تذكرة الفقهاء الجزء ٧

تذكرة الفقهاء16%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-007-2
الصفحات: 481

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 481 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 169408 / تحميل: 5804
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٧

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٠٠٧-٢
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

فصل

في الوجوه العقلية التي أقيمت على حجية الخبر الواحد

(أحدها) أنه يعلم إجمالا بصدور كثير مما بايدينا من الأخبار من الأئمة الأطهار بمقدار واف بمعظم الفقه بحيث لو علم تفصيلا ذاك المقدار لا نحل علمنا الاجمالي بثبوت التكاليف بين الروايات وسائر الامارات إلى العلم التفصيلي بالتكاليف في مضامين الأخبار الصادرة المعلومة تفصيلا والشك البدوي في ثبوت التكليف في مورد ساير الامارات غير المعتبرة

______________________________

الوحي وانتهاء التشريع كان ذلك ظاهرا في الاستمرار والامتداد فلاحظ (قوله: احدها انه يعلم اجمالا) يكفي في صدق هذه الدعوى ملاحظة بعض فوائد الوسائل المتضمنة لذكر القرائن على صحة الكتب الاربعة فلاحظ (قوله: بحيث لو علم تفصيلا ذاك المقدار) يمكن تصوير العلم الاجمالي في المقام على وجوه (الاول) انا نعلم بصدور جملة من الاخبار مرددة بين جميع الاخبار المودعة في كتب اصحابنا (رض) كما نعلم بانشاء أحكام الزامية في جميع ما هو محتمل الطريقية كالخبر والشهرة وغيرهما بحيث يحتمل انطباق جميع ما هو معلوم من الاحكام على مؤديات تلك الاخبار المعلومة بالاجمال، ولازم ذلك أن لو علم تفصيلا بتلك الاخبار الصادرة لم يبق لنا علم اجمالي بتكليف الزامي غير مؤدياتها وان كان يحتمل، ولا ريب في هذه الصورة في انحلال العلم الاجمالي بالتكليف بالعلم الاجمالي بالاخبار الصادرة فلا يجب الاحتياط في اطراف الاول ويجب الاحتياط في اطراف الثاني كما لو شهدت البينة بنجاسة اناء من اواني زيد وشهدت بينة اخرى بنجاسة اناء ابيض من اواني زيد فلا يجب الاحتياط حينئذ الا بالاواني البيض لزيد لا غير (الثاني) انا نعلم بصدور جملة من الاخبار كما ذكر سابقا ونعلم بانشاء جملة من الاحكام الالزامية اكثر عددا من الاخبار الصادرة المعلومة اجمالا بحيث لا يحتمل انطباقها بتمامها على مؤديات تلك

١٤١

ولازم ذلك لزوم العمل على وفق جميع

______________________________

الاخبار وان احتمل انطباق مقدار مساو للاخبار وبقاء مقدار آخر مردد بين الاخبار التي هي اطراف العلم الاجمالي بصدور الأخبار وبين غيرها من محتمل الطريقية، ولازم ذلك أن لو عزلنا مقدارا مساويا للاخبار المعلومة الصدور اجمالا كان العلم الاجمالي بالتكليف فيما عدا ذلك المقدار المعزول باقيا بحاله وان كان نفس المعلوم حينئذ أقل من المعلوم الاصلي قبل العزل ولا ينبغي التأمل في مثل ذلك في وجوب الاحتياط في اطراف العلم الاجمالي بالتكليف ولا يكفي الاحتياط في اطراف العلم الاجمالي بالاخبار وان احتمل انطباق تمام المعلوم الاول على اطرافه إذ لا يكفي هذا المقدار في الانحلال بل لابد فيه من احتمال انطباق تمام المعلوم باحد العلمين على المعلوم بالعلم الآخر، وهو غير حاصل لاختلاف المقدار، ونظيره ما لو شهدت البينة بوجود شاة موطوءة في غنم زيد البيض وشهدت بينة اخرى بوجود شاتين موطوءتين في مطلق غنم زيد مرددتين بين البيض والسود فيجب الاحتياط في البيض والسود معا ولا يكفي الاحتياط في البيض فقط (الثالث) انا نعلم بصدور جملة من الاخبار كما سبق ونعلم بانشاء جملة من الاحكام الالزامية مساوية لها في المقدار إلا انها موصوفة بصفة محتملة الثبوت والعدم في مؤديات الاخبار الصادرة فعلى تقدير وجود الصفة في مؤديات الأخبار أمكن انطباق الاحكام عليها، وعلى تقدير العدم امتنع الانطباق وهذا كالأول في انحلال العلم الثاني بالأول فلا يجب الاحتياط الا في اطرافه ومثله ما لو شهدت البينة بوجود شاة موطوءة في قطعة خاصة من غنم زيد وشهدت بينة اخرى بوجود شاة موطوءة بيضاء في غنم زيد مطلقا بحيث كانت مرددة بين جميع افراد غنمه، ولا يجب الاحتياط في مثله الا في القطعة الخاصة لاحتمال انطباق المعلوم الثاني على المعلوم المردد في تلك القطعة والمصنف (ره) قرر الاستدلال على النحو الأول والشيخ (ره) في رسائله قرره على الوجه الثاني، واورد عليه اولا بان اللازم وجوب الاحتياط بالعمل في جميع الامارات ولا يختص بالأخبار كما سيشير إليه المصنف (ره) (قوله: ولازم ذلك لزوم)

١٤٢

الأخبار المثبتة وجواز العمل على طبق النافي منها فيما إذا لم يكن في المسألة أصل يثبت له من قاعدة الاشتغال أو الاستصحاب بناء على جريانه في أطراف علم إجمالا بانتقاض الحالة السابقة في بعضها أو قيام أمارة معتبرة على انتقاضها فيه وإلا لاختص عدم جواز العمل على وفق الثاني بما إذا كان على خلاف قاعدة الاشتغال (وفيه) أنه لا يكاد ينهض على حجية الخبر بحيث يقدم تخصيصا أو تقييدا أو ترجيحا على غيره من عموم أو إطلاق أو مثل مفهوم وان كان

______________________________

للعلم بوجوب العمل بالخبر الصادر فيجب العمل بكل ما هو محتمل الصدور من الأخبار (قوله: الاخبار المثبتة) لأن العلم الموجب للاحتياط هو العلم بصدور الخبر المثبت لأنه علم بالتكليف الالزامي اما العلم بصدور الخبر النافي فلا يترتب عليه اثر لعدم تعقله بالتكليف نعم يجوز العمل بالخبر النافي لو لم يكن هناك مانع كما لو كان اصل يقتضي الاحتياط كقاعدة الاشتغال أو مثبت للتكليف كاستصحاب التكليف، وكون الاستصحاب لم تثبت حجيته الا بالخبر غير المعلوم الحجية لا يقدح في منعه عن العمل بالخبر بالنافي لأن العمل بالاستصحاب عمل بالخبر المثبت (قوله: بناء على جريانه في اطراف) يعني إنما يمنع الاستصحاب المثبت عن العمل بالخبر النافي لو بنينا على حجيته في اطراف الشبهة المحصورة وأن العلم الاجمالي بانتقاض الحالة السابقة غير قادح في جريانه مطلقا وانما يقدح إذا كان العلم مثبتا للتكليف والاستصحاب نافيا أما إذا بنينا على قدح العلم الاجمالي مطلقا من جهة لزوم التناقض بين صدر دليل الاستصحاب وذيله كما أشرنا إليه في مبحث الموافقة الالتزامية ويجيئ بيانه في محله فمخالفة الاستصحاب للخبر النافي غير مانعة من العمل بالخبر لعدم حجيته فيختص المانع عنه بقاعدة الاشتغال فقط، ثم إن المناسب لهذا الاستدراك من المصنف (ره) أن الاستصحاب المثبت مطلقا مبتلى بعلم اجمالي على خلافه هو غير ظاهر (قوله: من عموم أو اطلاق) هذا على طريقة

١٤٣

يسلم عما أورد عليه من أن لازمه الاحتياط في سائر الامارات لا في خصوص الروايات لما عرفت من انحلال العلم الاجمالي بينها بما علم بين الأخبار بالخصوص ولو بالاجمال فتأمل جيدا (ثانيها) ما ذكره في الوافية مستدلا على حجية الاخبار الموجودة في الكتب المعتمدة للشيعة كالكتب الأربعة مع عمل جمع به من غير رد ظاهر وهو أنا نقطع ببقاء التكليف إلى يوم القيامة ولا سيما بالاصول الضرورية كالصلاة والزكاة والصوم والحج والمتاجر والانكحة ونحوها مع أن جل أجزائها وشرائطها وموانعها إنما يثبت بالخبر غير القطعي بحيث نقطع بخروج حقايق هذه الأمور عن كونها هذه الامور عند ترك العمل بخبر الواحد ومن أنكر فانما ينكره باللسان وقلبه مطمئن بالايمان انتهى، وأورد عليه أولا بان العلم الاجمالي حاصل بوجود الأجزاء والشرائط بين جميع الاخبار لا خصوص الاخبار المشروطة بما ذكره فاللازم حينئذ إما الاحتياط أو العمل بكل ما دل على جزئية شئ أو شرطيته (قلت): يمكن أن يقال: إن العلم الاجمالي وان كان حاصلا بين جميع الاخبار إلا أن العلم بوجود الاخبار الصادرة عنهم - عليهم السلام - بقدر الكفاية بين تلك الطائفة أو العلم باعتبار طائفة كذلك بينها يوجب انحلال ذاك العلم الاجمالي وصيرورة غيره خارجا عن طرف العلم كما مرت إليه الاشارة في تقريب الوجه الاول. اللهم إلا أن يمنع عن ذلك وادعي عدم الكفاية فيما علم بصدوره أو اعتباره

______________________________

اللف والنشر المرتب (قوله: يسلم عما أورد عليه) قد عرفت الاشارة إلى أن هذا الايراد من الشيخ في رسائله انما صدر من جهة تقريره العلم الاجمالي على الوجه الثاني كما يظهر من ملاحظة كلامه في تقريب الايراد فليلحظ (قوله: وأورد عليه أولا) المورد شيخنا العلامة في رسائله (قوله: المشروطة بما ذكر) يعني كونه موجودا في الكتب المعتمدة وعمل جمع به من غير رد ظاهر (قوله: إما الاحتياط أو العمل) عبارة الرسائل هكذا. فاللازم حينئذ اما الاحتياط

١٤٤

أو ادعي العلم بصدور أخبار أخر بين غيرها فتأمل (وثانيا) بان قضيته إنما هو العمل بالاخبار المثبتة للجزئية أو الشرطية دون الاخبار النافية لهما، والاولى أن يورد عليه بان قضيته إنما هو الاحتياط بالاخبار المثبتة فيما لم تقم حجة معتبرة على نفيهما من عموم دليل أو إطلاقه لا الحجية بحيث يخصص أو يقيد بالمثبت منها أو يعمل بالنافي في قبال حجة على الثبوت ولو كان أصلا كما لا يخفى (ثالثها) ما أفاده بعض المحققين بما ملخصه أنا نعلم بكوننا مكلفين بالرجوع إلى الكتاب والسنة إلى يوم القيامة فان تمكنا من الرجوع اليهما على نحو يحصل العلم بالحكم أو ما بحكمه فلابد من الرجوع اليهما كذلك والا فلا محيص عن الرجوع على نحو يحصل الظن به في الخروج عن عهدة

