن له كسب ، كان له إحلاله.

مسألة ١٢ : الحجّ والعمرة إنّما يجبان بشروط خمسة في حجّة الإِسلام وعمرته : التكليف والحرّية والاستطاعة ومؤونة سفره ومؤونة عياله وإمكان المسير.

وشرائط النذر وشبهه من اليمين والعهد أربعة : التكليف والحرّية والإِسلام وإذن الزوج والمولى.

وشرائط حجّ النيابة ثلاثة : الإِسلام ، والتكليف ، وأن لا يكون عليه حجّ واجب بالأصالة أو بالنذر المضيّق أو الاستئجار المضيّق أو الإِفساد.

ولو وجب عليه الحجّ وجوباً مستقرّاً فعجز عن أدائه ولو مشياً صحّ أن يكون نائباً عن غيره.

وشرط المندوب أن لا يكون عليه حجّ واجب ، وإذن الولي - كالزوج والمولى والأب - على من له عليه ولاية ، كالزوجة والعبد والولد ، وسيأتي تفصيل ذلك كلّه إن شاء الله تعالى.

* * *

٢١

٢٢

٢٣

الفصل الثاني

في تفصيل هذه الشرائط‌

وفيه مطلبان :

الأول : في شرائط حجة الإِسلام‌.

وفيه مباحث :

الأول : البلوغ والعقل‌

مسألة ١٣ : لا خلاف بين العلماء كافة في أنّ الصبي لا يجب عليه الحجّ ؛ لفقد شرط التكليف فيه.

وما رواه العامة عن عليعليه‌السلام ، قال : ( قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى ينبت(١) ، وعن المعتوه حتى يعقل )(٢) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه مسمع بن عبد الملك عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « لو أنّ غلاماً حجّ عشر سنين ثم احتلم كانت عليه فريضة‌

____________________

(١) في المصدر : حتى يشب.

(٢) سنن الترمذي ٤ : ٣٢ / ١٤٢٣ ، وأوردها عنه ابنا قدامة في المغني ٣ : ١٦٥ ، والشرح الكبير ٣ : ١٦٦ - ١٦٧.

٢٤

الإِسلام »(١) .

وعن شهاب قال : سألته عن ابن عشر سنين يحجّ ، قال : « عليه حجّة الإِسلام إذا احتلم ، وكذلك الجارية عليها الحجّ إذا طمثت »(٢) فلو كان الصبي من أهل الحج لسقطت الإِعادة عنه بعد بلوغه.

مسألة ١٤ : الصبي إن كان مميّزاً ، صحّ إحرامه وحجّه إذا أذن له الولي.

والأقرب : أنّه ليس للولي أن يُحرم عن المميّز. وللشافعية وجهان(٣) .

وإن كان غير مميّز ، جاز لوليّه أن يُحرم عنه ، ويكون إحرامه شرعياً.

وإن فعل ما يوجب الفدية ، كان الفداء على الولي.

وأكثر الفقهاء على صحة إحرامه وحجّه إن كان مميّزاً ، وإن كان غير مميّز ، أحرم عنه وليّه ، فيصير مُحرماً بذلك ، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد ، وهو مروي عن عطاء والنخعي(٤) .

لما رواه العامة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه مرّ بامرأة وهي في محفّتها ، فقيل لها : هذا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأخذت بعَضُد صبيّ كان معها وقالت : ألهذا حجٌّ؟ قال : ( نعم ولكِ أجر )(٥) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه عبد الله بن سنان - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : « مرّ رسول الله برويثة(٥) وهو‌

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٦ / ١٥ ، الاستبصار ٢ : ١٤٦ / ٤٧٧ ، والكافي ٤ : ٢٧٨ / ١٨.

(٢) الكافي ٤ : ٢٧٦ / ٨ ، التهذيب ٥ : ٦ / ١٤ ، الاستبصار ٢ : ١٤٦ / ٤٧٦.

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ٢٠٩ ، الوجيز ١ : ١٢٣ ، فتح العزيز ٧ : ٤٢١ ، المجموع ٧ : ٢٣.

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ٢٠٦ ، فتح العزيز ٧ : ٤٢١ ، حلية العلماء ٣ : ٢٣٣ - ٢٣٤ ، المجموع ٧ : ٢٢ - ٢٣ ، بداية المجتهد ١ : ٣١٩ ، المغني ٣ : ٢٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦٩.

(٥) موطّأ مالك ١ : ٤٢٢ / ٢٤٤ ، وأوردها الماوردي في الحاوي الكبير ٤ : ٢٠٦.

(٦) رويثة : موضع بين مكة والمدينة على ليلة منها. معجم البلدان ٣ : ١٠٥.

٢٥

حاج ، فقامت إليه امرأة ومعها صبي لها ، فقالت : يا رسول الله أيُحجّ عن مثل هذا؟ قال : « نعم ولكِ أجره »(١) .

