تذكرة الفقهاء الجزء ٧

تذكرة الفقهاء16%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-007-2
الصفحات: 481

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 481 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 169455 / تحميل: 5804
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٧

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٠٠٧-٢
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

بل إنّ ظاهر كلمات المحققين من النحاة صحة تركيب « هو أولى » و « هما أوليان »، فإنّهم قد صرّحوا بجواز حذف « من ومجرورها » بعد اسم التفضيل، ولهم على ذلك شواهد من الكتاب وأشعار العرب: قال الأزهري: « وقد تحذف من مع مجرورها للعلم بهما، نحو:( وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى ) أي من الحياة الدنيا. وقد جاء الإِثبات والحذف في:( أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً ) أي منك. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:

وأفعل التفضيل صله أبداً

تقديراً أو لفظاً بمن إنْ جرّدا

وأكثر ما تحذف من مع المفضول إذا كان أفعل خبراً في الحال أو في الأصل، فيشمل خبر المبتدأ وخبر كان وان وثاني مفعولي ظن وثالث مفاعيل أعلم »(١) .

وقال الرضي: « وإذا علم المفضول جاز حذفه غالباً إنْ كان أفعل خبراً كما يقال لك: أنت أسن أم أنا؟ فتجيب بقولك: أنا أسن. ومنه قوله: الله أكبر ويجوز أن يقال في مثل هذه المواضع: إن المحذوف هو المضاف إليه، أي أكبر كلّ شيء ويجوز أن يقال: إن من مع مجرورة محذوف، أي أكبر من كلّ شيء »(٢) .

والأعجب من كل ذلك غفلة الرازي عن صيغة التكبير الذي يفتتح به الصلاة في كل صباح ومساء.

١٣ - وجوه بطلان منع « هو أولى الرجل » .

وأما قول الرازي: « وتقول: هو مولى الرجل ومولى زيد ولا تقول هو أولى الرجل ولا أولى زيد » فيبطله وجوه:

____________________

(١). التصريح في شرح التوضيح ٢ / ١٠٢.

(٢). شرح الكافية: مبحث أفعل التفضيل.

١٦١

الأول: إذا كان ملاك التركيب لدى الرازي هو العقل لا الوضع، فأيّ استحالة عقلية تلزم من هذا التركيب؟

الثاني: إنّ إضافة « أولى » إلى « رجل » و « زيد » جائزة بحسب القاعدة في علم النحو، لأن استعمال اسم التفضيل مضافاً هو أحد طرق استعماله، كما صرح به النحويون بأجمعهم من غير خلاف. فأيّ مانع من إضافة « أولى » وهو اسم تفضيل إلى « زيد » و « الرجل »؟

الثالث: إنه بالاضافة إلى جواز هذا الاستعمال بحسب القاعدة، فقد وقع هذا الاستعمال وورد في حديث نبوي مذكور في الصحيحين،

ففي باب ميراث الولد من أبيه وأمه من كتاب الفرائض من صحيح البخاري:

« حدثنا موسى بن إسماعيل [ قال ] حدّثنا وهيب [ قال ] حدّثنا ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس [ رضي الله عنهما ] عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر »(١) .

وقد أخرجه في باب ميراث الجد مع الأب والأخوة(٢) .

وفي باب ابني عم أحدهما أخ للأم والآخر زوج(٣) .

وأخرجه مسلم في صحيحه حيث قال: « حدّثنا عبد الأعلى بن حماد - وهو النرسي - [ قال ] نا وهيب عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر.

حدثنا أمية بن بسطام العيشي [ قال ] نا يزيد بن زريع [ قال ] نا روح بن القاسم عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: ألحقوا الفرائض بأهلها فما تركت الفرائض فلأولى رجل ذكر.

____________________

(١). صحيح البخاري ٨ / ١٨٧.

(٢). نفس المصدر ٨ / ١٨٨.

(٣). نفس المصدر ٨ / ١٩٠.

١٦٢

حدثنا إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن رافع وعبد بن حميد - واللفظ لابن رافع - قال إسحاق نا وقال الآخران أنا عبد الرزاق قال أنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله [ تعالى ] فما تركت الفرائض فلأولى رجل ذكر »(١) .

فإن زعم الرازي أنا نمنع إضافته إلى المفرد المعرفة. فنقول: إن لاسم التفضيل عند إضافته معنيين، ولا يجوز إضافته إلى المفرد المعرفة بناءاً على أحدهما دون الآخر، قال ابن الحاجب: « فإذا أضيف فله معنيان، أحدهما - وهو الأكثر - أن تقصد به الزيادة على من أضيف إليه، وشرطه أن يكون منهم، نحو زيد أفضل الناس، ولا يجوز يوسف أحسن أخوته. والثاني: أن تقصد زيادة مطلقة ويضاف للتوضيح ».

وقال الرضي في شرحه: « قوله: والثاني أن يقصد زيادة مطلقة. أي يقصد تفضيله على كل من سواه مطلقاً، لا على المضاف إليه وحده، وإنما تضيفه إلى شيء لمجرد التخصيص والتوضيح، كما تضيف سائر الصفات، نحو: مصارع مصر، وحسن القوم، مما لا تفصيل فيه، فلا يشترط كونه بعض المضاف إليه، فيجوز بهذا المعنى أن تضيفه إلى جماعة هو داخل فيهم نحو قولك: نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل قريش، بمعنى أفضل الناس من بين قريش. وأن تضيفه إلى جماعة من جنسه ليس داخلاً فيهم، كقولك: يوسف أحسن أخوته، فإنّ يوسف لا يدخل في جملة أخوة يوسف، بدليل أنك لو سئلت عن عدد إخوته لم يجز لك عدّه فيهم، بلى يدخل لو قلت: أحسن الأخوة، أو أحسن بني يعقوب. وأن تضيفه إلى غير جماعة نحو: فلان أعلم بغداد، أي أعلم ممن سواه وهو مختص ببغداد، لأنّها منشؤه أو مسكنه، وإن قدّرت المضاف أي أعلم أهل بغداد فهو مضاف إلى جماعة يجوز أن يدخل فيهم »(٢) .

____________________

(١). صحيح مسلم ٥ / ٥٩ - ٦٠.

(٢). شرح الكافية - مبحث أفعل التفضيل.

١٦٣

أقول: وعلى هذا فمتى أريد من « أولى » التفضيل والزيادة المطلقة - لا الزيادة على من أضيف إليه فقط - جازت إضافته إلى « الرجل » و « زيد »، لأجل مجرد التخصيص والتوضيح.

١٤ - جواب منع « هما مولى رجلين ».

وأما قول الرازي: « هما أولى رجلين، وهم أولى رجال، ولا تقول: « هما مولى رجلين ولا هم مولى رجال » فهو توهم تدفعه كلمات المحققين الماضية، الدالة على أن الترادف لا يقتضي المساواة في جميع الأحكام.

على أنه لا تلزم أيّة استحالة عقلية من هذا الاستعمال، بناءاً على ما ذكره الرازي من كون مدار الاستعمال والإطلاق هو العقل لا الوضع.

١٥ - منع « هو أولاه » و « هو أولاك » غير مسلّم

وأمّا قوله: « ويقال: هو مولاه ومولاك، ولا يقال: هو أولاه وأولاك » فغير مسلّم، فإنه إذا كان الغرض هو التفضيل المطلق جاز إضافة اسم التفضيل إلى المفرد المعرفة لمجرد التخصيص والتوضيح، وعليه فلا مانع من إضافته إلى الضمير أيضاً. وقال ابن حجر العسقلاني بشرح « فما بقي فهو لأولى رجل ذكر » نقلاً عن السهيلي: « فإنْ قيل: كيف يضاف « أي أولى » للواحد وليس بجزء منه؟ فالجواب: إذا كان معناه الأقرب في النسب جازت إضافته وإنْ لم يكن جزءاً منه، كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في البر « برّ أمّك ثم أباك ثم أدناك »(١) .

وقد أضيف في هذا الحديث « أدنى » - وهو اسم تفضيل - إلى الضمير.

على أنّ الملاك لدى الرازي هو تجويز العقل كما تقدّم مراراً، ولا استحالة في إضافة اسم التفضيل إلى الضمير عقلاً.

____________________

(١). فتح الباري ١٥ / ١٤.

١٦٤

ثم إنّ الرازي قال في خاتمة كلامه: « وهذا الوجه فيه نظر مذكور في الأصول ».

فنقول له: أيها المجادل الغفول، الآتي بكل كلام مدخول! إذا كان عندك في هذا الوجه نظر مذكور في الأصول، فلم أتعبت النفس بتزوير هذا الهذر والفضول! الذي يردّه المنقول وتأباه العقول! وتبطله إفادات المحققين الفحول؟!

وبما ذكرنا ظهر بطلان قول ( الدهلوي ): « وهو منكر بالإِجماع ».

على أنّ الرازي قد قال في وجوه إثبات مجيء « الباء » للتبعيض كما هو مذهب الشافعي: « الثاني: النقل المستفيض حاصل بأن حروف الجر يقام بعضها مقام بعض، فوجب أن يكون إقامة حرف « الباء » مقام « من » جائزاً. وعلى هذا التقدير يحصل المقصود ».

فنقول: لا ريب في جواز « فلان مولى لك ». وبناءاً على ما ذكره من أن حروف الجر يقام بعضها مقام بعض، يجب أن يكون إقامة حرف « من » مقام اللام « جائزاً » وأن يستعمل « فلان مولى منك » بدل ( فلان أولى منك ) وعلى هذا التقدير يحصل المقصود.