______________________________

والعمل بكل خبر دل على جزئية شئ أو شرطيته واما العمل بكل خبر ظن صدوره مما دل على الجزئية أو الشرطية. انتهى، والمراد منها ظاهرا أن العلم الاجمالي بموافقة جملة من الاخبار الدالة على الجزئية ونحوها يوجب الاحتياط بالعمل بكل خبر دل على ذلك ومع تعذره أو لزوم الحرج ينتقل إلى الظن بالصدور كما يأتي بيانه في دليل الانسداد (قوله: أو ادعي العلم بصدور) لا يحتاج إلى دعوى العلم بصدور اخبار اخر في غير ما جمع الشرائط المذكورة بل يكفي في وجوب الاحتياط دعوى العلم الاجمالي بصدور مقدار من الاخبار اكثر من المقدار المعلوم بالاجمال في خصوص ما جمع الشرائط وان لم يعلم بوجوده في غير ما جمع الشرائط كما ذكرنا (قوله: فيما لم تقم حجة معتبرة) إذ مع قيام الحجة المعتبرة على نفي التكليف لا تجري اصالة الاحتياط في العمل الخبر المثبت له كما لو قامت البينة على طهارة أحد اطراف الشبهة المحصورة، ثم إن هذا التقييد في كلام المصنف (ره) هو الفارق بينه وبين ايراد شيخه (ره) (قوله: بعض المحققين) هو الشيخ محمد تقي في حاشيته على المعالم (قوله: إلى الكتاب والسنة) إن كان المراد بالسنة قول المعصوم وفعله وتقريره فدعوى الاجماع والضرورة منه على

١٤٥

هذا التكليف فلو لم يتمكن من القطع بالصدور أو الاعتبار فلابد من التنزل إلى

______________________________

وجوب الرجوع إليها في محله، لكن لا يحسن قوله: فان تمكنا من الرجوع.. الخ، إذ لا يعتبر في جواز الرجوع إلى الكتاب والسنة بذلك المعنى حصول العلم بالحكم إن أمكن والا كفى الظن به، مع ان هذا لا يرتبط باثبات حجية خبر الواحد الا بتوسط مثل الوجه الاول بان نقول: يجب الرجوع إلى السنة ونعلم بحصولها في جملة من الاخبار التي بايدينا فيجب العمل بالجميع من باب الاحتياط، وان كان المراد بها الخبر الحاكي عن السنة بالمعنى الأول فدعوى الاجماع والضرورة على وجوب الرجوع إليها بهذا المعني ايضا في محلها إلا انه يرد عليه الاشكال السابق من عدم لزوم حصول العلم منها وعدم اقتضائه حجية الخبر الا بضميمة الوجه الاول فيكون هذا الوجه هو الوجه الاول بعينه لأن الاخبار الصادرة عن الأئمة - عليهم السلام - هي الاخبار الحاكية عن السنة. وان كان المراد بها مطلق الخبر الحاكي عن السنة ولو لم يعلم ذلك فتكون عين الاخبار المدونة في الكتب، فدعوى الاجماع والضرورة على وجوب الرجوع إليها مطلقا ممنوع، سوى ما حكي عن الشيخ وغيره من دعوى الاجماع في الجملة كما استشكله بذلك شيخنا (ره) في رسائله. مع أنه لو كان هذا هو المراد لم يحتج إلى إطالة الكلام بالنقض والابرام، ولا جعل دعوى الاجماع والضرورة من مقدمات الاستدلال بل كان راجعا إلى دعوى الاجماع والضرورة على حجية الخبر. ومن هنا حمل المصنف - رحمه الله - كلامه على ارادة دعوى الضرورة والاجماع على وجوب الرجوع إلى السنة بالمعنى الثالث لا مطلقا، بل في الجملة بنحو القضية المهملة كما سيصرح به المصنف (ره) في آخر عبارته وإذا ثبت ذلك فان أمكن الرجوع اليهما بنحو يحصل القطع بالحكم الواقعي للقطع بالصدور والدلالة أو ما بحكم القطع به للقطع بالاعتبار فهو والا فلابد من الرجوع اليهما بنحو يحصل الظن بالحكم فإذا لم يقم دليل على اعتبار الخبر لابد من الرجوع إليه لافادته الظن بالحكم (قوله: هذا التكليف) يعني التكليف بالرجوع إلى السنة (قوله: فلو لم يتمكن من القطع) تفصيل لما بينه في تقرير الدليل

١٤٦

* الظن باحدهما (وفيه) أن قضية بقاء التكليف فعلا بالرجوع إلى الأخبار الحاكية للسنة كما صرح بانها المراد منها في ذيل كلامه - زيد في علو مقامه - إنما هي الاقتصار في الرجوع إلى الاخبار المتيقن الاعتبار فان وفى وإلا أضيف إليه الرجوع إلى ما هو المتيقن اعتباره بالاضافة لو كان والا فالاحتياط بنحو عرفت لا الرجوع إلى ما ظن اعتباره وذلك للتمكن من الرجوع علما تفصيلا أو إجمالا فلا وجه مع من الاكتفاء بالرجوع إلى ما ظن اعتباره. هذا مع أن مجال المنع عن ثبوت التكليف بالرجوع إلى السنة بذاك المعنى فيمما لم يعلم بالصدور ولا بالاعتبار بالخصوص واسع وأما الايراد عليه برجوعه إما إلى دليل الانسداد لو كان ملاكه دعوى العلم الاجمالي بتكاليف واقعية وإما إلى الدليل الأول لو كان ملاكه دعوى العلم بصدور أخبار كثيرة بين ما بايدينا من الاخبار ففيه أن ملاكه إنما هو دعوى العلم بالتكليف بالرجوع إلى الروايات في الجملة إلى يوم القيامة فراجع تمام كلامه تعرف حقيقة مرامه.

______________________________

فان صورة التمكن من القطع بالصدور أو الاعتبار هي صورة حصول العلم بالحكم أو ما بحكم العلم (قوله: انما هي الاقتصار في الرجوع) الظاهر أن هذا مما اعترف به المستدل بقوله: فان تمكنا.. الخ وقوله (ره): فلو لم يتمكن. الخ إلا أن استدلاله المذكور مبني على عدم الدليل على حجية نوع خاص من السنة وبالجملة: المقدار المتيقن الاعتبار مطلقا أو بالاضافة داخل بقوله - رحمه الله -: فان تمكنا، وقوله: فلو لم يتمكن.. الخ واستدلاله مبني على عدم ذلك إذ هو مقتضي كونه دليلا في قبال غيره من الادلة (قوله: بنحو عرفت) يعني ما ذكره في الايراد على الوجه الثاني بقوله: والاولى ان يورد عليه... الخ (قوله: واما الايراد عليه برجوعه) المورد شيخنا العلامة (ره) في رسائله (قوله: فراجع تمام كلامه) لا يحضرني الآن كلامه لأراجعه إلا أن الذي في بالي ان كلامه مضطرب جدا، والله سبحانه

١٤٧

فصل

(في الوجوه التي أقاموها على حجية الظن)

وهي أربعة (الاول) أن في مخالفة المجتهد لما ظنه من الحكم الوجوبي أو التحريمي مظنة للضرر ودفع الضرر المظنون لازم أما الصغرى فلان الظن بوجوب شئ أو حرمته يلازم الظن بالعقوبة على مخالفته أو الظن بالمفسدة فيها بناء على تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد، وأما الكبرى فلاستقلال العقل بدفع الضرر المضنون ولو لم نقل بالتحسين والتقبيح لوضوح عدم انحصار ملاك حكمه بهما بل يكون التزامه بدفع الضرر المظنون بل المحتمل بما هو كذلك ولو لم يستقل بالتحسين والتقبيح

______________________________

أعلم (قوله: بناء على تعبية) قيد لقوله: أو الظن بالمفسدة، يعني أن الظن بالمفسدة بمني على القول المذكور (قوله: والمفاسد) يعني في متعلقات الأحكام (قوله: ولو لم نقل بالتحسين) قد عرفت سابقا أن وجوب دفع الضرر ليس من الأحكام العقلية بل هو من الفطريات التي جبلت عليها النفوس إذ لا ريب في بناء من له أدنى شعور وادراك على الفرار من الاضرار حتى الحيوانات والاطفال في مبدأ نشوئهم وإدراكهم، والوجدان أقوى شاهد عليه، والظاهر أنه لا فرق بين دفع الضرر وجلب النفع في ذلك، والمراد من كونه من الفطريات أنه إذا ادرك الفاعل المختار الضرر في شئ رجح عدمه على وجوده وتعلقت كراهته به فيفر عنه من دون توسط ادراك العقل حسن الفرار عن الضرر، وكذا إذا أدرك المنفعة في شئ رجح وجوده على عدمه وتعلقت ارادته به من دون توسط حكم العقل بحسنه، فادراك الضرر أو النفع في شئ موجب للفرار عنه أو السعي إليه من دون توقف على حكم عقله بحسنه أو قبحه فوجوب الفرار أو السعي انما هو بملاك وجوب تحصيل الغرض حيث أن الغرض دفع الضرر أو جلب النفع لا بملاك الحسن أو القبح العقليين، ومن هنا يظهر أنه لا يحسن تعبير المصنف (ره) بقوله:

١٤٨

* مثل الالتزام بفعل ما استقل بحسنه إذا قيل باستقلاله ولذا أطبق العقلاء عليه مع خلافهم في استقلاله بالتحسين والتقبيح فتدبر جيدا. والصواب في الجواب هو منع الصغرى أما العقوبة فلضرورة عدم الملازمة بين الظن بالتكليف والظن بالعقوبة على مخالفته لعدم الملازمة بينه والعقوبة على مخالفته وإنما الملازمة بين خصوص معصيته واستحقاق العقوبة عليها لا بين مطلق المخالفة والعقوبة بنفسها ومجرد الظن به بدون دليل على اعتباره لا يتنجز به كي يكون مخالفته عصيانه

______________________________

فلاستقلال العقل بدفع الضرر المظنون ولو لم.. الخ إذ لو لم نقل بالحسن والقبح العقليين لا يكون ذلك من المستقلات العقلية أصلا بل فطريا محضا، وان قلنا بالحسن والقبح العقليين يكون من المستقلات العقلية ايضا كما كان من الفطريات، لكنه يبتني على القول بالحسن والقبح العقليين، وبالجملة: وجوب الدفع من الفطريات وكونه من المستقلات العقلية يتوقف على القول بالحسن والقبح العقليين. فتأمل (قوله: مثل الالتزام بفعل ما استقل بحسنه) يعني كما أن العقل إذا أدرك حسن فعل بناء عليه يكون إدراكه ذلك موجبا لترجحه وتعلق الارادة به من دون توسط حكم عقلي بوجوب فعل الحسن كذلك الحال في المقام - كما عرفت - فتأثير الضرر أو النفع في ترجح الوجود أو العدم نظير تأثير الحسن والقبح العقليين بناء عليهما في ذلك، وكما أن الثاني من الفطريات والجبليات فكذلك الأول (قوله: أما العقوبة فلضرورة) يعني انه إذا كانت الملازمة بين التكليف الواقعي وبين العقوبة كان الظن بالتكليف موجبا للظن بالعقوبة التي هي الضرر لأن الظن باحد المتلازمين مسلتزم للظن بالآخر أما إذا لم تكن الملازمة كذلك بل كانت بين المعصية وبين استحقاق العقوبة فالظن بالتكليف لا يسلتزم الظن بالعقوبة ولا باستحقاقها على تقدير مخالفة الظن فانه مع الشك في حجية الظن لا تكون مخالفته معصية، وإذا علم بانتفائها علم بانتفاء لازمها وهو العقوبة فمع الظن بالتكليف المشكوك الحجية يقطع بعدم الضرر (قوله: واستحقاق العقوبة) يعني لا فعلية العقوبة إذ

١٤٩

* إلا أن يقال: إن العقل وان لم يستقل بتنجزه بمجرده بحيث يحكم باستحقاق العقوبة على مخالفته الا انه لا يستقل ايضا بعدم استحقاقها معه فيحتمل العقوبة حينئذ على المخالفة ودعوى استقلاله بدفع الضرر المشكوك كالمظون قريبة جدا