ولأنّ الحجّ عبادة تجب ابتداءً بالشرع عند وجود مال ، فوجب أن ينوب الولي فيها عن الصغير ، كصدقة الفطر.

وقال أبو حنيفة : إحرام الصبي غير منعقد ، ولا فدية عليه فيما يفعله من المحظورات ، ولا يصير مُحرماً بإحرام وليّه ؛ لقولهعليه‌السلام : ( رُفع القلم عن ثلاث : عن الصبي حتى يبلغ )(٢) .

ولأنّ كلّ من لا يلزمه الحج بقوله لا يلزمه بفعله ، كالمجنون ، ولأنّها عبادة على البدن ، فوجب أن لا ينوب الكبير فيها عن الصغير ، كالصوم والصلاة ، ولأنّ الإِحرام سبب يلزم به حكم ، فلم يصح من الصبي ، كالنذر(٣) .

والجواب : القول بموجب الحديث ؛ فإنّ الصبي لا يجب عليه الحجّ ، وهو معنى رفع القلم عنه ، وذلك لا يقتضي نفي صحته منه.

والقياس باطل ، مع أنّا نقول بموجب العلّة ؛ فإنّ الحج لا يلزمه بفعله كما لا يلزمه بقوله ، وإنّما يلزمه بإذن وليّه.

والفرق ظاهر ؛ فإنّ الجنون مرجوّ الزوال عن المجنون في كلّ وقت ، فلم يجز أن يُحرم عنه وليّه ؛ لجواز أن يفيق فيحرم بنفسه ، وأمّا البلوغ فغير مرجوّ إلّا في وقته ، فجاز أن يُحرم عنه وليّه ؛ إذ لا يرجى بلوغه في هذا الوقت حتى يحرم بنفسه.

ولأنّ الصبي يقبل منه الإِذن في دخول الدار وقبول الهدية منه إذا كان‌

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٦ - ٧ / ١٦ ، الاستبصار ٢ : ١٤٦ - ١٤٧ / ٤٧٨.

(٢) أورده الماوردي في الحاوي الكبير ٤ : ٢٠٦.

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ٢٠٦ ، المغني ٣ : ٢٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦٩ ، بداية المجتهد ١ : ٣١٩ ، فتح العزيز ٧ : ٤٢٠.

٢٦

رسولاً فيها ، بخلاف المجنون فافترقا.

والفرق : أنّ الصلاة لا تجوز فيها النيابة عن الحي ، بخلاف الحج.

ووافقنا أبو حنيفة على أنّه يُجنّب ما يجتنبه المحُرم(١) ، ومن جُنّب ما يجتنبه المـُحرم كان إحرامه صحيحاً ، والنذر لا يجب به شي‌ء ، بخلاف مسألتنا.

مسألة ١٥ : الصبي المميّز لا يصحّ حجّة إلّا بإذن وليّه ، فإذا كان مراهقاً مطيقاً ، أذن له الولي في الإِحرام ، وإن كان طفلاً غير مميّز ، أحرم عنه الولي.

فإن أحرم الصبي المميّز بغير إذن وليّه ، لم يصحّ إحرامه ؛ لأنّ الصبي ممنوع من التصرّف في المال ، والإِحرام يتضمّن إنفاق المال والتصرّف فيه ؛ لأنّ الإِحرام عقد يؤدّي إلى لزوم مال ، فجرى مجرى سائر أمواله وسائر عقوده التي لا تصحّ إلّا بإذن وليّه ، وهو أصحّ وجهي الشافعية ، والثاني : أنّ إحرامه منعقد ، كإحرامه بالصلاة(٢) .

والفرق : أنّ إحرام الصلاة لا يتضمّن إنفاق المال ، وإحرام الحجّ يتضمّنه ، فعلى الثاني للولي تحليله وليس له الإِحرام عنه ، وعلى الأول للولي أن يُحرم عنه - وهو أحد وجهي الشافعية(٣) - لأنّه مولّى عليه ، والثاني : المنع ، لاستقلاله بعبادته(٤) .

مسألة ١٦ : أولياء الأطفال على ثلاثة أقسام : أنساب واُمناء الحُكّام وأوصياء الآباء ، فالأنساب إمّا آباء وأجداد لهم أو اُمّ أو غيرهم.

والآباء والأجداد للآباء لهم ولاية الإِحرام بإجماع من سوّغ الحجّ‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٢٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٠.

(٢) الحاوي الكبير ٤ : ٢٠٧ ، الوجيز ١ : ١٢٣ ، فتح العزيز ٧ : ٤٢١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٠٢ ، المجموع ٧ : ٢٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٣٣.

(٣ و ٤) فتح العزيز ٧ : ٤٢١.

٢٧

للصبيان - وهو قول علمائنا أجمع ، وبه قال الشافعي(١) - لأنّ للأب والجدّ للأب ولاية المال على الطفل ، فكان له ولاية الإِذن في الحجّ.

