تذكرة الفقهاء الجزء ٧

تذكرة الفقهاء12%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-007-2
الصفحات: 481

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 481 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 169722 / تحميل: 5806
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٧

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٠٠٧-٢
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

للثوري وأبي حنيفة ومحمد بن الحسن(١) .

وكذا لا بأس بالممشق وهو المصبوغ بالمشق وهو المصبوغ بالمغرة ؛ لأنّه مصبوغ بطين لا بطيب ، وكذا المصبوغ بسائر الأصباغ سوى ما ذكرنا وإن كان السواد مكروهاً ؛ لأصالة الإِباحة إلّا ما ورد الشرع بتحريمه ، أو كان في معناه.

وأمّا المصبوغ بالرياحين فهو مبني على الرياحين في نفسها ، فما مُنع المـُحْرم من استعماله مُنع من المصبوغ به إذا ظهرت رائحته ، وإلّا فلا.

مسألة ٢٤١ : لو مات المـُحْرم ، لم يجز تغسيله بالكافور‌ - وهو إجماع - للأحاديث الدالّة عليه من طُرق العامّة(٢) والخاصّة :

روى محمّد بن مسلم - في الصحيح - عن الباقرعليه‌السلام : عن المـُحْرم إذا مات كيف يصنع به؟ قال : « يغطّى وجهه ، ويصنع به كما يصنع بالحلال غير أنّه لا يقربه طيباً »(٣) .

البحث الرابع : الادّهان‌

مسألة ٢٤٢ : الدهن ضربان : طيب وغير طيب.

فالطيب : البنفسج والورد والنيلوفر والبان(٤) وما في معناه ، ولا خلاف أنّ فيه الفدية على أيّ وجه استعمله.

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٠٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٣ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٨٥.

(٢) راجع : صحيح البخاري ٢ : ٩٦ و ٣ : ٢٢ ، وصحيح مسلم ٢ : ٨٦٥ / ٩٤ ، وسنن النسائي ٥ : ١٩٦ ، وسنن البيهقي ٥ : ٥٣ و ٧٠.

(٣) التهذيب ١ : ٣٣٠ / ٩٦٥ عن الإِمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام ، وفيه : « لا يقرب طيباً ».

(٤) البان : ضرب من الشجر ، طيّب الزَّهْر ، واحدتها : بأنه ، ومنه دهن البان. لسان العرب ١٣ : ٦١ ، الصحاح ٥ : ٢٠٨١ « بون ».

٣٢١

وأمّا غير الطيب مثل الشيرج والزبد والسمن فيجوز أكله إجماعاً.

قال الشيخرحمه‌الله : ولا يجوز الادّهان به على وجه ، وأمّا وجوب الكفّارة بالادّهان فلَسْتُ أعرف به نصّاً ، والأصل براءة الذمّة.

ثم قال : وقد اختلف الناس على أربعة مذاهب :

فقال أبو حنيفة : فيه الفدية على كلّ حال إلّا أن يداوي به جرحه أو شقوق رجليه.

وقال الحسن بن صالح بن حي : لا فدية فيه بحال.

وقال الشافعي : فيه الفدية في الرأس واللحية ، ولا فدية فيما عداهما ؛ ( لما فيه من ترجيل الشعر وتزيينه ، والمـُحْرم منعوت بالشّعث المعتاد له.

ولو كان أقرع أو أصلع فدهن رأسه ، أو أمرد فدهن ذقنه ، فلا فدية عليه عنده ؛ إذ ليس فيه تزيين شعر.

ولو كان محلوق الرأس ، فوجهان.

ولو كان في رأسه شجّه فجعل الدهن في داخلها ، فلا شي‌ء عليه )(١) .

وقال مالك : إن دهن به ظاهر بدنه ، ففيه الفدية ، وإن كان في بواطن بدنه ، فلا فدية.

واستدلّ -رحمه‌الله - على مذهبه : بأصالة براءة الذمّة.

وبما رواه العامّة عن ابن عمر : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ادّهن - وهو مُحْرم - بزيت(٢) (٣) .

____________________

(١) ما بين القوسين ليس في الخلاف.

(٢) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٣٠ / ٣٠٨٣ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٩٤ / ٩٦٢ ، مسند أحمد ٢ : ٥٩.

(٣) الخلاف ٢ : ٣٠٣ - ٣٠٤ ، المسألة ٩٠ ، وراجع : بدائع الصنائع ٢ : ١٩٠ ، والمبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢٢ ، والهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦٠ ، والوجيز ١ : ١٢٥ ، وفتح العزيز ٧ : ٤٦٢ ، والمهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٧ ، والمجموع ٧ : ٢٧٩ و ٢٨٢ ، والحاوي الكبير ٤ : ١٠٩ و ١١٠.

٣٢٢

إذا عرفت هذا ، فنقول : الدهن الطيب كدهن الورد والبنفسج والنيلوفر يحرم الادّهان به ، وبه قال الأوزاعي وأحمد(١) .

وكره مالك وأبو ثور وأصحاب الرأي الادّهان بدهن البنفسج(٢) .

وقال الشافعي : ليس بطيب(٣) .

وهو غلط ؛ لأنّه يتّخذ للطيب ، وتُقصد رائحته ، فكان طيباً ، كماء الورد.

وأمّا ما لا طيب فيه كالزيت والشيرج والسمن والشحم ودهن البان الساذج : فالمشهور عند علمائنا تحريم الادّهان به بعد الإِحرام اختياراً ، وذهب العامّة إلى جوازه.

قال ابن المنذر : أجمع عوام أهل العلم على أنّ للمُحْرم أن يدّهن بدنه بالشحم والزيت والسمن(٤) .

ونقل بعض العامّة جواز ذلك عن ابن عباس وأبي ذر والأسود بن يزيد وعطاء والضحّاك وغيرهم(٥) .

وقال عطاء ومالك والشافعي وأبو ثور وأحمد في رواية ، وأصحاب الرأي : لا يدّهن المـُحْرم رأسه بالزيت الذي يؤكل ؛ لأنّه يُزيل الشَّعَث ويُرجّل الشعر ويُحسّنه(٦) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٠٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٩.

(٢) المدوّنة الكبرى ١ : ٤٥٦ ، المغني ٣ : ٣٠٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٩.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٦ ، المجموع ٧ : ٢٧٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٨ ، المغني ٣ : ٣٠٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٩.

(٤) المغني ٣ : ٣٠٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩٢ ، المجموع ٧ : ٢٨٣.

(٥) المغني ٣ : ٣٠٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩٢.

(٦) المدوّنة الكبرى ١ : ٤٥٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٢ ، المجموع ٧ : ٢٧٩ و ٢٨٢ ، المغني ٣ : ٣٠٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩٢ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢٢ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦٠.

٣٢٣

وأجمعوا على إباحة استعماله في اليدين ، وإنّما الكراهة عندهم في الرأس خاصّة ؛ لأنّه محلّ الشعر(١) .

لنا : ما رواه العامّة عن ابن عمر أنّه صدع وهو مُحْرم ، فقالوا : ألا ندّهنك بالسمن؟ فقال : لا، قالوا : أليس تأكله؟ قال : ليس أكله كالادّهان به(٢) .

وعن مجاهد : إن تداوى به ، فعليه الكفّارة(٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « ولا تمسّ شيئاً من الطيب ولا من الدهن في إحرامك »(٤) .

وقالعليه‌السلام : « وادّهن بما شئت من الدهن حيت تريد أن تحرم ، فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن »(٥) .

ولو ادّهن بالدهن الطيب قبل الإِحرام ، فإن كانت رائحته تبقى إلى بعد الإِحرام ، فَعَل حراماً ، ولو ذهبت رائحته بعد الإِحرام أو ادّهن قبله بما ليس بطيب ، فإنّه جائز إجماعاً.

مسألة ٢٤٣ : لو اضطرّ إلى استعمال الأدهان الطيّبة حالة الإِحرام ، جاز له استعماله ، وتجب الفدية ؛ لما رواه الشيخ - في الصحيح - عن معاوية ابن عمّار : في مُحْرم كانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج ، قال : « إن كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين ، وإن كان تعمّد فعليه دم شاة يهريقه »(٦) .

ويجوز استعمال ما ليس بطيب بعد الإِحرام اضطراراً إجماعاً ، ولا فدية ؛ لأصالة البراءة.

____________________

(١ - ٣) المغني ٣ : ٣٠٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩٢.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٩٧ / ١٠٠٦ ، الاستبصار ٢ : ١٧٨ / ٥٩٠.

(٥) الكافي ٤ : ٣٢٩ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٠٣ / ١٠٣٢ ، الاستبصار ٢ : ١٨١ - ١٨٢ / ٦٠٣.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٠٤ / ١٠٣٨.

٣٢٤

ولما رواه هشام بن سالم - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « إذا خرج بالمـُحْرم الخراج(١) أو الدمل فليُبطّه(٢) وليداوه بسمن أو زيت »(٣) .

البحث الخامس : الاكتحال بما فيه طيب‌

مسألة ٢٤٤ : أجمع علماؤنا على أنّه لا يجوز للمُحْرم أن يكتحل بكحل فيه طيب ، سواء كان رجلاً أو امرأة ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حرّم استعمال الطيب(٤) ، وهو قول كلّ من حرّم استعمال الطيب ، وتجب به الفدية كما قلنا في الطيب ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « لا يكحل المـُحْرم عينيه بكُحْل فيه زعفران ، وليكحلها بكُحْل فارسي »(٥) .

إذا عرفت هذا ، فلا يجوز أن يكتحل للزينة ؛ لما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « لا بأس بأن تكتحل وأنت محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه ، فأمّا للزينة فلا »(٦) .

مسألة ٢٤٥ : لا يجوز للمُحْرم أن يكتحل بالسواد ، سواء كان رجلاً أو امرأةً ، إلّا عند الضرورة ، ويجوز لهما أن يكتحلا بما عداه من الأكحال إلّا إذا‌

____________________

(١) الخراج : القروح. القاموس المحيط ١ : ١٨٥ « خرج ».

(٢) بطّ الجرح : شقّه. القاموس المحيط ٢ : ٣٥١ « بطّ ».

(٣) الفقيه ٢ : ٢٢٢ / ١٠٤٠ ، التهذيب ٥ : ٣٠٤ / ١٠٣٦.

(٤) انظر : صحيح مسلم ٢ : ٨٦٦ / ٩٩ ، وصحيح البخاري ٢ : ٩٦ و ٣ : ٢٢ ، وسنن النسائي ٥ : ١٩٦ ، وسنن البيهقي ٥ : ٧٠ ، ومسند أحمد ١ : ٢١٥ ، وفيها تصريح بتحريم الطيب للميّت المـُحْرم. فللمُحْرم الحيّ أولى كما ذكره ابنا قدامة في المغني ٣ : ٢٩٦ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٨٨.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٠١ / ١٠٢٧.

(٦) الكافي ٤ : ٣٥٧ ذيل الحديث ٥ ، التهذيب ٥ : ٣٠٢ / ١٠٢٨.

٣٢٥

كان فيه طيب ، فإنّه لا يجوز على حال ، وبه قال الشافعي(١) .