* * *

١٦٥

١٦٦

وجوه بطلان شبهة

إن قول أبي عبيدة بيانٌ لحاصل معنى الآية

وشبهات أخرى

١٦٧

١٦٨

قوله:

« وأيضاً: فإنّ تفسير أبي عبيدة بيان لحاصل معنى الآية ».

أقول: هذا باطل لوجوه:

١ - لم يقل هذا أحد من أهل العربية

إن ( الدهلوي ) قد نسب هذا القول إلى جمهور أهل العربية، مع أن أحداً منهم لم يقله، بل إنّ الأصل في هذه الشبهة هو الرازي كما سيأتي، وقد ذكر من ترجم للرازي أنه لم يكن له اطلاع في علوم العربية، قال ابن الشحنة: « وكانت له اليد الطولى في العلوم خلا العربية »(١) .

٢ - لو كان كذلك فلما ذا خطّئوا أبا زيد كما زعم؟

إنه لو أمكن حمل تفسير أبي عبيدة على ما ذكر، فلماذا خطّأ جمهور أهل العربية أبازيد في تفسيره الذي تبع فيه أبا عبيدة - حسب زعم ( الدهلوي ) -؟ ولما ذا

____________________

(١). روضة المناظر - حوادث سنة ٦٠٦.

١٦٩

لم يحملوا تفسيره على هذا المعنى كذلك؟

٣ - لم ينفرد أبو عبيدة بهذا التفسير

إنه وإنْ كان الأصل في هذه الشبهة هو الرازي، لكن الرازي اعترف بأنّ جماعة من أئمة اللغة والتفسير يفسّرون الآية كذلك، وليس أبو عبيدة منفرداً به، قال الرازي بعد عبارته السابقة: « وأما الذي نقلوا عن أئمة اللغة أن « المولى » بمعنى « الأولى » فلا حجة لهم، وإنما يبيّن ذلك بتقديم مقدمتين -.

إحداهما: إن أمثال هذا النقل لا يصلح أن يحتج به في إثبات اللغة، فنقول: أن أبا عبيدة وإنْ قال في قوله تعالى:( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) هي أولى بكم. وذكر هذا أيضاً: الأخفش والزجاج وعلي بن عيسى، واستشهدوا ببيت لبيد، ولكن ذلك تساهل من هؤلاء الأئمة لا تحقيق، لأن الأكابر من النقلة مثل الخليل وأضرابه لم يذكروه، والأكثرون لم يذكروه إلّا في تفسير هذه الآية أو آية أخرى مرسلاً غير مسند، ولم يذكروه في الكتب الأصلية من اللغة، وليس كل ما يذكر في التفاسير كان ذلك لغة أصلية، ألا تراهم يفسرون اليمين بالقوة في قوله تعالى:( وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ) . والقلب بالعقل في قوله( لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ ) . مع أن ذلك ليس لغة أصلية، فكذلك ههنا »(١) .

لكن ( الدهلوي ) يحاول إسدال الستار على هذه الحقيقة الراهنة، فيدعي أن جمهور أهل العربية يحملون تفسير أبي عبيدة على انه بيان للمعنى لا تفسير، وكأن أبا عبيدة منفرد بهذا التفسير، وقد رأينا أن مخترع هذه الشبهة - وهو الرازي - يعترف بأن جماعة آخرين يفسرون الآية كذلك.

وأما قول الرازي: « ولكن ذلك تساهل من هؤلاء الأئمة لا تحقيق » فساقط جداً. إذ لا طريق لنا إلى معرفة مفاهيم الألفاظ إلّا بتنصيصات أئمة اللغة، فإنْ

____________________

(١). نهاية العقول - مخطوط.

١٧٠

حملت كلماتهم على التساهل سقطت عن الحجية، وبطلت الاستدلالات والحجج، بل إنّ كلام الرازي هذا خير وسيلة وذريعة للملحدين وجحدة الدين في إنكار حقائق الدين الإسلامي، إذ متى أريد إلزامهم بأمرٍ من أمور الدين استناداً إلى تصريحات اللغويين كان لهم أن يقولوا: « ذلك تساهل من هؤلاء الأئمة لا تحقيق »، بل يكون اعتراضهم أقوى، واعتذارهم عن القبول والتسليم أبلغ، لأنهم يخالفون أئمة اللغة في الدين أيضاً، بخلاف الرازي فإنه وإيّاهم من أهل ملة واحدة وبذلك ينهدم أساس دين الاسلام، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم.

هذا، ولا عجب من تأييد الرازي للملحدين، فقد عرفت من تصريح الذهبي(١) أن للرازي تشكيكات على دعائم الإسلام، وفي ( لسان الميزان )(٢) عن الرازي أن عنده شبهات عديدة في دين الإسلام، وأنه كان يبذل غاية جهده في تقرير مذاهب المخالفين والمبتدعين، ثم يتهاون ويتساهل في دفعها والجواب عنها.

٤ - الأصل في هذه الدعوى أيضاً هو الرازي

ثم إنّ الأصل في هذه الشبهة أيضاً هو الرازي كما عرفت من كلامه السابق، وقال بتفسير قوله تعالى:( مَأْواكُمُ النَّارُ ) ما نصه:

« وفي لفظ « المولى » هاهنا أقوال - أحدها: قال ابن عباس: مولاكم أي مصيركم. وتحقيقه: إن المولى موضع « الولي » وهو القرب. فالمعنى: إن النار هي موضعكم الذي تقربون منه وتصلون إليه.

والثاني: قال الكلبي: يعني أولى بكم، وهو قول الزجاج والفراء وأبي عبيدة. واعلم: أن هذا الذي قالوه معنىً وليس بتفسير للّفظ، لأنه لو كان « مولى »

____________________

(١). ميزان الاعتدال ٣ / ٣٤٠.

(٢). لسان الميزان ٤ / ٤٢٦.

١٧١

و « أولى » بمعنى واحد في اللغة لصحّ استعمال كل واحد منهما في مكان الآخر، فكان يجب أن يصح أن يقال: « هذا مولى من فلان » كما يقال: « هذا أولى من فلان » ويصح أن يقال: « هذا أولى فلان » كما يقال: « هذا مولى فلان ». ولما بطل ذلك علمنا أن الذي قالوه معنى وليس بتفسير.

وإنما نبّهنا على هذه الدقيقة لأن الشريف المرتضى لمـّا تمسّك في إمامة علي بقوله [عليه‌السلام ]: « من كنت مولاه فعلي مولاه » قال: أحد معاني « مولى » أنه « أولى » واحتج في ذلك بأقوال أئمة اللغة في تفسير هذه الآية بأن مولى معناه أولى. وإذا ثبت أن اللفظ محتمل له وجب حمله عليه، لأن ما عداه إمّا بيّن الثبوت ككونه ابن العم والناصر، أو بيّن الانتفاء كالمعتق والمعتق، فيكون على التقدير الأول عبثاً، وعلى التقدير الثاني كذباً.

وأمّا نحن فقد بيّنا بالدليل أن قول هؤلاء في هذا الموضوع معنىً لا تفسير، وحينئذ يسقط الاستدلال »(١) .

٥ - خدشة النيسابوري لكلام الرازي

ولكن ما أسلفنا من البحوث كاف لإسقاط وإبطال هذا الكلام، على أنه قد بلغ من السقوط والهوان حدّاً لم يتمكن النيسابوري من السكوت عليه، بالرغم من متابعته للرازي في كثير من المواضع، قال النيسابوري ما نصه: « هي مولاكم قيل: المراد أنها تتولى أموركم كما توليتم في الدنيا أعمال أهل النار. وقيل أراد هي أولى بكم، قال جار الله: حقيقته هي محراكم ومقمنكم. أي مكانكم الذي يقال فيه هو أولى بكم، كما قيل: هو مئنة الكرم، أي مكان لقول القائل إنه لكريم.

قال في التفسير الكبير: هذا معنى وليس بتفسير اللفظ من حيث اللغة، وغرضه أن الشريف المرتضى لمـّا تمسّك في إمامة علي بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

____________________

(١). تفسير الرازي ٢٩ / ٢٢٧ - ٢٢٨.

١٧٢

من كنت مولاه فهذا علي مولاه، إحتج بقول الأئمة في تفسير الآية: إن « المولى » معناه « الأولى » وإذا ثبت أن اللفظ محتمل له وجب حمله عليه، لأن ما عداه بيّن الثبوت ككونه ابن العم والناصر، أو بيّن الانتفاء كالمعتق والمعتق، فيكون على التقدير الأول عبثاً، وعلى التقدير الثاني كذباً. قال: وإذا كان قول هؤلاء معنىً لا تفسيراً بحسب اللغة سقط الاستدلال.

قلت: في هذا الاسقاط بحث لا يخفى »(١) .

* * *

____________________

(١). تفسير النيسابوري ٢٧ / ٩٧.

١٧٣

شبهات أخرى

هذا، وقد بقيت شبهات أخرى في هذا المقام، نذكرها مع وجوه دفعها إتماماً للمرام:

١ - عدم ذكر بعض اللغويين هذا المعنى

فالشبهة الأولى: إنه وإنْ ذكر جماعة من أئمة اللغة هذا المعنى، إلّا أنّ بعضهم لم يذكروه. ذكر هذه الشبهة الفخر الرازي حيث قال: « لأن الأكابر من النقلة مثل الخليل وأضرابه لم يذكروه ».