ولا يشترط في ولاية الجدّ عدم الأب ، وهو أحد وجهي الشافعية تخريجاً ممّا إذا أسلم الجدّ ، والأب كافر ، يتبعه الطفل على رأي(٢) .

وأمّا الاُم فقال الشيخرحمه‌الله : إنّ لها ولايةً بغير تولية ، ويصحّ إحرامها عنه ؛ لحديث المرأة التي سألت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن ذلك(٣) .

وهو أحد قولي الشافعية ، والثاني : المنع ، وهو ظاهر كلام أحمد(٤) .

وأمّا من عدا هؤلاء من الأنساب الذكور والإِناث فلا يصحّ إذنهم ، ولا ولاية لهم في الحجّ والإِحرام ، كما أنّه لا ولاية لهم في المال ، وليس لاُمناء الحكّام الإِذن.

وقال الشيخرحمه‌الله : الأخ وابن الأخ والعمّ وابن العمّ إن كان وصيّاً أو له ولاية عليه وليها ، فهو بمنزلة الأب ، وإن لم يكن وليّاً ولا وصيّاً ، فلا ولاية له عليه ، وهو والأجنبي سواء(٥) .

وهذا القول يعطي أنّ لأمين الحاكم الولاية ، كما في الحاكم ؛ لأنّ قوله : أو له ولاية عليه وليها ، لا مصرف له إلّا ذلك.

والشافعية اتّفقوا على ثبوت الولاية للأب والجدّ للأب ، وعلى انتفائها عمّن لا ولادة فيه ولا تعصيب ، كالإِخوة للاُم والأعمام للاُم والعمّات من الأب والاُم ، والأخوال والخالات من قِبَل الأب والاُم وإن كانت لهم ولاية في‌

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٢١ ، المجموع ٧ : ٢٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٠٧.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٢١ ، المجموع ٧ : ٢٤.

(٣) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٢٩.

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ٢٠٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٢١ ، المجموع ٧ : ٢٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٣٤ ، المغني ٣ : ٢٠٩ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٠.

(٥) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٢٨ - ٣٢٩.

٢٨

الحضانة.

وأمّا من عدا هذين القسمين فقد اختلفوا على ثلاثة مذاهب بناءً على اختلافهم في معنى إذن الأب والجدّ له.

أحدها : أنّ المعنى في إذن الأب والجدّ له : استحقاق الولاية على ماله ، فعلى هذا لا يصحّ إذن الجدّ من الاُم ولا إذن الأخ والعمّ ؛ لأنّهم لا يستحقّون الولاية عليه في ماله.

وأمّا الاُم والجدّة فالصحيح من مذهب الشافعي أنّه لا ولاية لها عليه بنفسها ، فلا يصحّ إذنها له.

وعلى قول بعض الشافعية : إنّها تلي عليه بنفسها ، فعلى هذا يصحّ إذنها له ؛ لقولهعليه‌السلام لاُم الصبي : ( ولكِ أجره ) ومعلومٌ أنّ الأجر ثبت لها لإِذنها له ونيابتها عنه.

الثاني : أنّ المعنى في إذن الأب والجدّ ما فيه من الولادة والعصبة ، فعلى هذا يصحّ إذن سائر الآباء والاُمّهات ؛ لوجود الولادة فيهم.

الثالث : أنّ المعنى في إذن الأب والجدّ وجود التعصيب فيهما ، فعلى هذا يصحّ إذن سائر العصبات من الإِخوة والأعمام وأولادهما ، ولا يصحّ إذن الاُم ولا الجدّ لها ؛ لعدم التعصيب.

وأمّا اُمناء الحكّام فقد اتّفقوا على أنّه لا يصح إذنهم ؛ لاختصاص ولايتهم بماله دون بدنه ، فكانوا فيما سوى المال كالأجانب.

ولهم وجه آخر بعيد : الصحة ؛ لأنّهم يتصرّفون في المال.

وأمّا أوصياء الآباء فلهم وجهان في صحة إذنهم :

أحدهما : الصحة كالآباء لنيابتهم عنه.

والثاني - وهو الأصحّ عندهم - أنّ إذنهم لا يصحّ كاُمناء الحكّام(١) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ٢٠٧ - ٢٠٨.

٢٩

مسألة ١٧ : الصبي إن كان مراهقاً مميّزاً يطيق على الأفعال ، أذن له الولي فيها ، فإذا أذن له ، فَعَل الحجّ بنفسه ، كالبالغ.

وإن كان طفلاً لا يميّز ، فإن صحّ من الطفل من غير نيابة ، كالوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة ، أحضره الولي فيهما ، وإن لم يصحّ من الطفل إلّا بنيابة الولي عنه ، فهو كالإِحرام يفعله الولي عنه.