______________________________

المعصية لا توجب فعلية العقوبة كما هو ظاهر (قوله: إلا أن يقال ان العقل) هذا استدراك على الجواب وحاصله: أن العقل وان لم يحكم بالملازمة بين التكليف الواقعي واستحقاق العقوبة الا انه لا يحكم بانتفائها على تقدير ثبوت التكليف واقعا وحينئذ فمع الظن بالتكليف يشك في العقاب، وكما يجب دفع الضرر المظنون يجب دفع المشكوك فلا تجوز مخالفة الظن فرارا عن الضرر المشكوك الواجب الدفع هذا ولكن لا يخفي أنه ان أراد القائل بذلك منع قاعدة قبح العقاب بلا بيان فيدعي جواز العقاب على التكليف الواقعي ولو لم يكن الظن حجة فذلك مما لا ينبغي التأمل في بطلانه فان قبح العقاب بلا بيان كاد أن يكون من الواضحات التي لا مجال لتطرق الريب والتردد فيها. وان أراد دعوى ان احتمال حجية الظن كاف في حسن العقاب على الواقع لأن احتمال الحجية مساوق لاحتمال وجود البيان على الواقع. ففيه أن البيان المصحح للعقاب هو خصوص البيان الواصل إلى المكلف، ومجرد كون الظن حجة في نفس الأمر والواقع ما لم يعلم به المكلف لا يصحح العقاب هذا كله مضافا إلى أن عموم ادلة الترخيص مع الشك في التكليف موجبة للقطع بعدم العقاب لامتناع العقاب في ظرف الترخيص وتقدم قاعدة وجوب دفع الضرر على أدلة البراءة الشرعية لا تقتضيه القواعد لأن قاعدة وجوب دفع الضرر لا يوجب علما بالتكليف أو ما هو بمنزلته فتأمل جيدا (قوله: ودعوى استقلاله) يعني أن ما ذكر وان لم يوجب تمامية صغرى الدليل لكن يوجب ثبوت صغرى اخرى وهو الشك في الضرر وهي لا تنطبق عليها كبرى الدليل لكن لا يبعد ثبوت كبرى اخرى وهو وجوب دفع الضرر المشكوك فتكون مع الصغري المتقدمة دليلا على المطلوب. ثم إنه يمكن أن يجاب عن الدليل المذكور (اولا) بناء على

١٥٠

لا سيما إذا كان هو العقوبة الأخروية كما لا يخفى وأما المفسدة فلانها وان كان الظن

______________________________

ارادة العقوبة من الضرر بانه لا يثبت المدعي بل ينافيه وذلك لان المقصود منه اثبات حجية الظن بمعنى كونه يصح لأجله العقاب، وهذا الدليل إنما اقتضى وجوب العمل على وفق الظن من جهة ترتب العقاب على مخالفته وهو عكس المطلوب وبعبارة أخرى المقصود من الحجية في المقام ما يكون علة للعقاب والثابت بالدليل ما يكون معلولا له كما هو ظاهر (وثانيا) بأن القاعدة المذكورة إذا كانت من القواعد الفطرية بملاك وجوب تحصيل الغرض فانطباقها واقعا تابع لنظر الفاعل المدرك، فقد يكون الضرر بلا مزاحم فيفر عنه، وقد يكون مزاحما بضرر أهم أو نفع كذلك فالأثر - اعني الترجيح - تابع لنظر الفاعل، فقد يكون العمل على طبق الظن مما يترتب عليه في نظره ضرر أهم أو فوات نفع كذلك، فلا بد أن يكون الاثر مستندا إليه، ولا مجال للتحكم على الفاعل بلزوم الفرار عن ضرر مخالفة الظن إذا كان يرى في نظره انه مزاحم بالأهم، ولذا ترى العصاة مع علمهم بالضرر في مخالفة العلم بالوجوب يقدمون عليه لمزاحمته بالاضرار أو المنافع الشهوية، وليس ذلك لبنائهم على عدم وجوب دفع الضرر المقطوع، بل لبنائهم على وجوب دفع الضرر الأهم وتحصيل النفع الأهم ولو لزم الوقوع في الضرر المهم، فالظان بالتكليف وان كان ظانا بالضرر في المخالفة من العقوبة والمفسدة إلا أنه إذا أقدم على مخالفة ذلك الظن لمزاحمة بالأهم عنده لا يكون ذلك مخالفا لقاعدة وجوب دفع الضرر المظنون، بل كان ذلك الاقدام منه اعمالا لها وجريا على مقتضاها. وبالجملة: القاعدة المذكورة مما يمتنع ان تكون من دواعي الترجيح لأن جميع الدواعي موضوعات لها بل ليس الغرض من جعل التكاليف المولوية الا تنقيح موضوع القاعدة المذكورة حيث أنها تكون منشأ للضرر في المخالفة على تقدير العلم بها فيكون ذلك الضرر موضوعا للقاعدة المذكورة، ولابد من التأمل التام في المقام (قوله: لاسيما إذا كان هو العقوبة) بناء على كون قاعدة وجوب دفع الضرر من القواعد العقلية فلا ريب في استقلال العقل بوجوب دفع

١٥١

بالتكليف يوجب الظن بالوقوع فيها لو خالفه الا انها ليست بضرر على كل حال ضرورة ان كلما يوجب قبح الفعل من المفاسد لا يلزم أن يكون من الضرر على فاعله بل ربما يوجب حزازة ومنقصة في الفعل بحيث يذم عليه فاعله بلا ضرر عليه اصلا كما لا يخفى، وأما تفويت المصلحة فلا شبهة في انه ليس فيه مضرة بل ربما يكون في استيفائها المضرة كما في الاحسان بالمال هذا مع منع كون الأحكام تابعه للمصالح والمفاسد في المأمور بها والمنهي عنها بل إنما هي تابعة لمصالح فيها

______________________________

الضرر الموهوم إذا كان اخرويا فضلا عن المشكوك، كيف وكل واحد من اطراف الشبهة المحصورة وموارد قاعدة الاشتغال والأصول المثبتة للتكليف بل وسائر موارد الحجج الدالة على التكليف من هذا القبيل غالبا كما هو ظاهر بأدنى تأمل (قوله: يوجب الظن بالوقوع) لأن المفسدة ملزومة للتكليف والظن باللازم يوجب الظن بالملزوم (قوله: ليست بضرر على) إذ لا ريب ان مفهوم المفسدة ليس عين مفهوم الضرر إذ المفسدة عبارة عن الجهة المقبحة في العقل التي صارت باعثا على كراهته تشريعا أو تكوينا وليس من لوازم العناوين المقبحة ان تكون ضررا فان عنوان العبث جهة مقبحة في الفعل وليس من سنخ الضرر أصلا، بل لو سلم انها عين الضرر لكن لا يلزم ان يكون راجعا إلى الفاعل فان مفسدة العدوان على مال الغير لو كانت راجعة إلى الضرر لكنها ليست راجعة إلى ضرر الفاعل بل ضرر غيره وقاعدة وجوب دفع الضرر مختصة بضرر الفاعل لا غيره. ثم إن غاية مقتضي الجواب المذكور أنه لا ملازمة بين الظن بالتكليف والظن بالضرر، لكن لا مانع من احتمال الضرر فإذا بني على وجوب دفع الضرر المشكوك كما تقدم منه (قدس سره) لم يجز مخالفة الظن لانها اقدام على محتمل الضرر. الا ان يقال: ان ترخيص الشارع في الاقدام يدل على تدارك الضرر المظنون أو المحتمل فيتوقف على اثبات البراءة الشرعية كما افاده شيخنا الأعظم (ره) في رسائله في المقام وفى بحث الشبهة الموضوعية. لكن اورد عليه المصنف (ره) بان المفسدة الواقعية الحاصلة بالفعل

١٥٢

* كما حققناه في بعض فوائدنا. وبالجملة ليست المفسدة ولا المنفعة الفائتة اللتان في الأفعال وأنيط بهما الاحكام بمضرة وليس مناط حكم العقل بقبح ما فيه المفسدة أو حسن ما فيه المصلحة من الأفعال على القول باستقلاله بذلك هو كونه ذا ضرر وارد على فاعله أو نفع عائد إليه، ولعمري هذا أوضح من ان يخفى

______________________________

المنهي عنه على تقدير القول بها لا تتداركها مصلحة الترخيص لأنها قائمة بنفس الترخيص لا بالفعل فالفعل باق على ما هو عليه قبل الترخيص من حيث كونه ذا مفسدة فاحتمال الضرر غير المتدارك حاصل فيه. نعم هذا الاشكال لا يتأتى فيما لو كان الضرر المحتمل هو العقاب لان الترخيص ولو عن مصلحة فيه يمنع من ترتب العقاب كما عرفت فلو فرض احتمال العقاب لعدم حكم العقل بقبحه مع الظن بالتكليف فعموم أدلة البراءة الشرعية موجب للأمن منه والقطع بعدمه إلا أن يدعى عدم مجئ أدلة البراءة لحكومة القاعدة عليها، لكن عرفت ان قاعدة التحكيم تقتضي العكس لتوقف مجئ القاعدة على احتمال الضرر وادلة البراءة نافية له ولا يصح العكس لان القاعدة لا توجب علما بالتكليف كما هو ظاهر فلا توجب انتفاء موضوعها الموجب لانتفائها. فتأمل جيدا (قوله: كما حققناه في بعض فوائدنا) لا يخفى أن الذي حققه في بعض فوائده الذي رأيته هو كونها تابعة للمصالح والمفساد في متعلقاتها حيث قال فيها: فهنا دعويان الأولى عدم لزوم الالزام شرعا بما الزم به عقلا.. إلى ان قال: الثانية لزوم أن لا يلزم شرعا إلا بما الزم به عقلا وذلك لان الطلب الحقيقي والبعث الجدي الالزامي لا يكاد يكون الا بملاك يكون في المطلوب والمبعوث إليه... إلى أن اورد على نفسه بقوله: ان قلت: يكفي حسن التكليف وثبوت المصلحة في نفس الطلب والالزام من دون أن يكون مصلحة أو مفسدة في الواجب أو الحرام كما هو كذلك في غير مورد، ثم عد الأوامر الامتحانية والواجبات والمستحبات العبادية والاوامر والنواهي الظاهرية واوامر التقية. ثم قال: قلت: الطلب الحقيقي والالزام الجدي والبعث الواقعي لا يكاد

١٥٣

فلا مجال لقاعدة دفع الضرر المظنون ها هنا أصلا ولا استقلال للعقل بقبح فعل ما فيه احتمال المفسدة أو ترك ما فيه احتمال المصلحة فافهم (الثاني) أنه لو لم يؤخذ بالظن لزم ترجيح المرجوح على الراجح وهو قبيح (وفيه) أنه لا يكاد يلزم منه ذلك الا فيما إذا كان الاخذ بالظن أو بطرفه لازما مع عدم امكان الجمع بينهما عقلا أو عدم وجوبه شرعا ليدور الامر بين ترجيحه وترجيح طرفه ولا يكاد يدور الامر بينهما الا بمقدمات دليل الانسداد وإلا كان اللازم هو الرجوع إلى العلم أو العلمي أو الاحتياط أو البراءة أو غيرهما على حسب اختلاف الاشخاص أو الاحوال في اختلاف المقدمات على ما ستطلع على حقيقة الحال (الثالث) ما عن السيد الطباطبائي - قدس سره - من أنه لا ريب في وجود واجبات ومحرمات كثيرة بين المشتبهات ومقتضى ذلك وجوب الاحتياط بالاتيان بكل ما يحتمل الوجوب ولو موهوما وترك ما يحتمل