وجوه دفعها

وهذه الشبهة مندفعة بوجوه:

الأول: لا اعتبار بالنفي الصريح في مقابلة الإِثبات، فكيف بعدم الذكر والسكوت؟ إنْ صحت النسبة إلى الخليل؟

والثاني: إنّ كتاب « العين للخليل » موصوف بالاضطراب والتصريف

١٧٤

الفاسد، قال أحمد بن الحسين الجاربردي بعد ذكر بيت جاء فيه لفظة « أمهتي » « والهاء زائدة، لأنّ أما فعل بدليل الأمومة في مصدره وأمات في جمعه » ثم قال بعد بيت جاء فيه لفظة « أمات »: « وأجيب عن ذلك بمنع أن أماً فعل والهاء زائدة، وسنده: إن الهاء يجوز أن يكون أصلاً، لما نقل خليل بن أحمد في كتاب العين من قولهم « تأمهت » بمعنى: إتخذت أماً. هذا يدل على أصالة الهاء ».

ثم قال: « قال في شرح الهادي: الحكم بزيادة الهاء أصح لقولهم: أم بنية الأمومة. وقولهم: « تأمهت » شاذ مسترذل » قال: « في كتاب العين من الاضطراب والتصريف الفاسد ما لا يدفع»(١) .

فإذا كان هذا حال ( كتاب العين ) بالنسبة إلى ما ورد فيه، فكيف يكون عدم ورود معنىً فيه سنداً لإِنكاره؟!

الثالث: إنه بالاضافة إلى ما تقدم فقد قدح طائفة من كبار المحققين في « كتاب العين » كما لا يخفى على من راجع ( المزهر ) و ( كشف الظنون )(٢) .

الرابع: لقد صرح الرازي نفسه بإطباق الجمهور من أهل اللغة على القدح في ( العين ) فقد قال السيوطي في ( المزهر ): « أوّل من صنف في جمع اللغة الخليل ابن أحمد. ألّف في ذلك كتاب العين المشهور. قال الامام فخر الدين الرازي في المحصول: أصل الكتب المصنفة في اللغة كتاب العين، وقد أطبق الجمهور من أهل اللغة على القدح فيه ».

فالعجب من الرازي يقول هذا ثم يحتج بعدم ذكر الخليل ( الأولى ) في جملة معاني ( المولى ) وإذا كان ذلك رأي الجمهور من أهل اللغة فلا ينفع دفاع السيوطي عن ( العين ).

الخامس: دعواه عدم ذكر أضراب الخليل هذا المعنى للفظ المذكور كذب

____________________

(١). شرح الجار بردي على الشافية لابن الحاجب ١٤٩ - ١٥٠.

(٢). كشف الظنون ٢ / ١٤٤٢.

١٧٥

واضح، فإن ( أبا زيد ) من أضرابه ومعاصريه - بل ذكر المترجمون له تقدّمه على الخليل كما تقدم - قد ذكر ذلك، كما اعترف به الخصوم حتى ( الدهلوي )، وفسر ( أبو عبيدة ) لفظة « المولى » بـ « الأولى » كما اعترف به الجماعة حتى الرازي نفسه، و ( أبو عبيدة ) من أضراب الخليل ومعاصريه، بل أفضل منه كما علم من تراجمه، وكذلك ( الفراء ) من معاصريه وقد فسّر « المولى » بـ « الأولى ».

فثبت كذب الرازي في هذه الدعوى.

السادس: لقد فسر محمد بن السائب الكلبي « المولى » بـ « الأولى »، وقد توفي الكلبي سنة (١٤٦) فهو متقدم على الخليل المتوفى سنة (١٧٥) وقيل (١٧٠) وقيل (١٦٠) كما ذكر السيوطي(١) .

السابع: لقد علمت مما تقدم أن جماعة كبيرة من مشاهير الأئمة الأساطين - غير من ذكرنا - قد أثبتوا مجيء « المولى » بمعنى « الأولى »، واستشهدوا لذلك بشعر لبيد، فعدم ذكر الخليل ذلك - إنْ ثبت - لا يليق للاحتجاج بعد إثبات هؤلاء الأثبات للمعنى المذكور.

الثامن: لقد علمت سابقاً أن البخاري ذكر للمولى خمسة معان، فقال ابن حجر وغيره بأن أهل اللغة يذكرون له معان أخرى غيرها. فمن هنا يظهر أن عدم ذكر البخاري لتلك المعاني لا ينفي ثبوتها، فكذلك عدم ذكر الخليل « الأولى » ضمن معاني « المولى » - على تقدير تسليم ذلك - غير قادح في ثبوته، لأن غيره من الأئمة قد ذكروه.

ثم قال الرازي: « والأكثرون لم يذكروه إلّا في تفسير هذه الآية أو آية أخرى ».

وهذا الكلام فيه كفاية لأهل الدراية.

قال: « مرسلاً غير مسند ».

____________________

(١). بغية الوعاة ١ / ٥٦٠.

١٧٦

ويدفعه ما تقدم في دفع دعواه أن ذلك معنىَّ لا تفسير.

قال: « ولم يذكروه في الكتب الأصلية ».

ويدفعه: تصريح ابن الأنباري ومحمد بن أبي بكر الرازي بكون « الأولى بالشيء » من جملة معاني « المولى ». بل ورود تفسيره بهذا المعنى في ( الصحاح للجوهري ) وهو من الكتب الأصلية في اللغة بلا ريب.

وأمّا قوله: « ألا تراهم يفسرون اليمين بالقوة » فيفيد جواز استعمال « المولى » بمعنى « الأولى » مثل استعمال « اليمين » بمعنى « القوة » و « القلب » بمعنى « العقل ».

ثم قال الرازي: ما نصه: « وثانيها: - إن أصل تركيب ( ول ي ) يدل على معنى القرب والدنو، يقال: وليته وأليه والياً، أي دنوت منه، وأوليته إياه: أدنيته، وتباعدنا بعد ولي. ومنه قول علقمة:

وعدت عواد دون وليك تشعب.

وكل مما يليك، وجلست مما يليه، ومنه: الولي وهو المطر الذي يلي الوسمي، والولية: البرذعة لأنها تلي ظهر الدابة، وولي اليتيم والقتيل وولي البلد، لأن من تولّى الأمر فقد قرب منه. ومنه قوله تعالى:( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) من قولهم: ولاه ركبته، أي جعلها مما يليه. وأما ولىّ عني إذا أدبر فهو من باب ما يثقل الحشو فيه للسلب، وقولهم: فلان أولى من فلان أي أحق، أفعل التفضيل من الوالي أو الولي كالأدنى والأقرب من الداني والقريب، وفيه معنى القرب أيضاً، لأن من كان أحق بالشيء كان أقرب إليه، والمولى اسم لموضع الولي، كالمرمى والمبنى لموضع الرمي والبناء ».

أقول: هذه المقدمة لا علاقة لها بمطلوب الرازي الذي هو نفي مجيء « المولى » بمعنى « الأولى » أصلاً، لأن حاصل هذا الكلام هو كون أصلا تركيب « ولي » دالاً على معنى القرب، وكون « المولى » اسماً لموضع الولي، وهذان الأمران لا دلالة فيهما على نفي مجيء « المولى » بمعنى « الأولى » أبداً، وإلّا لزم أن لا يكون

١٧٧

« المعتق » و « المعتق » وغيرهما من معاني « المولى » أيضاً.

٢ - تفسير أبي عبيدة يقتضي أن يكون للكفار في الجنة حق

ثم قال الرازي: « وإذا ثبت هاتان المقدمتان فلنشرع في التفصيل قوله:

إن أبا عبيدة قال في قوله تعالى:( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) معناه: هي أولى بكم. قلنا: إنّ ذلك ليس حقيقة بوجهين أحدهما: إن ذلك يقتضي أن يكون للكفار في الجنة حق، إلّا أن النار أحق، لأن ذلك من لوازم أفعل التفضيل وإنه باطل ».

وجوه دفعها

وهذه الشبهة حول تفسير أبي عبيدة يدفعها وجوه:

الأول: إنه يحتمل أن يكون المعنى: نار جهنم أولى بإحراق الكفّار من نار الدنيا، لا أن المراد أولوية النار بهم من الجنة.

الثاني: إنه لمـّا كان زعم الكفار استحقاقهم دخول الجنة، فإنه بهذا السبب يثبت أولوية النار بهم من الجنة أيضاً. قال نجم الأئمة الرضي الاسترآبادي: « ولا يخلو المجرور بمن التفضيلية من مشاركة المفضل في المعنى، إمّا تحقيقاً نحو: زيد أحسن من عمرو، أو تقديراً كقول عليعليه‌السلام : « لئن أصوم يوماً من شعبان أحب إليّ من أن أفطر يوماً من رمضان ». لأن إفطار يوم الشك الذي يمكن أن يكون من رمضان محبوب عند المخالف، فقدّرهعليه‌السلام محبوباً إلى نفسه أيضاً، ثم فضّل صوم شعبان عليه، فكأنّه قال: هب أنه محبوب عندي أيضاً، أليس صوم من شعبان أحبّ منه. و قالعليه‌السلام : « اللهم أبدلني بهم خيراً منهم » أي في اعتقادهم لا في نفس الأمر، فإنّه ليس فيهم خير، « وأبدلهم بي شراً مني » أي في اعتقادهم أيضاً، وإلّا فلم يكن فيهعليه‌السلام شر. ومثل قوله تعالى( أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا ) كأنهم لما اختاروا موجب النار. ويقال في

١٧٨

التهكّم: أنت أعلم من الحمار، فكأنّك قلت: إنْ أمكن أن يكون للحمار علم فأنت مثله مع زيادة، وليس المقصود بيان الزيادة، بل الغرض التشريك بينهما في شيء معلوم انتفاؤه من الحمار»(١) .