وقال أبو حنيفة : يجوز الاكتحال بما فيه طيب(٢) .

وكره عطاء والحسن البصري ومجاهد الاكتحال بالإِثْمد(٣) .

وروي عن ابن عمر أنّه قال : يكتحل المـُحْرم بكلّ كُحْل ليس فيه طيب(٤) .

قال مالك : لا بأس أن يكتحل المـُحْرم من حَرٍّ يجده في عينيه بالإِثمد وغيره(٥) .

وعن أحمد أنّه قال : يكتحل المـُحْرم ما لم يُرْد به الزينة ، قيل له : الرجال والنساء ، قال : نعم(٦) .

لنا على المنع من الأسود كالإِثْمد وشبهه : ما رواه العامّة : أنّ عليّاًعليه‌السلام قدم من اليمن فوجد فاطمةعليها‌السلام ممّن حلّ ، فلبست ثياباً صبيغاً واكتحلت ، فأنكر ذلك عليها ، فقالت : ( أبي أمرني بهذا ) فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( صَدَقَتْ صَدَقَتْ )(٧) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « لا يكتحل الرجل والمرأة المـُحْرمان بالكُحْل الأسود إلّا من علّة »(٨) .

____________________

(١) مختصر المزني : ٦٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٢١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٣ ، المجموع ٧ : ٣٥٣.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٦٣.

(٣) المغني ٣ : ٣١٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٢.

(٤) المغني ٣ : ٣١٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٢ ، المجموع ٧ : ٣٥٤.

(٥) المدوّنة الكبرى ١ : ٤٥٧ ، المغني ٣ : ٣١٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٢.

(٦) المغني ٣ : ٣١٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٢.

(٧) صحيح مسلم ٢ : ٨٨٨ / ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٤ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٤ / ٣٠٧٤ ، سنن النسائي ٥ : ١٤٤ ، المغني ٣ : ٣١٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٢.

(٨) التهذيب ٥ : ٣٠١ / ١٠٢٣.

٣٢٦

ولقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( الحاج أشعث أغبر )(١) وهو ينافي الاكتحال.

مسألة ٢٤٦ : لو اكتحل الرجل والمرأة بالإِثْمد أو الأسود ، فَعَلا محرّماً عند أكثر علمائنا(٢) ، ولا تجب به الفدية ، عملاً بأصالة البراءة السالم عن معارضٍ من نصٍّ أو غيره.

قال الشافعي : إن فَعَلا ، فلا أعلم عليهما فيه فدية بشي‌ء(٣) .

ولا خلاف في زوال التحريم مع الضرورة.

ولا يجوز الاكتحال بما فيه زينة ، لقول الصادقعليه‌السلام : « تكتحل المرأة [ المـُحرمة ](٤) بالكُحْل كلّه إلّا كحلاً أسود للزينة »(٥) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « لا تكتحل المرأة المـُحْرمة بالسواد ، إنّ السواد زينة »(٦) . وهو يدلّ على التعليل ، فيطّرد الحكم باطّرادها.

وقال الشافعي : يحرم الاكتحال بما فيه طيب - خلافاً لأبي حنيفة(٧) - وما لا طيب فيه يجوز الاكتحال به. نَقَله المزني(٨) .

وله قول آخر : إنّه يكره(٩) .

____________________

(١) أورده الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣١٣ ذيل المسألة ١٠٦.

(٢) منهم : الشيخ المفيد في المقنعة : ٦٨ ، والشيخ الطوسي في النهاية : ٢٢٠ ، والمبسوط ١ : ٣٢١ ، وسلّار في المراسم : ١٠٦ ، وابن إدريس في السرائر : ١٢٨.

(٣) الْأُمّ ٢ : ١٥٠ ، المجموع ٧ : ٣٥٣ - ٣٥٤ ، المغني ٣ : ٣١٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٢.

(٤) أضفناها من المصدر.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٠١ / ١٠٢٤.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٠١ / ١٠٢٥.

(٧) فتح العزيز ٧ : ٤٦٣.

(٨) فتح العزيز ٧ : ٤٦٣ ، مختصر المزني : ٦٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٢١ ، المجموع ٧ : ٣٥٣.

(٩) فتح العزيز ٧ : ٤٦٣ ، المجموع ٧ : ٣٥٣.

٣٢٧

وتوسّط آخرون من أصحابه : إن لم يكن فيه زينة كالتوتيا الأبيض ، لم يكره ، وإن كان فيه زينة كالإِثْمد ، كره ، إلّا لحاجة الرَّمَد(١) .

البحث السادس : النظر في المرآة‌

مسألة ٢٤٧ : اختلف علماؤنا في تحريم النظر في المرآة على المـُحرم ، فقال بعضهم بالتحريم(٢) ، وبعضهم بالكراهة(٣) .

واحتجّ الأوّل : بما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( المـُحْرم الأشعث الأغبر )(٤) .

وفي آخر : ( إنّ الله يباهي بأهل عرفة ملائكته فيقول : يا ملائكتي انظروا إلى عبادي قد أتوني شعثاً غبراً ضاحين )(٥) (٦) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه حمّاد - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « لا تنظر في المرآة للزينة »(٧) .

واحتجّ الآخرون : بأصالة الإِباحة.

وقال أحمد : لا ينظر في المرآة لإِزالة شعث أو تسوية شعر أو شي‌ء من‌

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٦٣ ، المجموع ٧ : ٣٥٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٢١.

(٢) كالشيخ المفيد في المقنعة : ٦٢ ، والشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٣٢١ ، والنهاية : ٢٢٠ ، وأبي الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ٢٠٣ ، وابن إدريس في السرائر : ١٢٨.

(٣) كالشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣١٩ ، المسألة ١١٩ ، وابن حمزة في الوسيلة : ١٦٤ ، والمحقّق في المختصر النافع : ٨٥.

(٤) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٣٠٣ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٣٤.

(٥) أي : بارزين ، من قولك : ضحيت للشمس : إذا برزت لها. الصحاح ٦ : ٢٤٠٧ « ضحا ».

(٦) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٣٠٣ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٢٤ ، وفي سنن البيهقي ٥ : ٥٨ نحوه.

(٧) التهذيب ٥ : ٣٠٢ / ١٠٢٩ ، وفيه : « لا تنظر في المرآة وأنت مُحْرم فإنّها من الزينة ».

٣٢٨

الزينة ، فإن نظر لحاجة كمداواة جرح أو إزالة شعر ينبت في عينيه وغير ذلك ممّا أباح الشرع له فِعْلَه ، فلا بأس ، وعلى كلّ حال لا فدية فيه(١) .

البحث السابع : لُبْس الحُليّ للزينة‌

مسألة ٢٤٨ : لا يجوز للمرأة في حال الإِحرام لُبْس الحُليّ للزينة‌ وما لم تعتد لُبْسه في حال الإِحرام ؛ لقول الصادقعليه‌السلام في المـُحْرمة : « إنّها تلبس الحُليّ كلّه إلّا حُليّاً مشهوراً للزينة »(٢) .

وسأل يعقوبُ بن شعيب الصادقَعليه‌السلام عن المرأة تلبس الحُليّ ، قال : « تلبس المـَسَك والخلخالين »(٣) .

ومنع أحمد بن حنبل من الخلخال وما أشبهه من الحُليّ ، مثل : السوار والدُّمْلج(٤) .

وروي عن عطاء أنّه كان يكره للمُحْرمة الحرير والحُليّ(٥) .

وكرهه الثوري وأبو ثور(٦) .

وعن قتادة أنّه كان لا يرى بأساً أن تلبس المرأة الخاتم والقرط(٧) وهي محرمة ، وكره السوارين والدُّمْلجين والخلخالين(٨) .

وظاهر مذهب أحمد : الجواز ، وهو قول ابن عمر وعائشة وأصحاب الرأي ، لأنّ عائشة قالت : تلبس المـُحْرمة ما تلبس وهي حلال من خزّها وقزّها وحُليّها ، وعلى كلّ حال لا فدية فيه عند أحمد(٩) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٠٣ - ٣٠٤.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٢٠ / ١٠١٦ ، التهذيب ٥ : ٧٥ - ٧٦ / ٢٤٩ ، الاستبصار ٢ : ٣١٠ / ١١٠٥.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٢٠ / ١٠١٩.

(٤ - ٦ ) المغني ٣ : ٣١٥ - ٣١٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣١ - ٣٣٢.

(٧) القرط : نوع من حُليّ الاُذن. لسان العرب ٧ : ٣٧٤ « قرط ».

(٨ و ٩ ) المغني ٣ : ٣١٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٢.

٣٢٩

وأمّا لُبْس القُفّازين ففيه الفدية عنده(١) ، وكذا عندنا ؛ لأنّها لبست ما نُهيت عن لُبْسه في الإِحرام ، فلزمتها الفدية ، كالنقاب ، وقد قال الصادقعليه‌السلام : « تلبس المرأة المـُحْرمة الحُليّ كلّه إلّا القُرْط المشهور والقلادة المشهورة »(٢) .

مسألة ٢٤٩ : الحُليّ الذي تعتاد المرأة لُبْسه في الإِحلال يجوز لها لُبْسه في الإِحرام إذا لم تُظهره للزوج ؛ لما فيه من جذب الشهوة إلى إيقاع المنهيّ عنه.

ولما رواه عبد الرحمن بن الحجّاج - في الصحيح - أنّه سأل أبا الحسنعليه‌السلام : عن المرأة يكون عليها الحُليّ والخلخال والمسكة والقرطان من الذهب والورق تحرم فيه وهو عليها وقد كانت تلبسه في بيتها قبل حجّها أتنزعه إذا أحرمت أو تتركه على حاله؟ قال : « تحرم فيه وتلبسه من غير أن تظهره للرجال في مركبها ومسيرها »(٣) .

مسألة ٢٥٠ : لا يجوز للمُحْرم أن يلبس الخاتم للزينة ، ويستحب للسنّة ؛ لأنّ الروايات الدالّة على تحريم لُبْس الحُليّ للزينة والاكتحال بالسواد للزينة والنظر في المرآة للزينة دلّت بمفهومها على تعليل الحرمة بالزينة ، فتثبت في لُبْس الخاتم ؛ لوجود العلّة.

ولأنّ مسمعاً سأل الصادقعليه‌السلام : أيلبس المـُحْرم الخاتم؟ قال : « لا يلبسه للزينة »(٤) .

وأمّا استحبابه للسنّة : فلأنّ محمد بن إسماعيل قال : رأيت العبد‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٣١٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٢.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٢٠ / ١٠١٤.

(٣) الكافي ٤ : ٣٤٥ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٧٥ / ٢٤٨ ، الاستبصار ٢ : ٣١٠ / ١١٠٤.

(٤) التهذيب ٥ : ٧٣ / ٢٤٢ ، الاستبصار ٢ : ١٦٥ - ١٦٦ / ٥٤٤.

٣٣٠

الصالحعليه‌السلام وهو مُحْرم وعليه خاتم وهو يطوف طواف الفريضة(١) .

إذا عرفت هذا ، فإنّه يجوز للمرأة لُبْس الخاتم من الذهب ؛ للأصل.

ولأنّه يجوز لها لُبْسه حالة الإِحلال ، فيستصحب الحكم ما لم تقصد به الزينة.