قال جابر : خرجنا مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حُجّاجاً ومعنا النساء والصبيان ، فأحرمنا عن الصبيان فلبّينا عن الصبيان ورمينا عنهم(١) .

ويجرّد الصبي من ثيابه إذا قرب من الحرم - وروى علماؤنا من فخ(٢) - وإن صحّ منه بمعونة الولي ، فإذا أحرم الولي عن الطفل ، جاز.

وهل يجوز أن يكون الولي مُحْرماً؟ للشافعية وجهان :

أحدهما : المنع ، فليس للولي أن يُحرم عن الطفل إلّا أن يكون حلالاً ، لأنّ من كان في نسك لا يصحّ أن يفعله عن غيره.

والثاني : يصح إحرام الولي عنه وإن كان مُحْرماً - ولا فرق بين أن يكون عليه حجّة الإِسلام أو قد حجّ عن غيره ، وغيره - لأنّ الولي ليس يتحمّل الإِحرام عنه فيصير به مُحرماً حتى يمتنع من فعله إذا كان مُحْرماً ، وإنّما يعقد الإِحرام عن الصبي ، فيصير الصبي مُحرماً ، فجاز أن يفعل الولي ذلك وإن كان مُحْرماً(٣) .

والأخير أقرب.

فعلى الأول يقول عند الإِحرام : اللّهم إنّي قد أحرمت عن ابني ، وعلى هذا يجوز أن يكون غير مواجه للصبي بالإِحرام ولا مشاهد له إذا كان الصبي‌

____________________

(١) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠١٠ / ٣٠٣٨ ، وأورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٢٠٩ ، والشرح الكبير ٣ : ١٧٠ - ١٧١ نقلاً عن سنن سعيد بن منصور.

(٢) الكافي ٤ : ٣٠٣ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٦٥ / ١٢٩٢ ، التهذيب ٥ : ٤٠٩ / ١٤٢١.

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ٢٠٩.

٣٠

حاضراً في الميقات. وعلى قول آخر : إنّه لا يشترط حضوره.

وعلى الثاني يقول عند الإِحرام : اللّهم إنّي قد أحرمت بابني ، وعلى هذا لا يصحّ أن يكون غير مواجه للصبي بالإِحرام ، فإذا فعل ذلك ، صار الصبي مُحْرماً دون الولي ، فيلبسه ثوبين ، ويُجنّبه ما يجتنبه المـُحْرم ، وعلى وليّه أن يحضره الوقوف بالموقفين ومنى ليشهدها بنفسه.

وأمّا الرمي فإن أمكن من وضع الحصى في كفّه ورميها في الجمرة من يده ، فَعَل ، وإن عجز الصبي عن ذلك ، أحضره الجمار ورمى الولي عنه ، ويستحب للولي أن يضع الحصى في كفّ الصبي وأخذها من يده.

قال ابن المنذر : كلّ من نحفظ عنه من أهل العلم يرى الرمي عن الصبي الذي لا يقدر على الرمي ، وبه قال عطاء والزهري ومالك والشافعي وإسحاق(١) .

وأمّا الطواف والسعي فعلى وليّه أن يحمله ويطوف به ويسعى ، وعليه أن يتوضّأ للطواف ويوضّئه.

فإن كانا غير متوضّئَيْن ، لم يجزئه الطواف.

وإن كان الصبي متطهّراً والولي مُحْدثاً ، لم يجزئه أيضاً ؛ لأنّ الطواف بمعونة الولي يصحّ ، والطواف لا يصحّ إلّا بطهارة.

وإن كان الوليّ متطهّراً والصبي مُحْدثاً ، لم يجزئه أيضا ، لأنّ الطواف بمعونة الولي يصحّ ، والطواف لا يصحّ إلاّ بطهارة.

وإن كان الوليّ متطهّرا والصبي محدثا ، فللشافعية وجهان :

أحدهما : لا يجزئ ، لأنّ الطواف بالصبي أخصّ منه بالولي ، فإذا لم يجز أن يكون الولي محدثا فأولى أن لا يكون الصبي محدثا.

والثاني : أنّه يجزئ ؛ لأنّ الصبي إذا لم يكن مميّزاً ففِعْلُ الطهارة لا يصحّ منه ، فتكون طهارة الولي نائبةً عنه ، كما أنّه لمـّا لم يصح منه الإِحرام صحّ إحرام الوليّ عنه(٢) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٢٠٩ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧١.

(٢) الحاوي الكبير ٤ : ٢٠٩.

٣١

ويصلّي الوليّ عنه ركعتي الطواف إن لم يكن مميّزاً ، وإن كان مميّزاً صلّاهما بنفسه.

ولو أركبه الولي دابّةً ليطوف به ، وجب أن يكون الوليّ معه سائقاً أو قائداً ؛ لأنّ الصبي غير مميّز ولا قاصد ، والدابّة لا تصحّ منها عبادة.

ويرمل به في موضع الرمل.