الثالث: إن المستفاد من الأحاديث العديدة هو أن لكل واحد من المكلّفين مكاناً في الجنّة ومكاناً في النار. وقال الرازي نفسه بتفسير قوله تعالى:( أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ ) « وهاهنا سؤالات - السؤال الأول: لم سمّي ما يجدونه من الثواب والجنة بالميراث، مع أنه سبحانه حكم بأن الجنة حقّهم في قوله:( إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ) ؟ الجواب من وجوه:

الأول: ما روي عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وهو أبين ما يقال فيه: وهو: أنّه لا مكلَّف إلّا أعدّ الله له في النار ما يستحقه إن عصى، وفي الجنة ما يستحقه إنْ أطاع، وجعل لذلك علامة، فإذا آمن منهم البعض ولم يؤمن البعض صار [ منزل ] منازل من لم يؤمن كالمنقول، وصار مصيرهم إلى النار الذي لا بدّ معها [ معه ] من حرمان الثواب كموتهم، فسمي ذلك ميراثاً لهذا الوجه »(٢) .

٣ - لو كان الأمر كما ذكر أبو عبيدة لقيل هي مولاتكم

ثم قال الرازي: « ثانيهما: لو كان الأمر كما اعتقدوا في أن « المولى » هاهنا بمعنى « الأولى » لقيل هي مولاتكم ».

وجوه دفعها

وهذه شبهة أخرى حول تفسير أبي عبيدة، وهي مندفعة بوجوه:

____________________

(١). شرح الكافية - مبحث أفعل التفضيل.

(٢). تفسير الرازي ٢٣ / ٨٢.

١٧٩

الأول: لقد نسي الرازي أو تناسى إصراره على لزوم التساوي بين المترادفين في جميع الاستعمالات، فإنه بناءاً على ذلك لا يبقى مورد لهذه الشبهة، لأنه إذا كان « المولى » بمعنى « الأولى » جاز استعمال كل منهما مكان الآخر، فإذا وقع « الأولى » خبراً لمبتدأ كان المذكر والمؤنث فيه على حد سواء فكذلك « المولى » الذي بمعناه يستوي فيه المذكر والمؤنث في صورة وقوعه خبراً، فالشبهة مندفعة بناءاً على ما ذهب إليه وألحّ عليه.

الثاني: دعوى اختصاص استواء التذكير والتأنيث باسم التفضيل كذب صريح وغلط محض، لثبوت الاستواء المذكور في مواضع اُخر، قال ابن هشام:

« الغالب في « التاء » أن تكون لفصل صفة المؤنث من صفة المذكر كقائمة وقائم، ولا تدخل هذه التاء في خمسة أوزان، أحدها: فعول، كرجل صبور بمعنى صابر وامرأة صبور بمعنى صابرة، ومنه:( وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ) والثاني: فعيل بمعنى مفعول، نحو رجل جريح وامرأة جريح. والثالث: مفعال كمنحار، يقال رجل منحار وامرأة منحار، وشذ ميقانة. والرابع: مفعيل كمعطير، وشذ امرأة مسكينة، وسمع امرأة مسكين. والخامس: مفعل كمغشم ومدعى »(١) .

الثالث: إنّ تذكير المؤنث بحمل أحدهما على الآخر شائع في الاستعمال كتأنيث المذكر، قال السيوطي: « الحمل على المعنى. قال في الخصائص: إعلم أن هذا الشرح غور من العربية بعيد ومذهب نازح فسيح. وقد ورد به القرآن وفصيح الكلام منثوراً ومنظوماً، كتأنيث المذكر وتذكير المؤنث، وتصور معنى الواحد في الجماعة والجماعة في الواحد، وفي حمل الثاني على لفظ قد يكون عليه الأول، أصلا كان ذلك اللفظ أو فرعا وغير ذلك، فمن تذكير المؤنث قوله تعالى:( فَلمـّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي ) أي هذا الشخص( فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ ) لأن الموعظة والوعظ واحد.( إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) أراد

____________________

(١). التوضيح في شرح الألفية بشرح الأزهري ٢ / ٢٨٦ - ٢٨٧.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

وهو غلط ؛ لما بيّنّا من أنّ جماعةً من الصحابة حكموا في حمام الحرم بشاة.

ولأنّه صيد ممنوع منه لحقّ الله تعالى ، فأشبه الصيد في الحرم.

ولأنّ حمّاد بن عثمان سأل الصادقعليه‌السلام : عن رجل أصاب طيرين : واحداً من حمام الحرم ، والآخر من حمام غير الحرم ، قال : « يشتري بقيمة الذي من حمام الحرم قمحاً ، فيطعمه حمام الحرم ، ويتصدّق بجزاء الآخر »(١) .

مسألة ٣٤٠ : في كلّ واحد من القطا والحجل والدراج حَمْل قد فُطم ورعى الشجر ، وحدّه ما كمل أربعة أشهر لغةً ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « وجدنا في كتاب عليّعليه‌السلام : في القطاة إذا أصابها المـُحْرم حَمْل قد فُطم من اللبن وأكل من الشجر »(٢) .

وقال الباقرعليه‌السلام : « في كتاب عليعليه‌السلام : مَنْ أصاب قطاةً أو حجلةً أو دراجةً أو نظيرهنّ فعليه دم »(٣) .

وأوجب ابن عباس وعطاء وجابر شاة شاة(٤) .

مسألة ٣٤١ : في العصفور والصعوة والقبرة وما أشبهها مُدُّ من طعام عند أكثر علمائنا(٥) ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « القبرة والصعوة والعصفور إذا قتله المـُحْرم فعليه مُدُّ من طعام عن كلّ واحد منهم »(٦) .

وقال داود : لا يضمن ما كان أصغر من الحمام ؛ لقوله تعالى :( فَجَزاءٌ

____________________

(١) الكافي ٤ : ٣٩٠ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٥٣ / ١٢٢٨.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٤٤ / ١١٩٠.

(٣) الكافي ٤ : ٣٩٠ / ٩ ، التهذيب ٥ : ٣٤٤ / ١١٩١.

(٤) المغني ٣ : ٥٥٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٦.

(٥) منهم : الشيخ الطوسي في النهاية : ٢٢٣ ، وابن إدريس في السرائر : ١٣١ ، والمحقّق في شرائع الإِسلام ١ : ٢٨٧.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٤٤ / ١١٩٣.

٤٢١

مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (١) وهذا لا مِثْل له(٢) .

وليس بجيّد ؛ لعموم قوله تعالى :( تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ ) (٣) يعني الفرخ والبيض ما يعجز عن الفرار من صغار الصيد ، ورماحكم ، يعني الكبار.

وروى العامّة عن ابن عباس : أنّه حكم في الجراد بجزاء(٤) .

ومن طريق الخاصّة : ما تقدّم(٥) .

مسألة ٣٤٢ : الزنبور إن قتله المـُحْرم خطأً ، لم يكن عليه شي‌ء فيه ، وإن قتله عمداً ، كان عليه كفُّ من طعام - وبه قال مالك(٦) - لأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادقعليه‌السلام : عن مُحْرم قتل زنبوراً ، فقال : « إن كان خطأً فلا شي‌ء » قلت : بل عمداً ، قال : « يُطعم شيئاً من الطعام »(٧) .

وقال الشافعي وأحمد : لا شي‌ء فيه(٨) .

أمّا الهوامّ من الحيّات والعقارب وغير ذلك فلا يلزمه شي‌ء بقتله ، ولا يقتله إذا لم يرده ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « كلّ ما يخاف المـُحْرم على نفسه من السباع والحيّات وغيرها فليقتله ، وإن لم يرده فلا يرده »(٩) .

وأمّا القمل والبقّ وأشباههما فلا بأس بقتلها للمحلّ في الحرم ؛ لقول‌

____________________

(١) المائدة : ٩٥.

(٢) المغني ٣ : ٥٥٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٥ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٧ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٣٠.

(٣) المائدة : ٩٤.

(٤) المغني ٣ : ٥٥٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٥ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٣٠.

(٥) تقدّم في صدر المسألة.

(٦) المغني ٣ : ٣٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١١.

(٧) الكافي ٤ : ٣٦٤ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٣٦٥ / ١٢٧١.

(٨) المغني ٣ : ٣٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١١.

(٩) الكافي ٤ : ٣٦٣ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣٦٥ / ١٢٧٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٨ / ٧١١ ، بتفاوت يسير في بعض الألفاظ.

٤٢٢

الصادقعليه‌السلام : « لا بأس بقتل القمل والبق في الحرم »(١) .

قال الشيخ : ولو كان مُحْرماً ، لزمته الكفّارة(٢) . وهو جيّد ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « وإن قتل شيئاً من ذلك - يعني القمل - خطأً ، فليطعم مكانها طعاماً قبضةً بيده »(٣) .

وكذا إذا ألقاها عن جسده ، وقد تقدّم(٤) .

مسألة ٣٤٣ : مَنْ قتل جرادةً وهو مُحْرم كان عليه كفُّ من طعام أو تمرة ، ولو كان كثيراً ، كان عليه دم شاة ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : في مُحْرم قتل جرادةً ، قال : « يُطعم تمرةً ، وتمرةٌ خير من جرادة »(٥) .

وسأل محمّدُ بن مسلم الصادقعليه‌السلام : عن مُحْرم قتل جراداً ، قال : « كفُّ من طعام ، وإن كان أكثر فعليه دم شاة »(٦) .

ولو عمّ الجرادُ المسالكَ ولم يتمكّن من الاحتراز عن قتله ، لم يكن عليه شي‌ء ، وبه قال عطاء والشافعي في أحد القولين ، وفي الآخر : عليه الضمان(٧) .