ولما رواه عمّار عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « تلبس المـُحْرمة الخاتم من الذهب »(٢) .

إذا عرفت هذا ، فيجوز أن تلبس المرأة الحرير حالة الإِحرام على كراهية ، ولا يكره الذهب والخزّ ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « لا بأس أن تُحْرم المرأة في الذهب والخزّ ، وليس يكره إلّا الحرير المحض »(٣) .

البحث الثامن : تغطية الرأس‌

مسألة ٢٥١ : يحرم على الرجل حالة الإِحرام تغطية رأسه اختيارا‌ً بإجماع العلماء ؛ لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه نهى عن العمائم والبرانس(٤) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه زرارة - في الصحيح - عن الباقرعليه‌السلام ، قال : قلت له : الرجل المـُحْرم يريد أن ينام يغطّي وجهه من الذباب؟ قال : « نعم ولا يخمّر رأسه »(٥) .

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٧٣ / ٢٤١ ، الاستبصار ٢ : ١٦٥ / ٥٤٣.

(٢) التهذيب ٥ : ٧٦ / ٢٥٠.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٢٠ / ١٠٢٠.

(٤) الموطّأ ١ : ٣٢٥ / ٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٦٥ / ١٨٢٣ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٧٧ / ٢٩٢٩ ، سنن الترمذي ٣ : ١٩٤ - ١٩٥ / ٨٣٣ ، سنن النسائي ٥ : ١٣٢ و ١٣٣ ، سنن البيهقي ٥ : ٤٩.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٠٧ / ١٠٥١ ، الاستبصار ٢ : ١٨٤ / ٦١٤.

٣٣١

إذا عرفت هذا ، فإنّه لا فرق بين أن يستر رأسه بمخيط ، كالقلنسوة ، أو بغير مخيط ، كالعمامة والإِزار والخرقة وكلّ ما يعدّ ساتراً ، وإذا ستر ، لزمه الفداء ؛ لأنّه باشر محظوراً ، كما لو حلق ، وإذا غطّى رأسه ، ألقى الغطاء واجباً ، وجدّد التلبية مستحبّاً.

ولو توسّد بوسادة فلا بأس ، وكذا لو توسّد بعمامة مكورة(١) ؛ لأنّ المتوسّد يطلق عليه عرفاً أنّه مكشوف الرأس.

ولا فرق في التحريم بين تغطية الرأس بالمعتاد ، كالعمامة والقلنسوة ، أو بغيره ، كالزنبيل والقرطاس ، أو خضب رأسه بحنّاء ، أو طيّنه بطين ، أو حمل على رأسه متاعاً أو مكتلاً أو طبقاً ونحوه عند علمائنا.

وذكر الشافعي عن عطاء أنّه لا بأس به ، ولم يعترض عليه(٢) .

وهو يُشعر بموافقته ؛ إذ من عادته الردّ على المذهب الذي لا يرتضيه.

وقال ابن المنذر وجماعة من الشافعية : إنّه نصّ في بعض كتبه على وجوب الفدية(٣) ، فبعض الشافعية قطع بالأول ولم يُثبت الثاني(٤) ، وبعضهم قال : إنّ في المسألة قولين(٥) .

ووافقنا أبو حنيفة(٦) على التحريم ووجوب الفدية ؛ لأنّه غطّى رأسه بما يستره ، فوجبت الفدية ، كغيره.

احتجّ الآخرون : بأنّه قصد نقل المتاع لا تغطية الرأس.

ولو ستر رأسه بيديه ، فلا شي‌ء عليه ؛ لأنّ الستر بما هو متّصل به لا يثبت له حكم الستر. وكذا لو وضع يديه على فرجه ، لم يجزئه في الستر.

____________________

(١) كَوْر العمامة : إدارتها على الرأس. لسان العرب ٥ : ١٥٥ « كور ».

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٣٥ ، المجموع ٧ : ٢٥٣.

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ١٠٢ ، فتح العزيز ٧ : ٤٣٥ ، المجموع ٧ : ٢٥٣.

(٤ و ٥) فتح العزيز ٧ : ٤٣٥ ، المجموع ٧ : ٢٥٢ - ٢٥٣.

(٦) انظر : فتح العزيز ٧ : ٤٣٥.

٣٣٢

ولأنّ المـُحْرم مأمور بمسح رأسه ، وذلك يكون بوضع يده عليه.

وجوّز الحنابلة للمُحْرم أن يطلي رأسه بالعسل أو الصمغ ؛ ليجتمع الشعر ويتلبّد ، فلا يتخلّله الغبار ، ولا يصيبه الشَّعَث ، ولا يقع فيه الدبيب ؛ لما رواه ابن عمر ، قال : رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يُهلّ ملبّداً(١) (٢) .

مسألة ٢٥٢ : يحرم عليه أن يرتمس في الماء بحيث يعلو الماء على رأسه‌ - وبه قال مالك(٣) - لأنّه مشتمل على تغطية الرأس.

ولما رواه عبد الله بن سنان - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « ولا ترتمس في ماء يدخل فيه رأسك »(٤) .

وفي الصحيح عن حريز عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « لا يرتمس المـُحرم في الماء »(٥) .

ويجوز أن يغسل رأسه ويفيض عليه الماء إجماعاً ؛ لأنّه لا يطلق عليه اسم التغطية ، وليس هو في معناها ، كالارتماس.

ولما رواه حريز - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « إذا اغتسل المـُحْرم من الجنابة صبّ على رأسه الماء يميّز الشعر بأنامله بعضه من بعض »(٦) .

وكذا يجوز للمُحْرم أن يدلك رأسه ويحكّه بيده ؛ لأنّ زرارة سأله عن المـُحْرم هل يحكّ رأسه أو يغسله بالماء؟ فقال : « يحكّ رأسه ما لم يتعمّد قتل دابّة »(٧) .

____________________

(١) سنن النسائي ٥ : ١٣٦.

(٢) المغني ٣ : ٣٠٩ - ٣١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٨.

(٣) المنتقى - للباجي - ٢ : ١٩٥.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٠٧ / ١٠٤٨.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٢٦ / ١٠٦٤ ، التهذيب ٥ : ٣٠٧ / ١٠٤٩.

(٦) التهذيب ٥ : ٣١٣ - ٣١٤ / ١٠٨٠.

(٧) الكافي ٤ : ٣٦٦ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٢٣٠ / ١٠٩٢.

٣٣٣

ولا يحلّ للمُحْرم أن يضع الطيب في رأسه بحيث يبقى إلى بعد الإِحرام ؛ لما تقدّم من تحريم استعمال الطيب.

وخالف فيه الجمهور(١) .

ولو خضب رأسه ، وجبت الفدية ، سواء كان الخضاب ثخيناً أو رقيقاً ؛ لأنّه ساتر ، وبه قال الشافعي(٢) .

وفصّل أصحابه بين الثخين والرقيق ، فأوجبوا الفدية في الأول دون الثاني(٣) .

وليس بمعتمد.

وكذا لو وضع عليه مرهماً له جرم يستر رأسه.

ولو طلى رأسه بعسل أو لبن ثخين فكذلك ، خلافاً للشافعي(٤) .

ولو طيّن رأسه ، وجبت الفدية عندنا.

وللشافعية وجهان كالوجهين فيما إذا طلى بالطين عورته وصلّى هل تجزئه؟(٥) .

مسألة ٢٥٣ : لا يشترط في وجوب الفدية استيعاب الرأس بالستر ، بل تجب الفدية بستر بعض الرأس كما تجب بستر جميعه ، لأنّ المنع من تغطية الجميع يقتضي المنع من تغطية بعضه ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( لا تخمّروا رأسه )(٦) والنهي عنه يُحرّم فِعْلَ بعضه.

____________________

(١) المغني ٣ : ٣١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٩.

(٢) المغني ٣ : ٣٠٨ - ٣٠٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٦.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٣٦ - ٤٣٧ ، المجموع ٧ : ٢٥٣.

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ١١٠.

(٥) فتح العزيز ٧ : ٤٣٦ ، المجموع ٧ : ٢٥٣.

(٦) صحيح البخاري ٢ : ٩٦ و ٣ : ٢٢ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٨٥ - ٦٨٦ / ٩٣ و ٩٤ و ٩٦ و ٩٨ و ٩٩ ، سنن النسائي ٥ : ١٩٦ و ١٩٧ ، سنن البيهقي ٥ : ٧٠ ، مسند أحمد ١ : ٢١٥.

٣٣٤

وكذلك لمـّا قال تعالى :( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ ) (١) حرم حلق بعضه.

ولا فرق بين أن يكون ذلك لعذر أو لغير عذر ، فإنّ العذر لا يُسقط الفدية ، كما قال تعالى :( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ ) (٢) .

ولو افتقر إلى تعصيب الرأس بعصابة ، جاز عند الحاجة - وبه قال عطاء(٣) - لأنّه في محلّ الحاجة والضرورة ، وقد قال تعالى :( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (٤) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « لا بأس أن يعصب المـُحْرم رأسه من الصداع »(٥) .

وسأل محمّدُ بن مسلم الصادقعليه‌السلام : عن المحرم يضع عصام(٦) القربة على رأسه إذا استقى ، فقال : « نعم »(٧) .

واختلفت العامّة في الاُذنين هل يحرم سترهما؟ فنصّ الشافعي على تسويغه(٨) .

ومنع أحمد منه(٩) ؛ لما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : ( الاُذنان من الرأس )(١٠) .

____________________

(١ و ٢ ) البقرة : ١٩٦.

(٣) المغني ٣ : ٣٠٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٦.

(٤) الحج : ٧٨.

(٥) الكافي ٤ : ٣٥٩ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٠٨ - ٣٠٩ / ١٠٥٦.

(٦) العصام : رباط القِرْبة وسيرها الذي تُحمل به. الصحاح ٥ : ١٩٨٧ « عصم ».

(٧) الفقيه ٢ : ٢٢١ / ١٠٢٤.

(٨ و ٩ ) المغني ٣ : ٣٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٦.

(١٠) سنن أبي داود ١ : ٣٣ / ١٣٤ ، سنن الترمذي ١ : ٥٣ / ٣٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٥٢ / ٤٤٣ - ٤٤٥ ، سنن البيهقي ١ : ٦٦ و ٦٧ ، سنن الدار قطني ١ : ٩٧ / ١ - ٣ ، مسند أحمد ٥ : ٢٦٤ و ٢٦٨.

٣٣٥

ولو ستر بعض رأسه بيده ففي التحريم إشكال.

وجوّزه العامّة ؛ لأنّ الستر بما هو متّصل به لا يثبت له حكم الستر(١) .

وسأل سعيدُ الأعرج الصادقَعليه‌السلام عن المحرم يستتر من الشمس بعود أو بيده ، فقال : « لا ، إلّا من علّة »(٢) .

مسألة ٢٥٤ : لو غطّى رأسه ناسياً ، ألقى الغطاء وجوباً ، وجدّد التلبية استحباباً ، ولا شي‌ء عليه.

أمّا وجوب الإِلقاء : فلأنّ استدامة التغطية مع الذكر كابتدائها ؛ لما فيه من الترفّه ، بل هو في الاستدامة أقوى منه في الابتداء ، فإيجاب الفدية فيه أولى.