وللشافعية في الرمل به وجهان(١) .

مسألة ١٨ : لو كان على الولي طواف ، حَمَل الصبي وطاف به ، ونوى بطوافه ما يختص به ، وينوي بطواف الصبي طوافه.

وقال الشافعي : يجب عليه أن يطوف عن نفسه أوّلاً ثم يطوف بالصبي ثانياً ، فينوي الطواف عن نفسه دون الصبي ثم يطوف بالصبي ناوياً عنه.

فإن نوى الطواف عن الصبي دون نفسه فله قولان :

أحدهما : أن يكون على الولي الحامل دون الصبي المحمول ؛ لأنّ مَنْ وجب عليه ركن من أركان الحجّ فتطوّع به عن نفسه أو عن غيره ، انصرف إلى واجبة ، كالحجّ عن نفسه.

والثاني : أنّه يكون عن الصبي المحمول دونه ؛ لأنّ الحامل كالآلة للمحمول ، فكان ذلك واقعاً عن المحمول دون الحامل.

وإن نوى الطواف عن نفسه وعن الصبي المحمول ، أجزأه عن طوافه.

وهل يجزئ عن الصبي؟ وجهان مخرَّجان من القولين.

وإن لم تكن له نية ، انصرف إلى طواف نفسه ؛ لوجوده على الصفة الواجبة عليه ، وعدم القصد المخالف له(٢) .

وقد بيّنّا نحن الصحيح عندنا.

مسألة ١٩ : مؤونة حجّ الصبي ونفقته الزائدة في سفره تلزم الولي ، مثل‌

____________________

(١ و ٢) الحاوي الكبير ٤ : ٢١٠.

٣٢

آلة سفره واُجرة مركبة وجميع ما يحتاج إليه في سفره ممّا كان مستغنياً عنه في حضره - وهو ظاهر مذهب الشافعي ، وبه قال مالك وأحمد(١) - لأنّ الحجّ غير واجب على الصبي ، فيكون متبرّعاً ، وسببه الولي ، فيكون ضامناً.

وليس للولي صرف مال الطفل في ما لا يحتاج إليه وهو غير محتاج حال صِغَره إلى فعل الحج ؛ لوجوبه عليه حال كِبَره ، وعدم إجزاء ما فَعَله في صِغَره عمّا يجب عليه في كِبَره.

وله قول آخر : إنّه في مال الصبي ؛ لأنّ ذلك من مصلحته كاُجرة مُعلّمه ومؤونة تأديبه ، ولأنّ الحجّ يحصل له ، فكان كما لو قَبِل له النكاح يكون المهر عليه(٢) .

والفرق ظاهر ؛ فإنّ التعلّم الذي إن فاته في صِغَره قد لا يدركه في كِبَره ، ويخالف النكاح ؛ فإنّ المنكوحة قد تفوت ، والحج يمكن تأخيره.

مسألة ٢٠ : يحرم على الصبي كلّ ما يحرم على البالغ من محظورات الإِحرام ؛ لأنّ إحرامه شرعي على ما تقدّم ، فتترتّب عليه أحكامه ، لا بمعنى أنّه مخاطب بالتحريم وأنّ العقاب يترتّب على فعله ، بل بمعنى أنّ الولي يجنّبه جميع ما يجتنبه المـُحْرم.

فإن فعل الصبي شيئاً من المحظورات فإن وجب به الفداء على البالغ في حالتي عمده وخطئه كالصيد ، وجب عليه الجزاء ؛ لأنّ عمد الصبي كخطإ البالغ.

ويجب في مال الصبي ؛ لأنّه مال وجب بجنايته ، فوجب أن يجب في‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ٢١٠ ، فتح العزيز ٧ : ٤٢٣ ، المجموع ٧ : ٣٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٣٥ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٦٩ ، التفريع ١ : ٣٥٣ ، المغني ٣ : ٢١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٢.

(٢) الحاوي الكبير ٤ : ٢١٠ ، فتح العزيز ٧ : ٤٢٣ ، المجموع ٧ : ٣٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٣٥.

٣٣

ماله ، كما لو استهلك مال غيره.

وهو أحد وجهي الشافعية ، والثاني : أنّه يجب في مال الولي - وهو الذي نصّ عليه الشافعي في الإِملاء - لأنّ الولي هو الذي ألزمه الحجّ بإذنه ، فكان ذلك من جهته ومنسوباً إلى فعله(١) وإن اختلف حكم عمده وسهوه في البالغ ، كالطيب واللبس ، فإن فعله الصبي ناسياً ، فلا فدية فيه ؛ لأنّها لا تجب في حق البالغ ففي الصبي أولى.

وإن فعله عمداً ، قال الشيخ : الظاهر أنّه تتعلّق به الكفّارة على وليّه.