لنا : أصالة البراءة.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « على المـُحْرم أن يتنكّب(٨) عن الجراد إذا‌

____________________

(١) الفقيه ٢ : ١٧٢ / ١٦١ ، التهذيب ٥ : ٣٦٦ / ١٢٧٧ بتفاوت.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٦٦ ذيل الحديث ١٢٧٥.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٣٦ / ١١٦٠ ، الاستبصار ٢ : ١٩٦ - ١٩٧ / ٦٦١.

(٤) تقدّم في المسألة ٢٢٢.

(٥) الكافي ٤ : ٣٩٣ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٣٦٣ - ٣٦٤ / ١٢٦٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٧ / ٧٠٦.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٦٤ / ١٢٦٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٨ / ٧٠٨.

(٧) الاُم ٢ : ٢٠٠ ، الوجيز ١ : ١٢٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٩ - ٢٢٠ ، المجموع ٧ : ٣٣٧ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٠ ، وحكاه عنهما الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٤١٥ ، المسألة ٢٩٥.

(٨) التنكّب : العدول والميل. مجمع البحرين ٢ : ١٧٦ « نكب ».

٤٢٣

كان على طريقه ، وإن لم يجد بُدّاً فقتل فلا بأس »(١) .

مسألة ٣٤٤ : في كلّ واحد من الضبّ والقنفذ واليربوع جدي ؛ لقوله تعالى :( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (٢) .

ولما تقدّم(٣) من أنّ الصحابة قضوا فيما ذكرنا بمثله من النعم : قضى عمر وابن مسعود في اليربوع بجفرة. وقضى عمر وأربد(٤) في الضبّ بجدي. وقضى جابر بن عبد الله فيه بشاة(٥) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « في اليربوع والقنفذ والضبّ إذا أصابه المـُحْرم جدي ، والجدي خيرٌ منه ، وإنّما جعل هذا لكي ينكل عن فعل غيره من الصيد »(٦) .

البحث الثالث : فيما لا نصّ فيه‌

مسألة ٣٤٥ : ما لا مِثْلَ له من الصيد ولا تقدير شرعي فيه يرجع إلى قول عدلين يقوّمانه ، وتجب عليه القيمة التي يقدّرانها فيه.

ويشترط في الحَكَمين العدالةُ إجماعاً ؛ للآية(٧) . ولا بدّ وأن يكونا اثنين فما زاد ؛ للآية(٨) .

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٦٤ / ١٢٦٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٨ / ٧١٠.

(٢) المائدة : ٩٥.

(٣) تقدّم في ص ٤٠٠‌

(٤) في النسخ الخطية والحجرية والشرح الكبير : « زيد » بدل « أربد » وما أثبتناه من المغني وسنن البيهقي والحاوي الكبير.

(٥) المغني ٣ : ٥٤٧ - ٥٤٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٩٢ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٢ - ٥٠٣ ، المجموع ٧ : ٤٢٩ و ٤٤٠ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٢ ، سنن البيهقي ٥ : ١٨٤ و ١٨٥.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٤٤ / ١١٩٢.

(٧ و ٨ ) المائدة : ٩٥.

٤٢٤

ولو كان القاتل أحدهما ، جاز - وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق وابن المنذر(١) - لقوله تعالى :( يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ ) (٢) والقاتل مع غيره ذوا عدل منّا ، فيكون مقبولاً.

ولأنّه مال يخرج في حقّ الله تعالى ، فجاز أن يكون مَنْ وجب عليه أميناً فيه ، كالزكاة.

وقال النخعي : لا يجوز ؛ لأنّ الإِنسان لا يحكم لنفسه(٣) .

وهو ممنوع كما في الزكاة.

ولو قيل : إن كان القتل عمداً عدواناً ، لم يجز حكمه ؛ لفسقه ، وإلّا جاز ، كان وجهاً.

ولو حَكَم اثنان بأنّ له مِثْلاً وآخران بانتفاء المثل ، قال بعض العامّة : الأخذ بالأول أولى(٤) .

مسألة ٣٤٦ : قال الشيخرحمه‌الله : في البطّ والإوز والكركي شاة ، وهو الأحوط.

قال : وإن قلنا : فيه القيمة ؛ لأنّه لا نصّ فيه ، كان جائزاً(٥) .

وهو الظاهر من قول ابن بابويه ؛ لأنّه أوجب شاةً في كلّ طائر عدا النعامة(٦) .

ويؤيّده : قول الصادقعليه‌السلام : في مُحْرم ذبح طيراً : « إنّ عليه دم‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٣ ، المجموع ٧ : ٤٢٣ و ٤٣٠ ، الوجيز ١ : ١٢٨ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٧ ، المغني ٣ : ٥٤٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٣.

(٢) المائدة : ٩٥.

(٣) المغني ٣ : ٥٤٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٣.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٥٠٤ ، المجموع ٧ : ٤٣١.

(٥) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٤٦.

(٦) المقنع : ٧٨.

٤٢٥

شاة يهريقه ، فإن كان فرخاً فجدي أو حمل صغير من الضأن »(١) وهو عامّ.

قال الشيخرحمه‌الله : مَنْ قتل عظايةً كان عليه كفٌّ من طعام ؛ لأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادقَعليه‌السلام : عن مُحْرم قتل عظايةً ، قال : « كفٌّ من طعام »(٢) .

إذا ثبت هذا : فالقيمة واجبة في قتل كلّ ما لا تقدير فيه شرعاً ، وكذا البيوض التي لا نصّ في تقديرها.

مسألة ٣٤٧ : يضمن الكبير من ذوات الأمثال بكبير ، والصغير بصغير ، وإن ضمنه بكبير ، كان أولى ، ويضمن الذكر بمثله والاُنثى بمثلها - وبه قال الشافعي(٣) - لقوله تعالى :( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ ) (٤) .

وقال مالك : يضمن الأصغر بكبير ؛ لقوله تعالى( هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ ) (٥) والصغير لا يُهدى(٦) . وهو ممنوع.

وكذا يضمن الصحيح بصحيح إجماعاً ، والمعيب بمثله ، وإن ضمنه بصحيح ، كان أحوط ، وبه قال الشافعي وأحمد(٧) .

وقال مالك : يضمن المعيب بصحيح(٨) . وقد تقدّم.

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٤٦ / ١٢٠١ ، الاستبصار ٢ : ٢٠١ / ٦٨٢.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٤٤ - ٣٤٥ ، والحديث ١١٩٤.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٣ ، المجموع ٧ : ٤٣٩ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٦ ، المغني ٣ : ٥٤٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٤ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٢.

(٤ و ٥ ) المائدة : ٩٥.

(٦) بداية المجتهد ١ : ٣٦٢ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٥ ، المغني ٣ : ٥٤٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٦ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٤ ، المجموع ٧ : ٤٣٩.

(٧) فتح العزيز ٧ : ٥٠٥ ، المجموع ٧ : ٤٣٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٩٥ ، المغني ٣ : ٥٤٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٤.

(٨) المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٥ ، المغني ٣ : ٥٤٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٤ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٥ ، المجموع ٧ : ٤٣٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٩٥.

٤٢٦

ولو اختلف العيب بالجنس ، فإن فدى الأعرج بأعور أو بالعكس ، لم يجز ، أمّا لو اختلف بالمحلّ بأن فدى الأعور من اليمنى بالأعور من اليسرى أو الأعرج من إحدى الرِّجْلين بأعرج الاُخرى ، جاز ؛ لعدم الخروج به عن المماثلة.

ويُفدى الذكر بمثله أو بالاُنثى ؛ لأنّها أطيب لحماً وأرطب.

وللشافعي قولان(١) .

وتُفدى الاُنثى بمثلها.

وهل يجزئ الذكر؟

قيل : نعم ؛ لأنّ لحمه أوفر ، فتساويا.

وقيل بالمنع ؛ لأنّ زيادته ليست من جنس زيادتها ، فأشبه اختلاف العيب جنساً ، ولاختلافهما خلقةً ، فيقدح في المثلية(٢) .

وللشافعي قولان(٣) .

والشيخ -رحمه‌الله - جوّز الجميع ؛ لقوله تعالى :( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ ) (٤) ومعلومٌ أنّ المراد المثل في الخلقة ؛ لعدم اعتبار الصفات الاُخرى ، كاللون(٥) .

ولو قتل ماخضاً ، ضمنها بماخض مثلها ؛ للآية(٦) ، ولأنّ الحمل فضيلة مقصودة ، فلا سبيل إلى إهمالها ، وبه قال الشافعي ، إلّا أنّه قال : لا تذبح الحامل ؛ لأنّ فضيلة الحامل بالقيمة ، لتوقّع الولد(٧) .

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٥٠٥ ، المجموع ٧ : ٤٣٢.

(٢) انظر : المغني ٣ : ٥٥٠ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٦٥.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٥٠٥ ، المجموع ٧ : ٤٣٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٩٦.

(٤) المائدة : ٩٥.

(٥) الخلاف ٢ : ٤٠٠ - ٤٠١ ، المسألة ٢٦٤.

(٦) المائدة : ٩٥.

(٧) فتح العزيز ٧ : ٥٠٦ ، المجموع ٧ : ٤٣٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٩٦.

٤٢٧

وقال الشافعي [ أيضاً ] : يضمنها بقيمة مثلها ؛ لأنّ قيمته أكثر من قيمة لحمه(١) .

وهو عدول عن المثل مع إمكانه ، ولا عبرة بالزيادة والنقصان في القيمة مع إمكان المثل.