وأمّا استحباب التلبية : فلأنّ حريز بن عبد الله سأل الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - عن محرم غطّى رأسه ناسياً ، قال : « يُلقي القناع عن رأسه ، ويلبّي ، ولا شي‌ء عليه »(٣) .

وكذا لو غطّاه حال نومه ؛ لما رواه الحلبي - في الصحيح - أنّه سأل الصادقعليه‌السلام : عن المـُحْرم يغطّي رأسه ناسياً أو نائماً ، قال : « يلبّي إذا ذكر(٤) »(٥) .

ولأنّ التغطية تنافي الإِحرام ، لأنّها مُحرَّمة فيه ، فاستحبّ تجديد ما ينعقد به ، وهو التلبية.

مسألة ٢٥٥ : يجوز للمُحْرم تغطية وجهه‌ عند علمائنا أجمع - وبه قال عليعليه‌السلام ، وعمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقّاص‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٠٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٦.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٢٧ / ١٠٦٩.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٠٧ / ١٠٥٠ ، الاستبصار ٢ : ١٨٤ / ٦١٣.

(٤) في النسخ الخطية والحجرية : « ركب » وما أثبتناه من المصدر.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٢٧ / ١٠٧٠.

٣٣٦

وابن عباس وابن الزبير وزيد بن ثابت وجابر ومروان بن الحكم والقاسم وطاوس والثوري والشافعي وإسحاق وأحمد في إحدى الروايتين(١) - لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : ( إحرام الرجل في رأسه ، وإحرام المرأة في وجهها )(٢) والتفصيل قاطع للشركة.

وعن ابن عباس : أنّ مُحْرماً وقصت به ناقته غداة عرفات ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( خمّروا وجهه ولا تخمّروا رأسه ، فإنّه يحشر يوم القيامة ملبّياً )(٣) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه زرارة - في الصحيح - قال : قلت لأبي جعفر الباقرعليه‌السلام : الرجل المـُحْرم يريد أن ينام يغطّي وجهه من الذباب؟ قال : « نعم ولا يخمّر رأسه »(٤) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « المـُحْرمة لا تتنقّب ، لأنّ إحرام المرأة في وجهها ، وإحرام الرجل في رأسه »(٥) .

وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد في الرواية الاُخرى : يحرم عليه تغطية وجهه ، كالمرأة ، لتساويهما في تحريم الطيب ، فكذا التغطية.

ولأنّه قد روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في المـُحْرم الذي وقصت به‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٣١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٩ ، الْأُم ٧ : ٢٤١ ، المجموع ٧ : ٢٦٨ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٨٥ ، وليس في المصادر : عليعليه‌السلام .

(٢) سنن الدار قطني ٢ : ٢٩٤ / ٢٦٠ ، المغني ٣ : ٣١٠ - ٣١١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٠.

(٣) سنن البيهقي ٣ : ٣٩٣.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٠٧ / ١٠٥١ ، الاستبصار ٢ : ١٨٤ / ٦١٤.

(٥) الكافي ٤ : ٣٤٥ - ٣٤٦ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٢١٩ / ١٠٠٩ ، وفيهما : عن الصادق عن أبيهعليهما‌السلام .

٣٣٧

ناقته : ( ولا تخمّروا وجهه ولا رأسه )(١) (٢) .

ويبطل القياس بلبْس القُفّازين ، والحديث ممنوع ، فإنّ المشهور فيه : ( ولا تخمّروا رأسه )(٣) .

مسألة ٢٥٦ : وإحرام المرأة في وجهها ، فيحرم عليها تغطية وجهها حال إحرامها ، كما يحرم على الرجل تغطية رأسه ، ولا نعلم فيه خلافاً - إلّا ما روي عن أسماء أنّها كانت تغطّي وجهها وهي مُحْرمة(٤) ، ويحتمل أنّها كانت تُغطّيه بالسدل عند الحاجة ، فلا يكون اختلافاً - لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : ( إحرام الرجل في رأسه وإحرام المرأة في وجهها )(٥) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « إحرام الرجل في رأسه وإحرام المرأة في وجهها»(٦) .

إذا عرفت هذا ، فقد اجتمع في حقّ المـُحْرمة فعلان لا يمكن فعل أحدهما إلاّ بفعل ما ينافي الآخر : ستر الرأس وكشف الوجه ، فالقدر اليسير من الوجه الذي يلي الرأس يجوز لها ستره ، إذ لا يمكن استيعاب الرأس بالستر إلّا بستر ذلك الجزء ، وهذا أولى من تسويغ كشف جزء من الرأس تبعا لكشف‌

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٨٦٦ / ٩٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٣٠ / ٣٠٨٤ ، سنن النسائي ٥ : ١٩٦.

(٢) المغني ٣ : ٣١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٩ ، فتح العزيز ٧ : ٤٤٦ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٨ ، المجموع ٧ : ٢٦٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٨٥ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٩٩.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ٩٦ و ٣ : ٢٢ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٦٥ - ٨٦٧ / ٩٣ و ٩٤ و ٩٦ و ٩٩ و ١٠٠ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٩٣ و ٥ : ٧٠ ، سنن الدارمي ٢ : ٥٠ ، سنن النسائي ٥ : ١٩٥ - ١٩٧ ، المغني ٣ : ٣١١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٠.

(٤) المغني ٣ : ٣١١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٠.

(٥) سنن الدار قطني ٢ : ٢٩٤ / ٢٦٠ ، المغني ٣ : ٣١٠ - ٣١١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٠.

(٦) الكافي ٤ : ٣٤٥ - ٣٤٦ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٢١٩ / ١٠٠٩.

٣٣٨

جميع الوجه ، لأنّ الستر أحوط من الكشف.

ولأنّ المقصود إظهار شعار الإِحرام بالاحتراز عن التنقّب ، وستر الجزء المذكور لا يقدح فيه ، والرأس عورة كلّه ، فيُستر.

إذا ثبت هذا ، فإنّه يجوز لها أن تسدل ثوباً على وجهها فوق رأسها إلى طرف أنفها متجافياً عنه بخشبة وشبهها ، كما يجوز للرجل الاستظلال نازلاً ، عند علمائنا أجمع - وهو قول عامّة أهل العلم(١) - لما رواه العامّة عن عائشة ، قالت : كان الرُكْبان يمرّون بنا ونحن مُحْرمات مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإذا حاذَوْنا سدلت إحدانا جِلْبابها من رأسها على وجهها ، فإذا جاوزونا كشفناه(٢) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه حريز - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام قال : « المـُحْرمة تسدل الثوب على وجهها إلى الذقن »(٣) .

ولأنّ بالمرأة حاجة إلى ستر وجهها ، فلا يحرم عليها على الإِطلاق ، كالعورة.

ولا فرق بين أن تفعل ذلك لحاجة من دفع حَرٍّ أو بَرْدٍ أو فتنةٍ أو لغير حاجة.

قال الشيخرحمه‌الله : ينبغي أن يكون الثوب متجافياً عن وجهها بحيث لا يصيب البشرة ، فإن أصابها ثم زال أو أزالته بسرعة ، فلا شي‌ء عليها ، وإلّا وجب الدم(٤) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٣١١ - ٣١٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٩ ، فتح العزيز ٧ : ٤٤٩ ، المجموع ٧ : ٢٦٢ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٨٦ ، بداية المجتهد ١ :٣٢٧.

(٢) سنن أبي داود ٢ : ١٦٧ / ١٨٣٣ ، المغني ٣ : ٣١٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٩.

(٣) الفقيه ٢ : ٢١٩ / ١٠٠٧.

(٤) انظر : المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٢٠.

٣٣٩

ويشكل بأنّ السدل لا يكاد يسلم من إصابة البشرة ، ولو كان شرطاً ، لبيّن ؛ لأنّه موضع الحاجة.

مسألة ٢٥٧ : يحرم على المرأة النقاب حالة الإِحرام ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( ولا تتنقّب المرأة ولا تلبس القُفّازين )(١) .

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إحرام المرأة في وجهها »(٢) .

ورواه العامّة أيضاً عن النبيعليه‌السلام (٣) .

وكذا يحرم عليها لُبْس البُرْقع ؛ لاشتماله على ستر الوجه.

ويجوز لها بعد الإِحلال أن تطوف متنقّبةً من غير كراهة له ؛ فإنّ المقتضي للمنع هو الإِحرام.

وكرهه عطاء ثم رجع عنه(٤) . وطافت عائشة متنقّبة(٥) .

مسألة ٢٥٨ : قد بيّنّا أنّه تجب الفدية بستر بعض الرأس كما تجب بستر جميعه.

وضبطه الشافعي بأن يكون المستور قدراً يقصد ستره لغرض من الأغراض ، كشدّ عصابة وإلصاق لصوقٍ لشجّةٍ ونحوها.

ثم قال : لو شدّ خيطاً على رأسه ، لم يضرّ ، ولا تجب الفدية ؛ لأنّ ذلك لا يمنع من تسميته حاسر الرأس(٦) .

وهو ينقض الضابط المذكور ؛ فإنّ شدّ المقدار الذي يحويه شدّ الخيط‌

____________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ١٩ ، سنن أبي داود ٢ : ١٦٥ / ١٨٢٥ ، سنن النسائي ٥ : ١٣٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٤٦.

(٢) الكافي ٤ : ٣٤٥ - ٣٤٦ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٢١٩ / ١٠٠٩.

(٣) سنن الدار قطني ٢ : ٢٩٤ / ٢٦٠ ، المغني ٣ : ٣١٠ - ٣١١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٠.

(٤) المغني ٣ : ٣١٢ - ٣١٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٠.

(٥) المغني ٣ : ٣١٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٠.

(٦) فتح العزيز ٧ : ٤٣٧ - ٤٣٨ ، المجموع ٧ : ٢٥٣.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

والفرق : أنّ زوال يده لمعنى شرعي ، بخلاف الغصب والعارية في حكم يده.

ولو تلف قبل تمكّنه من إرساله ، فلا ضمان ؛ لعدم العدوان.

ولو أرسله إنسان من يده ، لم يكن عليه ضمان ؛ لأنّه فَعَل ما يلزمه فِعْله ، فكان كما لو دفع المغصوب إلى مالكه من يد الغاصب.

وقال أبو حنيفة : يضمن ؛ لأنّه أتلف ملك الغير(١) . ونمنع الملكية.

ولو كان الصيد في منزله نائياً عنه ، لم يزل ملكه عنه ، وله نقله عنه ببيع أو هبة وغيرهما - وبه قال مالك وأحمد وأصحاب الرأي(٢) - لأنّه قبل الإِحرام مالك له ، فيدوم ملكه ؛ للاستصحاب.

ولأنّ جميلاً سأل الصادقعليه‌السلام : الصيد يكون عند الرجل من الوحش في أهله أو من الطير يُحْرم وهو في منزله ، قال : « وما بأس لا يضرّه »(٣) .