______________________________

أن يتعلق بشئ ما لم يكن فيه بذاته أو بالوجوه والاعتبارات الطارية عليه خصوصية موافقة للغرض داعية إلى تعلق الطلب به حقيقة وإلا كان تعلق الطلب به دون غيره ترجيحا بلا مرجح، وهذا واضح... الخ، فهذا كله صريح في كونها تابعة لما في متعلقاتها من المصالح والمفاسد فلاحظ، ولعل مراده غير هذا المقام مما لم اعثر عليه والله سبحانه اعلم (قوله: فلا مجال لقاعدة دفع) بل عرفت ان التحقيق انه لا مجال للتمسك بها والعمدة هو الجواب الثاني المطرد في العقوبة وغيرها فلاحظه وتأمل (قوله: ولا استقلال للعقل) دفع لما يتوهم من أن الظن بالتكليف وان لم يستلزم الظن بالضرر لكنه مستلزم للظن بالمفسدة أو المصلحة ويكفي ذلك في وجوب العمل بالظن لاستقلال العقل بقبح ارتكاب ما فيه احتمال المفسدة أو ترك المصلحة، وحاصل الدفع: منع استقلال العقل بذلك (قوله: أو غيرهما) مثل الاستصحاب أو فتوى المجتهد (قوله: على حسب اختلاف الاشخاص) وذلك لاختلافهم في التمكن من الرجوع إلى العلم أو العلمي لاختلافهم في الاستظهار من الأدلة المتقدمة فإذا اتفق ثبوت ذلك لبعض لم يجز له الرجوع إلى الظن للتمكن

١٥٤

* الحرمة كذلك ولكن مقتضى قاعدة نفي الحرج عدم وجوب ذلك كله لانه عسر أكيد وحرج شديد فمقتضى الجمع بين قاعدتي الاحتياط وانتفاء الحرج العمل بالاحتياط في المظنونات دون المشكوكات والموهومات لان الجمع على غير هذا الوجه باخراج بعض المظنونات وإدخال بعض المشوكات والموهومات باطل إجماعا، ولا يخفى ما فيه من القدح والفساد فانه بعض مقدمات دليل الانسداد ولا يكاد ينتج بدون سائر مقدماته ومعه لا يكون دليل آخر بل ذاك الدليل (الرابع) دليل الانسداد وهو مؤلف من مقدمات يستقل العقل مع تحققها بكفاية الاطاعة الظنية حكومة أو كشفا على ما تعرف ولا يكاد يستقل بها بدونها وهي خمس (اولاها) انه يعلم اجمالا بثبوت تكاليف كثيرة فعلية في الشريعة (ثانيتها) أنه قد انسد علينا باب العلم

______________________________

من العلمي ولو كان الاحتياط ممكنا في حقه أو كان يرى جواز الرجوع إلى الأصل فلابد في الأخذ بالظن من ثبوت المقدمات الآتية (قوله: ولا يكاد يستقل بها بدونها وهي خمس) اما توقف استقلاله بذلك على ثبوت المقدمة الأولى فغير ظاهر إذ لو فرض كون التكاليف الواقعية محتملة ودار الأمر بين اهمالها، والاحتياط فيها، والرجوع إلى الأصل في كل مسألة بالنظر إليها، والتقليد، والاطاعة الوهمية والشكية دون الظنية وعكس ذلك وبطل ما عدا الأخير بالمقدمات الأربع تعين الأخير نعم يمكن أن تنفع في اثبات المقدمة الثالثة وعدم جواز الرجوع إلى الأصل في كل مسألة الذي تتكفله الرابعة لكن على هذا التقدير تكون من مقدمات تينك المقدمتين لا في عرضهما كما هو ظاهر، واما المقدمة الثالثة فيغني عنها المقدمة الرابعة فانه إذا لم يجز الرجوع إلى الأصول في كل مسألة كيف يجوز الاهمال وعدم التعرض للاحكام المحتملة بالمرة ؟ ومجرد الاختلاف مفهوما بالقصد أو نحوه لا يكفي في جعلهما مقدمتين متقابلتين يتوقف الاستنتاج على اثبات كل واحدة منهما مستقلا وان شئت قلت: لو قال في المقدمة الرابعة: يجب الأخذ بالاحتياط في موارد

١٥٥

والعلمي إلى كثير منها (ثالثتها) أنه لا يجوز لنا إهمالها وعدم التعرض لامتثالها أصلا (رابعتها) أنه لا يجب علينا الاحتياط في أطراف علمنا بل لا يجوز في الجملة كما لا يجوز الرجوع إلى الأصل في المسألة من استصحاب وتخيير وبراءة واحتياط ولا إلى فتوى العالم بحكمها (خامستها) أنه كان ترجيح المرجوح على الراجح قبيحا فيستقل العقل حينئذ بلزوم الاطاعة الظنية لتلك التكاليف المعلومة وإلا لزم بعد

______________________________

الأصول النافية في الجملة لأغنى عن المقدمة الثالثة. فلا حظ وتأمل، وأما المقدمة الخامسة فالاحتياج إليها يتوقف على تعيين كون المانع من الرجوع إلى الاصل الجاري في كل مسألة مسألة مستقلا هو الاجماع أو العلم بالاهتمام أو انه العلم الاجمالي، فعلى الأخيرين يكون محتاجا إليها فانه لا موجب لتعيين الاحتياط في خصوص المظنونات الا تلك المقدمة أما إذا كان المستند في المنع هو الاجماع فيمكن دعوى عدم الحاجة إليها لقيام الاجماع من أول الأمر على لزوم الاحتياط في خصوص المظنونات. اللهم إلا أن يدعى عدم قيام الاجماع على ذلك وانما معقد الاجماع لزوم الاحتياط في الجملة فيحتاج في تعيينه إلى المقدمة المذكورة فإذا لابد من النظر فيه وسيجيئ في المقدمة الرابعة بيان بعض ما ذكرنا في كلام المصنف (ره) (قوله: والعلمي) المراد به مطلق الامارات المعتبرة (قوله: بل لا يجوز في الجملة) يعني إذا كان موجبا لاختلال النظام. ثم انه لا ينبغي أن يذكر هذا في المقدمات إذ يكفي عدم وجوب الاحتياط وعدم جوازه في الجملة وان كان حقا الا أنه لا يتوقف عليه الاستنتاج (قوله: واحتياط) المراد به اصالة الاحتياط الجارية في المسألة مع قطع النظر عن غيرها، وبذلك يفترق عن الاحتياط في قوله: لا يجب علينا الاحتياط، فان المراد به الاحتياط في كل مسألة وإن كان على خلاف الأصل فيها. ثم انه لا يتوقف الاستنتاج على المنع من العمل باصالة الاحتياط الجاري في المسألة من حيث هي وانما يتوقف على عدم جواز العمل بغيره من الاصول ومقصود المصنف - رحمه الله - ذلك كما يظهر بأدنى تأمل (قوله: ولا إلى فتوى) لا ينبغي

١٥٦

انسداد باب العلم والعلمي بها إما إهمالها، وإما لزوم الاحتياط في أطرافها، وإما الرجوع إلى الأصل الجاري في كل مسألة مع قطع النظر عن العلم بها أو التقليد فيها أو الاكتفاء بالاطاعة الشكية أو الوهمية مع التمكن من الظنية والفرض بطلان كل واحد منها (أما المقدمة الاولى) فهي وإن كانت بديهية إلا أنه قد عرفت انحلال العلم الاجمالي بما في الأخبار الصادرة عن الأئمة الطاهرين - عليهم السلام - التي تكون فيما بايدينا من الروايات في الكتب المعتبرة ومعه لا موجب للاحتياط إلا في خصوص ما في الروايات وهو غير مستلزم للعسر فضلا عما يوجب الاختلال ولا إجماع على عدم وجوبه ولو سلم الاجماع على عدم وجوبه لو لم يكن هناك انحلال (وأما المقدمة الثانية) فاما بالنسبة إلى العلم فهي بالنسبة إلى أمثال زماننا بينة وجدانية يعرف الانسداد كل من تعرض للاستنباط والاجتهاد، وأما بالنسبة إلى العلمي فالظاهر أنها

______________________________

ذكر هذا في هذه المقدمة لأن فتوى المجتهد من قبيل الامارات العلمية والمتعرض لنفي ذلك هو المقدمة الثانية (قوله: قد عرفت انحلال) تقدم بيان ذلك في الدليل الأول من الأدلة العقلية (قوله: ومعه لا موجب للاحتياط) يعني مع هذا الانحلال يسقط العلم الاجمالي بثبوت التكاليف الكثيرة عن اقتضاء الاحتياط في كل ما هو محتمل التكليف ويكون الاثر للعلم بالاخبار الصادرة فيجب الاحتياط في أطرافه لا غير. وحينئذ لا مانع عن الاحتياط في اطرافه لعدم الحرج في ذلك ولا اجماع على عدم وجوبه فيجب الاحتياط في أطرافه ولا موجب للرجوع إلى الظن بل لا يجوز إذا كان مخالفا للاحتياط المذكور. ثم إنك عرفت ان المقدمة الأولى لا يتوقف عليها الدليل المذكور ويكفي مجرد احتمال التكاليف فيرجع هذا الاشكال في الحقيقة إلى انه لابد أن تتكفل المقدمة الرابعة عدم وجوب التبعيض في الاحتياط بالنحو المذكور أعني الاحتياط في موارد النصوص والرجوع إلى الأصل في غيرها كما تكفلت عدم وجوب الاحتياط مطلقا وعدم جواز الرجوع إلى الأصل في كل مسألة مسألة (قوله: ولو سلم الاجماع) لو وصلية يعني لو سلمنا الاجماع على

١٥٧

غير ثابتة لما عرفت من نهوض الأدلة على حجية خبر يوثق بصدقه وهو - بحمد الله - واف بمعظم الفقه لا سيما بضميمة ما علم تفصيلا منها كما لا يخفى (وأما الثالثة) فهي قطعية ولو لم نقل بكون العلم الاجمالي منجزا مطلقا أو فيما جاز أو وجب الاقتحام في بعض أطرافه كما في المقام حسب ما يأتي وذلك لان إهمال معظم الاحكام وعدم الاجتناب كثيرا عن الحرام مما يقطع بانه مرغوب عنه شرعا ومما يلزم تركه إجماعا (إن قلت): إذا لم يكن العلم بها منجزا لها للزوم الاقتحام في بعض الاطراف كما أشير إليه فهل كان العقاب على المخالفة في ساير الاطراف حينئذ على

______________________________

عدم وجوب الاحتياط لو كان العلم الاجمالي بالتكاليف غير منحل فلا نسلم الاجماع على عدم وجوب الاحتياط لو كان العلم المذكور منحلا (قوله: غير ثابتة لما عرفت) وعليه فتختلف هذه المقدمة باختلاف أنظار الباحثين عن حجية الخبر وغيره فان ثبت ما به الكفاية بحيث يحتمل انطباق تمام المعلوم بالاجمال عليه لم تتم هذه المقدمة لانحلال العلم الاجمالي المذكور، والا كانت تامة (قوله: أو فيما جاز أو وجب) هذان معطوفان على قوله: مطلقا، ومفسران له: والمراد بما جاز أو وجب العلم الاجمالي الذي جاز الاقتحام في بعض أطرافه أو وجب ذلك، (قوله: كما في المقام) فان العلم فيه مما يجب الاقتحام في بعض أطرافه لكون الاحتياط التام مما يوجب اختلال النظام المحرم شرعا (قوله: حسب ما يأتي) يعني في تنبيهات العلم الاجمالي بالتكليف حيث ذكر هناك: ان العلم الاجمالي إذا قام دليل على جواز الاقدام على مخالفته في بعض أطرافه لم يجب الاحتياط عقلا في الباقي، وحاصل ما ذكر - كما أشار إليه هنا بقوله: ان قلت... الخ -: ان الدليل الدال على جواز الاقدام موجب لانقلاب العلم بالتكليف إلى الشك به ومعه يكون العقاب على مخالفة التكليف في الباقي عقابا بلا بيان قبيحا في نظر العقل ويأتي انشاء الله توضيحه وتوضيح ما فيه في ذلك المقام (قوله: وذلك لأن) تعليل لقوله: فهي قطعية (قوله: فهل كان العقاب) هذا اشارة إلى ما