ولو فداها بغير ماخض ، ففي الإِجزاء نظر : من حيث عدم المماثلة ، ومن حيث إنّ هذه الصفة لا تزيد في لحمها ، بل قد تنقصه غالباً ، فلا يشترط وجود مثلها في الجزاء ، كالعيب واللون.

ولو أصاب صيداً حاملاً فألقت جنيناً ، فإن خرج حيّاً وماتا معاً ، لزمه فداؤهما معاً ، فيفدي الاُم بمثلها ، والصغير بصغير.

وإن عاشا ، فإن لم يحصل عيب ، فلا شي‌ء ؛ عملاً بالأصل ، وإن حصل ، ضمنه بأرشه.

ولو مات أحدهما دون الآخر ، ضمن التالف خاصّةً.

وإن خرج ميّتاً ، ضمن الأرش ، وهو : ما بين قيمتها حاملاً ومُجْهِضاً(٢) .

البحث الرابع : في أسباب الضمان‌

وهو أمران :

الأول : المباشرة‌

مسألة ٣٤٨ : قد بيّنّا أنّ مَنْ قتل صيداً وجب عليه فداؤه ، فإن أكله ، لزمه فداء آخر - وبه قال عطاء وأبو حنيفة(٣) - لأنّه أكل من صيد مُحرَّم عليه ،

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٥٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٤ ، وما بين المعقوفين لأجل السياق.

(٢) أجهضت : أي أسقطت حملها. لسان العرب ٧ : ١٣٢ « جهض ».

(٣) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٨٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٣ و ٢٠٤ ، بداية المجتهد ١ : ٣٥٩ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩٨ ، المغني ٣ : ٢٩٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٠٣.

٤٢٨

فوجب عليه فداؤه ، كما لو صيد لأجله.

وقال بعض علمائنا : يجب عليه بالقتل فداء وبالأكل قيمة ما أكل(١) .

وقال مالك والشافعي : لا يضمن الأكل(٢) . وقد تقدّم(٣) بطلانه.

ولا فرق بين أن يُفدي القتيل قبل الأكل أو لا في وجوب الفداءين معاً أو الفداء والقيمةً ؛ لأنّه تناول محظور إحرامه ، فلزمه الجزاء.

وقال أبو حنيفة : إذا ذبحه وأكله قبل أن يؤدّي الجزاء ، دخل ضمان الأكل في ضمان الجزاء ، وإن أكل بعد ما أدّى قيمته ، فعليه قيمة ما أكل(٤) .

وقال أبو يوسف ومحمد : لا يضمن عن الأكل شيئاً ، وعليه الاستغفار ؛ لأنّ حرمته لكونه ميتةً ، لا أنّه جناية على الإِحرام ، وذلك لا يوجب إلّا الاستغفار(٥) .

ونمنع عدم الإِيجاب بما تقدّم.

مسألة ٣٤٩ : حكم البيض حكم الصيد في تحريم أكله إجماعاً ، وسواء كسره هو أو مُحْرمٌ آخر.

ولو كسره حلال ، كان على المـُحْرم إذا أكله قيمته ، سواء اُخذ لأجله أو لغيره ، خلافاً لبعض العامّة ، كما خالف في أكل اللحم ، فجوَّزه إذا ذُبح لا‌

____________________

(١) الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٤٠٥ ، المسألة ٢٧٤ ، وكما في شرائع الإِسلام ١ : ٢٨٨.

(٢) المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٠ ، بداية المجتهد ١ : ٣٥٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٠٢ و ٣٠٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩٨ ، المجموع ٧ : ٣٠٤ و ٣٠٥ و ٣٣٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٤ ، المغني ٣ : ٢٩٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٢.

(٣) تقدّم في المسألة ٢٠٦.

(٤) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٨٦ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٧٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٣ و ٢٠٤ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٠ ، المجموع ٧ : ٣٣٠.

(٥) بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٤ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٨٦ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٧٣ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٠ ، المجموع ٧ : ٣٣٠.

٤٢٩

لأجله ، وَمَنعه إذا ذُبح لأجله(١) .

وقد بيّنّا عدم الفرق.

ولو كسر المـُحْرم بيض الصيد ، لم يحرم على المـُحِلّ أكله وإن وجب على المـُحْرم فداء الكسر ؛ لأنّ حلّه لا يقف على كسره ، ولا يعتبر له أهل يصدر عنه ، بل لو انكسر من نفسه أو كَسَره مجوسي ، لم يحرم ، فأشبه قطع اللحم وطبخه.

وقال بعض العامّة : يحرم على المـُحِلّ أكله - وهو قول الشيخ(٢) رحمه‌الله - كذبح المـُحْرم الصيد(٣) . وليس بجيّد.

مسألة ٣٥٠ : لو اشترى مُحلُّ لمـُحرم بيضَ نعام فأكله المـُحْرم ، كان على المـُحْرم عن كلّ بيضة شاة ، وعلى المـُحِلّ عن كلّ بيضة درهم.

أمّا وجوب الشاة على المـُحْرم : فلأنّه جزاء البيضة على ما قلناه ، وقد بيّنّا وجوب الجزاء على المـُحْرم بالأكل ، كما يجب بالصيد والكسر.

وأمّا وجوب الدرهم على المـُحِلّ : فلإِعانته ، وهي تستلزم الضمان.

ولأنّ أبا عبيدة سأل الباقرَعليه‌السلام : عن رجل مُحِلٍّ اشترى لرجل مُحْرمٍ بيضَ نعام ، فأكله المـُحْرم ، فما على الذي أكله؟ فقال : « على الذي اشتراه فداء لكلّ بيضة درهم ، وعلى المـُحْرم لكلّ بيضة شاة »(٤) .

إذا عرفت هذا ، فالمضمون من البيوض ، إنّما هو بيض الصيد الحرام ، أمّا بيض ما يباح أكله للمُحْرم ، كبيض الدجاج الحبشي ، فإنّه حلال لا يجب بكسره شي‌ء ؛ لأنّ أصله غير مضمون ، ففرعه أولى.

مسألة ٣٥١ : لو أتلف جزءاً من الصيد ، ضمنه بإجماع العلماء‌ - إلّا

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٥٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٤.

(٢) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٤٨.

(٣) المغني ٣ : ٥٥٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٤.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٥٥ - ٣٥٦ / ١٢٣٥.

٤٣٠

داود وأهل الظاهر ؛ فإنّهم قالوا : لا شي‌ء في أبعاض الصيد(١) - لأنّ الجملة مضمونة ، فأبعاضها كذلك ، كالآدمي.

ولأنّ النبيعليه‌السلام نهى عن التنفير(٢) ، فعن الجرح أولى ، وما كان محرّماً من الصيد كان مضموناً.

قال الشيخرحمه‌الله : في كسر قرني الغزال نصف قيمته ، وفي كلّ واحد ربع القيمة ، وفي عينيه كمال قيمته ، وفي كسر إحدى يديه نصف قيمته ، وكذا في كسر إحدى رجليه ، ولو كسر يديه معاً ، وجب عليه كمال القيمة ، وكذا لو كسر رجليه معاً ، ولو قَتَله ، كان عليه فداء واحد(٣) .

وقال بعض العامّة : يضمن بمثله من مثله ؛ لأنّ ما وجب جملته بالمثل وجب في بعضه مثله ، كالمثليات(٤) .

وقال آخرون : يجب قيمة مقداره من مثله ؛ لمشقّة إخراج الجزاء ، فيمتنع إيجابه ، ولهذا لم يوجب الشارع جزءاً من بعير في خمس من الإِبل ، وعَدَل إلى إيجاب شاة ، وليست من الجنس ؛ طلباً للتخفيف(٥) .

وليس بجيّد ؛ لما بيّنّا من أنّ الكفّارة مخيّرة هنا ، وهذا القائل يوافقنا عليه ، فتنتفي المشقّة ؛ لوجود الخيرة في العدول عن المثل إلى عدله من الطعام أو الصيام.

والشيخ -رحمه‌الله - استدلّ برواية أبي بصير عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت : ما تقول في مُحْرم كسر أحد قرني غزال في الحِلّ؟ قال : « عليه‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ٢٩٧ - ٢٩٨ ، وحكاه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٤٠١ ، المسألة ٢٦٥.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ١٨١ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٨٦ - ٩٨٧ / ١٣٥٣ ، سنن أبي داود ٢ : ٢١٢ / ٢٠١٧ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٣٨ / ٣١٠٩ ، سنن النسائي ٥ : ٢٠٣ ، سنن البيهقي ٥ : ١٩٥ ، مسند أحمد ١ : ١١٩.

(٣) النهاية : ٢٢٧ ، المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٤٢.

(٤ و ٥) المغني ٣ : ٥٥١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٦.

٤٣١

ربع قيمة الغزال » قلت : فإن هو كسر قرنيه؟ قال : « عليه نصف قيمته يتصدّق به » قلت : فإن هو فقأ عينيه؟ قال : « عليه قيمته » قلت : فإن هو كسر إحدى يديه؟ قال : « عليه نصف قيمته » قلت : فإن كسر إحدى رجليه؟ قال : « عليه نصف قيمته » قلت : فإن هو قتله؟ قال : « عليه قيمته » قلت : فإن هو فعل وهو مُحْرم في الحرم(١) ؟ قال : « عليه دم يهريقه ، وعليه هذه القيمة إذا كان مُحْرماً في الحرم »(٢) .

مسألة ٣٥٢ : لو نتف ريشةً من حمام الحرم ، وجب عليه أن يتصدّق بشي‌ء باليد التي نتف بها ؛ لأنّها آلة الجناية.