مسألة ٣٥٩ : لا ينتقل الصيد إلى المـُحْرم بابتياع ولا هبة ولا غيرهما ؛ لما رواه العامّة : أنّ الصَّعْب بن جَثّامة أهدى إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حماراً وحشياً ، فردّه عليه ، وقال : ( إنّا لم نردّه عليه(٤) إلّا أنّا حُرُمٌ )(٥) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه معاوية بن عمّار ، قال : سأل الحكم بن عتيبة الباقرعليه‌السلام : ما تقول في رجل اُهدي له حمام أهلي وهو في‌

____________________

(١) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٨٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٦.

(٢) المغني ٣ : ٥٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٦ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٤٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٦‌

(٣) الكافي ٤ : ٣٨٢ / ٩ ، التهذيب ٥ : ٣٦٢ / ١٢٦٠.

(٤) في المصادر : عليك.

(٥) صحيح البخاري ٣ : ١٦ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٥٠ / ١١٩٣ ، سنن البيهقي ٥ : ١٩١ ، مسند أحمد ٤ : ٣٨ و ٧١ ، المغني ٣ : ٥٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٥‌

٤٤١

الحرم؟ فقال : « أما إن كان مستوياً خلّيت سبيله »(١) .

إذا ثبت هذا ، فلو أخذه بأحد هذه الأسباب ، ضمنه ، فإن انتقل إليه بالبيع ، لزمه مع الجزاء القيمة لمالكه ؛ لأنّ ملكه لم يزل عنه ، ولو لم يتلف ، لم يكن له ردّه على مالكه ؛ لأنّه زال ملك المالك عنه بدخوله الحرم ، فإن ردّه ، سقطت عنه القيمة.

ولا يسقط الجزاء إلّا بالإِرسال ، وإذا أرسل ، كان كما إذا اشترى عبداً مرتدّاً فقُتِل في يده ، وهذا قول الشافعي وأصحاب الرأي(٢) .

وكذا لا يجوز للمُحْرم استرداد الصيد الذي باعه بخيار له وهو حلال ، ولا لوجود عيب في الثمن المعيّن ، ولو ردّه المشتري بعيب أو خيار ، فله ذلك ؛ لأنّ سبب الردّ متحقّق ، ومنعه إضرار بالمشتري ، فإذا ردّه عليه ، لم يدخل في ملكه ، ويجب عليه إرساله.

هذا إذا كان الصيد في الحرم ، ولو كان في الحِلّ ، جاز له ذلك ، لأنّ له استدامة الملك فيه ، فله ابتداؤه.

ولو ورث صيداً ، لم يملكه في الحرم ، ووجب عليه إرساله ، خلافاً لبعض العامّة(٣) .

قال الشيخ -رحمه‌الله - في جميع ذلك : يقوى عندي أنّه إن كان حاضراً معه ، انتقل إليه ، ويزول ملكه عنه(٤) .

قال : ولو باع المـُحِلّ صيداً لمـُحِلٍّ ثم أفلس المشتري بعد إحرام البائع ، لم يكن للبائع أن يختار عين ماله من الصيد ؛ لأنّه لا يملكه(٥) .

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٤٨ / ١٢٠٧‌

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٩٦ ، المجموع ٧ : ٣٠٧ - ٣٠٩ ، المغني ٣ : ٥٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٥.

(٣) المغني ٣ : ٥٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٥.

(٤ و ٥) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٤٧ و ٣٤٨.

٤٤٢

مسألة ٣٦٠ : لو أمسك مُحْرمٌ صيداً فذبحه مُحْرمٌ آخر ، كان على كلّ واحد منهما فداء كامل ، لأنّه بالإمساك أعانه حقيقة أكثر من إعانة الدالّ ، ولو كانا في الحرم ، تضاعف الفداء ، ولو كان أحدهما مُحِلاً والآخر مُحْرِماً ، تضاعف الفداء على المـُحْرم خاصّةً.

ولو أمسكه المـُحْرم في الحِلّ فذبحه المـُحِلّ ، ضمنه المـُحْرم خاصّةً ، ولا شي‌ء على المـُحِلّ ، لأنّه لم يهتك حرمه الإِحرام ولا الحرم.

وقال الشافعي : إذا أمسكه مُحْرمٌ وقَتَله مُحْرمٌ آخر ، وجب جزاء واحد ، وعلى مَنْ يجب؟ وجهان ، أحدهما : على الذابح ، والآخر : عليهما(١) .

ولو نقل بيض صيد ففسد ، ضمنه.

ولو أحضنه فخرج الفرخ سليماً ، لم يضمنه.

ولو نفّر طائراً عن بيضة احتضنها ففسدت ، فعليه القيمة.

ولو أخذ بيضة دجاجة فأحضنها صيداً ففسد بيضة ، أو لم يحضنه ، ضمنه ؛ لأنّ الظاهر أنّ الفساد نشأ من ضمّ بيض الدجاجة إلى بيضه.

ولو أخذ بيض صيد وأحضنها دجاجة ، فهي في ضمانه إلى أن يخرج الفرخ ويصير ممتنعاً ، حتى لو خرج ومات قبل الامتناع ، لزمه مثله من النَّعَم.

ولو حلب لبن صيد ، ضمنه - وبه قال بعض الشافعية(٢) - لأنّه مأكول انفصل من الصيد ، فأشبه البيض.

وقال بعض الشافعية : اللبن غير مضمون ، بخلاف البيض ؛ لأنّه يخلق منه مثله(٣) .

مسألة ٣٦١ : لو أغلق باباً على حمام من حمام الحرم وفراخ وبيض ، فإن هلكت وكان الإِغلاق قبل الإِحرام ، ضمن الحمامة بدرهم ، والفرخ‌

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٩٤ ، المجموع ٧ : ٣١٣ و ٤٣٧.

(٢ و ٣) فتح العزيز ٧ : ٤٨٧ ، المجموع ٧ : ٣١٩.

٤٤٣

بنصف درهم ، والبيض بربع درهم ، وإن كان بعد الإِحرام ، ضمن الحمامة بشاة ، والفرخ بحمل ، والبيضة بدرهم ؛ لأنّ سليمان بن خالد سأل الصادقَعليه‌السلام : رجل أغلق بابه على طائر ، فقال : « إن كان أغلق [ الباب بعد ما أحرم فعليه شاة ، وإن كان أغلق الباب ](١) قبل أن يُحرم فعليه ثمنه »(٢) .

وسأل يونس بن يعقوب الصادقَعليه‌السلام : عن رجل أغلق بابه على حمام من حمام الحرم وفراخ وبيض ، فقال : « إن كان أغلق عليها قبل أن يُحرم ، فإنّ عليه لكلّ طير درهماً ، ولكلّ فرخ نصفَ درهم ، ولكلّ بيضة ربع درهم(٣) ، وإن كان أغلق عليها بعد ما أحرم ، فإنّ عليه لكلّ طائر شاة ، ولكلّ فرخ حملاً ، وإن لم يكن تحرّك ، فدرهم ، وللبيض نصف درهم »(٤) .

ولو أرسلها بعد الإِغلاق سليمةً ، فلا ضمان.

وقال بعض علمائنا : يضمن بنفس الإِغلاق ؛ للرواية(٥) . وليس بجيّد.

ولو كان الإِغلاق من المـُحْرم في الحرم ، وجب عليه الجزاء والقيمة.

ولو أغلق على غير الحمام من الصيود ، ضمن إذا تلف بالإِغلاق.

مسألة ٣٦٢ : لو نفّر حمام الحرم ، فإن رجع ، كان عليه دم شاة ، وإن لم يرجع ، وجب عليه لكلّ طير شاة.

قال الشيخرحمه‌الله : هذا الحكم ذكره علي بن بابويه في رسالته ، ولم أجد به حديثاً مسنداً(٦) .

وأقول : إنّ التنفير حرام ؛ لأنّه سبب الإِتلاف غالباً ، ولعدم العود ، فكان‌

____________________

(١) أضفناها من المصدر.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٥٠ / ١٢١٥.

(٣) في المصدر : نصف درهم.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٥٠ / ١٢١٦.

(٥) كما في شرائع الإِسلام ١ : ٢٩٠.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٥٠ ذيل الحديث ١٢١٧.

٤٤٤

عليه مع الرجوع دم ؛ لفعل المـُحَرَّم ، ومع عدم الرجوع يكون عليه لكلّ طير شاة ؛ لما تقدّم أنّ مَنْ أخرج طيراً من الحرم وجب عليه أن يعيده ، فإن لم يفعل ، ضمنه.

ولو نفّر صيداً فتعثّر وهلك ، أو أخذه سبع ، أو انصدم بشجر أو جبل ، وجب عليه ضمانه ، سواء قصد بتنفيره أو لم يقصد ، ويكون في عُهْدة المـُنفِّر إلى أن يعود الصيد إلى طبيعة الاستقرار ، ولو هلك بعد ذلك ، فلا شي‌ء عليه.

ولو هلك قبل سكون النفار ولكن بآفة سماوية ، ففي الضمان وجهان :

أحدهما : الوجوب ، لأنّ دوام النفار كاليد الضامنة.

والثاني : العدم ؛ لأنّه لم يهلك بسبب من جهة المـُحْرم ولا تحت يده.

مسألة ٣٦٣ : لو أوقد جماعة ناراً فوقع فيها طائر ، فإن كان قصدهم ذلك ، وجب على كلّ واحد منهم فداء كامل ، وإن لم يكن قصدهم ذلك ، وجب عليهم أجمع فداء واحد ؛ لأنّهم مع القصد يكون كلّ واحد منهم قد فعل جناية استند الموت إليها وإلى مشاركة ، فيكون بمنزلة من اشترك في قتل صيد وأمّا مع عدم القصد فإنّ القتل غير مراد ، فوجب عليهم أجمع فداء واحد ، لأنّ أبا ولّاد الحنّاط قال : خرجنا بستة نفر من أصحابنا إلى مكة فأوقدنا ناراً عظيمةً في بعض المنازل أردنا أن نطرح عليها لحماً نكببه وكُنّا مُحْرمين ، فمرّ بنا طير صافّ مثل حمامة أو شبهها فاحترق جناحاه فسقط في النار فاغتممنا لذلك ، فدخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام بمكة ، فأخبرته وسألته ، فقال : « عليكم فداء واحد دم شاة ، ولو كان ذلك منكم تعمّداً ليقع فيها الصيد فوقع ألزمت كلّ واحد منكم دم شاة »(١) .

مسألة ٣٦٤ : إذا وطأ ببعيره أو دابّته صيداً فقتله ، ضمنه ؛ لأنّه سبب الإِتلاف.

____________________

(١) الكافي ٤ : ٣٩٢ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٣٥٢ - ٣٥٣ / ١٢٢٦ بتفاوت يسير في بعض الألفاظ.

٤٤٥

ولأنّ أبا الصباح الكناني سأل الصادقَعليه‌السلام : عن مُحْرم وطأ بيض نعام فشدخها ، قال : « قضى أمير المؤمنينعليه‌السلام أن يرسل الفحل في مثل عدد البيض من الإِبل الإِناث ، فما لقح وسلم كان النتاج هدياً بالغ الكعبة » قال : وقال الصادقعليه‌السلام : « ما وطأته أو وطأه بعيرك أو دابّتك وأنت مُحْرم فعليك فداؤه »(١) .