١٥٨

تقدير المصادفة إلا عقابا بلا بيان والمؤاخذة عليها الا مؤاخذة بلا برهان ؟ (قلت): هذا انما يلزم لو لم يعلم بايجاب الاحتياط وقد علم به بنحو اللم حيث علم اهتمام الشارع بمراعات تكاليفه بحيث ينافيه عدم ايجابه الاحتياط الموجب للزوم المراعات ولو كان بالالتزام ببعض المحتملات مع صحة دعوى الاجماع على عدم جواز الاهمال في هذا الحال وأنه مرغوب عنه شرعا قطعا فلا تكون المؤاخذة والعقاب حينئذ بلا بيان وبلا برهان كما حققناه في البحث وغيره (وأما المقدمة الرابعة) فهي بالنسة إلى عدم وجوب الاحتياط التام بلا كلام فيما يوجب عسره اختلال النظام وأما فيما لا يوجب فمحل نظر بل منع لعدم حكومة قاعدة نفي العسر والحرج على قاعدة الاحتياط وذلك لما حققناه في معنى ما دل على نفي الضرر والعسر من أن التوفيق بين دليلهما ودليل التكليف أو الوضع المتعلقين

______________________________

ذكرناه من وجه عدم لزوم الاحتياط في الباقي بعد ارتكاب ما يندفع به الحرج، (قوله: بنحو اللم) يعني استدلالا على المعلول بوجود العلة فان الاهتمام علة لجعل وجوب الاحتياط في ظرف الشك فإذا علم بالاهتمام علم بجعل وجوب الاحتياط فيكون العلم بوجوب الاحتياط حجة في نظر العقل على وجوبه فيجب عقلا كما لو كان عليه دليل سمعي (قوله: ولو كان بالالتزام) ضمير كان راجع إلى الاحتياط يعني ولو كان الاحتياط بالعمل ببعض المحتملات ولم يكن تاما موجبا لحصول اليقين بالواقع (قوله: مع صحة دعوى) هذا وجه آخر لاستكشاف وجوب الاحتياط وهو الاجماع، وعلى كلا الوجهين فالاحتياط مستند إلى جعل الشارع للحجة المستكشفة باحد الطريقين. هذا هو القول بانكشف وسيجيئ في كلام المصنف (ره) التعرض له (قوله: فيما لا يوجب فمحل) يعني إذا لم يكن الاحتياط موجبا لاختلال النظام بل كان موجبا للحرج فعدم وجوبه محل نظر بل منع (قوله: لما حققناه في معنى ما دل) اعلم ان دليل نفي الضرر والحرج ونحوهما يحتمل فيه معان كثيرة إلا الأظهر عند شيخنا الاعظم (ره) في

١٥٩

بما يعمهما

______________________________

رسائله كونه من قبيل نفي السبب بلسان نفي مسببه فالمعني نفي الحكم الذي يأتي من قبله الضرر والحرج، والأظهر عند المصنف (ره) كونه من قبيل نفي الحكم بلسان نفي موضوعه فالمعنى نفي الحكم الذي يكون للموضوع الحرجي أو الضرري ويختص بما في رفعه امتنان، وقد فرع المصنف (ره) على الاختلاف بين المعنيين صحة تطبيق قاعدة نفي الحرج في المقام وعدمه إذ لا ريب في أن الأحكام الواقعية في حال الجهل بها موجبة للحرج كما أن موضوعاتها ليست حرجية. فعلى الاول يصح تطبيق القاعدة لرفع تلك الأحكام بعد ما كانت موجبة للحرج، وعلى الثاني لا يصح بعد ما لم تكن موضوعاتها حرجية (فان قلت): الأحكام الواقعية انما تقتضي حفظ وجود موضوعاتها فإذا لم تكن موضوعاتها حرجية كيف تكون موجبة للحرج (قلت): الامر كما ذكرت إلا أن موضوعاتها إذا كانت مرددة بين اطراف يكون مجموعها حرجيا فقد اقتضت حفظ كل واحد من تلك المحتملات فيكون مقتضاها حرجيا ولو بالعرض من جهة الجهل، (فان قلت): فلم لا نقول ان موضوعاتها حرجية (قلت): مع تردد الموضوع بين الاطراف الكثيرة لا يصح دعوى ثبوت الحكم للمجموع بل موضوع الحكم ليس الا الموضوع الواقعي وهو ليس بحرجي ولا تلازم بين اقتضاء ذلك الحكم لفعل جميع المحتملات في ظرف الشك وعدم كونها موضوعا له كما هو ظاهر هذا ويمكن الخدشة فيه (أولا) بالمعنى الذي ذكره خلاف الظاهر جدا وسيأتي انشاء الله بيانه في قاعدة الضرر (وثانيا) بالفرق بين لسان أدلة الحرج ولسان أدلة الضرر ولا يصح قياس أحدهما على الآخر فان قوله تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) صريح في نفي جعل الحرج على العباد تشريعا وليس مثل: (لا ضرر ولا ضرار) مما هو ظاهر في نفي الموضوع فان دعوى ظهور الثاني فيما ذكر لا تلازم دعوى ظهور الأول فيه كما هو ظاهر جدا بأدنى تأمل، قوله: بما يعمهما) الضمير في (يعمها) راجع إلى الضرر والحرج وفي (نفيهما) إلى

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

والمماثلة الحقيقية ليست مرادةً ؛ لامتناعها بين الصيد والنَّعَم ، بل المراد من حيث الصورة ، فإنّ النعامة شبه البدنة.

وحَكَم الصحابة في الحيوانات بأمثالها ، فحَكَم عليعليه‌السلام وزيد ابن ثابت وعمر وعثمان وابن عباس ومعاوية في النعامة ببدنة. وحَكَم أبو عبيدة وابن عباس في حمار الوحش ببدنة. وحَكَم عمر فيه ببقرة. وحَكَم عليعليه‌السلام في الضبع بشاة(١) ، مع اختلاف الأزمان وتباعد الأمكنة ، ولو كان على وجه القيمة ، لامتنع اتّفاقها في شي‌ء واحد ، وقد حكموا في الحمامة بشاة(٢) ولا تبلغُ الحمامةَ في القيمة.

وما ثبت فيه نصّ مقدّر اتُّبع إمّا من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو من أحد الأئمةعليهم‌السلام ، ولا يجب استئناف الحكم - وبه قال عطاء والشافعي وإسحاق وأحمد(٣) - لأنّهم أعرف من غيرهم وأزهد ، فكان قولهم حجّةً.

وقال مالك : يستأنف الحكم ؛ لقوله تعالى :( يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ ) (٤) (٥) .

والجواب : التقدير ثبوت الحكم.

مسألة ٣١٧ : يجب في النعامة بدنة عند علمائنا أجمع ، فمن قتل نعامةً وهو مُحْرم وجب عليه جزور - وبه قال عطاء ومجاهد ومالك والشافعي وأحمد وأكثر أهل العلم(٦) - لقوله تعالى :( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ

____________________

= ٨٢ ، المغني ٣ : ٥٤٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦١ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٦ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٠ ، المجموع ٧ : ٤٣٨ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٨٦.

(١ و ٢ ) المغني ٣ : ٥٤٥ - ٥٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦١ - ٣٦٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٩١ - ٢٩٢.

(٣) المغني ٣ : ٥٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦١.

(٤) المائدة : ٩٥.

(٥) المغني ٣ : ٥٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦١.

(٦) الشرح الكبير ٣ : ٣٦١ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٣ ، الاُم ٢ : ١٩٠ ، الوجيز ١ : ١٢٨ ، =

٤٠١

النَّعَمِ ) (١) .

وروى العامّة : أنّ علياعليه‌السلام حكم فيها ببدنة(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « وفي النعامة جزور »(٣) .

وفي حديث آخر : « بدنة »(٤) .

وقال أبو حنيفة : تجب القيمة. وقد تقدّم(٥) .

ولو لم يجد البدنة ، قوّم البدنة ، وفضّ قيمتها على البرّ ، وأطعم ستّين مسكينا لكلّ مسكين نصف صاع - وبه قال الشافعي وأحمد(٦) - لقوله تعالى :( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ ) (٧) بقراءة الخفض(٨) ، وهو يقتضي أن يكون الجزاء بدلا عن المثل من النّعم ، لأنّ تقديرها : فجزاء بمثل.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إذا أصاب المحرم الصيد ولم يجد ما يكفّر من موضعه الذي أصاب فيه الصيد قوّم جزاؤه من النّعم دراهم ثم قوّمت الدراهم طعاما لكلّ مسكين نصف صاع ، فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوما »(٩) .

وقال مالك : يقوّم الصيد لا المثل ، لأنّ التقويم إذا وجب لأجل الإتلاف‌

____________________

= فتح العزيز ٧ : ٥٠٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٣ ، المجموع ٧ : ٤٢٨ و ٤٣٨.

(١) المائدة : ٩٥.

(٢) سنن البيهقي ٥ : ١٨٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦١.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٤١ / ١١٨٠.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٤١ / ١١٨١.

(٥) تقدّم في المسألة السابقة.

(٦) فتح العزيز ٧ : ٤٩٩ ، المجموع ٧ : ٤٣٨ ، المغني ٣ : ٥٨٨.

(٧) المائدة : ٩٥.

(٨) أي : بالإِضافة.

(٩) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤١ - ٣٤٢ / ١١٨٣.

٤٠٢

قوّم المتلف كالذي لا مثل له(١) .

وقال أبو حنيفة : لا يجب المثل ، بل قيمة الصيد ، فإن شاء تصدّق بها ، وإن شاء اشترى شيئاً من النَّعَم التي تجزئ في الأضحية يذبح ، وإن شاء صرفها إلى الطعام ، فأعطى كلّ مسكين نصف صاع من بُرٍّ أو صاعاً من غيره ، أو صام عن كلّ نصف صاع من بُرٍّ أو صاع من غيره يوماً(٢) .

ولو لم يجد الإِطعام ، قوّم الجزور بدراهم والدراهم بطعام على ما قلناه ، ثم صام عن كلّ نصف صاع يوماً - وبه قال ابن عباس والحسن البصري والنخعي والثوري وأصحاب الرأي وابن المنذر(٣) - لأنّ صوم اليوم بدل عن نصف صاع في غير هذه الصورة ، فيكون كذلك هنا.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوماً »(٤) .

وقال عطاء : يصوم عن كلّ مُدٍّ يوماً - وبه قال مالك والشافعي ، وعن أحمد روايتان - لأنّ الله تعالى جعل اليوم في كفّارة الظهار في مقابلة إطعام المسكين ، فكذا هنا(٥) .

ويبطل بتقديم النصّ على القياس.

مسألة ٣١٨ : واختلف علماؤنا في كفّارة جزاء الصيد :

____________________

(١) بداية المجتهد ١ : ٣٥٨ ، المغني ٣ : ٥٥٨ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٠ ، المجموع ٧ : ٤٣٨.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦٩ - ١٧٠ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٦ ، المجموع ٧ : ٤٣٨.

(٣) المغني ٣ : ٥٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٠ ، المجموع ٧ : ٤٣٨ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٨٥ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠١.

(٤) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤١ - ٣٤٢ / ١١٨٣.

(٥) المغني ٣ : ٥٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٠ ، بداية المجتهد ١ : ٣٥٨ ، المجموع ٧ : ٤٣٨.

٤٠٣

فقال بعضهم : إنّها على الترتيب(١) - وبه قال ابن عباس والتوري وابن سيرين ، ونقله أبو ثور عن الشافعي في القديم(٢) - لقول الصادقعليه‌السلام : « فإن لم يقدر على ذلك - يعني الذبح - قوّم جزاء الصيد وتصدّق بثمنه على المساكين » ثم قال : « فإن لم يقدر صام بدل كلّ صاع يوماً»(٣) وهو يدلّ على الترتيب.

ولأنّ هدي المتعة على الترتيب ، وهذا آكد منه ، لأنّه فعل محظور.

وقال بعضهم : إنّها على التخيير(٤) - وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي ، وعن أحمد روايتان(٥) - وهو المعتمد ، لقوله تعالى :( هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً ) (٦) و « أو » للتخيير.