ولأنّ إبراهيم بن ميمون قال للصادقعليه‌السلام : رجل نتف ريشة حمامة من حمام الحرم ، قال : « يتصدّق بصدقة على مسكين ، ويطعم باليد التي نتفها فإنّه قد أوجعها »(٣) .

إذا عرفت هذا ، فلو تعدّد الريش ، فإن كان بالتفريق ، فالوجه : تكرّر الفدية ، وإلّا فالأرش ، وبه قال الشافعي وأبو ثور(٤) .

وقال مالك وأبو حنيفة : قيمة الجزاء جميعه(٥) .

وليس بجيّد ؛ لأنّه نقصه نقصاً يمكنه إزالته ، فلا يضمنه بأسره ، كما لو جرحه.

ولو حفظه حتى نبت ريشه ، كان عليه صدقة ؛ لحصول السبب.

وقال بعض العامّة : لا ضمان عليه ؛ لزوال النقص(٦) .

____________________

(١) في المصدر : في الحلّ.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٨٧ / ١٣٥٤.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٤٨ - ٣٤٩ / ١٢١٠.

(٤) المجموع ٧ : ٤٣٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٩ ، المغني ٣ : ٥٥٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٨.

(٥) الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٧١ ، المغني ٣ : ٥٥٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٨.

(٦) المغني ٣ : ٥٥٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٨.

٤٣٢

وهو خطأ ؛ لأنّ المتجدّد غير الزائل.

مسألة ٣٥٣ : لو جرح الصيد ، ضمن الجرح على قدره ، وهو قول العلماء(١) ، إلّا داود وأهل الظاهر ؛ فإنّهم لم يوجبوا شيئاً(٢) . وهو غلط.

ثم يعتبر حاله ، فإن رآه سويّاً بعد ذلك ، وجب عليه الأرش ؛ لوجود سبب الضمان ، والاندمال غير مسقط للفدية ، كالآدمي.

ولو أصابه ولم يؤثّر فيه ، فلا شي‌ء ؛ للأصل.

ولقول الصادقعليه‌السلام لمـّا سأله أبو بصير عن مُحْرم رمى صيداً فأصاب يده فعرج ، فقال : « إن كان الظبي مشى عليها ورعى وهو ينظر إليه فلا شي‌ء عليه ، وإن كان الظبي ذهب لوجهه وهو رافعها فلا يدري ما صنع فعليه فداؤه ، لأنّه لا يدري لعلّه قد هلك »(٣) .

ولو كسر يده أو رجله ثم رآه وقد صلح ورعى ، وجب عليه ربع الفداء ؛ لما رواه أبو بصير عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت له : رجل رمى ظبياً وهو مُحْرم فكسر يده أو رجله فذهب الظبي على وجهه فلم يدر ما صنع ، فقال : « عليه فداؤه » قلت : فإنّه رآه بعد ذلك مشى ، قال : « عليه ربع ثمنه »(٤) .

ولو جرح الصيد فاندمل وصار غير ممتنع ، فالوجه : الأرش.

وقال الشيخرحمه‌الله : يضمن الجميع(٥) - وهو قول أبي حنيفة(٦) - لأنّه مُفضٍ إلى تلفه. وهو ممنوع.

____________________

(١ و ٢ ) الحاوي الكبير ٤ : ٢٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٠ ، وحكاه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٤٠١ ، المسألة ٢٦٥.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٥٨ / ١٢٤٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٥ - ٢٠٦ / ٧٠٠.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٥٩ / ١٢٤٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٥ / ٦٩٩.

(٥) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٤٩.

(٦) بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٥ ، المغني ٣ : ٥٥١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٧.

٤٣٣

ولو جرحه فغاب عن عينيه(١) ولم يعلم حاله ، وجب عليه ضمانه أجمع ؛ لأنّ علي بن جعفر سأل الكاظمعليه‌السلام : عن رجل رمى صيداً وهو مُحْرمٌ ، فكسر يده أو رجله ، فمضى الصيد على وجهه ، فلم يدر الرجل ما صنع الصيد ، قال : « عليه الفداء كاملاً إذا لم يدر ما صنع الصيد»(٢) .

وقال بعض العامّة : إن كان الجرح موجباً - وهو الذي لا يعيش معها غالباً - ضمنه بأسره ، وإلّا ضمن النقص لا الجميع ؛ لعدم العلم بحصول التلف(٣) .

وليس بجيّد ؛ لأنّه فَعَلَ ما يحصل معه التلف ، فكان ضامناً.

ولو رآه ميّتاً ولم يعلم أمات من الجناية أو غيرها ، ضمنه.

وقال بعض العامّة : لا يضمنه ؛ لعدم العلم بالإِتلاف(٤) .

وليس بجيّد ؛ لأنّه وجد سبب إتلافه منه ولم يعلم له سبب آخر ، فوجب إحالته عليه ؛ لأنّه السبب المعلوم.

ولو صيّرته الجناية غير ممتنع ، فلم يعلم أصار ممتنعاً أم لا ، ضمنه عندنا بأعلى الأرشين ؛ لأنّ الأصل عدم الامتناع.

ولو رماه ولم يعلم هل أثّر فيه أم لا ، لزمه الفداء ؛ عملاً بأغلب الأحوال من الإِصابة عند القصد بالرمي.

إذا عرفت هذا ، فلو جرح الظبي فنقص عُشْر قيمته ، لزمه عُشْر شاة ، وبه قال المزني(٥) ؛ للآية(٦) .

____________________

(١) في « ن » عينه.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٥٩ / ١٢٤٦.

(٣ و ٤ ) المغني ٣ : ٥٥١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٧.

(٥) مختصر المزني : ٧١ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٩٨ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٦ ، المجموع ٧ : ٤٣٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٩.

(٦) المائدة : ٩٥.

٤٣٤

وقال الشافعي : يلزمه عُشر قيمة المثل ، وهو عُشْر قيمة الشاة ؛ لأنّ إيجاب عشر الشاة يُفضي إلى التجزئة والتقسيط ، وهو حرج(١) .

وعلى ما اخترناه من التخيير يتخيّر بين إخراج عُشْر الشاة أو عُشْرٍ من ثمن الشاة ويفضّ على الطعام ، وبين الصيام.

مسألة ٣٥٤ : لو جرح الصيد ثم اندمل جرحه وبقي ممتنعاً إمّا بعَدْوه ، كالغزال ، أو بطيرانه ، كالحمام ، وجب عليه الأرش على ما قلناه.

ولو صار الصيَد بعد اندمال جرحه زمناً ، احتمل الجزاء الكامل ؛ لأنّه بالإِزمان صار كالمتلف ، ولهذا لو أزمن عبداً ، لزمه تمام قيمته ، وهو أحد وجهي الشافعية - وبه قال أبو حنيفة(٢) - والثاني : أنّه يجب عليه قدر النقص ؛ لأنّه لم يهلك بالكلّية ، ولهذا يكون الباقي مضموناً لو قتله مُحْرمٌ آخر(٣) .

ولو جاء مُحْرم آخر وقَتَله إمّا بعد الاندمال أو قبله ، فعليه جزاؤه مزمناً ؛ لما تقدّم أنّ المعيب يقابل بمثله ، ويبقى الجزاء على الأول بحاله.

وقال الشيخ : يجب على كلّ واحد منهما الفداء(٤) .

وقال بعض الشافعية : إن أوجبنا جزاءً كاملاً ، عاد هاهنا إلى قدر النقصان ؛ لبُعْد إيجاب جزاءين لمتلف واحد(٥) .

ولو عاد المزمن وقَتَله ، فإن قَتَله قبل الاندمال ، فليس عليه إلّا جزاء واحد ، كما لو قطع يدي رجل ثم قَتَله قبل الاندمال لا يلزمه إلّا دية واحدة ، وإن قَتَله بعد الاندمال ، أفرد كلّ واحد منهما بحكمه ، ففي القتل جزاؤه‌

____________________

(١) مختصر المزني : ٧١ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٩٨ ، الوجيز ١ : ١٢٩ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٦ - ٥٠٧ ، المجموع ٧ : ٤٣٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٩.

(٢) بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٥ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٧.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٥٠٧ ، المجموع ٧ : ٤٣٤.

(٤) الخلاف ٢ : ٤١٩ ، المسألة ٣٠٣.

(٥) فتح العزيز ٧ : ٥٠٧ ، المجموع ٧ : ٤٣٤.

٤٣٥

مزمناً.

ولو أوجبنا بالإِزمان جزاءً كاملاً ، فلو كان للصيد امتناعان ، كالنعامة ، فأبطل أحدهما ، فللشافعية وجهان :

أحدهما : أنّه يتعدّد الجزاء ، لتعدّد الامتناع.

وأصحّهما عندهم : أنّه لا يتعدّد ؛ لاتّحاد الممتنع(١) .

وعلى هذا فما الذي يجب؟

قال الجويني : الغالب على الظنّ أنّه يعتبر ما نقص ؛ لأنّ امتناع النعامة في الحقيقة واحد إلّا أنّه يتعلّق بالرِّجل والجناح ، فالزائل بعض الامتناع(٢) .

مسألة ٣٥٥ : لو اشترك مُحْرمان أو أكثر في قتل صيد ، وجب على كلّ واحد منهم فداء كامل - وبه قال أبو حنيفة ومالك والثوري ، وهو مروي عن الحسن البصري والشعبي والنخعي من التابعين(٣) - لأنّ كلّ واحد منهم فَعَل ما حصل بسببه الموت ، فكان كما لو جرحه جرحاً متلفاً.

ولأنّها كفّارة قتل يدخلها الصوم ، فأشبهت كفّارة الآدمي.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إن اجتمع قوم على صيد وهم مُحْرمون فعلى كلّ واحد منهم قيمة»(٤) .