وإن قلنا : لا يتعلّق به شي‌ء ؛ لما روي عنهمعليهم‌السلام من أنّ « عمد الصبي وخطأه واحد »(٢) والخطأ في هذه الأشياء لا تتعلّق به كفّارة من البالغين ، كان قويّاً(٣) .

وللشافعي قولان مبنيان على اختلاف قوله في عمد الصبي هل يجري مجرى الخطأ أو مجرى العمد من العاقل؟ على قولين :

أحدهما : أنّه يجري مجرى الخطأ ، فلا فدية فيه ، كالبالغ الناسي.

والثاني : أنّه عمد صحيح ، فالفدية واجبة(٤) .

وأين تجب؟ على الوجهين :

أحدهما : أنّه على الصبي ؛ لأنّ الوجوب بسبب ما ارتكبه.

وأصحّهما في مال الولي - وبه قال مالك - لأنّه الذي أوقعه وغرّر بماله(٥) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ٢١٠ - ٢١١ ، فتح العزيز ٧ : ٢٤٥ ، المجموع ٧ : ٣٢.

(٢) التهذيب ١٠ : ٢٣٣ / ٩٢٠.

(٣) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٢٩.

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ٢١١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٢٤ ، المجموع ٧ : ٣١.

(٥) الحاوي الكبير ٤ : ٢١١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٢٥ ، المجموع ٧ : ٣٢.

٣٤

لكن لو طيّبه الولي كانت الفدية في ماله لا(١) في مال الصبي وجهاً واحداً(٢) .

هذا كلّه إذا أحرم بإذن الولي ، وإن أحرم بغير إذنه ، فلا فدية ، وهو أحد وجهي الشافعية.

ولهم آخر : أنّه يجوز إحرامه ، فالفدية في ماله(٣) .

مسألة ٢١ : إذا وجبت الفدية في مال الصبي ، فإن كانت مترتّبةً ، فحكمها حكم كفّارة القتل ، وإلّا فهل يجزئ أن يفتدي بالصوم في الصِغَر؟

للشافعية وجهان مبنيان على أنّه إذا أفسد الحجّ هل يجزئه قضاؤه في الصغر؟

وليس(٤) للولي والحال هذه أن يُفدي عنه بالمال ؛ لأنّه غير متعيّن.

ولهم وجه آخر : أنّه إذا أحرم به الأب أو الجدّ ، فالفدية في مال الصبي ، فإن أحرم به غيرهما فهي عليه(٥) .

مسألة ٢٢ : لو وطأ الصبي في الفرج ناسياً ، لم يكن عليه شي‌ء ، ولا يفسد حجّه ، كالبالغ سواء.

وإن كان عمداً ، قال الشيخرحمه‌الله : على ما قلناه من أنّ عمده وخطأه سواء لا يتعلّق به أيضاً فساد الحجّ.

ولو قلنا : إنّ عمده عمد ؛ لعموم الأخبار في من وطأ عامداً في الفرج من أنّه يفسد حجّه ، فقد فسد حجّه ، وعليه الإِتمام ، ولزمه القضاء.

قال : والأقوى الأول ؛ لأنّ إيجاب القضاء يتوجّه إلى المكلّف وهذا‌

____________________

(١) كلمة « لا » حُرّفت في النسخ الخطية والحجرية إلى « أو » وما أثبتناه هو الصحيح.

(٢) الحاوي الكبير ٤ : ٢١١ ، المجموع ٧ : ٣٣.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٢٥ ، المجموع ٧ : ٣٢.

(٤) كلمة « ليس » صُحّفت في النسخ الخطية والطبعة الحجرية إلى « ان » وما أثبتناه هو الصحيح.

(٥) فتح العزيز ٧ : ٤٢٥ - ٤٢٦ ، المجموع ٧ : ٣٣.

٣٥

ليس بمكلّف(١) .

وقالت الشافعية : إذا جامع ناسياً أو عامداً وقلنا : إنّ عمده خطأ ، ففي فساد حجّه قولان ، كالبالغ إذا جامع ناسياً.

والأظهر أنّه لا يفسد.

وإن قلنا : إنّ عمده عمد ، فسد حجّه.

وإذا فسد فهل عليه القضاء؟ فيه قولان :

أحدهما : لا ، لأنّه ليس أهلاً لوجوب العبادات البدنية.

وأصحّهما : نعم ؛ لأنّه إحرام صحيح ، فيوجب إفساده القضاء ، كحجّ التطوّع(٢) .

إذا عرفت هذا ، فإن أوجبنا القضاء فإنّه لا يجزئه حالة الصبا ، بل يجب عليه بعد بلوغه.

وللشافعي قولان في إجزاء القضاء قبل البلوغ :

أصحّهما : نعم ؛ اعتباراً بالأداء.

والثاني : لا - وبه قال مالك وأحمد - لأنّه فرض والصبي ليس أهلاً لأداء فرض الحج(٣) .