قال ابن عباس : كلّ شي‌ء « أو ، أو » فهو مخيّر ، وأمّا ما كان « فإن لم يجد » فهو الأوّلُ الأوّلُ. رواه العامّة(٧) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « كلّ شي‌ء في القرآن ( أو ) فصاحبه بالخيار يختار ما شاء ، وكلّ شي‌ء في القرآن ( فمن لم يجد فعليه كذا ) فالأول بالخيار »(٨) .

ولأنّها فدية تجب بفعل محظور ، فكان مخيّراً بين ثلاثتها ، كفدية الأذى.

____________________

(١) كالشيخ المفيد في المقنعة : ٦٨ ، والمحقّق في شرائع الإِسلام ١ : ٢٨٤ - ٢٨٥.

(٢) المغني ٣ : ٥٥٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٨ - ٣٣٩ ، المجموع ٧ : ٤٢٧ - ٤٢٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٠ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٦.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٤١ / ١١٨٢.

(٤) كالشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٩٧ ، المسألة ٢٦٠ ، وابن إدريس في السرائر : ١٣١.

(٥) بداية المجتهد ١ : ٣٥٨ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٦ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩٩ - ٥٠٠ ، المجموع ٧ : ٤٢٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٠ ، المغني ٣ : ٥٥٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٨‌.

(٦) المائدة : ٩٥.

(٧) المغني ٣ : ٥٥٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٩ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٦.

(٨) الكافي ٤ : ٣٥٨ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٣٣ / ١١٤٧ ، الاستبصار ٢ : ١٩٥ / ٦٥٦.

٤٠٤

وقال الشافعي قولاً آخر : إنّه لا إطعام في الكفّارة ، وإنّما ذكر في الآية ليعدل به الصيام ؛ لأنّ مَنْ قَدَر على الإِطعام قَدَر على الذبح ، وهو مروي عن ابن عباس وعن أحمد(١) أيضاً.

وهو خطأ لأنّ الله تعالى سمّى الإِطعام كفّارةً ، ولو لم يجب إخراجه لم يكن كفّارةً وجعله طعاماً للمساكين ، وما لا يجوز صرفه إليهم لا يكون طعاماً لهم.

ولأنّه عطف الطعام على الهدي ثم عطف الصوم عليه ، ولو لم تكن إحدى الخصال لم يجز ذلك فيه.

ونمنع أنّ مَنْ قَدَر على الطعام قدر على الهدي ، إمّا لتعذّر المذبوح أو لغلاء السعر أو لغيرهما.

مسألة ٣١٩ : لو زادت قيمة الفداء على إطعام ستّين مسكينا لكلّ مسكين نصف صاع ، لم يلزمه الزائد ، وأجزأه إطعام الستّين ، ولو نقص عن إطعام الستّين ، لم يجب الإكمال ، بل أجزأه وإن كان ناقصاً.

وكذا لو زاد ثمن الطعام على صيام ستّين يوما لكلّ يوم نصف صاع ، لم يجب عليه صوم الزائد على الستّين ، ولو نقص ، أجزأه الناقص ، ولا يجب عليه إكمال الصوم.

والعامّة لم يعتبروا ذلك ؛ لأنّها كفّارة ، فلا تزيد على إطعام ستّين ولا على صيام ستين ، لأنّها أعلى مراتب الكفّارات.

وقول الصادقعليه‌السلام في مُحْرم قتل نعامةً ، قال : « عليه بدنة ، فإن لم يجد فإطعام ستّين مسكيناً ، فإن كانت قيمة البدنة أكثر من طعام ستّين مسكيناً لم يزد على طعام ستّين مسكيناً ، وإن كانت قيمة البدنة أقلّ من طعام ستّين مسكيناً لم يكن عليه إلّا قيمة البدنة »(٢) .

____________________

(١) الشرح الكبير ٣ : ٣٣٩ ، المغني ٣ : ٥٥٧ ، وفيه : وهذا قول الشعبي ، بدل الشافعي.

(٢) الكافي ٤ : ٣٨٦ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٣٤٢ /٧ ١١٨٥.

٤٠٥

إذا عرفت هذا ، فلو بقي ما لا يعدل يوماً ، كربع الصاع ، كان عليه صيام يوم كامل ، وبه قال عطاء والنخعي وحماد والشافعي وأصحاب الرأي(١) ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لأنّ صيام اليوم لا يتبعّض ، والسقوط غير ممكن ؛ لشغل الذمّة ، فيجب إكمال اليوم.

مسألة ٣٢٠ : لو عجز عن البدنة وإطعام ستّين وصوم شهرين ، صام ثمانية عشر يوماً ؛ لأنّ صوم ثلاثة أيّام بدل عن إطعام عشرة مساكين في كفّارة اليمين مع العجز عن الإِطعام ، فيكون كذلك هنا.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « مَنْ أصاب شيئاً فداؤه بدنة من الإِبل ، فإن لم يجد ما يشتري بدنةً فأراد أن يتصدّق فعليه أن يطعم ستّين مسكيناً لكلّ مسكين مُدّاً ، فإن لم يقدر على ذلك صام مكان ذلك ثمانية عشر يوماً مكان كلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام »(٢) .

مسألة ٣٢١ : في فراخ النعامة لعلمائنا قولان :

أحدهما : من صغار الإِبل(٣) ، وبه قال الشافعي وأحمد(٤) .

والثاني : فيه مثل ما في النعامة سواء(٥) ، وبه قال مالك(٦) .

احتجّ الأوّلون : بقوله تعالى :( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (٧) ومثل الصغير صغير.

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٥٩ - ٥٦٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٠ ، المجموع ٧ : ٤٢٧.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٧.

(٣) من القائلين به : الشيخ المفيد في المقنعة : ٦٨.

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ٢٩٤ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٤ ، المجموع ٧ : ٤٣١ و ٤٣٩ ، المغني ٣ : ٥٥٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٤ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٢.

(٥) من القائلين به : الشيخ الطوسي في النهاية : ٢٢٥ والمبسوط ١ : ٣٤٢.

(٦) بداية المجتهد ١ : ٣٦٢ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٥ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٤ ، المجموع ٧ : ٤٣٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٩٤ ، المغني ٣ : ٥٤٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٤.

(٧) المائدة : ٩٥.

٤٠٦

ولأنّ فرخ الحمام يضمن بمثله ، فكذا فرخ النعامة.

واحتجّ الآخرون : بقوله تعالى :( هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ ) (١) ولا يجزئ في الهدي صغير.

ولقول الصادقعليه‌السلام في قوم حجّاج مُحْرمين أصابوا فراخ نعام ، فأكلوا جميعاً ، قال : « عليهم مكان كلّ فرخ بدنة يشتركون فيها جميعاً يشترونها على عدد الفراخ وعلى عدد الرجال »(٢) .

الثاني : كفّارة قتل حمار الوحش وبقرته.

مسألة ٣٢٢ : لو قتل الـمُحْرم حمارَ الوحش ، وجب عليه دم بقرة عند علمائنا - وبه قال عمر وعروة ومجاهد والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين(٣) - للمماثلة بين حمار الوحش والبقرة الأهلية.

ولأنّ أبا بصير سأل الصادقعليه‌السلام : قلت : فإن أصاب بقرة وحش أو حمار وحش ما عليه؟ قال : « عليه بقرة »(٤) .

وقال أحمد في الرواية الاُخرى : عليه بدنة. وهو مروي عن أبي عبيدة وابن عباس ، وبه قال عطاء والنخعي(٥) .

وقال أبو حنيفة : تجب القيمة. وقد سلف(٦) .

إذا ثبت هذا ، ففي بقرة الوحش بقرة أهلية أيضاً عند علمائنا ، وهو مروي‌

____________________

(١) المائدة : ٩٥.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٣٦ / ١١٢٣.

(٣) المغني ٣ : ٥٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢ ، الاُم ٢ : ١٩٢ ، الوجيز ١ : ١٢٨ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٣ ، المجموع ٧ : ٤٢٨ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٨٢ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٧٠.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٤٢ - ٣٤٣ / ١١٨٦.

(٥) المغني ٣ : ٥٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢.

(٦) سلف في صفحة ٣٩٩.

٤٠٧

عن ابن مسعود وعطاء وعروة وقتادة والشافعي(١) ، ولا نعلم فيه خلافاً ، إلّا من أبي حنيفة(٢) ؛ لأنّ الصحابة نصّوا فيها على ذلك(٣) . وللمشابهة في الصورة. ولرواية أبي بصير ، الصحيحة ، وقد سلفت(٤) .

مسألة ٣٢٣ : لو لم يجد البقرة في جزاء حمار الوحش وبقرته ، قوّم ثمنها بدراهم وفضَّه على الحنطة ، وأطعم كلّ مسكين نصف صاع ، ولا يجب عليه ما زاد على إطعام ثلاثين مسكيناً ، ولا إتمام ما نقص عنه ، عند علمائنا.

وقال مالك : إنّما يقوّم الصيد. وقد سلف(٥) البحث معه.

وقد روى أبو عبيدة عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « إذا أصاب المحرم الصيد ولم يجد ما يكفّر من موضعه الذي أصاب فيه الصيد قوّم جزاؤه من النّعم دراهم ثم قوّمت الدراهم طعاما لكلّ مسكين نصف صاع ، فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوما »(٦) .

وعن أبي بصير عن الصادقعليه‌السلام ، قال : فإن أصاب بقرة وحش أو حمار وحش ما عليه؟ قال : « بقرة » قلت : فإن لم يقدر على بقرة؟ قال : « فليطعم ثلاثين مسكيناً »(٧) .

مسألة ٣٢٤ : لو لم يتمكّن من الإِطعام ، صام ثلاثين يوما كلّ يوم بإزاء نصف صاع ، ولو لم يبلغ الإطعام ذلك ، لم يكن عليه الإِكمال ، ولو فضل ،

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢ ، المجموع ٧ : ٤٢٨ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٢ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٣.

(٢) تقدّمت الإِشارة إلى مصادر قوله في صفحة ٣٩٩ ، الهامش (٧)

(٣) كما في المغني ٣ : ٥٤٧ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٦٢ ، وفتح العزيز ٧ : ٥٠٢ ، والمجموع ٧ : ٤٢٨ ، وسنن البيهقي ٥ : ١٨٢.

(٤) سلفت في صدر المسألة.

(٥) سلف في المسألة ٣١٧.

(٦) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤١ - ٣٤٢ / ١١٨٣.

(٧) التهذيب ٥ : ٣٤٢ - ٣٤٣ / ١١٨٦.

٤٠٨

لم تجب عليه الزيادة عن ثلاثين ؛ لما تقدم(١) في النعامة.

ولقول الباقرعليه‌السلام : « لكلّ طعام مسكين يوماً »(٢) .

والخلاف في الترتيب والتخيير هنا كما تقدّم(٣) .

ولو لم يتمكّن من هذه الأصناف ، صام تسعة أيّام ؛ لما ثبت في كفّارة اليمين من أنّ صوم ثلاثة أيّام بدل من إطعام عشرة مساكين مع العجز ، فكذا هنا.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « فإن لم يجد(٤) فليطعم ثلاثين مسكينا ، فإن لم يجد(٥) فليصم تسعة أيّام »(٦) .

الثالث : في كفّارة الظبي والثعلب والأرنب.

مسألة ٣٢٥ : لو قتل الـمُحْرم ظبياً ، وجب عليه دم شاة ، وبه قال عليعليه‌السلام ، وعطاء وعروة وعمر بن الخطّاب والشافعي وأحمد وابن المنذر(٧) ؛ لأنّه قول من سمّيناه من الصحابة ، ولم يُعلمْ لهم مُخالف ، فكان حجّةً.

وما رواه العامّة عن جابر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( وفي الظبي شاة )(٨) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « وفي الظبي شاة »(٩) .

____________________

(١) تقدم في المسألة ٣١٩.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٤٢ / ١١٨٤.

(٣) تقدّم في المسألة ٣١٨.

(٤و٥) في المصدر : فإن لم يقدر.

(٦) الكافي ٤ : ٣٨٥ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣٤٢ - ٣٤٣ / ١١٨٦.

(٧) المغني ٣ : ٥٤٦ و ٥٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٨٢.