وقال الشافعي : يجب جزاء واحد على الجميع - وبه قال عمر بن الخطّاب وابن عباس وابن عمر وعطاء والزهري ، وعن أحمد روايتان كالمذهبين(٥) - لأنّ المقتول واحد ، فالمثل واحد(٦) .

____________________

(١ و ٢ ) فتح العزيز ٧ : ٥٠٨ ، المجموع ٧ : ٤٣٤.

(٣) المغني ٣ : ٥٦٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٩ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٨ ، المجموع ٧ : ٤٣٦ و ٤٣٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٢٠ ، تفسير القرطبي ٦ : ٣١٤.

(٤) الكافي ٤ : ٣٩١ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٥١ / ١٢١٩.

(٥) المغني ٣ : ٥٦٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٩ ، المجموع ٧ : ٤٣٩.

(٦) الوجيز ١ : ١٢٩ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٤ ، المجموع ٧ : ٤٣٦ و ٤٣٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٢٠.

٤٣٦

وعنه رواية ثالثة : إن كان صوماً ، صام كلّ واحد صوماً تامّاً ، وإن كان غير صوم ، فجزاء واحد ، وإن كان أحدهما يهدي والآخر يصوم ، فعلى المـُهدي بحصته ، وعلى الآخر صوم تام ؛ لأنّ الجزاء ليس بكفّارة ، وإنّما هو بدل ؛ لأنّه تعالى عطف بها ، فقال :( أَوْ كَفّارَةٌ ) (١) والصوم كفّارة ، فيكمل ، ككفّارة قتل الآدمي(٢) .

والمماثلة ليست حقيقيّة ، وإذا ثبت اتّحاد الجزاء في الهدي ، وجب اتّحاده في الصوم ؛ لقوله تعالى :( أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً ) (٣)

فروع :

أ - لو اشترك مُحلٌّ ومحرم وكان القتل في الحِلّ ، فلا شي‌ء على المـُحِلّ ، وعلى المـُحْرم جزاء كامل.

وقال الشافعي : على المـُحْرم نصف الجزاء ، ولا شي‌ء على المـُحلّ(٤) . وقد بيّنّا بطلانه.

ب - لو قتل القارن صيداً ، لم يلزمه إلّا جزاء واحد ، وكذا لو باشر غيره من المحظورات ، وبه قال مالك والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين(٥) .

وقال أبو حنيفة : يلزمه جزاءان(٦) .

ج - لو قتل المـُحْرم صيداً في الحرم ، لزمه الجزاء والقيمة.

وقال الشافعي : يلزمه جزاء واحد ؛ لاتّحاد المتلف ، وهذا كما أنّ الدية‌

____________________

(١) المائدة : ٩٥.

(٢) المغني ٣ : ٥٦٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٩.

(٣) المائدة : ٩٥.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٥٠٩ ، المجموع ٧ : ٤٣٦.

(٥ و ٦ ) فتح العزيز ٧ : ٥٠٩ ، المجموع ٧ : ٤٣٧ و ٤٤٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٠ ، المحلّى ٧ : ٢٣٧ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٨١.

٤٣٧

لا تتغلّظ باجتماع أسباب التغليظ(١) .

د - لو أصابه الحلال أوّلاً ثم أصابه الحرام ، فلا شي‌ء على المـُحِلّ ، والواجب على المـُحْرم جزاء مجروح.

ولو كان السابقُ المـُحْرمَ ، فعليه جزاؤه سليماً.

ولو اتّفقا في حالة واحدة ، وجب على المـُحْرم جزاء كامل ، ولا شي‌ء على المـُحِلّ.

وعند الشافعية يجب على المـُحْرم بقسطه ، لأنّه أتلف بعض الجملة(٢) .

وهو غلط ؛ لأنّ المـُحلّ لا جزاء عليه ، فتعذّر الجزاء منه ، فيجب الجزاء بكماله على الآخر.

ه- - لو اشترك الحرام والحلال في قتل صيد حرمي ، وجب على المـُحِلّ القيمة كملاً ، وعلى المـُحْرم الجزاء والقيمة معاً.

وقال بعض العامّة : يجب جزاء واحد عليهما(٣) .

و - لو رمى الصيد اثنان فقَتَله أحدهما وأخطأ الآخر ، كان على كلّ واحد منهما فداء كامل ، أمّا القاتل : فلجنايته ، وأمّا الآخر : فلإِعانته ؛ لأنّ ضريساً سأل الباقَرعليه‌السلام : عن رجلين مُحْرمين رميا صيداً فأصابه أحدهما ، قال : « على كلّ واحد منهما الفداء »(٤) .

ز - لو قتله واحد وأكله جماعة ، كان على كلّ واحد فداء كامل ؛ لأنّ الأكل مُحرَّم كالقتل ؛ لقول الصادقعليه‌السلام في صيد أكله قوم مُحْرمون ، قال : « عليهم شاة شاة ، وليس على الذي ذبحه إلّا شاة »(٥) .

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٥٠٩ ، المجموع ٧ : ٤٤١.

(٢) الحاوي الكبير ٤ : ٣٢٣ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٩ ، المجموع ٧ : ٤٣٦.

(٣) المغني ٣ : ٥٦٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٠.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٥٢ / ١٢٢٣.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٥٢ / ١٢٢٥.

٤٣٨

مسألة ٣٥٦ : لو ضرب المـُحْرم بطيرٍ على الأرض فقَتَله ، كان عليه دم وقيمتان : قيمة للحرم ، وقيمة لاستصغاره إيّاه ، ويُعزَّر ؛ لما فيه من زيادة الجُرْم.

ولقول الصادقعليه‌السلام : في مُحْرم اصطاد طيراً في الحرم فضرب به الأرض فقَتَله ، قال : « عليه ثلاث قيمات : قيمة لإِحرامه ، وقيمة للحرم ، وقيمة لاستصغاره إيّاه »(١) .

مسألة ٣٥٧ : لو شرب لبن ظبية ، كان عليه الجزاء وقيمة اللبن ، لقول الصادقعليه‌السلام : في رجل مرَّ وهو مُحرْم في الحرم ، فأخذ عنق ظبية فاحتلبها وشرب لبنها ، قال : « عليه دم وجزاء الحرم عن اللبن »(٢) .

ولأنّه شرب ما لا يحلّ له شربه ، فيكون عليه ما على مَنْ أكل ما لا يحلّ له أكله ؛ لاستوائهما في التعدية.

تذنيب : لو رمى الصيد وهو حلال فأصابه السهم وهو مُحْرم فقَتَله ، لم يكن عليه ضمان ؛ لأنّ الجناية وقعت غير مضمونة ، فأشبه ما لو أصابه قبل الإِحرام ، وكذا لو جعل في رأسه ما يقتل القمل ثم أحرم فقَتَله ، لم يكن عليه شي‌ء.

الأمر الثاني : التسبيب.

وهو كلّ فعل يحصل التلف بسببه ، كحفر البئر ، ونصب الشباك ، والدلالة على الصيد ، وتنفير الطير عن بيضه ، وأشباه ذلك ، ويظهر بمسائل :

مسألة ٣٥٨ : لو كان معه صيد فأحرم ، وجب عليه إرساله ، وزال ملكه عنه إذا كان حاضراً معه ، فإن أمسكه ، ضمنه إذا تلف - وبه قال مالك وأحمد وأصحاب الرأي والشافعي في أحد القولين(٣) - لأنّه فعل في الصيد استدامة‌

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٧٠ - ٣٧١ / ١٢٩٠.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٧١ / ١٢٩٢ بتفاوت يسير.

(٣) المغني ٣ : ٥٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٦ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩٥ - ٤٩٦ ، المجموع ٧ : =

٤٣٩

الإِمساك ، وهو ممنوع منه ، كابتداء الإِمساك ، فكان ضامناً ، كابتداء الإِمساك.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « لا يُحْرم واحد ومعه شي‌ء من الصيد حتى يخرجه من ملكه ، فإن أدخله الحرم وجب عليه أن يخلّيه ، فإن لم يفعل حتى يدخل الحرم ومات لزمه الفداء »(١) .

وقال الشافعي : في الآخر ، وأبو ثور : ليس عليه إرسال ما في يده ؛ لأنّه في يده ، فأشبه ما لو كان نائياً عن الحرم في بيته(٢) .

والفرق : أنّ إمساكه في الحرم هتك له ، وهو منهي عنه ، بخلاف البلاد المتباعدة.

إذا ثبت هذا ، فإنّ ملكه عندنا يزول. وقال بعض العامّة بعدم زواله وإن وجب إرساله ، فإذا أحلّ ، جاز له إمساكه ، ولو أخذه غيره ، ردّه عليه بعد الإِحلال ، ومن قتله ضمنه له(٣) .

وليس بجيّد ؛ لأنّه حينئذٍ من صيد الحرم غير مملوك.

ولأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادقَعليه‌السلام : عن طائر أهلي ادخل الحرم حيّاً ، قال : « لا يُمسّ لأنّ الله تعالى يقول :( وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) (٤) »(٥) .

احتجّوا : بأنّ ملكه كان عليه وإزالة اليد لا تزيل الملك ، كالغصب والعارية(٦) .

____________________

= ٣١١ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٦.

(١) التهذيب ٥ : ٣٦٢ / ١٢٥٧.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٩٥ ، المجموع ٧ : ٣١٠ ، المغني ٣ : ٥٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٦.

(٣) المغني ٣ : ٥٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٧.

(٤) آل عمران : ٩٧.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٤٨ / ١٢٠٦.

(٦) المغني ٣ : ٥٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٧.

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481