وإذا كان راكباً على الدابّة سائراً ، ضمن ما تجنيه بيديها وفمها ، ولا ضمان عليه فيما تجنيه برجليها ؛ لأنّه لا يمكنه حفظ رجليها ، وقالعليه‌السلام : ( الرِّجل جُبار(٢) )(٣) .

أمّا لو كان واقفاً أو سائقاً لها غير راكب ، ضمن جميع جنايتها ؛ لأنّه يمكنه حفظها ويده عليها ويُشاهد رجليها.

ولو شردت الدابّة من يده فأتلفت صيداً ، لم يضمنه إذا لم يفرّط في ضبطه ؛ لأنّه لا يدَ له عليها وقد قال النبيعليه‌السلام : ( جُرْح العَجْماء(٤) جُبار )(٥) .

مسألة ٣٦٥ : لو نصب المحرم شبكةً في الحِلّ أو في الحرم ، أو نصب المـُحِلّ شبكةً في الحرم ، فتعقّل بها صيد وهلك ، ضمن ، لأنّه تلف بسببه ،

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٥٥ / ١٢٣٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٢ / ٦٨٦.

(٢) الجبار : الهدر. النهاية - لابن الأثير - ١ : ٢٣٦ « جبر ».

(٣) سنن أبي داود ٤ : ١٩٦ / ٤٥٩٢ ، سنن الدار قطني ٣ : ١٥٢ / ٢٠٨ ، مصنف عبد الرزاق ٩ : ٤٢٣ / ١٧٨٧٣ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٩ : ٢٧٠ / ٧٤١٩.

(٤) العجماء : البهيمة ، سمّيت به ؛ لأنّها لا تتكلّم ، وكلّ ما لا يقدر على الكلام فهو أعجم ومستعجم. النهاية - لابن الأثير - ٣ : ١٨٧ « عجم ».

(٥) مسند أحمد ٢ : ٤٧٥ ، الموطأ ٢ : ٨٦٨ - ٨٦٩ / ١٢ ، سنن الدارمي ٢ : ١٩٦ ، وبتفاوت في صحيح البخاري ٩ : ١٥ ، وصحيح مسلم ٣ : ١٣٣٤ / ١٧١٠ ، وسنن أبي داود ٤ : ١٩٦ / ٤٥٩٣ ، سنن الترمذي ٣ : ٣٤ / ٦٤٢ ، وسنن النسائي ٥ : ٤٤ ، وسنن ابن ماجة ٢ : ٨٩١ / ٢٦٧٣ - ٢٦٧٥.

٤٤٦

فكان عليه ضمانه ، كما يضمن الآدمي.

ولا فرق بين أن ينصب في ملكه أو ملك غيره ؛ لأنّه نصبَ الشبكة يقصد بها الاصطياد ، فهو بمنزلة الأخذ باليد.

ولو نصب شبكةً قبل إحرامه فوقع فيها صيد بعد إحرامه ، لم يضمنه ، لأنّه لم يوجد منه بعد إحرامه سبب الإِتلاف ، فكان كما لو صاده قبل الإِحرام وتَرَكه في منزله ، فتلف بعد إحرامه ، أو باعه وهو حلال ، فذبحه المشتري.

ولو جرح صيداً فتحامل فوقع في شي‌ء تلف به ، ضمنه ؛ لأنّ الإِتلاف بسببه ، وكذا لو نفّره فتلف في حال نفوره.

ولو سكن في مكان وأمن من نفوره ثم تلف فهل يضمنه؟ قال بعض العامّة : لا يضمنه ، لأنّ التلف ليس منه ولا بسببه(١) .

وقال بعضهم : يضمنه(٢) .

ولو أمسك صيداً له طفل فتلف بإمساكه ، ضمن.

وكذا لو أمسك المـُحِلّ صيداً له طفل في الحرم فهلك الطفل ، ضمن ؛ لأنّه سبب في إتلافه ، ولا ضمان عليه في الاُم لو تلفت.

أمّا لو أمسكها المحلّ في الحرم فتلفت وتلف فرخها في الحلّ ، قال الشيخ : يضمن الجميع(٣) .

مسألة ٣٦٦ : لو أرسل كلباً فأتلف صيداً ، وجب عليه الضمان ؛ لأنّ إرسال الكلب يُسبّب إلى الهلاك.

ولو كان الكلب مربوطاً ، فحلّ رباطه ، فكذلك ؛ لأنّ السبع شديد الضراوة بالصيد ، فيكفي في قتل الصيد حلّ الرباط وإن كان الاصطياد لا يتمّ إلّا بالإِغراء.

____________________

(١ و ٢) المغني ٣ : ٥٥٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٦.

(٣) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٤٧.

٤٤٧

ولو انحلّ الرباط لتقصيره في الربط ، ضمن ، كالحَلّ.

ولو لم يكن هناك صيد فأرسل الكلب أو حلّ رباطه ، فظهر الصيد ، احتمل عدم الضمان ؛ لأنّه لم يوجد منه قصد الصيد ، والضمان ؛ لحصول التلف بسبب فعله ، وجهله لا يقدح فيه.

ولو ضرب صيداً بسهم فمرق السهم فقُتل آخر ، أو رمى غرضاً فأصاب صيداً ، فإنّه يضمنه ؛ لما تقدّم.

وكذا لو وقع الصيد في شبكة أو حبالة فأراد تخليصه فتلف أو عاب ، ضمن النفس مع التلف والأرش مع العيب.

وللشافعي قولان : أحدهما : لا جزاء عليه(١) .

ولو دلّ المـُحْرم على صيد فقَتَله المـُحْرم ، ضمن كلٌّ منهما جزاءً كاملاً ، ولو قَتَله المـُحِلّ في الحِلّ ، ضمنه الدالّ.

ولو كان الدالّ محلاً والقاتل مُحْرِماً ، وجب الجزاء على المـُحْرم ، ولا شي‌ء على المـُحِلّ في الحِلّ ، ولو كان في الحرم ، ضمنه أيضاً ، خلافاً للشافعي(٢) .

ولو دلّ المـُحْرم حلالاً على صيد فقَتَله ، فإن كان الصيد في يد المـُحْرم ، وجب عليه الجزاء ؛ لأنّ حفظه واجب عليه ، ومَنْ يلزمه الحفظ يلزمه الضمان إذا ترك الحفظ ، كما لو دلّ المستودع السارق على الوديعة.

وإن لم يكن في يده ، فلا جزاء على الدالّ عند الشافعي ، كما لو دلّ رجلاً على قتل إنسان لا كفّارة على الدالّ ولا على القاتل ؛ لأنّه حلال(٣) ، وبه‌

____________________

(١) انظر : فتح العزيز ٧ : ٤٩٧ ، والمجموع ٧ : ٢٩٧.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٩١ ، المجموع ٧ : ٣٠٠.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٩١ ، المجموع ٧ : ٣٠٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٣ - ٢٠٤.

٤٤٨

قال مالك(١) .

وقال أبو حنيفة : إن كانت الدلالة ظاهرةً ، فلا جزاء عليه ، وإن كانت خفيةً لولاها لما رأى الحلالُ الصيدَ ، يجب الجزاء. وسلّم في صيد الحرم أنّه لا جزاء على الدالّ(٢) .

وعن أحمد : أنّ الجزاء يلزم الدالّ والقاتل بينهما(٣) .

وما صيد للمُحْرم أو بدلالته أو إعانته لو أكل منه ، للشافعي قولان :

القديم - وبه قال مالك وأحمد - أنّه تلزمه القيمة بقدر ما أكل ؛ لأنّ الأكل فعل مُحرَّم في الصيد ، فيتعلّق به الجزاء ، كالقتل ، ويخالف ما لو ذبحه وأكله حيث لا يلزمه بالأكل جزاء عنده؛ لأنّ وجوبه بالذبح أغنى عن جزاء آخر.

والجديد : أنه لا تلزمه ، لأنّه ليس بنامٍ بعد الذبح ، ولا يؤول إلى النماء ، فلا يتعلّق بإتلافه الجزاء ، كما لو أتلف بيضةً مذرةً(٤) .

مسألة ٣٦٧ : لو أمسك مُحْرم صيداً حتى قَتَله غيره ، فإن كان حلالاً ، وجب الجزاء على المـُحْرم ؛ لأنّه متعدٍّ بالإِمساك والتعريض للقتل ، ولا يرجع به على الحلال عندنا ؛ لأنّه غير ممنوع من التعرّض للصيد ، وهو قول بعض الشافعية(٥) .

وقال بعضهم بالرجوع ، كما لو غصب شيئاً فأتلفه مُتلفٌ من يده ، يضمن الغاصب ، ويرجع على المـُتلف(٦) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ المـُتلف في الغصب ممنوع منه ، بخلاف قتل المـُحِلّ‌

____________________

(١) تفسير القرطبي ٦ : ٣٢٤ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩١ - ٤٩٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩٧.

(٢) بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٣ - ٢٠٤ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩٢.

(٣) المغني ٣ : ٣٥٣ - ٣٥٤ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩٢.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٨ ، المجموع ٧ : ٣٠٣ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩٤ ، المغني ٣ : ٢٩٤ - ٢٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٢.

(٥ و ٦ ) فتح العزيز ٧ : ٤٩٤ ، المجموع ٧ : ٤٣٧.

٤٤٩

الصيدَ.

وإن كان القاتل مُحْرماً ، فعلى كلّ واحد منهما جزاء تام عندنا ؛ لصدور ما يوجب الجزاء كملاً من كلّ واحد منهما.

وللشافعية وجهان :

أحدهما : أنّ الجزاء كلّه على القاتل ؛ لأنّه مباشر ، ولا أثر للإِمساك مع المباشرة.

والثاني : أنّ لكلّ واحد من الفعلين مدخلاً في الهلاك ، فيكون الجزاء بينهما نصفين(١) .

وقال بعضهم : إنّ المـُمْسك يضمنه باليد ، والقاتل يضمنه بالإِتلاف ، فإن أخرج المـُمْسك الضمان ، رجع به على المـُتْلف ، وإن أخرج المتلف ، لم يرجع على المـُمْسك(٢) .

مسألة ٣٦٨ : لو نفّر صيداً فهلك بمصادمة شي‌ء ، أو أخذه جارح ، ضمنه.

وكذا لو ضرب صيداً بسهم فمرق السهم فقُتل آخر ، أو رمى غرضاً فأصاب صيداً ، ضمنه.

ولو وقع الصيد في شبكة أو حبالة فأراد تخليصه فتلف أو عاب ، ضمن النفس مع التلف ، والأرش مع العيب.

وللشافعي قولان : أحدهما : لا جزاء عليه ، وقد تقدّم(٣) .

ولو أمر المـُحْرم عبده المـُحِلّ بقتل الصيد فقَتَله ، فعلى السيّد الفداء ؛ لأنّ العبد كالآلة.

ولأنّ الضمان يجب بالدلالة والإِعانة وغيرهما ، فبالأمر أولى.

____________________

(١ و ٢) فتح العزيز ٧ : ٤٩٤ ، المجموع ٧ : ٤٣٧.