(٨) سنن الدار قطني ٢ : ٢٤٧ / ٥٢ ، المغني ٣ : ٥٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢.

(٩) التهذيب ٥ : ٣٤١ / ١١٨١.

٤٠٩

وقال أبو حنيفة : الواجب القيمة. وقد تقدّم(١) البحث معه.

مسألة ٣٢٦ : لو عجز عن الشاة ، قوّم ثمنها دراهم ، وفضَّه على البُرّ ، وأطعم عشرة مساكين لكلّ مسكين نصف صاع ، ولو زاد التقويم على ذلك ، لم تجب عليه الزيادة على إطعام العشر ، ولو نقص ، لم يجب عليه الإِكمال ؛ لما ثبت من مساواة إطعام عشرة مساكين للشاة في اليمين وأذى الحلق وغيرهما.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إذا أصاب الـمُحْرم الصيد ولم يجد ما يكفّر من موضعه الذي أصاب فيه [ الصيد ](٢) قوّم جزاؤه من النَّعَم دراهم ثم قُوّمت الدراهم طعاماً لكلّ مسكين نصف صاع ، فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوماً »(٣) .

وسأل أبو بصير الصادقَعليه‌السلام : فإن أصاب ظبياً ما عليه؟ قال : « عليه شاة » قلت : فإن لم يجد شاةً؟ قال : « فعليه إطعام عشرة مساكين »(٤) .

مسألة ٣٢٧ : لو عجز عن الإِطعام ، صام عن كلّ نصف صاع يوماً ، ولو زاد التقويم على خمسة أصْوُعٍ ، لم يكن عليه صوم عن الزائد ، ولو نقص ، لم يكن عليه إلّا بقدر التقويم ؛ لما ثبت من مقابلة صوم اليوم لنصف صاع ، فكذا هنا.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوماً »(٥) .

____________________

(١) تقدّم في صفحة ٣٩٩.

(٢) أضفناها من المصدر.

(٣) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤١ - ٣٤٢ / ١١٨٣.

(٤) الكافي ٤ : ٣٨٥ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٦.

(٥) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤١ - ٣٤٢ / ١١٨٣.

٤١٠

واعلم أنّ الخلاف هنا في ترتيب هذه الأصناف الثلاثة أو تخييرها كالخلاف فيما تقدّم(١) .

ولو عجز عن الشاة وإطعام عشرة مساكين وصوم عشرة أيّام ، صام ثلاثة أيّام ؛ لما ثبت من أنّها بدل في كفّارة اليمين عن إطعام عشرة مساكين ، وكذا في كفارة الأذى ، فكذا هنا.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « ومَنْ كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين ، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام في الحجّ(٢) »(٣) .

مسألة ٣٢٨ : وفي الثعلب شاة ؛ لأنّ أبا بصير سأل الصادقَعليه‌السلام : عن رجل قتل ثعلباً ، قال : « عليه دم » قلت : فأرنباً؟ قال : « مثل ما في الثعلب »(٤) .

قال الشيخان رحمهما الله تعالى : إنّ في الثعلب مثل ما في الظبي(٥) . ولم يثبت.

ويمكن الاحتجاج بقول الصادقعليه‌السلام : « ومَنْ كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام في الحجّ »(٦) .

إذا عرفت هذا ، ففي الأرنب شاة ، ذهب إليه علماؤنا - وبه قال عطاء(٧) - لأنّه كالثعلب ، فيكون جزاؤه مساوياً لجزائه.

ولقول الكاظمعليه‌السلام : « في الأرنب شاة »(٨) .

____________________

(١) تقدّم في المسألة ٣١٨.

(٢) كلمة « في الحج » لم ترد في المصدر.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٧.

(٤) الكافي ٤ : ٣٨٦ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٢٣٣ / ١١١٦ ، التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٨.

(٥) المقنعة : ٦٨ ، النهاية : ٢٢٢ ، المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٤٠.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٧.

(٧) المغني ٣ : ٥٤٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢.

(٨) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ٨ ، الفقيه ٢ : ٢٣٣ / ١١١٤ ، التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٩.

٤١١

وقال ابن عباس : فيه حمل(١) .

وقال الشافعي : فيه عناق(٢) . وهو الاُنثى من ولد المعز في أول سنة ، والذكر جدي.

إذا عرفت هذا ، فقال بعض علمائنا : إنّ فيه مثل ما في الظبي(٣) ؛ لما تقدّم في الثعلب.

الرابع : كسر بيض النعام.

مسألة ٣٢٩ : إذا كسر الـمُحْرم بيض نعامة ، فإن كان قد تحرّك فيه الفرخ ، كان عليه عن كلّ بيضة بكارة من الإِبل ، ولا تُشترط الاُنوثة ، فإن لم يكن قد تحرّك فيه الفرخ ، كان عليه أن يرسل فحولة الإِبل في إناث منها بعدد البيض ، فالناتج هديٌ لبيت الله تعالى ، ذهب إليه علماؤنا.

لنا : أنّه مع التحرّك يكون قد قتل فرخ نعامة ، فعليه مثله من الإِبل ، ومع عدمه يحتمل الفساد والصحة ، فكان عليه(٤) ما يقابله من إلقاء المني في رحم الاُنثى المحتمل للفساد والصحة.

ولما رواه علي بن جعفر - في الصحيح - عن أخيه الكاظمعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل كسر بيض نعامة وفي البيض فراخ قد تحرّك ، فقال : « عليه لكلّ فرخ تحرّك بعير ينحره في المنحر»(٥) .

وسأل رجلٌ أميرَ المؤمنينعليه‌السلام : إنّي خرجت مُحرماً ، فوطأَتْ‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٤٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢.

(٢) الاُم ٢ : ١٩٣ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٢ ، المجموع ٧ : ٤٣٩ ، المغني ٣ : ٥٤٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢.

(٣) منهم : الشيخ المفيد في المقنعة : ٦٨ ، والشيخ الطوسي في النهاية : ٢٢٢ - ٢٢٣ ، وسلّار في المراسم : ١٢٠ ، وابن إدريس في السرائر : ١٣٠ - ١٣١.

(٤) في « ن » : فيه.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٥٥ / ١٢٣٤ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٣ / ٦٨٨.

٤١٢

ناقتي بيض نعام فكسَرَتْه ، فهل عليَّ كفّارة؟ فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « فاسأل ابني الحسن -عليه‌السلام - عنها » وكان بحيث يسمع كلامه ، فتقدّم إليه الرجل ، فسأله ، فقال له : « يجب عليك أن ترسل فحولة الإِبل في إناثها بعدد ما انكسر من البيض ، فما نتج فهو هديٌ لبيت الله عزّ وجلّ » فقال له أمير المؤمنينعليه‌السلام : « يا بُنيّ كيف قلت ذلك وأنت تعلم أنّ الإِبل ربما أزلقت أو كان فيها ما يزلق؟ » فقال : « يا أمير المؤمنين والبيض ربما أمرق(١) » فتبسّم أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وقال له : « صدقت يا بُنيّ » ثم تلا( ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (٢) (٣) .

وقال الشافعي : يجب عليه قيمة البيض - وبه قال عمر بن الخطّاب وابن مسعود والنخعي والزهري وأبو ثور وأحمد وأصحاب الرأي - لأنّ البيض لا مثل له ، فتجب القيمة.

ولما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( في بيض النعام يصيبه الـمُحْرم : ثمنه )(٤) (٥) .

ونمنع عدم المثل ؛ لأنّه ليس المراد المثل الحقيقي.

والحديث مرسل لا اعتداد به.

وقال مالك : يجب في البيضة عُشْر قيمة الصيد(٦) .

____________________

(١) مرقت البيضة : إذا فسدت فصار ماءً. لسان العرب ١٠ : ٣٤٠ « مرق ».

(٢) آل عمران : ٣٣.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٥٤ / ١٢٣١.

(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٣١ / ٣٠٨٦.

(٥) المغني ٣ : ٥٥٣ - ٥٥٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٣ ، الاُم ٢ : ٢٠٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٦ ، المجموع ٧ : ٣٣٢ - ٣٣٣ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٣ ، المحلّى ٧ : ٢٣٣ و ٢٣٥.

(٦) بداية المجتهد ١ : ٣٦٢ - ٣٦٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٣٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩٩ ، المجموع ٧ : ٣٣٢ و ٣٣٣ و ٤٤١.

٤١٣

وقال داود وأهل الظاهر : لا شي‌ء في البيض(١) .

مسألة ٣٣٠ : لا فرق بين أن يسكره بنفسه أو بدابّته ؛ لأنّه سبب في الإِتلاف ، فكان عليه ضمانه ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « ما وطأْتَه أو وطأه بعيرك أو دابّتك وأنت مُحْرم فعليك فداؤه»(٢) .

والاعتبار في العدد بالإِناث ، فيجب لكلّ بيضة اُنثى ، ولو كان الذكر واحداً أجزأه ؛ لأنّ الإِنتاج مأخوذ من الإِناث.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « أن يرسل الفحل في مثل عدد البيض من الإِبل الإِناث ، فما لقح وسلم كان النتاج هدياً بالغ الكعبة »(٣) .

مسألة ٣٣١ : لو لم يتمكّن من الإِبل ، كان عليه عن كلّ بيضة شاة ، فإن لم يجد ، كان عليه عن كلّ بيضة إطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مُدُّ ، فإن لم يجد ، كان عليه صيام ثلاثة أيّام ؛ لأنّها تثبت بدلاً في كفّارات متعدّدة ، فكذا هنا.

ولرواية علي بن أبي حمزة عن أبي الحسنعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل أصاب بيض نعامة وهو مُحْرم ، قال : « يُرسل الفحل في الإِبل على عدد البيض » قلت : فإنّ البيض يفسد كلّه ويصلح كلّه ، قال : « ما نتج الهدي فهو هدي بالغ الكعبة ، وإن لم ينتج فليس عليه شي‌ء ، فمن لم يجد إبلاً فعليه لكلّ بيضة شاة ، فإن لم يجد فالصدقة على عشرة مساكين لكلّ مسكين مُدُّ ، فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيام »(٤) .

إذا عرفت هذا ، فلو كسر بيضةً فخرج منها فرخ حيّ وعاش ، لم يكن‌

____________________

(١) المحلّى ٧ : ٢٣٣ ، المجموع ٧ : ٣١٨ و ٣٣٢ و ٤٤١.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٥٥ ذيل الحديث ١٢٣٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٢ ذيل الحديث ٦٨٦.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٥٥ / ١٢٣٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٢ / ٦٨٦.

(٤) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١١ ، التهذيب ٥ : ٣٥٤ / ١٢٢٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٠١ - ٢٠٢ / ٦٨٤.

٤١٤

عليه شي‌ء ، ولو مات ، كان فيه ما في صغير النعام.

ولو باض الطير على فراش مُحْرمٍ ، فنقله إلى موضعه فنفر الطير فلم يحضنه ، لزمه الجزاء. وللشافعي قولان(١) .

ولو كسر بيضةً فيها فرخ ميّت ، لم يكن عليه شي‌ء ، وكذا لو كان البيض فاسداً.

وقال الشافعي : إن كان بيض نعام ، كان عليه القيمة ؛ لأنّ للقشر قيمةً(٢) .

وليس بمعتمد ؛ لأنّه بمنزلة الحجر والخشب ، ولهذا لو نقب بيضةً فأخرج ما فيها أجمع ، ضمنها ، ولو كسرها آخرٌ بعده ، لم يكن عليه شي‌ء.

ولقول الكاظمعليه‌السلام : « وإن لم ينتج فليس عليه شي‌ء »(٣) .

الخامس : كسر بيض القطا والقبج.

مسألة ٣٣٢ : لو كسر الـمُحْرم بيضةً من بيض القطا أو القبج ، فإن كان قد تحرّك فيه الفرخ ، كان عليه عن كلّ بيضةٍ مخاضٌ من الغنم ، وإن لم يكن قد تحرّك فيه الفرخ ، وجب عليه إرسال فحولة الغنم في إناثها بعدد البيض ، فالناتج هدي لبيت الله تعالى.