وعلى هذا القول لو لم يقض حتى بلغ ، نظر في ما أفسده ، إن كانت بحيث لو سلمت عن الإِفساد ، أجزأت عن حجة الإِسلام ، فإن بلغ قبل فوات الوقوف ، أجزأ القضاء عن حجة الإِسلام ، وإن كانت لا تجزئ لو سلمت عن الإِفساد ، لم تجزئ عن حجة الإِسلام ، وعليه أن يبدأ بحجة الإِسلام ثم يقضي(٤) .

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٢٩.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٢٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢١١ ، المجموع ٧ : ٣٤ - ٣٥.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٢٦ ، المجموع ٧ : ٣٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٣٤ - ٢٣٥.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٤٢٦ ، المجموع ٧ : ٣٥ - ٣٦.

٣٦

فإن نوى القضاء أوّلاً ، قالت الشافعية : انصرف إلى حجة الإِسلام(١) .

وفيه إشكال.

وعلى تقدير تجويز القضاء في الصِّغَر لو شرع فيه وبلغ قبل الوقوف ، انصرف إلى حجة الإِسلام ، وعليه القضاء(٢) .

وإذا فسد حجّه وأوجبنا القضاء ، وجبت الكفّارة أيضاً ، وإن لم نوجب القضاء ، ففي الكفّارة للشافعية وجهان ، والأصحّ عندهم : الوجوب(٣) .

وإذا وجبت الكفّارة فهي على الولي أو في مال الصبي؟ فيه الخلاف(٤) .

مسألة ٢٣ : لو فعل الولي في الصبي ما يحرم على الصبي مباشرته ، كما لو طيّبه أو ألبسه مخيطاً أو حلق رأسه ، فإن فعل ذلك لحاجة الصبي ، كما لو طيّبه تداوياً ، فالأقرب أنّه كمباشرة الصبي ؛ لأنّه وليّه ، وقد فعل شيئاً لمصلحته ، فيكون ما ترتّب عليه لازماً للصبي.

وهو أصحّ وجهي الشافعية ، والثاني : أنّ الفدية على الولي ؛ لأنّ المباشرة وقعت منه(٥) .

والأقرب الأول‌

مسألة ٢٤ : أجمع علماء الأمصار على أنّ الصبي إذا حجّ في حال صغره ، والعبد إذا حجّ في حال رقّه ، ثم بلغ الصبي وعُتق العبد ، وجب عليهما حجة الإِسلام إذا جمعا الشرائط.

قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على ذلك إلّا مَنْ شذّ عنهم ممّن لا يُعدّ قوله خلافاً(٦) .

____________________

(١ و ٢) فتح العزيز ٧ : ٤٢٧ ، المجموع ٧ : ٣٦.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٢٧ ، المجموع ٧ : ٣٦ - ٣٧.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٤٢٧ ، المجموع ٧ : ٣٧.

(٥) فتح العزيز ٧ : ٤٣٠ ، المجموع ٧ : ٣٤.

(٦) المغني ٣ : ٢٠٣ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦٧.

٣٧

وبه قال ابن عباس وعطاء والحسن البصري والنخعي والثوري ومالك والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي(١) .

لما رواه العامة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( إنّي اُريد أن اُجدّد في صدور المؤمنين عهداً : أيّما صبي حجّ به أهله فمات أجزأت عنه ، فإن أدرك فعليه الحج ، وأيّما مملوك حجّ به فمات أجزأت عنه ، فإن اُعتق فعليه الحجّ )(٢) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه مسمع بن عبد الملك عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « لو أنّ غلاماً حجّ عشر سنين ثم احتلم ، كانت عليه فريضة الإِسلام ، ولو أنّ مملوكاً حجّ عشر حجج ثم اُعتق ، كانت عليه فريضة الإِسلام إذا استطاع إليه سبيلاً »(٣) .

ولأنّ الحج عبادة بدنية فعلها قبل وقت وجوبها ، فلا تقع مجزئةً ، كما لو صلّى قبل الوقت.

مسألة ٢٥ : لو حجّ الصبي أو العبد فبلغ أو اُعتق في أثناء الحجّ ، فإن كان زوال العذر بعد الوقوف بالمشعر الحرام لم تجزئهما عن حجّة الإِسلام - وهو قول العلماء - لأنّ معظم العبادة وقع حالة النقصان.

وما رواه معاوية بن عمّار عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت له : مملوك اُعتق يوم عرفة ، قال : « إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج »(٤) دلّ بمفهومه على عدم إدراكه للحج إذا لم يدركهما معتقاً.

ولا فرق بين أن يكون وقت الوقوف باقياً ولم يقف فيه أو قد فات ، وهو‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٢٠٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٤٤ ، المجموع ٧ : ٥٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٢٠.

(٢) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٢٠٣ ، والشرح الكبير ٣ : ١٦٧ نقلا عن سعيد في سننه.