(٣) تقدّم في ص ٤٤٧ ، الهامش (١)

٤٥٠

ولأنّ عبد الله بن سنان سأل الصادقَعليه‌السلام : عن مُحْرم معه غلام ليس بمُحْرم أصاب صيداً ولم يأمره سيّده ، قال : « ليس على سيّده شي‌ء »(١) وهو يدلّ بمفهومه على أنّه إذا كان بأمره ، لزمه الفداء.

ولو كان الغلام مُحْرماً بإذن سيّده وقتل صيداً بغير إذن مالكه ، وجب على السيّد الفداء ؛ لأنّ الإِذن في الإِحرام يستلزم تحمّل جناياته.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « كلّ ما أصاب العبد وهو مُحْرم في إحرامه فهو على السيّد إذا أذن له في الإِحرام »(٢) .

ولو لم يأذن المولى في الإِحرام ولا في الصيد ، لم يكن على السيّد شي‌ء ؛ لأنّ عبد الرحمن بن أبي نجران سأل الكاظمَعليه‌السلام : عن عبد أصاب صيداً وهو مُحْرم هل على مولاه شي‌ء من الفداء؟ فقال : « لا شي‌ء على مولاه »(٣) .

مسألة ٣٦٩ : قد بيّنّا أنّ إثبات يد المـُحْرم على الصيد يوجب عليه الضمان ، فإن وقع ابتداء الإِثبات في حال الإِحرام فهو حرام غير مفيد للملك ، ويضمنه ، كما يضمن الغاصب ما يتلف في يده ، بل لو تولّد تلف الصيد ممّا في يده ، لزمه الضمان ، كما لو كان راكباً فأتلفت الدابّة صيداً بعضها ، أو رفسها ، أو بالت في الطريق ، فزلق به صيد وهلك ، كما لو زلق به آدمي أو بهيمة ، أمّا لو انفلت بعير فأصاب صيداً ، فلا ضمان.

ولو تقدّم ابتداء اليد على الإِحرام ، فإن كان حاضراً معه ، وجب عليه إرساله - وهو أحد قولي الشافعي(٤) - لأنّ الصيد لا يراد للدوام ، فتحرم‌

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٨٢ / ١٣٣٣.

(٢) الكافي ٤ : ٣٠٤ / ٧ ، التهذيب ٥ : ٣٨٢ / ١٣٣٤ ، الاستبصار ٢ : ٢١٦ / ٧٤١.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٨٣ / ١٣٣٥ ، الاستبصار ٢ : ٢١٦ / ٧٤٢.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٤٩٥ ، المجموع ٧ : ٣١٠ ، المغني ٣ : ٥٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٦ ، تفسير القرطبي ٦ : ٣٢٣.

٤٥١

استدامته ، كالطيب واللبس.

والثاني : لا يجب ، كما لا يلزم تسريح زوجته وإن حرم ابتداء النكاح عليه(١) .

وهو غلط ؛ لأنّ النكاح يقصد به الدوام.

وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد : يجب رفع اليد المشاهدة عنه ، ولا يجب رفع اليد الحكمية(٢) .

وعلى قول الشافعي بعدم وجوب الإِرسال ، فهو على ملكه له بيعه وهبته ولكن يحرم عليه قتله ، ولو قَتَله ، لزمه الجزاء ، كما لو قتل عبده تلزمه الكفّارة. ولو أرسله غيره ، لزمه قيمته للمالك ، وكذا لو قَتَله وإن كان مُحْرماً ، لزمه الجزاء أيضاً ، ولا شي‌ء على المالك ، كما لو مات(٣) .

وعلى قوله بإيجاب الإِرسال هل يزول ملكه عنه؟ عنده قولان :

أحدهما - وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد - : لا يزول ، كما لا تبين زوجته.

والثاني : نعم ، كما يزول حلّ الطيب واللباس(٤) .

فعلى القول بزوال الملك لو أرسله غيره أو قَتَله فلا شي‌ء عليه ، ولو أرسله المـُحْرم فأخذه غيره ، ملكه.

ولو لم يرسله حتى تحلّل ، فهل عليه إرساله؟ وجهان :

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٩٥ ، المجموع ٧ : ٣١٠ ، المغني ٣ : ٥٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٦ ، تفسير القرطبي ٦ : ٣٢٣.

(٢) المغني ٣ : ٥٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٦ ، تفسير القرطبي ٦ : ٣٢٣ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٤٣٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٦ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٧٤ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٨٩ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩٥.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٩٥ ، المجموع ٧ : ٣١٠.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٤٩٥ ، المجموع ٧ : ٣١١ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩٨ ، المغني ٣ : ٥٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٧ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٨٩ - ٩٠.

٤٥٢

أحدهما : نعم ؛ لأنّه كان مستحقّاً للإِرسال ، فلا يرتفع هذا الاستحقاق بتعدّيه بالإِمساك.

والثاني : لا يجب ، ويعود ملكاً له ، كالعصير إذا تخمّر ثم تخلّل(١) .

وعلى هذا القول وجهان في أنّه يزول بنفس الإِحرام ، أو الإِحرام يوجب عليه الإِرسال؟ فإذا أرسل حينئذٍ يزول ، وعلى القول بعدم زوال الملك عنه ليس لغيره أخذه ، ولو أخذه ، لم يملكه ، ولو قَتَله ، ضمنه بمثابة المنفلت من يده(٢) .

ولو مات الصيد في يده بعد إمكان الإِرسال ، لزمه الجزاء ؛ لأنّ التقدير وجوب الإِرسال ، وهو مقصّر بالإِمساك.

ولو مات الصيد قبل إمكان الإِرسال ، فوجهان ، والمذهب عندهم وجوب الضمان ، ولا خلاف في أنّه لا يجب تقديم الإِرسال على الإِحرام(٣) .

مسألة ٣٧٠ : قد بيّنّا أنه لا يدخل الصيد في ملك المـُحْرم ببيع ولا هبة ولا غير ذلك من الأسباب.

وهل ينتقل بالميراث؟ الأقرب ذلك ، لكن يزول ملكه عنه عقيب ثبوته إن كان الصيد حاضراً معه ، ويجب عليه إرساله.

ولو باعه ، ففي الصحة إشكال.

فإن قلنا بالصحة ، لم يسقط عنه ضمان الجزاء حتى لو مات في يد المشتري ، وجب الجزاء على البائع ، وإنّما يسقط عنه إذا أرسله المشتري.

ولو قلنا بأنّه لا يرث ، فالملك في الصيد لباقي الورثة وإن كانوا أبعد.

وإحرامه بالإِضافة إلى الصيد مانع من موانع الميراث ، فحينئذٍ ينتقل ما عداه من التركة إليه إذا كان أولى ، وينتقل الصيد إلى الأبعد.

فلو فرضنا أنّه أحلّ قبل قسمة التركة بينه وبين شركائه في الميراث ، أخذ‌

____________________

(١ - ٣) فتح العزيز ٧ : ٤٩٥ - ٤٩٦ ، المجموع ٧ : ٣١١.

٤٥٣

نصيبه ، منه ، وإن أحلّ بعدها ، فلا نصيب له. ولو كان هو أولى من باقي الورثة ، لم يكن له شي‌ء وإن أحلّ قبل القسمة.

ولو استعار المـُحْرم صيداً أو أودع عنده ، كان مضموناً عليه بالجزاء ، وليس له التعرّض له ، فإن أرسله ، سقط عنه الجزاء ، وضمن القيمة للمالك ، وإن ردّ [ ه ] إلى المالك ، لم يسقط عنه ضمان الجزاء ما لم يرسله المالك.

وإذا صار الصيد مضموناً على المـُحْرم بالجزاء ، فإن قَتَله مُحِلُّ في يده ، فالجزاء على المـُحْرم ، وإن قَتَله مُحْرمٌ آخر ، فالجزاء عليهما أو على القاتل ومَنْ في يده ، طريق للشافعية وجهان(١) .

وعندنا يجب على كلّ واحد منهما فداء كامل.

مسألة ٣٧١ : المـُحْرم يضمن الصيد بإتلافه مطلقاً ، سواء قصد التخليص أو لا ، فلو خلّص صيداً من فم هرّةٍ أو سبُعٍ أو من شقّ جدار ، وأخذه ليداويه ويتعهّده فمات في يده ، فهو كما لو أخذ المغصوب من الغاصب ليردّه إلى المالك فهلك في يده ، احتمل الضمان - وبه قال أبو حنيفة(٢) - لأنّ المستحق لم يرض بيده ، فتكون يدُه يدَ ضمان ، وعدمه ؛ لأنّه قصد المصلحة ، فتكون يدُه يدَ وديعة.

وللشافعي قولان(٣) ، كالاحتمالين.

ولو صال صيد على مُحْرم أو في الحرم فقتله دفعاً ، فلا ضمان ؛ لأنّه بالصيال التحق بالمؤذيات ، وبه قال الشافعي(٤) .

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٩٧ ، المجموع ٧ : ٣١٣.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٩٧.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٩٧ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٨ ، المجموع ٧ : ٢٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩٦.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٤٩٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٩ ، المجموع ٧ : ٣٣٦ و ٣٣٨ ، المغني ٣ : ٥٤٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٨.

٤٥٤

وقال أبو حنيفة : يجب عليه الضمان(١) .

ولو ركب إنسان صيداً وصال على مُحْرم ولم يمكن دفعه إلّا بقتل الصيد فقَتَله ، فالوجه : وجوب فداء كامل على كلّ واحد منهما.

وللشافعي قولان :

أحدهما : أنّ الضمان على القاتل ؛ لأنّ الأذى هنا ليس من الصيد ، فحينئذٍ يرجع القاتل على الراكب.

والثاني : أنّ الضمان على الراكب ، ولا يطالب به المـُحْرم(٢) .

ولو ذبح صيداً في مخمصة وأكله ، ضمن ؛ لأنّه أهلكه لمنفعة نفسه من غير إيذاء من الصيد.

ولو اُكره مُحْرمٌ أو مُحِلّ في الحرم على قتل صيد فقَتَله ، ضمنه المـُكِره ؛ لأنّ المباشرة ضعفت بالإِكراه

وللشافعي وجهان : هذا أحدهما ، والثاني : أنّه على المـُكرَه ثم يرجع به على المـُكرِه(٣) .

وعن أبي حنيفة : أنّ الجزاء في صيد الحرم على المكره وفي الإِحرام على المكره(٤) .

مسألة ٣٧٢ : الجزاء يجب على المـُحْرم إذا قتل الصيد عمداً وسهواً أو خطأً ، بإجماع العلماء.

قال الله تعالى :( وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (٥) .

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٩٨ ، المجموع ٧ : ٣٣٨ ، المغني ٣ : ٥٤٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٨.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٩٨ ، المجموع ٧ : ٣٣٦ - ٣٣٧.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٩٨ ، المجموع ٧ : ٣٠٠.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٤٩٨.

(٥) المائدة : ٩٥.

٤٥٥

ولا نعلم فيه خلافاً إلّا من الحسن البصري ومجاهد ، فإنّهما قالا : إن قتله متعمّداً ذاكراً لإِحرامه لا جزاء عليه ، وإن كان مخطئاً أو ناسياً لإِحرامه ، فعليه الجزاء(١) .