وقالت العامّة : إنّ عليه القيمة(٤) . وقد تقدّم(٥) .

ولأنّ الصادقعليه‌السلام سُئل عن مُحْرم وطأ بيض القطا فشدخه ، قال : « يرسل الفحل في مثل عدد البيض من الغنم ، كما يرسل الفحل في مثل‌

____________________

(١) حلية العلماء ٣ : ٣٠٠ ، المجموع ٧ : ٣٣٧.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٩ ، المجموع ٧ : ٣١٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٦ - ٤٨٧.

(٣) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١١ ، التهذيب ٥ : ٣٥٤ / ١٢٢٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٠١ - ٢٠٢ / ٦٨٤.

(٤) المغني ٣ : ٥٥٣ - ٥٥٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٣ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٦ ، المجموع ٧ : ٣١٨ و ٣٣٢.

(٥) تقدّم في المسألة ٣٢٩.

٤١٥

عدد البيض من الإِبل »(١) .

وأمّا وجوب المخاض للمتحرّك : فلأنّه بيض يتحرّك فيه الفرخ ، فكان عليه صغير من ذلك النوع ، كما في بيض النعام.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « في كتاب عليعليه‌السلام في بيض القطاة بكارة من الغنم إذا أصابه الـمُحْرم مثل ما في بيض النعام بكارة من الإِبل »(٢) .

مسألة ٣٣٣ : لو لم يتمكّن من إرسال فحولة الغنم في إناثها ، قال الشيخرحمه‌الله : كان حكمه حكم بيض النعام سواء(٣) .

و نَقَل عن المفيد أنّه إذا لم يتمكّن من الإِرسال ، ذبح عن كلّ بيضة شاةً ، فإن لم يجد ، أطعم عن كلّ بيضة عشرةَ مساكين ، فإن لم يقدر ، صام عن كلّ بيضة ثلاثة أيّام(٤) .

والأقرب : أنّ مقصود الشيخ في مساواته لبيض النعام وجوب الصدقة على عشرة مساكين أو صيام ثلاثة أيّام إذا لم يتمكّن من الإِطعام ؛ لأنّ مع التحرّك لا تجب شاة كاملة صغيرة ، فكيف تجب الشاة الكاملة مع عدم التحرّك وإمكان فساده وعدم خروج الفرخ منه!؟

تنبيه : يجب ذبح الجزاء في الموضع الذي تجب التفرقة فيه ، فيتصدّق‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٣٨٩ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٣٥٦ / ١٢٣٧ ، الإستبصار ٢ : ٠٣ / ٦٨٩‌

(٢) الكافي ٤ : ٣٨٩ - ٣٩٠ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٣٥٥ / ١٢٣٣ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٢ / ٦٨٧.

(٣) النهاية : ٢٢٧ ، المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٤٥.

(٤) السرائر : ١٣٢ - ١٣٣ ، وراجع : المقنعة : ٦٨.

٤١٦

به على مساكين الحرم إمّا بأن يُفرّق اللحم ، أو يُملّكهم جملته مذبوحاً ، ولا يجوز أن يُخرجه حيّاً.

وإذا قوّم المثل دراهم ، لم يجز له أن يتصدّق بها ، بل يجعلها طعاماً ، ويتصدّق بها.

ولو صام عن نصف الصاع بقدره فانكسر ، وجب صوم يوم كامل ؛ لأنّ صوم اليوم لا يتبعّض.

البحث الثاني : فيما لا بدل له على الخصوص‌(١)

مسألة ٣٣٤ : الحمام كلّ طائر يهدر بأن يواتر صوته ، ويعبُّ الماء بأن يضع منقاره فيه ، فيكرع كما تكرع الشاة ، ولا يأخذ قطرةً قطرةً بمنقاره ، كما يفعل الدجاج والعصفور.

وقال الكسائي : إنّه كلّ مطوّق(٢) فالحجل حمام ، لأنّه مطوَّق.

ويدخل في الأول : الفواخت والوارشين والقماري والدباسي والقطا.

إذا عرفت هذا ، ففي كلّ حمامة شاة ، ذهب إليه علماؤنا أجمع - وبه قال عليعليه‌السلام وعمر وعثمان وابن عمر وابن عباس ونافع بن عبد الحارث ؛ فإنّهم حكموا في حمام الحرم بكلّ حمامة شاة ، وبه قال سعيد بن المسيّب وعطاء وعروة وقتادة والشافعي وأحمد وإسحاق(٣) - لمشابهة الحمامة بالشاة في الكرع.

ولما رواه العامّة عن ابن عباس : أنّه قضى في الحمام حال الإِحرام‌

____________________

(١) أي : فيما ليس لكفّارته بدل على الخصوص.

(٢) المغني ٣ : ٥٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٣.

(٣) المغني ٣ : ٥٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٣ ، الاُم ٢ : ١٩٥ ، الوجيز ١ : ١٢٨ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٤ ، المجموع ٧ : ٤٤٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٧ ، المحلّى ٧ : ٢٢٩ ، مصنّف عبد الرزاق ٤ : ٤١٨ / ٨٢٨٥.

٤١٧

بالشاة ، ولم يخالفه أحد من الصحابة(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « الـمُحْرم إذا أصاب حمامةً ففيها شاة »(٢) .

ولأنّها حمامة [ مضمونة ](٣) لحقّ الله تعالى ، فضُمنت بالشاة ، كحمامة الحرم.

ولأنّ الشاة مِثْلٌ لما في الحرم فتكون كذلك في الإِحرام ؛ لقوله تعالى :( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (٤) .

وقال أبو حنيفة ومالك : فيه القيمة - إلّا أنّ مالكاً وافقنا في حمام الحرم دون حمام الإِحرام - لأنّ الحمامة لا مثل لها ، فتجب القيمة.

ولأنّ القياس يقتضي القيمة في كلّ الطير ، تركناه في حمام الحرم ؛ لقضاء الصحابة ، فيبقى ما عداه على الأصل(٥) .

وقد بيّنّا أنّ المماثلة في الحقيقة أو الصورة غير مرادة ، بل ما شابهها شرعاً ، وقد بيّنّا أنّ الشارع حَكَم في الحمامة بشاة ، مع قوله تعالى :( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (٦) فدلّ على ثبوت المماثلة الشرعية بينهما. وهو الجواب عن الثاني.

مسألة ٣٣٥ : الشاة تجب بقتل الـمُحْرم للحمامة ، أمّا الـمُحِلُّ لو قتلها في الحرم ، فإنّه يجب عليه القيمة ، وهي درهم عند علمائنا ، لقول الصادق‌

____________________

(١) سنن البيهقي ٥ : ٢٠٥ ، المغني ٣ : ٥٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٣.

(٢) الكافي ٤ : ٣٨٩ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣٤٥ / ١١٩٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٠ / ٦٧٨.

(٣) أضفناها من المغني والشرح الكبير.

(٤) المائدة : ٩٥.

(٥) المغني ٣ : ٥٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩٨ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٢ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٧.

(٦) المائدة : ٩٥.

٤١٨

عليه‌السلام : « في الحمامة درهم »(١) .

وسأل عبدُ الرحمن بن الحجّاج الصادقَعليه‌السلام : عن فرخين مسرولين(٢) ذبحتُهما وأنا بمكة مُحِلٌّ ، فقال لي : « لِمَ ذبحتهما؟ » قلت : جاءتني بهما جارية قوم من أهل مكة ، فسألتني أن أذبحهما لها ، فظننت أنّي بالكوفة ، ولم أذكر أنّي بالحرم فذبحتُهما ، فقال : « تصدّق بثمنهما » قلت : كم ثمنهما؟ قال : « درهم خيرٌ من ثمنهما »(٣) .

ولو كانت القيمة أزيد من درهم أو أنقص ، فالأقرب : الغرم ؛ عملاً بالنصوص ، والأحوط : وجوب الأزيد من الدرهم والقيمة.

مسألة ٣٣٦ : لو كان القاتل للحمام مُحْرماً في الحرم ، وجب عليه الجزاء والقيمة معاً ، فيجب عليه عن كلّ حمامة شاة ودرهم ؛ لأنّه يهتك حرمةَ الحرم والإِحرام ، فكان عليه فداؤهما.

ولأنّ الشاة تجب على الـمُحْرم في الحِلّ ، والدرهم يجب على الـمُحِلّ في الحرم ، فالـمُحْرم في الحرم يجب عليه الأمران ؛ لأنّه اجتمع فيه الوصفان :

ولأنّ أبا بصير سأل الصادقَعليه‌السلام : عن مُحْرم قتل حمامةً من حمام الحرم خارجاً من الحرم ، قال : فقال : « عليه شاة » قلت : فإن(٤) قتلها في جوف الحرم؟ قال : « عليه شاة وقيمة الحمامة » قلت : فإن(٥) قتلها في الحرم وهو حلال؟ قال : « عليه ثمنها ليس غيره »(٦) .

مسألة ٣٣٧ : لو قتل فرخاً من فراخ الحمام ، وجب عليه حمل قد فُطم ورعى الشجر إن كان مُحْرماً ؛ لما تقدّم من المماثلة بين الجزاء والصيد ، ومثل‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٢٣٤ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤٥ / ١١٩٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٠ / ٦٧٧.

(٢) أي : في رجليهما ريش. مجمع البحرين ٥ : ٣٩٦ « سرول ».

(٣) التهذيب ٥ : ٣٤٦ / ١٢٠٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٠١ / ٦٨١.

(٤ و ٥) في النسخ الخطيّة والحجرية : فإنّه. وما أثبتناه من المصدر.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٤٧ / ١٢٠٣.

٤١٩

الصغير صغير.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « فإن كان فرخاً فجدي أو حمل صغير من الضأن »(١) .

ولو كان القاتل للفرخ مُحِلاً في الحرم ، وجب عليه نصف درهم ، ولو كان مُحْرماً في الحرم ، وجب عليه الجزاء والقيمة معاً ، فيجب حملٌ ونصفُ درهم ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « في الحمامة درهم ، وفي الفرخ نصف درهم ، وفي البيض رُبْع درهم »(٢) .

مسألة ٣٣٨ : لو كسر الـمُحْرم بيض الحمام ولم يكن قد تحرّك فيه الفرخ ، وجب عليه عن كلّ بيضة درهم ، وإن كان قد تحرّك فيه الفرخ ، وجب عليه عن كلّ بيضة حمل ، هذا إن كان في الحلّ ، لقول الصادقعليه‌السلام : « وإن وطأ الـمُحْرم بيضةً فكسرها فعليه درهم ، كلّ هذا يتصدّق به بمكة ومنى ، وهو قول الله تعالى :( تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ ) (٣) »(٤) .

ولو كان الكاسر مُحلاً في الحرم ، فعليه لكلّ بيضة رُبْع درهم ؛ لقولهعليه‌السلام : « وفي البيض رُبْع درهم »(٥) .

ولو كان مُحْرماً في الحرم ، وجب عليه عن كلّ بيضة درهمٌ ورُبْعٌ.

مسألة ٣٣٩ : لا فرق بين حمام الحرم والأهلي في القيمة إذا قُتل في الحرم ، إلّا أنّ حمام الحرم يشترى بقيمته علف لحمامه ، والأهلي يتصدّق بثمنه على المساكين ، عند العلماء ، إلّا داود ؛ فإنّه قال : لا جزاء في صيد الحرم(٦) ؛ لأصالة البراءة.

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٤٦ / ١٢٠١ ، الاستبصار ٢ : ٢٠١ / ٦٨٢.

(٢) الكافي ٤ : ٢٣٤ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤٥ / ١١٩٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٠ / ٦٧٧.

(٣) المائدة : ٩٤.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٤٦ / ١٢٠٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٠١ / ٦٨٣.

(٥) المصادر في الهامش (٢)

(٦) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٤٠٦ ، المسألة ٢٧٧.

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481