(٣) الكافي ٤ : ٢٧٨ / ١٨ ، التهذيب ٥ : ٦ / ١٥.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٦٥ /١٢٩٠ ، التهذيب ٥ : ٥ / ١٣ ، الاستبصار ٢ : ١٤٨ /٤٨٥.

٣٨

قول أكثر الشافعية(١) .

وقال ابن سريج : إذا بلغ ووقت الوقوف باقٍ ، يجزئه عن حجة الإِسلام وإن لم يَعُدْ إلى الموقف(٢) .

وإن بلغ الصبي أو اُعتق العبد قبل الوقوف بالمشعر فوقف به أو بعرفة معتقاً وفَعَل باقي الأركان ، أجزأ عن حجة الإِسلام ، وكذا لو بلغ أو اُعتق وهو واقف عند علمائنا أجمع - وبه قال ابن عباس ، وهو مذهب الشافعي وأحمد وإسحاق(٣) - لما قدّمناه في الحديث عن الصادق(٤) عليه‌السلام .

وقال الحسن البصري في العبد : يجزئ(٥) .

وقال مالك : لا يجزئهما. وهو قول ابن المنذر(٦) .

وقال أصحاب الرأي : لا يجزئ العبد ، فأمّا الصبي فإن جدّد إحراماً بعد احتلامه قبل الوقوف أجزأه ، وإلّا فلا ؛ لأنّ إحرامهما لم ينعقد واجباً ، فلا يجزئ عن الواجب ، كما لو بقيا على حالهما(٧) .

ويعارض : بأنّه أدرك الوقوف حُرّاً بالغاً ، فأجزأه ، كما لو أحرم تلك الساعة ، ولا خلاف في أنّ الصبي لو بلغ أو العبد لو اُعتق بعرفة وهما غير مُحْرمين فأحرما ووقفا بعرفة وقضيا المناسك ، فإنّه يجزئهما عن حجّة الإِسلام.

ونُقل عن ابن عباس أنه إذا اُعتق العبد بعرفة أجزأت عنه حجّته ، وإن‌

____________________

(١ و ٢) فتح العزيز ٧ : ٤٢٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٤٦ ، المجموع ٧ : ٥٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٦٠.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٢٩ ، المجموع ٧ : ٥٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٦٠ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٤٦ ، المغني ٣ : ٢٠٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦٨.

(٤) تقدّم آنفاً.

(٥) المغني ٣ : ٢٠٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦٨.

(٦) المغني ٣ : ٢٠٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٦٠.

(٧) المغني ٣ : ٢٠٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦٨.

٣٩

اُعتق بجَمْع ، لم تجزئ عنه(١) .

وقد تلخّص من هذا أنّ مالكاً شرط في الصبي والعبد وقوع جميع الحجّ في حالة التكليف(٢) ، وأبو حنيفة لا يعتدّ بإحرام الصبي(٣) .

ولا يجب عليه إعادة السعي لو كان قد سعى عقيب طواف القدوم قبل البلوغ - وهو أحد وجهي الشافعيّة(٤) - لأنّه لا بأس بتقدّم السعي كتقدّم الإِحرام.

وأصحّهما عندهم : وجوب الإِعادة ؛ لوقوعه في حالة النقص ، ويخالف الإِحرام ، فإنّه يستدام بعد البلوغ ، والسعي لا استدامة له(٥) .

والأصل براءة الذمة.

وقد بنى الشافعية الوجهين على أنّه إذا وقع حجّه عن حجّة الإِسلام فكيف تقدير إحرامه؟ هل تبيّن انعقاده في الأصل فرضاً أو نقول بأنّه انعقد نفلاً ثم انقلب فرضاً؟ فإن قلنا بالأول ، فلا حاجة إلى الإِعادة ، وإن قلنا بالثاني فلا بدّ منها(٦) .

مسألة ٢٦ : إذا أجزأ حجّهما عن حجّة الإِسلام بأن يُدركا أحد الموقفين كاملين ، لم يكن عليهما دم مغاير لدم الهدي.

وللشافعية طريقان ، أظهرهما : أنّه على قولين :

أحدهما : نعم ؛ لأنّ إحرامه من الميقات ناقص ؛ لأنّه ليس بفرض.

وأصحّهما : لا ؛لأنّه أتى بما في وسعه ، ولم تصدر منه إساءة(٧) .

____________________

(١) كما في المغني ٣ : ٢٠٤ ، والشرح الكبير ٣ : ١٦٨.

(٢) كما في فتح العزيز ٧ : ٤٢٩.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٢٩.

(٤ و ٥) فتح العزيز ٧ : ٤٢٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٤٦ ، المجموع ٧ : ٥٨ - ٥٩.

(٦) فتح العزيز ٧ : ٤٢٩ ، المجموع ٧ : ٦٠.

(٧) فتح العزيز ٧ : ٤٢٩ ، المجموع ٧ : ٥٩.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481