وهو مخالف للقرآن ؛ فإنّه تعالى علّق الكفّارة على القتل عمداً والذاكر لإِحرامه متعمّداً ، ثم قال في سياق الآية :( لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ ) (٢) والساهي والمخطئ لا عقاب عليه ولا ذمّ ، ولا نعرف لهما دليلاً على مخالفتهما لنصّ القرآن والإِجماع ، فلا اعتداد بقولهما.

مسألة ٣٧٣ : لا خلاف في وجوب كفّارة الصيد على القاتل ناسياً ، والعامد قد بيّنّا وجوبها عليه أيضاً.

وأمّا الخاطئ ، فإنّ الكفّارة تجب عليه كذلك أيضاً عند علمائنا أجمع - وبه قال الحسن البصري وعطاء والنخعي ومالك والثوري وأصحاب الرأي والزهري(٣) - لما رواه العامّة عن جابر ، قال : جعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الضبع يصيده المـُحْرم كبشاً(٤) .

وقالعليه‌السلام : ( في بيض النعام يصيبه المـُحْرم ثمنه )(٥) ولم يفرّقعليه‌السلام بين العامد والخاطئ.

ومن طريق الخاصّة : قول أبي الحسنعليه‌السلام : « وعليه الكفّارة »(٦) .

ولأنّه إتلاف مال ، فاستوى عمده وخطؤه.

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٣٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩٦ ، المجموع ٧ : ٣٢٠.

(٢) المائدة : ٩٥.

(٣) المغني ٣ : ٥٤١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥٢ ، المجموع ٧ : ٣٢١.

(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٣١ - ١٠٣٢ / ٣٠٨٥ ، سنن الدار قطني ٢ : ٢٤٦ / ٤٩ ، سنن البيهقي ٥ : ١٨٣.

(٥) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٣١ / ٣٠٨٦ ، سنن الدار قطني ٢ : ٢٥٠ / ٦٤.

(٦) الكافي ٤ : ٣٨١ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٣٦٠ - ٣٦١ / ١٢٥٣.

٤٥٦

وروي عن ابن عباس أنّه قال : لا كفّارة على الخاطئ في قتل الصيد - وبه قال سعيد بن جبير وطاوس وابن المنذر. وعن أحمد روايتان - لقوله تعالى :( وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً ) (١) .

ولأصالة البراءة ، ولأنّه محظور الإِحرام لا يفسده ، فيجب التفرقة بين الخطأ والعمد ، كاللبس والطيب ، ولأنّه يدلّ بدليل الخطاب(٢) .

وليس حجّةً ، والأصل تُرك ؛ للدليل ، والقتل إتلاف ، واللبس ترفّه ، فافترقا.

مسألة ٣٧٤ : لو كرّر المحرم الصيد ناسيا ، تكرّرت الكفّارة إجماعاً. وإن تعمّد فللشيخ قولان:

أحدهما : يجب الجزاء في الأول دون الثاني(٣) ، وبه قال ابن بابويه(٤) ، وهو مروي عن ابن عباس ، وهو قول شريح والحسن البصري وسعيد بن جبير ومجاهد والنخعي وقتادة وأحمد في إحدى الروايات(٥) .

والثاني : تتكرر الكفّارة بتكرّر السبب(٦) ، وهو قول العلماء ، وبه قال عطاء والثوري والشافعي وإسحاق وابن المنذر(٧) ، وهو المعتمد ؛ لقوله تعالى :( وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً ) (٨) وهو يتناول العامد.

____________________

(١) المائدة : ٩٥.

(٢) المغني ٣ : ٥٤١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥٢ ، المجموع ٧ : ٣٢١.

(٣) النهاية : ٢٢٦ ، التهذيب ٥ : ٣٧٢ ذيل الحديث ١٢٩٧ ، الاستبصار ٢ : ٢١١ ذيل الحديث ٧٢٠.

(٤) المقنع : ٧٩ ، الفقيه ٢ : ٢٣٤ ذيل الحديث ١١١٨.

(٥) المغني ٣ : ٥٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٨ ، المجموع ٧ : ٣٢٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠١ ، تفسير القرطبي ٦ : ٣٠٨ - ٣٠٩ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ٢ : ٤٧٥.

(٦) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٤٢ ، الخلاف ٢ : ٣٩٧ ، المسألة ٢٥٩.

(٧) المغني ٣ : ٥٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٤ ، المجموع ٧ : ٣٢٣ ، تفسير القرطبي ٦ : ٣٠٨ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ٢ : ٤٧٥.

(٨) المائدة : ٩٥.

٤٥٧

ولما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه جَعَل في الضبع يصيده المـُحْرم كبشاً(١) ، ولم يفرّق.

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « عليه كلّما عاد كفّارة »(٢) .

ولأنّها كفّارة عن قتل ، فاستوى فيها المبتدئ والعائد ، كقتل الآدمي.

احتجّ الشيخ : بقوله تعالى :( وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ ) (٣) جعل جزاء العود الانتقام ، وهو يدلّ على سقوط الكفّارة ، لأنّه لم يوجب جزاءً.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « فإن عاد فقتل صيداً آخر لم يكن عليه جزاؤه ، وينتقم الله منه »(٤) والنقمة في الآخرة.

والانتقام لا ينافي وجوب الجزاء ؛ لعدم دلالته على أنّه كلّ الجزاء ، ونفي الجزاء محمول على أنّه ليس عليه جزاؤه خاصّةً ؛ جمعاً بين الأدلّة.

مسألة ٣٧٥ : ويجب الجزاء على القاتل للضرورة ، كالمضطرّ إلى أكله ؛ لعموم قوله :( وَمَنْ قَتَلَهُ ) (٥) وهو يتناول المضطرّ وغيره.

ولأنّه قَتَله من غير معنى يحدث فيه من الصيد يقتضي قتله ، فيضمنه ، كغيره.

ولأنّه أتلفه لنفعه ودفع الأذى عنه ، فكان عليه الكفّارة ، كحلق الرأس.

ولقول الصادقعليه‌السلام وقد سُئل عن المـُحْرم يضطرّ فيجد الميتة والصيد أيّهما يأكل؟ قال : « يأكل من الصيد ، أما يحبّ أن يأكل من ماله؟ » قلت : بلى ، قال : « إنّما عليه الفداء ، فليأكل وليفده »(٦) .

____________________

(١) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في الهامش (٤) من ص ٤٥٥.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٧٢ / ١٢٩٦ ، الاستبصار ٢ : ٢١٠ - ٢١١ / ٧١٩.

(٣) المائدة : ٩٥.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٧٢ / ١٢٩٧ ، الاستبصار ٢ : ٢١١ / ٧٢٠.

(٥) المائدة : ٩٥.

(٦) الكافي ٤ : ٣٨٣ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣٦٨ / ١٢٨٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٩ / ٧١٤.

٤٥٨

وقال الأوزاعي : لا يضمنه ؛ لأنّه مباح له ، فأشبه صيد البحر(١) .

والإِباحة لا تستلزم عدم الكفّارة ، كما في حلق الرأس.

والفرق : أنّ صيد البحر لا يتناوله حرم الإِحرام ولا الحرم ، فلا تجب الكفّارة به ، بخلاف الصيد.

ويجب الضمان على مَنْ أتلف الصيد بتخليصه من سبُع أو شبكة ، أو بتخليصه من خيط في رجله ونحوه - وبه قال قتادة(٢) - لعموم الأدلّة.

ولأنّ غاية ذلك عدم القصد إلى قتله ، وهو لا يُسقط الضمان ، كقتل الخطأ.

وقال عطاء : لا ضمان عليه - وللشافعي قولان(٣) - لأنّه فعل اُبيح لحاجة الحيوان ، فلا يضمن ما يتلف به ، كما لو داوى وليُّ الصبيِّ الصبيَّ ، فمات به(٤) .

والجواب : أنّه مشروط بالسلامة.

والجزاء يجب على المـُحْرم ، سواء كان إحرامه للحجّ أو للعمرة ، وسواء كان الحجّ تمتّعاً أو قراناً أو إفراداً ، وسواء كانا واجبين أو مندوبين ، صحيحين أو عرض لهما الفساد ؛ للعمومات ، ولا نعرف فيه خلافاً.

وإذا قتل المـُحْرم صيداً مملوكاً لغيره ، لزمه الجزاء لله تعالى ، والقيمة لمالكه - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(٥) - للعموم.

وقال مالك : لا يجب الجزاء بقتل المملوك(٦) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٤٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٧.

(٢) المغني ٣ : ٥٤٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٨.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٩٧ ، المجموع ٧ : ٢٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩٦.

(٤) المغني ٣ : ٥٤٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٨.

(٥) فتح العزيز ٧ : ٤٨٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٨ ، المجموع ٧ : ٣٣٠ و ٤٤٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩٦ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥١.

(٦) حلية العلماء ٣ : ٢٩٧ ، المجموع ٧ : ٣٣٠.

٤٥٩

وإذا كان الصيد في الحرم وتجرّد عن الإِحرام ، ضمن ، ولو كان مُحْرماً ، تضاعف الجزاء.

وقال الشافعي : صيد الحرم مِثْلُ صيد الإِحرام يتخيّر فيه بين ثلاثة أشياء : المثل والإِطعام والصوم ، وفيما لا مِثْلَ له يتخيّر بين الصيام والطعام(١) .

وقال أبو حنيفة : لا مدخل للصوم في ضمان صيد الحرم(٢) .

مسألة ٣٧٦ : الصيد إذا كان مثليّاً ، تخيّر القاتل بين أن يخرج مثله من النَّعَم‌ وبين أن يقوّم المثل دراهم ويشتري به طعاماً ويتصدّق به على المساكين ، وبين أن يصوم عن كلّ مُدَّيْن يوماً ، ولو لم يكن له مِثْلٌ ، تخيَّر بين أن يقوّم الصيد ويشتري بثمنه طعاماً ويتصدّق به ، أو يصوم عن كلّ مُدَّيْن يوماً.

قال الشيخرحمه‌الله : ولا يجوز إخراج القيمة بحال ، ووافقنا الشافعي في ذلك كلّه ومالك ، إلّا أنّ مالكاً قال : يقوّم الصيد ، وعندنا يقوّم المثل.

وقال بعض أصحابنا : إنّها على الترتيب.

وقال أبو حنيفة : الصيد مضمون بالقيمة ، سواء كان له مثل من النَّعَم أو لا ، إلّا أنّه إذا قوّمه تخيّر بين أن يشتري بالقيمة من النَّعَم ويخرجه ، وبين أن يشتري بالقيمة طعاماً ويتصدّق به ، وبين أن يصوم عن كلّ مُدٍّ يوماً ، إلّا أنّه إذا اشترى النَّعَم لم يجزئه إلّا ما يجوز في الضحايا ، وهو : الجذع من الضأن ، والثني من كلّ شي‌ء.

وقال أبو يوسف : يجوز أن يشتري بالقيمة شيئاً(٣) من النَّعَم ما لا يجوز‌

____________________

(١) حلية العلماء ٣ : ٣٢٢ ، المجموع ٧ : ٤٩١.

(٢) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٩٧ - ٩٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧١ ، المجموع ٧ : ٤٩١.

(٣) في النسخ الخطية والحجرية : شي‌ء. وما أثبتناه من المصدر.

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481